-
عرض كامل الموضوع : رسائل اخوان الصفا، و خلان الوفا
هنا سأورد الكتاب الكامل "رسائل اخوان الصفا و خلان الوفا"
كتاب فلسفي بامتياز
من اهم و ارقى ما ابدع باللغة العربية
اهديه لجميع اعضاء اخوية بعد ان وصلني اليوم و بعد طول انتظار
ارجو الافادة للجميع
بسم الله الرحمن الرحيم
فهرست الرسائل
هذه فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، وأهل العدل وأبناء الحمد، بجمل؛ جمع جملة، أي جملة الشيء؛ معانيها وماهيه؛ حقيقته؛ أغراضهم فيها، وهي اثنتان وخمسون رسالة في فنون العلم وغرائب الحكم، وطرائف الآداب، وحقائق المعاني، عن كلام الخلصاء الصوفية، صان الله قدرهم وحرسهم حيث كانوا في البلاد.
وهي مقسومة على أربعة أقسام:
فمنها رياضية تعليمية، ومنها جسمانية طبيعية، ومنها نفسانية عقلية، ومنها ناموسية؛ شرعية؛ إلهية.
فالرسائل الرياضية التعليمية أربع عشرة رسالة
الرسالة الأولى منها في " العدد"
وماهيته وكميته وكيفية خواصه. والغرض المراد من هذه الرسالة هورياضة أنفس المتعلمين للفلسفة، المؤثرين للحكمة، الناظرين في حقائق الأشياء، الباحثين عن علل الموجودات في الهيولى،؛ الهيولى عند الحكماء: شيء قابل للصور، ويسمى بالمادة؛ وهي أنموذج من العالم الأعلى، وبمعرفته يتدرج المرتاض إلى سائر الرياضيات والطبيعيات. وإن علم العدد؛ الجذر: الأصل، وأصل الحساب؛ جذر العلوم، وعنصر الحكمة، ومبدأ المعارف، وإسطقس؛ الأصل: والإسطقسات الأربعة: الماء والأرض والهواء والنار، يوناني معرب؛ المعاني.
الرسالة الثانية في " الهندسة"
وبيان ماهيتها، وكمية أنواعها، وكيفية موضوعاتها.
والغرض المقصود منها هوالتهدي؛ الاهتداء؛ للنفوس من المحسوسات إلى المعقولات،ومن الجسمانيات إلى الروحانيات، ومن ذوات الهيولى إلى المجردات،؛ أي المفارقة المادة؛ وكيفية رؤية البسائط،؛ الموجودات غير المركبة؛ التي لا تتكثر ولا تزداد، ولا تنفرد بالاتجاه، ولا تتقدر بمقدار، ولا انحصار في الأقطار،؛الجوانب، والخطوط الهندسية القاسمة والواصلة؛ كالصورة المجردة المعراة من المواد المبرأة من الهيولى، والجواهر المحضة الروحانية، والذوات المفردة العلوية التي لا تدرك بالعيان، وفوق الزمان والمكان، وكيفية الاتصال بها والإطلاع عليها والترقي بالنفس إليها.
الثالثة رسالة في" النجوم"
شبه المدخل، في معرفة تركيب الأفلاك، وصفة البروج، وسير الكوكب، ومعرفة تأثيراتها في هذا العالم، وكيفية انفعال الأمهات والمواليد منها بالنشوء والبلى والكون والفساد،؛ الكون: وجود الجوهر عن عدم مثل وجود عمروبعد إن لم يكن.والفساد: عدم الجوهر عن وجود مثل أن يموت عمروبعد أن كان حياً.؛ والغرض منها هوتشويق النفوس الصافية للصعود إلى عالم الأفلاك وأطباق السموات، منازل الروحانيين، والملائكة المقربين، والملأ الأعلى، والجواهر العلى، والوصول إلى القدس والروح الأمين.؛ العقل الفعال عند الفلاسفة.
تعريف ماهية الجسم وحقيقته وما يخصه من الأعراض اللازمة والزائلة والصور المقومة والمتممة، وتلقب هذه الرسالة بسمع الكيان. السمع: الصيت. الكيان: الطبيعة، قال الجواليقي إنها كلمة سريانية، وقيل سمع الكيان لأنه أول ما يسمعه المتعلمون لهذا العلم، ويسمى أيضاً السمع الطبيعي والسماع الطبيعي، وهوما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة.؛ الثانية منها رسالة في" السماء والعالم" وبيان كيفية أطباق السموات وكيفية تركيب الأفلاك، وما هوالعرش العظيم، وما هوالكرسي الواسع. والغرض منها هوالبيان عن كيفية تحريك الأفلاك، وتسييرات الكوكب، وأن المحرك لها كلها هوالروح القدس والنفس الكلية الفلكية، الموكلة بها بإذن باريها.الثالثة منها رسالة في" الكون والفساد" والغرض منها هوالبيان عن ماهية الصور المقومة لكل واحد من الأركان الأربعة، أعني الأمهات التي هي النار والهواء والماء والأرض، وإنها هي الأمهات الكلية الكائن منها المعدن والنبات والحيوان، وكيفية استحالة بعضها إلى بعض باختلاف كيفياتها عليها، بدوران الأفلاك حولها، ومطارح شعاعات الكوكب عليها، وإن الطبيعة الفاعلة لها، المحركة لكل واحد منها إلى كمالها وغايتها، هي قوة من قوى النفس الكلية الفلكية، وملك من جملة الملائكة الموكلة بها، وسائقة لها إلى تمام ما أعد لها من غايتها.
الرابعة منها رسالة في" الآثار العلوية"
والغرض منها هوالبيان عن كيفية حوادث الجووتغييرات الهواء، من النور والظلمة، والحر والبرد، وتصاريف الرياح من البحار والأنهار، وما يكون منها من الغيوم والضباب والطل والندى والأمطار والرعود والبروق والثلوج والبرد والهالات؛ جمع هالة، وهي الدارة التي تظهر حول القمر.؛ وقوس قزح والشهب وذوات الأذناب وما شاكل ذلك.
الخامسة منها رسالة في" كيفية تكوين المعادن
وكمية الجواهر المعدنية، وعلة اختلاف جواهرها وكيفية تكوينها في باطن الأرض." والغرض منها هوالبيان بأنها أول مفعولات الطبيعة التي هي دون فلك القمر التي هي قوة من قوى النفس الكلية الفلكية بإذن باريها المصور للجميع، والموجد للكل، لا من موجود، إبداعاً واختراعاً وخلقاً وتكويناً، ومنها تبتدئ الأنفس الجزئية بالتهدي الباعث بها إلى الترقي من أسفل سافلين من مركز الأرض إلى أعلى عليين، عالم الأفلاك وفوق السموات، موقف الأبرار المتقين، ومقر الأخيار المنتجبين،؛ المختارين.؛ ومحل الأنبياء والمرسلين. وهذا أول صراط تجوز عليه الأنفس الجزئية ثم النبات بوساطة الكون والنمو، ثم الحيوان بوساطة الكون والنمووالحس، ثم الإنسان بوساطة الكون والنمووالحس والعقل، ثم التجرد والدخول في زمرة الملائكة الذين هم سكان الأفلاك والملأ الأعلى الذين هم أهل السموات.
السادسة رسالة في" ماهية الطبيعة"
وكيفية أفعالها في الأركان الأربعة التي هي الأمهات ومواليدها التي هي: الحيوان والنبات والمعادن. والفرق بين الفعل الإرادي، من الفكري والشوقي، وبين الضروري من الطبيعي والقهري.والغرض منها تنبيه الغافلين على أفعال النفس وماهية جوهرها، والبيان عن أجناس الملائكة، وهي التي تسميها الفلاسفة روحانيات الكواكب الموكلة بإنشاء المواليد، بتحريكها إلى استكمال صورها والتمام المعد لها.
السابعة منها رسالة في" أجناس النيات"
وأنواعها وكيفية سريان قوى النفس النامية فيه.
والغرض منها هوتعديد أجناس النبات، وبيان كيفية تكوينها ونشوئها، واختلاف أنواعها من الأشكال والألوان والطعوم والروائح في أوراقها وأزهارها وثمارها وحبوبها وصموغها ولحائها؛ قشر الشجر؛ وعروقها وقضبانها وأصولها وغير ذلك من المنافع؛ وأن أول مرتبة النبات متصلة بآخر مرتبة المعادن، وآخر مرتبتها متصلة بأول مرتبة الحيوان.
الثامنة منها رسالة في" أصناف الحيوان"
وعجائب هياكلها وغرائب أحوالها. والغرض منها هوالبيان عن أجناس الحيوانات وكمية أنواعها واختلاف صورها وطبائعها وأخلاقها، وكيفية تكوينها ونتاجها وتوالدها وتربيتها لأولادها؛ وأن أول مرتبة الحيوان متصلة بآخر مرتبة النبات، وآخر مرتبة الحيوان متصلة بأول مرتبة الإنسانية، وآخر مرتبة الإنسانية متصلة بأول مرتبة الملائكة الدين هم سكان الهواء والأفلاك وأطباق السموات، وأن نفوس بعض الحيوانات ملائكة ساجدة لنفس الإنسان التي هي خليفة الله في أرضه، ونفوس بعضها راكعة له؛ ونفوس بعض الحيوان شياطين عصاه مغلغلة في جهنم عالم الكون والفساد؛ وأن الإنسان إذا كان خيراً عاقلاً فهو ملك كريم خير البرية؛ وإذا كان شريراً فهو شيطان رجيم شر البرية.
التاسعة منها رسالة في" تركيب الجسد"
والبيان بأنه عالم صغير وأن بنية هيكله تشبه مدينة فاضلة، وأن نفسه تشبه ملكاً في تلك المدينة، والغرض منها هومعرفة الإنسان جسده وبنيته المهيأة له. وإن انتصاب القامة أجلّ أشكال الحيوانات، وإن بنية جسد الإنسان مختصر من العالم الذي هو في اللوح المحفوظ، وأنه الصراط الممدود بين الجنة والنار، وإنه ميزان القسط الذي وضعه الله بين خلقه، وإنه الكتاب الذي كتبه الله بيده، وصنعته الذي صنع الله بنفسه، وكلمته الذي أبدع الله بذاته؛ وأن نفس الإنسانية هي خليفة الله في أرضه حاكماً بين خلقه، سائساً لبريته، مستعملاً لعالمه السفلي مدة من الزمان، فإذا انتقل صار زينة لعالمه العلوي، وحافظاً لذاته الوجودي على الأبد؛ وأن الإنسان إذا عرف نفسه المستخلف عرف ربه الذي استخلفه وأمكنه الوصول إليه والزلفى لديه، فائزاً بنعيم الأبد والدوام السرمد.
العاشرة منها رسالة في" الحاس والمحسوس"
والغرض منها هوالبيان عن كيفية إدراك الحواس محسوساتها، واتصالها بواسطة القوة الحاسة، واتصالها إلى الحاسة المشتركة الروحانية الواصلة، التي منها انبعثت قوى الحواس الظاهرة؛ وإنها ترد كالخطوط الخارجة من المركز إلى المحيط، بنقط كثيرة، الراجعة إليه بنقطة واحدة، وهوأول منازل الروحانية إذ القوة الحاسة المؤدية إليه جسماني بوجه وروحاني بوجه، والحاسة المشتركة، أعني الداخلة، روحانية محضة، لأن حكم الجزء منها حكم الكل، وإن كانت التجزئة لا تقع عليه بالحقيقة لأن تصورها الشيء بإدراكها واتصالها إلى القوة المتخيلة التي مجراها مقدم الدماغ لتوصلها إلى القوة المفكرة التي مجراها وسط الدماغ، لتميزها وتخلصها بجولانها فيها، وتعرف حقائقها، ثم توصلها إلى القوة الحافظة الذاكرة التي مجراها مؤخر الدماغ، لتمسكها وتحفظها معتقدة أوغير معتقدة إلى وقت التذكار، ثم تؤديها إلى القوة الناطقة العاقلة التي هي ذات الإنسان المدبرة للكل، الباقية بالذات، تنتزع جميع المعاني والصور، ثم تصور تلك المعاني والصور المنتزعة من مصوراتها المرتسمة فيها، وهي القوة الناطقة أيضاً بوساطة الأولى، فتلك الصورة هي لها كالموضوع وكالهيولى. والقوة المعتبرة أيضاً للنطق الخارج هي القوة الناطقة أيضاً على وجه ثالث بواسطة الألسن، فإذا همت الأولى بإظهار شيء إلى خارج وهوالنطق الإلهي على الحقيقة، من صورة النفس، تصورت النفس الثانية، إذ هما جوهر واحد لتجردهما عن المواد، وتعريهما عن الهيولى أعني الجسمانية، فتأدّت إلى القوة الناطقة التي مجراها على اللسان، لتعبر عنها بالألفاظ الدالة للمخاطبين على المعاني التي تخرج من النفس إلى القوة الصانعة، التي مجراها اليدان، لتخط بالأقلام على أوجه الألواح وصفحات الدفاتر وبطون الطوامير؛ الصحائف؛ تلك الألفاظ وهي النطق الخارج والكلام الظاهر لتبقى العلوم بصورها الذاتية أعني معانيها محفوظة من الأولين إلى الآخرين، وخطاباً من الحاضرين للغائبين إلى يوم يبعثون.
الحادية عشرة منها رسالة في" مسقط النطفة"
وكيفية رباط النفس بها، أعني الهيولانية، عند تقلب حالاتها شهراً بعد شهر، وتأثيرات أفعال روحانيات الكواكب في أحكام بنية الجسد من المزاج والتركيب أربعة أشهر قدر مسير الشمس ثلث الفلك، واستيفائها طبائع البروج من النارية والترابية والهوائية والمائية؛ ثم كيفية تأثيراتها وأفعالها في أحكام النفس أربعة أشهر أخر وما ينطبع فيها من التهيؤ والاستعداد التي هي صورة الأولى بالقوة لتصير صورة بالفعل عند التهيؤ لقبول الأخلاق والأعمال والعلوم والآداب والحكم والآراء في مقبل الزمان ومستقبل العمر، بعد الولادة في الشهر التاسع، عند دخول الشمس من بيت التاسع، من موضعها، يوم مسقط النطفة بيت؛ قسم من منطقة البروج؛ الحركة والسفر والنقلة والتصور والعلم والفطنة. والغرض منها هوالإخبار عن حال الأنفس البسيطة قبل تشخصها واتصالها بالأجسام الجزئية المحصورة المحدودة المحسوسة بوساطة الألوان والأشكال والأعراض الأخر؛ وإن المكث الآلة وإعدادها الأدوات لاستتمام رباط النفس بالهيكل، واتحادها بقواه، وانبساطها في البنية، وتمكنها من الجملة.
الرسالة الثانية عشرة في معنى قول الحكماء
" إن الإنسان عالم صغير"
وهومعنى العالم الكبير المؤدي عن جملته والمخصوص بثمرته، وإن صورة هيكله مماثلة لصورة العالم الكبير الجسماني؛ وإن أحوال نفسه وسريان قواها في بنية هيكله وحقيقة جوهره مماثلة لأحوال الخلائق الروحانيين من الملائكة والجن والشياطين، وأرواح الحيوانات أجمعين. فإن الإنسان مختصر من العالمين الروحاني والجسماني جميعاً، مهيأ مجبول من سوس، هو في الحقيقة خلاصة هذا العالم وثمرته وزبدته، وكدر ذلك العالم وثفالته،؛ الثفالة: الختارة، وهي ما رسب تحت الشيء من كدورته كخثارة الزيت والمرق وما أشبه. ولم نجد الثفالة في المعاجم التي بين أيدينا، وإنما وجدنا الثفل. فاستعمالها هنا على قياس الخثارة.؛ وأن يكون جوهر آخر المعاني الجسمانية، وأول المعاني الروحانية، فهو كالحد المتاخم لكل العالمين، وكالأصل الصالح لمجموع الكمالين، وكالجوهر الذي هوبإنيته؛ تحقق الوجود العيني من حيث رتبته الذاتية؛ معقول، وكيفية محسوس، وكالشيء الذي بذاته حياة من وجه وذوحياة من وجه، وكالذات القائم بنفسه من جهة، والقائم بغيره من جهة، وكالمعنى المشير بمضمون فحواه، ويفطن، بمفهو مه، لما سواه؛ ومن وجه آخر كالفرخ المتفقئ عنه البيضة الذي هوله كمال من وجه ومنتهى للكمال من وجه آخر، فهو اللازم للوكر ما دام طائراً بالقوة، فإذا استكمل طار فصار طائراً بالفعل؛ وكالزاوية التي يوجد ذاتها متوسطة بين المتجزئ وغير المتجزئ، ثم النقطة جامعة لحاليهما أعني البسيط والمركب، وكالنبوة التي هي ممتدة إلى الروحانيين بخط، وإلى الجسمانيين بخط، ثم الوحي جامع بين طرفيهما، والإلهام حاولحديهما؛ وكنهاية المحيط التي هي السطح لذي مكان وليس له مكان. والغرض من هذه الرسالة هوالإخبار عن حال الأنفس البسيطة قبل تشخيصها واتصالها بالأجسام الجزئية والأشخاص الحسية، وعلة اتصالها مدة، وحال مفارقتها عند بلوغ نهايتها؛ وكيف يعرف الإنسان هويته وإنيته وكيفية نفسه وحقيقة ذاته، وأنه مجموع فيه معاني الموجودات كلها، فهو كالكل، ومحيط بالجميع، فينتبه كذلك، ويتأمل الصواب والفرصة مدة حياته، فيقصده؛ أي يقصد الجواب؛ ويقتنيه ويحتويه، إذ لذلك أنشأه منشيه فيعيده ويبديه ويديمه ويبقيه، وهويبليه ويشفيه ويهديه لينجيه فيفوز بالبقاء والنعيم المقيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
الرسالة الثالثة عشرة في" كيفية نشر الأنفس
الجزئية في الأجساد البشرية والأجسام الطبيعية"، والغرض منها البيان عن كيفية بلوغ الإنسان بدوام انتقاله، وتغير أحواله، وآخر معاده ومآله، وكيف يصير إلى رتبة الملائكة ومنازل الروحانيين، دار القرار ومحل الأخيار، عند خلع المادة، وبلوغ الإرادة، ونهاية السعادة، إلى حلوله بعد الموت أوقبله بوجوده الصوري، وجوهره النوري.
الرسالة الرابعة عشرة في" بيان طاقة الإنسان
في المعارف" إلى أي حد هو، ومبلغه في العلوم إلى أي غاية ينتهي، وأي شرف منها يرتقي. والغرض منها هوالتنبيه على معرفة الله- جل جلاله- والقصد نحوه واستنجاز لقائه، والوقوف بين يديه، والرجوع بالكلية إليه، كما كان منه المبدأ وإليه المعاد والمنتهى.
الرسالة الخامسة عشرة في" ماهية الموت والحياة"
وما الحكمة في وجودها في الدنيا عالم الكون والفساد وما حقيقة المعاد. والغرض منها هوالبيان عن علة رباط الأنفس الناطقة بالأجساد البشرية، واتصالها بالأشخاص الجزئية إلى وقت الموت، وكيفية التأهب والاستعداد قبل الفوت، والاستعجال ما دام الخلاص ممكناً والنجاة معرضة، والأجسام موجودة، والآلة متمكنة؛ والاستهانة بالموت والتجافي عنه، وإزالة الخوف منه ببقاء النفس بعد الموت الذي هومفارقها الجسد، وترك استعمالها إياه، واستراحتها من أذاه، ووصولها إلى عالمها، ووجودها مناها، وبلوغها منتهاها، وأنه لا سبيل لها إلى البقاء السرمدي الذي لا يتغير ولا يزول إلا بمفارقة الجسد المستحيل الذي هوسبب الانتقال والزوال والتغير من حال إلى حال.
الرسالة السادسة عشرة في" ماهية اللذات والآلام
الجسمانية والروحانية" وعلة كراهية الحيوانات الموت وكيف أسباب الآلام واللذة التي تنال النفوس بسبب الأجسام، وكيف تنال بمجردها إذا فارقت الجسد، وكيف يكون انفرادها بذاتها، وتجردها بنفسها خلواً منها؛ أي انفراداً منها بذاتها؛ وانتهاؤها إلى الفردانية واتحادها بالجواهر الصورانية والذوات الروحانية، وكيف تكون لذات أهل الجنان وآلام أهل النيران. والغرض منها هوالتصور أن عذاب أهل جهنم كيف يكون مع الجن والشياطين المغللة المقيدة المنكوسة المعكوسة،وأن نعيم أهل الجنان كيف يكون مع الملائكة والروحانيين مسرورين، فيها مخلدين، لا يمسهم فيها نصب ولا عناء يتبوأؤن من الجنة حيث يشاؤون؛ وإن جهنم عالم الكون والفساد يصلاها من شقي بسوء المنقلب والمعاد؛ وإن الجنان في أعالي عالم الأفلاك وسعة السموات سعد بها من فاز بعد الممات بذخائر الخيرات والباقيات الصالحات.
الرسالة السابعة عشرة في" علل اختلاف اللغات"
ورسوم الخطوط والعبارات، وكيف مبادئ المذاهب والديانات والآراء والاعتقادات، وأول نشوئها، وابتداؤها ونماؤها وتزايدها حالاً بعد حال، وقرناً بعد قرن، وكيفية انتقالها من قوم إلى قوم، وسبب تغييراتها والزيادة فيها والنقصان منها. والغرض منها هوالتنبيه على أن أفعال النفس إنما تقع بحسب ما في طبعها وغريزتها، وإن قوة البحث عن الخفيات موجودة في جوهريته، أي بضمير التذكير اعتباراً للإنسان، أي في جوهرية النفس، كالمادة، والعلم صورة لتلك المادة، فهي علامة بالقوة، والعلم صورة قائمة فيها، وإن في قوتها أن تعلم الأشياء المحسوسة والمعقولة من أصناف العلوم في الأعلى والأسفل والأدق والأجل منها، بقوة النطق؛ ولذلك يسنح لذاته سوانح ويخطر بباله خواطر فيعمل فيها فكره، فيستخرج بعلمه آراء ويستنبط بذهنه مذاهب، ثم يعبر عن تلك الصورة المتخيلة في ضميره بألفاظ مؤدية عنها، ثم يقيد تلك الألفاظ برسوم من الكتابة دالة على تلك الألفاظ دلالة الألفاظ على تلك الخواطر، ودلالة الخواطر على أعيان الأشياء وحقائقها ومعانيها. وإنما يتعاطون ذلك على حسب مناسبات من الطباع واتفاقات تقع في الأوقات والبقاع والمنشأ والمولد والمخالطات بأقوام أصدقاء وأقارب ومعارف؛ والإصغاء إليهم والأخذ عنهم والتخلق بأخلاقهم، فبحسب هذه الاتفاقات يقع إيثار الإنسان الشيء على غيره من الآراء والمذاهب، والمطالب والاعتقادات والنحل والصناعات والمكاسب، لأن كل إنسان وأن كان في ظاهر أمره متمكناً من اختيار ما يقتنيه من المذاهب والآراء، فبينه وبين كل واحد منها مناسبات جبلية؛ طبيعية؛ باطنة، وعادات ألفية ظاهرة، تجذبها إليه وتحببها عنده وتحرضه عليها وتدعوه إليها، وبحسب انجذابه في طبعه وميله وألفه، يكون تبرزه فيها ومهارته بها، ولذلك برز أحدهم في شيء وتخلف آخر، واجتهادهما واحد. وربما اتفق واحد منهم أن يسمع كلاماً أويرى أ مراً فيرضاه لنفسه، ويميل إليه بطبعه، ويقتنيه، ويدخل في جملة أهله، فيتأكد ألفته وأنسه به على مرور الزمان، فإذا قوي الألف واستمرت العادة، وسكنت نفسه إليه، وتمكن من قلبه، لشدة صحبته له ومعرفته به، وفرط ميله إليه، آثره على غيره حتى يصير في آخر الأمر إلفاً لما يختاره منه، ومعانداً لما سواه، ويرى له الفضل على غيره من المذاهب الحقيقية، والآراء العقلية، وإن كان مفضولاً؛ ويحكم له بالشرف والعلو، وإن كان مشروفاً. فبحسب ذلك تكثر الاختلاطات وتتباين المذاهب والديانات، والحق فيهم مع الأنزر الأقل، والآخر لا حق بالأول.
ومنها الرسائل النفسانية العقلية
تشتمل على عشر رسائل:
الرسالة الأولى منها في" المبادئ العقلية"
على رأي الفيثاغوريين، والغرض منها أن الباري -جل جلاله- لما أبدع الموجودات في المبدع الأول وهوالعقل، واخترع المخترعات بوساطته في النفس، وخلقها مقدرة في الطباع، وكونها بحسب الأمهات والموالد، ورتبها ونظمها كمراتب الأعداد من الواحد الذي قبل الاثنين، والاثنين قبل الثلاثة، وكذلك ما بعده؛ وجعل لكل جنس منها حداً مخصوصاً، ونهاية معلومة، مطابقة بعضها لبعض، فاعلة ومنفعلة، هيولى وصورة، نوعاً وجنساً، إذ رأى ذلك أحكم وأتقن وأكمل وأهدى إليه وأبين.
الرسالة الثانية في معنى قول الحكماء"
إن العالم إنسان كبير"
ذونفس وروح حي عالم طائع لباريه، خلقه ربه- جل ثناؤه- يوم خلقه، تاماً كاملاً، وإن كل الخلائق داخلون فيه وهوجملتهم، وليس خارج العالم شيء آخر لا خلاء؛ امتداد موهوم صالح لأن يشغله الجسم ويسمى أيضاً الفراغ الموهوم، أوهوالبعد المجرد الموجود في الخارج القائم بنفسه.؛ ولا ملاء؛ الجسم في اصطلاح الحكماء، لأنه يملأ المكان، ومد هنا كالخلاء للازدواج.؛ وليس العالم في مكان وكل ما فيه في مكان موكل كل واحد من أهل العالم بما يتأتى منه، ويقدر عليه، يفعلون ما يؤمرون، "وكل في فلك يسبحون" يسبحون الليل والنهار لا يفترون، كما قال تعالى:" وما منا إلا له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون، وإنّا لنحن المسبحون".
الرسالة الرابعة منها في" العقل والمعقول"
وما العقل الهيولاني، وما العقل بالقوة، وما العقل بالفعل، وما العقل المستفاد، وما العقل الفعال، والغرض منها هوتعريف ذات الإنسان، وصورة الصور، وما جوهر النفس بحقيقتها، والإشارة إلى الباقي فيها، وكيف اجتماع صور المعلومات فيها على تباينها وتغايرها، وكيف تصورها الموجودات المنتزعة من المواد، وكيف تصير أحد موجودات العالم، بعد أن لم يكن شيء من الموجودات إلا بالقوة، وكيف خروجه بالصورة من العدم إلى الوجود، وكيف يحصل عقلاً بالفعل، وعاقلاً بالفعل ومعقولاً بالفعل، والوجود الصوري مجرداً من سائر المواد معراة من الهيولات، فتبقى ببقاء العقل الفعال،" وجه الله ذي الجلال والإكرام، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون.
الرسالة الخامسة في" الأكوار الطبائع والأدوار
واختلاف القرون والإعصار والزمان والدهور" والغرض منها هوالبيان عن كيفية إنشاء العالم ومبدئه وترتيبه وظهوره وغايته وكيفية فنائه وخرابه، لوانقطعت مواد بقائه عن مبقيه لينعدم في الحال ويضمحل بلا زمان وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أوهوأقرب.
الرسالة السادسة منها في" ماهية العشق"
ومحبة النفوس ونزوعها وتشوقها إلى الاتحاد؛ والمرض الإلهي وما حقيقته، ومن أين مبدأه. والغرض منها هوالبيان بأن السابق المشوق إليه المعشوق المطاع المراد المطلوب المحبوب على الحقيقة هوالباري جل ثناؤه، وأن الخلائق وجملة العالم مشتاقة إليه مريدة متحركة نحو الكمال باستتمام الصورية، وعاشقة إلى مصورها الذي هو فرق الصور والكمال التمام، وهوالباري المصور، له الأسماء الحسنى والأمثال العلى.
الرسالة السابعة في" ماهية البعث والصور والنشور
والقيامة والحساب وكيفية المعراج" وعلمها هوالغرض من رسائلنا كلها، وإليه المنتهى، وهوالغاية القصوى، وإليه أشار بقوله" تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة".
الرسالة الثامنة في" كمية أجناس الحركات
وكيفية اختلافها ومبادئها وغاياتها"، والغرض منها هوالبيان عن كيفية وجود العالم عن الباري،-جل جلاله- وكيف حركة الطبائع إلى استكمالها، وقبول صورها الخاصية في كل واحد منها وكيفية سكونها عند استكمال كل واحد منها لصورته الخاصية، إذ بالصورة يصير الشيء هوما هو، وبه يحصل في الوجود، ويتميز ويتحيز، ويصير شيئاً معلوماً مشاراً إليه.
الرسالة التاسعة منها في" العلل والمعلولات"
وكيف رجوع أواخرها على أوائلها، وأوائلها على أواخرها، والغرض المقصود منها هومعرفة أصول العلوم ومبادئها وأسبابها وقوانينها ورسومها وكيفياتها على الحقيقة.
الرسالة العاشرة منها في" الحدود والرسوم"
والغرض منها هومعرفة حقائق الأشياء وماهياتها وأجناسها وأنواعها المركبة والبسيطة بما هي كل واحد منها، وبمعرفتها الوقوف على ذوات الأشياء وكيفياتها وفصولها.
ومنها الرسائل الناموسية الإلهية والشرعية الدينية
وهي تشتمل على إحدى عشرة رسالة:
الرسالة الأولى منها في" الآراء والمذاهب"
في الديانات الشرعية الناموسية والفلسفية، وبيان اختلاف العلماء في أقاويلهم، وما أدى إليه اجتهادهم من البحث والنظر والكشف عن الحقائق والأصول، وكمية تلك المقالات، وما الأسباب والعلل التي من أجلها كان اختلافهم ومن المحق ومن المبطل، وما يصلح للجميع، وما يصلح للخاص، وما يصلح للعام. والغرض من هذه كلها هوالبيان بأن المذاهب والديانات كلها وضعت كالعقاقير والأدوية والأشربة لمرض النفوس وكسب الصحة ولطف الحيل لخلاصها من بحر الهيولى وأسر الطبيعة، ووصف طريق الآخرة وكيفية النجاة في المعاد من جهنم عالم الكون والفساد، والوصول إلى الجنان والفردوس عالم الأفلاك والسبع السموات؛ وإن أكثر هذه الديانات لأقوام قد انحرفوا عن طريق النجاة، وبعدوا عن انتهاج سبي الرشاد، فاستولى عليهم الميل والعصبية، والحمية الجاهلية، نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فضلوا ضلالاً بعيداً، وما الله بظلام للعبيد.
الرسالة الثانية في" ماهية الطريق إلى الله
عز وجل وكيفية الوصول إليه." والغرض منها هوالحث على تهذيب النفس، وإصلاح الأخلاق، وتطهير السرائر، وتنزيه الضمائر، وتنبيه النفوس الساهية، عما بعد الموت في المعاد من أحوال القيامة والبعث والنشر والحساب والميزان والصراط والجواز على جهنم، والورود فيها، وحقائق معانيها." وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً."
الرسالة الثالثة في" بيان اعتقاد إخوان الصفا
وخلان الوفا" ومذاهب الربانيين الإلهيين والغرض منها هووضوح الحجة على بقاء النفوس بعد مفارقتها الجسد الذي يسمى الموت، وحل الشكوك فيها، وكشف الشبه بطريق إقناعي لا برهاني، إذ الرسالة الجامعة مقصورة على البراهين، على ما أشرنا إليه في رسائلنا التي هي كالمدخل إليه والعنوان له.
الرسالة الرابعة منها في" كيفية عشرة إخوان الصفا وخلان الوفا" وتعاون بعضهم لبعض بصدق المودة وصحة المحبة، ومحض الرأفة والشفقة والتحنن والرحمة، وسيرهم في صلواتهم ومذكراتهم ومجالسهم واجتماعاتهم. والغرض منها تأليف القلوب والتعاضد في الدين والدنيا جميعاً، إذ هي سبب نجاتهم والمؤدية إلى خلاصهم.
الرسالة الخامسة منها في" ماهية الإيمان
وخصال المؤمنين المحقين"، والغرض منها هومعرفة الجلالة الروحانية وما الإلهام وما الوسوسة وما التوفيق وما الخذلان وما الهداية وما الضلالة، إذ كان هذا الباب علماً غامضاً وسراً خفياً من العلوم الروحانية والأسرار النفسانية.
الرسالة السادسة منها في" ماهية الناموس الإلهي
والوضع الشرعي" وشرائط النبوة وكمية خصالهم؛ أي خصال الأنبياء؛ ومذاهب الربانيين والإلهيين. والغرض منها هوالتنبيه على أسرار الكتب النبوية، ومرامي مرموزاتهم المقصودة، وأوضاعهم الناموسية الإلهية والتهدي إليها، وكيفية الكشف لها، من المهدي المنتظر والبرقليط الأكبر.
الرسالة السابعة منها في" كيفية الدعوة إلى الله
عز وجل" بصفوة الأخوة وصدق الوفاء، ومحض المودة، وخطاب طبقات المدعوين، ومنازل المستجيبين إلى ذلك. والغرض منها هوالبيان بأن دولة أهل الخير تبتدئ أولها من قوم أخيار فضلاء أبرار يجتمعون ويتفقون على رأي واحد، ومذهب واحد، وسنة رضية، وسيرة عادلة من غير تخاذل ولا تقاعد.
الرسالة الثامنة منها في" كيفية أفعال الروحانيين
والجن والملائكة المقربين والمردة والشياطين" والغرض منها هوالبيان أن في العالم فاعلين نفسانيين روحانيين غير جسمانيين، لا يتمانعون ولا يتزاحمون ولا يتضايق بهم المكان ولا يحويهم الزمان، ولا يتحصلون بمشاعر الحواس ومدارك العيان، ذواتهم حيث أفعالهم، وصورهم معروفة بآثارهم.
الرسالة التاسعة منها في" كمية أنواع السياسات"
وكيفيتها ومراتب المسوسين وصفات المدبرين لها في العالم. والغرض منها هوالبيان بأن مدبر الجميع وسائس الكل الحكيم الأول الباري المصور جل جلاله، وإن من كان أحسن سياسة وأحسن تدبيراً كان عند الله أعظم منزلة، ولديه أقرب زلفة؛ ومن كان بقدرة الله أبصر، وبحكمته أعرف، كان بسياسة خلقه أعلم؛ ومن كان بها أعلم فسياسته أحسن وأعدل، ومن كان كذلك، فإليه أقرب ولديه أوجه.
الرسالة العاشرة في" كيفية نضد العالم بأسره"
وفي مراتب الموجودات، ونظام الكائنات، وإن آخرها منعطف على أولها من أعلى الفلك المحيط إلى منتهى مركز ا لأرض؛ وإنها كلها عالم واحد كمدينة واحدة، وكحيوان واحد، وكإنسان واحد.
والغرض منها هوالوقوف على معرفة الحقائق ومبادئها وتواليها وسوابقها ولواحقها، علماً وبياناً شافياً مقنعاً كافياً، بلا شك ولا شبهة ولا ريب ولا مرية، وإن مبدأها كلها صادرة عن فعل الله عز وجل وحده الذي هوالإبداع المحض، لا من موجود هوأولها بالوجود والوحدة وأقدمها فيه، وهوالبديء؛ المخلوق والأمر المبدع؛ الذي أبرز الله فيه سائر الموجودات، تنبعث منه القوى متكثرة نحوغايتها المختلفة، وإليها تتصاعد متحدة، وإن إلى ربك المنتهى وإلى الله ترجع الأمور؛ وجعله السبب الأول الذي به يتعلق ما سواه من سائر الموجودات، تعلق المعلول بالعلة مرتبطاً بعضها ببعض فاعلة ومنفعلة، منقلاً من رتبة الدنيا إلى رتبة القصوى، ارتباط معلول بعلة على حسب بواديها وتواليها، إلى أن تتلاحق بأجمعها وتتوارد بأسرها إليه، فيكون هوعلة العلل ومبدأ المبادئ الفائضة بما أفاض إليه الباري- جل جلاله- على ما دونها بخيرها ووجودها، يقبل كل ذات من الذوات بقدر ما يحتمله منها من الوجود اللائق به في الدوام والبقاء، نور الله وعنايته ورحمته وكلمته، به الله يهدي من يشاء ويثيب، وإليه يرجع من ينيب.
الرسالة الحادية عشرة منها في" ماهية السحر
والعزائم" وماهية العين والزجر والفال والوهم والرقى وكيفية أعمال الطلسمات الباقية، وما عمارة الأرض وما الجن وما الشياطين وما الملائكة المقربون والروحانيون، وكيف تأثيرات بعضهم في بعض. والغرض منها هوالبيان بأن في العالم فاعلين غير مرئيين ولا محسوسين يسمون روحانيين، أفعالهم ظاهرة، وذواتهم باطنة، منها ما تظهر أفعاله بوساطة الطبيعة، ومنها بوساطة النفس، ومنها بوساطة العقل، وهوأجل منازل المخلوقين وأعلى رتبة الروحانيين، لأن الباري- جل ثناؤه- جعل العقل سابقاً، والنفس لاحقاً، والطبيعة سائقاً، والهيولى شائقاً، والعدم ماحقاً.والعقل هوالبديء الأول والموجود الأول، عن موجده بدئ وبه يبقى. ولذلك صار ممتد الوجود بوجوده، مستكمل الفضائل والخيرات، تام الأنوار والبركات، معرى من الشوائب والتغييرات، مبرأ من النقص الواقع من جهة الهيوليات، يرتب كل موجود مرتبة، وينزله منزلة، ويوفيه قسطه في لزوم النظام والبلوغ إلى التمام، ولذلك جعل له القوة الحافظة على سائر الموجودات ووجوداتها العاقلة، لهم ذواتها الخاصة بواحد واحد منها، يستحقها أو يليق بها، فلذلك يشار إلى ذاتها باسم الفعل الصادر عنها، إذ فعله ذاته وصورته تأثيراته. فهذا هوالسابق البادي، ثم يليه اللاحق التالي، وهوالقوة المخترعة بوساطته المبدعة بها الذوات من سائر الموجودات، أفضل أحوالها في الوجود الذي هوالحياة؛ وهي النفس التي بها أعطى الأجسام أفضل صورها وأتم وجودها.
ولما تصورت الأجسام بها وانطبعت فيها، حصلت لها بها قوة تتعلق بها الأجسام على قدر اختلافها، فحصل صورة كل واحد منها، مخالفة لصورة الآخر، وهوالطبيعة الباقية في الأجسام، يحصل بها التخلق والتصور والتشكل بالصورة الخاصة لواحد واحد منها، وهي قوة وضعها الباري- جل جلاله- في الجسم وعلق قوامه بوجودها فيه، وصيره بخاصتها للتحرك به إلى تمام معد له وغاية، قدر لبلوغه إليه، ووقوفه عنده، إلا أن يعوقه عائق من خارج فيمتنع من حركته إلى أن ينقطع ذلك، فيعود إلى حركته الخاصية. ثم الهيولى الأولى التي هي ذات بالقوة لا موجود بالفعل، يخرج إلى الوجود بالفعل بقبول الصورة التي بها يصير الشيء هوما هو، ويفارقه كون العدم، والعدم هولا موجود بالفعل، ولا موجود بالذات، موجود بالعرض، فسبحان خالق الوجود والعدم، وباسط الأنوار والظلم، موجد وجود كل موجود فينعدم، ومعيده فينصرم، ومنشئه فيبلى، ومبقيه ليبقى، منه المبدأ وإليه المنتهى.
تم الكلام على الرسائل.
وتليها" الرسالة الجامعة لما في هذه الرسائل
المتقدمة كلها، المشتملة على حقائقها بأسرها." والغرض منها إيضاح حقائق ما أشرنا إليه ونبهنا في هذه الرسائل عليه، أشد الإيضاح والبيان، يأتي على ما فيها فيتبين حقائقها ومعانيها ملخصة مستوفاة مهذبة مستقصاة ببراهين هندسية يقينية، ودلائل فلسفية حقيقية، وبينات علمية، وحجج عقلية، وقضايا منطقية، وشواهد قياسية، وطرق إقناعية، لا يقف على كنهها ولا يحيط بحقائقها، ولا يحصلها ولا شيئاً منها إلا من ارتاض بما قدمنا، وحذق وعرف وتدرب فيها وتمهر أوبما يشاكله، إذ هذه الرسائل كلها كالمقدمات لها والمداخل إليها والأدلة عليها والأنموذج منها، لا ينفتح غلق معتاصها، ولا ينكشف مستور غامضها إلا لمن تهذب بهذه الرسائل الاثنتين والخمسين أوبما شاكلها من الكتب. والرسالة الجامعة من رسائلنا هي منتهى الغرض لما قدمناه، وأقصى المدى ونهاية القصد، وغاية المراد، ولله الحمد والمنة، وله الحول والقوة.
هذه فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا
وأهل العدل وأبناء الحمد، وهي اثنتان وخمسون رسالة، ورسالة، في تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن مثل صاحب هذه الرسائل مع طالبي العلم ومؤثري الحكمة ومن أحب خلاصه، واختار نجاته، كمثل رجل حكيم جواد كريم، له بستان خضر نضر بهج مونق معجب طيب الثمرات، لذيذ الفواكه، عطر الرياحين، أرجه الأوراد، فائحة الأزهار، بهية المنظر، نزهة المرامي، مختلفة الأشكال والأصباغ، والألوان والمذاق والمشام، من بين رطب ويابس وحلووحامض، وفيها من سائر الطيور المطربة الأصوات، الملهية الألحان، المستحسنة التغريد، تطرد تحت أشجارها أنهار جارية، وخلال أزهارها وخضرها جداول منسابة تموج، وفي حافات الأنهار خضر مونقة، وأصداف مشرقة الألوان، وجواهر متناسبة الأصباغ، رائقة المناظر، عجيبة الصور، بديعة التأليف، غريبة التنضيد، فرحة كل نفس، ونزهة كل عين، مسلاة كل هم، مدعاة كل أنس، فأراد لكرم نفسه وسخاء سجيته أن يدخلها كل مستحق، ويتلذذ فيها وبها كل مشرف عاقل، فنادى في الناس أن هلموا وادخلوا هذا البستان، وكلوا من ثمارها؛ على إرادة الجمع، كما في الكلام السابق، أوعلى تأنيث البستان، لأنه بمعنى الجنة؛ما اشتهيتم،وشموا من رياحينها ما اخترتم، وتفرجوا كيف شئتم، وتنزهوا أين هويتم، وافرحوا واطربوا، وكلوا واشربوا، وتلذذوا وتنعموا، واستروحوا بطيبها وتنسموا بروائحها، فلم يجبه أحد، ولم يصدقه خلق، ولا عبئوا به، ولا التفتوا إليه، استعظاماً لوصفه، واستنكاراً لكلامه، واستغراباً لذكره، فرأى الحكيم من الرأي أن وقف على باب البستان، وأخرج مما فيه تحفاً، وطرفاً ولطفاً؛ جمع لطفة، وهي الهدية؛ من كل ثمرة طيبة، وفاكهة لذيذة، وريحان زكي، وورد جني، ونور أنيق، وجوهر بهي، وطير غرد، وشراب عذب، فكل من مر به عرضها عليه، وشهاها إليه، وذوقه منها وحياه بها، وأشمه من فوائح الرياحين، وأسمعه من بدائع التلحين، حتى إذا ذاق وشم وفرح به، وطرب منه، وارتاح إليه واهتز، وعلم أنه قد وقف على جميع ما في البستان، ومالت إليه نفسه، واشتاق إلى دخول البستان وتمناه، وقلق إليه ولم يصبر عنه، فقال له عند ذلك: ادخل البستان، وكل ما شئت، وشم ما شئت، واختر ما شئت، وانظر كيف شئت، وتنزه أين شئت، وجئ من أين شئت، وتلذذ وتنعم وتطيب وتنسم.
فهكذا ينبغي لمن حصلت عنده هذه الرسائل والرسالة. لا يضيعها بوضعها في غير أهلها، وبذلها لمن لم يرغب فيها، ولا يظلمها بمنعها عن مستحقها وصرفها عن مستوجبها، ولا يعرفها إلا لكل حر، خير سديد، مبصر للقصد، مجلب للرشد، من طالبي العلم ومؤثري الأدب، ومحبي الحكم، وليتحرز في حفظها وإسرارها وإعلانها وإظهارها كل التحرز، ويحرسها غاية الحراسة، ويصنها أحسن الصيانة، وليكن المؤدي فيها حق الأمانة بأن لا يضعها إلا في حقها، ولا يمنعها عن مستحقها، فإنها جلاء وشفاء ونور وضياء، بل كالداء إن لم تكن دواء، وكالفساد إن لم تكن صلاحاً، وكالهلاك إن لم يكن نجاة، تداوي وقد تدوي؛ تمرض؛ وتميت وتحيي، فهي كالترياق الكبير الذي هو في نفسه وحده وتختلف الأحوال عنده فيفعل الشيء وضده بحسب القوابل والمنفعلات عنه، والحواصل والمتوالد منه، بل مثلها الغذاء والضياء، فإن بالغذاء القوة والزيادة، وبالضياء الإبصار والهداية.
فكما أن الصبي الصغير والطفل الرضيع السليم من الداء، المستعد للزيادة والنماء، يحتاج إلى حسن التربية، ولطف التغذية، وإطعام ما هوله أوفق وأصلح، وفيه أزكى وأنجع، على معرفة ومقدار، ثم التدرج بغذائه حالاً بعد حال إلى استكمال قوته، وتمام بنيته، لئلا يتغذى بما لا ينجع فيه، ولا يستمرئه فيمرضه ويدويه، بل يهلكه ويرديه، فكان الذي أعد لشفائه وبقائه، هوسبب دائه وفنائه؛ أوكالعليل الملتبس بالداء، البعيد من الشفاء، إن غذي لا ينتفع بغذائه، بل يزيد في دائه، وربما كان سبب هلاك نفسه، وانقضاء عمره، وأما الضياء فإنه لا يصلح إلا لمن فتح عينه، وصح نظره، وقوي بصره، ويزيده الجلاء جلاء، والنور قوة وضياء. فأما من لم يفتح عينه، أوكان قريب العهد بالخروج من الظلام، فيضعف جداً عن مقابلة ضوء النهار، ونور الشمس، بل يكسبه الضياء ظلمة البصر، حتى ربما صار ضلالاً وعمىً، وكذلك من كان عليل الطرف أرمد العين، ذا عور، أوفي بصره سوء وقذى، فلا يفتح عينه فيبصر، ولا يعاين الصور فيميز، بل يستريح أبداً إلى الظلمات، ويهرب من الضياء، وكلما زاد الضياء نقص إبصاره، وضعف إدراكه، فإن لج أداه إلى الغشاء والعناء؛ السحاب أوالمظلم منه؛ وفقد النظر وذهاب البصر.
كذلك الواجب على من حصلت عنده هذه الرسائل وهذه الرسالة أن يتقي الله تعالى فيها بأن يهتم ويعتني بها غاية العناية، ولا يخل بهذه الوصاية، ويتلطف في استعمالها وإيصالها، تلطف الأخ الشقيق، والأب الشفيق، والواد الصديق، والطيب الرفيق، بعد بذله وسعه، واستفراغ جهده في توخي القصد وتحري الصواب في بذله شيئاً بعد شيء لمن رآه شديد الحاجة إليه، عظيم الحرص عليه، كثير الرغبة فيه، بعد أن اختبرهم وأستبرأهم؛ طلب آخرهم ليقطع الشبهة عنه؛ واستكشف حالهم، فمن أنس منه رشداً، ورجا فيه خيراً، ممن أقصى مناه خلاص روحه، ونجاة نفسه، وجعل سعيه فيما يرجع إلى ذاته، وإلى ما هوسبب حياته، يزهد في أعراض الدنيا، ويرغب فيما هوخير وأبقى، لا يكذب نفسه؛ يحدثها بالأماني البعيدة التي لا يبلغها وسعه ومقدرته؛ ولا يسامحها، بل يصدقها صدقاً، ويجد حزماً، ويعلم حقاً" أن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى، وإن إلى ربك المنتهى." دفعها إليه رسالة رسالة على الولاء شبيه الغذاء والتربية والنماء، وكالدواء للصحة والشفاء، والكحل والجلاء؛ الكحل، أوكحل خاص.؛ لتقوية البصر والضياء، ما يقرب من فهمه، ويليق بمحله، من علمه، ويستصلحه لمثله، قدر ما يغذيه ويربيه ويصحه ويشفيه بل يبصره ويهديه ويشده ويقويه أولاً فأولاً، على الترتيب المبين في الفهرست، حتى إذا ما تمكنت الحكمة من نفسه، وأنست به، وتصورت عنده، واستقر في خلده وقوي فيه وتحقق بفكره معانيه، طلب عند ذلك الكل بشدة حرص وانشراح صدر، وغاية رغبة، وخلوص نية، وقوة عزيمة، وفضل معرفة، وزيادة يقين، وصحة بصيرة، فحصلها وعمل بها، واستحق بعد النظر فيهن، والوقوف على جمل معانيهن، النظر في الرسالة الجامعة، التي هي نهاية المراد، ونزهة المرتاد، والفوز في المعاش والمعاد. لأن بهن التوصل إليها، وبفهمهن الوقوف عليها. فمن وفته الله لذلك، ويسره، فقد هداه من الحيرة، وأحياه بعد الموت، وأمنه من الخوف، وأزلفه إليه، وأسبغ جلائل نعمه عليه، فيبقى بقاء الأبد، ويدوم دوام السرمد، في السعادة التامة، والبركات العامة، والنعيم المقيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
تمت فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، وأهل العدل، وأبناء الحمد، وأرباب الحقائق، وأصحاب المعاني، في تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق، للبلوغ إلى السعادة الكبرى، والجلالة العظمى، والبقاء الدائم، والكمال الأخير، بحول الله وقوته وتأييده وتوفيقه، وله الحمد وحده، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله الأئمة الطاهرين، وسلم تسليماً عليهم أجمعين.
رسائل القسم الرياضي
الرسالة الأولى من القسم الرياضي في العدد
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
أعلم أيها الأخ البار الرحيم، بأنه لما كان من مذهب إخواننا الكرام- أيدهم الله- النظر في جميع علوم الموجودات التي في العالم، من الجواهر والأعراض والبسائط والمجردات والمفردات والمركبات، والبحث عن مبادئها وعن كمية أجناسها وأنواعها وخواصها، وعن ترتيبها ونظامها، على ما هي عليه الآن، وعن كيفية حدوثها ونشوئها عن علة واحدة، ومبدأ واحد، من مبدع واحد- جل جلاله- ويستشهدون على بيانها بمثالات عددية، وبراهين هندسية، مثل ما كان يفعله الحكماء الفيثاغوريون، احتجنا أن نقدم هذه الرسالة قبل رسائلنا كلها، ونذكر فيها طرفاً من علم العدد وخواصه التي تسمى" الأرثماطيقي" شبه المدخل والمقدمات، لكيما يسهل الطريق على المتعلمين إلى طلب الحكمة التي تسمى الفلسفة، ويقرب تناولها للمبتدئين بالنظر في العلوم الرياضية فنقول: الفلسفة أولها محبة العلوم، وأوسطها معرفة حقائق الموجودات، بحسب الطاقة الإنسانية، وآخرها القول والعمل بما يوافق العلم. والعلوم الفلسفية أربعة أنواع: أولها الرياضيات، والثاني المنطقيات، والثالث العلوم الطبيعيات، والرابع العلوم الإلهيات. فالرياضيات أربعة أنواع: أولها الأرثماطيقي، والثاني الجومطريا، والثالث الأسطرنوميا، والرابع الموسيقى. فالموسيقى هومعرفة تأليف الأصوات وبه استخراج أصول الألحان. والأسطرنوميا هوعلم النجوم بالبراهين التي ذكرت في كتاب المجسطي؛ كتاب في علم الفلك لبطليموس العالم اليوناني، نقله الحجاج بن مطر في العصر العباسي الأول؛ والجومطريا هوعلم الهندسة بالبراهين التي ذكرت في كتاب أقليدس. والأرثماطيقي هومعرفة خواص العدد وما يطايقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس ونيقوماخس. فأول ما يبتدأ بالنظر به في هذه العلوم الفلسفية الرياضيات، وأول الرياضيات معرفة خواص العدد لأنه أقرب العلوم تناولاً، ثم الهندسة، ثم التأليف، ثم التنجيم، ثم المنطقيات، ثم الطبيعيات، ثم الإلهيات. وهذا أول ما نقول في علم العدد شبه المدخل والمقدمات: الألفاظ تدل على المعاني، والمعاني هي المسميات، والألفاظ هي الأسماء، وأعم الألفاظ والأسماء قولنا" الشيء" والشيء إما أن يكون واحد أوأكثر من واحد، فالواحد يقال على الوجهين، إما بالحقيقة وإما بالمجاز. فالواحد بالحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة ولا ينقسم، وكل ما لا ينقسم فهو واحد من تلك الجهة التي بها لا ينقسم، وإن شئت قلت: الواحد ما ليس فيه غيره، بما هو واحد. وأما الواحد بالمجاز فهو كل جملة يقال لها واحد كما يقال عشرة واحدة، ومائة واحدة، وألف واحد، والواحد واحد بالوحدة كما أن الأسود أسود بالسواد، والوحدة صفة للواحد، كما أن السواد صفة للأسود.
وأما الكثرة فهي جملة لآحاد؛ وأول الكثرة الاثنان، ثم الثلاثة، ثم الأربعة، ثم الخمسة، وما زاد على ذلك بالغاً ما بلغ. والكثرة نوعان إما عدد وإما معدود، والفرق بينهما أن العدد إنما هوكمية صور الأشياء في نفس العاد، وأما المعدودات فهي الأشياء نفسها، وأما الحساب فهو جمع العدد وتفريقه.
والعدد نوعان صحيح وكسور، والواحد الذي قبل الاثنين هوأصل العدد ومبدأه، ومنه ينشأ العدد كله، صحيحه وكسوره، وإليه ينحل راجعاً. أما نشوء الصحيح فبالتزايد، وأما الكسور فبالتجزؤ، والمثال في ذلك ما أقول في نشوء الصحيح، إنه إذا أضيف إلى الواحد واحد آخر يقال عند ذلك إنهما اثنان؛ وإذا أضيف إليهما واحد آخر يقال لتلك الجملة ثلاثة؛ وإذا أضيف إليها واحد آخر يقال لها أربعة؛ وإذا أضيف إليها واحد يقال لها خمسة.وعلى هذا القياس نشوء العدد الصحيح بالتزايد واحداً واحداً، بالغاً ما بلغ. وهذه صورتها:" 1 2 3 4 5 6 7 8 9 ".
وأما تحليل العدد إلى الواحد، فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا أخذ من العشرة واحد تبقى تسعة، وإذا ألقي من التسعة واحد تبقى ثمانية، وإذا أسقط من الثمانية واحد تبقى سبعة، وعلى هذا القياس يلقى واحد واحد حتى يبقى واحد، فالواحد لا يمكن أن يلقى منه شيء لأنه لا جزء له البتة.
فقد تبين كيف ينشأ العدد الصحيح من الواحد وكيف ينحل إليه. وأما نشوء العدد الكسور من الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا رتب العدد الصحيح على نظمه الطبيعي الذي هوواحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة عشرة؛ ثم أشير إلى الواحد من كل جملة، فإنه يتبين كيف يكون نشوؤه من الواحد،وذلك أنه إذا أشير إلى الواحد من الاثنين، يقال للواحد عند ذلك نصف، وإذا أشير إلى الواحد من جملة ثلاثة فيقال له الثلث، وإذا أشير إليه من جملة أربعة، يقال له الربع، وإذا أشير إليه من جملة الخمسة، يقال له الخمس، وكذلك السدس والسبع والثمن والتسع والعشر؛ وأيضاً إذا أشير إلى الواحد من جملة الأحد عشر فيقال له جزؤ من أحد عشر، ومن اثني عشر نصف السدس، ومن ثلاثة عشر جزؤ من ثلاثة عشر، ومن أربعة عشر نصف السبع، وخمسة عشر ثلث الخمس، وعلى هذا المثال يعتبر سائر الكسور. فقد تبين كيف يكون نشوء العدد من الواحد الصحيح منها، والكسور جميعاً، وكيف هوأصل لهما جميعاً وهذه صورتها: ب ج د ه و ز ح ط ي نصف ثلث ربع خمس سدس سبع ثمن تسع عشر يا يب يج يد يه جزء من 11نصف السدس جزء من 13نصف السبع ثلث الخمس وأعلم يا أخي بأن العدد الصحيح رتب أربع مراتب: آحاد وعشرات ومئات وألوف. فالآحاد من واحد إلى تسع، والعشرات من عشرة إلى تسعين، والمئات من مئة إلى تسع مائة، والألوف من ألف إلى تسعة آلاف. ويشتملها كلها اثنتا عشرة لفظة بسيطة، وذلك من واحد إلىعشرة، عشرة ألفاظ، ولفظة مائة، ولفظة ألف، فصار الجميع اثنتي عشرة لفظة بسيطة.
وأما سائر الألفاظ فمشتقة منها أومركبة أومكررة، فالمكررة كالعشرين من العشرة، والثلاثين من الثلاثة، والأربعين من الأربعة، وأمثال ذلك.
وأما المركبة كالمئتين وثلثمائة وأربعمائة وخمسمائة، فإنها مركبة من لفظة المئة مع سائر الآحاد، وكذلك ألفان وثلاثة آلاف وأربعة آلاف، فإنها مركبة من لفظة الألف مع سائر الألفاظ من الآحاد والعشرات والمئات، كما يقال خمسة آلاف وسبعة آلاف وعشرون ألفاً ومئة ألف، وسائر ذلك وهذه صورتها: أ بجد هوز حطي 12345678910 ك ل م ن س ع ف ص ق ر 20 30 40 50 60 70 80 90 100 200 ش ت ث خ ذ ض ظ غ بغ جغ 300 400 500 600 700 800 900 1000 2000 3000 دغ هغ وغ زغ حغ طغ يغ كغ لغ 4000 5000 6000 7000 8000 9000 10000 20000 30000 مغ نغ سغ عغ فغ صغ قغ 40000 50000 60000 70000 80000 90000 100000 رغ شغ تغ ثغ خغ 200000 300000 400000 500000 600000 ذغ ضغ ظغ 700000 800000 900000
(يتبع)
أما الآحاد فهي" أ ب ج د ه و ز ح ط ي" وأما العشرات فهي" ك ل م ن س ع ف ص" وأما المئات فهي" ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ" وأما الألوف فهي" غ، بغ، جغ، دغ، هغ، وغ، زغ، حغ، طغ، يغ".وأعلم بأن كون العدد على أربع مراتب التي هي الآحاد والعشرات والمئات والوف ليس هوأمراً ضرورياً لازماً لطبيعة العدد مثل كونه أزواجاً وأفراداً صحيحاً وكسوراً، بعضها تحت بعض، لكنه أمر وضعي رتبته الحكماء باختيار منهم، وإنما فعلوا ذلك لتكون الأمور العددية مطابقة لمراتب الأمور الطبيعية، وذلك أن الأمور الطبيعية أكثرها جعلها الباري- جل ثناؤه- مربعات مثل الطبائع الأربع، التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة؛ ومثل الأركان الأربعة، التي هي النار والهواء والماء والأرض؛ ومثل الأخلاط الأربعة، التي هي الدم والبلغم والمرتان المرة الصفراء، والمرة السوداء؛ ومثل الأزمان الأربعة، التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء، ومثل الجهات الأربع: الصبا والدبور؛ الريح الشرقية والريح الغربية؛ والجنوب والشمال؛ والأوتاد الأربع؛ هي المنازل الأربع الرئيسة، بين الاثنتي عشرة منزلة من منطقة البروج، سميت أوتاداً لأنها أقوى منازل منطقة البروج، وهي التي تقرر المصير في التنجيم، ولهذا سمي كل منها برج السعادة وأصل الكائن، وقولهم هنا الأوتاد الأربع لأنها بمعنى المنازل؛ الطالع والغارب ووتد السماء ووتد الأرض؛ والمكونات الأربع التي هي المعادن والنبات والحيوان والإنس. وعلى هذا المثال وجد أكثر الأمور الطبيعية مربعات.وأعلم بأن هذه الأمور الطبيعية إنما صارت أكثرها مربعات بعناية الباري- جل ثناؤه-واقتضاء حكمته، لتكون مراتب الأمور الطبيعية مطابقة للأمور الروحانية التي هي فوق الأمور الطبيعية، وهي التي ليست بأجسام، وذلك أن الأشياء التي فوق الطبيعية على أربع مراتب، أولها الباري- جل جلاله- ثم دونه العقل الكلي الفعال، ثم دونه النفس الكلية، ثم دونه الهيولى الأولى، وكل هذه ليست بأجسام. وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن نسبة الباري- جل ثناؤه- من الموجودات، كنسبة الواحد من العدد، ونسبة العقل منها، كنسبة الاثنين من العدد، ونسبة النفس من الموجودات، كنسبة الثلاثة من العدد، ونسبة الهيولى الأولى كنسبة الأربعة.وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن العدد كله آحاده وعشراته ومئاته وألوفه، أوما زاد بالغاً ما بلغ، فأصلها كلها من الواحد إلى الأربعة، وهي هذه" 1 2 3 4".وذلك أن سائر الأعداد كلها من هذه يتركب، ومنها ينشأ، وهي أصل فيها كلها: بيان ذلك أنه إذا أضيف واحد إلى أربعة، كانت خمسة، وإن أضيف اثنين إلى أربعة، كانت ستة؛ وإن أضيف ثلاثة إلى أربعة، كانت سبعة؛ وإن أضيف واحد وثلاثة إلى أربعة، كانت ثمانية؛ وإن أضيف اثنان وثلاثة إلى أربعة، كانت تسعة، وإن أضيف واحد واثنان وثلاثة إلى أربعة، كانت عشرة. وعلى هذا المثال حكم سائر الأعداد من العشرات والمئات والألوف، وما زاد بالغاً ما بلغ. وكذلك أصول الخط أربعة، وسائر الحروف منها يتركب. والكلام من الحروف يتركب كما بينا فيما بعد، فاعتبرها فإنك تجد ما قلنا حقاً صحيحاً. ومن يريد أن يعرف كيف اخترع الباري- جل ثناؤه- الأشياء في العقل، وكيف أوجدها في النفس، وكيف صورها في الهيولى، فليعتبر ما ذكرنا في هذه الفصل.وأعلم يا أخي أن الباري- جل ثناؤه- أول شيء اخترعه وأبدعه من نور وحدانيته جوهر بسيط يقال له العقل الفعال، كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار. ثم أنشأ النفس الكلية الفلكية من نور العقل، كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين. ثم أنشأ الهيولى الأولى من حركة النفس، كما أنشأ الأربعة بزيادة الواحد على الثلاثة. ثم أنشأ سائر الخلائق من الهيولى ورتبها بتوسط العقل والنفس، كما أنشأ سائر العدد من الأربعة، بإضافة ما قبلها إليها كما مثلنا قبل.وأعلم يا أخي- أيدك الله بروح منه-بأنك إذا تأملت ما ذكرنا من تركيب العدد من الواحد الذي قبل الاثنين، ونشوئه منه، وجدته من أدل الدليل على وحدانية الباري-جل ثناؤه- وكيفية اختراعه الأشياء وإبداعه لها. وذلك أن الواحد الذي قبل الاثنين، وإن كان منه يتصور وجود العدد وتركيبه- كما بينا قبل- فهو لم يتغير عما كان عليه، ولم يتجزأ؛ كذلك الله- عز وجل- وإن كان هو الذي اخترع الأشياء من نور وحدانيته، وأبدعها وأنشأها، وبه قوامها وبقاؤها وتمامها وكمالها، فهو لم يتغير عما كان عليه من الوحدانية قبل اختراعه وإبداعه لها، كما بينا في رسالة المبادئ العقلية. فقد أنبأناك بما ذكرنا من أن نسبة الباري- جل ثناؤه- من الموجودات كنسبية الواحد من العدد، وكما أن الواحد أصل العدد ومنشأه وأوله وآخره، كذلك الله- عز وجل- هوعلة الأشياء، وخالقها وأولها وآخرها، وكما أن الواحد لا جزء له ولا مثل له في العدد، فكذلك الله- جل ثناؤه- لا مثل له في خلقه، ولا شبه؛ وكما أن الواحد محيط بالعدد كله ويعده، كذلك الله- جل جلاله- عالم بالأشياء وماهياتها، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وأعلم يا أخي بأن مراتب العدد عند أكثر الأمم على أربع مراتب، كما تقدم ذكرها، وأما عند الفيثاغوريين فعلى ست عشرة مرتبة، وهذه صورتها: آحاد 1 عشرات 10 مئات 100 ألوف 1000 ربوات عشرات ألوف 10000 نوعات مئات ألوف 100000 غايات ألوف ألوف 1000000 سورات عشرات ألوف ألوف 10000000 حلبات مئات ألوف ألوف 100000000 البطات ألوف ألوف ألوف 1000 000000 هنيات عشرات ألوف ألوف ألوف 10000 000000 دعورات مئات ألوف ألوف ألوف 10000000 0000 وهوات ألوف ألوف ألوف ألوف 10000 00000000 مجوات عشرات ألوف ألوف ألوف ألوف 10000 000000000 ومور مئات ألوف ألوف ألوف ألوف 10000000 0000000 مارو ألوف ألوف ألوف ألوف ألوف 10000 00000 وأعلم يا أخي- أيدك اله وإيانا بروح منه- بأن العدد الكسور مراتبه كثيرة لأنه ما من عدد صحيح إلا وله جزء أوجزآن أوعدة أجزاء، كالاثني عشر فإن له نصفاً وثلثاً وربعاً وسدساً ونصف سدس؛ وكذلك الثمانية وعشرون وغيرهما من الأعداد. إلا أن العدد الكسور وإن كثرت مراتبه وأجزاؤه، فهي مرتبة بعضها تحت بعض، ويشملها كلها عشرة ألفاظ: لفظة منها عامة مبهمة، وتسعة مخصوصة مفهو مة، ومن التسعة الألفاظ لفظة موضوعة، وهي النصف، وثمانية مشتقة وهي: الثلث من الثلاثة، والربع من الأربعة، والخمس من الخمسة، والسدس من الستة، والسبع من السبعة، والثمن من الثمانية، والتسع من التسعة، والعشر من العشرة. وأما اللفظة العامة المبهمة فهي الجزء لأن الواحد من أحد عشر يقال له جزء من أحد عشر وكذلك من ثلاثة عشر ومن سبعة عشر وما شاكل ذلك. وأما باقي الألفاظ الكسور فمضافة إلى هذه العشرة الألفاظ، كما يقال لواحد من اثني عشر نصف السدس، ولواحد من خمسة عشر خمس الثلث، ولواحد من عشرين نصف العشر، وعلى هذا المثال يتبين سائر معاني الكسور بإضافة بعضها لبعض.وأعلم بأن نوعي العدد يذهبان في الكثرة بلا نهاية، غير أن العدد الصحيح يبتدئ من أقل الكمية، وهوالاثنان، ويذهب في التزايد بلا نهاية. وأما الكسور فيبتدئ من أكثر الكمية وهوالنصف ويمر في التجزؤ بلا نهاية، فكلاهما من حيث الابتداء ذونهاية ومن حيث الانتهاء غير ذي نهاية.
