-
عرض كامل الموضوع : رحلة في فصول الحياة
19 أيلول
الإيمان الحيّ لا يمكنه البتّة أن ينمو نتيجة لمهارة بشريّة مكتسبة . نحن لا نكتسب الإيمان مثلاً كما نتعلّم العزف على البيانو . أنا أؤمن عندما يستوقفني روح الربّ . ففعل الروح في مثل هذا الشخص عميقّ حتى إنّه جعل القدّيس بولس يقول فيه إنّه " خليقة جديدة " , إنّه إنسان جديد . أمّا الشخص الذي لم يتجدّد بالروح , فحياته , في نظر بولس , " تبقى حياة بحسب الجسد " . كما أنّ حياة مَن تجدّد بالروح هي " حياة بحسب الروح " .
يقول يسوع , إنّ الروح هو الذي يُكسبنا حدساً بأنّ الله يثبّتنا و بعضدنا . و بالروح ندرك أنّنا أبناء الله الأحبّاء . و هذا الروح نفسه هو الذي يصرخ من أعماق نفوسنا : " يا أبانا ! " . فنحن لا نعرف أحداً بعد اليوم معرفةً بشريّة . فإذا كنّا قد عرفنا المسيحة يوماً معرفةً بشريّة , فلسنا نعرفه الآن هذه المعرفة . فإذا كان أحد في المسيح , فإنّه خلق جديد . قد زالت الأشياء القديمة و ها قد جاءت أشياء جديدة , و هذا كلّه من الله الذي صالحنا بالمسيح و أعطانا خدمة المصالحة , ذلك بأنّ الله كان بالمسيح مصالحاً للبشر و غير محاسب لهم على زلاّتهم و مستودعاً إيّاناً كلمة المصالحة " ( 2 قو -5-19/16)
كان لهذا التبدّل الكامل أثره العميق في حياة بولس ممّا جعله يقول في اختباره الشخصيّ لعلاقته بالله :
" فما أنا أحيا بعد ذلك بل المسيح يحيا فيّ " ( غاطية 20/2 ) .
20 أيلول
إنّ في كلّ منّا حاجة إلى رؤية من خلالها ننظر إلى واقع الحياة . فعندما نحاول أن نفهم ذواتنا و الآخرين , و الحياة و العالم و الله , لا بدّ لنا من أن نقوم ببعض التفسير أو التقويم . و في ذلك كلّه تبقى بعض القواعد و إمكانيّة استباق ما سوف يكون ضرورة . فلا يمكن الإنسان أن ينعم في حياة تعمّها الفوضى , و لمسة الروح هي التي تُكسب الإنسان القدرة على التركيز و الوضوح فتمكّنه من توضيح رؤيته و بلوغ ملء الحياة .
و سفر التكوين , أوّل أسفار الكتاب المقدّس , يصف في كلماته الأولى , روح الربّ و هو ينظّم خواء الخليقة الأولى .
" في البدء خلق الله السماوات و الأرض
و كانت الأرض خاوية خالية
و على وجه الغمر ظلام
و روح الربّ يرفّ على وجه المياه " ( تكوين 1 /1-2) .
روح الربّ يحوّل الخواء و الفوضى إلى جمال في الخليقة . و بعد ثمانية فصول , و في الكلام عن الطوفان , الروح نفسه يجعل مياه الطوفان تنخفض . و هنا أيضاً يعيد تنظيم الخليقة بعد أن عمّتها فوضى المياه . و هو يعد على لسان النبيّ يؤئيل بأنّه : " سيكون هذه أنّي أُفيض روحي على كلّ بشر " ( يوئيل 3/1) .
21 ايلول
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
يأتي الروح في يوم العنصرة ليحوّل تلامذة المسيح الجبناء التائهين إلى رسل اتّضحت أفكارهم و ترسّخت معتقداتهم . لقد تحوّل ضياعهم إلى وضوح في هدفيّة الحياة . إنّه روح الله يوجّه المسيحيّين الأوّولين , يثبّت لكنيسته قادة , يشفي المرضى , يُنعش القلوب , يهب الشعوب قدرة على الحبّ تفجّر فيهم قوّة جديدة من شأنها أن تجدّد وجه الأرض
إنّ لمسة الروح هذه تبدّل كلّ شيء في الإنسان و في العالم من حوله
فإذا بالإنسان خليقة جديدة , و إذا بوحي الله الذي قد يبدو خياليّاً قد أصبح واقعاً : إنّ لمسة الروح تثمر اتزاناً و سلاماً و انتظاماً , فتبدّد الفوضى التي في رؤية الإنسان للواقع . إنّ لمسات الروح تترك دائماً في عواطف الإنسان و نهج سلوكاً آثاراً عميقة . هو يختبر نوعاً جديداً من الوحدة الداخليّة , " وحدة الروح برباط السلام " ( أفسس 3/4 ) . إنّه يصبح خليقة جديدة تسير بقوّة الروح في أرجاء عالم الله الرائع و تنعم بملء الحياة التي دعا الله إليها أبناءه .
إن ما يجعلني على محور لقاء هو العدد المتزايد للمتابعين
نلتقي نصلي نتحاور صامتون
شموعنا تضيئ و أبخرتها تتعانق
فلولا أعدادكم لشعرت بوحدتي :pos:
كونوا بخير
:D
22أيلول
حقيقة الله كما أجدها في التعاليم اليهوديّة - المسيحيّة و كما أؤمن بها شخصيّاً , هي أنّه يحبّني من دون شروط ,أنّه يقول لي بلسان نبيّه أشعيا : " لقد أحببتك حقّاً , و حبّي لك لن ينضب و إذا نسيت أمّ طفلها , ثمرة أحشائها , فلن أنساك أبداً ... لقد حفرت اسمك على كفّ يدي كي لا أنساك " .
يمكننا بالطبع أن نرفض الله و نتنكّر لحبّه . و إذا ما حدث لك أن قدّمت حبّك لشخص فرفضه , يمكنك أن تعرف ماذا تعني ذلك . فالتنكر لحبّ الله يشكّل واقع الخطيئة . و لكنّ الله يبقى هو هو و حبّه لنا لا يتغيّر أبداً . رفضنا له لا يتسبّب بأيّ نقص فيه و ذراعاه أبداً مفتوحتان ترحّبان بنا .
23 ايلول
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
إنّ من أهمّ شروط الحبّ أن يكون بلا شروط . لأنّ الحبّ المشروط ليس بحبّ حقيقيّ , إنّه تعاقد : " سوف أستمر في حبّي لك ما دام ...إلى أن ... شرط أن...." .
إنّ في أسفل العقد شروطاً كُتبت بأحرف صغيرة جداً , و على الحبّ , قبل ذلك , أن يتقيّد بكلّ تلك الشروط و إلا تمّ فسخ العقد و كأنّه لم يكن . في الحبّ المشروط تهديد للآخر بأنّ الحبّ المشروط يبدو المرء و كأنّه أمام ميزان كفتاه فارغتان و هو يقول للآخر : " إذا وضعت ما لديك أن تقدّم في إحدى كفتي الميزان أضع آنذاك ما لدّي في الكفّة الأخرى . و لكن كن على يقين من أنّني لم أدعك تغلبني , فأنا أراقب ما تعمل . فإذا أبيت أن تلتقيني في منتصف الطريق فلن أترك المكان الذي أنا فيه " . طبعاً مثل هذا الحبّ لن تُكتب له الحياة .
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
إنّ الكثير من الغضب الذي نلقاه في الدنيا هو من نتائج هذا النوع من الحبّ المشروط . و نحن في النهاية نكره الشخص الذي يقدّم لنا حبّاً مشروطاً لأنّنا نشعر بأنّه يستعملنا , فنقول له : " أنت ما أحببتني قط , بل أحببت وجهي الجميل ما دام جميلاً , و أحببت ثيابي النظيفة و طلبت إليّ أن أحافظ على نظافتها . و أحببت علاماتي العالية و أوضحت لي بأنّ الفشل غير مقبول . لقد أحببت ما فيّ من قدرات و لكنّك ما أحببتني أنا . كنت دائماً أسير و أنا في غاية الحذر , و قد عرفت أنّني إذا فشلت في تلبية متطلّباتك سألقى منك معاملة المدخّن لسيجارته , تأخذ منّي ما طاب لك , ثمّ تلقي بما تبقّى منّي خارجاً " .
24ايلول
الحبّ في طبيعته غير مشروط . و لكن ما العمل إذا ما أحببت شخصاً لا ألقى منه سوى خيانات متتاليّة ؟ فهل الحبّ غير المشروط يغفر و يستمرّ في الحبّ ؟ إنّ الإجابة عن هذا السؤال المهمّ ليست بسهلة . الحبّ طبعاً لا يطلب إليّ أن أكون ساذجاً . لذا عليّ أن أقرّر ماذا يفرض عليّ الحبّ أن أقول و أن أفعل , و كيف يتطلّب منّي أن أكون . المسألة هنا ليست قضيّة غفران . طبعاً أنا أغفر لك أنّ الحبّ لا يضع حدوداً للغفران . و لكنّ السؤال يبقى : " ما هو الأفضل لك و لي ؟ " و هذا ما يجب عليّ فعله .
عليّ أن أحاول خلق شيء من التوازن بين حبّي لك و حبّي لذاتي . لذا يجب أن أسأل : " ما هو السبيل الأفضل للحفاظ على احترامي لذاتي و لمساعدتك في الوقت نفسه ؟ " الحبّ في الحقيقة فنّ و ليس هو علماّ . لذا قد لا نجد لأسئلتنا دائماً أجوبة واضحة . و الحبّ في كلّ حال لا يعدنا دائماً بطريق فُرشت بالورود .
فإذا ما تخليّت عنك لأنّك خذلتني , أكون قد مارست نوعاً من الحبّ المشروط . و لكنّني لا أسلك نحوك سلوكاً محبّاً إذا ما أبقيت على ثقتي فيك بعد أن تماديت في عدم أمانتك . و إذا ما فعلت , بقيت أنت في ضعفك , و أخللت أنا في واجب حبّي لذاتي هذا السؤال الصعب : " ما هي الطريقة الفضلى , لك و لي التي يجب أن أتبعها , في الظروف التي نعيش , و ماذا يجب أن أقول و أفعل ؟ و قد يأتي يوم أجد فيه نفسي مضطراً إلى أن أطلب منك أن تختار إمّا أن تكون أميناً فنبقي على صداقتنا و إمّا أن نفترق إذا ما كنت تصرّ على البقاء في عدم أمانتك .
25 أيلول
مهما كانت درجة نموّك و مهما كانت مشاغلك , فالله يُثبتك في الخير الذي أنت فاعله و يلمس بحنانه ضعفك , فحبّه ثابت للأبد . إنّه يحبّك و ليس عليك أن تتغيّر أو تنمو أو تكون صالحاً لكي يحبّك , بل أنت محبوب علّ حبّه يمكّنك من أن تتغيّر و تنمو و تصبح صالحاً .إنّ فهمك لحبّه غير المشروط يرتدي أهميّة قصوى و عليك فقط أن تتذكّر أناساً مثل :
بطرس " الصخرة " , الذي غالباً ما كان أشبه " بتلّة الرمل " , يرفع صوته متنكّراً لذاك الذي أغدق عليه حبّاً خاصاً .
و زكّا , ذلك القزم الذي كان يجبي الجزية للرومان و يبتزّ بني قومه .
مريم المجدليّة , تلك المرأة " الشبكة " .
يعقوب و يوحنّا اللذان كانا يظهران كطفلين أحياناً , و في غاية السخف أحياناً أخرى , كما تراهما في تلك المناسبة التي قصدا فيها خراب بلدة بكاملها لأنّها ما أحسنت استقبالهم "
فأكسبهما ذلك , مع السخرية , لقب " بني الرعد " .
و أندراوس الذي كان ساذجاً ,فظنّ أنّ خمس خبزات و سمكتين ستّشبع آلاف الناس .
و توما الذي أصبح شكّه مضرب المثل .
و مرتا , مرتا التي كانت تُقلق الجميع بتذمّرها و همهماتها .
و المرأة التي أُخذت في زنى و التي عاشت في قلق رهيب إلى أن أنقذها يسوع من الموت و غفر لها خطيئتها .
و اللصّ على الصليب الذي صلّى , ربّما للمرّة الأولى ,فكان من الربّ أن وعده حالاً بالملكوت .
الرجل الأعمى , الذي لم يعرف مَن هو يسوع و جلّ ما عرف أنّه كان أعمى و أصبح الآن يبصر !
الصبيّ الكسيح الذي كان في جسده حاجة إلى الشفاء و لكن كان يجب أن تُغفر خطاياه قبل أن يُشفى من مرضه .
الابن الضاّل الذي ظهر قاسي القلب في البداية , و لكنه تاب عائداً إلى بيته عندما جاع ليجد و الداً ينتظره بقلب مفتوح و ذراعين مبسوطتين .
شاول الطرسوسيّ الذي كان " صدره ينفث تهديداً و تقتيلاً لتلاميذ المسيح " إلى أن التقى المسيح و هو في طريقه إلى دمشق فاكتشف فيه السيّد المحبّ .
الله في المسيح أحبّ هؤلاء كلّهم , قوّاهم , غفر لهم ,شجّعهم , و طرح عليهم كما يطرح اليوم على الملايين أمثالهم و أمثالنا , النحدّيات التي من شأنها أن تقود إلى العظمة و السلام و ملء الحياة .
26 أيلول
لقد شاء المسيح أن يموت كما عاش : محبّاً بلا شروط .
على كلّ صليب يُعلّق عليه المسيح و قلبه مفتوح , و ذراعاه ممدودتان ليضمّ إلى صدره كلّ ضعيف و متألم في هذا العالم , يجب أن تُحفر الكتابة التالية : " هذا ما أعني عندما أقول إنّي أحبّك " ! .
إذا كان مثل الابن الضالّ قصّة حبّ غير مشروط , فالمسيح على الصليب هو صورة ذلك الحبّ كما في الحبّ نفسه , ففي شخص المسيح يجتمع الدفء و التحدّي . ففي الدفء اختبار ارتياح و لا أعمق . إنّ سلامه و تفهّمه يرافقاننا دائماً , لا سيما في تلك اللحظات التي نشعر فيها بعمق ضعفنا : " تباعد عنّي يا سيّد " , قال بطرس و كأنّه ينوح , " لأنّني رجل خاطئ " .
و لكنّ الحبّ غير المشروط لا يتباعد أبداً . و جلّ ما سأل يسوع بطرس , و ما يسأل كلاً منّا : " أتُحبني ؟ " إنّه لا يسأل عن الضعف فينا , بل عن حبّنا . إنّ هذا في الحقيقة لمريح . و هذا هو التحدّي : " ليحبّ أحدكم الآخر كما أحببتكم أنا !" .
27 أيلول
في سردوقائع ما عُرف " بتجربة المسيح " , ( لوقا 4 /1-13 ) , يوضح يسوع في بداية حياته العلنيّة للناس مبدأ حياته .
و بوضوح أكثر , تراه يرفض مبادئ ثلاثة عرضها الشيطان عليه . إنتظر يسوع حتّى سنّ الثلاثين كي يبدأ حياته العلنيّة , كما كان يفعل كلّ معلّم في إسرائيل , في تلك الآونة . و قبل أن يبدأ يسوع حياته العلنيّة قاده الروح إلى الصحراء .
التجربة الأول كانت دعوة المسيح ليعتنق اللذّة مبدأ لحياته . كان يسوع قد أقام في البريّة أربعين يوماً , و لم يأكل شيئاً فلمّا انقضت أحسّ بالجوع . وَعْد الشيطان له كان إشباع جوعه الجسدّي , فأتى جواب يسوع : " في الحياة ما هو أهمّ من الخبز بكثير " .
فصعد به إبليس إلى مكان مرتفع , " و أراه جميع ممالك الأرض في لحظة من الزمن " و وعده بالسلطان على كلّ تلك الممالك و شعوبها فرفض يسوع مبدأ الحياة هذا أيضاً : " للربّ إلهك تسجد و إيّاه وحده تعبد " . فالمسيح لا يعمل لا في سبيل اللذّة و لا طمعاً بسلطان .
فمضى به الشيطان إلى شرفة الهيكل و طلب إليه أن يلقي بنفسه من هناك , لأنّه مكتوب : " يوصي ملائكته بك ليحفظوك " . الشيطان يحاول , أمّا تصميم المسيح فلا يتزعزع , إنّه لن يفرّط بمسؤوليته الشخصيّة عن حياته . فالتجربة الثالثة , في نظري , تعني , في ما تعني , أنّنا لسنا بالحقيقة أحراراً . و فيها محاولة لحملنا على القبول بأنّ هنالك حتميّة تجعلنا نبرّر تهربّنا من المسؤولية , فجواب المسيح واضح : " لا تجرّبَنّ الرب إلهك " .
لقد شاء المسيح أن يوضح لنا مبدأ حياته و يعلنه بعزم , و كأنّه يقول : " لن أعيش للسعي إلى اللذّة أو السلطة , و لن أسمح بأن يتحمّل آخر مسؤولية حياتي و أعمالي " .
28 أيلول
ما يعمله الحبّ :
الحبّ يقبلك كما أنت ,
يشجّع ما هو حسن فيك و فريد ,
يهتمّ بك و يقلق عليك ,
يدفع بك لتعطي الأفضل ,
يواكبك في عمق مشاعرك ,
يشجّعك على الثقة بنفسك .
الحبّ حليم في تعامله معك ,
يحترم السرّ الذي إئتمنته عليه .
إنّه مترفّق ,
و هو يدافع عنك دائماً في الحقّ .
يضحك دائماً و لا يضحك أبداً عليك ,
يبحث عمّا هو حسن فيك و جميل
و يجده .
الحبّ يجعلك تفرح بما أنت عليه ,
يغضّ الطرف عن صغائرك و ضعفك ,
و يُصلي ليلبّي الله حاجاتك ,
و ينمّيك .
يجد الحبّ فيك فضائل لم يكتشفها أحد سواه ,
يُشركك في أعماق ذاته ,
و يقف إلى جانبك عندما تكون بك حاجة إلى مَن يدافع عنك .
إنّه رفيق حتّى في مجابهته لك ,
يتحمّل مسؤوليّة سلوكه ,
و يقول لك الحقّ كلّ حين و يصدق ,
يهتمّ بك و بما فيك من حاجات .
هو يقسو عليك و يلين بحسب الواقع الذي تعيش
يقدّرك قويّاً و يقبلك في ضعفك و هو يتفهّمك في " أيّامك الصعبة " .
عندما قرأت يوم 28 أيلول شعرت برغبة كبيرة بالعودة للإصحاح ال 13 من رسالة مار بولس لأهل كورنتوس ,
و نقلت لكم الإصحاح لما يتضمنه من :
غنىً فكري للمحبة , عمقاً روحي للعلاقة بيني و بين الله و توجيهاً جديداً لعلاقتي مع الآخر .
الإصحاح الثالث عشر
13: 1 ان كنت اتكلم بالسنة الناس و الملائكة و لكن ليس لي محبة فقد صرت نحاسا يطن او صنجا يرن
13: 2 و ان كانت لي نبوة و اعلم جميع الاسرار و كل علم و ان كان لي كل الايمان حتى انقل الجبال و لكن ليس لي محبة فلست شيئا
13: 3 و ان اطعمت كل اموالي و ان سلمت جسدي حتى احترق و لكن ليس لي محبة فلا انتفع شيئا
13: 4 المحبة تتانى و ترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر و لا تنتفخ
13: 5 و لا تقبح و لا تطلب ما لنفسها و لا تحتد و لا تظن السوء
13: 6 و لا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق
13: 7 و تحتمل كل شيء و تصدق كل شيء و ترجو كل شيء و تصبر على كل شيء
13: 8 المحبة لا تسقط ابدا و اما النبوات فستبطل و الالسنة فستنتهي و العلم فسيبطل
13: 9 لاننا نعلم بعض العلم و نتنبا بعض التنبوء
13: 10 و لكن متى جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض
13: 11 لما كنت طفلا كطفل كنت اتكلم و كطفل كنت افطن و كطفل كنت افتكر و لكن لما صرت رجلا ابطلت ما للطفل
13: 12 فاننا ننظر الان في مراة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه الان اعرف بعض المعرفة لكن حينئذ ساعرف كما عرفت
13: 13 اما الان فيثبت الايمان و الرجاء و المحبة هذه الثلاثة و لكن اعظمهن المحبة
29 أيلول
ما لا يعمله الحبّ
الحبّ لا يستعملك و لا يحتقرك ,
لا يطلب منك أن تعيش على غير ما تبغي ,
لا يلومك و لا يحقد عليك ,
لا يغضب أو يحاول فرض إرادته بالصياح أو الدموع .
إنّه لا يقطع الحوار معك ,
لا يرهقك بنصائح لم تطلبها ,
و لا يحكم عليك أو ينصّب ذاته طبيباً نفسيّاً لك .
لا يكون قبوله لك بمثابة إنعام من لدنه ,
و لا يتطلّب منك يوماً بعد يوم أن تبرهن عن صدقك و محبّتك .
لا يجد في نفسه حاجة إلى أن يكون دائماً على حقّ ,
و لا يحرد و يمتنع عن مواجهتك .
لا يعاقبك بحقد إذا ما أخطأت ,
و لا يدوّن كلّ ما أسأت به إليه .
و لا يبيّن كبره ليجعلك تعي الصغائر التي فيك .
لا يُضعف ثقتك بنفسك ,
و لا يستعملك من أجل تزواته الشخصيّة , ثمّ يميل عنك و يمضي .
لا يصبّ عليك غضبه و كأنك " مستوعب مهملات " ,
و لا يتخلّى عنك لأنّك ما لبيّت مطالبه .
( قد تجد في اللائحة التي تقدّمت ما يوقظ فيك مشاعر جميلة . و لكن قد يكون لديك ما تضيفه إلى هذه اللائحة أو ما تنزعه منها , لا يهمّ فلائحتك هي تلك التي تدوّن فيها ما تراه أنت مهمّاً ) .
30 أيلول
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
هذا , في نظري , ما أراد يسوع أن يوضّحه لبطرس و لتلاميذه . فطيلة حياته معهم , و لا سيّما في أثناء العشاء السرّي , في اللحظات الأخيرة من وجوده معهم , أراد أن يشدّد على الحقيقة التالية : إنّّ مملكتي مملكة حبّ ! لا مكان فيها للمنافسة و التسلّط . و لا هي مرتع للذّة و لا ملجأ لمَن يرفض مجابهة الحياة . فالشرط الوحيد لدخول الملكوت إنمّا هو اعتناق الحبّ كمبدأ للحياة . و هنالك علامة واحدة تشير إلى هويّة المسيحيّ :
" إذا أحبّ بعضكم بعضاً عرف الناس جميعاً أنّكم تلاميذي " ( يو 13 / 5 ) .
هذا ما حاول يسوع تبيانه لبطرس عندما قال له : " إذا لم أغسلك فلا نصيب لك معي " ( يو 13 / 8 ) . فالسلطة الوحيدة في ملكوتي هي سلطة الحبّ ! و على أثر الجدال السخيف بين التلاميذ في مَن هو الأهمّ بينهم , غسل يسوع أرجلهم و قال لهم : الحقّ الحقّ أقول لكم : ما كان العبد أعظم من سيدّه , و لا كان الرسول أعظم من مرسله . أمّا و قد علمتم هذا , فطوبى لكم إذا علمتم به " . ( يو 13 / 12 - 17 ) .
عليّ أن أطرح على ذاتي السؤال نفسه مرّة : أتراني أفهم حقّاً ؟ أتراني أؤمن حقّاً أنّ يسوع دعاني لأتّخذ من الحبّ , مبدئه في الحياة , مبدأ لحياتي ؟ أتراني أفهم حقّاً أنّ هذا الالتزام هو الطريق الوحيد إلى السعادة الحقيقية ؟ تلك هي الأسئلة التي تبقى الأجوبة عنها راقدة في عمق ذاتي . و عليّ أن أحاول البحث عنها حيث هي . و هذه , بالنسبة إليّ , قضيّة حياة أو موت .
1 تشرين الأول
من الحقائق الأساسية في الحياة توق عميق إلى الكمال في الإنسانيّة , إلى عيش ملء الحياة . و أعظم رهبة تنتاب الإنسان هي رهبة من ضياع فرحة الحياة . إنّ صلاتي تختلف باختلاف اختبار حياتي اليومي و حاجاتها , و أنا لا أنفكّ أردّده كلّ يوم : " يا إلهي , و يا أبي , لا تدعني أموت قبل أن أعيش ملء الحياة و أعرف عمق الحبّ " . و هذه صلاتي من أجلك أيضاً . إنّي أضع هذه الأفكار بين يديك , تدفع بي رغبة عميقة إلى أن أراك تعيش ملء الحياة . لقد عثرت على ما أظنّه شيئاً حسناً , منشّطاً , ينعش الحياة , و أودّ أن أشركك في اكتشافي هذا .
في سياق حياتي , و أنا أبحث جاداً عمّا يحقّق ملء الحياة فيّ , تعلمّت أنّ أهمّ لحظات وجودي و ابعادها أثراً في حياتي هي تلك التي أحسست فيها أنني " أبصرت " جديداً . و نفاذ البصيرة هذا , الذي يعطي عالمي أبعاداً جديدة و يعمّق مشاركتي في الحياة , و يفاجئني كفرحة عيد قد نسيتها . و هو يطل أحيانا , متسللاً كالفجر , و في جعبته هدية من نور و حياة . لقد شعرت بفرح كبير و تناغم عميق مع روح العالم النفسيّ كارل ينغ Carl Jung عندما اكتشفت كونه أضاف إلى الفضائل الثلاث : الإيمان و الرجاء و المحبّة , فضيلة جديدة هي فضيلة " التبصّر " .
من الضروري , طبعاً , أن يمتحن " التبصّر " في مختبرات الحياة . فكلّ معرفة لا تبدل في نوعية الحياة عميقة , و في قيمتها شك . و كل مرة يحصل تبديل عميق في نمط الحياة , يمكن , بالمقابل , العودة بهذا التبديل إلى " تبصّر " جديد أو أدراك جديد . تلك كانت مسيرتي في الحياة و مما لا شك فيه أن ذلك يشكل نمطاً في صلب مسيرة كل إنسان .
2 تشرين الأول
نحن نصغي غالباً بعقلنا فقط , فنتفحص ما يقدم لنا من معطيات و نحاول أن ندرك منطق الأمور , فتتحول مشاعر الآخر عندنا إلى مشكلات , و كأن ما ينتج عن المعطيات من شعور يبقى خارج سياق الحوار الذي نحن فيه .
إننا عندما نصغي إلى الوقائع فقط ندرك جزءاً مما يجول في نفس الآخر , أما الحقيقة الكاملة فتبقى محجوبة عنا ... لذلك نحن مدعوون , عندما تطرح علينا الأسئلة , لا إلى أن نجيب فقط عن السؤال , بل إلى أن نرد أيضاً على السائل , أن نتفاعل مع الحال النفسية التي تكمن وراء الأفكار التي تطرح .
إن ما يحول دون ولوجي إلى عمق مشاعر الآخر , و هو يكلمني , هو انشغالي بالأمور الأخرى من حولي . و أهم من ذلك انشغالي بما يجول في نفسي من ردات فعل على كلامه , أو ما ينتظرني من مشاغل . و انشغالي هذا لا بد و أن يظهر بشكل من الأشكال في تحركاتي أو على قسمات وجهي ... و الرسالة التي يتبلغها الآخر , في مثل هذه الحال , بسيطة جداً : " أنا آسف و لكنك لا تتمتع لدي الآن بكثير من الأهمية " .
و قد علمتني خبرتي أنني عندما أخرج من ذاتي إلى لقاء شخص آخر , لا بد و أن أعود ببعض الجديد الذي يُغنيني . عندما أعيش , و لو لفترة قصيرة , في عالم إنسان آخر , لا بد و أن أحمل من تلك الذات بعضاً مما هو فريد لديها .
إنها خبرة تزيد من غنى الذي يعطي و الذي يأخذ في آن .
3 تشرين الأول
قصتي هذه ترقي إلى سنوات خلت , يوم كنت في ألمانيا , أحاول أن أتملك لغة أبنائها .
كان لي الحظ أن أقيم , لفترة من الزمن , في دير للراهبات , في منطقة نائية من مقاطعة بافاريا , و كانت هناك راهبة نحيلة البنية , ابنة أربعة و ثمانين عاماً , تسهر على ترتيب غرفتي . و كنت كلما غادرت تلك الغرفة تأتي تنظفها , لا أعني تنظيفاً سطحياً , بل كانت تشمع خشب أرضها , و تلمع مفروشاتها , إلى آخر ما هنالك من أعمال .
و حدث يوماً أني عدت إلى غرفتي , بعد نزهة قصيرة , لأجد الأخت " شوستر " على ركبتها .
تُنهي تشميع الأرض و تلمعها .
فقررت أن أُمازحها , فقلت ضاحكاً : " يا أُختي إنك تُرهقين نفسك في العمل ! " .
فانتصبت تلك الأخت العزيزة المندفعة على ركبتها , و شخصت بنظرها إليّ و خاطبتني بجدية كادت أن تتحول إلى خطورة ,
قالت : ألا تعلم أن ثمن السماء ليس برخيص ؟!" .
بارك الله فيها , فقد تدربت على الإيمان , و آمنت حقاً , من كل قلبها , أن ثمن الحياة الأبدية عيش على الأرض تظلله المشقة .
علينا أن ندفع ثمن السماء , و أنه في الحقيقة لباهظ . فأنا على يقين من أن السماء الآن ملك لتلك الأخت الطيبة , فقد عاشت , بكل أمانة , بحسب معتقداتها . فما من شك أن في السماء قطعة سُجلت خصيصاً لأرواح كتلك التي للأخت شوستر .
و لكن لا يسعني أن أصدق أن هذا السعي الدؤوب , الكثب , لنيل , مقام في السماء , هو في الحقيقة طريقة الحياة التي انتدبنا إليها الرب .
كما أنّي لا أعتقد أن الله يريدنا أن نُدمي في الزحف رُكبنا و أيدينا لنحصل على قطعة في السماء عندما نقتطع من الأرض . فالله لا يفرض على المرء " قطعة من لحمه " ثمناً للحياة الأبدية . أنا أعتقد حقاً أن الحياة الأبدية قد بدأت فينا و هي تنمو في ظل أمانتنا لله الذي يحيا في داخلنا , و أن لنا في ذلك عيداً دائماً . نحن أغصان في كرمة المسيح ( يو 15 / 5 ) .
4 تشرين الأول
إننا ننمو و ننضج كأشخاص من خلالا طرق متعددة . و لكن النمو الشخصي يأتي بنوع خاص من خلال ممارسة اثنين من قدراتنا : العقل و الإرادة . يجب أن يُسمح لنا بأن نفكر و نقرر .
و هذا يعني بالطبع أننا سنُخطئ أحيانا في التفكير و في التقرير . و هذا جزء من حياة كل انسان . فمن دون امكانية التقرير مع خطر الوقوع في الخطا , لا مجال لتحقيق النضج الذي يصبو كل منا اليه .
هنالك طريق لن يقود الى النمو و هو أن أسير على هدي عقل آخر و بتوجيه إرادة غير إرادتي .
أنا لن أكبر أبداً إذا تركت أحداً يفكر عني و يتخذ عني القرارات في حياتي , و بالتالي علي أن أحرص بدوري على ألا أفكر عن سواي مخافة أن أسيء إلى مسيرة نضجهم و لا أن أقوم مقام الآخر في اتخاذ القرار خشية أن أنمي فيه روح الاتكالية فأكون حجر عثرة في سبيل نموه .
5 تشرين الأول
إن وعي تلك الحقيقة أضاف بعداً جديداً , لا إلى حياتي فقط , بل إلى تفكيري في الطبيعة البشرية أيضاً . كنت قد تيقّنت أن الحبّ هو الحلقة الأساسية في مسيرة العيش العميق الحيّ , و أنّ نجاحه رهن بإرادتي عل العمل لإنجاحه .
بدا لي جلياً أن عمليّة الاتصال هي للحبّ نبع الحياة , و أن الخبرة و التعبير عن العواطف هما بمثابة اللبّ من عملية الاتصال . و وعيت أيضاً أنّ ما من أحد يمكنه أن يُحدث عواطف في شخص خر , بل جلّ ما يستطيع المرء تحقيقه , هو عملية توعية لتلك العواطف الراقدة في انتظار مَن يوقظها .
و بعد أن انتقلت من تبصر إلى تبصر , و في كل تبصر عمق فهم جديد يكشف لي أرضاً جديدة , بقي يراودني سؤال واحد :
ماذا لو قرر المرء أن يعمل بوحي كل تبصر , و يختبر الوحدة و الخوف و الغضب ... بعمق , و يعبر عنها بنضج , ماذا بعد ذلك ؟
فهل مجرد التعبير عن تلك العواطف السلبية المضنية يكفي لإحداث تغيير إيجابي في نمط ردّات الفعل عند المرء ؟؟
من علماء النفس مَن يجيب بالإيجاب عن هذا السؤال , و منهم مَن يرى عكس ذلك .أما خبرتي الخاصة ,مع نفسي و مع اخرين ,فتقودني إلى الاعتقاد بأن تغييراً في نمط شعور سلبي لا يحصل إلا من خلال التفكير الذي يبدل في النظرة إلى الواقع , يبدل في الرؤية .
يبدو لي الآن بديهياً أن ردات أفعالنا العاطفية ليست قسماً ثابتاً من كياننا ,بل إنها تنبع من نظراتنا إلى أنفسنا ,إلى الآخرين و إلى الحياة و العالم و الله .
هذه النظرة تتحول إلى محور للحياة ,في إطاره نعمل و نتحرك . و من خلال أفكارنا و مواقفنا ,تنبثق ردات أفعالنا العاطفية . فالعواطف السلبية , إذا كانت ثابتة ,تشير إلى أن هناك وهما في تفكيرنا و تقلبا في رؤيتنا .
6 تشرين الأول
" الإنسان الكامل " يستطيع الخروج من ذاته , و عنده القدرة على الالتزام . و هو في خروجه من ذاته و في التزامه دائماً حرّ . " الإنسان الكامل " بالطبع شخص حر . هناك العديد من " محبي الناس " بيننا . الذين يهبون من وقتهم و مما عندهم , و كأنهم مُدمنون " مرغمون " على العطاء .
يبدو أن فيهم حاجة تدفع بهم إلى ذلك و تقض مضجعهم , و فكأن قلقاً أو شعوراً بالذنب تملكهم و هو يشدهم من أنفهم من عمل خير إلى عمل خير آخر . " فالإنسان الكامل " يخرج من ذاته نحو الآخرين و نحو الله نفسه , لا بدافع قسري قلق , بل بعمل حر , لمجرد أنه قرر أن يفعل ذلك .
الفيلسوف مارتن هيدغير Martin Heidegger - , و في حديث عن الاتحاد في الحب , يحذر من خطرين يُخشى على النمو منهما : الارتياح المكتفي بذاته الذي يرضى بما هو , و النقيض لذلك , أي الحركة التي لا تعرف الهدوء , فتفتقر من إلهاء إلى إلهاء ,بحثاً عن شيء ما في الأفق . النتيجة في رأي هيدغير هي دائماً هجر للذات . في الحب , علينا أن نعتنق و نشغف بالذي هو , و نطمح في الوقت نفسه لنبلغ ما هو أكمل . ذاك هو الاتزان الذي يبلغه " الإنسان الكامل " بين " ما هو " و ما " سوف يكون " .
"الإنسان الكامل " لا يعتبر نفسه ملتصقاً بمن أو ما يحب , و كأنهم ملحقات لذاته . كبريال مارسل - Gabriel Marcel في كتابه " ما أنا و ما أملك ". يأسف كيف أن حضارتنا تعلمنا أن نملك الأشياء , بينما عليها أن تعلمنا كيف نتجرد منها . فالإنسان لا يستطيع أن يعيش حياة حقيقية , و لا يمكنه أن يكون حراً من دون أن يتمرس على التجرد .
7 تشرين الأول
" الإنسان الكامل " شخص فاعل لا راد فعل . يخبر الصحافي سدني هاريس - Sydney Harris - قصة حدثت لصديق له مع بائع صحف
" سلم صديقه على بائع الصحف بكل تهذيب , فبادره بائع الصحف برد قاسٍ دافعاً بالصحيفة في وجهه . أخذ صديق هاريس الصحيفة بكل تهذيب و ابتسم متمنياً لبائع الصحف وقتاً طيباً . و تابع الصديقان طريقهما , و دار بينهما في الطريق الحديث التالي :
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
سأل هاريس صديقه قائلاً :
- هل يتعامل معك بهذه الوقاحة دائماً ؟
- نعم بكل أسف .
- و هل أنت تبادله بالتهذيب نفسه ؟؟
- نعم .
- لِمَ أنت لطيف معه إلى هذا الحد , مع أنه يعاملك عكس ذلك تماماً ؟
- لأني لا أريده هو أن يقرر عني كيف سأتصرف أنا .
8 تشرين الأول
كلما تمرست على الإتكالية ألفتها , و قد تجعلني أشعر بأن فيك حاجة دائمة إلي , فتسر أنت بأنني أخفف من عنائك , و أشعر أنا ببعض النشوة من جراء إعرابك لي عن شكرك العميق , فأطرب لذلك و قد أوهم نفسي بأنني أقدم إليك خدمة هامة .
و لكن سرعان ما تجد أنك تقوم باستمرار بدور " المحتاج إلى مساعد " و أقوم أنا بدور " المساعد " . و هكذا أشجعك على الاتكالية و أحول دون بلوغك النضج الذي أنت قادر على تحقيقه .
فماذا تفعل إذا عندما يأتيك شخص هو في صدد اتخاذ قرار مستقبلي بعد أن أُرغم عل ترك عمله لأنه رفض الانصياع إلى أوامر رئيسه ؟ أجد نفسي عادة , في مثل هذه الحال , أحول دون اتباعي ميلاً فيّ إلى الإسدال بالنصح و الإفراط بالشروحات , فأجيب عن طلبه بسؤال أوجهه إليه : " ليس لدي الحل لما تطلب , و لكن ما رأيك أنت في الأمر؟ ما هي إمكانيات الحل في نظرك ؟؟ " و قد أضيف , بعد أن أفسح له في المجال كي يفكر بعض الشيء : هل خطر ببالك أن تتدرب في الكلية على عمل آخر في سوق العمل حاجة إليه ؟ أتظن أن موقفك ممن يمثلون السلطة تأثر بالعلاقة القائمة بينك و بين والدك ؟
عندما يأتي شخص يبحث عن بعض المعلومات , من الطبيعي أن أقدمها إليه إذا ما كانت لدي . و لكن عندما يحاول الإفادة من المعلومات ليتخذ قراراً ما , فذلك , يقع , في الأساس , على عاتقه هو .
9 تشرين الأول
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
هذا يوحي بأن " الإنسان الكامل " هو سيد نفسه , و لا يميل مع كل ريح تهب, و لا هو سجين صفائر الآخرين و غضبهم و نقمتهم , و حقدهم على الناس . فالأجواء لا تؤثر فيه بقدر ما يؤثر هو في الأجواء .
إننا , في غالبيتنا , نشعر مع الأسف و كأننا مركب يتيه بين الأمواج , نفقد الاتزان عند هبوب الرياح و اهتياج الأمواج . نتفوه بعبارات كهذه : " لقد جعلتني أحنق بكل عنف " . " أنت في الحقيقة تُزعجني كثيراً " . " ملاحظتها أحرجتني جداً " . " هذا الطقس يُتعب أعصابي " . " مجرد مشاهدته تُحزنني ".
لاحظ أن الأمور التي ذكرناها " تؤثر بطريقة ما في وفي عواطفي ". ليس عندي ما أقوله عن غضبي و حزني و تعب أعصابي ... و كسائر الناس ,أكتفي بإلقاء اللوم عل آخرين , و على الظروف و سوء الحظ . " الإنسان الكامل " يعرف , كما قال شكسبير في يوليوس قيصر : " إن المشكلة , يا عزيزي بروتس , ليست في نجمنا , بل فينا ... " يمكننا أن نرتفع فوق غبار المعركة اليومية التي تخنق العديد منّا و تُعمي عيوننا . و هذا بالضبط ما هو مطلوب في مسيرة نمو كل شخص .
10 تشرين الأول
يدعو الله كلاً منّا إلى أن نعيش الحياة بملئها , فننعم من لدنه بسلام عميق . و عندما يعكر صفو ذلك السلام ألم , أجسدياً كان أم عاطفياً أو روحياً , ففي ذلك دعوة إلى وقفة تأمل تقود بي إلى داخل ذاتي , أسئل نفسي عمّا هو في . إنه لمن الضرورة بمكان أن أطرح هذا السؤال على نفسي بشجاعة و صدق . أنا لست مسؤولاً عن أن أغير الآخر , و لا العالم من حولي و لا أيضاً موقع النجوم التي فوق . و لكنه بإمكاني أن أغير ذاتي .
ففي وقفة تأمل و صلاة , يمكنني أن أعود بالألم الذي فيّ إلى حقيقة موقفي من الحياة و من الآخر و من الله . قد يكون ذلك الموقف سليماً و لكنه مؤلم في آن , و لكن إذا كان بين حياتك و حياتي وجه شبه , فلا بد و أن نكتشف , كما يحدث لي غالباً , أن ، موقفي لا يمّت إلى مبادئي المسيحية بصلة و أن ذلك البعد عن الحقيقة التي تحررني هو السبب الكامن وراء ألمي .
فرجوعي إلى ذاتي و وقوفي على حقيقة الحال التي أنا فيها بداية طريق العودة إلى ذلك السلام الذي من شأنه أن يبدد من نفسي كل ألم .
11 تشرين الأول
إن مسيرة النضج رهن بطريقة تعاملنا مع المصاعب و التحديات . الإنسان غير الناضج لا يرى إلا المصاعب : إنها تصدم بصره فيتعذر عليه تخطيها . و اهم من ذلك ,فإنه يحجم عن التبصر في موقفه منها . المصاعب تمر و لكن موقفنا منها يبقى . يذكرنا هذا يقول وليم جيمس William James : " في السماء إله يغفر لنا سيئاتنا , أما الطبيعة البشرية فهي لا تنسى " . مواقفنا من المصاعب محفورة في نفوسنا و أجسادنا .فكل ردة فعل , أياً كانت درحة نضجها , تتفاعل لتكون بداية عادة جديدة فينا . و من خلال المواقف وردات الفعل الناضجة , نتمرس على النضج الذي يحدد كياننا . و كذلك المواقف المتتالية التي تفتقر إلى النضج , فهي أيضاً تلقي بدورها في أرضنا .
على المسيحي أن يقبل ذاته دائماً كإنسان في سفر , و يعي أنه لا بد للمسافر من أن يعرف الفشل . و من الضروري أن تخضع المثل دائماً لامتحان الخبرة . و هكذا , فمُثُلنا التي تبدو لنا في الغالب جميلة جداً , سرعان ما تتحول إلى صراع , إلى نكران للذات , إلى معركة لضبط النفس , إلى إرادة مجدداً على أثر فشل و إلى قبول واعٍ لسر الصليب .
المشكلة في العمق لا تكمن في حادث فشل ظرفي , بل في ردة الفعل عندنا على هذا الفشل . إن ردة فعل الإنسان المسيحي يجب أن تأتي دائماً محصنة بثقة عميقة , مبنية على قناعة راسخة بأن الله يقف دائماً إلى جانبه , و أن حب الله أقوى من أي ضعف عند الإنسان , و لا بد لمسيرة النضج من أن تصطدم ببعض العقبات , و تتعرض لبعض الكبوات . و لكن الفشل الوحيد الحقيقي يكمن في الانهزام . عندما تقوى المتاعب , على المسيحي أن يصبح أقوى , عليه أن يكون دائماً أكبر من المشكلة . و في النهاية سيُفضي به تصميمه على الحب إلى أمام صليب الحب المتجسد , و هناك , في المسيح المنتصر , يجد لنفسه الغلبة .
12 تشرين الأول
إنني غالباً ما أفكر في رجال و نساء كبار و كيف أفهم , في تخطيهم ذواتهم تركوا بصماتهم في التاريخ , و منهم مَن احدث تغييراً كبيراً في وجه الدنيا .ما كان حدث لو أن كريستفوفر كولومبوس قال في نفسه : " هل من الممكن أن يكون الكل مخطء و أنا وحدي على حق ؟ و ماذا لو فشلت محاولتي وضعت في عرض البحار ؟ ماذا سيقول الناس عني ؟ " .
و ماذا لو أن توماس جيفرسن استسلم لمخاوفه و قال : " أن أكتب إعلان الاستقلال لدولة جديدة ؟هل بإمكاني أن أفعل ذلك ؟ ما حدث لي لو فعلت ذلك من قبل ! " .
قد تقول في نفسك : " هذا صحيح , و لكنني لست بكريستوفر كولومبوس و لا أنا توماس جبفرسن " . في هذه الحال اسمح لي أن أجيبك " صحيح , و لكن أحدهما لم يكن نا هو عليه قبل أن يجاذف في محاولة تخطي ذاته " .
13 تشرين الأول
نحن غالباً من ننسى أن كل إنسان يحمل في ذاته ميلاً طبيعياً إلى النمو الشخصي يشبه النمو الفيزيولوجي إلى حد ما . فعندما ننظر إلى جسد طفل . نعرف أنه , إذا ما توفر له الوقت و الاهتمام اللازمان , سوف ينمو إلى ملء قامته . و كذلك هي الحال في النمو الشخصي فالإنسان , الذي بلغ مرحلة ما في مسيرة نموه هذه , لا بد و أن يكمل المسيرة نحو النضج , إذا ما توفرت له المساحة الزمنية و الاهتمام الشخصي الذي يحتاج إليهما . و الغذاء الضروري للنمو الشخصي هو قبول الآخرين لنا و تشجيعهم فالإنسان لا يمكنه أن ينمو في جو يرفضه . إذ إن المجال الطبيعي لنموه الشخصي إنما هو احتضان المحيط البشري له , و قبوله هو لذاته .
الحقيقة أننا عندما نجابه بالرفض و عدم الرضى , يتكون لدينا , أنت و أنا , موقف يحملنا على التوقف حيث نحن لأننا نفتقر إلى الحاجة أو القدرة على التقدم و النمو , و كأن قوة قد انتُزعت منّا .... إن بي حاجة إلى أن أُقبل كما أنا فتكون لدي القدرة على السير قدماً نحو ما يمكنني أن أكون .
قبولك لي و احترمك لمسيرتي أنجح بكثير من أية نصائح يمكنك أن تقدمها لي .
14 تشرين الأول
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
الإنسان الذي يعيش ملء الحياة يفيد كلّ الإفادة من كافة مؤهلاته و قواه . فهو ينمّي قواه الداخلية و يفيد منها كما أنّه يعمل جاهداً ليكون فاعلاً حيث هو .إنه يعيش بسلام مع ذاته , و هو منفتح على كامل الخبرة البشرية و يعبر عن حقيقته ببساطة و شفافية . إن مثل هؤلاء الأشخاص أناس تنبض الحياة في قلوبهم , و العقل عندهم و الإرادة في يقظة دائمة . في العديد منّا خشية تكاد أن تكون طبيعية من الاندفاع في الحياة بملء قوانا . نحن نفضل , باسم الإيمان , أن نغب من الحياة ما نحن متيقنون من هضمه . أما الإنسان الذي يعيش ملء الحياة , فهو ينخرط في الحياة بقوة , و اثقاً بأن مَن يوظف كل طاقاته بجدية يحصد نمواً متزناً لا يعرف الضياع و لا الفوضى .
الإنسان الذي يعيش ملء الحياة حي في جميع حواشه ، يرى جمال العالم و يطرب للموسيقى و الشعر . هو ينعم بأريج كل يوم جديد ، و يتذوق عذوبة كل ساعة من حياته ، و القبح من حوله يُحزنه و يؤذيه .إن في تسلق الجبل صراعاً و لكنّ المنظر من رأس الجبل رائع .الإنسان الذي يعيش ملء الحياة فسيح المخيلة ، مرح المزاج ، مرهف الشعور ، و هو يعرف كيف يواجه الألم كما أنه يتقن التنعم بالفرح .إنه لم يفقد بهجة الدهشة و في قلبه رقة لطف و دفء حنان .
15 تشرين الأول
الإنسان الذي يعيش ملء الحياة حيّ في عقله . هو يعي أهمية قول سقراط و حكمته : " الحياة التي لم تُفهم لا تستحق أن تعاش " . و هو بفكر باستمرار , و بتساءل عن معنى الحياة ، و يصغي إلى ما تطرح عليه الحياة من أسئلة . فيه قلب يخفق بقوة و له إرادة لا تخشى الصعاب .
يحبّ كثيراً و في حبه صدق . إنه يحترم نفسه ، و على هذا الاحترام يبدأ بناء الحبّ . الإنسان الذي يعيش ملء الحياة إنسان يقدر نعمة الحياة و ما وضع فيه الله من قدرات . و يقدر نِعمَ الآخرين و يقلق عليهم . فسعادتهم و نجاحهم و سلامة عيشهم في صلب همومه . إنه ملتزم بالأمانة الصادقة لمَن يحب .
إنّ لأمثال هؤلاء الناس فرح الحياة ، و لهم فيها دائماً بهجة عيد . فحياتهم ليست مسيرة جنائزية مستمرة ، بل إنهم في كل غد على موعد جديد مع الحياة . للحياة عندهم معناها و للموت أيضاً معناه . و ساعة يأتي يجد فيهم قلوباً مفعمة بالامتنان لكل ما كان ، و لما كانوا هم عليه ، و لخبرة حياتهم الجميلة . فكأن ابتسامة تعمّ كيانهم بأكمله و هم يستعرضون حياتهم . و العالم من بعدهم سيبقى مكاناً تحلو فيه الحياة ، و يعمه الفرح و روح الإنسانية ، لأنهم هنا عاشوا و هنا ضحكوا و أحبوا .
16 تشرين الأول
الإنسان الذي يعيش ملء الحياة ، و لأنه يفعل ، يختبر الفشل كما يختبر النجاح ، و يتعرض للألم كما يعيش الفرح . لديه أسئلة متعددة و قلة من الأجوبة . هو يبكي و يضحك ، يحلم و يأمل .
و لكن الخبرة الوحيدة التي تبقى غريبة عن حياته هي خبرة السلبية و الامبارلاة . إنه يقول " نعم " للحياة بكل قواه ، و يستجيب لدعوة الحب من دون تردد . يحس بنبضات الحياة و النمو تدفع به نحو التجدد ، و هو يعمل باستمرار ، فعقله متيقظ و في قلبه شوق إلى التطور .
كيف السبيل إلى مثل هذه الحال ؟
غن الحكمة المعاصرة تشير إلى مراحل خمس تسيير بالإنسان نحو طريقة الحياة تلك . كل مرحلة تُبنى على سابقتها ، و لكن من دون أن يتوقف النمو تماماً في أية مرحلة من المراحل . فكل مرحلة ، في حد ذاتها ، تبقى هدفاً لا ننفك نصبو إليه . و في كل مرحلة ، خطوة جديدة في صلب الرؤية و دخول أعمق في محور الحياة ، و وعي أوضح أو نفاذ بصيرة . و بقدر ما يتعلق المرء في وعيه ، يمكنه أن يحقق ملء الحياة في ذاته .
المراحل الخمس هي :
1- أن يقبل الإنسان نفسه .
2- أن يعيش ذاته .
3- أن ينسى ذاته في الحب .
4- أن يكون مؤمناً .
5- أن يشعر بالانتماء .
ما من شك أن كل نمو يبدأ بقبولٍ فرحٍ للذات . و إلا بقي الإنسان رهنية ألم دائم و حرب داخلية متواصلة . و بقدر ما نقبل أنفسنا ، نتحرر من الخوف ، من عدم قبول الآخرين لنا ، نتحرر فتنمو ثقتنا بأنفسنا . و لكننا ، إذا ما عشنا فقط لأنفسنا ، فسرعان ما تتحول حياتنا كلها إلى سجن صغير . علينا أن نتلعم كيف نخرج من ذواتنا لندخل في علاقات مع الآخرين ، و العلاقات هي دوماً رهن بمستوى الصدق و الشفافية عند الإنسان . و إذا ما خرج الإنسان من ذاته ليكون في صلة حب . عليه أن يطور تلك الصلة ليعيش اختبار إيمان بشخص أو بقضية . و ذلك الاختبار يعطي حياته معنى و يفعمها بهاجس رسالة . و بقدر ما تمتلئ الحياة برسالة و معنى ، يتطور عند المرء شعور بالانتماء ، و تصبح الجماعة حقيقية و واقعاً لننظر في الأيام المقبلة عن كثب في كل من تلك المراحل الخمس .
17 تشرين الأول
الإنسان الذي يعيش ملء الحياة يقبل نفسه و يحب ذاته كما هو . هو لا يعيش في انتظار غد قد لا يأتي ، يظهر هو فيه كما يود ان يكون . إنه يشعر ، كما أنت و أنا أشعر ، عندما نلتقي شخصاً نقدر و نحب . يرى ما هو حسن في حياته ، و يقدر حتى صغائر الأمور من قدراته على الابتسامة ، إلى أكبر القدرات عنده ، يقدر ما هو في أساس طبعه و ما حققه هو بتعبه . و عندما تصدر عنه الصغائر يتعامل مع ذاته بعطف و وداعة . يحاول أن يفهم من دون أن يدين . يفرض على نفسه نظاماً قاسياً و لكن بوداعة .
إن النبع الذي منه يستقي المرء ملء الحياة إنما ينبت في الداخل .
و يعلمنا علم النفس أن قبول الذات و النظرة الإيجابية إلى النفس و الفرح الداخلي في الحياة ، كلها تشكل الأساس الذي عليه تُبنى الحياة الحقيقية و النبع الذي فيه يبدأ كمال الإنسان .
18 تشرين الأول
الإنسان الذي يحاول أن يعيش ملء الحياة شخص تحرر عندما قبل ذاته ، فأصبح بإمكانه أن يعيش حقيقته بشفافية ، إذ إنه ما من إنسان يمكن أن يخاطر في تحمل مسؤولية العيش بشفافية إلا إذا عرف كيف يقبل ذاته بفرح .
في الإنسان توق إلى أن يكون ذاته .
و لكن ارتداء الأقنعة أمر قد يُغري ، لأنه يسهل الحياة و يبني من حولنا سياجات توفر علينا الكثير من الأذى ، و لكنها تقيم حاجزاً بين الواقع و بيننا ، فتشوه رؤية الواقع عندنا ، و تخفف من قدرتنا على الحياة .
إذا كان بإمكاني أن أعيش ذاتي فهذا يعني أني أصبحت حراً أُفصح عمّا أشعر به و أفكر فيه . و الشخص الصادق ينحو إلى الاستقلالية في التفكير و القرار . و قد تخطى الحاجة الملحة إلى موافقة الآخرين على ما هو و على ما يعمل . لا يبيع نفسه إلى أحد ، و ليست عواطفه و أفكاره و قراراته برسم الإيجار . شعاره في طريقة عيشه :
" كن صادقاً مع نفسك " .
19 تشرين الأول
ينسى الإنسان ذاته في الحب
بعد أن يقبل الإنسان نفسه و يعيش ذاته بصدق ، ينطلق في محاولته أن يعيش ملء الحياة ، نحو التمرس على نسيان الذات و إتقان فن الحب .
يتعلم كيف يخرج من ذاته كي يشاطر الآخرين همهم بصدق .
إن حجم عالم المرء بحجم قلبه . و نحن نشعر بارتياح في واقعنا بقدر ما تعلمنا أن نحبه . فالمرأة أو الرجل الذي يعيش بصدق ، يخرج من عالم الأنانية الضعيف الظالم الذي لا يتسع إلا لشخص واحد . هم يعايشون الآخرين عن قرب و يشاطرونهم آلامهم و أفراحهم بكل عفوية .
و في ولوجهم إلى عالم الآخرين بصدق و عفوية ، يكبر عالمهم ، و مدى خبرتهم الإنسانية يتسع . إنهم يعيشون خبرة لا يستحقها سوى أولئك الذين التزموا بالآخرين و أحبوهم حباً " لا أعظم منه " ،
حب مَن هو مستعد لأن يبذل نفسه في سبيل من يحب .
أن يكون الإنسان محباً ، فهذا لا يعني أنه يدور يعمل الخير و يدوّن ذلك ليفتخر به ، و كأنه يستعمل الآخرين كمطية لأنانيّته . الإنسان الذي يحب حقاً ، يتعلم كيف يجعل و يأبى الظهور على المسرح ، بل يبقى دائماً وراء الكواليس . فإذا لم يكن اهتماماتنا بالآخر صادقاً ، فحبنا لا يعني شيئاً . و ما من إنسان يمكنه أن يتعلم كيف يعيش ، إن لم يتعلم كيف يحبّ .
20 تشرين الأول
بعد أن يكون الإنسان قد تعلم كيف يتخطى ذاته ، آنذاك يبدأ يكتشف معنى لحياته . هذا المعنى هو ما سماه فيكتور فونكل Victor Frankl " دعوة خاصة أو رسالة حياة " . إنها قضية التزام بشخص يؤمن به أو بقضية يجند في سبيلها قواه . هذا الإيمان - الالتزام هو الذي يعطي حياة الإنسان نهجها ، فيأخذ كل جهد معناه و قيمته الخاصة . و إذا ما كرس الإنسان نفسه لمثل تلك المهمة ، فلا بد و أن يرتفع فوق تفاهة صغائر الأمور التي تنهش معنى الحياة فتشوهه . و إذا ما خلت حياة امرئ من المعنى ، تحول همه من خدمة الآخرين إلى ذر الرماد في عيونهم . و قد يلجأ إلى اختبارات متعددة ، يبحث دائماً من خلالها عما يحطم التراتبية الفارغة المقلقة في حياته . و لربما بلغ به الأمر إلى ضياع في أدغال أوهام خلقها فيه مخدر أو مسكر . الطبيعة البشرية تمقت الفراغ . فأما أن يكون لنا قضية نؤمن بها ، و أما أن نقضي ما تبقى من العمر في محاولة تعوبض عن فشل نعيشه في عمق أعماقنا .
21 تشرين الأول
العنصر الخامس و الأخير الذي يُساهم في نمو الإنسان الذي يعيش ملء الحياة إنما هو " مكان إليه ينتمي " و " الإحساس بالانتماء إلى جماعة " . الجماعة هنا تعني وحدة بين أشخاص ، شراكة في ما هو أثمن شيء لديهم : أنفسهم . يعرف أحدهم الآخر و الكل منفتح على الكل . بينهم شركة حياة و حب . مثل هؤلاء الأشخاص يشعرون بالانتماء إلى عائلاتهم ، إلى أبناء دينهم و إلى العالئلة البشرية بأجمعها . و هنالك أفراد يشعرون بسلام إذا غابوا عنها شعرت بغيابهم و إذا ماتوا بكت على فقدهم .
هم يفرحون بالعطاء كما بالأخذ .
و إذا ما عزلنا أنفسنا نحس بأننا نفتقر .
فيدفع ذلك بنا إلى وحدة و غربة ، حيث لا مجال للحياة . في الطبيعة البشرية قاعدة لا مفر منها : " نحن لا يمكن أن نكون أقل من أفراد، و لكننا لا نكون يوماً فقط مجرد أفراد .
فما من امرئ يستطيع أن يكون جزيرة .
الفراشات حرة
، أما نحن فبنا حاجة إلى قلب آخر تأوي إليه قلوبنا ....
22 تشرين الأول
في مسيرة النمو الإنساني ، يبقى الأساس محور الحياة ، أي مدى التطلع العادي إلى الإنسان ، تلك النظرة الأساسية إلى الذات ، إلى الآخرين و الحياة و العالم ، و إلى الله .
إن في مدى رؤيتي حدود لما يمكنني تحقيقه .
و بالتالي ، إذا كان لك أو لي أن نبلغ في نمونا ملء الإنسانية و يصبح كل منا مليئاً بالحياة ، فعلى كل منا أن يعي حقيقة رؤيته و يعمل بصبر و نشاط على تقويم ما أعوج فيها و تشذيب ما وُجب تشذيبه . من هنا ينطلق كل نمو حقيقي . قد يحاول الإنسان الخجول أن يُخفي خجله وراء ثقة في النفس مزعومة ، و لكن هذه الحال لا تتعدى كونها برقعاً يرتديه المرء مكان برقع آخر .
و لكن يحدث نمو حقيقي في أحدنا إلى أن نغير نظرتنا إلى الواقع و تتبدل عندنا الرؤية .
23 تشرين الأول
الإنسان الذي يعيش ملء الحياة ينعم في ما قد يحس به الآخرون أنه واجب أو عمل شاق . ليس هو مرغم أن يعمل ، بل إنه يريد ذلك حقاً . إنه على علم بالأشواك و لكنه يركز على الورود . و لكل يوم جديده ، فما من يوم يكون نسخة عن يوم آخر . و ما من إنسان هو اليوم ما كان عليه البارحة . و بما أن الرؤية لدى الناس منفتحة على كل جديد ، فالذين يعيشون ملء الحياة هم أبداً في ترقب لوعي أبعاد جديدة . و تلك الأبعاد تُنعشهم و تجدد نظرتهم إلى الحياة .
إنتبه ! أرني و أنا أتحدث عن الأشخاص الذين يعيشون ملء الحياة ، و عن رؤيتهم و أسئلتهم الأساسية ، أراني أشعر ببعض الارتباك . لا أود أو أظهر بمظهر مَن يتكلم عن مثل أعلى لا يمت إلى الواقع بصلة . فمن الممكن أن يسكر بعضهم من الإفراط في التفاؤل ، فكأن كل شيء هو دائماً على ما يرام ، و أن الحياة كلها جمال ! فلا شك أن مثل هؤلاء فقدوا علاقتهم بالواقع ، أنا أعرف تاجراً غنياً جداً يتوقع أن يكون الجواب في كل أمر يُسأل عنه " عظيماً ! و هنالك العديد ممن يدعون المعرفة في علم النفس يقولون لنا بلهجة الخبراء الكبار أن كل ما علينا أن نعمل هو أن نتفاءل و نفكر بشكل إيجابي . علينا أن نتناسى فشلنا و أن نسير في طريق الورود . و هذا كفيل بأن يغير كل شيء ! فهذا و لا شك هراء خطر .
إنه هراء واضح لأن تبديل التفكير في الواقع قد يغير في الموقف تجاه الواقع ، و لكن ليس بإمكانه أن يغير الوقائع ذاتها . فالحزن عند فقد حبيب يبقى مؤلماً . و مرارة الفشل لا تبدد ، و رفض الآخرين لنا لا ينفك يؤلمنا . و ما من شك أن الأشخاص الذين يعيشون ملء الحياة يحسّون " بوخز سهام القدر الشائن " . إن الألم يزيدهم عمقاً ، و رقة شعور و رحمة ، و لكنهم يتألمون .
24 تشرين الأول
ما من شك في أن لتوقعاتي الأثر العميق في إحلال السعادة في حياتي . و هذه أمثولة يصعب تعلمها . فبقدر ما أنتظر أن تأتيني السعادة من الخارج ، من الأشياء أو من الأشخاص أنفسهم ، أحكم على أحلامي بالموت إذ إن السعادة تنبع من الداخل .
نحن في غالبيتنا رومنطقيون فاشلون .
و المؤسف أن موت الآمال الرومنطيقية أمر عسير .
نحن نستمر في نسج أحلام لا تمت إلى الواقع بصلة ، و نروح نُخفي حقيقة الواقع وراء أقنعة من الألوان الزاهية .
نبني قصوراً في السماء و نُقنع أنفسنا بأن السعادة أشبه بمعادلة سحرية ، فإذا ما عرفنا المعادلة ملكنا السعادة .
و لكن القنوط سرعان ما يداهمنا كلما بحثنا عن السعادة في عالم الأشياء أو انتظرناها حتى من أيدي البشر .
25 تشرين الأول
لقد أخبرني أحد أصدقائي ، و هو مبشر إنجيلي ، و أنه عندما أصبح المسيح حقيقة بالنسبة إليه ، و كان آنذاك في سن المراهقة ، قصد الصف ذات صباح ، قبل أن يحضر رفاقه إلى الصف ، و كتب على اللوح بأحرف كبيرة جداً : يسوع المسيح هو الجواب ! و عندما عاد ليدخل الصف مع رفاقه في وقت لاحق ، وجد أن أحدهم كتب تحت كتابته : " نعم ، و لكن ما هو السؤال ؟ " " نعم " تساءل هو أيضاً . " ما هو السؤال ؟.
و عندما كبر صديقي اكتشف أنه ليس هنالك فقط سؤال واحد . الحياة تطرح علينا أسئلة متعددة ، في نظر عالم النفس فيكتور فرنكل .
الحياة تسائلني كم أستطيع أن أحب ، و كم أستطيع أن أفرح و أن أحتمل . و تسائلني الحياة هل أنا أحب نفسي و أحب الآخرين . و الحياة اليومية تدعوني إلى أن أفرق بين ما هو مهم في الحياة و ما ليس مهماً : أن أحدد الأوليات في حياتي . تفرض الحياة عليّ أن أخضع لحكم ضميري : أن أنتقي ما هو صحيح و أبتعد عما يبدو لي خطأ . وربما كان السؤال الأعمق الذي تطرحه الحياة علي هو معنى حياتي . على كل منا أن يجد لنفسه هدفاً في الحياة من شأنه أن يجعل منه شخصاً مميزاً و له قيمة خاصة .علي أن أؤمن بأن حياتي سوف تغير شيئاً ما و تُحدث فرقاً في حياة إنسان آخر .
بالطبع ، ليس هنالك من أجوبة واضحة و بسيطة تُعطى تلقائياً . ينصحنا الشاعرالألماني رينر ريلكه Rainer Maria Rilke بالصبر في التعامل مع مشاكلنا العاطفية التي لم نجد لها حلاً حتى الآن . إنه يوصينا بأن نتمرس على حب الأسئلة فيما نحن نبحث عن أجوبة لها . و النمو يحصل من نفاذ البصيرة و الوحي الإلهي .
إن صديقي الإنجيلي ، و قد أصبح اليوم رجلاً مسناً ، يقول لي إنه يعرف الآن أكثر بكثير عن الأسئلة المتعددة التي تطرحها علينا الحياة .
لقد طرحت علينا الحياة أسئلة حول قيمة حياته و أولوياتها ، حول رؤياه و أحلامه ، حول شجاعته و قدرته على الحب . " و لكن " قال لي و هو ينظر من فوق نظارته " عن جميع الأسئلة التي تطرحها الحياة : يسوع المسيح هو الجواب ! " .
26 تشرين الأول
إن السؤال ، الذي به نواجه سائر الناس و ظروف الحياة ، لا يُطرح بالطبع هو نفسه بشكل دائم و قاطع . إن لغالبيتنا القدرة علىالتغيير . و أما الرؤية التي توجه حياتنا فهي نظرتنا العادية إلى الأمور ، و نحن نكاد أن نكون ابناء العادة . فمن جراء العادة نحن نتبع في حياتنا نمطاً يتسم بالتكرار . فتوق الإنسان إلى الوحدة الذاتية ، إلى موقف متكامل من الحياة ، يقود بنا إلى اعتناق نمط معين و ثابت في تعاملنا مع الواقع . " فالسؤال الأساسي " أو " الهاجس " يبقى في كل حال نتيجة لنظرتنا الأساسية إلى الوجود .
السؤال الذي يطرحه الإنسان الذي يعيش ملء الحياة هو : كيف يمكنني أن أنعم بهذا الشخص ، بذاك المكان أو الظرف أو التحدي ؟
ليس المقصود هنا بالطبع اعتناق مذهب المتعة أو حب الذات ، و لا أن التنعم يشير فقط إلى النشوة الجنسية أو العاطفية ، و لو كانت تشكل قسماً من ذلك . فالشرط الأساسي للاستمتاع الحقيقي في الحياة هو أن تبقى سائر القوى الإنسانية متقدة فينا - الحواس ، العواطف ، العقل و الإرادة و القلب - فليس بإمكاني أن أدع الحواس أو العواطف تنمو على حساب العقل أو القلب
إن سؤالي " كيف يمكنني أن أنعم في هذا الأمر أو ذاك ؟ " يتضمن موقفاً إيجابياً ، و يشتمل على روح خلاقة ، و هذا السؤال الأساسي هو أيضاً متعدد الجوانب : كيف يمكنني أن آخذ الأفضل و أن أعطي الأفضل ؟ كيف يمكنني من خلال ذلك أن أنمو و أن أساعد الإنسان الآخر كي ينمو ؟ كيف يمكنني أنت أعيش هذا الاختبار بعمق ؟ ما هي المجالات التي تسمح لي أن أُحِبَّ و أن أحَبَّ خلال هذا النهار أو في ذاك اللقاء أو تلك المناسبة ؟
27 تشرين الأول
المشكلة ، يا عزيزي بروتس لا تكمن في نجومنا، و لا هي في مطالب الناس التي لا تنتهي . المشكلة الحقيقية في داخلنا فالسؤال الأساسي يبقى : " أريد حقاً أن تحبّ و هل تقبل أن تكون " منفعة عامة " مضخة الماء العمومية التي وُضعت ليستعملها الجميع بحرية ؟ أتريد حقاً أن تدع المسيح يتجسد مرة أخرى في " إنسانيتك " ؟ المسيح هو " الشخص الذي تخلى عن ذاته في سبيل الآخرين " . فإذا وهبته ذاك فهو سيضعك حالاً في خدمة الآخرين ، بشكل من الأشكال .
فهل تريد حقاً أن تجند نفسك لحياة الحبّ هذه ؟
ليس باستطاعتك أن تحقق ذلك وحدك ، بل عليه هو أن يحقق ذلك فيك . فهلا تمكن إيمانك من أن يطلق قوة الله في حياتك " ؟ تلك هي الأسئلة التي تتصل بالموضوع حقاً .
أنا الآن على يقين ، أكثر مني في أي وقت مضى ، أن قوة الحبّ تأتي من الله . فلا أحد يمكن أن يحب إلا إذا كان الله يعمل فيه .
و إني أسمع المسيح يقول : " أنتم لا تستطيعون أن تثمروا إن لم تثبتوا فيَّ ... أنا الكرمة و أنتم الأغصان ... فإنكم , بمعزل عني ، لا تستطيعون أن تعملوا شيئاً " . و أسمع القديس يوحنا يقول أيضاً إن مَن يعرف الحبّ هو و حده يعرف الله . و القديس بولس هو أيضاً يصف الحب كأرفع و أعظم هبات الروح . و أينما وجدت الحب و جدت الله .
وجدته يعمل في عقول الناس و قلوبهم و من خلال سواعدهم .
خبرتي مع الله هي التي أحدثت هذا التغيير فيَّ أنا أيضاً . و أنا لا أزال إنساناً أنانياً جداً ، فالله لم ينتهِ حتّى الآن من العمل فيَّ . قد لا يرى الآخرون فيَّ أثر اختباري لله ، و لكنهم لو عرفوني قبل ذلك ، لقدروا الفرق بين ما كنت عليه من قبل و ما صرت إليه الآن . و المسيرة نحو الألوهة ، التي يحققها الله فينا ، فيجعلنا يوماً بعد يوم على صورته و مثاله ، هي مسيرة بطيئة ، تدريجية و في الغالب مؤلمة .
أنا لا أزال رحالة ، و لكن الله قد استوقفني و بدل فيَّ بعض الشيء . هذا أساس رجائي . و الله الذي استوقفني في الأمس سيتابع العمل في حياتي ، و سأواكب هذا العمل دائماً ، و سوف يكون حضوره فيَّ أعمق .
28 تشرين الأول
في فترات متفرقة من حياتي ، و أنا أحاول التعامل مع الآخرين و التواصل معهم ، كنت أراقب ذاتي و أسائل نفسي : " أهذا هو الشخص الذي أريد أن أكون ؟ " .
أرجو أن تستفيد من هذا النهج بقدر ما أفادني أنا. فقد كان بالنسبة إليَّ أشبه بمَن يرتدي نظارات جديدة تعيد إليه صفاء بصره . إن السؤال : " أهذا هو الشخص الذي أريد أن أكون ؟ ما زال يُحدث فيّ تغييراً عميقاً . فإنني عندما أطرحه على نفسي يصبح من غير المعقول أن أبقى قابعاً في عالمي الضيق التافه المسكين " .
و عندما أطرحه على نفسي أسأل الله أن يعينني كي أبلغ ما أصبو إليه ، و أن أطبق في حياتي كل ما أنصح به الآخرين . و أسأله أيضاً أن يحولني إلى حقيقة ذاتي .
فأنا عندما لا أكون ذاتي لا أكون شيئاً
، بل تغدو حياتي برمتها مسرحية متواصلة . و كم أخشى أن يدركني الموت و أنا لا أزال على خشبة المسرح . آنذاك سأمسح عن وجهي المساحيق و أخلع الثياب و أعيد الكلمات إلى مؤلفها و أذهب و الحضور يصفقون لشخص زعم أنه حقيقي . أنا أدرك أنني عندما أموت ، لن يسألني الله عن الأوسمة ،
بل سيبحث في جسدي عن آثار الجراح .
آنذاك أود أن أتذكر الأيام التي كنت فيها صادقاً مع ذاتي و منفتحاً على الآخرين بكامل حقيقتي و حبي .
أود أن أتذكر الأوقات التي فيها كسرت للجائعين خبز الشراكة في الحب و أرويت عطش الظامئين من ماء التفهم و الإصغاء .
و لكل مسجون داخل نفسه مددت يد العطف و الحنان
تقول له : " تعال أخرج . لا تخف لأنك في أمان " .
في نهاية سفري أود أن أتذكر الأوقات التي فيها عرفت كيف أحب و كيف أُبَلسم الجراح .
أوليس هذا أفضل من مسرحيات كثيرة ؟ " .
29 تشرين الأول
الحبّ ، خلافاً للمال ، لا يخزن . ففي علاقة الحب يجب أن يستمر الحبيبان في تعاضد متبادل يشعر كل منهما من خلاله بقيمته الشخصية . و عندما يُحرَم أحدهما من ذلك فترة طويلة يتسرب آنذاك إلى نفسه شعور بالإفلاس ، و يروح يبحث عن الخيارات التي من شأنها أن تخفف من آلام ذاك الحرمان . فالمشكلة في عمقها مشكلة عاطفية :
ما هو شعوري نحو ذاتي ، نحو قيمتي الشخصية ، نحو حياتي بمجملها ؟
و كل ما تبقى هو نتيجة لذلك .
كل ما قد أحس به من مشاكل عاطفية ، و أيّاً كان نوعها ، إنما هو تعبير عن هذا الألم الأساسي في نفسي .
30 تشرين الأول
إن معنى الحياة يمكنه أن ينبع من اختبار حب . و هذا يعني التزاماً صادقاً بشخص آخر .
الحب يرفض أن يسأل : " ماذا تُراني آخذ من الحياة "؟
إن اختبار الحب يوضح للإنسان تلك العبارة التي قالها القديس فرنسيس الأسيزي ،
و التي غالباً ما نسمعها : " إننا نأخذ فقط عندما نعطي " .
الأنانية و التركيز على الذات يقودان فقط إلى فقدان الذات .
تلك هي معادلة غريبة و مؤلمة ، يجب أن نفطن لها .
إن أعمق ما كشفته الشخصانية المعاصرة هو أني شخص أبلغ ملء ذاتي فقط إذا ما أنعم عليَّ شخص آخر بهبة " تثبيت ذاتي " . فإذا ما أحجم الآخرون عن تقديري ، تعذر عليّ أن أقدر ذاتي . فعالِم النفس فيكتور فرنكل Victor Frankl قدَّم في هذا المعنى نصيحة فائقة الأهمية عندما قال :
" إن الاحترام الحقيقي للذات ، و الشعور بهوية شخصية ، ينجمان عن الاحترام الحقيقي العاقل الذي يأتينا من أولئك الذين نحبّ ! " .
31 تشرين الأول
أن أهب ذاتي في الحب ، فذلك يخلق عندي شعوراً بالفرح عميقاً بأنني جعلت حياتي تثمر ثمراً مهماً . و يمكنني أن أعيش و عندي ذكريات جميلة و فرح بأنني أسهمت في إنعاش حياة أُناس آخرين بالحب ، و أني قد أحسنت التجارة بالوزنات التي ائتمنني الله عليها . تحقيق الحب يتطلب وقتاً ، و هو يفرض لذلك تاريخاً من العطاء و الأخذ ، من الضحك و البكاء ، من الحياة و الموت , إنه لا يَعِدُ أبداً بسعادة آنية ، بل بشعور بالاكتمال الذاتي في نهاية المطاف . الحب يعني إيماناً بشخص أو بقضية . إنه يفترض إرادة للصراع ، للعمل و للعذاب ، و إنه مشاركة في الفرحة أيضاً .
أنا لا أعتقد أن بشراً في التاريخ بلغ كمال ذاته من خلال العيش في همّ واحد : " ماذا تُراني آخذ من الحياة ؟ " .
إنها طبعاً معادلة الإنجيل : فالاكتفاء الحقيقي و اكتمال الذات هما نتيجة حبّ صادق مخلص . و هذه كلها ملك لأولئك الذين يعرفون كيف يتخطون ذواتهم ، و لا يستطيع اختبارها إلاّ مَن يؤثر العطاء على الآخذ .
1 تشرين الثاني
طرق الصلاة تتعدد بتعدد الأشخاص . لقد تعرفت حديثاً إلى تلك الطريقة التي تقوم في أن يتأمل المرء في صورة عادية من العالم الذي يعيش فيه كزهرة أو بيت .... فتنقلني الزهرة إلى ما توحي به من جمال و نقاء و حبّ ، و البيت يحملني كذلك إلى التفكير بالدفء العائلي و إلى أن أتذكر ما يهيء الرب في منازل ملكوته ، مما " لم تره عين و لم تسمع به أذن و لا خطر على قلب بشر " ... و يقودني عقلي و قلبي إلى مشاهد أخرى ، و من خلالها إلى لقاءات مع الله من جراء ما صنعت يداه .
و ما أود أن أقترح عليك الآن يشبه بعض الشيء ذاك النهج الذي ذكرناه . إبدأ بالحديث مع الله بصدق عما أنت عليه في هذه اللحظة الحاضرة . نحن عندما نفكر نجسد تفكيرنا في كلمات ، فحاول إذا أن تقول له ما أنت عليه الآن بكلماتك الخاصة . قد يبدو ذلك صعباً في بادئ الأمر . و لكنك حين تلج إلى عمق طيات الذات الداخلية ، تعي أهمية هذا التمرس في سبيل التعرف إلى الذات ، علاوة على كونه نهجاً جميلاً لصلاة خاصة و صادقة . و بما أن كل ما لدينا هو عطية من الله ، قد يكون من المفيد أن نبدأ بالتوسل إليه كي يعيننا على أن نصلي . " أيها الرب المحب ، هب لي النور فأعرف نفسي و أعرفك . و أفهم العلاقة التي تجمع بيننا . و تقبل شكري لك على محبتك و عونك " . ثم حاول أن تطرح على نفسك بعض الأسئلة التي من شأنها أن تساعدك على التفكير : مَن أنا ؟ ما هو الشعو رالذي يتملكني الآن ؟ ما هي المشاعرو الأفكار التي راودتني خلال الساعات الأربع و العشرين الماضية ؟ ما هي أهم خبرة عشتها ، و مَن هو الشخص الذي ترك فيّ أبلغ أثر ، في هذه الفترة ؟ ما الذي أفرحني حقاً ، و ما الذي أحزنني ؟ و إذا ما عدت في حياتي إلى الوراء ، إلى الماضي القريب ، ما هي الأهداف التي سيّرت حياتي في الأسابيع الماضية ؟ ماذا حاولت أن أحقق ؟ أن أربح ؟ ما هي الأمور التي حاولت الهرب من مواجهتها ؟ و باختصار ، ما الذي أحاول القيام به في حياتي ؟ و هل هذا حقاً ما أصبوا إليه ؟
2 تشرين الثاني
عندما نعيد إلى الحب " معناه " أو هدفه الأساسي ، يصبح من المهم أن نبحث عن الوحدة ، لا عن سعادة . إن مَن قرر المضي في مسيرة الحب ، عليه أن يعمل في سبيل تلك الشفافية التي تؤول إلى الشراكة و التواصل و التي فيها يكمن أساس الحب . فالسعادة ، كما يقول لنا فيكتور فرنكل ، لا تدخل حياة الإنسان إلا نتيجة لأمر آخر :
" السعادة كالفراشة ، تهرب منك إذا ما اندفعت وراءها . و لكن إذا ما انصرفت إلى الاهتمام بأمور أخرى ، أتت بلطف و حطت على كتفك " .
إذا ما أردنا أن نجد السعادة في الحب ،
علينا أن نبحث عن الوحدة و عن الشراكة
، تلك الوحدة التي غالباً ما تفرض علينا أموراً كثيرة لا تخلو من الألم :
فهي تتطلب صدقاً ، وقت يكون من الأسهل أن نكذب و لو قليلاً ، و يفرض كلاماً في حين كنا نود أن نصمت ، و تدعونا إلى تقبل الشعور بالارتباك عندما نرتكب خطأ بدل الإلقاء بالائمة على الآخرين .
و تفرض علينا الوحدة أيضاً : أن نصمد حيث نحن في حين نؤثر الهروب ، و أن نقر بما فينا من ضعف و نحن نفضل أن نكذب على ذواتنا و الآخرين ، و أن نواجه الآخرين بالحقيقة حين يكون من الأسهل أن نبحث عن سلام معهم بأي ثمن . فكل من هذه الأمور التي يفرضها الحب لا تحمل إلينا الطمأنينة و السعادة بشكل آني و مباشر .
فهي تحمل أولاً ألماً و صراعاً .
نعم , الحب يثمر إذا ما عملنا في سبيله . و في الحب نسعى إلى تحقيق الصدق و الشفافية في ذواتنا ، و هذه أمور مكلفة و صعبة المنال . فالناس الذين يتهافتون وراء الحب كما يندفعون وراء فراشة السعادة يجدون في آخر المطاف أيديهم فارغة و قلوبهم عطشى .
إن الشرط الأهم في إنجاح الحب ليس البحث عن السعادة ، بل العمل في سبيل الوحدة .
3 تشرين الثاني
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
مسيرة الحبّ في مراحل ثلاث ، أو ثلاث محطات مهمة :
1- اللطف : و هو تأكيد حار " أني سأكون إلى جانبك ، لأنك مهم في نظري " .
2- التشجيع : تأكيد جديد لقدرتك و اكتفائك الذاتي .
3- التحدي : الحثّ على العمل بحب و حزم .
لقد قيل : الحب فن . و هذا يعني أنه ليس هو من صيغة مسبقة توفر له النجاح ، و يمكن اللجوء إليها . فعلى كل امرئ أن يواجه واقع العلاقة كل مرة بقراءة جديدة ، فيقرر ما يتوجب عمله ، و ما هي الطريقة الفضلى لذلك .فكما أن الفنان - الرسام يتخذ لنفسه وسائل يُحدث بواسطتها تأثيراً في الآخر ، فعلى الفنان - المحب كذلك أن يتحسس الواقع فيقرر متى يكون هنالك حاجة إلى المزيد من اللطف أو التشجيع ، أن التحدي . و هذا لن يكون بالأمر السهل .
لقد قال أحدهم ، و في كلامه الكثير من الحكمة : " لا يهتم الإنسان بما تعرف حتى يدرك كم أنت مستعد حقاً أن تهتم به " .
أنا على يقين من أن هذا هو أساس الحب : إهتمام صريح بسعادة مَن تحب ، و تثبيته في قيمته الشخصية .
و كل بناء على غير هذه الأسس هو بناء على الرمل . يجب أن أكون على يقين من أنك تريد سعادتي حقاً و نموي ، أنك في الحقيقة " حاضر لي " . و إلا لَما أفسحت المجال أمامك كي تلج إلى داخلي .
يجب أن أقتنع بأني شخص بالنسبة إلأيك ، و لست شيئاً يُستعمل ، و لا حالة تُدرس أو مشكلة تَبحث عن حلّ .
لذا فأول ما يُنتظر من الحب هو أن يكشف عن أمور ثلاثة : إنك تهمني حقاً و تهمني سعادتك . و سوف أعمل معك حتى تبلغ مرتجاك ، و تحقق ذاتك . إنك في الحقيقة شخص يتمتع بقيمة فريدة .
4 تشرين الثاني
أنا أعترف بأنني ، لفترة طويلة من حياتي ، كنت أفكر في أن الأعمال الحسنة هي أساس الحب ، حتى إني توهمت أني أحب الآخرين حقاً ،
عندما أقوم مقامهم بأعمال هي من واجبهم
، و في متناول قدراتهم .فإذا كان الشخص خجولاً ، كنت آخذ على نفسي أن أُطالب له بحقه ، كي أخفف عليه بعض الأسى . و للمتردد كنت المقرر ، و للباحث عن جواب كنت المجيب .
و كل مَن أتاني بمشكلة وجد لدي حلاً لها سريعاً .
لم أدع الآخرين يجهدون ما فيه الكفاية كي يذوقوا طعم الانتصار على مشاكلهم و على ذواتهم .
ظهرت لي الحقيقة شيئاً فشيئاً ،
و بدأ ذلك يوم قال أحدهم : " أَعط الإنسان سمكة فتكفيه طعاماً ليومه . علمه اصطياد السمك فيكتفي من الطعام طيلة حياته " .
التطبيق كان واضحاً . فالشخص الخجول و المتردد ، و كل الذين يصادفون مصاعب في حياتهم ، قد يتمنون بل هم يطلبون إلينا أن نتحمل عنهم أعباء ما يواجهون . و قد يقول كل منهم : " لا قدرة لي على ..." و هم في الحقيقة يعنون : " إنهم لا يريدون أن يُرهقوا أنفسهم " . فقد يحاولون بشتى الطرق أن يحملوا أثقالهم الآخرين . و نحن ، الأشخاص العاديون ، نبقى عرضة للسقوط في مثل هذه التجارب . إننا نشعر بشيء من النشوة عندما نجيب حالاً : " طبعاً سأفعل لك ما تريده مني . أو عندما نقدم النصح قائلين : " هذا ما يجب عليك أن تفعل ...." . و الأجوبة الصحيحة ، في مثل هذه الحالات ، لا تحمل في طياتها مكافأة آنية كبرى ، و قد يأتي على الشكل التالي :
" باستطاعتك أن تقوم بذلك أنت ... أنا لا أعرف ما يجب أن تفعل . إن لديك من الذكاء ما يكفي لاتخاذ قراراتك . ماذا تظن أنه عليك أن تفعل "؟
من حقائق الحب العميقة ، التي يصعب علينا فهمها أحياناً هي
أن الحب يحمل إلينا الحرية . الحب يعطي الإنسان جذوراً ( شعوراً بالانتماء ) و أجنحة ( إحساساً بالاستقلالية و الحرية ) .
و هو يوفر للإنسان حاجته الأساسية إلى الإيمان بنفسه ، و الثقة بقدرته على مجابهة المشاكل و رفع تحديات الحياة . هذا ما نعني بالمرحلة الثانية من الحب : التشجيع . إنها ترسخ في الشخص المحبوب وعياً أعمق لقدراته ، و قوته و اكتفائه الذاتي . التشجيع يوحي إلى الشخص المحبوب ما مفاده : " إن لديك القدرة على النجاح في ما تعمل ! " .
5 تشرين الثاني
التحدي هو المرحلة الأخيرة من الحب ّ.
بعد إظهار العطف ( " إني إلى جانبك !" ) و تثبيت الشجاعة ( " إن لديك القدرة علىالنجاح في ما تعمل " ) , على الحب الحقيقي أن يدعو المحبوب إلى " الاجتهاد " , إلى النمو , متخطياً حدوده القديمة , محاولاً تحقيق ما كان يعتبره حتى الآن بالغ الصعوبة . عليه أن يدعو إلى الارتفاع فوق الخوف , و يتخلى عن الحقد , و يطلق الشعور المكبوت , و يواجه الصعوبة , و يقدم اعتذاراً مؤلماً .
إذا كان التشجيع يساعد المحبوب على وعي قدرته , فالتحدي يدفعه بحب إلى استعمال تلك القدرة : " حاول , إجتهد , اعمل على تحقيق ما تريد " . فإذا نجحت , رأيتني في الصف الأمامي , أصفق لك بحماسة . و إذا فشلت وجدتني جالساً إلى جانبك . لن أتركك وحيداً فحاول بكل ما لديك من قدرة , فبإمكانك أن تنجح ! " .
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة