-
دخول

عرض كامل الموضوع : أسبوع وكاتب ...


صفحات : 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 [11]

وائل 76
31/08/2007, 15:11
عينان في عالم آخر ..

في ذلك المؤتمر الذي قيل أنه سيناقش آخر المستجدات على الساحة ، و في زاوية أحد الصفوف الخلفية جلس وائل ، لم تكن عيناه اللتان اعتادتا العتمة في سجن نفحة تستطيعان أن تبصرا الأشياء البعيدة ، و لكن لا يهم طالما أن أذنيه سليمتان فلن يفوته شيء ، فقد تدربت أذناه على استقصاء الأصوات البعيدة خلال سجنه الطويل عندما كان يصغي جيداً لوقع أقدام الجنود خلف باب الزنزانة بينما كان رفاقه يخيطون الأعلام من بقايا ملابسهم و يصنعون من أشيائهم البسيطة هياكل جميلة تجسد مشاهد الانتفاضة استعداداً للاحتفال بالمناسبات الوطنية التي كانوا يحاولون أن يتواصلوا خلالها مع رفاق النضال في شوارع الوطن ..

- الله على تلك الأيام ..

قال محدثاً نفسه بصوت مهموس تنبه له ذلك الجالس إلى جانبه دون أن يكلف نفسه عناء الالتفات لصاحب الصوت ..

كانت نظرات هذا الذي بجانبه تحمل الكثير من ملامح القلق و الترقب الموزّع بين ساعته و مدخل تلك القاعة التي امتلأت بالحضور ..
طبعاً فالمتحدث مسؤول كبير اعتاد الناس أن يشاهدوه على الشاشات ليتحدث باسمهم ، و هم يعتبرون رؤيته أمامهم وجهاً لوجه مغنماً كبيراً يحرصون عليه ..

- ترى لو قمت بدعوة هؤلاء إلى لقاء تضامني مع الأسرى في السجون فكم سيحضر منهم ؟؟

هكذا كان يحدث نفسه في اللحظة التي دخل فيها ذلك المسؤول الكبير و المنتفخ جداً لدرجة جعلت الجميع يقف تحية له ..

لكن وائل ظل جالساً في مكانه يراقب تلك الوجوه التي لا يميز ملامح أغلبها ، و ابتلع دون اكتراث نظرة ازدراء من ذلك الرجل المجاور له ..
- لا بد أنني الآن قليل أدب في نظره أو لربما تم تصنيفي ضمن قائمة المدسوسين من جهات خارجية ..!

لا يهم .. جميل أن لا ترى عيون الإنسان كل شيء ، فهو سيكون حراً في التصرف بتلقائية دون أن تحاصره وجوه جامدة لا يحب أن يراها ..

جلس الجميع و توجهت الأنظار و الكاميرات نحو المنصة التي بدت لوائل مسرحاً تتراقص عليه أشباح متشابهة ...

بدأ ذلك ( المناضل ) حديثه عن الشهداء و رحلة الكفاح الطويلة ، و حيّا الجرحى و المعتقلين بنفس الكلمات التي اعتاد الجميع على سماعها كمقدمة للسخافات التي ستأتي بعدها ..

كان كلامه قد اختير بشكل جيد يتناسب مع مستجدات المرحلة و يراعي وجود الصحافة و الكاميرات الأجنبية التي يجب الحرص على جعل صورتنا تبدو أمامها جميلة (حضارية) و بأعلى درجات حسن النية و الدبلوماسية ..

جال وائل ببصره بين تلك الوجوه الغريبة عنه ..
- واضح أنهم جميعاً من المنتفخين ... مؤكد لا يوجد بينهم واحد من أبناء المخيمات ..
سبحان الله .. حتى الوطنية أصبحت خاضعة للاعتبارات الطبقية ، فوطنية البرجوازيين لها خصائص و طقوس تختلف عن وطنية الفقراء ..

ما زالت كل الوجوه تتابع باهتمام بالغ كل ما يقال ، بينما رحلت أنظار وائل إلى حيث يستطيع أن يرى جيدا ..

كان يوماً مشهوداً في تاريخ السجناء هناك ...
- اليوم سنحيي ذكرى الانتفاضة الباسلة التي انطلقت عام 87 ، و التي كنتم أنتم وقود ثورتها و نواتها الأولى ..
هكذا بدأ وائل كلماته يومها مخاطباً إخوانه في السجن ..

كانت تكبيرات الرجال الحقيقيين تتعالى و تشق جدران السجن ، مع علمهم بأن سجانيهم لن يفوتوا عليهم ذلك التمرد دون عقاب ..
و مع ذلك أبوا إلا أن يرفعوا الأعلام التي هربت خيوطها الأمهات و الزوجات في الزيارة الأخيرة .. و أنشدوا جميعاً للوطن و الحرية و الفدائيين ، و أقاموا صلاة الغائب على أرواح الشهدداء و عاهدوا فلسطين على ألا يستسلموا ..

و جاء العقاب كما توقعوا من إدارة السجن ، فبعضهم حرم من حقه في النوم و الطعام و بعضهم تعرض للضرب ، أما وائل فقد أحيل إلى زنازين العزل بصفته الرأس المدبرة لكل تلك المشاغبات ..

و في عزله عاش أياماً طويلة مع العتمة ، حتى أصبح الظلام جزءاً من عينيه ،
لم يشأ أن يذهب إلى طبيب العيون بعد خروجه ، فشكل الحياة أجمل هكذا و كل ما فيها لا يستحق المشاهدة و التأمل ...

ما زال ذلك المسؤول يتكلم بأشياء غريبة لم يجدها وائل في قاموسه الذي شكل كلماته بالدم و المقاومة ...
- من أي كوكب أتيت يا وائل ، و كيف ستكون قادراً على المواصلة في عالم كهذا ..
كل شيء أصبح غريباً ، و كلماتنا القديمة صارت تراثاً لا يستذكر إلا لرفع العتب، و يوماً بعد يوم ستنسى و تحل مكانها كلمات حديثة تلائم الواقع الجديد ..

انتهى ذلك المسؤول من الحديث ، و بدأ الحضور يوجهون له اسفساراتهم بأدب جم و تأن شديد خشية الوقوع في خطأ لا تحمد عواقبه ..
و لا بد أن يشحن السؤال بكثير من عبارات التقدير و التبجيل و الشكر الجزيل على كرمه في منحهم جزءاً من وقته الثمين لمناقشة القضايا التي تهمهم ..

- اللعنة عليكم جميعا ..
هكذا كان وائل يجيبهم بصوته المهموس و الذي لم يكن يسمعه سواه هذه المرة ..
- ماذا تعرف عن المعاناة أيها الثرثار .. و ماذا تعرف عن الفقراء الذين تتحدث باسمهم ، و من ألبسك ثوب النضال هذا قبل أن يسألك عن رصيدك فيه ؟؟

انتهى المؤتمر و بدأ الجميع يتدافعون صوب ذلك المسؤول ليتبركوا بالسلام عليه بينما كانت نظراته تلاحق مصوري و مراسلي الوكالات الأجنبية ليطمئن بأن كلامه كان له وقع طيب عليهم و لم يكن فيه ما يسيء إلى الإنسانية و منطق العقلانية الجديد ..
فهؤلاء في نظره الوحيدون القادرون على الحكم على الأمور و تصنيفها ، أما الناس العاديون فلا بأس من مجاملتهم و شحن عواطفهم ببعض الشعارات الحماسية في موقع آخر لا يكون فيه تواجد للمراسلين الأجانب ..

كان وائل آخر من خرج من تلك القاعة التي كانت أضواؤها ترهق عينيه و تحبس أنفاسه ..

- ليتني بقيت معكم أيها الأحبة ، ليتني لم أخرج لهذا العالم المزيف الذي أصبح كل شيء فيه قابل للتغيير و المساومة ، أنتم وحدكم من تعرفون قيمة الرجال .. و بينكم فقط أستطيع أن أتنفس بحرية و أرى بوضوح ..

على عتبة بيته كانت أمه جالسة ترقب مجيئه بقلق لم تستطع أن تخفيه ..

- أين كنت يا حبيبي .. ؟ لقد انشغل بالي عليك كثيرا ...
- و أين سأكون يا أمي ؟ في جبهة القتال يعني ..
- لقد قلقت عليك .. أولاد الحرام كثيرون هذه الأيام ..

قال بعد أن أخفى وجهه على صدرها الذي ما زال يشتاق لدفئه الفريد :
- ربما أصبحوا جميعاً يا أمي أولاد حرام ...
- من هم يا بني ؟؟
- إنسي الأمر الآن فأنا متعب جداً .. أحس بأنني لم أعد أقوى على فعل شيء .. ليتني أستطيع أن اسافر إلى كوكب آخر ..

أمسكت وجهه بكفيها و قالت :
- أنت بطل يا وائل .. و عيب على الأبطال أن يتعبوا ..عيب عليهم أن يتكلموا هكذا ..

لم يشعر وائل بتلك الدمعة التي انتفضت فجأة على وجهه ..
- ياه يا أمي .. منذ متى لم أسمع هذه الكلمة ، أنت دائماً تذكرينني بحقيقة لا أستطيع العيش معها هنا ..

- و هل هناك من ينكر ذلك .. كل الناس يعرفون من هو وائل الذي دوًخ اليهود قبل أن يمسكوا به ..

ابتسم وائل و كأن الأمس ينتصب أمامه بكل تفاصيله ..
أجابها و قد علت ملامحه ابتسامة أراد أن يخفيها :

- ما دمت تعترفين بهذا و تصرين على تذكيري به دائماً فلا أريد أن أرى دموعك لو حصل لي شيء جديد ، اتفقنا ؟؟

أجابت بسرعة كمن استدرك زلته فجأة :
- (أنا ما حكيت إشي غلط .. بعدين يعني هو لازم الأبطال ما يعيشوا حياتهم مثل باقي الناس .. أنت عملت اللي عليك و زيادة )

أجاب وائل ضاحكاً :
- هكذا كل الأمهات .. تريد الواحدة لابنها أن يكون دائماً بطلاً ، و لكن شريطة أن يظل أمام ناظريها و دون أن يمسه سوء ..

سألته بقلق و هو يهم مجدداً بالخروج :
- إلى أين ؟؟
- إلى المسجد ..
- حسناً و لكن لا تنس بعدما تعود أن تحلق لحيتك ..

أجاب مستغرباً :
- و لماذا ؟؟
- أنسيت أننا على موعد غداً لنذهب إلى دار أبي محمد لكي ترى ابنته ميسون ؟...
- طيب و ما دخل لحيتي في الموضوع ؟!
- لا شيء و لكنك ستبدو أجمل بدونها ..

لم يتمالك وائل نفسه و انفجر ضاحكاً و هو في طريقه للخارج و قد أدرك ما ترمي إليه والدته ..

كم أنت بارعة يا أماه في تبرير ما تريدينه بكلمات مناسبة دائما .. و لكنها كلمات صادقة و عفوية .. ليست كتلك التي تحاصرنا بها الأجواء لتحبس ما تبقى فينا من أنفاس ..


* لمى خاطر

وائل 76
31/08/2007, 15:16
رسالة من الأعماق ..



كان لا بد لها قبل أن تخلد إلى النوم في ذلك المساء أن تسجل في دفتر مذكراتها ما جرى معها عصر ذلك اليوم .. لم تنتظر لتستجمع كل أفكارها بل تركت براعتها ترتب الكلمات كما تشاء، فكتبت :


رن جرس الهاتف فجأة في غمرة انشغالي بأعمال كثيرة متداخلة، جاءني عبر سماعة الهاتف صوت جارتنا أم يوسف على غير ما عهدته سابقا ..
- مساء الخير يا ابنتي .. هل يمكنك أن تأتي إليّ لبضعة دقائق ؟؟
- بكل تأكيد يا أم يوسف .. و لكن طمئنيني .. هل هناك خطب ما ؟!
- لا و لكنني بحاجة ماسة إليك قليلاً .. و الله يا بنتي لو كانت صحتي تساعدني لأتيتك بنفسي ..
- لا عليك، سآتي في الحال ..
لم أترك لنفسي فرصة للتكهن حول ما يمكن أن تريده جارتنا و أسرعت إلى بيتها دون تردد ..
لم تخف قسمات وجهها ملامح الترقب الشديد حين قابلتني .. و قبل أن أسألها عن مرادها أخذتني إلى الغرفة التي كانت ليوسف، و ناولتني قلم و ورقة من على مكتبه و قالت ..
- سيزوره المحامي غداً .. أريد أن تكتبي له رسالة على لساني .. لأنني إذا أرسلتها شفهية عن طريق المحامي لا أضمن أن تصله كما أريدها ..
تملكتني حيرة شديدة في تلك اللحظات و رغبة أشد بالبكاء .. أحسست بكل ذرة في كياني تقطر شفقة عليها ..
قلت لنفسي .. ربما لا تعلم بأن يوسف لا يزال في زنازين التحقيق .. و ربما أخفوا عنها أنه ما زال تحت وطأة التعذيب حتى لا تتدهور صحتها أكثر ..
قدرتُ بأنه لا يحبذ أن تصل رسالة من الأهل إلى ابنهم و هو في قسم التحقيق حتى لا يستسلم لمشاعره و يضعف .. فكيف إذا كانت الرسالة من أمه المريضة التي يعلم الجميع مقدار حبه لها و خوفها الدائم عليه ..
فالسجين يكون ظامئاً لأي شيء يصله بالعالم الخارجي تماماً كظمئه لنور الشمس أو نسمة الهواء ..
و يوسف بالذات يجب أن يظل صامداً .. لأجل أخوة آخرين له و لأجل كل الأشياء التي ضحى من أجلها ..
لم أدر ماذا أفعل .. هل أقنعها بالعدول عن الأمر .. أم أطلب من المحامي خلسة بأن لا يوصل الرسالة ليوسف و يكتفي ببضع كلمات يطمئنه من خلالها عن أمه ..
و خطر لي أن أقول لها :
- لكن المحامي سيخضع للتفتيش دون شك، و كما تعلمين فهم لا يسمحون بإدخال الرسائل ..
لكنها قالت ..
- سيجد الطريقة المناسبة لإدخالها .. عندما سجن يوسف في المرة السابقة كنت أهرّب له في كل زيارة صور الشهداء التي كان يطلبها و لم يمسكوها معي أبداً ..
لم أجد مفراً أمام إلحاحها و إصرارها الشديد .. أمسكت بالقلم و انتظرت أن تملي عليّ ما تريد ..
قالت : تعرفين يا ابنتي .. لا أجيد الكلام كثيراً .. و لكن المهم أن تصله رسالة من أمه .. اكتبي يا ابنتي :
بسم الله الرحمن الرحيم
ولدي الحبيب يوسف :
كلنا بخير و لا تقلق علينا .. اصمد أيها البطل و لا تعترف أبداً مهما فعلوا .. لترفع رأس أمك بين الناس .. الله يرضى عليك يا حبيبي ..
توقف الدم في عروق يدي فجأة حين لامس القلم هذه الكلمات .. رفعت رأسي لأبحر عميقاً في عيني هذه المرأة .. لأستل بعضاً من ملامح هذا الإصرار و ألملم ما وزعته هذه الكلمات من عزيمة تهتز لها الجبال العاتية ..
أحسست بثقل يتسرب إلى ساعدي و يهوي بكفي إلى مكان سحيق .. تملكتني حالة من الشعور بالضعف .. بالعجز أمام هذه الكلمات و تلك العينين الصارمتين اللتين كنت أشفق عليهما قبل لحظات ..
أيمكن أن يكون في العالم أناس مثل هؤلاء .. أيمكن أن يكون للتضحية معنى أكبر من هذا ؟!
أيّ أمهات أنتن يا نساء وطني .. الآن فقط أدركت السر الذي يجعل يوسف يقهر سجانيه دائماً دون أن يفلحوا في انتزاع كلمة واحدة منه ..
أفقت من دهشتي على صوتها تقول ..
- لا أعرف ماذا يمكن أن أضيف .. اكتبي له أية كلمات أخرى تساعده على البقاء قويا ..
- أين أجد كلمات أعظم من هذه و أبلغ في التعبير .. صدقيني هو لا يحتاج غيرها لأنها صادرة من أعماق أمه التي أنجبته و أرضعته مع الحليب هذه المعاني العظيمة ..
أجلت بصري في أرجاء الغرفة .. وقعت عيناي فجأة على بضعة أبيات ( من قصيدة لا تصالح ) على الجدار المقابل خطّها يوسف بيده و بالأحمر القاني :
لا تصالح !
و لو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك،
ثم أثبت جوهرتين مكانهما ..
أترى ؟
هي أشياء لا تشترى ..
.
.
.

لا تصالح على الدم .. حتى بدم !
لا تصالح و لو قيل رأس برأس
أكل الرؤوس سواء ؟
و هل تتساوى يد .. سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك ؟؟
قرأتها عدة مرات و كأنني أسمع بها للمرة الأولى .. أضفتها إلى كلمات الرسالة بخط كبير كذلك المنقوش على الجدار .. فقد خيّل لي بأن يوسف لا بد أن يكون قد خطها بدمه على جدران زنزانته هناك .. كما قد فعل الذي قيلت على لسانه هذه القصيدة ..
أخذت أم يوسف الرسالة و ضمتها إلى صدرها و تنهدت عميقاً قبل أن ترش عليها بضع قطرات من قارورة عطر كانت على جانب المكتب ..
و عادت قسماتها تشع بملامح الاطمئنان و السكينة .. أما أنا فقد تركت لدموعي أن تسيل غزيرة عندما أمسكت يدها و قبّلتها بعمق ..
ثم قلت لها و أنا أستعد للمغادرة : اطمئني .. سيصمد يوسف و سيظل ثابتاً .. لان من يملك أماً مثلك لا يمكن أن يتسلل إلى نفسه الوهن .. و سيخرج منتصراً على جلاديه كعادته دائما ..

* لمى خاطر

وائل 76
31/08/2007, 15:54
موعد ..



كجسد ذبيح يترنح من إثر طعنة عميقة .. تهاوى على سريره .. أحسّ بذلك الألم يتسرب في خلايا بدنه المتهالك .. وضع يده على قلبه الذي خال بأنه سيندفع من مكانه خارجا ..

حاول أن يغمض عينيه في محاولة يائسة للنسيان .. ما زال طيفها يلاحق نظراته حيثما استقرت .. رفع عينيه باتجاه سقف الغرفة الذي بدا له أكثر ارتفاعاً من ذي قبل ..
أرخى كفّه لتستقر فوق وجهه و أغمض بها عينيه عنوة .. حاول أن يزيل صورتها التي ارتسمت على جدار جفنيه في تقاطعات متداخلة أشعرته بدوار شديد ..

انتفض و نهض عن السرير .. لكن آثار الدوار كانت لا تزال تنهك قواه .. جلس و أطرق طويلا .. حاول أن يفكر بشيء يخرجه من حالة الهذيان التي باتت تلاحقه .. أراد أن يصرخ عاليا .. لكنه لم يستطع و كأن صخرة كبيرة كانت تسد حنجرته و تعيد صوته إلى أعماقه ..
اتكأ على حافة السرير .. ثم تنهد بعمق .. أحس فجأة بنسيم بارد يتغلغل في جسده .. نعم .. قال بصوت أقرب إلى الهمس .. منير هو الوحيد الذي سأجد لديه متنفساً من هذه الحال اللعينة ..

رفع سماعة الهاتف .. ضغط على أرقامه ببطء و لهفة لا تخلو من بعض الوجل .. شعر بدفء طفولي حميم عندما تهادى إليه صوت منير :
- ياه .. ما الذي ذكّرك بي يا عادل ..؟!
- أريد أن أراك في الحال .. أنا في حالة بالغة السوء ..
- حسناً و لكن ما الذي حدث لك .. ؟!
- لم يحدث لي شيء .. لكنها .. تزوَّجَت ..

* * *

سارا معاً صامتين .. ظلّ عادل واجماً يحدّق في الأفق الملبّد بالضباب والممتد أمامهما إلى ما لانهاية .. بينما كان منير شارداً مشغول الفكر لدرجة أحس معها عادل بأن منير لا يشعر بوجوده ..
حاول أن يكسر لحظات الصمت الرتيبة تلك .. قال بضيق :
- يبدو أن الضباب يلاحقني حيثما ذهبت .. أو أنه الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أجده في أي مكان ..
قال منير بهدوء :
- هو انعكاس لضباب عقولنا ليس إلا .. و حين فاضت به دواخلنا .. امتد ليطوقنا من الخارج أيضا ..

لم يعلّق عادل، فهو متعود على كلمات منير التي تصيب الهدف مباشرة و تنطلق دون عناء غير آبهة بما يعترض طريقها ..
التفت إليه منير أخيراً و قال :

- أما زلت تحبها ؟؟
- لم أكف عن حبها يوما ..
- هي لا تستحق ذلك .. فلماذا تجني على نفسك هكذا ؟!
- لا تكن قاسياً يا منير .. فهي كغيرها من الفتيات .. تحلم بحياة مستقرة هادئة .. حاول أن تلتمس لها عذرا ..
- أيّ عذر يجعلها ترفض رجلاً لمجرد أنه معرض للاعتقال أو الموت في أية لحظة ؟! .. ألسنا كلنا نعيش في سجون كبيرة و ننتظر آجالنا المكتوبة لنا منذ أن خُلقنا ..؟
- كن واقعياً يا منير .. لماذا أنت هكذا دائماً مغرق في مثاليتك التي لم يعد لها وجود على أرض الواقع ؟؟
- و هل الواقعية تقضي بأن تجعل من نفسك رهينة عاطفة كاذبة كهذه ؟!
- لم أكن أتوقع أنّ قلبك يحمل كل هذه القسوة ...
- ليست قسوة يا عادل .. لكنني أعطي قلبي من يستحقه .
- دعنا نغّير هذا الموضوع ..
- المهم أن تكون أنت قادراً على انتزاعه من تفكيرك ..
- لا أستطيع .. أنت لم تجرّب الحبّ ..
- من حسن حظي أني لم أجربه على طريقتك .. أتعلم يا عادل .. مشكلتنا جميعاً تكمن في أننا نقدس كلّ شيء نحبه حتى لو كان فيه هلاكنا ..
انظر أنت لنفسك مثلاً .. لقد تخليت لأجلها عن كل شيء .. مبادئك .. طبيعتك .. أصدقائك .. و كلّ الأمور التي عشت من أجلها .. قدمت كل ما من شأنه أن يقنعها بالزواج منك .. و ماذا كانت النتيجة ؟ تركتك و اختارت الرجل الذي تظن بأنه قادر على تحقيق حلمها بتلك الحياة التافهة التي تريدها ..

قال عادل متبرما :
- منير .. أردت رؤيتك لتخفف عني .. فلماذا تصرّ على تعذيبي .. ألا يكفي ..
قاطعه منير:
- تعرف جيداً بأنني لا أجيد المجاملة .. و الأهم من هذا أنك تعرف مقدار حبي لك و حرصي على مصلحتك .. و لهذا لا أحب أن أراك ضعيفاً .. معذباً و تائها .. يجب أن أفتح عينيك على الحقيقة التي تحاول أن تتجاهلها و تهرب منها متذرعاً بتلك المبررات السخيفة ..

أحس عادل بتلك الكلمات تتناثر في أنحاء روحه كقطرات حارقة .. لكنها مع ذلك كانت تزيل شيئاً فشيئاً جزءاً من ذلك الركام الذي طالما استوطن زوايا قلبه ..
كان دائماً يتساءل عن سرّ تلك العذوبة التي تقطر من نصل كلمات منير الجارحة و التي يجدها كالبلسم كلما خلا إلى نفسه ..

وجد نفسه يقول :
- ليتني أستطيع أن أكون مثلك يا منير ..
لم يعلّق منير .. كانت عيناه تبرقان بومضة غضب هادئة رسمت حول عينيه هالة جميلة من السكون الثائر فغدت جزءاً من ملامحه و نظراته ..

تابع عادل :
- انس الأمر يا صديقي .. لكن قل لي .. ما هي أخبارك أنت ؟؟
التفت إليه منير و قال :
- و هل تهمك أخباري كثيراً ؟؟
أجاب عادل بأسى :
- أنت تعلم بأنني لم أبتعد عنكم إلا بسبب ما تعرفه من وضع نفسي سيء كان يلم بي .. و على كل حال .. لا أريد أن أتذكر ذلك الماضي .. قل لي أنت .. ألا تفكر في الزواج ؟؟

ابتسم منير و أجاب بعفوية :
- بلى .. و لكن حين أظفر بمن يمكن أن تحتمل قسوتي ..
قال عادل معترضاً .
- لا .. ليس لهذه الدرجة .. صحيح أنك رجل صعب لكنني أكثر من يعلم أيّ إنسان رقيق يعيش في داخلك .. لكنك لا تحب أن تفسح له المجال ليعبر عن نفسه بحرية ..

لم يجب منير .. و اكتفى بابتسامة ارتسمت تلقائياً على محيّاه ..
فقال عادل :
- لم تتغير يا منير .. لا زلت منير ذاته الذي عرفته منذ أن كنا سوياً على مقاعد الدراسة ..
- و هل تغيّرت الظروف حولي حتى أتغيّر ..؟ صحيح أن كلّ الأمور أصبحت متأرجحة .. فخلنا أنها تقدمت إلى الأمام أو رجعت إلى الخلف .. لكن المحصلة هي أن كل شيء لا زال على حاله ..
- أحتاج أن أراك دائماً يا منير .. لا تعرف كم هذا مهم بالنسبة لي ..

تنهد منير قبل أن يقول :
- قد لا تمهلني الأيام لذلك ..
- كلماتك تشعرني بالقلق .. و تخيفني أيضا ..
- لكنها الحقيقة على أية حال .. و إذا أردت نصيحتي فلا تحاول رؤيتي مرة أخرى .. عيونهم تلاحقني في كلّ مكان .. ربما يريدون تأجيل قتلي لأمر في نفوسهم .. و وجودك معي سيضرّ بك كثيرا ..
انتفض عادل و قال بحزم :
- لا تتكلم هكذا يا منير .. أنا لست نذلاً أو جبانا لهذه الدرجة .. تعرف أنني كنت على استعداد دائم لكي أفديك بنفسي ..
- حسناً .. و لكن عليّ أن أذهب الآن .. لديّ موعد هامّ بعد قليل .. و .. أريد أن أودعك أيضاً .. فقد لا نلتقي مجددا ..
مدّ منير يده ليصافح عادل .. لكن كفّ عادل تسمّرت في مكانها .. أمسكها منير و ضغط عليها بحرارة .. و قبل أن يدير ظهره ليمضي .. قال عادل :
- انتظر قليلاً .. كنت أريد أن أسألك سؤالا ..
- تفضّل ..
- هل .. هل بإمكاني أن أذهب معك إلى ذلك الموعد ؟ .. أعني .. هل لا زال لي مكان بينكم ..؟؟
- الأماكن الثابتة لا تتغيّر يا عادل .. نحن الذين نهجرها و نستبدل بها غيرها .. لكنها تظلّ في مكانها ..
- هذا ليس وقت كلماتك الفلسفية .. أجبني بصراحة ..
ابتسم منير و قال :
- بكل تأكيد يا عزيزي ..

تقدم عادل و ألقى برأسه على صدر منير .. عانقه بحرارة كمن وجد ضالته بعد ضياع طويل ..
أمسك منير بكتفي عادل و قال بصرامة لا تخلو من الدعابة :
- هذا ليس وقت المشاعر .. يجب أن نذهب .. لم يبق غير عشر دقائق على موعدنا .. اسبقني أنت إلى الباحة الخلفية للمسجد القديم .. و سألحق بك بعد قليل ..

رفع عادل يده إلى رأسه مؤدياً تحية الانضباط .. و قال :
- أمرك أيها الجنرال ...
* لمى خاطر

وائل 76
31/08/2007, 16:01
وجه في المخيم ..



ترجّل من السيارة بعد أن طلب من سائقها أن ينزله عند مدخل المخيم بدلاً من أن يوصله إلى منزله الواقع في أقصى المخيم.. لم يعبأ لملامح الحيرة التي ارتسمت على وجه السائق و الذي اكتفى بأن ابتسم و هو يشغل محرك سيارته من جديد و قال له: حمداً لله على سلامتك..!!


تسمّرت قدماه قليلاً عند باب المخيم، كأنما كان يعدّ نفسه لعبور عالم جديد يكتنفه المجهول.. استفاقت ذاكرته على مشهد كانت قد توقفت عنده منذ عشر سنوات عندما غادر بيته في تلك الليلة العاصفة..
شوارع المخيم المغسولة بالمطر و جدرانه الموشاة بالشعارات كانت آخر ما علق بذاكرته قبل أن يضع الجندي العصبة السوداء على عينيه..
كأن زخات المطر التي انسكبت على رأسه و وجهه قد أزالت عن ذاكرته ركام الغبار الذي كدسته أعوام الاعتقال فاستحضرت لحظاته البعيدة بكل تفاصيلها الصغيرة..
أجال نظره في الشوارع و المباني من حوله.. معظم الأشياء لا تزال في مكانها، لكن معالمها تغيرت كثيراً، حاول أن يبحث عن كل ما يمكن أن يعيد إليه دفء الذكريات القديمة..

في هذا الشارع كان يضع المتاريس مع رفاقه و يشعلون الإطارات، غير أن الجدران المهدمة التي كانوا يكمنون خلفها لدوريات الاحتلال لم تعد موجودة، و خلف هذه المدرسة كان يصنع الزجاجات الحارقة بعد أن يبذل جهداً كبيراً في إقناع العامل في محطة المحروقات بأن يبيعه البنزين لقاء أي أجر يريده..!!
و في ذلك المسجد كان يجتمع مع أشبال المخيم بعد صلاة الفجر ليوزع عليهم أدوارهم في مواجهات ذلك اليوم..
و هنا .. في هذه الزاوية استشهد صديق عمره أحمد.. وقف عندها طويلاً لا يحرك ساكنا، و ترك لدموعه أن تمتزج برذاذ المطر المتناثر على وجهه.. خيل إليه للحظات أن خيطاً من دم أحمر يمر من أمامه و يصبغ الأرض كلها بلونه.. بدا له ذلك المشهد القديم حاضراً بألمه ومرارته ذاتها.. حاول أن يحبس دموعه دون جدوى، ثم أطرق و مضى واجما..

أشياء كثيرة بدت له غير مألوفة، أهكذا تفعل عشر سنوات في بقعة صغيرة كهذه؟!، أدهشه أنه لم يعرف أحداً من الذين صادفهم في طريقه، بل شعر أن أياًً منهم لم يلتفت نحوه..!! وجوه كثيرة لا يعرفها، و ملامح غريبة يحاول أن يجد فيها شيئاً من ماضيه الغارب..

طرق ذاكرته فجأة صوت صديقه عامر الذي آثر الاغتراب على مرارة البقاء:
- لن تجني شيئاً إن بقيت هنا يا خالد؛ ستموت أو تمكث في السجن أعواماً طويلة لتخرج بعدها جسداً منهكاً لا يعبأ به أحد...!!
تذكر تلك الصفعة التي وجهها لعامر يومها، و الأوصاف التي نعته بها ردأ على كلماته تلك.. ابتسم قليلاً، حاول أن يطرد هاجس اليأس الذي شعر بشبحه منذ أن دخل المخيم ومنذ أن تعمق في داخله شعور مرير بالغربة..

توقف عند عيادة المخيم.. لا تزال في مكانها السابق، لكن أياً من الذين يعرفهم فيها ما عاد موجودا.. دخل إليها بخطى وئيدة، وقف في غرفة الانتظار.. أدار عينيه باحثاً عن ذلك المقعد الجلدي الذي جلس عليه يوم أصيب برصاصة في ساقه، لكنه ما لبث أن تنبه لصوت الممرضة تسأله إن كان يريد شيئا، فهز رأسه نافياً، وتذكر نسرين.. الممرضة التي استشهدت و هي تحاول إنقاذ أحد الجرحى بعد أن حاصرها الرصاص من كل مكان..

خرج من باب العيادة.. مدّ بصره عالياً نحو السماء.. شعر أن الغيوم التي تلبد سماء المخيم كأنما تجثم على صدره، و أن ذلك السكون الرتيب الذي يجلل الوجوه و الشوارع يكاد يخنق أنفاسه.. أمعن في النظر حوله باحثاً عن شيء من بقايا تلك الأيام المشتعلة التي شكلت حياته و عالمه في ذلك المكان.. لم يجد غير الشعارات و صور الشهداء المعلقة على الجدران.. حتى الشعارات بدت له مختلفة و خالية من عبق الماضي البعيد الذي يتوق إليه..

عند مدخل الطريق الموصلة إلى منزله، وعلى جدران إحدى البنايات واجهته لوحة كبيرة عليها صور أسرى المخيم، و تحتها كُتب بخط عريض جميل: (أسرانا لن ننساكم.!.)
بحث عن وجهه بين تلك الصور، وجده يحمل ملامح أكثر شباباً و نضارة، و عينين أكثر بريقاً و تألقا..
و قرب ذلك المكان كانت هناك مجموعة من الصبية يمارسون هواية اللعب بالماء المتجمع في برك صغيرة.. خطا نحوهم بضع خطوات، و أومأ إلى أحد الصبية ليأتي أليه، ثم قال له مشيراً إلى صورته على الجدار:
- أتعرف لمن هذه الصورة ؟
فأجاب الصبي على الفور:
- نعم، إنها لخالد؛ ابن جارنا الحج صالح..
- و ماذا تعرف عنه؟
- يقولون إنه كان من أبطال المخيم في الانتفاضة.. و يقولون إنه من كان يصنع الزجاجات الحارقة، و إنه كان يصيب دوريات الجيش دائماً و يحرقها.. و يقولون...
فقاطعه خالد بمودة:
- حسناً، يكفي.. شكراً لك، يمكنك أن تذهب..

تنهد خالد عميقاً، و شعر بالهواء النديّ يتخلل مسام جسده كلها و قد علت وجهه ابتسامة فريدة كستها الشمس التي تسللت خلال الغيوم للحظات بهاء خاصا..
استدار ليكمل الطريق إلى بيته، تسربت إلى روحه رائحة الشتاء التي افتقدها طوال سنوات الاعتقال، فبدت له جدران المخيم و شوارعه و قد تلألأت عليها قطرات الماء تحت أشعة الشمس لوحات ناطقة بالحياة و الإصرار..
توقف أمام بوابة منزله، و استجمع قواه ليمتع عينيه بمشهد تلك الدهشة الحميمة التي سيطالعه بها وجه أمه حين تفتح له الباب..
* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 01:29
رغم إنتظامها بشكل دوري في كتابة المقال السياسي لعدة صحف و مواقع إلكترونية إخبارية .. مع ما تستوجبه كتابة المقال السياسي من تخصص و متابعة للتطورات المتلاحقة و المتسارعة يومياً .. إلا أن ذلك لم يُجرد الكاتبة و الأديبة " لمى خاطر " من جذورها الأديبة .. بل إستطاعت توظيف متابعتها و إدراكها للتطورات المتلاحقة في خدمة نصها الأدبي ليخرج في صورة بهية متألقة يجمع في ثناياه عذوبة اللفظ و روعة الصورة و ينقل فيما خلف السطور تشخيصاً واعياً دقيقاً للقضية بأبعادها المختلفة ..

إستطاعت الكاتبة و الأديبة " لمى خاطر " توظيف النص الأدبي في خدمة قضية تؤمن بها و بعدالتها بعيداً عن التربُح و المساومة .. فالقيمة تفقد قيمتها حين تُمسخ في صيغة " سلعة " تقبل المقايضة !!

" لمى خاطر " قلم أجاد العزف المنفرد على وتر أوجاعنا و آلامنا .. فقد بدأت ولا زالت حتى الآن تُغرد خارج السرب .. جوائزها تنحصر في إبتسامة دافئة ترسمها على شفاه " أم يوسف " و باقي أمهات يوسف ممن خطف الموت أو قضبان السجون أحبتهم فغدت إبتساماتهم شيئاً من الذكري ليس أكثر !

الآن سنكون على موعد مع بعض خواطر الكاتبة و الأديبة " لمى خاطر " أتمنى أن تنال إعجابكم و أن تترك أثراً في نفوسكم ..

وائل 76
02/09/2007, 01:31
لعيون القدس ..



الآن يا مدينة الأفلاك المعلق نورها بمدارج السماء…

الآن يا عروس الوجه المقابل لاخضرار السهول المنداح سحر ظلالها بين ساحاتك و أروقتك العتيقة…

الآن يا أميرة الحواضر الراسيةِ خيولها على ضفاف الروح…ترقب فرسانها القادمين مع نضارة الفجر الطالع من زوايا حاراتك القديمة يرد التحايا على جموع الصامدين كل في موقعه..يأوي إلى عروق الحنون حول سورك الملتف بلحمة قدسية جعلت منه شامة تزدان بها ملامح وجهك الساحر…

الآن يا بريق الصبح في عيون الراقدين قرب محرابك الكبير…هزي من حولك طرق المدائن الغائرة في وحل ظلامها..اغسلي أستارها بفيض بهائك الآسر ..اغمري أبوابها بنداء أحمد يوم خشعت خلفه قلوب الأنبياء و طاف جلال صوته أركانَ آفاقك الرحبة فأضفى على قسماتها قدسية خاصة ظلت معلقة بحنين قبابك الشماء..تروي تفاصيل الجرح الغائر و الوجع المتجذر عبر السنين…

هي لحظة انكسار الحلم و الدمع المشتت في فضاءات المدن المكلومة حين لملمت جرحها و بقايا فرحها و شخصت أبصارها صوب مساحات الأسى النابت حول ثغرك الجميل..وهبتك فرسان فجرها الذين قدِموا إليك حاملين وعدهم و عشقهم و رحيق الأفق المندى بعطر الذين صعدوا تباعاً يتزاحمون على بوابات السماء.. هي الخيول ذاتها… ما زالت تصر على أصالتها و بقايا ذاكرتها .. ما زالت تحتفظ بعبق زحوف الفاتحين منذ عهد ابن الخطاب و صلاح الدين و حتى زمن الضياع .. لكنها اليوم تأوي إلى مرابطها القديمة و ينهمر الدمع السكيب في فضاء عيونها الجميلة .. تبحث عن رائحة فرسانها الأوائل يمتطون صهوة أحلامها.. لا تثني عزيمتهم قيود و لا يعيق خطوهم إحكام الحصار …

هي الخيول ذاتها .. تعقد بين ناصيتها وثاق عهد و بيعة و تسلمه لأولئك القادمين مع صدى المآذن المجلجلة بالتكبير .. تشيح‘ بوجهها عن أصحاب القامات المترنحة بين أروقة الفنادق و المكاتب الفاخرة .. يتلعثمون بكلمات الوهم إياها و يشربون من ذات الكأس المسربل بالهوان …

هي دروب حاراتك الموصدة أمام العابرين تظل شاهدةً على مرارة الهزيمة و آثار الخيانة .. تظل رابضةً على ثغور الوعد.. تحكي قصة الذين حجزوا فجرها و حجبوا عن مداخلها الضياء … قصة الذين داست حوافرهم نضارة العشب المترامي حول ظلال قبابك المسكونة بالجلال …

و حين يعتصر السواد أفق العواصم التي باعت طهر ترابها للغزاة.. حين يخيم الضباب على امتداد النهر الواصل بين حديّ المقاومة و الانكفاء إلى حدود الذل المطبق حول رقاب الذين هدهم حمل السلاح … حينها سيبزغ فجرك القدسيّ من بين الحراب و يسبغ أنوار الضحى على الذين ذبل في عيونهم ألق الحياة و اكتست ملامحهم بنحيب الوجع الضائع بين شتات الفرح …

حينها سيفرّ النوم من عيون الحمائم الواقفة على شرفات الشوق و حول أسوارك المسبية .. ستظلّ ساهرة تتمتم بكلمات الدعاء و نشيد صوتها المخنوق تنتظر قوافل الثائرين بشوقٍ غامر يخالطه دمع سخين ..تعلق على صدورهم نياشين الصمود .. تنزعها عن الأكتاف المزيفة التي فقدت أصالتها و ضيّعت هيبتها التي نسجتها أعمار من الدماء و البنادق قبل أن يرتد رصاصها إلى زنود الثابتين على حروف الوعد إياه …

و تبقى وحدها شمس الأصيل .. تنسج حول عينيك هالةً من أطياف الفرح و روعة أنسام الصّبا .. تحجب عن سمائك و هدب قلبك الكبير دخان رصاصهم الغادر و أبواق الناعقين بالشعارات المهترئة .. تبقى خيوط الشمس تتسلل عابرةً كل الحواجز و السدود .. تلوذين بدفئها من برودة الدم الذي ما عاد ينبلج من حدّ السيوف المرصوصةِ أغمادها على جدران القصور .. يعلوها غبار الوهم و معالم العار الذي سيجلل تاريخ أصحابها و يكسوه بالسّواد …

و حين تلتقي أقباس الوجْد بين ضلوع فجرك الموعود يَذْوي من حرارتها ظلام الأمسيات الحزينة و صقيع الأجواء القاسية و يمتد سحر جلالك المخزون في خبايا سورك المرصع بدماء الذين رحلوا و يرسم صوراً لحياةٍ جديدة تفيض دروبها عزاً و كرامة و ترفع رأسها في حبور لتعلن للحواضر أجمع أن ساعة الفرج توشك أن تحين …


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 01:33
شمس لن تغيب ..



هو عيدك الأول يا أمنا الغالية ... يا أرضاً ما غادرتها سنابل الشوق .. يا صدراً عامراً بالحكايا .. يا جبيناً رصّعته ضفائر العشق في انتظار عامها الثاني ..

هي أطياف الشمعة الأولى .. تدفىء القلوب بعبير الصمود .. تذيب الصقيع عن أطراف كبّلها القعود .. ترسل للمنفيين شموساً تطرد وحشة السواد و تنبت الحب و الانتصار ..

هي انتفاضة الأذرع المشرعة في وجه الدمار .. تعبر عامها الأول محملة بأسرار الصبر و صلوات الراحلين .. تعيد ترتيب الخرائط التي خبأها الأجداد قبل أن يتفرقوا في مجاهل البلاد الغريبة .. ترسل الأشواق لثورة كانون الأولى .. تستمد منها الزاد و تعدها بمواصلة المسير .. تضمد جرحها المكلوم بخنجر التخاذل .. تُقرؤها تحايا الصغار الذين ولدوا في أيامها الأولى و أصبحوا الآن جنوداً يافعين .. تنبض أرواحهم بوجع القدس و ابتهالات الاقصى ..

بين ثورة كانون الأولى وانتفاضة المسرى جسر طويل مسيج بالدم .. راية نسجتها أرواح آباء رحلوا قبل اكتمال البدر، فحملها الأبناء و طرزوا عليها حروف الوطن و خضبوا خيوطها بالحناء ..

بين غيث كانون الأول و شمس أيلول اللاحقة عشق أبدي و حب دائم لا ينقطع يحمل ذات الوميض و يتوحد في ذات الدرب و تحت ذات اللواء ..
بين ذاك الغيث و هذه الشمس الساطعة ملامح مشتركة و لغة واحدة .. بينهما أطفال يحملون لون الحجارة .. و حجارة ترتشف عبق شمس مذهبة بحكايا الفداء ... بينهما أمهات يودعن الدمع و يطلقن زغاريد الاستبشار .. و متاريس تختبىء خلفها عيون تحدق في الفجر الطالع من شقوق الجراح ..

بين أمسنا المغتال و صبحنا الذي يصارع من أجل البقاء توحّدٌ في الهم و المصير .. أمنيات واحدة يلفحها يباب اللاهثين خلف السراب .. المتراكضين نحو عواصم الصقيع و الضباب .. يخشون على وثائق التطبيع من أن تدوسها أقدام طفل يلاحق مجنزرات الخوف في غزة الرجال ، و يطارد الجنود المرتجفين في خليل الصامدين و نابلس الإباء ..

لا تنظري لتلك الوجوه الخائفة يا أمنا الغالية .. يا عطاءً لا يعرف الحدود .. لا تلتفتي لكل من يغريك بالعودة من أجل نصر أجوف و دولة هشة ... ردي عن عيونهم طرفك المكحل بالبارود، و صمّي دونهم آذانك المسكونة بأنات الثكالى و حشرجات المكلومين ..
إرفعي عينيك إلى السماء و استمطري الغيث المحمل بالبشائر .. أبرقي لساكنيها الوعود و التحايا و أجمل الورود
امضي و معك الذين اصطفوا خلفك في درب طويل ناظر إلى النصر دوما .. معك أشواق محمد و ايمان و سارة .. و ثارات سعيد و عز الدين .. معك من كل ربوة حجر و رشاش يرسم الخطى و يسافر في عمق الجراح عطرا

و لك وعد من الأرض بان تقاوم الجدب و جفاف الفصول .. و عهد من السماء بأن لا يكون لغيثها آخر أو لشمسها انتهاء ...


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 01:35
لهم يحلو النشيد ..



لهم وحدهم يحلو النشيد

لهم وحدهم تخشع القلوب إذا ما مسها الطيب المحنى بابتساماتهم

لهم تصهل العاديات إذا ما كبلتها سلاسل القعود و ضاقت صهواتها بالعاجزين

بهم تهيب الأرض إذا ما شققها الظمأ و ضجت بالأنين

بهم يباهي الوطن حواضر العتمة حين يزين كفيه بخضاب دمهم

فهم وخزة الفعل في أطراف القاعدين

هم انتفاضة الثأر تغمر الواهمين باليقين

و هم غرس الصمود النابت من شقوق الجراح

يا غضبة خيل الله في أرجائنا
يا دروعاً ترد عن كرامتنا الأذى و تحمي حياضنا من انتهاكات الأغراب

سلام عليكم و أنتم تتسربلون بالضياء.. تتوضؤون بالطهارة و البهاء.. و تزنرون الجسد بالشظايا.. فإذا هي عليكم برداً و سلاما.. و عليهم وبالاً و سجيلا..

سلام على أمهات أرضعنكم الحماس عزة و شموخا.. و احتبسن الدمع حين عاد الحمام قانيا مغرداً أناشيد الرحيل

سلام على مرابض البطولة التي أنجبتكم، و على صدى المنابر التي غذت عروقكم بعشق امتطاء النجوم

يا بيارق صبرنا الجميل
يا نشوة الفجر في ديار سيجها النشيج المتصاعد من قلوب المستضعفين

حين تحاصر أشلاؤكم أسوارهم يندثر العساكر خائبين، يهترئ (الكاكي) على أجسادهم، يلوذون بعار يردي بأعناقهم، فتتساوى قاماتهم بالتراب، لتطأها خطاكم المتسامقة في كل الآفاق.

و حين تسافر أخبار انتصاراتكم في حواري الصمود الناطرة بشائر الفداء، يطوق الوطن أرواحكم بالرياحين و يزين صدوركم بالنياشين، قبل أن تحملها ملائكة الرحمن إلى دوح الجنان.

إنه الوفاء يا سادة الوفاء في زماننا.. دَين الذين لم يهتك لهم عهد، و يقين الذين آمنوا بأن الأحرار بقسمهم لا بدّ بارّون..

فلا مكان للحزن حين تومض العيون بأفراح الشهادة و حين يحتضر الألم مؤذناً بالرحيل إلى غير عودة

لا مكان للحزن حين يصطف الفرسان في موكب الفداء أسرابا، و حين يسرّون لأمهاتهم بأنهم على موعد مع الزفة الكبرى هناك، حيث ستتحلق حولهم كل النجوم التي قضت نحبها قبلهم و ظلت عيونها معلقة على باب السماء ترقب ركب من كانوا في الانتظار و ما بدلوا تبديلا، فتشير إليهم حين تتلمس الأكف موضع الزناد أن هلموا إلينا، فها هنا يطيب المقام لأنفس لا تظمأ أبدا.


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 01:52
لا عرس كعرسك ..



آه أيها الأب الغالي
تصفرّ الكلمات في أقلامنا و تتيه في فمنا الحروف
يذوب من قلوبنا وهج البلاغة
تعتذر القوافي و مقامات العشق الطوال.. فما بوسعها أن توفي عينيك شكل البريق فيهما..
و ما باستطاعة نسغ الدم أن يستحيل حبراً يواسي الأرض بعظم المصاب..
نعزي بعضنا بحشرجات تخنقها الدموع..
نهرب بعيوننا نحو السماء.. نستمطر الغيث و ثأر الأوفياء..
نتمنى لو أتيح لأعمارنا أن تكون لضلوعك السياج..
نخرج مع الجموع التي حركها الغضب و هالتها الطعنة الكبرى..
نهتف للدماء وللخيول.. للقسام و للزنود المزينة بالبنادق.. لفلسطين من جرحها لقيدها.. و من وجعها حتى اشتعالها..
يحمّلك المودعون سلامهم لمن ستلقاهم هناك..
يهمسون إليك أن قبل جباه الناطرين على باب السماء..
أقرئ أبا أيمن تحايا المسافرين في وصاياه.. بلّغ أبا مصطفى سلاماً بحجم قلبك.. سلم على عياش و الجمالين و المقادمة و أبي شنب..
و قل لهم أن الأحرار ما هانوا..

لا عرس كعرسك سيدي..
لا يوم كيوم تخرج فيه الأمة كلها لتشيع نبض عروقك لقلوبها و لتغسل عار القعود بنداء الشهادة..
لا أروع من يوم تخرج فيه فلسطين بكامل أطيافها..
كل الأكف تحمل راية واحدة، تتوشح عيونها جميعاً بنكهة الغضب ذاتها.. و ترتفع الحناجر كلها بهتاف واحد يبلسم جرح الفضاء:
من غزة حتى جنين... كلنا أحمد ياسين

يا ويح جبن المرتعدين من صوتك..
أما علموا بأن الدم يلم أشتات المقهورين.. و أن الجرح حين يتسع مداه تورق جوانبه سيوفاً؟
أما علموا بأن قنابلهم تشحذ في نفوسنا الإصرار و تفتت حواجز الفرقة بين الضلع والضلع في صدورنا؟
هل غاب عن كبير جزاريهم بأن روحك وصلت إلى بارئها تحفها الملائكة قبل أن تؤوب طائرات خزيهم لتبشر بنجاح خيبتها..؟!
فما تراهم قد صنعوا بالجسد حين فتتوه و شربوا أنخاب انتصارهم على أشلاء ستظل أشباحاً تطارد جبنهم و تدب في أطرافهم الوهن و هاجس الهلاك..

فطأ بعزمك هاماتهم يا سيد الفرسان
اهزأ بخرافة جيش تلاحق طائراته كرسياً متحركاً تتربص به و تنخلع قلوب جنودها لمرآه.. فتصب عليه نار جبنها..
دس بقدمك المشلولة قامات أمراء عشائر العرب..
اكشف عجزهم و شلل مروءاتهم المراقة على أعتاب الأغراب..
دعهم لذلهم و خواء نفوسهم
و امض أنت إلى حيث شاء لك الله أن تكون
و إلى حيث تشير بوصلة العز حين تعبر الزمن الرديء نحو قمة الفخار
حيث النجوم تنحني للكبار
و حيث تنطبع النيازك نياشين على صدورهم

هو الدم يا سيد الأوفياء
زاد الذين نذروا أعمارهم للإله..
به يعبرون جسراً يدلف إلى عالم المجد و البهاء، و حين تذرفه أجسادهم تفتّح لها أبواب السماء.. و بمسكه يبعثون في الهمم الحياة..
هكذا تختتم مسيرة العطاء يا أمير الجياد..
و بهذا الفخار المغروس فينا للأبد تتوج صباحك الأخير في غزة الشهادة..
و بأطراف أشلائك المشلولة تخط على الجدران حكاية قائد رحل عن العيون ليسكن ذاكرة الموج و الرجال والصغار الطالعين من وجع اللجوء..
على مشهد بقع الدم المبارك يغمض البحر عينيه..
غير أنه لن يلبث أن يستفيق على صباح آخر يلفحه الهدير.. حين تتوالى إليه من بعيد أصوات القسام و أخبار انتصاراته.. ليشهد مع الأرض و السماء انبلاج الفجر وغروب زمن المحتلين..


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 01:55
غضب توزعه دماك ..



غضبٌ توزّعه دماكْ

نهر من الأقمار تبعثه يداك

يا سيدي
يا أيها المنثور بين ضلوع امتشقت نداك

يا أيها المسكون بالأنوارِ
بالزهر المندّى في رباك

آهٍ..
و هل في القلب متسع لحزنٍ
مثل موج البحر إن غربت خطاك ؟

يا ليت هذا الشوق في دمنا تدافعَ
كي يدثر ما ترقرق من دماك

ها نحن نفضي بالحنين إلى ابتهالات المدى
نستطلع الأفلاكَ.. نحصيها..
و هل في الأفْق من نجم سواك ؟

واخجلةَ الأعراب إذ غارت عيونهمُ
و نخوتهمْ
و إذ أفلت أصالتهمْ
و ظلت صولةُ الفرسانِ
تصهلُ في مداك


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 02:01
أحلام ..



يا فارسة حلمنا الجميل.. الممطر على دوح أرواحنا بهاءً..
يا فخرنا المتسامق في كل الآفاق.. يوزع الشموخ و نفحات الإباء..
يا ضفيرة عزّ مخضوبة بريحان الشهادة ..
يا خفقة من عزم ذلك الجواد إذ أومضت خطاه معلنة أوان الارتحال للنجوم..

أسمِعي الأمة كلها صوتك الهازئ بقيودهم..
أسمعي رجال العشيرة صرخة الحرائر اللواتي عبرن حدود رجولة سئمت من لا يحسن الانتساب إليها..
حدثيهم عن شهور العتمة التي ما أطفأت في قلبك شمعة الكبرياء..
حدثيهم عن ألم السلاسل و قهر الزنازين..
عن الفرح الذائب من عيون أمهات سلبوا أطفالهن عطر الأمومة المأسورة..
حدثينا و حدثيهم عن الصبر يا أحلام..
عن جذوره النابتة على أهدابك المبتلة بدمع الاشتياق..
واعتلي صهوة الفجر الهارب إليك من وطأة الوالغين في الظلام..
اغرسي كلماتك نصالاً في قلوب سجانيك و أولئك الذين أرادوا أن يحاكموا عشقاً لوطن مكدس بالأشلاء..
اقذفيها رصاصاً في وجوه العاجزين و الملبدة قلوبهم بالخذلان..


لن يرحل صوتك من دمنا
و لن تغيب إيماءتك عن ملامح الدروب التي اغتسلت بغضبة عينيك و أشلاء عزالدين..
و ستبقى نبرة الإباء في عروقك رحيقاً يأوي إلى حيث الزهور النابتة على أطراف الحواري الصامدة والمخيمات الحالمة بساعة الإياب..

فاهزئي بحقدهم.. ازرعي الحيرة في عقولهم المتصدعة.. و زلزلي أركان قانونهم المهترئ..
قولي لهم إن موعدنا الحقيقي سيكون هناك، في مكان لا يحسب أمثالكم له حساباً..


ست عشرة نجمة ستسافر اليوم إلى جبينك العالي..
ستة عشر حلماً ستحلق في فضاءاتنا المكلومة، تبلسم جرحها وتهبها نفحة استبشار..
و ست عشرة خيبة ستدثر الهامات المنكسرة في طول بلاد العرب و عرضها..
فأنتِ اليوم إلى ارتقاء
وهم إلى فناء..
و لا خلود إلا للذي يروي ظمأ الشمس من دمه
وعرق ساعده المجبول بالغضب..


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 02:07
الصبح موعدهم ..



بدفء صيف الثائرين تعودين.. بحرارة بارودهم يزرع بذار العام الرابع في أرض أخصبها النجيع فأينعت فيها الغراس لثلاثة أعوام مضين..

بالشجن الزاحف من ظلال الركام.. بصيحة التحدي الطالع من بين الأنقاض .. بأنين المكلومين يستمطر غيث الرحمة و النخوات الهامدة..

بصدى تكبيرات أرهقت سجّانها و قيّدت فيه نشوة الانتصار على عزمات نفوس نبضها الصبر و قبلة فجرها الإرادة..

بالعبق المعتق في ضلوع الضاغطين على الزناد تعبرين جسر عامك الرابع..

بهذا الشوق الذي ما زال يدلف من عيون الصاعدين تنهمر على قلوبنا أطياف الذكرى، فيشتدّ بها عضد الحاملين قناديل الحلم و بيارق التحرير..

بأجساد فدائييك الواقفة على مشارف الجرح تضمد نزفه يكبر الغرس و يدنو أوان القطاف.. و من أريج أشلائهم تقتات قبضات الحاملين حجارة الغضب، و يسمق في عروقهم صهيل الشهادة

فيا هذا الغيث الذي أمطر الأحرار شفاءً من زمان الركود أمِدّنا بنفحات الفداء و لا تعبأ بوعود المنهارين

يا شريان الصمود شرّع للدم نافذة تطلّ على جنبات الحواضر المتخمة بالخواء.. اسكب في طرقاتها نضارة الشموخ و حميّة الثوار.. جرّدها من أسمال للخيبة ما عادت تستر للصامتين جسداً، و أبدلها بالوجوم هتافاً يومض بالتمرد..

يا دم العاشقين غلّف حوافّ زماننا المسبيّ بألق الأرواح المتصاعدة في آفاقنا مشاعلاً تورّد وجه الأرض و تزرع في حدقاتها الأمل و الاستبشار..

يا صليل الجراح أغمد نصلك في رقاب اللاهثين خلف السراب.. لا تلتفت لصخب سلمهم المحاصر بهدير الدبابات و حواجز الموت، علّمهم أن السلام لا ينبت من فتات يمنحه الغاصب لمن ينحني، و أن لا مكان للمتسولين على خارطة من لا يذعن إلا لإملاءات الرصاص..

هو عيدك الثالث يا ثورة الوفاء المسرى.. تحتشد فيه كل العيون الناظرة للفجر لتودّع عاماً جُبلت أيامه بعرق الصامدين و بأسهم.. بزغاريد الأمهات يشيعن حشاشة الفؤاد للسماء.. بسواعد الأحرار تنثر للحماس بذوراً زادُها دم و كبرياء ..

عام آخر ينقضي و لا تزال فلسطين توأماً لانتفاضتها و لبوح البطولة في عيون مدنها المحاصرة، تعلن للذين أنهكهم حمل البنادق أن لا رجوع إلى الزمن العقيم و أنّ الحلم المزهر في فضاءات الوطن من بحره لنهره سيغدو واقعاً يبدد العتمة و سيوفاً تقتلع الغرقد و تمزق سياج المستوطنات..

فأطلّي علينا يا هَبّة الرجولة من جديد، و غذي أوردة البلاد باللهيب.. أودعي قلوب المرابطين دفء اليقين بوعد ناصر المؤمنين.. قولي لهم أن لا يهنوا في ابتغاء الصبح، فهم الأعلون بجهادهم و عظيم تضحياتهم، و غيرهم الخاسرون برهانهم على المستحيل و تيههم في قفار التسويات و الدروب الموصدة أمام العاجزين..

فالصبح موعد الذين تواصوا بالصبر و تعاهدوا على الثبات، و النكوص موئل من ارتضى التخاذل منطقاً و الاستجداء سبيلاً.. !!


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 02:11
كلمة وفاء ..

لروح الشهيد باسل القواسمي..


للرياحين الطالعة من دمك المسفوح انحناؤنا..
لروحك المسجّاة في حبور نعلن اليوم انتماءنا..
لنقش الرشاش على ساعديك تصهل العاديات في فضائنا..
لعينيك الساكبتين بريقهما في ضلوع الثرى نرتل المواويل و ننقش على جبين التاريخ حروف اسمك الخالد في وجدان الأوفياء..

مبكراً مضيت أيها الباسل ..
فكيف لمدينة الشهداء الساهرة مع أقمارها أن تدثر حزنها الغضّ و تتشح بالصمت؟
كيف لها أن تغفل عن إطلالة أبطالها إذ يترجلون فارساً في إثر آخر بعد أن عطّروا أماسيها بعبق البنادق و رائحة بارودها؟
و كيف لنا نحن الذين أرهقنا عدّ الراحلين من زماننا أن نحتمل فجراً أسكتت تباشيرَه العتمة، و ضمّخت أذانه نبرةُ الأسى و التفجّع؟

مع انبلاج النور من دمك كانت شعلة للقسام تذوي من عالم الأحياء لتشتعل هناك في عليين و تزين أرجاء السماء بالنيازك..

لكنه اليقين الذي يغمر القلوب أيها الباسل، يقينها بأن فتات روحك الذي انتشر في أجوائنا سيشعل ألف شمعة و شمعة و لو بعد حين..
و سينبلج من عيون كرومنا قادة آخرون كأبي أيمن و ثلّته، و سيكون هناك جيش من التائقين للصعود لا آخر لمده و لا حدّ لعطائه، و في كل أرض سينبت باسل و أحمد و رائد و عز الدين، كما كان ذات يوم للدين عزّ قساميّ أوّل..


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 02:16
بدر و مسك ..

لروح الشهيدين القساميين أحمد بدر و عزّ الدين مسك


يا "بدر" سمائنا المنتزع من عروق الخليل..
يا "مسكاً" تضوع في أرجائنا حين ذرفت شوارعنا الدمع نجيعاً و غدت صبابتها وجعاً..
أترانا نحسن الولوج إلى دوح الشهادة لنبوح بكلمات يبددها هذا الجلال..؟
أم ترانا نملك أن نودّع أرواحكم بدمع من يرثي نفسه و يهنئ الأبرار بالفوز ..؟!
ضاقت الدنيا بأنفس المطهرين، و استعذبت آذانهم نداءات الخلد..
فكيف لنا أن نكتب لكم مراثي الحزن بعد اليوم؟!

يا ويح قاتليك يا أحمد..
أكانوا يدركون و هم يصبون عليك حمم موتهم معنى أن يواجه جيش كبير فتى تبرعم في دمه الإباء.. فكان صنيعه يقض المضاجع و يؤرق العتاة..؟!
أكانوا يعلمون أن بين الأرض و السماء طلقة ثم انعتاقاً من الأسر يعقبه ارتقاء؟!

يا لقبح وجوههم يا عز الدين..
أو ما علموا بأن نفوسكم لا يؤنسها إلا شعور باقتراب الصعود؟!
و بأن الذين زنّروا أجساد النجوم بالبارود كانوا يعدّون العدّة للّحاق بالأحبة..
فماذا فعلوا غير أنهم عجلوا لقاء القلب بشغافه و التحام الروح بندائها..؟!

أيها الميامين الأبرار..
كنتم بالأمس طيوفاً تهب أيامنا مضاء الصمود، و تهب فجرنا ابتهالات الرجاء لله بأن يحمي خطوكم و يعمي عيون المتربصين بكم..
لكن صلوات فجركم كانت تغتسل بدموع تلهج بدعوات الشهادة، و يرهقها التباطؤ عن لقاء أبي أيمن و صحبه..
فها قد ربح بيعكم.. و خسر رهان الذين حاصروا نبض اشتياقكم حين ظنوا أن عربدة قصفهم قد هزمت أرواحكم التي كانت تحلّق هناك هازئة بحشودهم المدججة بالفزع..

نودعكم و في دمنا لكم وفاء لا تزيده الأيام إلا شموخاً و اشتعالا، نودعم و في الحلق غصة تأبى أن تزول إلا حين تعلن الدماء براءتها من دنيا القاعدين، و يقلّدها الرصاص شهادة ترتدّ بعدها حيّة صاعدة على ذات الطريق..
تزفّكم خليل الصابرين للجنان و في كل درب من أحيائها ومضة من"بدرها" أو نسمة عزّ تضوع بها "مسكها" المسافر في كل المسافات..
فلكم المجد يزين قاماتكم اليافعة، و لنا من ذكركم زاد يدفئ الروح و يسرج في ثنايا ليلنا بهاء الكبرياء و أسرار الصمود..


* لمى خاطر

وائل 76
02/09/2007, 02:23
بالشهادة يحيون ..


في الذكرى الأولى لاستشهاد القائد صلاح شحادة


يا دمك الممتد فينا أشرعة نور و دروباً تستمطر النخوة..
يا جبينك المطرّز بالأقمار و النيازك..
يا صوتك المسرج خيولاً لا يُغمد صهيلها، و سيوفاً لا يصدأ فيها الصليل..
أيها الجواد القسامي المحجّل بالبهاء..

ما كان رحيلك أول الجرح و لا خاتمة الحزن النابت على بيادر الروح سنابل اشتياق..
لستَ أول الطالعين من عيون الإباء و لا آخر الناثرين دمهم شموساً تعبّد العيون بالإصرار..
لكنّه الوفاء للكبار أبا مصطفى.. الذين دمهم في أعناقنا أمانة، و وصاياهم في عروقنا نبض يغذي القلب بالغضب.. الذين لعزائمهم وزن لا توازيه ملايين النفوس الخاوية من صدى نفيرٍ يلهب القلوب و يحفظ حدود الكرامة من التبدد و الضياع..

هي الحياة يا سيد الفرسان..
قدر الراحلين حين يضيق بهم عالم الأموات و تصطبغ أيامه بألوان الهزيمة..
شوق قلوبكم لنداءات السابقين.. يستعجلون قدومكم و يفرشون لكم دروب السماء بالياسمين..

هي تنهيدة الجرح التي لا بدّ منها.. حين يغدو الوجع نصالاً مغروسة في الجباه، و حين تستحيل خيوط الذكرى رماحاً تنقش على الجدران ملامح الشهادة التي ما محاها غبار التسويات أو حبر المراحل القاتمة..

من عام إلى عام.. تحتشد في فناء الروح مئات الوجوه..و يتسع الدرب الواصل أفئدة الرجال بأبواب السماء المحفوف طريقها بالتكبير.. لتظل الذاكرة خصبة بالعيون المسكونة بضياء الكبرياء و إشراقة التحدي ..

فدع قاتليك لجليد الخوف يدثر أوصالهم برجفة الموت، دعهم لهذا الهلع يلاحقهم حيثما حلّوا و مهما شيّدوا من أسوار ظنوها ستجعلهم في مأمن من الفزع و تحجب عنهم بأس أنفس عمادها العقيدة و غذاء روحها الأنفال و الإسراء..
اترك للموسومين بعار الانحناء زيف النشوة حين يقاسمون العدو أنخاب فرحة الخلاص من رموز الجهاد و الثورة و ينتظرون سراب مرحلة لا مكان فيها إلا للعابثين..!!

أومِئ للتلاميذ المنتظرين أنّ أوان التقدم قد حان، ليحملوا كحل أحزان المعذبين و يزنّروا بلهيبها أجساد التائقين إلى لقائك و الخلود..
فأبطالنا يحيون بالشهادة، و تعيش ذكراهم حين يصعدون مطمئنين.. فلا ضجيج القصف يؤرق خطاهم الواثقة و لا رصاص الغدر يغتال طهر أرواحهم و عطائها الموصول أبداً بأفئدة اللاحقين..


* لمى خاطر

وائل 76
03/09/2007, 16:11
بـراعـم الـعـتـق ..



حين لا تُبقي لنا الشمس غير طيف من دفء..
و حين لا يظلل عيون صبرنا سوى أهداب كليلة وألق خافت من ضياء..
و حين لا يسكن سماءنا غير دخان القذائف المحملة بالموت ..
و عند لحظة الانعطاف نحو صحراء الجدب .. تمطر سحائب الفداء أرواحاً تنبت براعم العتق حيث تأوي..

فللتراب عندما تغتسل حباته برذاذ الدم رائحة الأرجوان..
للهواء أنّى عبرته الشظايا نكهة انتصار..
و للوطن في صباحات الشهادة إطلالة باسمة تفوح بريحان الأمل..
و للصامدين في فلسطين اليوم سجدة شكر لرب العزة أن أجاب صلوات استسقائهم لغيث الشهادة و عطاء المقاومة..

فمتى كان التمزق يحول دون التئام إرادة الرجال..؟!
و متى كان إرهاب شارون لا يرتد في نحره دماراً و رعباً يكبل أطراف جنوده و مستوطنيه؟!
و متى كانت فرسان العزّ ترضى باندثار الكرامة وسكون الرماد؟!

لكم وحدكم يا سادة زماننا نقدم الولاء عشقاً و مداداً عاطراً بذكركم..
فعيونكم قلائد نور، و دمكم حنطة أيامنا القاحلة، و صدى وصاياكم زاد أحاديثنا و سمر أماسينا المعطرة بزغاريد البنادق..

فسلام عليكم و أنتم تنتظمون في صفوف الشرف من جديد.. كلكم غرس خصب الثمار يانع الخطى..
كأن لا أول لزحفكم و لا آخر لمد موجكم الآتي على صهوة التفجير حمماً.. تحفر للغاصبين جحوراً.. وتحرق أوراق المتخمين بالذل و تدمغ ترتيباتهم بالفشل و التردد...

سلام على أوان الجهاد كلما حان.. و على صوت النفير متى لبّى نداءه الأوفياء.. و سلام على أهل المقاومة في كل الثغور..


* لمى خاطر

وائل 76
03/09/2007, 16:24
في ذكرى استشهاد القساميّ طـارق دوفـش


كأنك لا تزال هناك..
تطالع الصباح بابتسامة عاشق يعده بيوم قسامي مهيب..
تهمس لأمك أن تدعو لك في صلاتها بقرب الانعتاق من أسر الدنيا..
و تلوح بكفك لإخوانك حين تعتلي صهوة العزّ مسافراً للنجوم..

كأن دمك لا يزال يانعاً.. كحاله يوم اتكأ على عروق الزعتر البريّ النابت قلاعاً على قمم جبال الخليل و في زوايا كرومها..

كأنكم جميعاً هنا..
يتسرب دمكم إلى خلايانا من جديد.. يخضب عيوننا بصور كل الفرسان ..
طارق، فادي، رفعت، محمود، حمزة، أحمد، و كل الذين عانقت أكفهم الغضة زناد رشاش أو طوّق أجسادهم حزام مطرز بالنور..

لا نذكركم لنهدي روحكم مواويلنا الدامعة أو لننثر على قبور ضمت أجسادكم باقات الحنون..

نذكركم لأنكم إيماءة النقاء الوحيدة في فضائنا، و لأن طعم الهزائم أنسانا لون الضياء ساعة الانبلاج و نكهة الدم لحظة المعراج نحو الخلود..

نذكركم لأن الظمأ استوطن قلوبنا، وشدّ في صحاريها أوتاد خيام تأوي إليها أحلامنا اللاجئة، الهاربة من وطأة الخنوع و ذل الانكسار ..

أيها الطارق فجرنا بألق وصاياك، أيها المرسوم شمساًً على جدران بيوتنا.. قمراً طالعاً لا يعرف الغروب..

مشتاقون لصوت رصاصكم يا طارق الفداء، تائقة آذاننا لهتاف الصامدين.. يشيعون عهدك للذاكرة و يوارون روحك ثرى قلوبنا..

بين دنيانا و جنتك كانت طلقة، خطوة فدائي يعبر السياج، و إطلالة على ميدان جديد للقسام..
و بيننا و بين خطوتك لا زالت هناك أميال.. حشد من القيود تقعد المتثاقلين منا و تسلب من عيونهم ملامح الطريق..

أما الذين قاسموك خبز الفداء و ملح الرجولة، فوحدهم يملكون مفتاح العبور و عنوان الفجر و حدّ الخارطة المسيجة بالرماح و غضبة العيون التي لا تنام ..


* لمى خاطر

وائل 76
03/09/2007, 16:27
لا رجوع بعد اليوم ( لروح القائد أبي مصطفى )



آه ما أصعب الكلام حين يسقط النخيل في غزة و تغيب معه عيون فارسها الأول ..
آه ما أندر الدموع حين يطرز الرصاص طريقها .. و حين تعبَّدُ جنباتها بأشلاء الصغار ..
آه ما أقسى الأنين حين تخنقه أنقاض البيوت المسحوقة في عتمة الليل .. فيذوي بين ركامها عبير الطفولة الغافية .. و تتناثر مع ذراتها أجساد الرجال ..

فهل لكل تلاميذ صلاح الرجال أن يعيشوا ألم لحظة طالما حاولوا طرد هاجسها من ذاكرتهم ..؟؟
هل يمكن لحيّ الدرج بعد اليوم إلا أن يخرّج الآلاف من جنود يرموك ابن الوليد و حطين الناصر صلاح الدين .. يؤدون تحية الانضباط .. و يمضون خلف القائد ثائرين .. كبحر غزة الذي ما هدأ في أعماقه الموج يوما .. ؟

كيف للضلوع التي انتصبت دروعاً تردّ عن الحمى كيد الظالمين أن يهدّ عزمها إحكام الحصار ؟
كيف للحناجر التي ما عرفت غير آيات الأنفال ترتلها قبيل الانطلاق أن يهمد في أعماقها صوت التكبير ؟
هل يمكن لشيوخ الوطن إلا أن يظلوا الأوفى للدم و الأرض و المستضعفين فيها ..؟
و هل يمكن لجبين مرصّع بكلمات التوحيد إلا أن يسدّد رصاصه المبارك .. فيبهج صداه قلوب المكلومين و يرسل التحايا لسيد المقاتلين الصاعد في سماء القطاع فلكاً يزين الآفاق و يرقب التلاميذ اللاحقين ..

حياً كنت أم ميتاً سيدي القائد ..فقد كنت و ستبقى الشهيد الحيّ .. الراحل الآتي .. و الغائب الحاضر ..
و في يوم عرسك الجديد .. تخضّب حرائر الأرض أكفها بالحناء .. و تغني لإطلالتك مواويل الصمود و أناشيد الفداء ..

في يوم عرسك .. يختبئ الخائنون في جحورهم .. يتكومون على أنفسهم خلف مكاتب الارتباط ..
يتدثرون بأوراق التآمر خوفاً من حجارة الأطفال الغاضبين ..

في يوم الفداء .. يتلعثم العقلاء أمام صهيل الشهادة المحمول على الأكتاف و الزاحف من خلف المتاريس .. حمماً تحرق أوراق التطبيع و حبر الاتفاقات الجديدة ..

و في لحظة الصعود .. يرتبك أمراء النفط و سدنة بني صهيون في كل البلاد .. يتعثرون بعباءاتهم و هم هاربون من وهج الغضب في عينيك .. فتكشف قبحهم و تغمد خنجر الإباء في أطرافهم المرتعشة .. المتهالكة نحو المحمية التي صنعتها لهم أمريكا فدخلوها طائعين ..

و سيصمت اليوم أولئك الذين تآمروا على سواعد الرجال .. و أرادوا للسواد أن يجلل سيوفها .. فأبيت إلا أن تفجر مرحلة جديدة للعبور لتسقط القناع عن كل الوجوه التي انتظرت لحظة الاحتفاء بالمؤامرة .. فتجللت بالخزي الذي سيدمغ الخائبين و تجار النخاسة و أرباب الحكومات العميلة ..

لكنه نبع الحماس الذي لا يجف .. ظلّ ساقية تجود بالدم .. لتبقى الأرض خصبة لا يسكنها البوار .. و لتظل روح القسام تطوف بأحفاده الذين نقشوا حروف عزه على زنود البنادق و الأحزمة الناسفة ..
هو قدر الله بأن تظلّ راية الفداء مشرعة في فضاء الأرض المباركة ..

وهو يوم البيعة أبا مصطفى ..
تختم به سنين جهادك الطويل .. لتعد لك ملائكة الرحمن عرساً في أعالي الجنان .. و يفرح بمقدمك السابقون من جنودك الأوفياء ..

هيهات أن يغمض بنو صهيون جفونهم بعد اليوم .. و هيهات أن ينعم المستوطنون بالأمان ..
ظنوه قد خلا العرين برحيل المعلم و نضبت من كنانته السهام .. و حسبوا أن شمل الكتائب قد تفرق باستشهاد المؤسس .. و غاب عنهم بان الأسود التي أقسمت على أن ترد الصاع صاعين لا زالت كعهد أول المجاهدين بها ..

و حين تسيج أنفاس القسام سماء غزة الرجال .. يخرج من تحت الركام ألف فارس و تتزين الأرض و السماء بمليون عز الدين و يؤدي قسم الانتقام كل صلاح قادم من رحم فلسطين الشهادة .. و تهتف الجموع التي خرجت لوداع القائد و الراحلين معه أن لا رجوع بعد اليوم .. و لا عودة من مرحلة الثأر إلا نجوماً تبحر للسماء .. و رياحين تزرعها الأمهات في قلوب الفتية اليافعين و على عتبات المنازل المجبولة بالركام و الدم ..


* لمى خاطر

وائل 76
03/09/2007, 16:31
يوم البيعة و أول الحساب ..



يهربون بذلهم نحو الجحور ... يختبئون في شقوق الموت .. تتناثر أجسادهم و تموت بخوفها قبل أن تمزقها الشظايا المقدسة ..
يستحيل دمهم ليلاً أسودا .. و تغدوا أطرافهم رمادا .. و يذوقون بعض الذي تجرعنا مرارته طويلا ..

و تخرج فلسطين كبدر طال به الغياب .. تتوشح لثام الشهداء .. و تلتقط خلايا الروح الطهور من طول البلاد و عرضها لتترك للغاصبين ركام موتهم الذليل ..

و هل تليق بكم كلماتنا أيها العاشقون .. ؟ أيمكن لأقلامنا أن ترسم لعيونكم حدودا .. أو لفجركم طيفاً من عبير ..

أيمكن أن يكون كل هذا الوجد أسراباً من نور و خيول دم تطوق الوطن كله بالعشق و النوارس ؟ ..
و أي سر باح به العاشقون لحيفا و القدس و غزة قبل أن يتدثروا بياسمينها القديم؟

هو القسام ينهض اليوم من جديد ليشارك فلسطين عرسها الأخضر ..
هي روح عز الدين لا زالت تسري في العروق ..
و هي شمس الشتاء العنيدة يا جمال ..
هو الغيث يا محمود .. الغيث الذي وعدناك به حين ودعناك .. و حين ذرفنا لأجل عينيك الدموع و خبأنا قليلاً منها لننثرها فرحاً حين تأتينا البشائر و الأعراس في يوم استثنائي جميل ..

و ها قد جاء يوم الانتصار الذي ارتقبناه بشوق جامح ما طال
في يوم بدر يأتي النصر و تنتفض الأرض و ينهض أحفاد عز الدين للوفاء .. و ينهض يحي و عماد و عادل و صلاح .. و يطل علينا الثوار من خلف النجوم ..

هم تلاميذك أبا هنود .. يتقنون التميز كعهدنا بهم و لا يخلفون لدمك عهداً و يعرفون كيف يرسمون الفرح على الشفاه و بين القلوب

فاهنأ بمقامك يا أجمل الفرسان و أول الشهد .. يا فاتح دربنا الجديد نحو السماء ..
و زغردي اليوم يا أم محمود .. لله درك يا خنساء الوطن و يا أم الأبطال جميعاً .. و هل في الأرض كلها من يعرف الشموخ مثل هامتك الأبية ..

اهزأي اليوم بالذين تآمروا عل جسد محمود و قدموه قرباناً لشارون ..
اشمخي على كل ترتيباتهم المهينة و اسخري بهم و هم يأسرون و يسفكون و يهتكون الحرمات ..
و أخبريهم أن نهايتهم باتت قريبة ...
فلهم ذلهم و خيانة يتمرغون بها كل يوم
و للشهداء أرواحنا و انعتاق القلب في يوم الشهادة ..


* لمى خاطر

وائل 76
03/09/2007, 16:34
عماد عقل… لك المجد ..



الى أمير الفدائيين في ذكرى استشهاده الثامنة
24\11\1993

ثمانية أعوام منذ صارت عيناك نجمتين تسكنان الخلود… ومنذ أن توقفت دقات الزمن لحظة لتنحني لأسطورة الجهاد في غزة

ثمانية أعوام هزها الشوق لخطوات فرسك .. توزع الصمود على حواري الفقر وبيوت الصفيح وتنثر العزم خلف كل الكمائن التي توشحت نبضات قلبك والعيون …

من لا يعرفك يا عماد ؟؟ من لم يسمع بسيرة هذا الفارس الذي احترف الجهاد وأتقن الانعتاق من حدود الذل متمردا على خطوط المصالحة .

لكأني به أسامة بن زيد يسرج الخيول لفتح جديد ويبهر القلوب بسيفه المطرز بالبطولة وعبق من سيرة الركب الأول … لكأنها روح القسام تنهض من أحراش يعبد فتؤاخي روح هذا القادم من رحم المعاناة وعنفوان الحماس..

يا عماد الصمود وعقل الثائرين …
كبير هذا الوجد في عيون غزة الرجال … وبين أروقة الخليل وأحياء رام الله وجنبات بيت المقدس وفي كل مكان تعطرت أرجاؤه بألق رشاشك في حلكة الليالي وخلف كل متراس يحمل الموت للجنود المرتعدين من وهج عينيك حين تعلنان بداية المواجهة على طريقتها الخاصة ..

طويلة هي الأيام حين تمعن في البعد عن لحظات الرجولة في ساعديك وتترك لنا الصقيع والاندثار خلف غيوم العتمة بينما تمضي أنت لتزين هامات النجوم والنيازك هازئا بكل الرصاصات التي لم تنل من روحك الطاهرة رغم تكالبها عليك من كل الجهات.

عماد عقل … ما زال في العين دمع غزير تنثر بعضا منه على أطلال تشرين من كل عام في ذكرى ارتقائك وكلما حاصرتنا خيوط اليأس في الأزمنة الصعبة.
ما زال في القلب عهد موشى بأهازيج البارود المزغرد في كفك نارا تلاحق المعتدين.
ما زال في الذاكرة مساحة كبيرة تردد كل يوم على مسامع الصغار والكبار سفرا من بطولاتك … تذكر الذين نسوا ما تعلموه وتعلم الذين لم يتعلموا بعد…

عماد عقل …
لك المجد حيا وميتا … ولنا من بعدك بيعة لا تزال نابضة بالحياة..يرددها رفاقك الذاهبين الى ميادين الشهادة ويعلقونها على زناد البنادق كلما أزف الرحيل وحانت لحظة المواجهة.


* لمى خاطر

وائل 76
03/09/2007, 16:36
بيت ريما و انتصار الدم ..



لرام الله حين يغشاها الخريف نكهة الوجد و عبق الياسمين الآسر .. فكيف إذا كان خريفاً محملاً بكل نسائم الشهداء و أوراق الغضب .. كيف إذا كان خريفاً مسكوناً بالتمرد و حكايا المقاومة، كيف إذا كانت بيت ريما تعود لتقف على واجهة الخريطة من جديد و تبث الوطن أجمل فرسانها و الورود ..

بيت ريما .. تعرفها أيام انتفاضة كانون الماضية .. تعرف حجارتها و دروبها و شعارات جدرانها التي لم تمح آثارها السنين .. تعرف متاريسها التي زرعتها سواعد الغاضبين على مداخل الحارات ..و رصاصها حين يلاحق جنوداً لا يتقنون غير الاختباء ..

للزعتر الريماوي نكهته الخاصة .. لزيتونها طعم البقاء ..و لحنونها لون الشفق حين ينثر طيفه الأخير على سفوح تلالها القريبة ..
للغضب الريماوي وقع سنابك الخيول حين تمضي في كل الجهات .. و لجرحها نزيف الشمس و عبق خيوطها ..

بيت ريما .. ربما لا تعرفك ذاكرة العرب المدفونة بين الرمال .. ربما لم يسمع بك المنبوذون عن ملامح النخوة في العواصم الصامتة ..و ربما لم يعبأ بدمعك المتهالكون على أعتاب اعدائك يستجدون المصالحة و يطلبون الغفران و يقدمون الوطن كله قرباناً لشارون و جيشه ..

و لأنك تعلمين الحقيقة .. لم تستغيثي بهم و لم تطلق حرائرك صرخة تنادي بها معتصم المسلمين .. و اكتفت بأن ترفع ناصيتها و ترنو بناظرها نحو السماء تسأل الله الفرج و تشكو له سوء الحال و تنافر القلوب من حولها ..

أما أولئك المزروعون عنوة في روابيها .. يكبلون الصوت و يعلنون الصمت و الانهيار فساعتهم باتت قريبة ، و لا بد لشعب حر من أن يلفظ آثارهم و يتجاوز رهاناتهم إلى الأبد .. فيمتد نفق طويل آخر يمضي عبره الشهداء ..

بيتَ ريما .. اعذرينا إن حجبتنا عن فضاءاتك القيود و كبلنا الحصار فلم نشارك الشهداء عرسهم و لم نواسي جرحك الكبير .. و لا تسامحي الذين خذلوك و هم يملكون لك نصرةً أو مواساة و لو بجرة قلم تدخل إلى قلبك بعض العزاء، فهؤلاء يموتون كل لحظة بيأسهم و الهوان .. و أنت تنتصرين بالدم و الرصاص و تنتصب قامتك من جديد


* لمى خاطر

وائل 76
03/09/2007, 16:39
حتى لا ننساهم ..


الى الرابضين خلف جدران الصمود ..

هم الآن وحدهم .. يشعلون جمار العشق للوطن وينفضون عن كواهلهم آثار الهزائم .. يرحلون مع ارتحال الشفق ويسافرون الى قلوب الأمهات ... يضيئون في شرفاتها قناديل الصمود ويجيئون مع أطياف الفجر كل يوم ... يحدقون في آخر المدى فتلوح لهم هامات السنابل والكروم تنتصب في اباء وتنسج من رحيق عبيرها أكاليل تتوج بها كل الأشياء المتميزة التي لا تجيد تبديل لونها وهوائها ...

هم الذين ابتسموا رغم كل الآلام ...احتبسوا الدمع في عمق المآقي فنطقت جراحاتهم وتمردت على سطوة الجلاد ... كأنها تعيد رسم ملامح العذاب اليومي في ذاكرة الجرح الذي لا ينسى...

هم قوانين الصمود الخاصة وبنود الارتقاء في زمن السقوط ..يربضون هناك .. بعيدا عن الأجواء الفاسدة ... قريبا من نبض البلاد وآهات المعذبين ... يرسلون للشمس قصائدا وأطياف شوق, فتحملها أفواج الحمام وتلقيها على حاراتهم ومخيمات مجدهم الجميلة فتكشف عن حكايا الآفاق المسروجة خيولها وتمسح من صهيل أمسياتها دمعة الحزن ونبرة الأسى وتنفحها بوعد بالحرية القادمة ...

هم الأجواء كلها ... استفاقت في دمهم أناشيد الجداول فصارت ثروة وفيض عنفوان , امتطت صهوة الفجر الشريد واحتضنت ظل الصباح الممتد على مشارف المدن الصغيرة وأسقطت القيد والليل والأسلاك الشائكة.

يا زنود الفجر وأناشيد الكبرياء...أيها الأحرار في زمن الهوان ويا استعادة صبحنا الذي سرقوه من عين الحياة :
سلام عليكم وأنتم تدينون بصمتكم وصمودكم كل صكوك الإعتراف، و تلغون وثائق التوقيع والمساومة, سلام عليكم حين تجعلون من هذا الصمت النبيل شظايا وحراب ترتد في نحور الغاصبين وتمزق ضوضاء الليالي الكالحة في الفنادق التي احتلت ضفافنا وسواحلنا ولوثت أديم بحرها بصفرة الأضواء الباهتة التي تلونت بها وجوه المفرطين وكل من تدثر بالرمال السود فما وعى لصوت الإنتحاب في مخيمات الإنتظار ...

سلام عليكم حين تسافرون الى مواقع النجوم وحين تمنحكم خرائط الشمس أجمل الحدود فتسهرون على ثغورها وتذودون عن حياض أرضها وهوائها وتحمونها من وقع الأقدام الآثمة ودخان المراكب الغريبة التي حملت دمارا وحقداً ألقته على سواحل العواصم المستباحة للغزاة ...

ولكم منا تحية وعهد ... سلام وذكر عابق بالأريج .. لكم حرارة شوق الأمهات الصابرات وحنين الصبية المتدافعين هناك على مداخل المدن يرقبون مجيئكم بصبر عجيب ...

لكم هدأة الأحلام في عيون العائدين وبسمة الموج المندى بالبشائر وجلال الوطن حين ترحل عن أجوائه الغربان فتحط على روابيه النوارس وتسافر في أرجائه الخيول الثائرات ...

وعندها ... ستلتئم الجراح التي تبدد شملها وستكتسي شقوق الأرض بالحنون ويحترف المدى أنشودة الوعد القديم يرددها على مسامعكم صباح مساء وكلما لاحت له بيارق عزمكم وصفوة المجد الذي ارتسمت خطاه على أهدابكم وامتدت الى حواجز المدن المحاصرة فأسبغت على طرقاتها جلال الأولياء وخطت في جوانبها وصايا الثائرين ...

أما القيود وأزراد السلاسل , فستبقى لهم وحدهم ... للذين حاصروا النسيم وقيدوا فرحة الأطفال في كل عيد وللذين نسوا ملامحكم في زحمة المصافحة وأسقطو عناوينكم من جداول أعمالهم , فلفظتهم دروب الإشتعال وبوابات المواجهة وحاصرهم بريق الفجر الطالع من زنود الأوفياء ...أما رحابة الفضاء وصحوة الآفاق فستبقى لكم ولعنفوان الشمس والوطن المسيج بالسواعد والعيون الساهرة التي تلونت برحيق الأرض واكتحلت بظل أعشابها فما نسيت ولا صافحت تحت وطأة الخنوع وبقيت علامة رفض في مسار الإنحدار .


* لمى خاطر

وائل 76
03/09/2007, 16:41
كلمات خجلى ..



إلى الإستشهادي رائد البرغوثي بطل عملية القدس الأخيرة

من أنت أيها القادم من نبض الأرض و رحم المعاناة ...
من أنت أيها الآتي فلكاً يزين سماء ثورة الأحرار حين تشعل الغضب أجسادا تمزق الظلام ...
من أنت أيها الحلم المسافر إلى قلوبنا عبقاً من ريحان ... المرتسم زناداً على جدران المنازل المهدمة .. الممتد مع اتساع المدى بين جنبات سماء انتظرت وفودك إلى رحابها ...
أي هاتين العينين المحملتين بالوصايا و عهود السابقين إلى الخلود ...
أي ابتسامة نطقت بها ملامحك المسكونة بجلال الشهادة ...
أي لغز هذا الذي توسد عينيك حين دوّى الانفجار ..
و أي ذهول هذا الذي كبّل أصواتهم و زرع في أطرافهم الوهن و الانهيار ...

سلام على كل الذين حمّلوك شوقهم للمنتظرين على مداخل الجنان ...
سلام على روحك المتوشحة عطر الأرض و ندى البرتقال ...
سلام على جذور قريتك التي أودعتك سرها و بوح زيتونها المتوقد عزا ...
و سلام على أهداب أمك التي بللها الدمع و سكنت مقلتيها فرحة بعريس زفته ملائكة السماء لأجمل الصبايا ...

لن تكون آخر الغيث يا فارس هذا العشق الكبير ...يا جواداً يمتطي صهوة الفجر المسروج بالمسك و الحناء ...
أفواج من الأقمار تنتظر في دربك ... تدرك أن لا مكان لها بين أموات الأرض، و أن حياتها تبدأ حين يشتعل الجسد .. فتسافر منه الروح لتسكن بين النجوم قناديلا تضيء ليلنا البهيم .....


* لمى خاطر

وائل 76
06/09/2007, 01:25
لا خلود إلا للراحلين ..
لروح الشهيد القسامي أكرم الأطرش

كان شعلة من العنفوان .. كان ياسميناً و دفق أرجوان ..
حيثما حلّ يحل العطاء و أينما زرع البذور ينبت الخير زهراً و أشجار سنديان ..

من لا يعرفك يا أكرم ؟؟ من لم يسمع بأسطورة الجهاد في الجنوب و معجزة الأرض التي ما فتئت تخرج من أرحام جذورها أبطالاً صناديد ..

هي الخليل التي خبأتك بين الجفون سنينا .. و دثّرتك بحبات العيون كلما عصفت رياح الغاصبين بجذوع الصبر في كرومها ..
و حينما أرادوا اغتيال طهر عينيها أبيت إلا أن تكشف اللثام و تفديها بدمك ..

هي الخليل .. تخرج اليوم دروبها و الجياد لتلقي عليك آخر النظرات و لتقسم لروحك بأن جنودهم لن يناموا ملء جفونهم بعد اليوم .. و لن ينعموا بدفء أمنهم الموسوم بالسواد ..

فحيفا أشعلت صباحهم بجسد مطرز بالنور .. و جنين المفجوعة ببنيها زينت صدر فلسطين بالبارود .. و زنّرت خصر الخليل بالقنابل ..
ومن سبقوك سيجوا حدود الكرامة بالدم .. و أنبتوا من الجدب البنادق ..

لا تحزني اليوم يا أم أكرم .. ارفعي الرأس عالياً و شيعيه إلى السماء بزغرودة ..
فحيثما سالت دماه سينبت الريحان و يكبر النعناع .. و على آثاره ستمضي مواكب الخيول ..

لا وقت للحزن اليوم و لا صوت انتحاب في أفقنا المخضب بالشظايا ..
غير أنها دمعة الوفاء و حرقة الوداع .. تجول في أفئدة الذين عرفوا أكرم الشهيد حيا .. و كل الذين سيحماون من بعده الراية ..

لروحك البقاء يا أكرم ..
لعطر الدم في عروقك وهج شمس لم تشاهدها في دنياك .. و شاءت لك الأقدار أن تسكنها كوكباً حين تغدو خالدا ..
لن نقبل فيك العزاء .. سننسج من خيوط دمك بيرقاً يعانق المدى .. و ستنظم الحناجر من صدى صوتك وشاحاًً يومض بالغضب .. هتافاً يستنهض الهمم .. و يرتل أغنية النصر على مسامع المكلومين ..

سلام عليكم معشر الشهداء ..
سلام على تراب سيّج الأجساد و أطلق من حناياها روحاً تحلق في عليين و نداءً قدسياً يهتف أن لا خلود إلا للراحلين أحياء عند ربهم يرزقون ..


* لمى خاطر

وائل 76
06/09/2007, 13:29
مع المهندس في ذكرى رحيله السادسة



أترانا نملك حقاً في الكلام يا يحيى ..؟
و هل تقوى أقلامنا على الوقوف أمام عينيك لتترجم ما فيهما من نار و لهب ..؟

سيدي أبا البراء ..
برحيلك أصبحنا أيتاماً .. لكننا نستشعر يتمنا أكثر كلما أوغلت أعمارنا في زمن جديد ..
برحيلك صارت أوجاعنا نشيجاً و صار الثأر حشرجات في قلوب الأمهات ..
برحيلك أسبل الوطن كله العيون و أبى أن يفتحها إلا لعياش آخر يستحق أن يحلق في سمائها ..

أيها الصاعد من أفق الشمس و موطن الإشراق ..
هل أخبرك إبراهيم أن انتفاضة جديدة أشرعت بيارقها قبل أن يرحل بأيام ..؟
هل أخبرك عز الدين أن الذين أودعتهم أسرار العبور واصلوا من بعدك المسير ..
هل باح لك محيي بأسماء الذين اغتالوا من فؤاده رحيق التراب و مزقوا في جبينه الخرائط ..؟

و هل حدثك أبو هنود عن جراحه في سجون الخائنين ..؟
هل قال لك أن دمه انتشر ناراً أحرقت جنوداً غاصبين في طول البلاد و عرضها ..؟

أم هل علمت حين أقبل عليك عاصم و البرعي أن هناك حراباً أغمدت نصالها في ظهر انتفاضة الرجال..؟؟

جميل هو الموت يا سيدي حين يكون معبراً للخلاص ..
و قاتل هو حين ينتقي من ضلوع الوطن أغلاها و يعلق على جدار قلوبنا صدى الأحلام المسفوحة
و يمضي بلحظات الصمود الأخيرة...

باهتة هي الحروف يا وهج انتظارنا حين تدق جدار قبرك بصمت لا يفوح بروائح البارود المشتعل ..

باكية هي السماء من تزاحم هذا الوجع في خلايانا ..
من سكون تلك الفضاءات حين يبدأ القصف ..
من تراكم القيود حول معصم فجرنا ..
و من تراجع البرق حين يغرقنا ليل الغربة و يمتد فينا صهيل جرح مستباح ..

ساكنة هي أجواؤنا إذ سكت في أماسيها نداء الكبرياء
و مات فيها نبض ثأر كان يتجلى أنشودة فخر ترددها القذائف حين تعلن أعراسها
و تجعلك أمير حلمها المهاجر صوب آخر المسافات ..

أتعلم أيها العزيز أن البراء صار يافعا .. و أن عبد اللطيف له عينان تحملان لون عينيك و لهيبها ..؟
ترى .. من سيعلم البراء كيف يصنع القنابل بعد أن كبلت سلاسل المهزومين زنود الرجال ..؟
و لماذا ذبلت في دمك الزهور قبل أن تودع السر لقلبه الصغير ..؟
و هل سينبت الأقحوان على طول الطريق إلى رافات من جديد ..؟
أم هل سيصعد صوتك مع تراتيل الشتاء ليعلن انتهاء الهدنة و انتفاض الروح ..؟

امنحنا السر بحق الله يا يحيى لنسرج خيلك مع رياح كانون و نمضي على صهوة دقات الانفجار نحو ميادين الشهادة ..
فهذا الزمان صار أشلاءً مزقتها الخناجر المارقة من الرجولة ..
و صار الوجد في دمنا خريفا ملازماً للخطى ..

لك المجد في حياة عبرت نحو نعيمها بالموت ..
و لنا موتنا الساكن في دنيانا ظلاً لا يفارقنا ..

فاغفر لنا يأس الكلمات و شوك حروفها الذي مزق الريحان و أدمى الياسمين ..
فما عاد في الفضاء ورد و لا ضياء ..
فأرسل لنا من عبير روحك جسراً نعبره إليك ..
فقد سئمنا ثرثرة أموات الأرض و اشتاقت نفوسنا لصمت أحياء السماء ...


* لمى خاطر

وائل 76
06/09/2007, 13:32
مرثية الخلود ..

إلى روح الشهيد محمود أبو هنود


ارحل وسافر للفؤاد
افتح لنا بوابةَ الصبحِ المهاجرِ
كي نرى وَجهَ السماء
ارحل
ودعنا نرتشف أحزانَنا
فنَحيبُ هذا الليلِ فرَّقنا
وتاهَ الفجرُ يرتقبُ
التْقاء

ارحل
وخذ منا صهيلَ الشمسِ
بَوْحَ الروح
إذ تستمطرُ الأطيافَ
من سُحُبِ البقاء
ارحل فما في جعبةِ الحكام
إلا الصوت يسكنهُ الخواء
لا تلتفتْ لجيوشهم
وسيوفهم
فكلام ُأبواق ِانتكاستهم سواء

ارحل
فأنت اليوم سيدهم
وحامي القبلة الأولى
و فارس حلمها الأزليّ
والدرب الموشى بالفداء
يا لونَ هذا الغيثِ
يا طعمَ السنابلِ
حينَ يلفَحُنا البلاء
يا عينَ ضفتنا
على الشطِّ الذي
ما زال يحملُ بسمةَ الشهداءِ
آثار الفدائيينَ
وَمْضَ الكبرياء

اصعد
وخطَّ على جبين البيرقِ المسلوبِ
أغنيةَ الإباء
واترك لعالمنا احتضارَ النورِ
والدمع المشتت
والرثاء
فقلوبُ أُمتنا اعترتها
رعشةُ المقرورِ
غلّفها الرياء
وقصائدُ الشعراءِ
جفُّ الحبُّ بين فصولِ نكهتها
تبخرَ حبرها المرصوف في أسفارها
استلفتُ نداءَ الوجدِ في عينيكَ
للبدرِ المرابطِ في السماء


اصعد
وأقرئنا ابتهالات الشموس
وانثر على أشلاءِ حاضِرنا
نشيدَ الروحِ
للأفْق المعبدِ بالدماءْ
أترك لنا كلَّ الوصايا
ننتشي بجلالها
نقتاتُ عزَّتَها
نرددُ في ثنايا الصمتِ
ألحان الفداء


* لمى خاطر

وائل 76
06/09/2007, 13:36
إلى محمود أبو هنود و رفاقه ..

وردة و كلمات



تيهي فخراً جبل النار .. و طاولي النجوم يا قمم الجبال العنيدة .. امنحينا فيضاً من أقباس فرسانك الراحلين ..

يا هذا الجرح تمرد .. يا شهداء فلسطين اهزءوا بهذا الموت الزاحف من خلف دروعهم ..
يا براعم الدم تفتحي ليكبر فينا أريجك الحاني .. و يا زيت القناديل زين فضاءنا بالنور و اغمر أنين الأرض بالضياء ...
افتح لهذا الجرح نافذة تطل على عواصم المحنطين بخوفهم ... و ردّد على مسامعهم آيات الشموخ .. أخبرهم بأن الموت لن يهزم الصمود و أن الظمأ لن يكسر شوكة البقاء، و أن الليل لن يخيم على ضفاف الفجر إلى الأبد ..
علمهم كيف يكون الوفاء .. و لقنهم دروس الإباء و مبادئ الرجولة التي غادرت نفوسهم منذ أمد بعيد ..

محمود أبو هنود .. يا جواد نصرنا الجميل .. يا شامة العز في جبين الأمة المأسورة بصمتها .. و يا وجه الوطن حين يخضرّ فيه الدم ويغدو سنابلاً و سحائب غيث ..
أيها المسافر رغماً عنا .. فلكاً من ضياء و طيفاً يرسم للشمس طريقاً إلى القلوب التي أتعبها البرد و غلّفها الصقيع ..

برحيلك سيدي يتسع فينا الجرح و يكبر الوجع القديم و ينتفض الوطن كلّه من جديد ...
لأجل عينيك تنحني اليوم كل الزهور و ينتحب التراب حين تغادره الروح الأبية .. و نحو قلبك يرتحل أطفال غزة الذين سبقوك بأيام و انتظروا قدومك عند مداخل السماء .. حتى إذا ما وصلت تدثروا بعبيرك و مضوا معك صوب جنة الرحمن ..

أيها المتقاطرون تباعاً إلى سويداء الخلود .. يا شهداء الوطن من شماله إلى جنوبه .. و يا رفاق محمود الذين ما خانوا العهد و لا فرطوا بالبيعة القديمة ..
دماؤكم هزت عروش القاعدين و ما حركت فيهم نخوة المعتصم أو عزة الفاروق ..
أشلاؤكم إدانة التاريخ لجيوش العرب العقيمة , و نشيدكم اليومي صفعة لكل فيالقهم الموسومة بالعار و الخواء ..

وروحكم لا زالت تطوف بالمنتظرين خلفكم في نفق الموت الطويل .. فشارون الخرافة لم يرتو بعد من دم الأطفال، و جيشه ما زال يحمل ذات الحقد الأسود و يحترف إبادة الزهور و تمزيق الأجساد بالصواريخ (الذكية) و القذائف الصماء ..

لا تنظروا لأهل الأرض يا روّاد السماء و ساكنيها .. لا تلتفتوا لهؤلاء اللاهثين، المتدافعين نحو زاوية الهوان، و لا تغفروا لكل الذين يقامرون بالدم و يتاجرون بأشلاء الصغار في المزادات الخفية ...
فهم حتماً سينتهون لأنهم لا يصلحون للبقاء و سيندثرون مع وثائقهم الزائفة و صكوكهم الجرداء ..
و أنتم ستكبرون كل يوم و سيزهر الدم براعم شوق جديدة يتوشح عطرها فرسان الانتقام و يسرجون بها وصية الشهادة ..

قادم هو الغيث يا محمود .. فموسم العطاء لم يبدأ بعد .. و فصول الياسمين سوف تأتي تباعا ..
سيغادرنا هذا الخريف ليسكن ضفافهم و سوف تفرّ العتمة من ديارنا لتكبل وجوههم إلى الأبد ..
فصبرنا بوابة للصباح .. و أطياف روحك عنوان البداية و أول الوميض ...


* لمى خاطر

وائل 76
06/09/2007, 13:39
ورقة عاجلة للفدائي البطل عاصم ريحان ..



يكبرون سريعاً و يمتشقون النجوم .. يقهرون الصمت فيدوّي الانفجار و ينتصر وهج القنابل ..
يأسرون القلب بروعة العطاء .. يرتسمون شامةً في الجبين و على هامة الغيم ..

عاصم ريحان .. كيف لم نسمع دقات قلبك قبل اليوم .. كيف لم يصلنا صهيل روحك الذي لو وُزّع على كل الدروب لما استطاعت أن تحتويه ..

كيف غاب عنا أن الأرض تدّخر لنا ورداً فريداً و ألقاً خالصاً ليوم حالك لا نور فيه
كيف نسينا أن وعد القسام لم ينته بعد ، و أن دماء محمود لا زالت تطوف على كل الرفاق في جبال النار ..

عاصم ريحان.. سلام على أم أرضعتك الوفاء و خبأت بعينيك البنفسج لتحميك أوراقه حين تمضي ..
سلامٌ على وطن يحتسي من خافقيك الهوى ..
سلام على كل ذرة عطرتها الخطى ..و كل فضاء حررته النسور ..
لروحك كل التحايا .. لعينيك أبهى الشموس
و لنا من بعدك كل اليقين بأن الجموع ستهزم المستحيل ..
و أن الرياح ستحمل عطر السنابل لبرق الشتاء و رعد المطر ..
و أن الوجوه ستبقى أبية و أن اللثام يدثر إيماءةً من غضب ..و صوت الميادين ينثر بوح الشهادة ..
فيزهر في الكرمل البرتقال و تخضرّ كل السنابل ، و تهتف كلّ الحناجر:

كلنا مع المقاومة ..و كل السواعد تعلو
و ينهض عز الدين من جبال الشمال ليمنح جبل النار نيشان البطولة ..


* لمى خاطر

وائل 76
06/09/2007, 13:41
إلى الشهيدين جاد الله و الجاروشي



جميل جاد الله ...
حين دوّى الانفجار في لحظة صمت ما .. أدركتُ على الفور أن هناك طيفاً من الضياء امتد ليحتضن روحاً قبل أن تمزقها الشظايا ..
و قبل أن يتناهى إلى أسماعنا ما تبقى من أصداء الصوت المدوي .. كانت روح جاد الله تعانق النجوم و كان يزف كأجمل العرسان في العلى ، و أهل الأرض حائرون ..يسألون عن اسم الشهيد و يفتشون عن هويته بين الانقاض، بينما ملائكة الفردوس كانت قد اعدت لتلك الروح مقاماً بين أحبابها السابقين ..

جاد الله .. أيها البطل المسافر إلى القلب حياً و ميتا.. أيها المتمرد على حدود الهدنة و زمن الانكسار ...
في الزمن اليباب كنت الغيث و في عام الشهادة كنت السابق للرحيل ... و كل الذين يعرفوك يدركون جيداً لماذا ترحل في هذا الأوان ..و لماذا اختارتك السماء درباً جديداً للعبور ...
لأنك موسم العطاء الذي يدهم كل فصول الاصفرار ..لأنك الرقم الأصعب في خانة التمرد و الشوق ..و لأنك القابض على جمر البطولة العنيدة التي ترفض أنصاف الحلول و تصفع كل الوجوه المترنحة بذلها بين شقوق الخراب ..

عبد الله الجاروشي ...

لا نعرفك أيها الثائر الشهيد، و ربما لم نسمع بك قبل اليوم .. لكنك منذ لحظة الموت عبرتَ إلى القلب لتنزرع فيه طوداً شامخاً، و انغرست عيناك في جبين الخلود ...
آهٍ كم هو جميل هذا الموت حين يغدو طريقاً للخلاص ..كم هي فريدة شهادة الأحرار في فلسطين حين تمنح آلاف الزنود متكأً جديداً في مساحة العشق يلملمون عليه بقايا الجرح و ينهضون منه للجولة القادمة ..

جفت من القلب الحروف يا سادة الشهداء .. و صار الدمع مداد البوح و شظايا الغضب
فسلام عليكم حيثما حلت خطاكم قبل أن تغادرونا و حيثما سكن الدم المنثور .. و سلام على أرواحكم كلما هيجت خواطرنا أشواقٌ جامحةٌ لرؤياكم ، و سكنتها أمنيات و دعوات بأن نكون نحن اللاحقين ...


* لمى خاطر

وائل 76
06/09/2007, 13:46
نحو قمة الشوق تمضي ..





إلى روح الاستشهادي عبد الباسط عودة


من قال بأن الدم الفلسطيني يمكن أن تهدأ في ذراته العواصف …

من قال بأن النار إذا غدت رماداً لن تنزف كبرياءً من جديد …

كم كان يلزمنا من الوقت لندرك بأن روح القسام لا تموت … وأن جنوده لا يهدؤون ..

عبثاً يحاولون خنق تكبيرات ضاغطة على الزناد بإصبع يشهد كل يوم في صلاته أن لا إله إلا الله … و أن لا رجوع من زمن الشهادة و أو ان تبرعم الريحان …

عبثاً تحاول الشظايا أن تمزق حرقة العينين و تسحق لحظة التمرد …

نحو قمة الشوق تمضي يا عبد الباسط … تشيح بوجهك المضيء عن فضاء المجتمعين هناك في حضيض الصمت … تذرّ في عيونهم لهب الطريق و شمع الصابرين … و تذكرهم بأن ( الله أكبر ) هي كل ما يمكن أن يقال في زمان العجز و انحباس الغمام …

و حيثما حل الدم المنثور ستأوي الطيور التي طال بها الأسر … تدثر الحدود بأهداب الجسد المفتت كي يعبر الآخرون … ملائكة تطوف أرجاء الأرض السليبة قبل أن تنتزع من أرجائها بعضاً من الغرقد الذي استوطن في جذوره اليباب …

هيهات أن يهدأ الفرسان أو تسقط من أيديهم قناديل البارود … هيهات أن يسيج الوهن قلوباً موصولة بالله … وهيهات أن ترقد عيون القسام حين يشعل القصف ليالي الأبرياء في مخيمات اللجوء …

دعهم يموتون بخوفهم و ارتعاش قلوبهم الواهنة … و امض أنت هادئاً إلى حيث يقيم الأبرار و يسكن الأنبياء …

فما أجمل الراحة بعد تعب الطريق الطويل و ما أروع الرحيل للنجوم …

فأول العشق شهادة … و أول الخطو ارتقاء …


* لمى خاطر

وائل 76
07/09/2007, 22:40
تكتب " لمى خاطر " زاويتها الثابتة في مجلة " فلسطين المسلمة " تحت عنوان _ رسائل من الوطن _ ..

هي نصوص أدبية ذات بعد سياسي .. إليكم بعد رسائلها من الوطن !

وائل 76
07/09/2007, 22:43
غيوم خريفهم.. وشمسنا!


بنكهة الموت أو بلون الدم!
هكذا هي تفاصيل الحياة في غزة.. فجرها.. هواؤها.. ماء وضوئها.. وشوشات صغارها.. وملامح مقاتليها..!
في بيت حانون اختلطت الأشلاء بركام المنازل وهياكل السيارات، ومازجَ استعارُ البنادق شهقاتِ الثكالى، بينما فرغت جعبة الأقلام من حبر يفصل المأساة ويلخص أبعادها، فقد ألفت الخطوط تكرار رسم المشاهد ذاتها وملّت نقل نبضات القلوب المشرفة على الموت!
صار لونُ الدم المألوفَ الوحيد في حياة الغزيين، واعتادت العيون التي تراقبهم عن بعدٍ رؤيتَهم ممزقين حتى أدمنت أخبار المجازر اليومية، ولم يعد هول الفجيعة قادراً على استجلاب أكثر من إيماءة لامبالاة أو دعاء خافت تلوكه الشفاه على عجل!
في غزة تتسلسل ((غيوم الخريف)) في عبور سماء القطاع، ولا تنتقل من مساحة إلى أخرى قبل أن يهطل شواظها الأعمى على كل ذرة تراب فيحرق نماءها ويزرع في جذورها السواد!
تتراكم الأشلاء المحروقة في ثلاجات الموتى وتتزاحم الجثث على مداخل المستشفيات الفقيرة.. وفي الخارج تنتظر الجموع خروج أجساد الشهداء فتحملها على الأكتاف وتشيعها إلى المقابر التي يتكاثر ساكنوها يوماً بعد يوم..
فمن تراه يبالي بالوقوف على تفاصيل مكرورة كهذه وبالتمعن في مشاهد الوجع وفصول الموت اليومي؟! من تراه يبالي بأمهات ما عاد في قلوبهن غير لوعة لا تخبو، وبزوجات أورثتهن القذائف فقد أزواجهن وافتقادهم حين يلسعهن برد الوحدة ومكابدة تربية اليتامى؟!
اليتامى والثكالى والأرامل.. جملة أكثر من مألوفة على اللسان والأسماع، لكن أحداً لا يتوقف عندها ليتخيل حجم التفاصيل التي تتكدس فيها!
***
وفي الجهة المقابلة.. في تلك المساحة الصغيرة التي لم تغب عنها الشمس وظلت أشعتها تواجه ((غيوم الخريف)).. هناك ينبت المقاتلون كما سنابل القمح، لا يوقف زحفهم القتل ولا يفنيهم التدمير.. هناك رجال الله من جنود القسام ورفاقهم.. هناك عيون لا تنام.. سواعد رجال أدمنت حمل القذائف المحلية وتصنيع القنابل وزرع العبوات، هناك هامات ألفت أجواء المواجهة والمرابطة على الثغور والتسابق للميدان كلما انتهكت المجنزرات الغاصبة حدود مدنهم وخيمات صمودهم..
بهؤلاء وحدهم ستُضاء قناديلنا.. برصاصهم الذي يقاوم مكشوف الصدر ستؤوب إلى أيامنا البهجة.. بنساء بيت حانون يسردن على مسامع العالم تفاصيل البطولة وأسرار الصمود.. بهن ستغدو للرجولة منذ اليوم معايير جديدة، وبأصواتهن سيذوي الصدأ الذي تكدس في المفاصل الواهنة..
شمس بيت حانون أشرقت من قبضات حرائرها.. من جبين ميرفت مسعود.. من تحت أنقاض منزل جميلة الشنطي، ومن زنود أسود القسام الميامين إذ سيّجوا حدود غزة بدمهم وأشعلوا سماءها بصيحات التكبير كلما احتدم الوغى!
فمتى ستشرق شمس أوطان آثر أهلها الحياة مرتجفين في الظل وفوق جليد الصمت؟!
متى ستسافر إرادة الماجدات لتحرر أطراف من تثاقلوا إلى الأرض من جمود العزائم وذبول النخوة؟!


* لمى خاطر

وائل 76
07/09/2007, 22:45
في انتظار صلاحها..!

ما كانت الصرخة الأخيرة التي انطلقت من أفناء المسرى هي الأولى التي يرتد صداها بلا جواب، وكأن وقراً قد ضرب على آذان السامعين من حولها، فغشيتهم سِنة من البلادة والذهول..!
وكأن الندوب الموزعة على جسد الأقصى ليست كافية بعد ليدرك أرباب قبائلنا المتكئين على أرائك الخمول أن الخطر الذي يحدق بالأقصى حقيقي وقائم..!
دخلت الجرافات محيط الحرم وشرعت بأعمال حفر وهدم تحت جدران الأقصى وظل العرب والمسلمون ينتظرون الخطوة التالية، أو يطالبون أهل فلسطين بأن يقفوا وحدهم في وجه الجرافات فيصدوها بعظامهم ويرصفوا طريقها بجماجمهم ويميطوا الأذى من طرقاتها بأظافرهم وأكفهم العارية!
وظلت القدس رافعة جبينها متجهة بأنظارها نحو السماء تشكو إلى الله ظلم الطغاة وخذلان المسلمين، وتسأله أن يمدها بصلاح جديد ينتصر لها ويجيش الجيوش لفك أسرها.
ولسنا نبالغ إن قلنا إن صلاح القدس الجديد لم يطل انتظاره، لكنه هذه المرة خرج من بين ظهرانيها وظل مقيماً بين حدقاتها يجفف دمعها ويحنو على جراحها ويُسمِع صوتها المخنوق للعالم بأسره.
إنه ولا ريب الشيخ رائد صلاح، هذا الرجل الحامل بين ضلوعه عزيمة أمة بأسرها، هذا الناذر نفسه وعمره وجهده للذود عن مقدسات المسلمين في فلسطين وفي طليعتها المسجد الأقصى.
الشيخ رائد وصحبه كانوا بحق رهائن الأقصى ورهانه الأول، لم ينصروه بالكلمات ولا ببيانات النصرة والإدانة فحسب، بل أسسوا نواة مشروع كبير حمل على عاتقه مهمة الدفاع عن القدس ونصرة الأقصى بشتى الوسائل والسبل، فكانوا الأقرب إلى القدس حين أقصي عنها أهل فلسطين من أبناء الضفة والقطاع، وشيدوا المؤسسات التي تتولى إعمار المقدسات ورعايتها والتبصير بشرور النجمة السداسية التي تتهدد أهلّتها، وحشدوا لها جحافل المؤمنين من أهلنا في المناطق المحتلة عام 1948 يعمرونها يومياً للصلاة وينغرسون في ساحاتها ويرابطون حولها في مواجهة الخطر الصهيوني، الذي ما انفك يهددها ويتربص بأقصاها الدوائر متحيناً الفرص لاجتثاثه وتنصيب الهيكل على أنقاضه.
كان صلاح الأقصى الجديد أول من أطلق نداء الاستغاثة من ساحاته ووقف بالمسلمين على مواطن الخطر التي تحيق بالمسرى وتتمدد كما السرطان تحته، فتخلخل أساساته وتُصدّع أركانه، مرت سنوات عديدة يا شيخ رائد منذ أطلقت نداءك الأول: القدس في خطر!! ظل قومنا ماضين في تثاؤبهم يؤجلون الصحوة إلى أن تحين ساعة الهدم، وبقيت فلسطين وحدها تشعل انتفاضاتها وتهبها لأقصاها، وتنير مشاعل الطريق إليه بدم الشهداء وأشلاء الفدائيين المزنرين بالبارود، وأعمار من طوتهم عتمة السجون ودياجيرها.
ما حاجة القدس بمليار محبّ مكبلين بقلة الحيلة؟! وماذا تصنع بمن لا يملك إلا أن يمنّي نفسه بصلاة في رحابها ويُحجم في الوقت ذاته عن إشعال شمعة في سبيل الوصول إليها؟!
لك الله يا معراج رسول الله ويا ذرات الأرض المبارك حولها، وحسبك من لبى نداءك من أهل الطائفة الظاهرة على الحق في أكنافك، ومن بذل دمه دون نحرك حتى تظل عزيزاً وصامداً في وجه طوفان التهويد.
ووعد الله حق لا ريب فيه، وطوبى لمن سيجتبيه الله ليكون من عباده الذين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة، فيرطبون رمضاءه بالغيث، ويواسون غربته بصيحات التكبير ويشرعون في سمائه رايات الظفر والتمكين.


* لمى خاطر

وائل 76
07/09/2007, 22:48
إلى من أشعلوا في ربيعنا القناديل



منذ أن ودعت فلسطين حبات عيونها قبل ثلاث سنوات مضين وهي تستقبل كل ربيع جديد من عمرها بنفحات الذكرى المتشحة لون الدم..
منذ أن ارتقت جبهتا الياسين والرنتيسي وحلقت روحيهما في السماء صار للربيع في فلسطين نكهة أخرى كلما دلف إلى فضاءاتنا بعد شتاء طويل..
من بعد الغيث يزهر الحنون في ربوع فلسطين وعلى ضفاف ربيعها، وغيث حماس الأول كان والشتاء على موعد، فكان زهرها النابت من نجيع قادتها المؤسسين على موعد مع اكتساء ثرى فلسطين بالسوسن والزعتر والريحان..
في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة أعوام فجعت فلسطين بمهجة قلبها وركيزة صمودها وصهيل روحها الصاعد مع نداءات المآذن كل فجر..
فجعت فلسطين برحيل فرسان المقاومة.. بغارسي بذارها الأولى، وفجعت نفوس التائقين لحشرجة الإصرار في صوت الياسين وصليل السيوف في يد الرنتيسي بحجم المصاب الذي تكدس في الأفئدة وأجزعها من مستقبل الأيام..
أما حماس فكان المصاب يزيدها جلالاً، وكانت العواصف تمتحن مقدار رسوخها واشتداد عودها واستواء قامتها، وكانت أعمار قادتها تضاف إلى عمرها وتضاعف من امتدادها.. بينما تتناقص أعمار شانئيها ومن يرومون لها الاندثار أو يمنون أنفسهم بنكوصها..
عضت حماس على جراحها مذ غاب عنها فرسان فجرها الأول، فكانت ندوب الطريق تلتئم واحدة تلو أخرى، ونمت في عروقها إرادة الصعود والتحليق في كل الآفاق..
صار لحماس بعد ثلاثة أعوام من غياب قادة صفها الأول وهج يذيب أكوام الجليد المركوم في طريقها، وبأس ومنعة أفسحا لها مكاناً معتبراً ضمن معادلة الصراع.
وبعد كل منعطف ينهض الجسد المثقل بالدم والشظايا ليعتلي صهوة الإقدام ويقرئ أمراءه رسالة العهد ذاتها:
((ما هانت حماس من بعدك يا شيخنا.. ولا لانت لطلاب الشهادة من جندها قناة يا أسد فلسطين المسجى في القلوب..)).
أما الذين يراهنون على ردة حماس عن نهجها الأصيل، وعلى تنكرها لإرث التضحية وتخليها عن موقعها الريادي كرأس حربة في كل مراحل المواجهة، فإنهم يراهنون على سراب يحسبه الظامئون للشماتة بحماس ماءً عكراً يغري بالاصطياد وتسجيل المواقف الانتهازية!!
فبيرق الصمود في يمين القادة والجند المرابطين على الثغور أمتن من أن يطوح به متاع آني لا يعدل عند الله جناح بعوضة ولا يقوى على الانتقاص من زاد القلوب الموصولة بالله والرانية إلى إحدى الحسنيين في حلها وترحالها، وسيان كان سيفها مشهراً أو مغمداً، يعد من رباط الخيل ما يبلغه أوان المواجهة الكبرى قوياً ثابت القدم وراسخ الجنان..
ثلاثة أعوام مرت على محطة المحنة الكبرى في تاريخ حماس، ولا زالت وجهة مسيرها واحدة، وما فتئ ساعد الرنتيسي يلوح للجموع من بعيد أن أبقوا الحراب حارسة للحق، ومعه عينا الياسين تومضان باليقين وتوصيان من رفعوا من بعده الراية على سارية الفداء بأن يظلوا على العهد ثابتين، وأن تظل بيعة صدقهم مع الله معقودة، وألا تتحول قبلة البنادق عن آخر ذرة من تراب سليب.


* لمى خاطر

وائل 76
07/09/2007, 22:53
شجرة المقاومة تورق من جديد



يوم أن كان الجنوبيون اللبنانيون على حدود فلسطين الشمالية يحملون متراس البطولة لينافحوا عن حمى أوطانهم ويقلدوا هامة الأمّة إكليل كرامة وفخار قبل نحو عام، كانت طائرات الموت الصهيونية تمعن في حفر أخاديد المأساة في القرى والبلدات الحدودية وتمطر على أهلها حمماً وشواظاً حارقاً..
تلك الإرادة الشعبية المقاومة التي تعملقت حينها وأسمعت العالم صهلة الصمود وصليل العنفوان في أكف فرسانها كانت هي المستهدفة، وكان الجيش المسكون بالرعب وحكومته المتهالكة يحاولون تعويض النقص الحاصل في ساحة المواجهة عبر الانتقام من العزّل الذين حضنوا المقاومة ورعوا غراسها وزرعوا راية الوفاء لها بين حبات عيونهم.
فصل المقاومة البديع ذاك ذو الثلاثة والثلاثين يوماً مرّ في سجل أيامنا كنسمة هواء عليلة أراحتنا قليلاً من قيظ الفيافي ويأسها، وأسندت هامة المستضعفين إلى كتف قوامها الإيمان، وزادها حسن الإعداد، وغايتها التسابق للعلياء.
إنها معادلة الحق مقابل الباطل المنتفش بقوته وجبروته، وضيق ذات يد سلاحها توهج العزيمة ورباط خيلها إقدام وعيون باتت تحرس في سبيل الله، تجري معها سحائب البشرى وغيث الظفر الأكيد.
انتصرت المقاومة بتعملق فرسانها في الميدان أمام ترسانة جيش تقنّع بعظمة موهومة وتمترس خلف ستار وسائله التكنولوجية الحديثة، فكانت صليات المجاهدين تقتحم على الجيش المهترئ حصونه ودباباته (الأسطورة) التي انسحقت جدارتها وغدت أنموذجاً للفشل والتردي..!
وبعد شهور على بصمة المجد الخالدة تلك المسطورة في ألواح العز جاءت شهادة الأعداء بإعلان الفشل لحكومة الكيان الغاصب خلال الحرب تخطيطاً وأداءً وتقييماً للعواقب.. فالذين أرادوها حرباً خاطفة تقوض أركان المقاومة وتزيل أثرها كعنوان للأحرار وجدوا أنفسهم مضطرين لاحقاً للقبول بها كند مهيب الجناب.. ومن عزموا على إعادة الاعتبار لجيشهم المندحر من الجنوب عام 2000 فاجأهم رسوخ المجاهدين وعصف أبابيلهم المسددة.
في غزة لا يبدو المشهد مختلفاً كثيراً، فحزيران الذي اقترن ذكره بالنكسة وتلون باصفرار يأسها على مر السنين كان قبل عام مضى يشهد ملحمة بطولة فلسطينية جعلت منه محطة دائمة لاستذكار روعة نسائم العز إذ تبلسم جراح الذاكرة بطيب تفاصيلها.
سيرحل الغزاة واحداً تلو الآخر.. وستتبدل مواقعهم في محاولات يائسة لاستعادة زمام المبادرة والإعلاء من شأن المؤسسة العسكرية الهشة وإعتاقها من هاجس الخيبة والمهانة.
لكن قادة المقاومة وجندها الأوفياء يبقون أبداً في مرابض عزهم.. وتتسع قلوب الأنصار لتنحت لهم مكاناً في السويداء وتمكن لمشروعهم على أرض يخضر وجهها بصنيع سواعد الأحرار.
لن تتيبس عروق شجرة المقاومة في ربوع مفعمة برائحة الصمود، ولن يدهم اليباب أوراقها، فزرع المخلصين لن ينفك يُخرج شطأه ليستوي على سوقه، وزرع الغاصبين وأذنابهم والدائرين مع رحى مؤامراتهم لن ينبت إلا حنظلاً وجذوعاً خاوية لا تصمد أمام إرادة النماء وسنابل قمح الثائرين.


* لمى خاطر

وائل 76
07/09/2007, 22:58
ما كان أحسن ما صنعت وأروعه!



سأسمح لنفسي ابتداءً أن أستعير –كعنوان للمقال- مقطعاً من قصيدة للشاعر كنعان عبد الله، في وصف صنيع الشهيد عماد عقل أحد القساميين الأوائل الذين ابتدأت مع خطواتهم ملامح الملحمة الفلسطينية المعاصرة بحلة جديدة قشيبة الوجه سليمة القوام، عمادها العقيدة، ظلت تذيق المحتل ألواناً من العذاب وتتفرد في نكهة (عزها) وعنفوان (حماسها) الذي ما انكسر..
أستعيره اليوم لوصف صنيع (قسام) القرن الواحد والعشرين.. (قسام).. الصاروخ البدائي البسيط، كظاهرة متفردة تحفها معاني العظمة.. (قسام) مجدد إرث البطولة والثورة والنافح في روحها روحاً جديدة، مستكملاً مسيرة (القسام) الأول.. المبتدئ عهد المقاومة الفلسطينية الإسلامية الأولى في مطلع القرن الماضي..!
القسام.. تلك النفحة القدسية التي اختالت عزة وشموخاً وهي تسافر في آفاق فلسطين وفضائها.. تستكشف الدروب التي غزاها التهويد فسلبها فلسطينيتها ويظل يساومها على هويتها.
القسام ينطلق اليوم من تحت الركام في غزة.. ينفض عن جبهة الوطن غبار عجز تكدس في خلاياها عبر سنوات طويلة تلت نكبة فلسطين وشعبها الأولى ثم نكستها الثانية التي كانت آخر ستار أمل بالعودة والتحرر، ظل يرنو إليه المشردون في فيافي الأرض.
القسام لم يعد يطلق على عز الدين مفجر الثورة وحسب، ولا على فيالق الكتائب المباركة من جند حماس فقط..
القسام.. صار اليوم اصطلاحاً ثقيل الوقع في قلوب أعداء الله.. عظيم الأثر في نفوس قوم مؤمنين، شاء الله أن يشفي صدورهم بمرأى شذاذ الآفاق يفرون من مغتصبة سيدروت باحثين عن مأوى لن تطاله نيران القسام المباركة.
القسام انتصر على الخوف المسكون في العيون الواجفة من مشهد ((الأباتشي)) و((إف 16)) وهي تستبيح أجواءنا وتعصف بأمن صغارنا وسكينة روحهم، وبلسمَ جراحَ اللجوء واقتربَ بالأمل حدّ التجلي حقيقة قريبة المنال..
اليوم يقولون عن القسام في وسائل إعلام الكيان إنه خلخل بنيان المشروع الصهيوني ونسف نظرية أمنه وأنه مرشح ليعيد (إسرائيل) إلى وضع شبيه بأيام النكبة عام 1948..!
واليوم تخرّ جباه الجبابرة أمام وهج قذيفة ابتكرتها عقول رجال الله المؤمنين، وطورتها سواعدهم المتوضئة حتى غدت رقماً صعباً في معادلة المقاومة، وصارت نيشان البطولة الحقيقي الذي يزين أكتاف الأحرار على تخوم الرباط.
ومع كل (قسام) ينطلق يتنامى حس الأمل في نفوسنا، بينما تكتهل في نفوس الغاصبين مطامح التمدد والعلو، وتنكفئ أحلام صهيونتهم الحاقدة.
وختاماً أرجو ألا يكون القارئ قد ضاق بتكرار كلمة (قسام) أكثر من اللازم ضمن هذه السطور.. ليس فقط لأن من قدر له أن يقرأ مقالاً أو تقريراً في صحيفة عبرية فسيعثر على كلمة (قسام) في كل سطر أو فقرة.. بل لأن روعة الصنيع لا تبرح تشدّ مداد القلم ليرتل هذه الحروف مرة بعد مرة ولأن التاريخ سيسطر على رأس صفحاته بعد أن يطوى ليل الاحتلال بإذن الله.. أن قسام غزة كان أول مسمار في نعش الكيان وأن عهده شهد الانعطافة الأولى لانكفاء المشروع الصهيوني وبداية تقهقره إلى غير رجعة.. وما ذلك على الله بعزيز!


* لمى خاطر

وائل 76
07/09/2007, 23:05
لغزة يحلو النشيد..!



ظنوها ستبقى أسيرة حسرتها الصامتة.. وظنوا أنها ستألف تهشيم ضلوعها واستلاب الضياء من عينيها ولن تلبث أن تذعن لمراسيم التآمر وتكشف ظهور آسادها لسياط جلاد مقنع بزيف الوطنية!

غزة التي عضّت طويلاً على جراحاتها وهي تعيش تفاصيل محنة الأشلاء والجلد الممزق والأقدام المفتتة، وتشيّع أئمتها وفرسانها وعلماءها الأطهار.. كانت تودع يوماً دامياً لتستقبل آخر، وظلت تكبت شهقات الآه في أعماقها وصرخات (المستضعفين من الرجال والنساء والولدان)..
غزة.. لم يبتلعها البحر ولا ضاق ماؤه باشتعال ثراها على حده الهادر، بل ظل يمدها من رحابته صبراً فوق صبرها، ومن روح موجِهِ عنفواناً..
ومع بلوغ الصبر مداه الأخير ونفاد ذخيرته أمام مخطط التصفية كانت غزة تهب بأحرارها لتزيل العار الذي شقق وجهها النابض ثورة ويقينا، ولتوقف جريان مسار من أرادوا إعادة احتلالها من جديد وتكبيلها بالفوضى والإجرام، وإعمال مبضع الفتك بقسامييها البررة، ليخلو فضاؤها لغربان الشؤم والفساد..!
غزة اليوم طاولت قمم الجبال شموخاً، وتألق جبينها المرصع بالكبرياء إذ طهّرت ديارَها من أذناب الاحتلال وأسدلت الستار على عهد بائد كان عنوانه ذبح (الحماس) في صدور الغزيين وإزهاق نفوس (عزهم) وتصفية دم عروقهم قطرة قطرة..!
ما كان للجباه السمر التي لوحتها شمس البطولة مذ أبصرت النور أن ينكسر فيها عرق الإباء أو ينطفئ في عيونها لهيب الإصرار، وما كان للعزائم التي ابتكرت كل فنون المقاومة وأدوات المواجهة أن تُجتاح بالموت أو يدهمها صقيع المؤامرات.. وما كان لغزة – خاصرة فلسطين ودرة جبينها المحجلة من غبار المعارك – أن ترتضي الدنية أو تنصاع لمنطق (الفوضى) وواقع الإبادة ومشاريع هتك الكرامة واستباحة المحرمات.
قديماً أنشدوا لغزة.. (يا غزة في حلقهم وشرارة في أفقهم) ولها ننشد اليوم.. (وشاح العز يا غزة وشاحي) ونهتف لحواري جباليا والنصيرات ورفح، وسنظل نستطيب الشدو باسمها واستحضار مكنون وثباتها البديعة ونماذج عطائها اللامنتهي ودروس أيامها الفريدة.. دروس الجهاد والاستشهاد والمرابطة، وفنون مغالبة المحتل حتى دحره، وأصول استئصال أي داء خبيث يستفحل داخل الجسد ويشوه قامته ويردي روحه..
غزة.. أَشهدتِ الله على عهدها بأن تظل طاهرة وسامقة، وأن يبقى جيدها مقلداً بارودة نظيفة بيّنة الهدف، وأن تواصل جموعُها سيرَها صوب اكتمال حريتها، وألا يُنبت غرسُها إلا فرساناً أخياراً تشد بهم أزرها وتُعدهم للمنازلة الكبرى، ليجوسوا خلال الديار، (وكان وعداً مفعولاً).


* لمى خاطر

وائل 76
14/09/2007, 16:09
ليل الضفة وسجونها..!


لهم صدأ سلاسل سجونهم وصدى أزرادها المغروسة في لحم الأبرياء.. وللأحرار بين جنباتها ألق النجوم المقيم في جباههم، ونقع المعارك على أكفهم المشققة من أثر السياط!
للسارقين ضياء الضفة المحتلة سواد ليلها يغلف قلوبهم ويغلق فيها نوافذ انعتاق الكرامة، لهم الذل لا ينفك يلاحق رصاصاتهم الهاربة من وجه المحتل، وبنادقهم السوداء المصوبة نحو هامات الكماة!

عن ليل الضفة يحدثكم دم الحافظ لكتاب الله محمد رداد، ورجع صوته المتهادي بين جنبات (النجاح) يستمطر الرحمات من السماء.
عن سجون الضفة يحكي عذاب مؤيد بني عودة الضحية غير الأولى ولا الأخيرة لمؤامرة حراس أمن الاحتلال، الوالغين في شرف الأبرياء والطاعنين فيه جرياً على عادتهم القديمة ودأب كل أجهزة مخابرات أنظمة القمع والإرهاب والتبعية لأولياء نعمتها.
عن قهر روحها تحدثكم ضفة الأحرار، عن دروبها المستباحة، وعن شجونها إذ تضمد كفها النحيلة من طعنات (ذوي القربى)، وتشهد الله على ظلمهم وفجورهم في الخصومة.

لكأنها حادثة استشهاد مهندس القسام محيي الدين الشريف تنتصب شاخصة من جديد إذ تعاود عقول المخبرين الآثمة ذاتها مقارفتها ثم حبك تخريجة درامية لها تنال من سمعة الشرفاء وتغتال طهرهم بعد أن تكرههم سياطها على ترجمة الألم اعترافات تدين - في حقيقتها- جلاديهم أولاً وآخرا..!

فمن ستنطلي عليه حكاية أن الغادرين بالمقاومين والواشين بهم يمكن أن تهتز لهم شعرة من كرامة تحثهم على ملاحقة العملاء الذين جعل منهم حبر الاتفاقات خطوطاً حمراء يحظر الاقتراب من حدودها ؟!
من سيصدق أيها الشهداء المتصاعدون في آفاقنا – ظلماً وغيلة - مبررات قتلكم التي ساقها الفاتكون بكم والعادون على حقوق العباد من زبانية الأجهزة التي لا تحمل من الأمن غير اسمه ؟!
من سينسى ذلك النفر من رعيل المقاومة الأول ممن تخطفتهم سجون الأجهزة ذاتها ونكلت بهم وقدمت بعضهم قرابين للمحتل؟! من يجهل حجم الوجع الذي تكدس في عروق المقادمة والرنتيسي وعبد الله القواسمة يوم كانت حثالات الوقائي تشرب مع شركاء (مشروعها) أنخاب دم المجاهدين وتطرب لعذاباتهم، قبل أن يمن الله عليهم بالانعتاق إلى رحاب الشهادة؟!

واليوم سنذكر جيل المقاومة الجديد الذي قدر له أن يعايش فصول المحنة الأخيرة، سنذكر كل المظلومين من أنيس السلعوس إلى محمد رداد وقبلهما محمد عودة وعمار الطاهر وكل من كتب علينا أن نعد أسماءهم من شهداء وأسرى قبل أن يحين أوان رحيل ليل العربدة عن نابلس وجنين وطولكرم ورام الله وكل مدن الضفة المكلومة والمرزوءة بحفنة ردئية من أبنائها.

أما فلسطين فلن تفرق حينها بين سجان يحمل نجمة صهيون وآخر يتقنع بوطنية زائفة، ولا بين حراس سجن مجدو أو حراس الجنيد! سيحيق غضبها بكل من سام مجاهداً سوء العذاب أو تقرب للمحتل بضلوع الأبرياء المهشمة وستطوى صفحة الغاصبين مع صفحة سدنتهم.

وكما غسل مطر انتفاضة العز الثانية عار سنوات السلم العجاف وكما أحرق لهيب أيلول الأقصى قبل سبع سنوات أوراق التنسيق الأمني وملفات الوشاية بالمجاهدين فإن الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه لن يطول ظمأ قلوبهم وتيبس أرواحهم في ليل المحن وتحت نير المارقين من مروءة الأحرار، وستبقى هذه الأرض وفرسان الحق فيها على موعد مع انتفاضات جديدة يطهر طوفانها أدران المراحل السابقة ويرسي دعائم واقع جديد لا يتصدره سوى من أوفى بعده من الله فاستحق فوزاً عظيما.


* لمى خاطر

وائل 76
14/09/2007, 16:12
إنتهى أسبوعي ..

أرجو أنو أكون وفقت في إختيار شخصية أسبوعي و أن تكون قد نالت رضاكم ..

:D

روان الصوراني
11/04/2009, 11:04
عنجد يسلمو ايديك على هالمعلومات