فصل في خواص العدد
ثم أعلم أن ما من عدد إلا وله خاصية أوعدة خواص، ومعنى الخاصية أنها الصفة المخصوصة للموصوف الذي لا يشركه فيها غيره. فخاصية الواحد أنه أصل العدد ومنشأه كما بينا قبل، وهويعد العدد كله: الأزواج والأفراد جميعاً. ومن خاصية الاثنين أنه أول العدد مطلقاً، وهويعد نصف العدد: الأزواج دون الأفراد. ومن خاصية الثلاثة أنها أول عدد الأفراد وهي تعد ثلث الأعداد تارة الأفراد وتارة الأزواج. ومن خاصية الأربعة أنها أول عدد مجذور. ومن خاصية الخمسة أنها أول عدد دائر ويقال كري. ومن خاصية الستة أنها أول عدد تام. ومن خاصية السبعة أنها أول عدد كامل. ومن خاصية الثمانية أنها أول عدد مكعب. ومن خاصية التسعة أنها أول عدد فرد مجذور، وأنها آخر مرتبة الآحاد. ومن خاصية العشرة أنها أول مرتبة العشرات. ومن خاصية الأحد عشر أنها أول عدد أصم. ومن خاصية الاثني عشر أنها أول عدد زائد. وبالجملة إن من خاصية كل عدد أنه نصف حاشيتيه مجموعتين، وإذا جمعت حاشيتاه تكونان مثله مرتين، ومثال ذلك خمسة فإن إحدى حاشيتيها أربعة والأخرى ستة، ومجموعهما عشرة، وخمسة نصفها، وعلى هذا القياس يوجد سائر الأعداد، إذا اعتبر، وهذه صورتها:1 2 3 4- 5- 6 7 8 9 وأما الواحد فليس له إلا حاشية واحدة وهي الاثنان، والواحد نصفها، وهي مثله مرتين. وأما قولنا: إن الواحد أصل العدد ومنشأه فهو أن الواحد إذا رفعته من الوجود ارتفع العدد بارتفاعه، وإذا رفعت العدد من الوجود، لم يرتفع الواحد. وأما قولنا: إن الاثنين أول العدد مطلقاً فهو أن العدد كثرة الآحاد، وأول الكثرة اثنان. وأما قولنا: إن الثلاثة أول الأفراد فهي كذلك، لأن الاثنين أول العدد وهوالزوج، ويليه الثلاثة وهي فرد. وأما قولنا: إنها تعد ثلث العدد تارة الأفراد وتارة الأزواج، فلأنها تتخطى العددين، وتعد الثالث منهما، وذلك الثالث يكون تارة زوجاً وتارة فرداً. وأما قولنا إن الأربعة أول عدد مجذور، فلأنها من ضرب الاثنين نفسه، وكل عدد إذا ضرب في نفسه يصير جذراً، والمجتمع من ذلك مجذوراً. وأما ما قيل من أن الخمسة أول عدد دائر فمعناه أنها إذا ضربت في نفسها رجعت إلى ذاتها؛ وإن ضرب ذلك العدد المجتمع من ضربها في نفسها، رجع إلى ذاته أيضاً، وهكذا دائماً: مثال ذلك خمسة في خمسة: خمسة وعشرون؛ وإذا ضرب خمسة وعشرون في مثله، صار ستمائة وخمسة وعشرون؛ وإذا ضرب هذا العدد أيضاً في نفسه خرج ثلثمائة ألف وتسعون ألفاً وستمائة وخمسة وعشرون؛ وإن ضرب هذا العدد في نفسه خرج عدد آخر وخمسة وعشرون. ألا ترى أن الخمسة كيف تحفظ نفسها وما يتولد منها دائماً، بالغاً ما بلغ، وهذه صورتها:5 - 25 - 625 - 390625 وأما السنة فإن فيها مشابهة للخمسة في هذا المعنى، لكنها ليست ملازمة كلزوم الخمسة ودوامها" 6 36 1296" ستة في ستة: ستة وثلاثون، فالسنة راجعة إلى ذاتها، وظهر ثلاثون؛ وإذا ضربت ستة وثلاثون في نفسها، خرج ألف ومئتان وستة وتسعون، فظهرت الستة، ولم يظهر الثلاثون. فقد بان أن الستة تحفظ نفسها، ولا تحفظ ما يتولد منها؛ وأما الخمسة فإنها تحفظ نفسها، وما يتولد منها دائماً أبداً. وأما ما قيل من خاصية الستة، إنها أول عدد تام، فمعناه أن كل عدد إذا جمعت أجزاؤه فكانت مثله سواء سمي ذلك العدد عدداً تاماً، فالستة أولها، وذلك أن لها نصفاً وهوثلاثة، وثلثاً وهواثنان، وسدساً وهوواحد، فإذا جمعت هذه الأجزاء كانت ستة سواءً. وليست هذه الخاصية لعدد قبلها، ولكن لما بعدها لثمانية وعشرين، ولأربع مائة وستة وتسعين، وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين، وهذه صورتها: 6 28 496 8128.
وأما ما قيل إن السبعة أول عدد كامل فمعناه أن السبعة قد جمعت معاني العدد كلها، وذلك أن العدد كله أزواج وأفراد، والأزواج منها أول وثان، فالاثنان أول الأزواج، والأربعة زوج ثان، والأفراد منها أول وثان، والثلاثة أول الأفراد، والخمسة فرد ثان. فإذا جمعت فرداً أولاً إلى زوج ثان، أوزوجاً أولاً إلى فرد ثان، كانت منها سبعة. مثال ذلك أنك إذا جمعت الاثنين الذي هو أول الأزواج إلى الخمسة الذي هوفرد ثان كان منهما سبعة، وكذلك إذا جمعت الثلاثة التي هي فرد أول إلى الأربعة التي هي زوج ثان كانت منهما سبعة، وكذلك إذا أخذ الواحد الذي هوأصل العدد مع الستة التي هي عدد تام يكون منهما السبعة التي هي عدد كامل، وهذه صورتها: 1 2 3 4 5 6 7. وهذه الخاصية لا توجد لعدد قبل السبعة، ولها خواص أخر سنذكرها عند ذكرنا أن الموجودات بحسب طبيعة العدد.
وأما ما قيل أن الثمانية أول عدد مكعب، فمعناه أن كل عدد إذا ضرب في نفسه سمي جذراً، والمجتمع منهما مجذوراً كما بينا من قبل. وإذا ضرب المجذور في جذره سمي المجتمع من ذلك مكعباً، وذلك أن الاثنين أول العدد، فإذا ضرب في نفسه كان المجتمع منه أربعة، وهي أول عدد مجذور، ثم ضرب المجذور في جذره الذي هواثنان، فخرج من ذلك ثمانية، فالثمانية أول عدد مكعب وأما ما قيل إنها أول عدد مجسم، فلأن الجسم لا يكون إلا من سطوح متراكمة، والسطح لا يكون إلا من خطوط متجاورة؛ والخط لا يكون إلا من نقط منتظمة كما بينا في رسالة" الهندسة". فأقل خط من جزأين وأضيق سطح من خطين، وأصغر جسم من سطحين، فينتج من هذه المقدمات أن أصغر جسم من ثمانية أجزاء أحدها الخط وهوجزآن؛ فإذا صرب الخط في نفسه كان منه السطح، وهوأربعة أجزاء؛ وإذا ضرب السطح في أحد طوليه كان منه العمق، فيصير جملة ذلك ثمانية أجزاء، طول اثنين في عرض اثنين في عمق اثنين.
وأما ما قيل إن التسعة أول عدد فرد مجذور، فلأن الثلاثة في الثلاثة تسعة، وليس من السبعة والخمسة والثلاثة شيء مجذور.
وأما ما قيل إن العشرة أول مرتبة العشرات فهو بين، كما إن الواحد أول مرتبة الآحاد، وهذا بين ليس يحتاج إلى شرح، ولها خاصية أخرى وهي تشبه خاصية الواحد، وذلك أنه ليس لها من جنسها إلا طرف واحد وهوالعشرون، وهي نصفها كما بينا للواحد أنه نصف الاثنين.
وأما ما قيل إن الأحد عشر أول عدد أصم، فلأنه ليس له جزء ينطبق به ولكن يقال واحد من أحد عشر واثنان منه. وكل عدد هذا وصفه يسمى أصم مثل ثلاثة عشر وسبعة عشر وما شاكل ذلك وهذه صورتها: يا يج يز يط كج كط لا لز ما مج 11 13 17 19 23 29 31 37 41 43 مز نج نط سا سز عا عج عط فج فط صا 47 53 59 61 67 71 73 79 83 89 91 وأما ما قيل إن الاثني عشر أول عدد زائد، فلأن كل عدد إذا جمعت أجزاؤه، وكانت أكثر منه سمي عدداً زائداً، والاثنا عشر أولها، وذلك أن لها نصفاً، وهوستة، ولها ثلث وهوأربعة، وربع وهوثلاثة، وسدس وهواثنان، ونصف وهوسدس وهوواحد. وإذا جمعت هذه الأجزاء، كانت ستة عشر وهي أكثر من الاثني عشر بزيادة أربعة، وهذه صورتها: 12 نصف 6 ثلث 4 ربع 3 سدس 2 نصف السدس 1.
وبالجملة، ما من عدد صحيح، إلا وله خاصية تختص به دون غيره، ونحن تركنا ذكرها كراهية للتطويل.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن العدد ينقسم قسمين: صحيح وكسور كما بينا قبل، فالصحيح ينقسم قسمين: أزواجاً وأفراداً، فالزوج هوكل عدد ينقسم بنصفين صحيحين، والفرد كل عدد يزيد على الزوج واحداً، أوينقص عن الزوج بواحد. فأما نشوء عدد الزوج، فيبتدئ من الاثنين بالتكرير دائماً على ما يرى: 2 4 6 8 10 12 14 16 18 20 بدوحييبيديويحك وأما نشوء الأفراد فيبتدئ من الواحد، إذا أضيف إليه اثنان، وأضيف إلى ذلك اثنان دائماً بالغاً ما بلغ: 3 5 7 9 11 13 15 17 19 جهزطيايجيهيزيط والزوج ينقسم على ثلاثة أنواع: زوج الزوج، وزوج الفرد، وزوج الزوج والفرد. فزوج الزوج هوكل عدد ينقسم بنصفين صحيحين متساويين، ونصفه بنصفين دائماً، إلى أن تنتهي القسمة إلى الواحد. مثال ذلك أربعة وستون، فإنه زوج الزوج، وذلك أن نصفه اثنان وثلاثون، ونصفه ستة عشر، ونصفه ثمانية، ونصفه أربعة، ونصفه اثنان، ونصفه واحد. ونشوء هذا العدد يبتدئ من الاثنين، إذا ضرب في الاثنين ثم ضرب المجموع في الاثنين، وما يجتمع من ذلك في الاثنين، ثم ضرب المجموع في الاثنين دائماً بلا نهاية.
ومن أراد أن يتبين هذا مستقصى، فليضعف بيوت الشطرنج، فإنه لا يخرج إلا من هذا
(يتبع)
العدد أعني زوج الزوج، ولهذا العدد خواص أخر ذكرها نيقوماخس في كتابه بشرح طويل ونحن نذكر منها طرفاً قال:" إن هذا العدد إذا رتب على نظمه الطبيعي، وهوواحد، اثنان، أربعة، ثمانية، ستة عشر، اثنان وثلاثون، أربعة وستون، وعلى هذا القياس بالغاً ما بلغ، فإن من خاصيته إن من ضرب الطرفين أحدهما في آخر يكون مساوياً لضرب الواسطة في نفسها، إن كان له واسطة واحدة، وإن كانت له واسطتان فمثل ضرب إحداهما في الأخرى، مثال ذلك أربعة وستون فإنه الطرف الآخر والواحد الطرف الأول، وله واسطة واحدة، هي ثمانية، فأقول:" إن ضرب الواحد في أربعة وستين، أوالاثنين وثلاثين، أوالأربعة في ستة عشر، مساولضرب ثمانية في نفسها وهذه صورتها: أ ب د ح يو لب سب 1 2 4 8 16 32 64 وإن زيدت فيه رتبة أخرى حتى يصير له واسطتان فأقول: إن ضرب الطرفين أحدهما في الآخر، يكون مساوياً لضرب الواسطتين إحداهما في الأخرى، مثال ذلك مئة وثمانية وعشرون إذا ضرب في واحد، وأربع وستون في اثنين، أواثنان وثلاثون في أربعة يكون مساءياً لضرب ستة عشر في ثمانية وهذه صورتها: ب د ح يو لب سد قكح 2 4 8 16 32 64 128 ولهذا العدد خاصية أخرى أنه إذا جمع من واحد إلى حيث ما بلغ يكون أقل من ذلك العدد الذي انتهى إليه بواحد، مثال ذلك إذا أخذ واحد واثنان وأربعة يكون جملتها أقل من ثمانية بواحد، وإن زيدت الثمانية عليها، يكون الجملة أقل من ستة عشر بواحد، وإن زيدت الستة عشر عليها يكون الجملة أقل من اثنين وثلاثين بواحد، وعلى هذا القياس توجد مراتب هذا العدد، بالغاً ما بلغ، وهذه صورتها: أ ب د ح يو لب سد قكح رنو 1 2 4 8 16 32 64 128 256 وأما زوج الفرد فهو كل عدد ينقسم بنصفين مرة واحدة، ولا ينتهي في القسمة إلى الواحد، مثل ستة، عشرة، وأربعة عشر، وثمانية عشر، واثنين وعشرين، وستة وعشرين، فإن كل واحد من هذه وأمثالها من العدد ينقسم مرة واحدة ولا ينتهي إلى الواحد؛ ونشوء هذا العدد من ضرب كل عدد فرد في اثنين وهذه صورتها: و ي ي دي جك بك ول لو لج مب مو كل واحد من هذه الأعداد نصف لما فوقه من العدد، وأما زوج الزوج والفرد فهو كل عدد ينقسم بنصفين أكثر من مرة واحدة، ولا ينتهي في القسمة إلى الواحد، مثل اثني عشر، وعشرين، وأربعة وعشرين، وثمانية وعشرين، وأمثالها في الأعداد، وهذه صورتها: يب كك دك حل وم دن بس سح 12 20 24 28 36 44 52 60 68 ونشوء هذا العدد من ضرب زوج الفرد في اثنين مرة أومراراً كثيرة، ولها خواص تركنا ذكرها مخافة التطويل.
وأما العدد الفرد فيتنوع قسمين: فرد أول وفرد مركب، والفرد المركب نوعان مشترك ومتباين. تفصيل ذلك: أما الفرد الأول فهو كل عدد لا يعده غير الواحد عدد آخر مثل ثلاثة، خمسة، سبعة، أحد عشر، ثلاثة عشر، سبعة عشر، تسعة عشر، ثلاثة وعشرين، وأشباه ذلك من العدد. وخاصية هذا العدد أنه ليس له جزء سوى المسمى له، وذلك أن الثلاثة ليس لها إلا الثلث، والخمسة ليس لها إلا الخمس، وكذلك السبعة ليس لها إلا السبع، وهكذا الأحد عشر والثلاثة عشر والسبعة عشر. وبالجملة جميع الأعداد الصم لا يعدها إلا الواحد، فإن اسم جزئها مشتق منها.
وأما الفرد المركب فهو كل عدد يعده غير الواحد عدد آخر مثل تسعة، وخمسة وعشرين، وتسعة وأربعين، وواحد وثمانين، وأمثالها من العدد وهذه صورتها: طلهمطفاقكاقسط وأما الفرد المشترك فهو كل عددين يعدهما غير الواحد عدد آخر مثل تسعة، وخمسة عشر، وواحد وعشرين، فإن الثلاثة تعدها كلها، فهذه الأعداد وأمثالها تسمى مشتركة في العدد الذي يعدها وهذه صورتها: طيهكاكهله وأما الأعداد المتباينة فهي كل عددين يعدهما عددان آخران غير الواحد، ولكن الذي يعد أحدهما لا يعد الآخر مثل تسعة، وخمسة وعشرين، فإن الثلاثة تعد التسعة، ولا تعد الخمسة والعشرين. والخمسة تعد الخمسة والعشرين ولا تعد التسعة، فهذه الأعداد وأمثالها يقال لها المتباينة.
فصل في التام والناقص والزائد
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه-بأن من خاصية كل عدد فرد إنه إذا قسم بقسمين كيف ما كان، فأحد القسمين يكون زوجاً والآخر فرداً، ومن خاصية كل عدد زوج إنه إذا قسم كيف ما كان، فيكون كلا قسميه إما زوجاً، وإما فرداً، وهذه صورتها: زوجي فردي 410411110
71072119 21023118 11014117 51055116 وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن العدد ينقسم من جهة أخرى ثلاثة أنواع: إما تاماً، وإما زائداً، وإما ناقصاً، فالتام هوكل عدد إذا جمعت أجزاؤه كانت الجملة مثله سواء ستة وثمانية وعشرين وأربعمائة وستة وتسعين وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين، فإن كل واحد من هذه الأعداد إذا جمعت أجزاؤه كانت مثله سواء. ولا يوجد من هذا العدد إلا في كل مرتبة من مراتب العدد واحد كالستة في الآحاد، وثمانية وعشرين في العشرات، وأربعمائة وستة وتسعين في المئات، وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين في الألوف، وهذه صورتها: 6 28 496 8128 وأما العدد الزائد فهو كل عدد إذا جمعت أجزاؤه كانت أكثر منه مثل الاثني عشر والعشرين والستين وأمثالها من العدد، وذلك أن الاثني عشر نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة وسدسها اثنان ونصف سدسها واحد، فجملة هذه الأجزاء ستة عشر وهي أكثر من اثني عشر.
وأما العدد الناقص فهو كل عدد إذا جمعت أجزاؤه كانت أقل منه مثل أربعة وثمانية وعشرة وأمثالها من العدد، وذلك أن الثمانية نصفها أربعة وربعها اثنان وثمنها واحد، وجملتها تكون سبعة فهي أقل من الثمانية. وعلى هذا القياس حكم سائر الأعداد الناقصة.
فصل في الأعداد المتحابة
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن العدد من جهة أخرى ينقسم قسمين أحدهما يقال له أعداد متحابة وهي كل عددين أحدهما زائد والآخر ناقص، وإذا جمعت أجزاء العدد الزائد العدد الزائد كانت مساوية لجملة العدد الناقص، وإذا جمعت أجزاء العدد الناقص كانت مساوية لجملة العدد الزائد، مثال ذلك مائتان وعشرون وهوعدد زائد، ومائتان وأربعة وثمانون وهوعدد ناقص، فإذا جمعت أجزاء مائتين وعشرين كانت مساوية لمائتين وأربعة وثمانين، وإذا جمعت أجزاء هذا العدد يكون جملتها مائتين وعشرين. فهذه الأعداد وأمثالها تسمى" متحابة" وهي قليلة الوجود، وهذه صورتها: عدد زائد220 مخرج ربع الخمس20عدد ناقص 284 نصفه110مخرج نصف الخمس 10نصفه142 ربعه 55 مخرج الخمس 5 ربعه 71 خمسه 44 مخرج الربع 4 مخرج الربع 4 نصف الخمس 22 مخرج النصف 2 مخرج النصف 2 ربع الخمس 11 جزؤه 1 جزؤه 1 جملته 284 جملته 220
تضعيف العدد
وأعلم يا أخي بأن من خاصية العدد أنه يقبل التضعيف والزيادة بلا نهاية، ويكون ذلك على خمسة أنواع: فمنها" على النظم الطبيعي" مثل هذا بالغاً ما بلغ: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12، ومنها" على نظم الأزواج" بالغاً ما بلغ مثل هذا: 2 4 6 8 10 12 14، ومنها" على نظم الأفراد" بالغاً ما بلغ مثل هذا: 1 3 5 7 9 11 13 15 17، ومنها" بالطرح" كيفما اتفق كما يوجد في سائر الحساب، ومنها" بالضرب" كما نبين بعد.
فصل في خواص الأنواع
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن لكل نوع من هذه الأنواع عدة خواص وقد ذكر ذلك في كتاب الأرثماطيقي بشرح طويل، ولكن نذكر منها طرفاً في هذا الفصل فنقول: إن من خاصية النظم الطبيعي إنه إذا جمع من واحد إلى حيث ما بلغ يكون المجموع مساوياً لضرب ذلك العدد الأخير بزيادة واحد عليه في نصفه، مثال ذلك إذا قيل: كم من واحد إلى عشرة مجموعاً على النظم الطبيعي، فقياسه أن يزاد على العشرة واحد، ثم يضرب في نصف العشرة، فيكون خمسة وخمسين، أوتضرب الخمسة في نفسها، فيكون خمسة وعشرين، ثم في النصف الآخر الذي هوستة فيكون ثلاثين: الجملة خمسة وخمسون، وذلك بأنه المطلوب وقياسه.
وأما نظم الأزواج فهو مثل واحد، اثنين، أربعة، ستة، ثمانية، عشرة، اثني عشر، وعلى هذا المثال بالغاً ما بلغ، ومن خاصية هذا النظم أن يكون المجموع أبداً فرداً، ومن خاصيته أيضاً إنه إذا جمع على نظمه الطبيعي من واحد إلى حيث ما بلغ يكون المجموع مساوياً لضرب ذلك العدد في النصف الآخر بزيادة واحد، ثم يزاد على الجملة واحد، مثال ذلك إذا قيل لك: كم من واحد إلى العشرة مجموعاً على نظم الأزواج، فقياسه أن تأخذ نصف العشرة، فتزيد عليه واحداً، ثم تضربه في النصف الآخر، ثم تزيد على الجملة واحداً، فذلك أحد وثلاثون، وعلى هذا القياس سائر الأعداد.
وأما نظم الأفراد فمثل واحد، ثلاثة، خمسة، سبعة، تسعة، أحد عشر، بالغاً ما بلغ. فمن خاصيته إنه إذا جمع على نظمه الطبيعي يكون المجموعان: الواحد زوج والآخر فرد، يتلوبعضها بعضاً، بالغاً ما بلغ، وتكون كلها مجذورات. ومن خاصيته أيضاً أنه إذا جمع على نظمه الطبيعي من واحد إلى حيث ما بلغ، فإن المجموع يكون مساوياً لضرب نصفه من واحد إلى حيث ما بلغ، فإن المجموع يكون مساوياً لضرب نصفه مجذوراً مجبوراً في نفسه، مثال ذلك إذا قيل: كم من واحد إلى أحد عشر، فبابه أن تأخذ نصف العدد، وهو خمسة ونصف، فتجبره فيصير ستة، فتضربه في نفسه، فيكون ستة وثلاثين، وذلك بابه فقس عليه.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن معنى الضرب هو تضعيف أحد العددين بقدر ما في الآخر من الآحاد، مثال ذلك إذا قبل: كم ثلاثة في أربعة، فمعناه كم جمله ثلاثة أربع مرات.
وأعلم يا أخي بأن العدد نوعان صحيح وكسور كما بينا قبل، فصار أيضاً ضرب العدد بعضها في بعض نوعين: مفرد ومركب؛ فالمفرد ثلاثة أنواع: الصحيح في الصحيح مثل اثنين في ثلاثة، وثلاثة في أربعة، وما شاكله؛ ومنها الكسور في الكسور، مثل نصف في ثلث، وثلث في ربع وما شاكله. ومنها الصحيح في الكسور، مثل اثنين في ثلث، أوثلث في أربعة وما شاكله.
واما المركب فهو أيضاً ثلاثة أنواع، فمنها الكسور والصحيح في الصحيح، مثل اثنين وثلث في خمسة وما شاكلها. ومنها الصحيح والكسور في الصحيح والكسور، مثل اثنين وثلث في ثلاثة وربع وما شاكلها. ومنها الصحيح والكسور في الكسور، مثل اثنين وثلث في سبع.
فصل في العدد الصحيح
وأعلم يا أخي بأن ضرب العدد الصحيح على أربعة أنواع وجملتها عشرة أبواب وهي: آحاد وعشرات ومئات وألوف. فالآحاد في الآحاد، واحدها واحد، وعشرتها عشرة، والآحاد في العشرات، واحدها عشرة، وعشرتها مئة؛ والآحاد في المئات، واحدها مئة، وعشرتها ألف؛ والآحاد في الألوف، واحدها ألف، وعشرتها عشرة آلاف. فهذه أربعة أبواب. وأما العشرات في العشرات، فواحدها مئة، وعشرتها ألف؛ والعشرات في المئات، واحدها ألف، وعشرتها عشرة آلاف؛ والعشرات في الألوف، واحدها عشرة آلاف، وعشرتها مئة ألف. فهذه ثلاثة أبواب.
وأما المئات في المئات، فواحدها عشرة آلاف، وعشرتها مئة ألف؛ والمئات في الألوف، واحدها مئة ألف، وعشرتها ألف ألف.فهذان بابان. وأما الألوف في الألوف، فواحدها ألف ألف، وعشرتها عشرة آلاف ألف، وهوباب واحد، فصار جملة الجميع عشرة أبواب، وهذه صورتها: آحاد في آحاد؛ آحاد في عشرات؛ وآحاد في مئات؛ آحاد في ألوف؛ عشرات في عشرا؛ عشرات في مئات؛ عشرات في ألوف؛ مئات في مئات؛ مئات في ألوف؛ ألوف في ألوف.
فصل في الضرب والجذر والمكعبات
وما يستعمله الجبريون والمهندسون من الألفاظ ومعانيها
فنقول: كل عددين، أي عددين كانا، إذا ضرب أحدهما في الآخر، فإن المجتمع من ذلك يسمى عدداً مربعاً. فإن كان العددان متساويين يسمى المجتمع من ضربيهما عدداً مربعاً مجذوراً، أوالعددان يسميان جذري ذلك العدد، مثال ذلك إذا ضرب اثنان في اثنين يكون أربعة، وثلاثة في ثلاثة تسعة، وأربعة في أربعة ستة عشر. فالأربعة والتسعة والستة عشر وأمثالها من العدد يسمى كل واحد منها مربعاً مجذوراً، والاثنان والثلاثة والأربعة يسمى جذراً، لأن الاثنين هوجذر الأربعة، والثلاثة جذر التسعة، والأربعة جذر الستة عشر، وعلى هذا القياس يعتبر سائر المربعات المجذورات. وجذورها: 23456789 دطيوكهلومطدسفا وكل عددين مختلفين، أي عددين كانا، إذا ضرب أحدهما في الآخر، فإن المجتمع من ذلك يسمى عدداً مربعاً غير مجذور، والعددان المختلفان يسميان جزأين له، ويسميان ضلعين لذلك المربع، وهي ألفاظ المهندسين، مثال ذلك اثنان في ثلاثة، أوثلاثة في أربعة، أوأربعة في خمسة، وأشباه ذلك، فإن المجتمع من مثل هذه الأعداد المضروبة بعضها في بعض تسمى مربعات غير مجذورات.
فصل في العدد المربع
كل عدد مربع، كان مجذوراً أوغير مجذور، ضرب في عدد آخر أي عدد كان، فإن المجتمع من ذلك يسمى عدداً مجسماً، فإن كان العدد المربع مجذوراً وضرب في جذره، يسمى المجتمع من ذلك عدداً مجسماً مكعباً، مثال ذلك أربعة، فإنه عدد مربع مجذور، ضرب في الاثنين الذي هوجذرها، فخرج منه ثمانية، وكذلك أيضاً التسعة، وهوأيضاً عدد مربع مجذور ضرب في الثلاثة الذي هوجذرها، كانت منه سبعة وعشرون. وكذلك الستة عشر فإنه عدد مجذور، ضرب في الأربعة التي هي جذرها فخرج منه أربعة وستون، فالثمانية، والسبعة والعشرون، وأربعة وستون، وأمثالها من الأعداد تسمى أعداداً مجسمة مكعبة. والمكعب جسم طوله وعرضه وعمقه متساوية، وله ستة سطوح مربعات، متساوية الأضلاع، قائمة الزوايا؛ وله اثنا عشر ضلعاً متوازية، وثماني زوايا مجسمة، وأربعة وعشرون زاوية مسطحة.
وإن ضرب العدد المربع المجذور في عدد أقل من جذره يسمى المجتمع من ضربه عدداً مجسماً لبنياً، والجسم اللبني هوالذي طوله وعرضه متساويان، وسمكه أقل منهما، وله ستة سطوح مربعات، متوازي الأضلاع، قائم الزوايا، لكن له سطحين متقابلين مربعين، متساويي الأضلاع، قائمي الزوايا؛ وله أربعة سطوح مستطيلات، وله اثنا عشر ضلعاً كل اثنين منها متوازيان، وثماني زوايا مجسمة، وأربع وعشرون زاوية مسطحة. وإن ضرب المربع المجذور في أكثر من جذره يسمى المجتمع منه عدداً مجسماً بيرياً، مثال ذلك أربعة فإنه عدد مجذور ضرب في الثلاثة التي هي أكثر من جذرها، فكان منه اثنا عشر، وكذلك التسعة إذا ضربت في الأربعة التي هي أكثر من جذرها خرج منها ستة وثلاثون، فالاثنا عشر، والستة والثلاثون، وأمثالها من العدد يسمى مجسماً بيرياً و" المجسم البيري" هوالذي سمكه أكثر من طوله وعرضه، وله ستة سطوح مربعات: اثنان منها مربعان متقابلان، متساويا الأضلاع، قائما الزوايا، وأربعة منها مستطيلة، متوازية الأضلاع، قائمة الزوايا. وله اثنا عشر ضلعاً كل اثنين منها متوازيان متساويان، وله ثماني زوايا مجسمة، وأربع وعشرون زاوية مسطحة. وكل عدد مربع غير مجذور ضرب في ضلعه الأصغر، فإن المجتمع منه يسمى مجسماً لبنياً؛ وإن ضرب في ضلعه الأطول فإن المجتمع منه يسمى مجسماً بيرياً، وإن ضرب في عدد أقل منهما أواكثر، فإن المجتمع منه يسمى" مجسماً لوحياً"، ومثال ذلك الاثنا عشر، فإنه عدد مرب غير مجذور، وأحد ضلعيه ثلاثة، والآخر أربعة، فإن ضرب اثنا عشر في ثلاثة خرج منه ستة وثلاثون، وهومجسم لبني؛ وإن ضرب في أربعة خرج منه ثمانية وأربعون، وهومجسم بيري؛ وإن ضرب في أقل من الثلاثة أوأكثر من الأربعة يسمى مجسماً لوحياً. والمجسم اللوحي هوالذي طوله أكثر من عرضه، وعرضه أكثر من سمكه، وله ستة سطوح، كل اثنين منها متساويان متوازيان، وله اثنا عشر ضلعاً، كل اثنين منها متوازيان، وثماني زوايا مجسمة، وأربع وعشرون زاوية مسطحة.
فصل في خواص العدد المجذور
فنقول: وكل عدد مجذور، إذا زيد عليه جذراه وواحد، كان المجتمع من ذلك مجذوراً.
وكل عدد مجذور إذا انتقص منه جذراه إلا واحداً يكون الباقي مجذوراً. وكل عددين مجذوربن على الولاء، إذا ضرب جذر أحدهما في جذر الآخر، وزيد عليه ربع، يكون الجملة مجذوراً، مثال ذلك: جذر أربعة وهواثنان، في جذر تسعة وهوثلاثة، فيكون ستة، وزيد عليه ربع، يكون ستة وربعاً، جذرها اثنان ونصف. فإذا ضرب الاثنان والنصف في مثله كان ستة وربعاً، جذرها اثنان ونصف. وكل عددين مجذورين على الولاء إذا ضرب جذر أحذهما في جذر الآخر يخرج بينهما عدد وسط وتكون ثلاثتها في نسبة واحدة. مثال ذلك: أربعة وتسعة فإنهما عددان مجذوران، وجذراهما اثنان وثلاثة، واثنان في ثلاثة: ستة، فنسبة الأربعة إلى الستة كنسبة الستة إلى التسعة، وعلى هذا القياس يعتبر سائرها.
فصل في مسائل من المقالة الثانية
من كتاب أقليدس في الأصول
كل عددين قسم أحدهما بأقسام كم كانت، فإن ضرب أحدهما في الآخر مساولضرب الذي لم يقسم في جميع أقسام العدد المقسوم قسماً قسماً.مثال ذلك: عشرة وخمسة عشر، وقسم الخمسة عشر ثلاثة أقسام: سبعة وثلاثة وخمسة، فنقول:
" أ" إن ضرب العشرة في خمسة عشر مساولضرب العشرة في سبعة وفي ثلاثة وفي خمسة.
" ب" كل عدد قسم بأقسام كم كانت، فإن ضرب ذلك العدد في مثله مساولضربه في جميع أقسامه. مثال ذلك عشرة قسمت بقسمين: سبعة وثلاثة، فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها مساو لضربها في سبعة وفي ثلاثة.
" ج" كل عدد قسم بقسمين فنقول: إن ضرب ذلك العدد في أحد قسميه مساولضرب ذلك القسم في نفسه وفي القسم الآخر. مثال ذلك عشرة قسمت بقسمين: ثلاثة وسبعة، فأقول: إن ضرب العشرة في سبعة مساولضرب سبعة في نفسها وثلاثة في سبعة.
" د" كل عدد قسم قسمين فأقول: إن ضرب ذلك العدد في نفسه مساولضرب كل قسم في نفسه، وأحدهما في الآخر مرتين، مثال ذلك عشرة قسمت قسمين: سبعة وثلاثة، فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها مساولضرب سبعة في نفسها، وثلاثة في نفسها، وسبعة في ثلاثة مرتين.
" ه" كل عدد قسم بنصفين ثم بقسمين مختلفين، فإن ضرب أحد المختلفين في الآخر، وضرب التفاوت في نفسه مساولضرب نصف ذلك العدد في نفسه. مثاله عشرة قسمت بنصفين ثم بقسمين مختلفين: ثلاثة وسبعة، فنقول: إن ضرب السبعة في ثلاثة والتفاوت في نفسها وهواثنان مجموعاً مساولضرب الخمسة في نفسها.
" و" كل عدد قسم بنصفين ثم يزاد فيه زيادة ما، فأقول: إن ضرب ذلك العدد مع الزيادة في تلك الزيادة ونصف العدد في نفسه مجموعاً يكون مساوياً لضرب نصف ذلك العدد مع الزيادة في نفسه، مثاله عشرة قسمت بنصفين ثم زيد عليه اثنان، فنقول: إن ضرب الاثني عشر في اثنين وخمسة في نفسها مجموعاً مساولضرب الاثنين وخمسة مجموعاً في نفسه.
" ز" كل عدد قسم بقسمين، فأقول: إن ضرب ذلك العدد في نفسه وضرب أحد القسمين في نفسه مجموعاً مساولضرب ذلك العدد في ذلك القسم مرتين، وضرب القسم الآخر في نفسه مجموعاً. مثاله عشرة قسمت بقسمين: سبعة وثلاثة، فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها، وسبعة في نفسها مجموعاً مساولضرب العشرة في سبعة مرتين، وثلاثة في نفسها مجموعاً.
" ح" كل عدد قسم بقسمين، ثم زيد عليه مثل أحد القسمين، فنقول: إن الذي يكون من ضرب جميع ذلك في نفسه مساولضرب ذلك العدد قبل الزيادة في تلك الزيادة أربع مرات، والقسم الآخر في نفسه. مثاله عشرة قسمت بقسمين: سبعة وثلاثة، ثم زيدت عليه ثلاثة، فنقول: إن ضرب الثلاثة عشر في نفسه مساولضرب عشرة في ثلاثة أربع مرات، وضرب سبعة في نفسه مرة واحدة.
" ط" كل عدد قسم بنصفين ثم بقسمين مختلفين، فإن الذي يكون من ضرب القسمين المختلفين كل واحد منهما في نفسه مجموعاً، مثلاً ما يكون من ضرب نصف ذلك في نفسه، وضرب التفاوت ما بين العددين في نفسه مجموعاً. مثال ذلك عشرة قسمت بنصفين ثم بقسمين مختلفين: ثلاثة وسبعة، فأقول: إن الذي يكون من ضرب سبعة في نفسها، وثلاثة في نفسها مجموعاً، مثلاً ما يكون من ضرب الخمسة في نفسها، ومن ضرب الاثنين الذي هوالتفاوت ما بين القسمين في نفسه مجموعاً.
" ي" كل عدد قسم بنصفين، ثم زيد فيه زيادة ما، فإن الذي يكون من ضرب ذلك العدد مع الزيادة في نفسه، وضرب الزيادة في نفسها مجموعاً، مثلاً ما يكون من ضرب نصف العدد مع الزيادة في نفسه، وضرب نصف العدد في نفسه. مثال ذلك عشرة قسمت بنصفين، ثم زيد عليها اثنان، فأقول: إن ضرب الاثني عشر في نفسه، والاثنين في نفسه مجموعاً، مثلاً ما يكون من ضرب سبعة في نفسها، وخمسة في نفسها مجموعاً.
فصل علم العدد والنفس
وأعلم أيها الأخ البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه-إنه إنما قدم الحكماء النظر في علم العدد قبل النظر في سائر العلوم الرياضية، لأن هذا العلم مركوز في كل نفس بالقوة، وإنما يحتاج الإنسان إلى التأمل بالقوة الفكرية حسب، من غير أن يأخذ لها مثالاً من على آخر، بل منه يؤخذ المثال على كل معلوم. وأما ما أشرنا إليه من المثالات التي بالخطوط في هذه الرسالة فإنما تلك للمتعلمين المبتدئين الذين قوة أفكارهم ضعيفة، فأما من كان منهم فهيماً ذكياً فغير محتاج إليها.
وأعلم أيها الأخ البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- إن أحد أغراضنا من هذه الرسالة ما قد بينا في أولها، وأما الغرض الآخر فهو التنبيه على" علم النفس" والحث على معرفة جوهرها، وذلك أن العاقل الذهين إذا نظر في علم العدد وتفكر في كمية أجناسه وتقاسيم أنواعه وخواص تلك الأنواع، علم أنها كلها أغراض، وجودها وقوامها بالنفس، فالنفس إذاً جوهر، لأن العرض لا يكون له قوام إلا بالجوهر ولا يوجد إلا فيه.
الغرض من العلوم
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن غرض الفلاسفة الحكماء من النظر في العلوم الرياضية، وتخريجهم تلامذتهم بها، إنما هوالسلوك والتطرق منها إلى علوم الطبيعيات؛ وأما غرضهم من النظر في الطبيعيات فهو الصعود منها والترقي إلى العلوم الإلهية الذي؛صفة للترقي؛ هوأقصى غرض الحكماء، والنهاية التي إليها يرتقي بالمعارف الحقيقية. ولما كان أول درجة من النظر في العلوم الإلهية هومعرفة جوهر النفس، والبحث عن مبدئها من أين كانت قبل تعلقها بالجسد، والفحص عن معادها إلى أين تكون بعد فراق الجسد الذي يسمى الموت، وعن كيفية ثواب المحسنين كيف يكون في عالم الأرواح، وعن جزاء المسيئين كيف يكون في دار الآخرة؛ وخصلة أخرى أيضاً، لما كان الإنسان مندوباً إلى ربه، ولم يكن له طريق إلى معرفته إلا بعد معرفة نفسه، كما قال الله تعالى:" ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه" أي جهل النفس؛ وكما قيل: من عرف نفسه فقد عرف ربه؛ وقد قيل أيضاً: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه؛ وجب على كل عاقل طلب علم النفس ومعرفة جوهرها وتهذيبها، وقد قال الله تعالى:" ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها"؛ أخفاها بالمعصية، وأصله دسسها، أبدلت السين الثانية ألفاً تخفيفاً.؛ وقال الله تعالى حكاية عن امرأة العزيز في قصة يوسف، عليه السلام:" إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي." وقال تعالى:" وأما من خاف مقام ربه ونهى التفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى". وقال تعالى:" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية". وقال تعالى:" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها"؛ وآيات كثيرة في القرآن ودلالات على وجود النفس وعلى تصرف حالاتها، وهي حجة على الجرميين؛ نسبة إلى الجرم، وهوالجسم، وأحد الأجرام السماوية، أي النجوم، والمراد بهم الماديون.؛ المنكرين أمر النفس ووجدانها.
وأما أولئك الحكماء الذين كانوا يتكلمون في علم النفس قبل نزول القرآن والإنجيل والتوراة فإنهم لما بحثوا عن علم النفس بقرائح قلوبهم، واستخرجوا معرفة جوهرها بنتائج عقولهم، دعاهم ذلك إلى تصنيف الكتب الفلسفية التي تقدم ذكرها في أول هذه الرسالة، ولكنهم لما طولوا الخطب فيها، ونقلها من لغة إلى لغة من لم يكن فهم معانيها ولا عرف أغراض مؤلفيها، انغلق على الناظرين في تلك الكتب فهم معانيها، وثقلت على الباحثين أغراض مصنفيها، ونحن قد أخذنا لب معانيها وأقصى أغراض واضعيها، وأوردناها بأوجز ما يمكن من الاختصار في اثنتين وخمسين رسالة، أولاها هذه، ثم يتلوها أخواتها على الولاء كترتيب العدد تجدها إن شاء الله.
تمت الرسالة- والحمد لله رب العالمين- وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله الطاهرين، وسلم تسليماً.
الرسالة الثانية من القسم الرياضي المرسومة بجومطريا
في الهندسة وبيان ماهيتها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، ألله خير أم ما يشركون؟ اعلم ايها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وايانا بروح منه، أنا قد فرغنا من رسالة العدد في الارثماطيقي وبينا من خواص العدد قدر الكفاية والجهد، وانتقلنا من تلك الرسالة إلى هذه الرسالة التي هي الثانية من رسائل الرياضيات في المدخل إلى علم الهندسة فنقول:
اعلم بأن العلوم التي كان القدماء يخرجون أولادهم بها، ويرضون بها تلامذتهم، أربعة أجناس، أولها العلوم الرياضيات،لا والثاني العلوم المنطقيات، والثالث العلوم الطبيعيات، والرابع العلوم الالهيات. فالرياضيات أربعة أنواع: أولها الأرثماطيقي، وهومعرفة العدد وكمية أجناسه وخواصه وأنواعه وخواص تلك الأنواع. ومبدأهذا العلم من الواحد الذي قبل الاثنين. والثاني "الجومطريا" وهوعلم الهندسة، وهي معرفة المقادير والأبعاد وكمية أنواعها وخواص تلك الأنواع. ومبدأ هذا العلم من النقطة التي هي طرف الخط أي نهايته. والثالث الأسطرنوميا، يعني علم النجوم، وهومعرفة تركيب الأفلاك وتخطيط البروج وعدد الكواكب وطبائعها ودلائلها على الأشياء الكائنات في هذا العالم، من حركة الشمس. والرابع الموسيقى، وهومعرفة التأليفات والنسب بين الأشياء المختلفة والجواهر المتضادة القوى. ومبدأ هذا العلم من نسبة المساواة نسبة الثلاثة إلى الستة كنسبة الاثنين إلى الأربعة.
وأما المنطقيات فهي معرفة معاني الأشياء الموجودة التي هي مصورة في أفكار النفوس. ومبدأ من الجوهر. وأما الطبيعيات فهي معرفة جواهر الأجسام وما يعرض لها من الأعراض. ومبدأ هذا العلم من الحركة والسكون. وأما الالهيات فهي معرفة الصور المجردة المفارقة للهيولى. ومبدأ هذا العلم من معرفة جوهر النفس كالملائكة والنفوس والشياطين والجن والأرواح بلا أجسام، وأن الأجسام عندهم ذوات أبعاد ثلاثة. ومبدأ هذا العلم من جوهر النفس. وقد عملنا في كل نوع من هذه العلوم رسالة شبه المدخل والمقدمات. فأولها رسالة في العدد قبل هذه، وقد بينا فيها طرفاً من خواص الأعداد وكمية أنواعها وكيفية نشوئها من الواحد الذي قبل الاثنين. ونريد أن نبين ونذكر في هذه الرسالة أصل الهندسة التي هي أصل المقادير الثلاثة، وكمية أنواعها وخواص تلك الأنواع، وكيفية نشوئها من النقطة التي هي رأس الخط، وأنها في صناعة الهندسة مثل الواحد في صناعة العدد.
واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الهندسة، يقال على نوعين، عقلية وحسية؛ فالحسية هي معرفة المقادير وما يعرض فيها من المعاني، إذا أضيف بعضها إلى بعض، وهي ما يرى بالبصر، ويدرك باللمس. والعقلي بضد ذلك، وهوما يعرف ويفهم، فالذي يرى بالبصر هوالخط والسطح والجسم ذوات الأبعاد وما يعرض فيها، كما أن الثقل في الثقيل لا يعرف إلا بالعقل، والثقل عين الثقيل. والمقادير ثلاثة أنواع وهي الخطوط والسطوح والأجسام، وهذه الهندسة تدخل في الصنائع كلها، وذلك أن كل صانع إذا قدر في صناعته قبل العمل، فهو ضرب من الهندسة العقلية، فهي معرفة الأبعاد، وما يعرض فيها من المعاني، إذا أضيف بعضها إلى بعض، وهي ما يتصور في النفس بالفكر، وهي ثلاثة أنواع: الطول والعرض والعمق. وهذه الأبعاد العقلية صفات لتلك المقادير الحسية، وذلك أن الخط هوأحد المقادير، وله صفة واحدة، وهي الطول حسب. وأما السطح فهو مقدار ثان، ولهما صفتان وهما الطول والعرض. وأما الجسم فهو مقدار ثالث، وله ثلاث صفات وهي الطول والعرض والعمق.
واعلم أن النظر في هذه الأبعاد مجردة عن الأجسام من صناعة المحققين، فنبدأ أولاً بوصف الهندسة الحسية لأنها أقرب إلى فهم المتعلمين فنقول: أن الخط الحسي الذي هوأحد المقادير أصله النقطة كما بينا قبل في الرسالة التي في خواص العدد بأن الواحد أصل العدد، وذلك أن النقطة الحسية إذا انتظمت ظهر الخط بحاسة النظر مثل هذا:......
فإنا لا نقول إن هذه النقطة شيء لا جزء له، لكن النقطة العقلية هي التي لا جزأ لها. ونقول أيضاً الخط أصل السطح كما أن النقطة أصل الخط، وكما أن الواحد أصل الثنين؛ والاثنان أصل لعدد الزوج كما بينا قبل ذلك، وذلك أن الخطوط إذا تجاوزت ظهر السطح لحاسة البصر مثل هذا: ونقول إن السطح أصل الجسم، كما أن الخط أصل السطح، والنقطة أصل الخط، كما أن الواحد أصل الاثنين؛والاثنان والواحد أصلان لأول الفرد كما بينا قبل ذلك، وذلك أن السطوح إذا تراكمت بعضها فوق بعض ظهر الجسم لحاسة النظر مثل هذا:
فصل في أنواع الخط
فنقول: الخطوط ثلاثة أنواع، أولها المستقيم وهومثل الذي يخط بالمسطر على ما يرى في هذه الصورة مثل هذا: والثاني المقوس وهومثل الذي يخط بالبركار مثل هذا: والثالث المقوس المنحني وهوالمركب منهما مثل هذا: فهذه أنواع الخطوط الثلاثة.
فصل في ألقاب الخطوط المستقيمة
فنقول: إن الخطوط المستقيمة إذا أضيف بعضها إلى بعض، إما أن تكون متساوية أومتوازنة أومتلاقية أومتماسة أومتقاطعة. فالمتساوية هي التي طولها واحد مثال هذا: والمتوازية هي التي إذا كانت في سطح واحد وأخرجت في كلتا الجهتين إخراجاً دائماً، لا يلتقيان أبدأ مثل هذا:والمتلاقية هي لتي تلتقي في إحدى الجهتين، وتحيط بزاوية واحدة مثل هذا: والمتماسة هي التي تماس إحداهما الأخرى، وتحدث زاويتين أوزاوية مثل هذا المثال: والمتقاطعة التي تقطع إحداهما الأخرى وتحدث من تقاطعهما أربع زوايا مثل هذا: فهذه ألقاب الخطوط المستقيمة.
فصل في أسماء الخط المستقيم
إذا قام خط مستقيم على خط آخر قياماً مستوياً من غير ميل إلى طرف، يقال عند ذلك للخط القائم العمود، وللقائم عليه القاعدة، مثل هذا: وإذا أضيف الخطان إلى زاوية يقال لهما الساقان لتلك الزاوية، مثل هذا: وإذا قام خط مستقيم على خط، وللخط والقائم ميل إلى أحد الطرفين، يحصل زاويتان إحداهما أكبر يقال لها المنفرجة، والأخرى أصغر يقال لها الحادة. وكل خط مستقيم يقابل زاوية ما، يقال له وتر تلك الزاوية التي يقابلها، مثل هذا: والخطوط إذا أضيفت إلى سطح ما، يقال للها أضلاع ذلك السطح، مثل هذا: وكل خط يخرج من زاوية وينتهي إلى أخرى يقال له قطر المربع مثل هذا: وكل خط يخرج من زاوية المثلث وينتهي إلى الضلع المقابل لها، يقوم على الخط المقابل لها على زوايا قائمة، يقال لذلك الخط مسقط الحجر ويقال له العمود أيضاً، ويقال للخط الذي وقع عليه مسقط الحجر القاعدة، مثل هذا: فهذه أسماء الخطوط المستقيمة.
فصل في أنواع الزوايا
نقول: إن الزوايا على نوعين: مسطح ومجسم، والمسطحة هي التي يحيط بها خطان على غير استقامة مثل هذا: والمجسمة هي التي تحيط بها ثلاثة خطوط في زاوية، كل اثنين زاوية على غير استقامة.
فصل في أنواع الزوايا المسطحة
تتنوع من جهة الخطوط ثلاثة أنواع، إما من خطين مستقيمين مثل هذا: أوخطين مقوسين مثل هذا: أوأحدهما مقوس والآخر مستقيم. والزوايا التي تحيط بها خطوط مستقيمة تتنوع من جهة الكيفية ثلاثة أنواع: قائمة ومنفرجة وحادة، فالقائمة هي التي إذا قام خط مستقيم على خط آخر مستقيم قياماً مستوياً حدث عن جنبيه زاويتان متساويتان، وكل واحدة منهما يقال لها زاوية قائمة مثل هذا: وإذا قام ذلك الخط قياماً غير مستوعلى خط مستقيم حدث عن جنبيه زاويتان مختلفتان، إحداهما أكبر من القائمة، يقال لها المنفرجة، والأخرى أصغر من القائمة، يقال لها الحادة، ومجموعهما مساولقائمتين، لأن الزاوية الحادة تنقص عن القائمة بمقدار زيادة المنفرجة على القائمة، على هذا المثال: فهذا عدد أنواع الزوايا.
فصل في أنواع الخطوط القوسية
فنقول: إن الخطوط القوسية أربعة أنواع، منها محيط الدائرة، ومنها نصف الدائرة، ومنها أكثر من نصف الدائرة، ومنها أقل من نصف الدائرة. ومركز الدائرة هي النقطة التي في وسط الدائرة، وقطر الدائرة هوالخط المستقيم الذي يقطع الدائرة بنصفين. والوتر الخط المستقيم الذي يصل بين طرفي الخط المقوس. والسهم هوالخط المستقيم الذي يفصل الوتر والقوس كل واحد منهما بنصفين، وهوإذا أضيف إلى نصف القوس يقال له عند ذلك الجيب المعكوس، وإذا أضيف نصف الوتر إلى نصف القوس، يقال له عند ذلك الجيب المستوي. والخطوط المقوسة المتوازية هي التي مركزها واحد مثل هذا: والخطوط القوسية المتقاطعة هي التي مراكزها مختلفة مثل هذا: والخطوط القوسية المتماسة هي التي تماس بعضها بعضاً إما من داخل أوخارج ولا يتقاطع، مثل هذا: وأما الخطوط المنحنية فقد تركنا ذكرها لأنها غير مستعملة فاعلم جميع ذلك.
فصل في ذكر السطوح
فنقول: السطح هوشكل يحيط به خط أوخطوط. والدائرة هي شكل يحيط به خط واحد مثل هذا: وفي داخله نقطة كل الخطوط المستقيمة التي تخرج منها، وينتهي إلى جهتين مساوبعضهما لبعض. ونصف الدائرة شكل يحيط به خطان أحدهما مقوس والآخر مستقيم مثل هذا: وقطعة الدائرة هوشكل يحيط به خط مستقيم وقوس من محيط الدائرة، إما أكبر من نصفه، وإما أصغر ما بينا وأوردنا مثالها قبل هذا:
فصل في الأشكال المستقيمة الخطوط وأنواعها
ثم المخمس وهوشكل يحيط به خمسة خطوط، وله خمس زوايا مثل هذا: ثم المسدس وهوالذي يحيط به ستة خطوط، وله ست زوايا مثل هذا: وبعده المسبع مثل هذا: وعلى هذا القياس تتزايد الأشكال كتزايد العدد.
فصل من النقط لحاسة البصر
وقد بينا أن الخطوط يظهر حولها لحاسة البصر من النقطة إذا انتظمت. فأقصر خط من نقطتين مثل هذا:..
ثم من ثلاث مثل هذا:...
ثم من أربع مثل هذا:....
ثم من خمس مثل هذا:....
ويتزايد واحداً بعد واحد كتزايد العدد على النظم الطبيعي. وأصغر شكل المثلث من ثلاثة أجزاء مثل هذا: ثم من أربعة أجزاء مثل هذا:..
ثم من عشرة أجزاء مثل هذا:..
وعلى هذا القياس يتزايد كما يتزايد جمع العدد على النظم الطبيعي. وأما الأشكال المربعات فأولها تظهر في أربعة أجزاء مثل هذا:..
وبعده من تسعة أجزاء مثل هذا:...
وبعده من ستة عشر مثل هذا:....
وبعده من خمسة وعشرين جزءاً مثل هذا: وعلى هدا القياس تتزايد المربعات دائماُ كتزايد جمع العدد على نظم طبيعة الأفراد وتكون كلها مجذورات.
فصل في بيان المثلث
إنه أصل لجميع الأشكال
فنقول: إن الشكل المثلث أصل لجميع الأشكال المستقيمة الخطوط، كما أن الواحد أصل لجميع العدد، والنقطة أصل للخطوط، والخط أصل للسطوح، والسطح أصل للأجسام، كما بينا قبل؛ وذلك أنه إذا أضيف شكل مثلث إلى شكل آخر مثله، حدث من جملتها شكل مربع مثل هذا: وإذا أضيف إليهما شكل آخر مثلث، حدث من ذلك شكل مخمس، وإن أضيف إليهما شكل آخر مثلث، حدث شكل مسدس؛ وإن أضيف إليهما شكل آخر، حدث من ذلك شكل مسبع مثل هذا: وعلى هذا القياس تحدث الأشكال المستقيمة الخطوط الكثيرة الزوايا من الشكل المثلث إذا ضم بعضها إلى بعض، وتتزايد دائماً بلا نهاية كتزايد العدد من الآحاد، إذا ضم بعضها إلى بعض دائماً بلا نهاية، كما بينا قبل.
وقد تبين أن من الشكل المثلث تتركب الأشكال المستقيمة الخطوط، وأن من السطح تتركب الأجسام، وأن من الخطوط تتركب السطوح، وأن من النقطة تتركب الخطوط، كما أن من الواحد يتركب العدد. فإن النقطة في صناعة الهندسة كالواحد في صناعة العدد، وكما أن الواحد لا جزء له فكذلك النقطة العقلية لا جزء لها.
فصل في أنواع السطوح
السطوح من جهة الكيفية تتنوع ثلاثة أنواع مسطحاً ومقعراً ومقبباً. فالمسطح كوجوه الألواح، والمقعر كقعر الأواني، والمقبب كظهر القباب. ومن الأشكال ما يسمى البيضي مثل هذا: ومنها الهلالي مثل هذا: ومنها المخروط الصنوبري مثل هذا: ومنها الإهليلجي؛ نسبة إلى الإهليلج، وهوثمر على أصناف كثيرة، وينسب إليه أصحاب المساحة ما كان على شكله، أي ذا دائرة إلى الطول.
ومنها نيمخانجي مثل هذا: ومنها الطبلي مثل هذا: ومنها الزيتوني مثل هذا:
فصل في ذكر المساحة
فنقول: السطوح هي نهايات الأجسام، ونهايات السطوح الخطوط، ونهايات الخطوط هي النقط.
وذلك أن كل خط لا بد أن يبتدئ من نقطة وينتهي إلى أخرى، فكل سطح ينتهي إلى خط أوخطوط، وكل جسم فلا بد من أن ينتهي إلى سطح أوسطوح. فمن الأجسام ما يحيط به سطح واحد وهي الكرة؛ ومنها ما يحيط به سطحان وهونصف الكرة، وذلك أن سطحاً منه مقبب وسطحاً مدور. ومن الأجسام ما يحيط به ثلاثة سطوح وهوربع الكرة؛ ومنها ما يحيط به أربعة سطوح مثلثات ويسمى الشكل الناري؛ ومنها ما يحيط به خمسة سطوح؛ ومنها ما يحيط به ستة سطوح مربعات. فمنها المكعب ومنها البني ومنها البئري ومنها اللوحي. فالجسم المكعب هوالذي طوله مثل عرضه، وعرضه مثل سمكه، وله ستة سطوح مربعات متساوية الأضلاع، قائمة الزوايا، وله ثماني زوايا مجسمة، وأربع وعشرون زاوية مسطحة، واثنا عشر ضلعاً متساوية، كل أربعة منها متوازية، وأما الجسم البئري فهو الذي طوله مثل عرضه، وسمكه أكبر منهما، وله ستة سطوح مربعات: اثنان منها متقابلان متساويا الأضلاع، قائما الزوايا، وأربعة منها ضيقات مستطيلات، متساوية الأضلاع، قائمة الزوايا، وله اثنا عشر ضلعاً: أربعة منها طوال متساوية متوازية، وثمانية قصار متساوية متوازية؛ وله ثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة.
وأما الجسم اللوحي فهو الذي طوله أكبر من عرضه، وعرضه أكبر من سمكه، وله ستة سطوح مربعات: اثنان منها طويلان متقابلان متسعان، ومتساويا الأضلاع، قائما الزوايا، وسطحان آخران قصيران ضيقان، متساويا الأضلاع، قائما الزوايا، وله اثنا عشر ضلعاً، وأربعة منها طوال، وأربعة منها قصار وأربعة أقصر من ذلك، وله ثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة مثل هذا: وأما الجسم اللبني فهو الذي طوله مثل عرضه، وسمكه أقل منهما، وله ستة سطوح مربعات: اثنان منها واسعان متقابلان، متساويا الأضلاع، قائما الزوايا، وأربعة منها ضيقات مستطيلات، متساوية الأضلاع، قائمة الزوايا، طوال متساوية، كل أربعة منها متوازية، ولها ثماني زوايا مجسمات، وأربع وعشرون زاوية مسطحة مثل هذا: وأما الجسم الكروي فهو الذي يحيط به سطح واحد، وفي داخله نقطة، وكل الخطوط المستقيمة الخارجة من تلك النقطة إلى سطح الكرة متساوية؛ يقال لتلك النقطة مركز الدائرة، وإذا دارت الكرة فيكون في سطحها نقطتان متقابلتان ساكنتان يقال لهما قطب الكرة مثل هذا: وإذا وصل بينهما بخط مستقيم وجاز ذلك الخط على مركز الكرة يقال له محور الكرة، وإذا اتصل الخط من نقطة إلى نقطة، فهو المحور.
وإذ قد ذكرنا طرفاً من أصل الهندسة الحسية، شبه المدخل والمقدمات، وقلنا إن هذا العلم يحتاج إليه أكثر الصناع، فلنبين ذلك. وهوالتقدير قبل العمل، لأن كل صانع يؤلف الأجسام بعضها إلى بعض ويركبها فلا بد له أن يقدر أولاً المكان في أي موضع يعملها، والزمان في أي وقت يعملها ويبتدئ فيها، والإمكان محل يقدر عليه أم لا، وبأي آلة وأدوات يعملها، وكيف يؤلف أجزاءها، حتى تلتئم وتأتلف. فهذه هي الهندسة التي تدخل في أكثر الصنائع التي هي تأليف الأجسام بعضها إلى بعض.
وأعلم أن كثيراً من الحيوانات تعمل صنعة طبيعية قد جبلت عليها بلا تعليم، كالنحل في اتخاذها البيوت، وذلك إنها؛ أي النحل؛ تبني بيوتها مطبقات مستديرات الشكل كالأتراس، بعضها فوق بعض، وتجعل ثقب البيوت كلها مسدسات الأضلاع والزوايا، لما في ذلك من إتقان الحكمة، لأن من خاصية هذا الشكل أنه أوسع من المربع والمخمس، وأنها تكشف تلك الثقوب حتى لا يكون بينها خلل، فيدخل الهواء، فتفسد العسل، فيعفن العسل، وهذا مثال ذلك: وهكذا العنكبوت تنسج شبكتها في زوايا البيت والحائط شفقة عليها من تخريق الرياح لها، وتمزيق حملها. وأما كيفية نسجها فهو أن تمد سداها؛ من الثوب: ما مد من خيوطه طولاً بخلاف لحمته؛ على الاستقامة، وخيوط لحمتها على الاستدارة، لما فيه من سهولة العمل، وهذا مثال ذلك: ومن الناس من يستخرج صناعة بقريحته وذكاء نفسه، لم يسبق إليها، وأما أكثر الصناع فإنهم يأخذونها توقيفاً؛ وتعليماً من الأستاذين.
فصل في المساحة
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن علم الهندسة يدخل في الصنائع كلها، وخاصة في المساحة، وهي صناعة يحتاج إليها العمال والكتاب والدهاقين؛ وأصحاب الضياع والعقارات في معاملاتهم من جباية الخراج وحفر الأنهار وعمل البريدات وما شاكلها.
ثم أعلم بأن المقادير التي تمسح بها الأراضي بالعراق خمسة مقادير وهي الأشل والباب والذراع والقبضة والإصبع. وأعلم بأن الإصبع الواحدة غلظها ست شعيرات مصفوفة مضمومة ظهور بعضها إلى بطون بعض، والقبضة الواحدة أربع أصابع. والذراع الواحد ثماني قبضات، وهواثنان وثلاثون إصبعاً. والباب طوله ستة أذرع وهي ثمان وأربعون قبضة، وهومائة واثنان وتسعون إصبعاً. والأشل حبل طوله عشرة أبواب، وهوستون ذراعاً، وأربع مئة، وثمانون قبضة، وألف وتسع مئة، وعشرون إصبعاً. وأعلم بأنك إذا ضربت هذه العقاقير بعضها في بعض، فالذي يخرج منها يسمى تكسيراً. فإذا جمعت، فيكون منها جريبات وقفيزات وعشيرات. وأما حسابها فهو أن القبضة الواحدة في مثلها تكون ستة عشر إصبعاً، والذراع الواحدة في مثلها تكون أربعاً وستين قبضة مكسرة، وألفاً وأربعة وعشرين إصبعاً مكسرة، وهوتسع ربع عشر عشير الجريب؛ والباب الواحد في مثله يكون ستة وثلاثين ذراعاً مكسرة. وهذه صورتها 36 وهو2304 قبضات مكسرة، وهو36864 إصبعاً مكسرة، وهوعشر عشير الجريب.
وأما الأشل في مثله فيكون جريباً وهوعشرة أقفزة، وهومائة عشير. وهذه صورتها 3600 ذراعاً مكسرة، وهو230400 قبضة مكسرة، وهو3686400 إصبعاً مكسرة. وأما القفيز فهو عشرة أعشار وهوعشرة أبواب مكسرة، وهومن ضرب تسعة عشر ذراعاً إلا شيئاً يسيراً في مثله وهوثلاث مائة وستون ذراعاً. وأما العشير فهو من ضرب باب واحد في مثله وهو 36 ذراعاً مكسرة وهو2304 قبضات مكسرة، وهو36864 إصبعاً مكسرة. والأشول في الأشول، واحدها جريب وعشرتها عشرة أجربة، والأشول في الأبواب واحدها قفيز وعشرتها جريب، والأشول في الأذرع، واحدها عشير وثلثا عشير وست منها قفيز، والأشل في القبضات واحدها سدس عشير وربع سدس عشير، وكل ثلاثة أخماس منها عشير، وكل 36 منها قفيز. والأشل في الأصابع كل واحد منها ربع سدس عشير وربع ربع سدس عشير، وكل عشرة منها ربعا عشير، وسدس ثمن عشير. والأبواب في الأبواب واحدها عشير، وعشرتها قفيز. والأبواب في الأذرع واحدها سدس عشير، وستة منها عشير. والأبواب في القبضات كل واحد منها ثلاثة أرباع ربع تسع عشير. والأبواب في الأصابع كل خمسة وثمانين منها ثلث عشير وربع سدس عشير وتسع عشير تقريباً، وكل أربعة منها ثلاثة أرباع وتسع عشير، وكل مائة ثمان وعشرين منها ثلثا ثلث عشير. والأذرع في الأذرع واحدها ربع تسع عشير، وكل أربع منها تسع عشير، وكل مائة منها عشيران وثلثا عشير وتسع عشير.
فهذا شرح مساحة العرض والطول. فإما مساحة العمق فهو أن تضرب الطول في العرض فما اجتمع من ذلك فاضربه في العمق، وما يجتمع فهو تكسير المجسم. والحاجة إلى هذا العمل عند حفر الأنهار والآبار والحفائر والبريدات والمسنيات؛ والأساسات للديار والبنيان وما شاكل ذلك.
ثم أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- إنه قد تدخل الشبه في كل صناعة علمية على من يتعاطاها وليس من أهلها، وكان ناقصاً فيها أوساهياً عنها، مثال ذلك ما ذكروا أن رجلاً باع من رجل آخر قطعة أرض بألف درهم على أن طولها مائة ذراع، وعرضها مائة ذراع، ثم قال له: خذ مني عوضاً عنها قطعتين من أرض كل واحدة منها طولها خمسون ذراعاً، وعرضها خمسون ذراعاً، وتوهم أن ذلك حقه فتحاكما إلى قاض غير مهندس، فقضى بمثل ذلك خطأ. ثم تحاكما إلى حاكم من أهل الصناعة فحكم بأن ذلك نصف حقه. وهكذا أيضاً ذكر أن رجلاً أستأجر رجلاً على أن يحفر له بركة طولها أربعة أذرع في عرض أربعة أذرع في عمق أربعة أذرع، بثمانية دراهم. فحفر له ذراعين في ذراعين طولاً وعرضاً وعمقاً، فطالبه بأربعة دراهم نصف الأجرة، فتنازعا وتحاكما إلى مفت غير مهندس فحكم بأن ذلك حقه، ثم تحاكما إلى أهل الصناعة فحكموا له بدرهم واحد. وقيل لرجل يتعاطى الحساب ولم يكن من أهله: كم نسبة ألف ألف إلى ألف ألف ألف، فقال: ثلثان. فقال أهل الصناعة أنه عشر عشر العشر. فعلى هذا المثال تدخل الشبهة على كل من يتعاطى صناعة وليس من أهلها. ومن أجل هذا قيل: استعينوا على كل صنعة بأهلها.
فصل في حاجة الإنسان إلى التعاون
أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن الإنسان الواحد لا يقدر أن يعيش وحده إلا عيشاً نكداً، لأنه محتاج إلى طيب العيش من إحكام صنائع شتى، ولا يمكن الإنسان الواحد أن يبلغها كلها، لأن العمر قصير، والصنائع كثيرة، فمن أجل هذا اجتمع في كل مدينة أوقرية أناس كثيرون لمعاونة بعضهم بعضاً. وقد أوجبت الحكمة الإلهية والعناية الربانية بأن يشتغل جماعة منهم بإحكام الصنائع، وجماعة في التجارات، وجماعة بإحكام البنيان، وجماعة بتدبير السياسات، وجماعة بإحكام العلوم وتعليمها، وجماعة بالخدمة للجميع والسعي في حوائجهم، لأن مثلهم في ذلك كمثل أخوة من أب واحد في منزل واحد، متعاونين في أمر معيشتهم، كل منهم في وجه منها.
فأما ما اصطلحوا عليه من الكيل والوزن والثمن والأجرة، فإن ذلك حكمة وسياسة ليكون حثاً لهم على الاجتهاد في أعمالهم وصنائعهم ومعاوناتهم، حتى يستحق كل إنسان من الأجرة بحسب اجتهاده في العمل ونشاطه في الصنائع.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أنه ينبغي لك أن تتيقن بأنك لا تقدر أن تنجو وحدك مما وقعت فيه من محنة هذه الدنيا وآفاتها بالجناية التي كانت من أبينا آدم- عليه السلام- لأنك محتاج في نجاتك وتخلصك من هذه الدنيا التي هي عالم الكون والفساد، ومن عذاب جهنم وجوار الشياطين وجنود إبليس أجمعين والصعود إلى عالما لأفلاك وسعة السماوات ومسكن العليين وجوار ملائكة الرحمن المقربين، إلى معاونة إخوان لك نصحاء وأصدقاء لك فضلاء متبصرين بأمر الدين علماء بحقائق الأمور ليعرفوك طرائق الآخرة وكيفية الوصول إليها، والنجاة من الورطة التي وقعنا فيها كلنا بجناية أبينا آدم، عليه السلام. فاعتبر بحديث الحمامة المطوقة المذكورة في كتاب" كليلة ودمنة" وكيف نجت من الشبكة لتعلم حقيقة ما قبلنا.
وأعلم أن الحكماء إذا ضربوا مثلاً لأمور الدنيا، فإنما غرضهم منه أمور الآخرة والإشارة إليها بضروب الأمثال بحسب ما تحتمل عقول الناس في كل مكان وزمان.
فصل في الهندسة العقلية
وإذ قد ذكرنا طرفاً من الهندسة العقلية الحسية شبه المدخل والمقدمات، فنزيد أن نذكر طرفاً من الهندسة العقلية، إذ كانت هي أحد أغراض الحكماء الراسخين في العلوم الإلهية، المرتاضين بالرياضيات الفلسفية، وذلك أن غرضهم في تقديم الهندسة بعد علم العدد هوتخريج المتعلمين من المحسوسات إلى المعقولات، وترقيتهم لتلاميذهم وأولادهم من الأمور الجسمانية إلى الأمور الروحانية.
فأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن النظر في الهندسة الحسية يؤدي إلى الحذق في الصنائع العلمية كلها؛ والنظر في الهندسة العقلية يؤدي إلى الحذق في الصنائع العلمية. لأن هذا العلم هوأحد الأبواب التي تؤدي إلى معرفة جوهر النفس التي هي جذر العلوم وعنصر الحكمة، وأصل الصنائع العلمية والملية جميعاً، أعني معرفة جوهر النفس، فأعلم جميع ما قلنا.
فصل في توهم الأبعاد
الخط العقلي لا يرى مجرداً إلا بين السطحين، وهومثل الفصل المشترك الذي هوبين الشمس والظل. وإذا لم يكن شمس ولا فيء لم تر خطاً بنقطتين وهميتين. فإذا توهمت إن قد تحركت إحدى النقطتين وسكنت الأخرى، حتى رجعت إلى حيث ابتدأت بالحركة، حدث في فكرك السطح.
والسطح العقلي أيضاً لا يرى بمجردة إلا بين الجسمين، وهوالفصل المشترك بين الماء والدهن.
والنقطة العقلية لا ترى أيضاً بمجردها إلا حيث ينقسم الخط بنصفين بالوهم، أي موضع وقعت للإشارة إليها فهي تنتهي هناك.
وأعلم يا أخي أنك إذا توهمت حركة هذه النقطة على سمت واحد، حدث في فكرك خط وهمي مستقيم؛ وإذا توهمت حركة هذا الخط في غير الجهة التي تحركت إليها النقطة، حدث في فكرك سطح وهمي؛ وإذا توهمت حركة هذا السطح في غير الجهة التي تحرك إليها الخط والنقطة، حدث في وهمك جسم وهمي له ستة سطوح مربعات قائمة الزوايا وهوالمكعب.
وإن كانت مسافة حركة السطح أقل من مسافة حركة الخط، حدث من ذلك جسم لبني؛ وإن كان أكثر من ذلك، حدث من ذلك جسم بئري؛ وإن كانت متساوية حدث مكعب.
وأعلم يا أخي بأن كل خط مستقيم مفروض في الوهم، فلا بد له من نهايتين وهما رأساه ويسميان النقطتين الوهميتين. وإذا توهمت أنه تحركت إحدى النقطتين وسكنت الأخرى حتى رجعت إلى حيث ابتدأت بالحركة، حدث في فكرك من ذلك سطح مدور وهمي وتكون النقطة الساكنة مركز الدائرة، والنقطة المتحركة التي قد حدثت في فكرك بحركتها محيط الدائرة.
ثم أعلم بأن أول سطح يحدث من حركتها ثلث الدائرة، ثم ربع الدائرة، ثم نصف الدائرة، ثم الدائرة. وإذا توهمت أن الخط المقوس الذي هونصف محيط الدائرة سكن رأساه جميعاً، وتحرك الخط نفسه حتى يرجع إلى حيث ابتدأ بالحركة، حدث في فكرك من حركتها جسم كري.
فقد بان لك بما ذكرنا أن الهندسة العقلية هي النظر في الأبعاد الثلاثة التي هي الطول والعرض والعمق خلواً من الأجسام الطبيعية، وذلك أن الناظرين في الهندسة الحسية التي تقدم ذكرها إذا ارتاضوا فيها وقويت أفكارهم بالنظر فيها، انتزعوا هذه الأبعاد الثلاثة التي هي الخط والسطح والجسم، وصورها في نفوسهم لتلك الأبعاد المصورة كالهيولى وهي فيها كالصورة يسمونها مقادير مساحية، ويستغنون عن النظر إلى المقادير الحسية، ثم يتكلمون عليها ويخبرون عن أجناسها وأنواعها وخواصها، وما يعرض فيها من المعاني إذا أضيف بعضها إلى بعض، فيقولون: الخط هومقدار ذوبعد واحد، والسطح هومقدار ذوبعدين، والجسم هومقدار ذوثلاثة أبعاد، والخط المستقيم هوأقصر خط وصل بين النقطتين، والنقطة رأس الخط، والخط المقوس هوالخط الذي لا يمكن أن يفرض عليه ثلاثة فقط على سمت واحد، والزوايا ما بين خطين على غير استقامة، والشكل ما أحاط به خط واحد أوخطوط، والدائرة شكل يحيط به خط واحد يقال له المحيط، وفي داخله نقطة كل الخطوط المستقيمة المخرجة منها إليه متساوية، والمثلث شكل يحيط به ثلاثة خطوط وثلاث زوايا، والمربع شكل يحيط به أربعة خطوط وله أربع زوايا قائمات، وعلى هذا القياس والمثال سائر ما يتكلمون به في أشكال الهندسة من غير إشارة إلى جسم من الأجسام الطبيعية.
فصل في حقيقة الأبعاد في الهندسة العقلية
وأعلم بأن كثيراً من المهندسين والناظرين في العلوم يظنون أن لهذه الأبعاد الثلاثة، أعني الطول والعرض والعمق، وجوداً بذاتها وقوامها، ولا يدرون أن ذلك الوجود إنما هو في جوهر الجسم أوفي جوهر النفس، وهي لها كالهيولي وهي فيها كالصورة إذا انتزعتها القوة المفكرة من المحسوسات.
ولوعلموا أن الغرض الأقصى من النظر فيالعلوم الرياضية إنما هوأن ترتاض أنفس المتعلمين بأن يأخذوا صور المحسوسات من طريق القوى الحساسة وتصورها في ذاتها بالقوة المفكرة، حتى إذا غابت المحسوسات عن مشاهدة الحواس لها، بقيت تلك الرسوم التي أدتها القوى الحساسة إلى القوة المتخيلة، والمتخيلة إلى القوة المفكرة، والمفكرة أدت إلى القوة الحافظة، مصورة في جوهر النفس، فاستغنت عند ذلك النفس عن استخدامها القوى الحساسة في إدراك المعلومات عند نظرها إلى ذاتها، ووجدت صور المعلومات كلها في جوهرها، فعند ذلك استغنت عن الجسد، وزهدت في السكون معه، وانتبهت من نوم الغفلة، واستيقظت من رقدة الجهالة، ونهضت بقوتها واستقلت بذاتها، وفارقت الأجسام وخرجت من بحر الهيولى ونجت من أسر الطبيعة، وأعتقت من عبودية الشهوات الجسمانية، وتخلصت من حرقة الاشتياق إلى اللذات الجرمانية؛ وشاهدت عالم الأرواح، وارتقت إلى هناك حيث قال:" إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه" أراد به النفس الزكية، وجوزيت بأحسن الجزاء، وهذا هوالغرض الأقصى من النظر في العلوم الرياضية التي كانوا يخرجون بها أولاد الحكماء وتلامذة القدماء. هكذا مذهب إخواننا الكرام، وفقك الله وإيانا سبيل الرشاد إنه الرؤوف بالعباد.
فصل في خواص الأشكال الهندسية
أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن للأشكال الهندسية خواص، ولمجموعها خواص أيضاً، وقد بينا في رسالة الأرثماطيقي طرفاً من خواص العدد، فنريد أن نذكر في هذا الفصل طرفاً من خواص الأشكال الهندسية، ليكون تنبيهاً للناظرين في هذين العلمين على الغرض منهما، ويكون أيضاً إرشاداً لطالبي خواص الأشياء وكيفية المسلك فيها.
ونبدأ أولاً بذكر المثلثات، إذ كانت هي أول الأشكال الهندسية، كما بينا في رسالة جومطريا، فنقول: إن الشكل المثلث هوالذي له ثلاثة أضلاع وثلاث زوايا، وهوسبعة أنواع: أولها المتساوي الأضلاع الحاد الزوايا مثل هذا: والثاني الحاد الزوايا المتساوي الضلعين مثل هذا: والثالث الحاد الزوايا المختلف الأضلاع كهذا: والرابع المتساوي الضلعين القائم الزاوية مثل هذا: والخامس القائم الزاوية المختلف الأضلاع مثل هذا: والسادس المنفرج الزاوية المتساوي الضلعين هكذا: والسابع المنفرج الزاوية المختلف الأضلاع مثل هذا: فصل في بيان تلك الخواص وأعلم يا أخي بأن لكل واحد من هذه المثلثات خاصية ليست للآخر، فقد تبين ذلك في كتاب أوقليدس في المقالة الأولى ببراهينها، ولكن نذكر منها الخاصية التي تشتمل على سبعتها كلها. وذلك أن من خاصية كل شكل مثلث أي مثلث كان، أنه لا بد من أن يكون فيه زاويتان حادتان، فأما الزاوية الثالثة فيمكن أن تكون حادة أوقائمة أومنفرجة.
ومن خاصيتها أيضاً أن ثلاث زوايا كل مثلث مجموعها مساولزاويتين قائمتين، ومن خاصيتها أيضاً أن الضلع الأطول من كل مثلث بوتر الزاوية العظمى، ومن خاصيتها أن كل ضلعين مجموعين من كل مثلث أطول من الضلع الثالث، ومن خاصيتها أيضاً أنه إذا أخرج ضلع من أضلاعه، أي ضلع كان على استقامته، فإنه يحدث زاوية خارجة من المثلث، وتكون هي أكبر من كل زاوية تقابلها، ويكون مساوياً للداخلتين المقابلتين لها.
ومن خاصيتها أيضاً أن ضرب مسقط الحجر من كل مثلث في نصف قاعدتها هومساحة ذلك المثلث.
وأما خاصية المثلث القائم الزاوية فهي أن مربع وتر الزاوية القائمة مساوللمربعين الكائنين من الضلعين.
ومن خاصية المثل الحاد الزاوية أن مربع الوتر أقل من مربع الضلعين الباقيين بمقدار مربع الضلع الذي وقع عليه العمود فيما بين مسقط العمود والزاوية مرتين.
ومن خاصية المثلث المنفرج الزاوية أن مربع الوتر أكثر من مربع الضلعين بمقدار مربع أحد الضلعين فيما هوخارج منه إلى مسقط العمود مرتين مثل هذا: وأما الشكل المربع فهو الذي له أربعة أضلاع وأربع زوايا، وهوخمسة أنواع أولها المتساوي الأضلاع القائم الزوايا مثل هذا: والثاني المستطيل القائم الزوايا، المتساوي كل ضلعين متقابلين مثل هذا: الثالث المعين وهوالمتساوي الأضلاع المختلف الزوايا مثل هذا: والرابع الشبيه بالمعين وهوالمتساوي كل ضلعين متقابلين مثل هذا: والخامس المختلف الأضلاع والزوايا مثل هذا: وأعلم يا أخي بأن لكل واحد من هذه الأشكال خواص يطول شرحها، ولكن نذكر الخاصية التي تشملها كلها وهي أن كل مربع- أي مربع كان- فإن زواياه الأربع مجموعة تكون مساوية لأربع زوايا قائمة، وإن كل مربع يمكن أن ينقسم بمثلثين، وإن زيد عليه مثلث آخر صار منها شكل مجسم. وأما الشكل المخمس فهو الذي يحيط به خمسة أضلاع، وله خمس زوايا، وهوأول الأشكال الكثيرة الزوايا المتساوي الأضلاع، وإنه يمكن أن يحيط بكل واحد منها دائرة، ويمكن أن يحيط هوأيضاً بدائرة، وأن كل شكل منها الذي هوأكثر زوايا، فهو أكثر وأوسع مساحة من الذي هوأقل منه، إذا كان المحيط بها مقداراً واحداً؛ وإن ضرب عمود واحد من تلك المثلثات في نصف قواعدها، فهو مساحة ذلك الشكل الكثير الزوايا.
ومن خاصية المسدس المتساوي الأضلاع أن كل ضلع من أضلاعه مساولنصف قطر الدائرة التي تحيط به. وبالجملة ما من شكل إلا وله خاصية أوعدة خواص تركنا ذكرها مخافة التطويل، فأما خواص الشكل المستدير فقد أفرد ها أوقليدس مقالة من كتابه، ولكن نذكر منها طرفاً فنقول: إن الشكل المستدير هوسطح يحيط به خط واحد، وإن مركزه في وسطه، وإن أقطاره كلها متساوية، وإنه أوسع من كل شكل كثير الزوايا إذا كان الذي يحيط به سطحاً واحداً، وهويشارك الدائرة في خواصها، ونسبته من سائر الأجسام كنسبة الدائرة من سائر السطوح. وقد تبين خواص هذا الشكل في المقالة الأخيرة من كتاب أوقليدس بشرح وبراهين.
وبالجملة إنك لوتأملت يا أخي غرض أوقليدس من البيان وعلم ما في سائر كتب الهندسة، لوجدت كلها إنما هوالبحث عن خواص المقادير ومعرفة حقائقها التي هي الخطوط والسطوح والأجسام وما يعرض فيها من الأبعاد والزوايا والمناسبات التي بين بعضها وبعض.
وإذ قد بينا طرفاً من خواص الأشكال في هذه الرسالة، وقبلها طرفاً من خواص العدد في رسالة الأرثماطيقي، فنزيد أن نذكر طرفاً من خواص مجموعهما، وذلك إنه إذا جمع بين بعض الأعداد وبين بعض الأشكال الهندسية ظهر منها خواص أخر لا يتبين في كل واحد منهما بمجردة، مثال ذلك إذا كتب التسعة الأعداد في الشكل المتسع على هذه الصورة فإن خاصيته في الشكل المتسع إنه كيفما عد كانت الجملة خمسة عشر مثل هذا: 672 159 834 وهكذا الستة عشر إذا كتب في الشكل ذي الستة عشر بيتاً على هذه الصورة فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة أربعة وثلاثين مثل هذا: 115144 12679 810115 133216 وهكذا الخمسة والعشرون إذا كتب في الشكل ذي الخمسة والعشرين بيتاً على هذه الصورة فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة خمسة وستين مثل هذا: 25124321 81961715 162132410 11920718 52322141 وهكذا الستة والثلاثون إذا كتب في الشكل ذي الستة والثلاثين بيتاً على هذه الصورة فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة مئة وأحد عشر مثل هذا: 18235322211 20133071625 343635627 3433213110 15262981914 21129281724 وهكذا التسعة والأربعون إذا كتب في الشكل ذي التسعة والأربعين بيتاً على هذه الصورة فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة مئة وخمسة وسبعين مثل هذا: 49 456 981 147 46 35 16 17 203 74 48 322 821 261 82 73 123 252 719 43 121 424 292 236 38 101 334 3330 1540 35 444 142 391 وهكذا الأربعة والستون إذا كتب في الشكل ذي الأربعة والستين بيتاً على هذه الصورة فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة مئتين وستين وهذه صورتها: 45 362 9201 346 152 19 303 54651 62314 443 728211 256053 2227 38435 459611 4239 262310 75855 242 54041 565789 4734 311815 26350 1732 334849 64116 وهكذا الأحد والثمانون إذا كتب في الشكل ذي الأحد والثمانين بيتاً على هذه الصورة فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة ثلاثمئة وتسعة وستين وهذه صورتها:؛ 801719181 27646578 227440398 64947525 573373441 55064546 605337726 17484334 3121441317 2715669 2615347966 11314229 5935772467 3693032 587553281 35723854 421205581 6362612 وإما منافعها والفائدة منها، فقد ذكرنا في رسالة الطلسمات والعزائم؛ طرفاً منها ولكن نذكر منها في هذا الفصل مثالاً واحداً ليكون دلالة على صدق ما قلنا. فنقول: إن من خاصية هذا الشكل المتسع ومنفعته تسهيل الولادة إذا كتب على خزفين لم يصبهما الماء وعلقتهما على المرأة التي ضربها الطلق؛ وإن اتفق أن يكون القمر في التاسع ومتصلاً برب التاسع سهل الولادة، أوبرب بيته من التاسع وما شاكل ذلك من المتسعات.
حجد أهط وزب وعلى هذا الطريق سلك أصحاب الطلسمات في نصبها، وذلك أنه ما من شيء من الموجودات الرياضية والطبيعية إلا وله خاصية ليست لشيء آخر، ولمجموعاتها خواص ليست لمفرداتها من الأعداد والأشكال والصور والمكان والزمان والعقاقير والطعوم والأوان والروائح والأصوات والكلمات والأفعال والحروف والحركات؛ فإذا جمعت بينها على النسب التأليفية، ظهرت خواصها وأفعالها. والدليل على صحة ما قلنا أفعال الترياقات والمراهم والشر بات، وألحان الموسيقى وتأثيراتها في الأجساد والنفوس جميعاً مما لا خفاء به عن كل ذي لب حكيم فيلسوف كما بينا طرفاً من ذلك في رسالة الموسيقى.
فصل في ثمرة هذا الفن
وأعلم بأن النظر في علم الهندسة الحسية يعين على الحذق في الصنائع؛ والنظر في الهندسة العقلية، ومعرفة خواص العدد والأشكال، يعين على فهم كيفية تأثيرات الأشخاص الفلكية وأصوات الموسيقى في نفوس المستمعين؛ والنظر في كيفيات تأثيرات الحس في منفعلاتها يعين على فهم كيفية تأثيرات النفوس المفارقة؛ في النفوس المتجسدة في عالم الكون والفساد.
وفي علم الهندسة العقلية للناظرين طريق إلى الوصول إلى معرفتها بعون الله وهدايته.
تمت رسالة الجومطريا ويتلوها رسالة في مدخل علم النجوم وهي الثالثة من القسم الأول من الأربعة الأقسام.
الرسالة الثالثة من القسم الرياضي الموسومة بالأسطرنوميا
في علم النجوم وتركيب الأفلاك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. الله خير أما يشركون. أعلم أيها الأخ البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- أنا قد فرغنا من رسالة المدخل إلى علم الهندسة، وبينا فيها الهندسة الحسية والعقلية، واستوفينا الكلام في الخطوط والأشكال والزوايا التي لا بد للمهندسين أن يعرفوها.
إن علم النجوم ينقسم ثلاثة أقسام: قسم منها هومعرفة تركيب الأفلاك وكمية الكوكب، وأقسام البروج وأبعادها وعظمها وحركاتها، وما يتبعها من هذا الفن، ويسمى هذا القسم" علم الهيئة" ومنها قسم هومعرفة حل الزيجات؛ وعمل التقاويم واستخراج التواريخ، وما شاكل ذلك. ومنها قسم هومعرفة كيفية الاستدلال بدوران الفلك وطوالع البروج وحركات الكواكب على الكائنات قبل كونها تحت فلك القمر، ويسمى هذا النوع" علم الأحكام" فنزيد أن نذكر في هذه الرسالة من كل نوع طرفاً شبه المدخل كما يسهل الطريق على المتعلمين ويقرب تناوله للمبتدئين، فنقول: أصل علم النجوم هومعرفة ثلاثة أشياء، وهي الكوكب والأفلاك والبروج. فالكواكب أجسام كريات مستديرات مضيئات، وهي ألف وتسعة وعشرون كوكباً كباراً؛ التي أدركت بالرصد منها سبعة يقال لها السيارة، وهي زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر؛ والباقية يقال لها ثابتة، ولكل كوكب من السبعة السيارة فلك يخصه. والأفلاك هي أجسام كريات مشفات مجوفات، وهي تسعة أفلاك مركبة بعضها في جوف بعض كحلقة البصلة، فأدناها إلينا فلك القمر وهومحيط بالهواء من جميع الجهات، كإحاطة قشرة اليبضة ببياضها، والأرض في جوف الهواء كالمح؛ في بياضها، ومن وراء فلك القمر فلك عطارد،ومن وراء فلك عطارد فلك الزهرة، ومن وراء فلك الزهرة فلك الشمس، ومن وراء فلك الشمس فلك المريخ، ومن وراء فلك المريخ فلك المشتري، ومن وراء فلك المشتري فلك زحل، ومن وراء فلك زحل فلك الكوكب الثابتة، ومن وراء فلك الكواكب الثابتة فلك المحيط، ومثال ذلك الرسم في أول الصفحة التالية.
وذلك أن الفلك المحيط دائم الدوران كالدولاب يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض؛ ومن المغرب إلى المشرق تحت الأرض، في كل يوم وليلة دورة واحدة، ويدير سائر الأفلاك والكوكب معه، كما قال الله عز وجل" وكل في فلك يسبحون". وهذا الفلك المحيط مقسوم باثني عشر قسماً كجزر؛ البطيخة؛ كل قسم منها يسمى برجاً، وهذه أسماؤها: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلووالحوت. فكل برج ثلاثون درجة، جملتها ثلاثمائة وستون درجة، وكل درجة ستون جزءاً، كل جزء يسمى دقيقة، جملتها أحد وعشرون ألفاً وستمائة دقيقة، وكل دقيقة ستون جزءاً يسمى ثانية، وكل ثانية ستون جزءاً يسمى ثالثة، وهكذا إلى الروابع والخوامس وما زاد، بالغاً ما بلغ، مثال ذلك الرسم في الصفحة التالية: وهذه البروج توصف بأوصاف شتى من جهات عدة. وقبل وصفها نحتاج أن نذكر أشياء لا بد من ذكرها، منها أن الزمان أربعة أقسام وهي: الربيع والصيف والخريف والشتاء؛ والجهات أربع وهي المشرق والمغرب والجنوب والشمال؛ والأركان أربعة وهي النار والهواء والماء والأرض؛ والطبائع أربع وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة؛ والأخلاط أربع وهي الصفراء والسوداء والبلغم والدم؛ والرياح أربع وهي الصبا والدبور والجربياء والتيماء
فصل في ذكر صفة البروج
فنقول: منها ستة شمالية، وستة جنوبية، وستة مستقيمة الطلوع، وستة معوجة الطلوع، وستة ذكور، وستة إناث، وستة نهارية، وستة ليلية، وستة فوق الأرض، وستة تحت الأرض، وستة تطلع بالنهار، وستة تطلع بالليل، وستة صاعدة، وستة هابطة، وستة يمنة، وستة يسرة، وستة من حيز الشمس، وستة من حيز القمر.
تفصيلها: أما الستة الشمالية، فهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة. وإذا كانت الشمس في واحد منها يكون الليل أقصر، والنهار أطول، وأما الستة الجنوبية فهي الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلووالحوت. وإذا كانت الشمس في واحد منها، يكون الليل أطول والنهار أقصر. وأما المستقيمة الطلوع فهي السرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس. وكل واحد منها يطلع في أكثر من ساعتين. وإذا كانت الشمس في واحد منها، تكون هابطة من الشمال إلى الجنوب، ومن الأوج إلى الحضيض، والليل آخذ من النهار. وأما المعوجة الطلوع فهي الجدي والدلووالحوت والحمل والثور والجوزاء، وكل واحد منها يطلع في أقل من ساعتين. وإذا كانت الشمس في واحد منها، تكون صاعدة من الجنوب إلى الشمال، ومن الحضيض إلى الأوج، والنهار آخذ من الليل.
وأما الستة الذكور النهارية، فهي الحمل والجوزاء والأسد والميزان والقوس والدلو.وأما الستة الإناث الليلية، فهي الثور والسرطان والسنبلة والعقرب والجدي والحوت.وأما الستة التي تطلع بالنهار، فهي من البرج الذي فيه الشمس إلى البرج السابع منها. والستة التي تطلع بالليل، هي من البرج السابع إلى البرج الذي فيه الشمس. وأما الستة التي من حيز الشمس فهي من برج الأسد إلى برج الجدي. والستة التي من حيز القمر هي من برج الدلوإلى برج السرطان. ومن وجه آخر هذه البروج تنقسم أربعة أقسام منها ثلاثة ربيعية صاعدة في الشمال، زائدة النهار على الليل، وهي الحمل والثور والجوزاء، وثلاثة صيفية هابطة في الشمال، آخذة الليل من النهار، وهي السرطان والأسد والسنبلة. منها ثلاثة خريفية هابطة في الجنوب، زائدة الليل على النهار، وهي الميزان والعقرب والقوس. ومنها ثلاثة شتوية صاعدة من الجنوب، آخذة النهار من الليل، وهي الجدي والدلووالحوت.
وتنقسم هذه البروج من جهة أخرى أربعة أقسام: ثلاثة منها مثلثات ناريات حارات يابسات شرقيات على طبيعة واحدة وهي: الحمل والأسد والقوس، وثلاثة منها مثلثات ترابيات باردات يابسات جنوبيات على طبيعة واحدة وهي: الثور والسنبلة والجدي، وثلاثة منها مثلثات هوائيات حارات رطبات غربيات على طبيعة واحدة وهي: الجوزاء والميزان والدلو. ومنها مثلثات مائيات باردات رطبات شماليات على طبيعة واحدة وهي: السرطان والعقرب والحوت. وكذلك من جهة أخرى تنقسم هذه البروج ثلاثة أثلاث: أربعة منها منقلبة الزمان، وهي الحمل والسرطان والميزان والجدي، وأربعة منها ثابتة الزمان، وهي الثور والأسد والعقرب والدلو، وأربعة منها ذوات الجسدين، وهي الجوزاء والسنبلة والقوس والحوت.
فقد بان بهذا الوصف في هذا الشكل أن لوكانت البروج أكثر من اثني عشر، أوأقل من ذلك، لما استمرا فيه هذه الأقسام على هذا الوجه الذي ذكرنا. فإذاً بواجب الحكمة كانت اثني عشر، لأن الباري- جل ثناؤه- لا يفعل إلا ألاحكم والأتقن. ومن أجل هذا جعل الأفلاك كريات الشكل، لأن هذا الشكل أفضل الأشكال، وذلك أنه أوسعها وأبعدها من الآفات، وأسرعها حركة، ومركزه في وسطه، وأقطاره متساوية، ويحيط به سطح واحد، ولا يماس غيره إلا على نقطة، ولا يوجد في شكل غيره هذه الأوصاف، وجعل أيضاً حركته مستديرة، لأنها أفضل الحركات. وهذه البروج الاثنا عشر تنقسم بين هذه الكواكب السبعة السارة من عدة وجوه، ولها فيها أقسام وخطوط من وجوه شتى: فمنها البيت والبال، ومنها الأوج والحضيض، ومنها الشرف والهبوط، ومنها الجوزهر، يعني الرأس والذنب، ومنها ربوبية المثلثات، ومنها ربوبية الوجوه، ومنها ربوبية الحدود، ومنها ربوبية النوبهرات، ومنها ربوبية ألا ثنى عشريات، ومنها ربوبية مواضع السهام، وغير ذلك، وإن هذه الكواكب السيارة كالأرواح، والبروج لها كالأجساد.
فصل في ذكر البيوت والوبال
فنقول: أعلم أن السد بيت الشمس، والسرطان بيت القمر، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والثور والميزان بيتا الزهرة، والحمل والعقرب بيتا المريخ، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلوبيتا زحل. ولكل واحد من هذه الكواكب الخمسة بيت من حيز الشمس وبيت من حيز القمر. ووبال كل كوكب في مقابله بيته. وهذه الكواكب لبعضها في بيوت بعض مواضع مخصوصة، فمنها الشرف والهبوط، ومنها الأوج والحضيض، ومنها الجوز هر، مثال ذلك:
تفسير ذلك: فأما الشرف فهو أعز موضع للكواكب في الفلك، والهبوط ضده، والأوج أعلى موضع للكواكب في الفلك، والحضيض ضده. فشرف الشمس في الحمل وهوبيت المريخ وأوجها في الجوزاء بيت عطارد، وشرف زحل في الميزان بيت الزهرة، وأوجه في القوس بيت المشتري، وجوزهره في السرطان بيت القمر. ومعنى الجوزهر تقاطع طريق الكواكب لطريق الشمس بممرها في البروج في موضعين أحدهما يسمى رأس الجوزهر والآخر ذنب الجوزهر، وذلك أن زحل إذا سار في البروج، يكون مسيره في ستة أبراج عن يمنة طريق الشمس، ثم يعبر إلى الجانب الآخر ويسير ستة أبراج عن يسرة طريق الشمس، فيحدث لطريقها تقاطع في موضعين أحدهما يسمى الرأس والآخر الذنب، ولكل كوكب من الخمسة السيارة جوزهر مثل ما لزحل مذكور ذلك في الزيجات. وأما المذكور في التقاويم فهو الذي للقمر. ويقال لهما أيضاً العقدتان وإنما اختص ذكرهما في التقاويم لأنهما ينتقلان في البروج والدرج ولهما سير كسير الكواكب، ولهما دلالة كدلالة الكوكب.
وإذا اجتمع الشمس والقمر في وقت من الأوقات عند أحدهما في برج واحد ودرجة واحدة، انكسفت الشمس، ولا يكون ذلك إلا في آخر الشهر، لأن القمر يصير محاذياً لموضع الشمس من البرج والدرجة، فيمنع نور الشمس عن أبصارنا فنراها منكسفة مثل ما تمنع قطعة غيم عن أبصارنا نور الشمس، إذا مرت محاذية لأبصارنا ولعين الشمس. وإذا كانت الشمس عند أحدهما وبلغ القمر إلى الآخر انكسف القمر، ولا يكون كسوف القمر إلا في نصف الشهر، لأن القمر في نصف الشهر يكون في البرج المقابل للبرج الذي فيه الشمس، وتكون الأرض في الوسط فتمنع نور الشمس عن إشراقه على القمر، فيرى القمر منكسفاً، لأنه ليس له نور من نفسه، وإنما يكتسي النور من الشمس، وشرف المشتري في السرطان، وأوجه في السنبلة، ورأس جوزهره في الجوزاء، وشرف المريخ في الجدي، واوجه في الأسد، وجوزهره في الحمل، وشرف الزهرة في الحوت، واوجها في الجوزاء، ورأس جوزهرها في الثور، وشرف عطارد في السنبلة، وأوجه في الميزان، وجوزهره في الحمل، وشرف القمر في الثور، وأوجه في البروج، متحرك يعرف موضعه ذلك من التقويم والزيج؛ وجملته إذا قارن الشمس فهو عند الأوج، أوقابلها فهو عند الأوج. وفي مقابلة شرف كل كوكب هبوطه من البرج السابع مثله، وفي مقابلة الأوج الحضيض مثل ذلك، وفي مقابلة شرف رأس الجوزهر موضع الذنب من البرج السابع مثله.
فصل في ذكر أرباب المثلثات والوجوه والحدود
أعلم أن هذه الكواكب السيارة لبعضها في بيوت بعض شركة تسمى" ربوبية المثلثات" ولها فيها أقسام تسمى" الوجوه" ولها فيها خطوط تسمى" الحدود". تفصيل ذلك أن كل ثلاثة أبراج على طبيعة واحدة تسمى المثلثات كما بين من قبل ذلك، وتديرها ثلاثة كواكب تسمى أرباب المثلثات يستدل بها على أثلاث أعمار المواليد. فأرباب المثلثات الناريات بالنهار الشمس ثم المشتري، وبالليل المشتري ثم الشمس، وشريكهما بالليل والنهار زحل؛ وأرباب المثلثات الترابيات بالنهار الزهرة ثم القمر، وبالليل القمر ثم الزهرة، وشريكهما بالليل والنهار المريخ؛ وأرباب المثلثات الهوائيات بالنهار زحل ثم عطارد، وبالليل عطارد ثم زحل؛ وشريكهما بالليل والنهار المشتري؛ وأرباب المثلثات المائيات بالنهار الزهرة ثم المريخ، وبالليل المريخ ثم الزهرة، وشريكهما بالليل والنهار القمر.
أن كل برج من هذه الأبراج ينقسم ثلاثة أثلاث، كل ثلث عشر درجات يسمى وجهاً، منسوباً ذلك إلى كوكب من السيارة يقال له" رب الوجه" يستدل به على صورة المولود، وعلى ظواهر الأمور. تفصيل ذلك العشر درجات الأولى من برج الحمل وجه المريخ، وعشر درجات الثانية وجه الشمس، وعشر درجات الأخيرة وجه الزهرة؛ وعشر درجات من الثور وجه عطارد، والعشر الثانية وجه القمر، والعشر الأخيرة وجه زحل؛ وعشر درجات من الجوزاء وجه المشتري، والعشر الثانية وجه المريخ، والعشر الأخيرة وجه الشمس؛ وعلى هذه القياس إلى آخر الحوت كل عشر درجات وجه لكوكب واحد على توالي أفلاكها كما بينا. فأما ذكر الحدود وأربابها فإن كل برج من هذه الأبراج ينقسم بخمسة أقسام مختلفة الدرج، أقل جزء منها درجتان، وأكثرها اثنتا عشرة درجة، كل جزء منها يسمى حداً، منسوباً ذلك الحد إلى كوكب من الخمسة السيارة يقال له" رب الحد" يستدل به على أخلاق المولود. وليس للشمس ولا للقمر فيها نصيب، وقد صورنا لحسابه دائرة فيها مكتوب حرفان: الحرف الأول من اسم صاحب الحد، والثاني كمية درج الحد؛ وكذلك حساب الوجوه حرفان: اسم صاحب الوجه حرف، والثاني كمية درج الوجه، وهذه أسماؤها: كيوان؛ " ك" مشتري" م" بهرام؛" ب" شمس" ش" قمر" ق" زهرة" ز" عطارد" ع".
فأما الأوسع من الدائرة فهو حساب الحدود حرفان حرفان، والدائرة الوسطى حساب الوجوه.
فصل في ذكر الكواكب السيارة
فنقول: اثنان منها نيران وهما الشمس والقمر، واثنان منها سعدان وهما المشتري والزهرة، واثنان منها نحسان وهما زحل والمريخ، وواحد ممتزج وهوعطارد، وعقدتان وهما الرأس والذنب.
ذكر طبائعها:" الشمس" ذكر حار ناري نهاري سعد." زحل" بارد يابس ذكر نهاري نحس." المشتري" حار رطب ذكر نهاري سعد." المريخ" حار يابس أثنى ليلي نحس." الزهرة" باردة رطبة مؤنثة ليلية سعد." عطارد" لطيف ممتزج سعد." القمر" بارد رطب أنثى ليلي سعد أسود.
" الرأس" مثل المشتري." الذنب" مثل زحل.
ذكر أنوارها: نور الشمس خمس عشرة درجة أمامها، ومثل ذلك خلفها. نور زحل والمشتري كل واحد تسع درجات قدامه، ومثل ذلك خلفه. نور المريخ ثماني درجات أمامه، ومثل ذلك خلفه. نور الزهرة وعطارد كل واحد سبع درجات أمامه، ومثل ذلك خلفه. نور القمر اثنتا عشرة درجة قدامه، ومثل ذلك خلفه.
ذكر ما لها من الأيام والليالي: أعلم أن الليل والنهار وساعاتهما مقسومة بين الكواكب السيارة، فأول ساعة من يوم الأحد، ومن ليلة الخميس للشمس؛ وأول ساعة من يوم الاثنين، ومن ليلة الجمعة للقمر؛ وأول ساعة من يوم الثلاثاء، ومن ليلة السبت للمريخ؛ وأول ساعة من الأربعاء، وليلة الأحد لعطارد؛ وأول ساعة من يوم الخميس وليلة الاثنين للمشتري، وأول ساعة من يوم الجمعة وليلة الثلاثاء للزهرة؛ وأول ساعة من يوم السبت وليلة الأربعاء لزحل. فأما سائر ساعات الليل والنهار فمقسومة بين هذه الكواكب على توالي أفلاكها، مثال ذلك أن الساعة الثانية من يوم الأحد للزهرة التي فلكها دون فلك الشمس؛ والساعة الثالثة لعطارد الذي فلكه دون فلك الزهرة؛ والساعة الرابعة للقمر الذي فلكه دون فلك عطارد؛ والساعة الخامسة لزحل، والساعة السادسة للمشتري، والساعة السابعة للمريخ، والساعة الثامنة للشمس، والتاسعة للزهرة، والعاشرة لعطارد، والحادية عشرة للقمر، والثانية عشرة لزحل؛ وعلى هذا الحساب سائر ساعات الأيام والليالي يبتدئ من رب الساعة الأولى على توالي أفلاكها كما بينا.
ذكر ما للكواكب من الأعداد إن هذه الكواكب السيارة لكل واحد منها دلالة على أعداد معلومة من السنن والشهور والأيام والساعات يستدل بها على كمية أعمار المواليد، وعلى طول بقاء الكائنات في عالم الكون والفساد، فمنها: زحل المشتري المريخ الشمس الزهرة عطارد القمر العظمى165 429 264 141 1151 486 525 الكبرى51 عط سو قط قب عو مح الوسطى 43 مه ب م بط مب مح لط الصغرى ح يب يه يب ح ك كه العداداتك يب ل ي ح صح ك الرأسحالذنب ب الجميع عه
ذكر دوران الفلك وقسمة أرباعه
الفلك المحيط دائم الدوران كالدولاب يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض، ومن المغرب إلى المشرق تحت الأرض، فيكون في دائم الأوقات نصف الفلك ستة أبراج مائة وثمانين درجة فوق الأرض ويسمى يمنة، والنصف الآخر ستة أبراج مائة وثمانين درجة تحت الأرض يسمى يسرة. وكلما طلعت درجة من أفق المشرق غابت نظيراتها في أفق المغرب من البرج السابع منه، فيكون في دائم الأوقات ستة أبراج طلوعها بالنهار، وستة طلوعها بالليل، ويكون في دائم الأوقات درجة في أفق المشرق، وأخرى نظيرتها في أفق المغرب، ودرجة أخرى في كبد السماء، وتسمى وتد العاشر، وأخرى نظيرتها منحطة تحت الأرض تسمى وتد الرابع؛ فيكون الفلك في دائم الأوقات منقسماً بأربعة أرباع، كل ربع منها تسعون درجة؛ فمن أفق المشرق إلى وتد السماء إلى وتد المغرب تسعون درجة يقال لها الربع الجنوبي الهابط؛ ومن وتد المغرب إلى وتد الأرض تسعون درجة يقال لها الربع الغربي الهابط في الظلمة؛ ومن وتد الأرض إلى وتد المشرق تسعون درجة يقال لها الربع الشمالي الصاعد.
ذكر دوران الشمس في البروج وتغييرات أرباع السنة الشمس تدور في البروج الاثني عشر في كل ثلثمائة وخمسة وشتين يوماً، وربع دورة واحدة تقيم في كل برج ثلاثين يوماً وكسراً، وفي كل درجة يوماً وليلة وكسراً. تكون بالنهار فوق الأرض وبالليل تحت الأرض، وتكون في الصيف في البروج الشمالية في الهواء، وتقرب من سمت رؤوسنا؛ وتكون في الشتاء في البروج الجنوبية، وتنحط في الهواء، وتبعد من سمت رؤوسنا.
وفي الأوج ترتفع في الفلك، وتبعد من الأرض، وفي الحضيض تنحط في الفلك، وتقترب من الأرض؛ والدائرة الآتية مثاله وصورته: ذكر نزول الشمس في أرباع الفلك وتغييرات الأزمان إذا نزلت الشمس أول دقيقة من برج الحمل استوى الليل والنهار واعتدل الزمان، وانصرف الشتاء ودخل الربيع، وطاب الهواء وهب النسيم، فذابت الثلوج وسالت الأدوية ومدت الأنهار ونبعت العيون، ونبت العشب وطال الزرع ونما الحشيش، وتلألأ الزهر وأوراق الشجر وتفتح النور، واخضر وجه الأرض، ونتجت البهائم، ودرت الضروع، وتكونت الحيوانات وانتشرت على وجه الأرض، وأخرجت الأرض زخرفها وأزينت، وفرح الناس واستبشروا، وصارت الدنيا كأنها جارية شابة تزينت وتجلت للناظرين.
ذكر دخول الصيف إذا بلغت الشمس آخر الجوزاء وأول السرطان تناهى طول النهار، وقصر الليل، وأخذ النهار في النقصان، وانصرف الربيع، ودخل الصيف، وأشتد الحر وحمي الهواء وهبت السموم، ونقصت المياه، ويبس العشب، واستحكم الحب، وأدرك الحصاد ونضجت الثمار وسمنت البهائم، واشتدت قوة الأبدان، وأخصبت الأرض، وكثر الريف؛ ودرت أخلاف النعم؛ وبطر الإنسان، وصارت الدنيا كأنها عروس غنية منعمة، وعناء؛ ذات جمال.
ذكر دخول الخريف وإذا بلغت الشمس آخر السنبلة وأول الميزان استوى الليل والنهار مرة أخرى، وأخذ الليل في الزيادة على النهار، وانصرف الصيف ودخل الخريف، وبرد الهواء وهبت ريح الشمال، وتغير الزمان، وجفت الأنهار وغارت العيون، وأصفر ورق الأشجار، وصرمت الثمار،؛ وديست البيادر وأحرز الحب، وفني العشب، وأغبر وجه الأرض، وهزلت البهائم، وماتت الهوام؛ وانحجزت الحشرات، وانصرف الطير والوحش يطلب البلدان الدفئة، وأخذ الناس يحرزون القوت للشتاء، وصارت الدنيا كأنها كهلة مدبرة قد تولت عنها أيام الشباب.
ذكر دخول الشتاء وإذا بلغت الشمس آخر القوس وأول الجدي تناهى طول النهار، وأخذ الليل في الزيادة، وانصرف الخريف، ودخل الشتاء، وأشتد البرد، وخشن الهواء، وتساقط ورق الأشجار، ومات أكثر النبات، وانحجرت هوام الحيوانات في باطن الأرض، وضعفت قوى الأبدان، وعري وجه الأرض من زينته، ونشأت الغيوم، وكثرت الأنداء، وأظلم الهواء، وكلح وجه الأرض، وهرم الزمان، ومنع الناس عن التصرف، وصارت الدنيا كأنها عجوز هرمة قد دنا منها الموت. وإذا بلغت الشمس آخر الحوت وأول الحمل عاد الزمان كما كان في العام الأول، وهذا دأبه، ذلك تقدير العزيز العليم.
ذكر دوران زحل في البروج وحالاته من الشمس
زحل يدور في البروج الاثني عشر في كل ثلاثين سنة بالتقريب دورة واحدة، يقيم في كل برج سنتين ونصفاً، وفي كل درجة شهراً، وفي كل دقيقة اثنتي عشرة ساعة. وتقابله الشمس في كل سنة مرة واحدة، إذا صارت الشمس في السابع منه، وتربعه مرتين: مرة يمنة ومرة يسرة، وتقارنه في كل سنة مرة، إذا صارت معه في برج واحد ودرجة واحدة، ثم تجاوزه الشمس ويظهر زحل بعد عشرين يوماً من المشرق بالغدوات قبل طلوع الشمس، ويسير زحل من وقت مفارقة الشمس إلى أن تقارنه مرة أخرى ثلثمائة وأحداً ثمانين يوماً، من ذلك مائة وثلاثة وعشرون يوماً مستقيماً مشرقاً، ومائة وأربعة وثلاثون يوماً راجعاً، ومائة وأربعة وعشرون يوماً مستقيماً مغرباً، وذلك دأبهما في كل سنة.
ذكر دوران المشتري في البروج وحالاته من الشمس المشتري يدور في البروج الاثني عشر في اثنتي عشرة سنة بالتقريب مرة واحدة يقيم في كل برج سنة، وفي كل درجتين ونصف شهراً، وفي كل خمس دقائق يوماً وليلة، وتقابله الشمس في كل مرة، إذا صارت معه في البرج السابع منه، وتربعه مرتين: مرة يمنى ومرة يسرى، وتقارنه في كل سنة مرة، إذا صارت معه في برج واحد ودرجة واحدة، ثم تجاوزه الشمس، ويظهر المشتري بعد عشرين يوماً من المشرق بالغدوات قبل طلوعها، ويسير المشتري من وقت مفارقتها إلى وقت مقارنتها دفعة أخرى ثلثمائة وتسعة وتسعين يوماً، من ذلك مائة وأربعة وأربعون يوماً مستقيماً مشرقاً، ومائة وأحد عشر يوماً راجعاً، ومائة وأربعة وأربعون يوماً مستقيماً مغرباً، وذلك دأبهما.
ذكر دوران المريخ في الفلك وحالاته من الشمس المريخ يدور في الفلك في مدة سنتين إلا شهراً واحداً بالتقريب، يقيم في كل برج خمسة وأربعين يوماً، يزيد وينقص، ويقيم في كل درجة مقدار يوم وبعض يوم، فإذا رجع في البرج أقام فيه ستة أشهر يزيد وينقص، وتقابله الشمس في هذه المدة مرة واحدة عند رجوعه من لبرج السابع، وتربعه مرتين: مرة يمنى ومرة يسرى، وتقارنه في هذه المدة مرة، إذا صارت معه في برج واحد ودرجة واحدة، ثم تجاوزه الشمس، ويسير المريخ تحت شعاع الشمس مقدار شهرين، ثم يظهر بالغداوات من المشرق قبل طلوع الشمس مقدار شهرين، ويسير المريخ من وقت مفارقة الشمس له إلى أن تقارنه مرة أخرى 858 يوماً من ذلك 325 يوماً مستقيماً مشرقاً و88 يوماً راجعاً، و455 يوماً مستقيماً مغرباً، وهذا دأبه، ذلك تقدير العزيز العليم.
ذكر دوران الزهرة في الفلك الزهرة تدور في البروج مثل دوران الشمس غير أنها تسرع السير تارة فتسبق الشمس وتصير قدامها، وتارة تبطئ في السير فترجع وتصير خلفها، فتقارنها مرة وهي راجعة، ومرة أخرى وهي مستقيمة، فإذا قارنتها وهي راجعة ظهرت بعد خمسة أيام طالعة من المشرق بالغداوات قبل طلوع الشمس، وترى ثمانية أشهر تطلع في أواخر الليل فيقال لها مشرقية، ثم تسرع في السير وتلحق بالشمس وتسير تحت شعاعها ثلاثة أشهر لا ترى، ثم تظهر بالعشيات في المغرب بعد غروب الشمس فترى ثمانية أشهر، ثم تغيب في أول الليل وتسمى مغربية، فمن وقت مقارنتها الشمس وهي مستقيمة، إلى أن تقارنها مرة أخرى يكون 478 يوماً، ومن ذلك تكون 45 يوماً راجعة والباقي مستقيمة، وأكثر ما تبعد عن الشمس 48 درجة قدامها، ومثل ذلك خلفها، وذلك دأبها.
ذكر دوران عطارد في الفلك وحالاته من الشمس حالات عطارد من الشمس مثل حالات الزهرة منها غير أن عطارد من وقت مفارقة الشمس وهومستقيم السير إلى أن يقارنها مرة أخرى على تلك الحل يكون 124 يوماً، ومن ذلك 22 يوماً راجعاً والباقي مستقيما. وأكثر ما يبعد من الشمس 27درجة قدامها، ومثل ذلك خلفها، ويرجع في كل سنة ثلاث مرات، ويحترق ست مرات، ويشرق ثلاث مرات، ويغرب ثلاث مرات، وذلك دأبه.
ذكر دوران القمر في الفلك وحالاته من الشمس
القمر يدور في البروج في كل سنة عربية اثنتي عشرة مرة، في كل شهر مرة، ويقيم في كل برج يومين وثلثاً، وفي كل منزل يوماً وليلة، وفي كل درجة ساعتين بالتقريب، ويقابل الشمس في كل شهر مرة، ويربعها مرتين، مرة يمنة ومرة يسرة، ويقارنها في كل شهر مرة، فلا يرى يومين، ثم يظهر في المغرب بعد مغيب الشمس، ويهل ثم يزيد في نوره كل ليلة نصف سبع، إلى أن يستكمل ويمتلئ من النور ليلة البدر الرابع عشر من كل شهر، ثم يأخذ في النقصان فينقص كل ليلة نصف السبع، إلى أن يمحق في آخر الشهر. وللقمر في البروج ثمان وعشرون منزلة، كما قال الله تعالى: " والقمر قدرناه منازلاً حتى عاد كالعرجون القديم". وفي كل ثلاثة أبراج منها سبع منازل، وفي كل برج منزلتان وثلث. وهذه أسماؤها: السرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع.
وهذه منازل الربيع: النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك. وهذه منازل الصيف: الغفر، الزبانيان، الإكليل، القلب، الشولة، انعائم، البلدة. وهذه منازل الخريف: سعد الذابح، يعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، الفرع المقدم، الفرع المؤخر، بطن الحوت. وهذه منازل الشتاء: " الحمل" بيت المريخ، وشرف الشمس، وهبوط زحل، ووبال الزهرة، وهوبرج ناري شرقي ذكر منقلب طبيعته المرة الصفراء، ربيعي؛ إذا نزلت الشمس أول دقيقة منه استوى الليل والنهار، وأخذ النهار يزيد، والليل ينقص، ثلاثة أشهر تسعين يوماً، وله ثلاثة أوجه وخمسة حدود.
" الثور" بيت الزهرة، وشرف القمر، ووبال المريخ، وهوبرج ترابي ليلي جنوبي ثابت، ربيعي، وطبيعته المرة السوداء، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" الجوزاء" بيت عطارد، وشرف الرأس، وهبوط الذنب، ووبال المشتري، وهوبرج هوائي ذكر، نهاري، غربي ربيعي دموي ذوجسدين، وفي آخره ينتهي طول النهار وقصر الليل، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" السرطان" بيت القمر، وشرف المشتري، وهبوط المريخ، ووبال زحل، وهوبرج مائي أنثى ليلي شمالي منقلب، صيفي بلغمي، وفي أوله يبتدئ الليل بالزيادة، والنهار في النقصان، تسعون يوماً، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" الأسد" بيت الشمس، وليس فيه شرف ولا هبوط، وهووبال زحل، وهوبرج ناري، ذكر نهاري شرقي ثابت صيفي، طبيعته مرة صفراء، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" السنبلة" بيت عطارد وشرفه، وهبوط الزهرة، ووبال المشتري، وهوبرج ترابي ليلي أنثى جنوبي صيفي ذوجسدين طبيعته السوداء، وفي آخره يستوي الليل والنهار مرة، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" الميزان" بيت الزهرة وشرف زحل، وهبوط الشمس، ووبال المريخ، وهوبرج ذكر هوائي نهاري غربي منقلب خريفي دموي، وفي أوله يبتدئ الليل بالزيادة على النهار ثلاثة أشهر، تسعون يوماً، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" العقرب" بيت المريخ وهبوط القمر ووبال الزهرة، وهوبرج مائي ليلي أنثى خريفي شمالي بلغمي، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" القوس" بيت المشتري وشرف الذنب، وهبوط الرأس، ووبال عطارد وهوبرج ناري ذكر نهاري ذوجسدين خريفي طبيعته المرة الصفراء، وفي آخره ينتهي طول الليل وقصر النهار، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" الجدي" بيت زحل وشرف المريخ وهبوط المشتري ووبال القمر، وهوبرج ترابي ليلي منقلب طبيعته السوداء، شتوي جنوبي، وفي أوله يأخذ النهار في الزيادة، والليل في النقصان، ثلاثة أشهر، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" الدلو" بيت زحل وليس فيه شرف ولا هبوط بل هووبال الشمس، وهوبرج هوائي ذكر ناري غربي ثابت شتوي دموي، وله ثلاثة وجوه وخمسة حدود.
" الحوت" بيت المشتري وشرف الزهرة وهبوط عطارد ووباله، وهوبرج مائي أنثي ليلي شمالي بلغمي، وفي آخره يسوي الليل والنهار، ثم تنزل الشمس أول الحمل، ويستأنف الزمان مثل ما كان في العام الأول؛ ذلك تقدير العزيز العليم.
فصل في قران الكواكب
وهذه الكواكب السيارة تسير في هذه البروج الاثني عشر بحركاتها المختلفة كما بينا، فربما اجتمع منها اثنان في برج واحد، وثلاثة أوأربعة أوخمسة أوستة أوكلها، وإذا اجتمع مها اثنان في درجة واحدة من البرج يقال إنهما مقترنان. وأما في أكثر الأوقات فإنها تكون متفرقة في البروج، فيعرف مواضعها في البروج والدرج كيف كانت متفرقة أومجتمعة من التقويم أوالزيج.
ذكر البيوت الاثني عشر
إذا ولد مولود أوحدث أمر من الأمور، فلا بد من أن تكون في تلك اللحظة درجة طالعة من أفق المشرق. فمن تلك الدرجة إلى تمام ثلاثين درجة فما يتلوها، يسمى طالع بيت الحياة، سواء كانت تلك الدرج من برج واحد أومن برجين؛ ومن تمام ثلاثين درجة إلى تمام ستين درجة يسمى الثاني بيت المال؛ وإلى تمام تسعين درجة يسمى الثالث بيت الإخوة؛ وإلى تمام مائة وعشرين درجة يسمى الرابع بيت الآباء؛ وإلى تمام مائة وخمسين درجة يسمى الخامس بيت الأولاد؛ وإلى تمام مائة وثمانين درجة يسمى السادس بيت الأمراض؛ وإلى تمام مائتين وعشر درجات يسمى السابع بيت الأزواج؛ وإلى تمام مائتين وأربعين درجة يسمى الثامن بيت الموت؛ وإلى مائتين وسبعين درجة يسمى التاسع بيت الأسفار؛ وإلى تمام ثلثمائة درجة يسمى العاشر بيت السرطان؛ وإلى ثلثمائة وثلاثين درجة يسمى الحادي عشر بيت الرجاء؛ وإلى تمام ثلثمائة وستين درجة يسمى الثاني عشر بيت الأعداد. وكل بيت من هذه البيوت يدل على أشياء كثيرة تركنا ذكرها لأنها مذكورة في كتب الحكام بشرحها.
فصل في تجرد النفس واشتياقها
إلى عالم الأفلاك
أعلم أيها البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن العاقل الفهم إذا نظر في علم النجوم، وفكر في سعة هذه الأفلاك، وسرعة دورانها، وعظم هذه الكواكب وعجيب حركاتها، وأقسام هذه البروج وغرائب أوصافها، كما وصفنا قبل، تشوقت نفسه إلى الصعود إلى الفلك والنظر إلى ما هناك معانية، ولكن لا يمكن الصعود إلى ما هناك بهذا الجسد الثقيل الكثيف، بل النفس إذا فارقت هذه الجثة ولم يعقها شيء من سوء أفعالها، أوفساد آرائها، وتراكم جهالاتها، أورداءة أخلاقها، فهي هناك في أقل من طرفة عين بلا زمان، لأن كونها حيث همتها ومحبوبها، كما تكون نفس العاشق حيث معشوقه. فإذا كان عشقها هوالكون مع هذا الجسد، ومعشوقها هذه اللذات المحسوسة المحرقة الجرمانية، وشهواتها هذه الزينة الجسمانية، فهي لا تبرح من هاهنا ولا تشتاق الصعود إلى عالم الأفلاك، ولا تفتح لها أبواب السموات، ولا تدخل الجنة مع زمر الملائكة، بل تبقى تحت فلك القمر سائحة في قعر هذه الأجسام المستحيلة المتضادة، تارة من الكون إلى الفساد، وتارة من الفساد إلى الكون:" كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب." لابثين فيها أحقاباً ما دامت السموات والأرض لا يذوقون فيها العذاب." لابثين فيها أحقاباً ما دامت السموات والأرض لا يذوقون فيها برد عالم الأرواح الذي هوالروح والريحان، ولا يجدون لذة شراب الجنان المذكور في القرآن:" ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أومما رزقكم الله، قالوا: إن الله حرمها على الكافرين،" الظالمين لأنفسهم، الكافرين لحقائق الأشياء. ويروي عن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: الجنة في السماء، والنار في الأرض.
ويحكى في الحكمة القديمة أنه من قدر على خلع جسده ورفض حواسه وتسكين وساوسه، وصعد إلى الفلك، جوزي هناك بأحسن الجزاء. ويقال إن بطليموس كان يعشق علم النجوم، وجعل علم الهندسة سلماً صعد به إلى الفلك، فمسح الأفلاك وأبعادها والكواكب وأعظامها، ثم دونه في المجسطي، وإنما كان ذلك الصعود بالنفس لا بالجسد، وهكذا. ويحكى عن هرمس المثلث بالحكمة، وهوإدريس النبي- عليه السلام- إنه صعد إلى فلك زحل ودار معه ثلاثين سنة، حتى شاهد جميع أحوال الفلك،ثم نزل إلى الأرض فخبر الناس بعلم النجوم، قال الله تعالى:" ورفعناه مكاناً علياً".
وقال أرسطاليس في كتاب الثالوجيا شبه الرمز: إني ربما خلوت بنفسي وخلعت بدني، وصرت كأني جوهر مجرد بلا بدن، فأكون داخلاً في ذاتي، خارجاً عن جميع الأشياء، فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء ما أبقى له متعجباً باهتاً، فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الأعلى الفاضل الشريف.
وقال فيثاغورس في الوصية الذهبية: إذا فعلت ما قلت لك يا ديوجانس، وفارقت هذا البدن حتى تصير نحلاً في الجو، فتكون حينئذ سائحاً غير عائد إلى الإنسانية ولا قابل للموت.
وقال المسيح- عليه السلام- للحواريين في وصية له: إذا فارقت هذا الهيكل فأنا واقف في الهواء عن يمنة عرش ربي، وأنا معكم حيثما ذهبتم، فلا تخالفوني حتى تكونوا معي في ملكوت السماء غداً.
وقال رسول اله- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في خطبة له طويلة: أنا واقف لكم على الصراط وإنكم ستردون على الحوض غداً فأقربكم مني منزلاً يوم القيامة من خرج من الدنيا على هيئة ما تركته. ألا لا تغيروا بعدي. ألا لا تبدلوا بعدي.
فهذه الحكايات والأخبار كلها دليل على بقاء النفس بعد مفارقة الجسد، وإن الإنسان العاقل إذا استبصر نفسه في هذه الدنياوصفت من درن الشهوات والمآثم، وزهدت في الكون هاهنا فإنها عند مفارقة الجسد لا يعوقها شيء عن الصعود إلى السماء ودخول الجنة والكون هناك مع الملائكة. وفي مثل هذه النفوس قيل بالعربية: شعر وما كان إلا كوكباً كان بيننـا فودعنا، جادت معاهده رهم؛
رأى المسكن العلوي أولى بمثله- - ففاز وأضحى بين أشكاله نجم؛ " وقيل بالفارسية بيت" خواهي تأمرك نـيا بـدتـرا خواهي كزمرك بهابي أمان
زير زمين خيره نهفتي بجوى بس بفلك برشوبي نرد بـان
وقيل أيضاً خنك أين أفتاب وزهره ومـاه كه نباشند جـاودانـه تـبـاه
همه بريك نهاد خـويش دونـد كه نكـردنـد كـزازيك راه
راست كوئي ستار كان ملك اند جشمه افتاب شـاهـنـشـاه
نه بخوانيد نائحة مـشـغـول يا بتديين كين وحرب وسـياه
دوستا نـنـد بـيش روياروي يك بديكر همي كننـدنـكـاه
فمن بلغ رتبة نفسه هذه المرتبة، كما ذكرت من قبل، صار بهذه المنزلة، إلا أن في هذه السموات جنة لكنها محفوفة بالمكاره. قال الله عز وجل:" إخواناً على سرر متقابلين." وإنما ذكرنا هذه المعاني في هذه الرسالة لأن كثر أهل زماننا الناظرين في علم النجوم شاكون في أمر الآخرة، متحيرون في أحكام أمر الدين، جاهلون بأسرار النبوات، منكرون البعث والحساب، فدللناهم على صحة أمور الدين من صناعتهم، واحتججنا عليهم من علمهم، ليكون أقرب من فهمهم وأوضح لتبيانهم.
فصل في علة انحصار الأفلاك والبروج
والكواكب في عدد مخصوص
أعلم أيها الأخ البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- أوعلة كون الأفلاك تسع طبقات، والبروج اثني عشر، والكواكب السيارة سبعة، ومنازل القمر ثمانية وعشرين، واقتصارها على هذه الأعداد فيه حكمة جليلة لا يبلغ فهم البشر كنه معرفتها، ولكن نذكر من ذلك من ذلك طرفاً ليكون تنبيهاً لنفوس المتعلمين المرتاضين بالنظر في خواص العدد، ومطابقة الموجودات لخواص العدد وطبيعته على رأي الحكماء الفيثاغورثيين. وذلك أن هؤلاء الحكماء لما نظروا في طبيعة العدد وجدوا لكل عدد خاصية ليست لغيره، ثم تأملوا أحوال الموجودات، فوجدوا كل نوع منها قد اقتصر على عدد مخصوص لا أقل ولا أكثر. ثم بحثوا عن طبيعة ذلك الموجود وخاصية ذلك العدد، فكانا مطابقين، واستبان لهم إتقان الحكمة الإلهية فيها. فمن أجل هذا قالوا: إن الموجودات بحسب طبيعة العدد وخواصه. فمن عرف طبيعة العدد وأنواعه وخواص تلك الأنواع، تبين له إتقان الحكمة وكون الموجودات على أعداد مخصوصة. فكون الكواكب السيارة سبعة مطابق لأول عدد كامل؛ وكون الأفلاك تسعة مطابق لأول عدد فرد مجذور؛ وكون البروج اثني عشر مطابق لأول عدد زائد؛ وكون المنازل ثمانية وعشرين مطابق لعدد تام. ولما كانت السبعة مجموعة من ثلاثة وأربعة، وكان الاثنا عشر من ضرب ثلاثة في أربعة، وثمانية وعشرون من ضرب سبعة في أربعة، فبواجب الحكمة صارت مقصورة على هذه الأعداد، وكانت السبعة والاثنا عشر والتسعة مجموعها ثمانية وعشرون عدداً لتكون الموجودات الفاضلة مطابقة للأعداد الفاضلة.
فصل في حكمة اختلاف خواص الكواكب
وأما الحكمة في كون الكواكب السبعة السيارة، اثنان منها نيران، واثنان منها سعدان، واثنان نحسان، وواحد ممتزج؛ وكون البروج الاثني عشر، أربعة منها منقلبة، وأربعة ثابتة، وأربعة ذوات جسدين؛ وكون العقدين في خللها، فالحكمة في ذلك أكثر مما يحصى، ولكن نذكر منها طرفاً ليكون دليلاً على الباقي، وذلك أن الباري- سبحانه وتعالى- بواجب حكمته جعل حال الموجودات، بعضها ظاهراً جلياً لا يخفى، وبعضها باطناً خفياً لا تدركه الحواس. فمن الموجودات الظاهرة الجلية جواهر الأجسام وأعراضها وحالاتها. ومن الموجودات الباطنة الخفية جواهر النفس.
ومن الموجودات الظاهرة الجلية للحواس أيضاً أمور الدنيا. ومن الموجودات الباطنة الخفية عن أكثر العقول أمور الآخرة. ثم جعل ما كان ظاهراً جلياً دليلاً على الباطن الخفي، فمن ذلك النيران الشمس والقمر، فإن أحدهما الذي هوالقمر دليل على أمور الدنيا وحالات أهلها من الزيادة والنقصان والتغيير والمحاق؛ والأخرى التي هي الشمس دليل على أمور الآخرة وحالات أهلها من التمام والكمال والنور والإشراق.
ومن ذلك حال السعدين المشتري والزهرة، فإن أحدهما دليل على سعادة أبناء الدنيا وهي الزهرة، وذلك أنها إذا استولت على المواليد دلت لهم على نعيم الدنيا، من الأكل والشرب والنكاح والميلاد. ومن كانت هذه حاله في الدنيا فهو من السعداء فيها. وأما المشتري فهو دليل على سعادة أبناء الآخرة، وذلك أنه إذا استولى على المواليد دل لهم على صلاح الأخلاق وصحة الدين وصدق الورع ومحض التقى. ومن كانت هذه حاله في الدنيا فهو من السعداء في الآخرة.
ومن ذلك أيضاً النحسان: زحل والمريخ، فإن أحدهما دليل على منحسة أبناء الدنيا وهوزحل، وذلك إنه إذا استولى على المواليد دل ذلك على الشقاء والبؤس والفقر والمرض والعسر في الأمور، ومن كانت هذه حاله في الدنيا فهو من الأشقياء فيها. وأما المريخ فإنه دليل على منحسة أبناء الآخرة، وذلك إنه إذا استولى على المواليد دل لهم على الشرور من الفسق والفجور والقتل والسرقة والفساد في الأرض؛ ومن كانت حاله في الدنيا فهو من الأشقياء في الآخرة. وأما من استولى على مولده المشتري والزهرة فسعادتهما دلالة على السعادة في الدنيا والآخرة؛ ومن استولى على مولده زحل والمريخ فنحوستهما دلالة على منحسة الدنيا والآخرة. وأما امتزاج عطارد بالسعادة والنحوسة فهو دليل على أمور الدنيا والآخرة وتعلق إحداهما بالأخرى.
وأما كون البروج المنقلبة فحالاتها تدل على تقلب أحوال أبناء الدنيا؛ والبروج الثوابت تدل على ثبات أحوال أبناء الآخرة؛ والبروج ذوات الجسدين تدل على تعلق أمور الدنيا والآخرة أحدهما بالآخر.
وقد قيل إن طالع الدنيا السرطان، وهوبرج منقلب، وأوتاده مثله. وأما العقدتان اللتان تسمى إحداهما رأس التنين والأخرى الذنب فليسا بكوكبين ولا جسمين، ولكنهما أمران خفيان، ولهما حركات في البرج كحركات الكواكب، ولهما دلالة على الكائنات كدلالة الكواكب النحوس، وهما خفيا الذات، ظاهرا الأفعال؛ فخفاء ذاتيهما وظهور أفعالهما يدل على إن في العالم نفوساً وقبائل الجن وأحزاب الشياطين. فأجناس الملائكة هي نفوس خيرة موكلة بحفظ العالم وصلاح الخليقة، وقد كانت متجسدة قبل وقتاً من الزمان فتهذبت واستبصرت وفارقت أجسادها واستقلت بذاتها، وفازت ونجت وساحت في فضاء الأفلاك، وسعة السموات، فهي مغتبطة فرحانة مسرورة ملتذة ما دامت السموات والأرض. وأما عفاريت الجن ومردة الشياطين فهي نفوس شريرة مفسدة، وقد كانت متجسدة قبل وقتاً من الزمان، ففارقت أجسادها غير مستبصرة ولا متهذبة، فبقيت عمياً عن رؤية الحقائق، صماً عن استماع الصواب، بكماً عن النطق الفكري في المعاني اللطيفة، فهي سابحة في ظلمات بحر الهيولى، غائصة في قعر من الجسام المظلمة، ذي ثلاثة شعب، تهوي في هاوية الرزخ؛ كلما نضجت جلودهم بالبلاء بدلناهم جلوداً غيرها بالكون، فذلك دأبهم ما دامت السموات والأرض لابثين فيها أحقاباً لا يجدون برد نسيم عالم الأرواح، ولا يذوقون لذة شراب المعارف فهذه حالهم إلى يوم يبعثون. وأما الظاهر من تأثيرات الرأس والذنب فهو كسوف النيرين، وذلك أنهما من أوكد الأسباب في كسوفهما، وإنما اقتضت الحكمة كسوف النيرين، لكما تزول التهمة والريبة من قلوب المرتابين بأنهما إلهان، فلوكانا إلهين ما انكسفا، وإنما صارت محنة الشخصين النيرين الجليلين بأمرين خفيين، ليكون دليلاً؛ على أن أعظم المحنة من الشياطين على الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين- لأن الأنبياء هم شموس بني آدم وأقمارهم، فمن ذلك قصة إبليس مع آدم أبي البشر وإخراجه له من الجنة، وقصة ركوبه مع نوح في السفينة، وقصته مع إبراهيم خليل الرحمن، يوم طرح في النار، في إصلاح المنجنيق؛ وقصته مع موسى- عليه السلام- حين وسوس إليه أن هذا الكلام الذي تسمع لعله ليس كلام رب العالمين، فعند ذلك قال موسى:" رب أرني أنظر إليك، قال: لن تراني." وقصته مع المسيح وزكريا ويحيى- عليه السلام وغيرهم من الأنبياء معروفة يطول شرحها. وإنما ذكرنا هذه الأحرف في هذه الرسالة لأن أكثر أهل زماننا الناظرين في علم النجوم شاكون في أمر الآخرة، متحيرون في أحكام الدين، جاهلون بأسرار النبوات، منكرون للحساب والبعث، فدللناهم على تحقيق ما أنكروه من صناعتهم ليكون أقرب من فهمهم وأوضح لبيانهم، وكذلك فعلنا في سائر رسائلنا التي عملناها في فنون العلوم.
فصل في علم أحكام النجوم
وإذ قد ذكرنا طرفاً من علم الهيئة وتركيب الأفلاك شبه المدخل والمقدمات، فنريد أن نذكر أيضاً طرفاً من علم الأحكام الذي يعرف بالاستدلال:
أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن العلماء مختلفون في تصحيح علم الأحكام وحقيقته، فمنهم من يرى ويعتقد أن للأشخاص الفلكية دلالات على الكائنات في هذا العالم قبل كونها؛ ومنهم من يرى ويعتقد أن لها أفعالاً وتأثيرات أيضاً مع دلالاتها؛ ومنهم من يرى ويعتقد أن ليس لها أفعال ولا تأثيرات ولا دلالات البتة، بل ترى أن حكمها حكم الجمادات والموات بزعمهم. فأما الذين قالوا إن لها دلالات فهم أصحاب الأحكام، وإنما عرفوا دلالاتها بكثرة العناية بالأرصاد لحركاتها وتأثيراتها، والنظر فيها، واعتبار أحوالها وشدة البحث عنها. والناس لتصاريف أمورها على ممر الأيام والشهور والأعوام، أمة بعد أمة وقرناً بعد قرن، كلما أدركوا شيئاً منها أثبتوه في الكتب، كما ذكروها في كتبهم بشرح طويل. وأما الذين أنكروا ذلك فهم طائفة من أهل الجدل تركوا النظر في هذا العلم، وأعرضوا عن اعتبار أحوال الفلك وأشخاصه وحركاته ودورانه، وأغفلوا البحث عنها والتأمل لتصاريف أمورها، فجهلوا ذلك وأنكروه، وعادوا أهلها وناصبوهم العداوة والبغضاء. وأما الذين ذكروا أن لها مع دلالاتها أفعالاً وتأثيرات في الكائنات التي تحت فلك القمر، فإنما عرفوا ذلك بطريق آخر غير طريق أصحاب الأحكام، وبحث أشد من بحثهم، واعتبار أكثر من اعتبارهم، وهوطريق الفلسفة الروحانية والعلوم النفسانية، وتأييد إلهي وعناية ربانية. ونريد أن نذكر من هذا الفن طرفاً ليكون إرشاداً للمحبين للفلسفة والراغبين فيها، ودلالة لهم عليها ورغبة فيها، أعني علم الفلسفة.
فأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- إن كواكب الفلك هم ملائكة الله وملوك سمواته، خلقهم الله تعالى لعمارة عالمه، وتدبير خلائقه، وسياسة بريته، وهم خلفاء الله في أفلاكه، كما أن ملوك الأرض هم خلفاء الله في أرضه، خلفهم وملكهم بلاده، وولاهم على عباده، ليعمروا بلاده ويسوسوا عباده، ويحفظوا شرائع أنبيائه، بإنفاذ أحكامهم على عباده، وحفظ نظامهم على أحسن حالات ما يتأتى فيهم، وأتم غايات ما يمكنهم من البلوغ إليها، وأفضل نهايات ما يصلون إليها، إما في الدنيا وإما في الآخرة.
فعلى هذا المثال والقياس تجري أحكام هذه الكواكب في هذه الكائنات التي تحت فلك القمر، ولها أفعال لطيفة وتأثيرات خفية تدق على أكثر الناس معرفتها وكيفيتها كما تدق على الصبيان والجهال معرفة كيفية سياسة الملوك وتدبيرهم في رعيتهم، وإنما يعرف ذلك منها العقلاء والبالغون المتأملون للأمور، فهكذا أيضاً لا يعرف كيفية تأثيرات هذه الكواكب وأفعالها في هذه الكائنات إلا الراسخون في العلوم من الحكماء والفلاسفة، البالغون في المعارف الربانية، الناظرون في العلوم الإلهية، المؤيدون من السماء بتأييد الله وإلهامه لهم.
وأعلم بأن مثال سريان قوى النفس الكلية في الأجسام الكلية والجزئية جميعاً كمثال سريان نور الشمس والكواكب في الهواء ومطارح شعاعاتها نحومركز الأرض.
وأعلم يا أخي بأن الكواكب السيارة ترتقي تارة بحركاتها إلى أعلى ذرى أفلاكها وأوجاتها، وتقرب من تلك الأشخاص الفاضلة التي تسمى الكواكب الثابتة، وتستمد منها النور والفيض والقوى؛ وتارة تنحط إلى الحضيض، وتقرب من عالم الكون والفساد، وتوصل تلك الفيضانات والقوى إلى هذه الأشخاص السفلية، فتسري فيها كما تسري قوة النفس الحيوانية في الدماغ، ثم بتوسط الأعصاب تصل إلى سائر أطراف البدن، كما بينا كيفيتها في رسالة الحاس والمحسوس. فإذا وصلت تلك القوى والفيضانات مع شعاعاتها إلى هذا العالم فإنها تسري أولاً في الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ثم يكون ذلك سبباً لكون الكائنات التي هي المعادن والنبات والحيوان، ويكون اختلاف أجناسها وأنواعها بحسب اختلاف أشكال الفلك.
واختلاف الأماكن واختلاف الأزمان لا يعلم أحد كثرتها وفنون أشخاصها وتفاوت أوصافها إلا الله- جل ثناؤه- الذي هوخالقها وبارئها ومنشئها ومصورها كيف شاء.
فصل في بيان كيفية سعادات الكائنات ومناحسها
أعلم أن الفلك المحيط دائم الدوران كادلاب من المشرق إلى المغرب، ومن المغرب إلى المشرق، والكواكب أيضاً هكذا دائمة، وإن الحركات على توالي البروج كما هوبين في الزيجات والتقاويم، وهكذا أيضاً الكائنات دائمة في الكون والفساد، متصلة لا تنقطع ليلاً ولا نهاراً، ولا شتاءً ولا صيفاً. ولكن إذا اتفق في وقت من الزمان أن تكون الكواكب السيارة في أوجاتها أوأشرافها أوبيوتها أوحدودها؛ أويكون من بعض على النسبة الفضلى التي تسمى النسبة الموسيقية، وهي النصف والثلث والربع والثمن، سرت تلك القوى عند ذلك من النفس الكلية، ووصلت بتوسط تلك الكواكب إلى هذا العالم السفلي الذي هودون فلك القمر، وحدث بذلك السبب الكائنات على أعدل مزاج وأصح طبائع وأجود نظام، ونشأت ونمت وتمت وكملت وبلغت إلى أقصى مدى غاياتها، وتمام نهاياتها التي هي قاصدة نحوها، وتسمى تلك الأحوال والأوصاف وما يتكون عنها سعادة وخيرات. وإذا اتفق أن يكون شكل الفلك ومواضع الكواكب على ضد ذلك، كان أمر الكائنات بالضد أيضاً، وتناقصت من بلوغ غاياتها وتمام نهاياتها، وسميت تلك مناحس الفلك وسبب الشرور، ولا يكون ذلك بالقصد الأول، ولكن بأسباب عارضة، كما بينا في رسالة الآراء والمذاهب في باب علل الشرور وأسبابها، فأعرفها من هناك، إن شاء الله وحده.
?فصل في علة اختلاف تأثيرات الكواكب
في الكائنات الفاسدات التي دون فلك القمر أعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- أن إشراق الكواكب على الهواء مطارح شعاعاتها إلى مركز الأرض على سنن واحد، ولكن قبول القابلات لها ليس بواحد، بل مختلف بحسب اختلاف جواهرها.
مثال ذلك أن الشمس، إذا أشرقت من الأفق أضاءت الهواء من نورها، وسخن وجه الأرض من انعكاس شعاعاتها، كما بينا في رسالة الآثار العلوية، وجف الطين وذاب الثلج ولان الشمع، ونضج الثمر، ونتن اللحم، وابيضت ثياب القصارين، واسودت وجوههم، وانعكس الشعاع من السطوح الصقيلة الوجوه كوجه لمرايا، وسرى الضوء في الأجسام الشفافة كالزجاج والبلور والمياه الصافية، وقويت أبصار أكثر الحيوانات، وضعفت أبصار بعضها كالبوم والخفافيش، وبنات وردان؛ وما شاكلها من الحيوانات، فيكون اختلاف تلك التأثيرات في هذه الأشياء بحسب اختلاف جواهرها وتركيبها ومزاجها وقبولها، وإلا فالإشراق واحد. وعلى هذا المثال اختلاف قبولها لتأثيرات سائر الكواكب في المواليد وتحاويل السنين.
ومثال آخر، إذا اتفق للفلك شكل محمود من سعادة أحوال الكواكب في وقت من أوقات الأزمان، ويولد في ذلك الوقت عدة مواليد من أجناس الحيوانات ومواليد الناس، ولكن يكون بعضهم من أولاد الملوك والرؤساء، وبعضهم من أولاد التجار والدهاقين؛ وأرباب النعم، وبعضهم من أولاد الفقراء والمساكين والمكدين؛ فلا يكون قبولهم لسعادة الفلك على سنن واحد، بل كل واحد منهم بحسب مرتبته، وذلك أن أولاد المكدين إذا حسنت أحوالهم من السعادة، فهو أن يبلغوا مرتبة أولاد التجار وأرباب النعم وأوساط الناس، وإذا حسن أولاد التجار، فهو أن يبلغوا مرتبة أولاد الملوك، وأولاد الملوك إذا قبلوا سعادة الفلك، ارتقوا وبلغوا سرير الملك والسلطان، وإن نحسوا قصر بهم عن ذلك؛ وكذلك كل واحد من أولئك الذين ذكرهم ينحط من درجة إلى ما دونها في المرتبة.
ومثال آخر إنه اتفق عدة مواليد في طالع واحد ووقت واحد في بلدان مختلفة، وشكل الفلك يدل على أن يكونوا شعراء خطباء، غير أن بعضهم في بلاد العرب، وبعضهم في بلاد النبط، وبعضهم في بلاد الأرمن، فقبولهم يختلف لأن العربي أسرع قبولاً لخاصية بلده، والنبطي دون ذلك، والأرمني دونه، وعلى هذا المثال والقياس تختلف تأثيرات الكواكب في الكائنات، وقد ذكرت علل ذلك في كتب الأحكام بشرح طويل، فأعرفه من هناك.
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن لهذه الكواكب السيارة في أفلاكها المختصة بها حالات مختلفة.
فمن ذلك السرعة في السير، والإبطاء في الحركة،والوقوف والاستقامة والرجوع والارتفاع في الأوجات، والانحطاط إلى الحضيض، والكون في الميل، والذهاب في العرض، والبلوغ إلى الجوزهر وما يشاكل ذلك من الأوصاف المختلفة. ولها أيضاً في هذه البروج أقسام وأنصبة كالبيوت والوبال والشرف والهبوط والمثلثات والحدود والنوبهرات وما شاكل ذلك.
ولها أيضاً مناظرات بعضها إلى بعض، واتصالات ومقارنات وانصرافات واحترافات وتشريق وتغريب، والكون في الأوتاد أوما يليها، أوالزوال عنها وما شاكل هذه الأوصاف المذكورة في كتب الأحكام بشرح طويل. وقد ذكرنا طرفاً من هذه الأوصاف فيما تقدم من هذه الرسالة.
وأعلم يا أخي أن هذه الكواكب السيارة تسير في موازاة هذه البروج بحركاتها المختلفة، فربما اجتمع اثنان منها في برج واحد أوثلاثة أوأربعة أوخمسة أوستة أوكلها، وذلك في الندرة في الأزمان الطوال، وأما في أكثر الأوقات فتكون في البروج ودرجاتها، ويعرف مواضعها من البروج والدرج والدقائق، ومن التقاويم والزيجات في أي وقت وأي زمان شئت.
وأعلم يا أخي أن الشمس من بين الكواكب كالملك، وسائرها كالأعوان والجنود في التمثيل؛ والقمر كالوزير وولي العهد، وعطارد كالكاتب، والمريخ كصاحب الجيش، والمشتري كالقاضي، وزحل كصاحب الخزائن، والزهرة كالجواري والخدم؛ والأفلاك لها كالأقاليم، والبروج كالبلدان والسوادات؛ والحدود؛ والوجوه كالمدن، والدرجات كالقرى، والدقائق كالمحال والأسواق في المدن؛ والثواني في الدقائق كالمنازل في المحال والدكاكين في الأسواق؛ والكواكب في البروج كالأرواح في الأجساد، والكوكب في بيته كالرجل في بلده وعشيرته، والكوكب في شرفه كالرجل في عزه وسلطانه، والكوكب في مثلثه كالرجل في منزله أودكانه أوضيعته، والكوكب في وجهه كالرجل في زيه ولباسه، والكوكب في حده كالرجل في خلقه وسجيته، والكوكب في أوجه كالرجل في أعلى مرتبته، والكوكب في حيزه كالرجل في حاله اللائقة به وفي أصحابه ورفقائه، والكوكب في وباله كالرجل المختلف؛ المدبر، والكوكب في غير حيزه كالرجل في حال منكر، والكوكب في برج لا حظ له فيه كالرجل الغريب في بلدة غريبة، والكوكب في هبوطه كالرجل الذليل المهين، والكوكب في حضيضه كالرجل الوضيع الحال الساقط عن مرتبته، والكوكب تحت الشعاع كالبطل المحبوس، والمحترق كالمريض، والواقف كالمتحير في أمره، والراجع كالعاصي المخالف، والسريع السير كالمقبل الصحيح، والبطيء السير كالضعيف الذاهب القوة؛ والكوكب في التشريق كالرجل النشيط، والكوكب في التغريب كالهرم، والناظر كالطالع الذاهب نحوحاجته، والمنصرف كقاضي وطره، والمقترنان من الكواكب كالقرينين من الناس، والكوكب في الوتد كالرجل الحاضر للشيء الحاصل فيه، ومائل الوتد كالجاني المنتظر، والزائل كالذاهب أوالفائت، والكوكب في الطالع كالمولود في الظهور أوالشيء في الكون، وفي الثاني كالمنتظر الذي سيكون، وفي الثالث كالذاهب إلى لقاء الإخوان، وفي الرابع كالرجل في دار آبائه أوالشيء في معدنه، وفي الخامس كالرجل المستعد للتجارة أوالفرحان بما يرجو، وفي السادس كالهارب المنهزم المتعوب؛ وفي السابع كالرجل المبارز المنازع المحارب، وفي الثامن كالرجل الخائف الوجل، وفي التاسع كالرجل المسافر البعيد من الوطن، والزائل من سلطانه، وفي العاشر كالرجل في عمله وسلطانه المعروف المشهور به، وفي الحادي عشر كالرجل الواد الموافق المحب، وفي الثاني عشر كالمحبوس الكاره لوضعه المبغض لما هو فيه.
وإذا توارى كوكبان منها في درجة من الفلك فيقال إنهما مقترنان، وإذا جاوز أحدهما الآخر فيقال قد انصرف، وإذا لحق بالآخر فيقال قد اتصل به. والاتصال قد يكون بالمقارنة، وقد يكون بالنظر. وهوأن يكون بينهما ستون درجة سدس الفلك، أوتسعون درجة ربع الفلك، أومائة وعشرون درجة ثلث الفلك، أومائة وثمانون درجة نصف الفلك، فإذا تناظرا في التسديس فهما كالرجلين المتوادين بسبب من الأسباب؛ وإذا تناظرا في التثليث فهما كالرجلين المتفقين في الطبع والخلق؛ وإذا تناظرا في التربيع فكالرجلين المتعاملين اللذين يدعي كل واحد منهما الأمر لنفسه؛ وإذا تناظرا في المقابلة فهما كالرجلين المتنازعين أوكالشريكين المتغارمين؛ وهذا مثاله وصورته: " انظر الصفحة التالية".
فقد تبين بهذه الصورة أن مناظرة الكواكب بعضها إلى بعض من سبعة مواضع من درجات الفلك ومعنى مناظراتها ومطارح شعاعاتها.
وأعلم أن الكواكب تطرح شعاعاتها إلى جميع درجات الفلك فتضيئها وتملأها نوراً وضياء، كما أفعالها وبيان تأثيراتها في هذا العالم من تلك الدرجات المعلومة لمناسبات بعضها بعضاً، لأن أفعال الكواكب وتأثيراتها في هذا العالم إنما هي بحسب مناسباتها من الأرض، أعني نسب أجرامها إلى جرم الأرض، وأبعادها من مركز الأرض، أوبحسب تناسب حركاتها بعضها إلى بعض، وقد بينا طرفاً من علم هذا النسب في رسالة الموسيقى.
فصل في أن المنجم لا يدعي علم الغيب
فيما يخبر به من الكائنات
وأعلم أن كثيراً من الناس يظنون أن علم أحكام النجوم هوإدعاء الغيب- وليس الأمر كما ظنوا- لأن علم الغيب هوأن يعلم ما يكون بلا استدلال ولا علل ولا سبب من الأسباب، وهذا لا يعلمه أحد من الخلق؛ كذلك لا منجم ولا كاهن ولا نبي من الأنبياء، ولا ملك من الملائكة، إلا الله، عز وجل.
وأعلم يا أخي أن معلومات الإنسان ثلاثة أنواع، فمنها ما قد كان وانقضى ومضى مع الزمان الماضي، ومنها ما هوموجود في الوقت الحاضر، ومنها ما سيكون في الزمان المستقبل. وله إلى هذه الأنواع الثلاثة من المعلومات ثلاثة طرق: أحدها السماع والإخبار لما كان ومضى، والآخر هوالإحساس لما هوحاضر موجود، والثالث الاستدلال على ما هوكائن في المستقبل. فمنها بالنجوم، ومنها بالزجر والفال والكهانة، ومنها بالفكر والروية والاعتبار، ومنها بتأويل المنامات، ومنها بالخواطر والوحي والإلهام، وهذا أجلها وأشرفها، وليس ذلك باكتساب، ولكن موهبة من الله- عز اسمه- لمن شاء أن يجتبيه من عباده. فأما علم النجوم فهو اكتساب من الإنسان وتكلف وجهد واجتهاد في تعلم العلم وطلبه، وهكذا الزجر والفال، والنظر في الكف وضرب الحصى، والكهانة والقيافة والعرافة وتأويل المنامات وما شاكلها، كلها يحتاج الإنسان فيها إلى التعلم والنظر والفكر والروية والاعتبار. وهذا الفن من العلم يتفاضل فيه الناس بعضهم على بعض، وكل واحد يختص بشيء منه.
وأعلم يا أخي أن الكائنات التي يستدل عليها المنجمون سبعة أنواع، فمنها الملل والدول التي يستدل عليها من القرانات الكبار التي تكون في كل ألف سنة بالتقريب مرة واحدة؛ ومنها أن تنتقل المملكة من أمير إلى أمير، ومن أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد، ومن أهل بيت إلى أهل بيت آخر، وهي التي يستدل عليها وعلى حدوثها من القرانات التي تكون في كل مئتين وأربعين سنة مرة واحدة؛ ومنها تبدل الأشخاص على سرير الملك، وما يحدث بأسباب ذلك من الحروب والفتن التي يستدل عليها من القرانات التي تكون في كل عشرين سنة مرة واحدة؛ ومنها الحوادث والكائنات التي تحدث في كل سنة من الرخص والغلاء والجدب والخصب والحدثان والبلاء والوباء والموتان؛ والقحط والأمراض والأعلال؛ والسلامة منها، ويستدل على حدوثها من تحاويل سني العالم التي تؤرخ بها التقاويم، ومنها حوادث الأيام شهراً شهراً ويوماً يوماً التي يستدل عليها من الأوقات والاجتماعات والاستقبالات التي يؤرخ بها في التقاويم؛ ومنها أحكام المواليد لواحد واحد من الناس في تحاويل سنيهم بحسب ما يوجبه لهم تشكل الفلك ومواضيع الكواكب في أصول مواليدهم وتحاويل سنيهم؛ ومنها الاستدلال على الخفيات من الأمور كالخبر والسرقة واستخراج الضمير والمسائل التي يستدل عليها من طالع وقت المسألة والسؤال عنها.
وأعلم يا أخي أنه ليس في معرفة الكائنات قبل كونها صلاح لكل واحد من الناس، لأن في ذلك تنغيصاً للعيش واستجلاباً لهم، واستشعاراً للخوف والحزن والمصائب قبل حلولها، وإنما نظر الحكماء في هذا العلم وبحثهم عن هذه السرائر ليرضوا بذلك نفوسهم ويستعينوا بهذا العلم على الترقي إلى ما هوأشرف منه وأجل.. وذلك أن الإنسان العاقل المحصل المستيقظ القلب إذا نظر في هذا العلم وبحث عن هذا السر وعن أسبابه وعلله واعتبرها بقلب سليم من حب الدنيا انتبهت نفسه من نوم الغفلة واستيقظت من رقدة الجهالة، وانتعشت وانبعثت من موت الخطيئة، وانفتحت لها عين البصيرة، فأبصرت عند ذلك تصاريف الأمور، وعرفت حقائق الموجودات، ورأت بعين اليقين الدار الآخرة، وتحققت أمر الماد، وعلمت عند ذلك بها ومن أجلها، وتشوفت إليها، وزهدت في الكون في الدنيا، فعند ذلك تهون عليها مصائب الدنيا، فلا تغتم ولا تجزع ولا تحزن إذا علمت موجبات أحكام الفلك من المخاوف والمصائب، كما ذكر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب". وتصديق ذلك قول الله تعالى: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم".
وأعلم يا أخي أن في معرفة علم النجوم فوائد كثيرة، فمنها أن الإنسان إذا علم ما يكون من حادث في المستقبل أوكائن بعد الأيام أمكنه أن يدفع عن نفسه بعضها، لا بأن يمنع كونها، ولكن يتحرز منها أويستعد لها كما يفعل سائر الناس ويستعدون لدفع برد الشتاء بجمع الدثار؛ ولحر الصيف بأخذ الكن، ولسني الغلاء بالادخار، ولمواضع الفتن بالهرب منها والبعد عنها، وترك الأسفار عند المخاوف وما شاكل ذلك، مع علمهم بأنهم لا يصيبهم منها إلا ما كتب الله لهم وعليهم. وخصلة أخرى أيضاً وهي أنه متى علم الناس الحوادث قبل كونها أمكنهم أن يدفعوها قبل نزولها بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى، والتوبة والإنابة إليه، وبالصوم والصلاة والقربان، والسؤال إياه أن يصرف ما يخافون نزوله، ويرفع ويدفع عنهم ما يحذرون منه.
وأعلم يا أخي أنك أن نظرت في أسرار النواميس، وتأملت سنن الشرائع وأحكام الديانات، علمت وتبين لك أن أجل أغراض واضعي النواميس كان هذا الذي ذكرت لك، وذلك أن موسى- عليه السلام- أوصى بني إسرائيل، فقال لهم:" احفظوا شرائع التوراة التي أنزل الله علي، وأعملوا وصاياها، فإن الله تعالى يسمع دعائكم، ويرخص أسعاركم، ويخصب بلادكم، ويكثر أموالكم وأولادكم، ويكف عنكم شر أعدائكم. ومتى خفتم حوادث الأيام ومصائب الزمان، فتوبوا إلى الله جميعاً توبة نصوحاً، واستغفروا، وصلوا له وصوموا، وتصدقوا في السر والعلانية، وأدعوه خوفاً وتضرعاً حتى يصرف عنكم شر ما تخافون، ويدفع عنكم ما تحذرون، ويكشف عنكم ما ينزل بكم من محن الدنيا ومصائبها وحوادث أيامها. وعلى هذا المثال كانت وصية المسيح- عليه السلام- لأصحابه الحواريين، ولا حاجة بنا أن نكرر وصية محمد- صلى الله علية وسلم- لأمته.
وأعلم أن الفقهاء وأصحاب الحديث وأهل الورع والمتنسكين قد نهوا عن النظر في علم النجوم، وإنما نهوا عنه لأن علم النجوم جزء من علم الفلسفة، ويكره النظر في علوم الفلسفة للأحداث والصبيان وكل من لم يتعلم علم الدين، ولا يعرف من أحكام الشريعة قدر ما يحتاج إليه، وما هوفرض عليه، ولا يسعه جهله وتركه. فأما من قد تعلم علم الشريعة، وعرف أحكام الدين، وتحقق أمر الناموس، فإن نظره في علم الفلسفة لا يضره بل يزيده في علم الدين تحققاً، وفي أمر المعاد استبصاراً وبثواب الآخرة وبالعقاب الشديد يقيناً، وإليها اشتياقاً، وفي الآخرة رغبة، وإلى الله تعالى قربه، وفقك الله وإيانا وجميع إخواننا طريق السداد، وهداك وإيانا وجميع إخواننا سبيل الرشاد.
تمت الرسالة الثالثة في الأسطرنوميا من رسائل إخوان الصفاء والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الرسالة الرابعة من القسم الرياضي في الجغرافيا
بسم الله الرحمن الرحيم
??? الرسالة الرابعة في جغرافيا، يعني صورة الأرض والأقاليم من رسائل إخوان الصفاء، صان الله أقدارهم.
ما لله سر إلا وهوظاهر على ألسنة خلقه، ولا له ستر أثخن من جهلهم به، لأنه لا يعلم ما هوإلا هو، وإلى بك المنتهى، منه بدأ وإليه يعود، ثم إليه ترجعون، فوجد الله عنده، فوقاه حسابه الباري. وحده قبل كثرة كل إنسان. وحده بعد كل كثرة. وكل كثرة فعن الواحد بدئت وإليه تعود، وكل الموجودات فمن الباري بدأت وإليه تعود. يا ابن آدم أنا الله حي لا يموت، إن أطعتني وقبلت وصيتي، جعلتك حياً لا تموت. يا ابن آدم أنا الله أقول للشيء: كن فيكون، أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون.
من أجل أن مذهب إخواننا - أيدهم الله وإيانا بروح منه- هوالنظر في جميع الموجودات والبحث عن مبادئها وعن علة وجدانها، وعن مراتب نظامها، والكشف عن كيفية ارتباط معلولاتها بعللها بإذن باريها- جل ثناؤه- احتجنا إلى أن نذكر حال الأرض وكيفية صورتها، وسبب وقوفها في مركز العالم، وذلك أن المعرفة بحالها وبكيفية وقوفها في الهواء، من العلوم الشريفة، لأن عليها وقوف أجسادنا ونشوؤها ومادة بقائها، وإليها عودها عند مفارقتها نفوسها.
وأيضاً، فإن النظر في هذا العالم يكون سبباً لترقي همم نفوسنا إلى عالم الأفلاك مسكن العليين، ويكثر جولان أفكارنا في محل الروحانيين. وكثرة أفكارنا في عالم الأفلاك تكون سبباً لانتباه نفوسنا من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ويدعوها ذلك إلى الانبعاث من عالم الكون والفساد إلى عالم البقاء والدوام، ويرغبها في الرحلة من عالم الأجساد وجوار الشياطين إلى عالم الأرواح وجوار الملائكة المقربين. وقد ذكرنا في هذه الرسالة طرفاً من كيفية صورة الأرض وصفه الربع المسكون منها، وما فيه من الأقاليم السبعة، ومن البحار والجبال والبراري والأنهار والمدن، ليكون طريقاً للمبتدئين بالنظر في علم الهيئة وتركيب الأفلاك، وطوالع البروج، ودوران الكواكب، ويقرب تصورها في أفكار المتعلمين، ويسهل تأملها للمتفكرين في ملكوت السموات والأرض الذين يقولون:" ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك فقنا عذاب النار". وقال الله تعالى:" وفي الأرض آيات للموقنين".
وقال:" وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من المؤمنين".
فصل في صفة الأقاليم
وما في الربع المسكون من الأرض
مع ما فيها من الجبال والبحار والبراري والأنهار والمدن وما فيها في البحار من الجزائر والمدن وقبل وصفها نحتاج أن نذكر ثفة الأرض وجهاتها الست وكيفية وقوفها في الهواء. أما الجهات فهي الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق والأسفل. فالشرق من حيث تطلع الشمس، والغرب من حيث تغرب الشمس، والجنوب من حيث مدار سهيل، والشمال من حيث مدار الجدي والفرقدين، والفوق مما يلي السماء، والأسفل مما يلي مركز الأرض. والأرض جسم مدور مثل الكرة وهي واقفة في الهواء بأن الله يجمع جبالها وبحارها وبراريها وعماراتها وخرابها، والهواء محيط بها من جميع جهاتها شرقها وغربها وجنوبها وشمالها، ومن ذا الجانب، ومن ذلك الجانب. وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساو. وأعظم دائرة في بسيط الأرض 25455 ميلاً 6855 فرسخاً، وقطر هذه الدائرة هوقطر الأرض 6551 ميلاً 2167 فرسخاً، ومركزها هي نقطة متوهمة في عمقها على نصف القطر وبعدها من ظاهر سطح الأرض ومن سطح البحر من جميع الجهات متساو، لأن الأرض بجميع البحار التي على ظهرها كرة واحدة، وليس شيء ظاهر سطح الأرض من جميع جهاتها هوأسفل الأرض كما يتوهم كثير من الناس، ممن ليس له رياضة بالنظر في علم الهندسة والهيئة، وذلك أنهم يتوهمون ويظنون بأن سطح الأرض من الجانب المقابل لموضعنا هوأسفل الأرض، وأن الهواء المحيط بذلك الجانب هوأيضاً أسفل من الأرض، وأن النصف من فلك القمر المحيط بالهواء هوأيضاً أسفل من الهواء، وهكذا سائر طبقات الأفلاك كل واحد أسفل من الآخر حتى يلزم أن أسفل السافلين هونصف الفلك المحيط الذي هوأعلى عليين في دائم الأوقات. وليس الأمر كما توهموا لأن هذا رأي يتعقله الإنسان من الصبا بالتوهم بغير روية ولا برهان، فإذا ارتاض الإنسان في علم الهيئة والهندسة تبين له أن الأمر بخلاف ما توهم قبل. وذلك أن أسفل الأرض بالحقيقة هونقطة وهمية في عمق الأرض علة نصف قطرها وهو الذي يسمى مركز العالم، وهوعمق باطنها مما يلي مركزها من أي جانب كان من الأرض، لأن مركز الأرض هوأسفل السافلين، فأما سطحها الظاهر المماس للهواء، وسطح البحار من جميع الجهات فهو فوق، والهواء المحيط أيضاً من جميع الجهات.
وفلك القمر هوفوق فلك الهواء، وفلك عطارد هوفوق فلك القمر، وعلى هذا القياس سائر الأفلاك، واحد فوق الآخر إلى الفلك التاسع الذي هوفوق كل فوق وهوأعلى عليين، ومقابلة مركز الأرض أسفل السافلين.
وأعلم يا أخي أن الإنسان أي موضع وقف على سطح الأرض من شرقها أوغربها أوجنوبها أوشمالها، أومن هذا الجانب أومن ذلك الجانب، وقوفه حيث كان، فقدمه أبداً يكون فوق الأرض،ورأسه إلى فوق، مما يلي السماء، ورجلاه أسفل، مما يلي مركز الأرض، وهويرى من السماء نصفها، والنصف الآخر يستره عنه حدبه الأرض، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الموضع إلى الموضع الآخر، ظهر له من السماء مقدار ما خفي عنه من الجهة الأخرى، وذلك المقدار كل تسعة عشر فرسخاً درجة، وكل فرسخ ثلاثة أميال، كل ميل أربعة آلاف ذراع، كل ذراع ست قبضات، كل قبضة أربع أصابع، كل إصبع ست شعيرات.
ذكر وقوف الأرض في وسط الهواء وسببه
وأما سبب وقوف الأرض في وسط الهواء ففيه أربعة أقاويل، منها ما قيل إن سبب وقوفها هوجذب القلب لها ممن جميع جهاتها بالسوية، فوجب لها الوقوف في الوسط لما تساوت قوة الجذب من جميع الجهات، ومنها ما قيل إنه الدفع بمثل ذلك، فوجب لها الوقوف في الوسط لما تساوت قوة الدفع من جميع الجهات، ومنها ما قيل أن سبب وقوفها في الوسط هوجذب المركز لجميع أجزائها من جميع الجهات إلى الوسط، لأنه لما كان مركز الأرض مركز الفلك أيضاً، وهومغناطيس الأثقال يعني مركز الأرض وأجزاء الأرض لما كانت كلها ثقيلة انجذبت إلى المركز وسبق جزء واحد وحصل في المركز، ووقف باقي الأجزاء حولها يعني حول النقط، يطلب كل جزء منها المركز، فصارت الأرض بجميع أجزائها كرة واحدة بذلك السبب. ولما كانت أجزاء الماء أخف من أجزاء الأرض، وقف الماء فوق الأرض. ولما كانت أجزاء الهواء أخف من أجزاء الماء، صار الهواء فوق الماء والنار لما كانت أجزاؤها أخف من أجزاء الهواء صارت في العلومما يلي فلك القمر. والوجه الرابع ما قبل في سبب وقوف الأرض في وسط الهواء هوخصوصية الموضع اللائق بها، وذلك أن الباري- عز وجل- جعل لكل جسم من الأجسام الكليات يعني النار والهواء والماء والأرض موضعاً مخصوصاً هوأليق المواضع به، وهكذا القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري وزحل، جعل لكل واحد منها موضعاً مخصوصاً في فلكه هوثابت فيه والفلك يديره معه. وهذا القول أشبه الأقاويل بالحق، لأن هذه العلة مستمرة في ترتيب الأفلاك السبعة والكواكب الثابتة والسيارة، والأركان الأربعة أعني النار والهواء والماء والأرض، وذلك أن الله- تبارك وتعالى- جعل لكل موجود من الموجودات موضعاً يختص به دون سائر المواضع أورتبة معلومة هي أليق به من سائر المراتب.
صفة الأرض وقسمة أرباعها الأرض نصفها مغطى بالبحر الأعظم المحيط، والنصف الآخر مكشوف؛ مثلها مثل بيضة غائصة في الماء والنصف الآخر ناتئ من الماء. وهذا النصف المكشوف نصف منه خراب مما يلي الجنوب من خط الاستواء، والنصف الآخر الذي هوالربع المسكون مما يلي الشمال من خط الاستواء. وخط الاستواء هوخط متوهم ابتداءه من المشرق إلى المغرب تحت مدار رأس برج الحمل، والليل والنهار أبداً على ذلك الخط متساويان، والقطبان هنالك ملازمان للأفق، أحدهما مما يلي مدار سهيل في الجنوب، والآخر في الشمال مما يلي الجدي.
صفة الربع المسكون من الأرض
وفي هذا الربع الشمالي المسكون من الأرض سبعة أبحر كبار، وفي كل بحر منها عدة جزائر؛ تكسير كل جزيرة منها عشرون فرسخاً، إلى مائة فرسخ، إلى ألف فرسخ. فمنها بحر الروم وفيه نحوخمسين جزيرة، ومنها بحر الصقاليبة وفيه نحوثلاثين جزيرة؛ ومنها بحر جرجان وفيه خمس جزائر؛ ومنها بحر القلزم؛ وفيه نحومن خمس عشر جزيرة؛ ومنها بحر فارس وفيه سبع جزائر؛ ومنها بحر السند والهند وفيه نحومن ألف جزيرة؛ ومنها بحر الصين وفيه نحومن مائتي جزيرة. وفي هذا الربع أيضاً خمس عشرة بحيرة صغاراً؛ تكسير كل واحدة من عشرين فرسخاً إلى مائة فرسخ، إلى ألف فرسخ، منها مالح ومنها عذب. وأما بحر الغرب وبحر يأجوج ومأجوج، وبحر الزنج، وبحر الزانج، والبحر الأخضر، والبحر المحيط فخارج عن هذا الربع المسكون، وكل واحد من هذه الأبحر شعبة وخليج من البحر المحيط، وكلها مالح. وفي هذا الربع أيضاً مقدار مئتي جبل طوال، منها ما طوله من عشرين فرسخاً إلى مائة فرسخ، إلى ألف فرسخ، مختلف الألوان، ومنها ما يمتد طوله من المشرق إلى المغرب، أومن الجنوب إلى الشمال، ومنها ما يتنكب؛ ما بين المشرق والمغرب، ومنها ما يتنكب ما بين المشرق والشمال، ومنها ما هوبين العمران والمدن والقرى؛ ومنها ما هو في البراري والقفار؛ ومنها ما هو في الجزائر والبحار. وفي هذا الربع أيضاً مقدار مئتين وأربعين نهراً، طول كل نهر منها من عشرين فرسخاً إلى مائة فرسخ، إلى ألف فرسخ. فمنها ما جريانه من المشرق إلى المغرب، ومنها ما جريانه من الغرب إلى الشرق، ومنها من الشمال إلى الجنوب، ومنها من الجنوب إلى الشمال؛ ومنها ما يتنكب من هذه الجهات. وكل هذه الأنهار تبتدئ من الجبال وتنتهي بالبحار في جريانها، وإلى البطائح والبحيرات، وتسقي في ممرها المدن والقرى والسوادات؛ وما يفضل من مائها ينصب إلى البحار، ويختلط بماء البحر، ثم يصير بخاراً ويصعد في الهواء، وتتراكم منه الغيوم وتسوقه الرياح إلى رؤوس الجبال والبراري، ويمطر هناك ويسقي البلاد، وتجري الأودية والأنهار، ويرجع إلى البحار من الرأس، وذلك دأبها في الشتاء والصيف؛ ذلك تقدير العزيز العليم.
وفي هذا الربع سبعة أقاليم تحتوي على سبعة عشر ألف مدينة كبيرة، يملكها نحومن ألف ملك، كل هذه في ربع واحد من بسيط الأرض، وأما ثلاثة أرباعها الباقية فحكمها غير هذا.
صفة الأقاليم السبعة
الأقاليم هي سبعة أقسام، خطت في الربع المسكون من الأرض، كل إقليم منها كأنه بساط مفروش قد مد طوله من المشرق إلى المغرب، وعرضه من الجنوب إلى الشمال، وهي مختلفة الطول والعرض، فأطولها وأعرضها الإقليم الأول، وذلك أن طوله من المشرق إلى المغرب نحومن ثلاثة آلاف فرسخ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحومئة وخمسين فرسخاً، وأقصرها طولاً وعرضاً الإقليم السابع، وذلك أن طوله من المشرق إلى المغرب نحوألف وخمسمائة فرسخ، وعرضه من الجنوب نحومن سبعين فرسخاً. وأما سائر الأقاليم ففيما بينهما من الطول والعرض، وهذا مثال ذلك، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب:
فصل وأعلم أيها الأخ البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- إن هذه الأقاليم السبعة ليست هي أقساماً طبيعية،
وكأنها خطوط وهمية وضعتها الملوك الأولون الذين طافوا الربع المسكون من الأرض لتعلم حدود البلدان والممالك والمسالك، مثل أفريذون النبطي وتبع الحميري وسليمان بن داود الإسرائيلي- عليهما السلام- والإسكندر اليوناني وأزدشير بن بابك الفارسي، ليعلموا بها حدود البلدان والمسالك والممالك. وأما ثلاثة أٍرباعها الباقية فمنعهم من سلوكها الجبال الشامخة والمسالك الوعرة، والبحار الزاخرة والأهوية المتغيرة المفرطة التغير من الحر والبرد والظلمة؛ مثل ما في ناحية الشمال تحت مدار الجدي، فإن هناك برداً مفرطاً جداً، لأنه ستة أشهر يكون الشتاء هناك ليلاً كله، فيظلم الهواء ظلمة شديدة، وتجمد المياه بشدة البرودة، ويتلف الحيوان والنبات؛ وفي مقابل هذا الموضع في ناحية الجنوب حيث مدار سهيل يكون نهاراً كله، ستة أشهر صيفاً، فيحمى الهواء ويصير ناراً سموماً ويحترق الحيوان والنبات من شدة الحر، فلا يمكن السكنى ولا السلوك هناك. وأما ناحية المغرب فيمنع السلوك فيها البحر المحيط لتلاطم أمواجه وشدة ظلماته؛ وأما ناحية المشرق فيمنع السلوك هناك الجبال الشامخة. فإذا تأملت وجدت الناس محصورين في الربع المسكون من الأرض، وليس لهم علم بالثلاثة أرباع الباقية.
وأعلم أن الأرض بجميع ما عليها من الجبال والبحار بالنسبة إلى سعة الأفلاك ما هي إلا كالنقطة في الدائرة، وذلك أن في الفلك ألفاً وتسعة وعشرين كوكباً، أصغر كوكب منها مثل الأرض ثماني عشرة مرة، وأكبرها مائة وسبع مرات، فلشدة البعد وسعة الأفلاك تراها كأنها الدر المنثور على بساط أخضر، فإذا فكر الإنسان في هذه العظمة تبين له حكمة الصانع وجلالة عظمته، فينتبه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ويعلم أنه ما خلق هذه الأشياء إلا لأمر عظيم، وذلك قوله تعالى:" ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق".
فصل في الحث على النظر في الأرض للاعتبار
أعلم يا أخي بأن من دخل الدنيا وعاش فيها زماناً طويلاً مشغولاً بالأكل والشرب والنكاح، دائباً في طلب الشهوات والحرص على جمع المال والأثاث، واتخاذ البنيان وعمارة الأرض و العقارات، وطلب الرياسة متمنيا الخلود فيها، تاركاً لطلب العلم، غافلاً عن معرفة حقائق الأشياء، مهملاً لرياضة النفس، متوانياً في الاستعداد للرحلة إلى الدار الآخرة، حتى إذا فني العمر وقرب الأجل، وجاءت سكرة الموت التي هي مفارقة النفس الجسد، ثم خرج من هذه الدار جاهلاً لم يعرف صورتها، ولم يفكر في الآيات التي في آفاقها، ولا اعتبر أحوال مجوداتها، ولا تأمل الأمور المحسوسة التي شاهد فيها، فمثلهم مثل قوم دخلوا إلى مدينة ملك عظيم حكيم عادل رحيم قد بناها بحكمته، وأعد فيها من طرائف صنعته ما يقصر الوصف عنها إلا بالمشاهدة لها، ووضع فيها مائدة قوتاً للواردين إليها وزاداً للراحلين عنها، ثم دعا عباداً له إلى حضرته ليمنحهم بالكرامة، وأمرهم بالورود إلى تلك المدينة في طريقهم، لينظروا إليها ويبصروا ما فيها، ويتفكروا في عجائب مصنوعاته ويعتبروا غرائب مصوراته، ليروض بها نفوسهم، فيصيرون برؤيتها ومعرفتها حكماء أخياراً، فضلاء، فيصلون إلى حضرته، ويستحقون كرامته، فوردها قوم ليلاً فباتوا طول ليلتهم مشغولين بالأكل والشرب واللعب واللهو، ثم خرجوا منها سحراً لا يدرون من أي باب دخلوا، ولا من أيها خرجوا، ولا رأوا مما فيها شيئاً من آثار حكمته وغرائب صنعته، ولا انتفعوا بشيء منها أكثر من تمتعهم تلك الليلة بالكل والشرب وحسب.
فهكذا حكم أبناء الدنيا الواردين إليها جاهلين، الماكثين فيها متحيرين مكرهين، المنكرين أمر الدار الآخرة، الراحلين عنها كما قال الله- جل ثناؤه-:" ومن كان في هذه أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا." وقال ذماً لهم:" صم بكم عمي فهم لا يعقلون" بأمر الآخرة، فأعيذك أيها الأخ البار الرحيم أن تكون منهم، بل كن من الذين مدحهم عز وجل فقال- جل ثناؤه-:" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين" وحكى قولهم لما تمنوا عرض الدنيا حين قال:" يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذوحظ عظيم" وقال الذين أوتوا العلم بحقيقة أمر الآخرة:" ويلكم، ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً، ولا يلقاها إلا الصابرون" " وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذوحظ عظيم" وفقك الله أيها الأخ البار الرحيم للسداد، وهداك للرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد. وإذ قد فرغنا من ذكر الأرض ووصفنا الربع المسكون، نريد أن نذكر الأقاليم السبعة ونبين حدودها طولاً وعرضاً، وما في كل إقليم من المدن الكبار والجبال والأنهار الطوال.
فأعلم أيها الأخ البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن حدود الأقاليم معتبرة بساعات النهار وتفاوت الزيادة فيها، وبيان ذلك إنه إذا كانت الشمس في أول برج الحمل كان طول الليل والنهار وساعاتهما تتساوى في هذه الأقاليم كلها. فإذا سارت الشمس في درجات برج الحمل والثور والجوزاء اختلفت ساعات نهار كل إقليم، حتى إذا بلغت آخر الجوزاء الذي هوأول السرطان، صار طول النهار في وسط الإقليم الأول ثلاث عشرة ساعة، وفي وسط الإقليم الثاني ثلاث عشرة ساعة ونصفاً، وفي وسط الإقليمالثالث أربع عشرة ساعة، وفي وسط الإقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصفاً، وفي وسط الإقليم الخامس خمس عشرة سواء، وفي وسط الإقليم السادس خمس عشرة ونصفاً، وفي وسط الإقليم السابع ست عشرة سواء، وفي المواضع التي عرضها ست وستون درجة وما زاد إلى تسعين درجة يصير نهاراً كله، وشرح كيفيتها طويل مذكور في المجسطي.
وأعلم أن معنى كل طول بلدة ومدينة هوبعدها من أقصى المغرب؛ ومعنى عرضها هوبعدها من خط الاستواء، وخط الاستواء هوالموضع الذي يكون الليل والنهار هناك أبداً متساويين. فكل مدينة على ذلك الخط فلا عرض لها؛ وكل مدينة في أقصى المغرب فلا طول لها أيضاً. ومن أقصى المغرب إلى أقصى المشرق مائة وثمانون درجة، مقدار كل درجة تسعة عشر فرسخاً، وكل مدينة طولها تسعون درجة فهي في وسط من المشرق والمغرب، وما كان أكثر فهي إلى المشرق أقرب، وما كان أقل فهي إلى المغرب أقرب، وكل مدينتين إحداهما أكبر طولاً وعرضاً فهي إلى المشرق والشمال أقرب من الأخرى، والتفاوت الذي يكون بينهما في العرض كل درجة تسعة عشر فرسخاً بالتقريب؛ وأما تفاوتهما في الطول فمختلف، فما كان منها على خط الاستواء، فكل درجة في الطول تسعة عشر فرسخاً، وما كان في الإقليم الأول فكل درجة سبعة عشر فرسخاً، وما كان في الثاني فكل درجة خمسة عشر فرسخاً، وفي الثالث كل درجة ثلاثة عشر فرسخاً، وفي الرابع كل درجة عشرة فراسخ، وفي الخامس كل درجة سبعة فراسخ، وفي السادس كل درجة خمسة فراسخ، وفي السابع كل درجة ثلاثة فراسخ.
أسماء المدن الكبار
التي ليست في الأقاليم السبعة، وهي كل مدينة عرضها أقل من اثنتي عشرة درجة مما يلي خط الاستواء أولها مما يلي الشرق.
أسماء المدن الطول العرض بشمير من الهند قكب با جزيرة كوك من الهند قب ط مدينة الطيب من السند عب ه حضرموت من اليمن عبا 3 رعاه من الحبشة سيب كوكو من الحبشة ع يا
الإقليم الأول لزحل، وطوله من المشرق إلى المغرب 9555 ميلاً، 3185 فرسخاً، وعرضه من الجنوب إلى الشمال 445 ميلاً، 146 فرسخاً، وحده الأول مما يلي خط الاستواء، حيث يكون ارتفاع القطب الشمالي ثلاث عشرة درجة غير ربع، وساعات نهاره الأطول اثنتا عشرة ساعة ونصف وربع، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب عن الأفق ست عشرة درجة وثلثي درجة، وساعات نهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة، وحده الثاني حيث يكون ارتفاع القطب عشرين درجوونصفاً، وطول نهاره الأطول ثلاثعشرة ساعة وربع. وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحومن عشرين جبلاً، منها ما طوله من عشرين فرسخاً إلى مائة فرسخ، إلى ألف فرسخ، وفيه أيضاً مقدار ثلاثين نهراً طوالاً، منها ما طوله من عشرين فرسخاً إلى مائة فرسخ، إلى ألف فرسخ، وفيه من المدن المعروفة الكبار نحومن خمسين مدينة. وابتداء هذا الإقليم من المشرق على شمال جزيرة الياقوت، فيمر على بلاد الصين مما يلي الجنوب، ثم يمر على شمال بلد سرنديب، ثم يمر على وسط بلاد الهند، ثم يمر على وسط بلاد السند، ثم يقطع بحر فارس مما يلي الجنوب بلاد عمان، ثم يمر على وسط بلاد الشحر، ثم يمر على وسط بلاد اليمن، ثم يقطع بحر القلزم هناك، ويمر على وسط بلاد الحبشة، ويقطع نيل مصر هناك، ثم يمر على بلاد النوبة، ثم يمر على وسط بلاد البربر وبلاد البواي، ثم يمر على جنوب بلاد مرطانة، وينتهي إلى بحر المغرب، وعامة أهل هذه البلدان سود.
أسماء المدن الكبار التي في هذه الأقاليم، وهي كل مدينة عرضها من ثلاث عشرة درجة إلى عشرين درجة، فأولها ما يلي المشرق: أسماء المدن الطول العرض مدينة في أقصى الصي نسدط ظ مدينة في جزيرة من الصين قليب اسقريار وهي من الصين فكهبو ماسيوفا من الهند فيبو حارون من الهند قدلبط سقلي من السند مهيح عمان من بلاد الغرب سديح الميد من السند سدود مدينة أخرى على البحر ميلابححه عدن من اليمنلبز دنقلة من بلاد نوبة يبك كوص وواعلة من هلبك مملكة الحبشة كيط حرمى الكبرى كويط الإقليم الثاني للمشتري، وطوله من المشرق إلى المغرب 7655 ميلاً، وعرضه من الجنوب إلى الشمال 600 ميل، وحده الأول مما يلي إقليم زحل 40 حيث يكون ارتفاع القطب عشرين درجة ونصفاً، فطول نهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة وربع، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب أربعاً وعشرين درجة وست دقائق، ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف، وحده الثاني حيث يكون ارتفاع القطب من الأفق سبعاً وعشرين درجة ونصفاً ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع. وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحومن سبعة عشر ميلاً، ومن النهار الطوال من ذلك، ومن المدن المعروفة الكبار نحومن خمسين مدينة. وابتداء هذا الإقليم من المشرق ويمر على وسط بلاد الصين، ثم يمر على شمال بلاد سرنديب، ثم يمر على بلاد الهند مما يلي الشمال، ثم يمر على بلاد قندهار، ثم يمر على وسط كابل وشمال بلاد السند وجنوب بلاد مكران، ثم يقطع بحر فارس ويمر على بلاد عُمان، ثم يمر على وسط بلاد العرب، ثم يقطع بحر القلزم ويمر على شمال بلاد الحبشة وجنوب بلاد صعيد مصر، فيقطع نيل مصر هناك، ثم يمر على وسط بلاد الزقة وإفريقية، ثم يمر على شمال بلاد البربر وجنوب بلاد القيروان، ثم يمر على وسط بلاد مرطانة، وينتهي إلى بحر المغرب. وأكثر أهل هذه البلدان ألوانهم من بين السمرة إلى السواد.
فمن المدن الكبار التي في هذا الإقليم أولها مما يلي المشرق في أقصى بلاد الصين، وهوكل مدينة عرضها من ك إلى كرك وأولها مما يلي المشرق: أسماء المدن الطول العرض ط ما من الصين فمدك طفولا من الصين لمحمه طوانيا من الصين فمكد قرى من الهند فدأكد مدينة في سفح جبل منهف باكد الغمرة من السند بحكب البرور منه على البحر مزكع ل الدميل منهك بكدك ديار تلي منه عرمه كدم اليمامة من الحجازعامهكاد طائف من اليمن يجكب مكة من تهامة مركا يثرب مدينة الرسول سهكه إخميم من صعيد مصر به لكوب إفريقية من الغرب لهه بلاد السوانيك كا
الإقليم الثالث للمريخ، وطوله من المشرق إلى المغرب 8255 ميلاً، وعرضه من الجنوب إلى الشمال 355 ميلاً، وحده من سبع وعشرين درجة ونصف إلى ثلاث وثلاثين درجة وثلاثين دقيقة، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب عن الأفق ثلاثين درجة ونصفاً وخمساً، ونهاره الأطول أربع عشرة ساعة سواء. وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال ثلاثة وثلاثون جبلاً، ومن الأنهار الطوال اثنان وعشرون نهراً، ومن المدن المعروفة الكبار مئة وثمان وعشرون مدينة، وابتداء هذا الإقليم من المشرق، فيمر على شمال بلاد الصين وجنوب بلاد يأجوج، ثم يمر على شمال بلاد الهند وجنوب بلاد الترك، ثم يمر على وسط كابل، ثم على بلاد قندهار، ثم على بلاد مكران، ثم على جنوب بلاد سجستان، ثم يمر على وسط بلاد كرمان، ثم يمر على بلاد فارس مما يلي البحر، ثم يمر على بلاد العراق مما يلي الجنوب، ثم يمر على جنوب بلاد ديار بكر وشمال بلاد العرب، ثم يمر على وسط الشام، ثم يمر على بلاد مصر، ويمر على بلاد الإسكندرية، ثم يمر على وسط بلاد مرماريق، ثم يمر على وسط بلاد القادسية، وعلى وسط بلاد القيروان، ثم يمر عن بلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب؛ وأكثر أهل هذه البلدان سمر.
أسماء المدن التي في الإقليم الثالث وهي كل مدينة عرضها من" كرك إلى الحرم" أولها مما يلي المشرق: أسماء المدن الطولالعرض اراندا من الصينمحكج القندهار من الهندفك لب كابل من بلاد الهند صديهطل رويح من سجستان صبل برمكرانلحلو السرحان من كرمانعجلا شيراز من فارسعهلا الأهواز من خوزستانعدلب البصرة من العراقسطلخ الكوفة من العراقسهله دمشق من الشاملولب بيت المقدس من فلسطينلزمكط الفسطاس من مصرسلا الإسكندرية بطليموسلانهلا القيروان من المغرب كله طنجة من المغربصهلح الإقليم الرابع للشمس، طوله من الشمرق إلى المغرب 7855 ميلاً، وعرضه من الجنوب إلى الشمال 355 ميلاً، وحده من ثلاث وثلاثين درجة وثلاثين دقيقة إلى تسع وثلاثين درجة، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب عن الأفق ستاً وثلاثين درجة وخمسين دقيقة، ونهاره الأطول أربع عشرة ساعة ونصف. وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال خمسة وعشرون جبلاً، ومن الأنهار الطوال اثنان وعشرون نهراً، ومن المدن المعروفة الكبار نحومن مائتين واثنتي عشرة مدينة. وابتداء هذا الإقليم من المشرق فيمر على شمال بلاد الصين وجنوب بلاد يأجوج ومأجوج، ثم يمر على الترك مما يلي الجنوب وشمال بلاد الهند وطخارستان ثم يمر على شمال بلاد بلخ باسيان، ثم يمر على شمال بلاد مكران، ثم يمر على وسط بلاد سجستان، ثم بلاد كرمان، ثم بلاد فارس، ثم بلاد خوزستان، ثم يمر على وسط بلاد العرق، ثم يمر على وسط ديار ربيعة وديار بكر، ثم يمر على جنوب بلاد الثغر وشمال بلاد الشام، ويمر على وسط بحر الروم وجزيرة قبرص، ويمر في البحر على شمال بلاد مصر والإسكندرية، ثم يمر على جزيرة صقلية وشمال بلاد مرماريقي وبلاد القادسية وبلاد القيروان وبلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب. وأكثر أهل هذه البلدان ألوانهم ما بين السمرة والبياض. وهذا الإقليم هوإقليم الأنبياء والحكماء لأنه وسط الأقاليم، ثلاثة منها جنوبية وثلاثة شمالية، وهوأيضاً قسمة الشمس النير الأعظم. وأهل هذا الإقليم أعدل الناس طباعاً وأخلاقاً. ثم بعده الإقليمان اللذان عن جنبيه اعني الثالث والخامس. فأما الأقاليم الباقية فأهلها ناقصون عن طبيعة الأفضل، لأن صورهم سمجة وأخلاقهم وحشية مثل الزنج والحبشة. وأكثر الأمم الذين هم في الإقليم الأول والثاني، وكذلك الأمم الذين هم في الإقليم السادس والسابع مثل يأجوج ومأجوج والبلغار والصقالبة وأمثالهم، وهي كل مدينة عرضها من لح م إلى لط.
أسماء المدن العرض الطول كاشغر من بلاد الصين كطقف نفت من بلاد الترك لطص سمرقند من وراء النهر لورصدك بلخ من خراسان نورمه هراة من خراسان لحقد مرومن خراسان لووح نيسابور من خراسان لح رلو جرجان من الجبل لزمهعدك آمل من طبرستان لي عد الري من فارس لدمهعه الديلم وجيلانع لحعدم اصفهان من فارس لدكعح لو همذان من بلاد ماهان مرمي سط بغداد من العراق له كماله الوصل من ديار ربيعة لحسو حلب من الشام لدنبلح
الإقليم الخامس للزهرة، وطوله من الشرق إلى الغرب 7455 ميلاً، وعرضه من الجنوب إلى الشمال 255 ميلاً، وحده من تسع وثلاثين درجة إلى ثلاث وأربعين درجة ونصف، ووسطه من حيث يكون ارتفاع القطب إحدى وأربعين درجة وثلثاً، ونهاره الأطول 15 ساعة سواء.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحومن ثلاثين جبلاً، ومن الأنهار الطوال نحومن خمسة عشر نهراً، ومن المدن المعروفة الكبار نحومن مائتي مدينة. وابتداؤه من المشرق فيمر على وسط بلاد يأجوج ومأجوج، ويمر على وسط بلاد الترك وعلى بلاد فرغانة وبلاد اسبيجاب وعلى وسط بلاد ما وراء النهر، ويقطع جيحون، وعلى وسط بلاد خراسان وعلى شمال سجستان وكرمان وعلى شمال بلاد فارس ووسط بلاد الري والمهان، وعلى شمال بلاد العراق وجنوب بلاد أذربيجان، وعلى وسط بلاد أرمينية وشمال بلاد الثغر، ويمر على وسط بلاد الروم ويقطع خليج قسطنطينية هناك، ويمر على شمال بحر الروم ووسط بلاد رومية ويمر على جنوب هيكل الزهرة، وعلى وسط بلاد الأندلس، وينتهي إلى بحر المغرب. وأكثر أهل هذه البلدان بيض، وهي كل مدينة عرضها من لط إلى مج ك.
أسماء المدن الطول العرض بلاد يأجوج ومأجوج معاسح بلاد خاقان من الترك فرمت الطراز من بلاد التركي ولم كه سبيجاب من السند صحم خوارزم من وراء النهر فيهمو أردبيل من أذربيجان عحم أخلاط من أرمينية سرلط له ملطية من أرمينية سالط ماقارونية لهكد طر رومية الكبرى من الروم كحمح الإقليم السادس لعطارد، وطوله من المشرق إلى المغرب 7555 ميلاً، وعرضه من الجنوب إلى الشمال 255 ميلاً، وحده من ثلاث وأربعين درجة ونصف إلى سبع وأربعين درجة وربع، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب خمساً وأربعين درجة وخمسين دقيقة، ونهاره الأطول خمس عشرة ساعة ونصف.
وفي هذه الإقليم من الجبال الطوال نحومن اثنين وعشرين جبلاً، ومن الأنهار الطوال نحواثنين وثلاثين نهراً، ومن المدن المعروفة الكبار نحوتسعين مدينة. وابتداؤه من المشرق فيمر على شمال بلاد يأجوج ومأجوج، ويمر على جنوب بلاد سجستان، وعلى جنوب بلاد الثغر، وعلى وسط بلاد خاقان وجنوب بلاد كيماك، وعلى شمال بلاد اسبيجاب، وعلى شمال بلاد السغد وما وراء النهر، وعلى وسط بلاد خوارزم، و على شمال بلاد جرجان وطبرستان والديلم وكيلان ويقطع بحر طبرستان، وعلى وسط بلاد أذربيجان، وعلى وسط بلاد أرمينية وملطية على شمال بحر سطس وعلى شمال قسطنطينية، وعلى وسط بلاد مقدونية، وعلى وسط إفريقية مما يلي الشمال؛ ويمر على جنوب بحر الصقالبة، وعلى شمال هيكل الزهرة، وينتهي إلى بحر المغرب. وأكثر أهل هذه البلدان ألوانهم ما بين الشقرة والبياض، وكل مدينة عرضها من مح مد إلى مز به أولها مما يلي المشرق، والله أعلم.
الإقليم السابع للقمر، طوله من المشرق إلى المغرب 6655 ميلاً، وعرضه من الجنوب إلى الشمال 185 ميلاً، وحده من سبع وأربعين درجة وربع إلى خمسين درجة ونصف، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب عن الأفق ثمانياً وأربعين درجووثلثين، وطول نهاره الأطول ست عشرة ساعة سواء.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحومن عشرة جبال، ومن الأنهار الطوال نحومن أربعين نهراً، ومن المدن المعروفة الكبار نحومن اثنتين وعشرين مدينة. وابتداؤه من المشرق فيمر على جنوب بلاد يأجوج ومأجوج و بلاد سجستان وبلاد غرغر، وعلى بلاد كيماك، وعلى جنوب اللأن، وعلى شمال بحر جرجان وبلاد خنخ، وعلى جبل باب الأبواب، وعلى وسط بحر سطس، وعلى جنوب بلاد جرجان وشمال بلاد مقدونية، وعلى جنوب بحر الصقالبة، وجنوب جزيرة الري، وينتهي إلى بحر المغرب. وأكثر أهل هذه البلدان ألوانهم مائلة إلى الشقرة، وهي كل مدينة عرضها من مز به إلى مط، أولها مما يلي المشرق: أسماء المدن الطول العرض بلاد يأجوج له كمع ب بلاد كيماك من الترك ما كهعالا بلاد الجزائر من الترك لط معح جزيرة من بحر جرجان متمب مراغة من أذربيجان مولهكوكه جبل باب الأبوابم لا مط د بلاد بيحرمبكوكه بلاد هقطه من الروم ما س
فصل في خواص الأقاليم
وأعلم يا أخي بأن في كل إقليم من هذه الأقاليم السبعة ألوفاً من المدن تزيد وتنقص، وفي كل مدينة أمم من الناس مختلفة ألسنتهم وألوانهم وطباعهم وآدابهم ومذاهبهم وأعمالهم وصنائعهم وعاداتهم، لا يشبه بعضهم بعضاً. وهكذا حكم حيوانها ومعادنها، مختلفة الشكل والطعم واللون والرائحة. وسبب ذلك اختلاف أهوية البلاد وتربة البقاع وعذوبة المياه وملوحتها، ولك هذا الاختلاف بحسب طوالع البروج ودرجاتها على آفاق تلك البلاد، بحسب ممرات الكواكب على مسامتات تلك البقاع، ومطارح شعاعاتها من الآفاق على تلك المواضع. وهذه جملة يطول شرحها. وذكر أن ملكاً من الأولين أمر وقتاً من الزمان بأن تعد المدن المسكونة من الربع المسكون من الأرض، فوجد سبعة عشر ألف مدينة سوى القرى.
وأعلم بأنه ربما يزيد عدد مدن الأرض وينقص، وذلك بحسب موجبات أحكام القرانات وأدوار الأفلاك الألوف، وذلك أن بالقرانات الدالة على قوة السعود، واعتدال الزمان، واستواء طبيعة الأركان، ومجيء الأنبياء، وتواتر الوحي، وكثرة العلماء، وعدل الملوك، وصلاح أحوال الناس، ونزول بركات السماء بالغيث، تزكوالأرض والنبات، ويكثر توالد الحيوان، وتعمر البلاد ويكثر بنيان المدن. بالقرانات الدالة على قوة النحوس وفساد الزمان، وخروج المزاج عن الاعتدال، وانقطاع الوحي، وقلة العلماء، وموت الأخيار، وجور الملوك، وفساد أخلاق الناس وسوء أعمالهم واختلاف آرائهم، يمنع نزول البركات من السماء بالغيث فلا تزكوالأرض، ويجف النبات، ويهلك الحيوان، وتخرب المدن في البلاد.
وأعلم يا أخي بأن أمور هذه الدنيا دول ونوب تدور بين أهلها قرناً بعد قرن، ومن أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد.
فصل
وأعلم بأن كل دولة لها وقت منه تبتدي، وغاية إليها ترتقي، وحد إليه تنتهي؛ فإذا بلغت إلى أقصى غاياتها ومدى نهاياتها تسارع إليها الانحطاط والنقصان، وبدا في أهلها الشؤم والخذلان، واستأنف في الآخرين من القوة والنشاط والظهور والانبساط، وجعل كل يوم يقوى هذا ويزيد، ويضعف ذاك وينقص، إلى أن يضمحل الأول المقدم ويستمكن الآتي المتأخر. والمثال في ذلك مجاري أحكام الزمان، وذلك أن الزمان كله نصفان، نصفه نهار مضيء، ونصفه ليل مظلم، وأيضاً نصفه صيف حار، ونصفه شتاء بارد، وهما يتداولان في مجيئهما وذهابهما، كلما ذهب هذا، رجع هذا، وتارة يزيد هذا، وينقص هذا، وكلما نقص من أحدهما، زاد في الآخر بذلك المقدار، حتى إذا تناهيا إلى غايتهما في الزيادة والنقصان، ابتدأ النقص في الذي تناهى في الزيادة، وابتدأت الزيادة في الذي يناهى في النقصان، فلا يزالان هكذا إلى أن يتساويا في مقداريهما، ثم يتجاوزان على حالتيهما إلى أن يتناهيا في غايتيهما من الزيادة والنقصان، وكلما تناهى أحدهما في الزيادة ظهرت قوته وكثرت أفعاله في العالم، وخفيت قوة ضده وقلت أفعاله. فهكذا حكم الزمان في دولة أهل الخير ودولة أهل الشر: تارة تكون الدولة والقوة وظهور الأفعال في العالم لأهل الخير؛ وتارة تكون الدولة والقوة وظهور الأفعال في العالم لأهل الشر، كما ذكر الله- عز وجل- وقال:" وتلك الأيام نداولها بين الناس"، " وما يعقلها إلا العالمون".
فصل
وقد نرى أيها الأخ البار الرحيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- إنه قد تناهت دولة أهل الشر وظهرت قوتهم وكثرت أفعالهم في العالم في هذا الزمان، وليس بعد التناهي في الزيادة إلا الانحطاط والنقصان. وأعلم بأن الدولة والملك ينتقلان في كل دهر وزمان ودور وقران من أمة إلى أمة، ومن أهل بيت إلى أهل بيت، ومن بلد إلى بلد.
وأعلم يا أخي أن دولة أهل الخير يبدأ أولها من قوم علماء حكماء وخيار فضلاء يجتمعون على رأي واحد، ويتفقون على مذهب واحد ودين واحد، ويعقدون بينهم عهداً وميثاقاً أن لا يتجادلوا ولا يتقاعدوا عن نصرة بعضهم بعضاً، ويكونون كرجل واحد في جميع أمورهم، وكنفس واحدة في جميع تدبيرهم فيما يقصدون من نصرة الدين وطلب الآخرة، لا يبتغون سوى وجه الله ورضوانه جزاء ولا شكوراً، فهل لك أيها الأخ البار الحكيم- أيدك الله وإيانا بروح منه- بأن ترغب في صحبة إخوان لك نصحاء، وأصدقاء لك أخيار فضلاء- هذه صفتهم- بأن تقصد مقصدهم، وتتخلق بأخلاقهم، وتنظر في علومهم لتعرف مناهجهم، وتكون معهم، وتنجوبمفازاتهم، لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون، وفقك الله أيها الأخ وجميع إخواننا للصواب بفضله ومنه.حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم النصير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله.
شكرا يا كريم .... ما قصرت ... فعلا كتاب مشوق .. رح بلش أقرأ قريبا ...
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة