-
دخول

عرض كامل الموضوع : رحلة في فصول الحياة


صفحات : 1 2 [3] 4 5 6

Hobbit
30/08/2009, 21:04
16 حزيران
الإنسان قبل أن يستوقفه الله يكون شيئاً , و بعد ذلك يصبح كائناً آخر . حتى عندما لايكون التغيير مأساوياً و فأختبار حضور الله يترك دائماً أثراً لا يُمحى . إنّ العواطف الهيّاجة و إيحاءات اللاوعي تجيئ و تمضي . أمّا (( زمن الربّ )) فثابت دائماً .

الإنسان الذي استوقفه الله حقّاً لا ينسحب من الواقع ليعيش في برج عاجيّ و ينعم و حده بحضور الله فيه , بل إنه يتعمق في و عيه للمحيط من حوله , فيرى بعينيه الجديدتين جمال العالم , و ينصت بشغف إلى موسيقاه و شعره فيكتشف الجمال من حوله يوماً بعد يوم . و لكنه يجد نفسه أيضاً على صلة أعمق بالحزن في قلوب الناس . و يحسّ في نفسه بوعي جديد للواقع الذي يعيش . إنه يختبر نوعاً جديداً من الحيويّة . و لقد قال القديس إيريناوس في الجيل الثاني : (( إن مجد الله يتجلى في الانسان الذي يعيش الحياة بمثلها )). فإذا ما استوقف الله إنساناً , لا بد لذلك الإنسان من أن يقف و يقول : نعم للحياة مرة أخرى
الإنسان الذي انفتح على الله يزداد تحوُّلاً , بفضل ذلك , إلى ما يشبه الله , أن يزداد حبَّاً . فيوحنا يقول : (( الله محبة .... و كل محبّ مولود لله و عالِم بالله ... مَن أقام في المحبة أقام في الله , و أقام الله فيه )) . فأعظم خلق الله و أروع عجائبه يبقى دائماً الانسان المحبّ , الكائن الذي تحوّل من إنسان يأخذ إلى إنسان يعطي . ذاك هو جوهر و جود الله في الانسان , و ذاك هو عمل الله .

فموهبة الحب هي أعظم مواهب الروح .

Hobbit
30/08/2009, 21:08
17 حزيران

يخيل إلي أننا نحاول أحياناً أن نملي على الله أفكارنا في الشهادة و الخدمة , بدل أن نسلم إليه إردتنا لنكون رهن مشيئته . أترى أنّ أنانيتنا قد شوّهت اختبارنا لحضور الله في حياتنا ؟ أو أنّ آذاننا قد صمتت لسماع السيد يقول لنا : (( إنّ مَن أراد أن يُحيي نفسه يُهلكها ؟))

أشعر أنني فوت على نفسي فرصاً عديدة كان بوسعي أن اختبر فيها حضور الله في حياتي و ذلك لأنني كنت مفرطاً في انشغالي بذاتي . فما أصغيت الى ما كان الله يطلب منّي لأنّني كنت منشغلاً في ما أريد أن أطلب منه . و ما أتتني أجوبة من الله لأنّني كنت مخطئاً في طرح أسئلتي عليه .

إنّني أحسّ في قرارة نفسي أنّ السبيل الأفضل إلى خبرة روحية حقيقية هو أن أسأل الله نعمة العطاء , نعمة المشاركة , أن أصلّي لأتمكن من بلسمة الجراح و حمل العزاء الى القلوب و إحلال المصالحة بين الناس , أن أعرف كيف أشجّع رفيقاً في فشله , و أسند صديقاً في كبوته , و أجدّد ثقتي بأخٍ في محنته , و أغفر لمَن أساء إلي و أُعربْ عن امتناني لمَن خدمني . أصلي لأتغلب على الخوف و أقدر الجمال في الطبيعة و في الناس من حولي , و أن أقول لهؤلاء كم أنّي أحبهم و أن أعيد هذا القول على مسامعهم مراراً .

أنا أخشى أن يكون قد فاتني مراراً صوت الله يناديني في مناسبات متكررة و من خلال العديد من الناس الذين مّروا في حياتي . ذلك لأنّي كنت أخطئ في طرح الأسئلة أو طلب الأشياء . و من المرجّح أنّ انهماكي بالتكلم حال دون قدرتي على الإصغاء .

Hobbit
30/08/2009, 21:11
18 حزيران

إنّ في الصراحة الكلّية مع الله قوّة شفاء خاصّة . لقد تكلم عالِم النفس يونغ Jung عن الاضطراب العصبيّ و كأنّه انقسام داخل الذات , حرب في الداخل , حدوث تفتُّت و تشرذم .

و القديس بولس قال : " إنّي أشعر في أعضائي بشريعة أخرى تحارب شريعة عقلي " . إنّنا نجابه المشكلة الحقيقية عندما نبدأ نتساءل هل نقبل و اقعنا البشري هذا , على ضعفه , و هل نشعر بارتياح و نحن بشر غامضون , يختلط الشرّ فينا دائماً بشيئ من الخير , والخير فينا تلوّثه دائماّ بعض شوائب الشرّ؟

يتأكّد لي أن ارتياحي في و اقعي البشري هذا رهن قبول الله لي كما أنا , كما أني أشعر بأن قيمتي الحقيقية فيه عليّ إذاً أن أكون ذاتي مع الله , لأن سوى عن ذلك لامنفعة فيه . كما عليّ أن أقف موقفاً يثق بعظمته و تفهّمه . ذاك هو الأساس و هو كذلك بداية كلّ صلاة .

Hobbit
31/08/2009, 12:34
19 حزيران

قال القديس أوغسطينس : " عندما نضرع إلى الله طالبين , نكون نحن في أوج قوّتنا و هو في قمة ضعفه ". و السيّد المسيح أكدّ لنا أن " اطلبوا تجدوا . إقرعوا يُفتح لكم . كلّ ما تسألون باسمي تنالونه " .

إنّني غالباً ما أشبّه الله )) بنقطة كهربائية (( فوراً كلّ )) نقطة (( قوة كهربائية مذهلة تنير غرفة , تدفئ منزلاً , تريك صورة ... إلى ما هنالك .. و لكنّنا لا نحصل على الطاقة إلاّ عندما نحقّق اتّصالاً بها . نحن نعرف حق المعرفة أنّ قدرة الله حاضرة دائماً لتنير ظلمتنا و تجبر كسرنا و تملأ فراغنا و تقوّم اعوجاجنا و تشدّد عزيمتنا و تخلق فينا قلوباً محبّة . و طريقة الاتّصال بهذه الطاقة هي الصلاة . فصاحب المزامير يؤكّد لنا :
" الربّ قريب من كلّ مَن يدعوه " ( مزمور 145 - 68 ) .

Hobbit
31/08/2009, 12:38
20 حزيران

ليس فينا حاجة الى وصف لاهوتي دقيق يصور لنا الله , لكي نبدأ الحوار معه . و لو كانت تلك هي الحال لما تمكّن أحد من البدء بذلك الحوار . أن نتعرف إلى الله فتلك مسيرة في الحوار . نبدأ بأفكار غامضة , و أفكار مشوّهة و مخاوف لا أساس لها , نتوّجها كلّها بأحكامنا الشخصية المسبقة . و لكن , بشكل تدريجيّ , نظهر له ذواتنا , و يظهر لنا ذاته , فنروح نصحّح أفكارنا المخطئة و ننفذ الى حقيقة مرَّة أخرى . نختبر مظاهر جديدة من سرّه , و هو الإله العطوف الذي لا ينسى أحداّ , حتّى لو نسيت الأمّ طفلها , ثمرة أحشائها . أن نكون قد أخطأنا في نظرتنا الى الله , فذلك يعني أنّنا لم ننجح في مخاطبته . و لكنّ المثابرة على مثل هذه الصلاة هي التي تظهر لنا شيئاّ فشيئاّ حقيقة وجهه , إلى أن يأتي يوم " يوم أعرفه مثلما أنا أُعرف " .

أهمّ ما كان فيَّ من حاجة لكي أبلغ هذه اللحظة من حياتي , هو اليقين بأن الله يريد حقّاً أن يكون بقربي . كانت فيَّ حاجة إلى أن أتخلص من نظرتي إلى الإله البعيد اللامبالي , الغريب عنّي و عن قدراتي كلها . و فوق كلّ شيئ كانت فيَّ حاجة إلى النجاح في صلاتي هذه . كان من الضروري أن أشعر بلمسة يد الله , أن أختبر أفكاره تمتد إلى عقلي , و صلابة قوّته و رغباته تسيطر على إرادتي . و أن أسمع صوته و أرى في ظلمة ليلي نوره و أنعم بسلامه في لحظات قلقي . آنذاك فقط , و في تعرّجات رحمة الله , الإله الحاضر , القريب , عرفت حقّاً أن الله يريدني أن أكون له و أن يكون هو قسمتي للأبد . آنذاك فقط , و بعد هذا النجاح , عرفت أنّ الله أصبح بالنسبة إليّ شخصاً جديداً , و أنا بدوري مَنْ أكون بعد هذا اللقاء كما كنت من قبله .

Hobbit
31/08/2009, 12:45
21 حزيران

أنا الآن أفهم الصلاة , بل أمارسها كلقاء حميم في علاقة الحبّ , أخاطبه بصدق و أستمع إليه بثقة . الصدق في مخاطبة الله هو بدء الصلاة , هذا يضعني أمام الله , حيث يجب أن أكون . أنا أعتقد أنّ العطاء الأساسي في الحبّ هو العطاء من الذات في الانفتاح على الآخر - و ما من عطاء حقيقي من دون هذا الانفتاح . فالعلاقة الحقيقية مع الآخر تبدأ في اللحظة التي نقرّر فيها أن نضع ذواتنا الحقيقية أمام الآخر , لكي يرفضها أو يقبلها , كما تكون , في مختلف أحوالها و الظروف . نحن لا نبدأ في عملية الحبّ إلاّ عندما نبدأ في الانفتاح بصدق على الآخر . لأنّ الحبّ عطاء من " الذات " لا ممّا أملك فعطائي ناقص , بل هو شبه عطاء , و لن يكتمل حقّاً إلاّ عندما أعطي من ذاتي في انفتاح صادق .

تبنى العلاقة مع الله كما تبنى كلّ علاقة شخصية , أقبل أن أقول له في الحقيقة من أنا . لا يمكنني أن أضع ذاتي بين يديه و أنتظر منه أن يقبلني أو يرفضني , أن يحبّني أو عرض عني قبل أن أقول له مَن أنا . فقاعدة مارتن لوثر Martin Luther الأولى في الصلاة هي :" لا تكذب على الله " . عندما أحاور الله في الصلاة , يجب أن ألقي بذاتي أمامه بكل حقيقتها . عليّ أن أبوح له بعمق مشاعري , و أفكاري , و رغباتي , مهما كانت طبيعتها . قد لا تكون كما أريدها , و لكنّها تبقى مشاعري أنا و أفكاري و رغباتي أنا , مع كلّ ما فيها من صواب و خطأ .

عندما بدأت أصلي هكذا إلى الله , طارحاً أمامه مشاعري بعري حقيقتها , عرفت آنذاك لماذا قادني الله إلى التمرّس على الاتّصال بذاتي .و عرفت لماذا علّمني كيف أواكب مشاعري المتغيّرة و رغباتي المتبدّلة . و لماذا مكنّني من أن أبوح بها للآخرين . لقد أفادني ذلك في مجالات متعدّدة , و لكنّه مكنّني , بنوع أخصّ , من أن أخاطب إلهي بصدق . لقد حرّرني من كذب تلك الصيغ المبتذّلة , المحضرة مسبقاً , التي تخنق التحدث الشخصي إلى الله في الصلاة . لقد أطلعته على حقيقة موقعي منه , و أخبرته عن إيماني أحياناً و عن قلّة إيماني أحياناً أخرى , عن قنوطي في الاستجابة لدعوته , عن امتعاضي من استعمال الآخرين لي " كمنفعة عامّة " , و كخادم عليه جميع الواجبات و ليس له أيّة حقوق . كما أنّي أفرغت أمامه كلّ عواطفي النابضة , مدلياً بحقيقتي دائماً من دون الادّعاء أبداً أنّي على حقّ .

Hobbit
31/08/2009, 12:53
22 حزيران

إذا لم تكن مخاطبة الله في الصلاة أمراً سهلاً , فخبرتي تدلّني على أنّ الإصغاء إليه في حوار الصلاة أصعب . كيف يتصل بي الله ليُظهر لي ذاته. كيف يكشف لي عن ذاته بعد أن أكون قد خاطبته بصدق عن ذاتي ؟ هل عليّ أن أنتظر ساعات و أيّاماً , بل أسابيع و سنوات , لأسمع الجواب من الله عن انفتاحي عليه ؟ أم أنّ هنالك جواباً سريعاً و مباشراً ؟ نعم اعتقد أنّ جواب الله يأتي سريعاً و مباشراً .

أطرح على نفسي أسئلة كهذه : هل باستطاعة الله أن يوحي لعقلي بفكرة جديدة و بشكل آلي ؟ و هل بإمكانه أن يخلق فيَّ نظرة جديدة إلى الحياة , فأراها كما هي , بفشلها و نجاحها , بآلامها و بهجتها ؟ و هل يقدر أن يضع رغبات جديدة في قلبي و قوّة جديدة في إرادتي ؟ و هل يمكنه أن يلمس عواطفي فيهدّئها ؟ و يهمس في أذني عبارات تنفذ إلى نفسي و تملأ مخيّلتي ؟ و أخيراً هل يستطيع الله أن يُحيي ذكريات تكدّست في عقلي و يعيدها إلى ذهني في لحظة حاجتي إليها ؟

كل هذه الأسئلة تبدو خطيرة لي. فإذا كانت الأجوبة عن تلك الأسئلة بالإيجاب , فطريقتي في الصلاة ناجعة . و إذا كانت الإجابة سلباً , فأقرّ آنذاك أنّي على خطأ , و أن ليس لدّي ما أقدمه إليكم .

أصلّي إلى الله , أبوح له بسرّ هويّتي , و أصغي إليه يبوح لي , لا بحقيقته فقط , بل بحقيقتي انا أيضاً , بمعنى حياتي و معنى العالم من حولي . أنا أصغي إليه , و في صمتي أحمل إليه قدرات الإدراك التي فيّ و التي من خلالها يأتي إليّ .

Hobbit
31/08/2009, 13:33
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

23 حزيران

بعد أن أقف بذاتي أمام الله , يأتي إليّ بعيني لأرى كلّ شيئ من خلال عينيه و نظرته الإلهية إلى الأمور , يرسّخ تلك النظرة في عقلي و يملأني من أفكاره . يوسّع رؤياي و يجعلني أدرك ما هو مهمّ في الحياة , أفرّق بين ما هو تافه في عينيه و ما هو كبير . أنا كنت دائماً أحدّد الوهم بأنّه ارتباك بين المهمّ و التافه في الحياة . تتوتر أعصابي و تكبر الأمور في عيني من غير قياس , خاصّة عندما يتهدّد أحد " كياني" , يتهدّد " الأنا " فيَّ . أروح آنذاك أشنّ الحرب حيث أناس مسالمون , و أنازع في أمور ليست بموضوع نزاع . و أخبره بذلك , فيأتي , و بلمسة عطف , يملأ عقلي من فكره و رؤياه , فتتبدّد من نفسي الأوهام كلّها .

Hobbit
31/08/2009, 13:44
24 حزيران

لقد اكتشفت , في السنوات الأربعين الماضية , أمراً واحداً عن نفسي و هو أنّي ضعيف . أقول هذا من دون ادّعاء و لا رياء , و لا تواضع زائف . أنا في الواقع إنسان ضعيف فيَّ حاجة إلى من يفتديني . في زمن حماسيّ , بعد أن دخلت المدرسة الإكليريكية , اعتدت أن أقدم لله نهاري ساعة أستفيق من نومي . كنت أعده بيوم " لا نقص فيه " , بيوم كامل في الحبّ و الخدمة . و في صلاتي المسائية كنت أقدم له ندامتي . و قد طال بي الزمن قبل أن يخفّ اتكالي على قدرتي و تقوى به ثقتي فألقي حياتي بين يديه.

لمّا تجرّأت على الإقرار بحقيقة ضعفي , آنذاك فقط بدأ الله يحوّلني إلى شخص يتمتّع بقوّة خاصّة . في ضعفي تظهر قوّته . و قد دفع بي إلى قبول تحدّي التلمذة المكلف . كما أنّه أتى إليَّ في الصلاة يملأ إرادتي برغبات جديدة . من المهمّ جدّاً , نفسياً و روحياً , أن تكون لدى الإنسان رغبات واضحة . فما من إنجاز في التاريخ , رأى النور إلاَّ من خلال رغبة واضحة في قلب إنسان شجاع .

يأتي إليَّ في أوقات صلاتي و أنا أُنصت إليه , فتندفع قوّته فيَّ , و تتعمّق الرغبة عندي في الانتماء إليه , في أن أكون " منفعة عامّة " , " مضخة ماء " لخدمة الملكوت , تماماً كالمسيح أيّام سكن في ما بيننا .

Hobbit
31/08/2009, 13:47
25 حزيران

عندما أكون في نقمة عاطفية , لا عزيمة عندي , و عندما أشعر بألم الوحدة المضني و أحسّ بالانتقاد و الفشل يحملان الحزن إلى نفسي , آنذاك يأتي حاملاً إليَّ عونه و مواساته . و كأن قوته الشفائية لمست عمق تعاستي . فإذا كان بوسعه أن يُطهّر الأبرص فهو قدير , و لا شكّ , أن يحمل السلام إلى قلب بائس يائس . و كم من مرة وجدت نفسي متوسّلاً إليه يرفع فوق رأسي تلك اليد التي رفعها فوق بحيرة جناسرت , فيهدّئ روعي كما سكَّن هيجان العاطفة آنذاك . و لكنّي على يقين أيضاً من أنّ الله لا يأتي فقط ليحمل السلام إلى المتعبين , بل ليحمل القلق أيضاً إلى أولئك الذين استراحوا في ذواتهم و تمادوا .

و يأتي أحياناً , لا ليُزعجني , بل ليعيد ترتيب القِيَم عندي , أو ينبّهني إلى حاجة أخ أو أخت إليَّ , يتحدى في مجيئه القدرة عندي على النموّ . و ما من مرة سألته حياة هادئة لا متاعب فيها . فجلّ ما أسأله دائماً سلاماً يفرّق بين التافه و المهمّ , و صحوة أتذكّر فيها دائماً أنّه أحبّني و دعاني إلى أن أحبّ .

Hobbit
31/08/2009, 13:52
26 حزيران

الناس الذين يؤمنون بأنّ الله لا يستطيع الدخول إلى عقولهم بأفكاره و توجّهاته , و إلى إرادتهم بقوّته و رغباته , و إلى عواطفهم بسلامة , يتردّدون فجأة أمام فكرة تحريك الله لمخيّلتهم , فيسمعون في داخلهم كلاماً و يرون رؤى . لقد أخبرتني أمّي يوماً , و كأنّها تبوح لي بسرّ , أنّ الله كلّمها مراراً و أعطاها توجيهات دقيقة لحياتها . و قالت : " لن أبوح بذلك إلى أحد سواك مخافة أن يظنّ الآخرون أنّي أُصبت بشيئ من الجنون " . و أذكر أنّي طمأنتها بأنّ ذلك أصبح تقليداً في العائلة , لأنّه حدث لي أنا أيضاً أحسست بيد الله في داخلي , كما و شعرت مراراً بأنّه يغذّي مخيّلتي بلمساته اللطيفة .

تلك كانت مشكلة جان دارك و الأصوات التي كانت تسمعها . و هذا ما لفت الانتباه إليه جورج برناردشو في روايته " القديسة جان " :
روبرت : ماذا تعني ؟ أصوات ؟
جان : أنا ذ أن أفعل .
إنّها تأتي من الله .
روبرت : إنّها تأتي من مخيّلتك .
جان : بالطبع , هكذا رسائل الله تأتي إلينا .
و إذا كان من الصعب أحياناً أن تفرّق بين إيحاءات نعمة الله و ما نولِد نحن في ذواتنا , فليس ذلك بالسبب الكافي لكي ننكر عمل الله في مخيّلتنا .

أذكر أنّي سألت الله مرّة ما الذي يريد أن يقوله لي أو يطلبه منّي . كان ذلك في لحظة حماسة داخليّة , و قد أحسست أنّني على استعداد لسماع كلمة من لدنه . و في سكون إصغائي سمعته يقول : " إنّي أحبّك " . أعرف ذلك , قلت في نفسي , و فجأة بدا لي واضحاً أنّني , في الحقيقة , ما تقبّلت ذلك في العمق , و أنّ تلك الحقيقة لم تترسّخ في داخلي و أنّ فيّ حاجة إلى سماعها .

و في لحظة النعمة تلك , أدركت حقاً ما كنت أعرفه و هو أنّ الله كان دائماً صبوراً عليّ و غفوراً ,من دون أن أكون قد رأيت حبّه في ذلك ...

عندما يتكلم الله إلينا , نشعر دائماً بشيئ من المفاجأة . و حقيقته تتّضح لنا و تترسّخ فينا .

Hobbit
31/08/2009, 13:56
27 حزيران

لقد قيل أن الحبّ مزيج من الذاكرة و الحدس . و لقد لاحظنا أن الخطأ الوحيد الذي يرتكبه الإنسان هو الخطأ الذي لا يتعلّم منه شيئاً . عندما يتحدّث الله إلينا من خلال بعض مخزون ذاكرتنا , يمكنه أنّ يحرّك الحبّ فينا من خلال ذكريات و مواقف عطف منه علينا في الماضي , نافحاً فينا عزماً جديداً على مواجهة المستقبل . و قد يذكّرنا بالماضي أبذاً ليوفّر علينا ألم السقوط في الخطأ نفسه مرَّة أخرى . أنا أشعر أنّ أساس إيماني بالله و إحساسي بعرفان الجميل له هما نتيجة لذكريات محبّته لي , و لتاريخ " حضوره فيَّ و لمساته لروحي " , فكأّنّه يردّد دائماً على مسمعيَّ قائلاً : " كلّ ماأطلب هو أن تتذكّر دائماً أنّي أحبّك " .

Hobbit
31/08/2009, 14:02
28 حزيران

من خلال قدراتنا المتعدّدة هذه يمكننا دائماً أن نعيش اختبار علاقة مباشرة بالله , نخاطبه و نصغي إليه . و ما من شكّ في أنّ الإصغاء إلى الله بتبصّر و دقّة لأمر صعب . أنا لا أزال أختبر ذلك . و لكنّي أعرف كم هي وافرة مجالات لقاء الله لمَن يعرف حقاً كيف يصغي . و إنّني على يقين من أنّنا , عندما نتعلم كيف نجلس بهدوء مع الله , و نستريح في حضوره المحبّ , يقول لنا بطريقة من الطرق , مَنْ هو , و مَنْ نحن , و ما نحن مدعوّون إليه , و ما الموقف الذي ينتظره منّا نحوه و نحو بعضنا بعضاً .

هنالك أنواع أخرى من الصلاة , متعدّدة تعدّد خبرات الناس . هنالك الصلاة التي ترى الله في الجمال , و تنصت إليه في الموسيقى و الإيقاع , و تحسّ به في العلاقات الإنسانية . و هنالك صلاة التأمل و صلاة الصمت . و لكنّ الصلاة التي يتحدّث فيها الإنسان إلى الله , صلاة الانفتاح المتبادل , هي , بالنسبة إليّ , المرتكز الأهمّ في حياتي . أجده في الطبيعة , و فيها أعبده . ألتقيه في الشعر و الموسقى , و في إخوتي و أخواتي , و في البرق و الرعد أحسّ بوجوده . أشعر به في عزلتي و في خضمّ ساحات مدينتي ألتقيه . و لكنّي أرى أنّني لو لم أختبره في " الصلاة - الحوار " , لما أحسست بوجوده في تلك الأماكن كلّها , و لا سيّما في نسيمات الروح التي تمرّ في سمائي و تكاد تختفي على كلّ أحد.

Hobbit
31/08/2009, 14:06
29 حزيران

لبضع سنوات خلت , قرّر عدد من الباحثين أن يدرسوا بطريقة علميّة كيفيّة التوصّل إلى السعادة . فتتبّعوا مسار أنجح ماية شخص تمكنوا من التعرّف إليهم , و أجروا المقابلات معهم و حلّلوا بكلّ دقّة ما استحصلوا عليه من معلومات , آملين أن يكتشفوا ما يجمع بين هؤلاء الأشخاص و أن يحدّدوا العامل المشترك في سعادتهم .

أتت نتائج هذا البحث , للوهلة الأولى , مخيّبة للآمال , إذ إنّ الباحثين أخفقوا في إيجاد عامل يجمع بين هؤلاء الأشخاص , لا في تربيتهم و لا في النواحي الأخرى من أنماط حياتهم . بعضهم ما تخطّى المرحلة الابتدائية بينما بعضهم الآخر استحصل على شهادة الدكتوراه . و بعضهم كان ينتمي إلى عائلات غنيّة بينما بعضهم الآخر وُلد في عائلات فقيرة جدّاً . العامل الوحيد الذي بدا و كأنه يجمع في ما بينهم هو كون سبعين بالماية منهم أتوا من بلدات عدد سكّأنها لم يبلغ الخمسة عشر ألفاً . و لكّنهم بعد أن أعادوا التدقيق في المعلومات مرّة أخرى عثروا على عامل واحد مهمّ و جامع , ألا و هو أنّ كلاًّ من هؤلاء الأشخاص كان يجتهد في كلّ ظروف الحياة باحثاً عمّا هو حسن و إيجابيّ .

Hobbit
31/08/2009, 14:09
30 حزيران

صاحب التوجه الإيجابي إنسان ينظر إلى ما هو حسن و إيجابي في نفسه و في الآخرين و في ظروف الحياة كافةً . و يبدو أنّنا في الحقيقة نجد في واقع الحياة ما عنه نبحث . فإذا ما عزمنا أن نعثر على شرّ, عثرنا عليه , و قد نجده أيضاً متراكماً . و لكن إذا ما صمّمنا أن نبحث عمّا هو حسن فسوف نرى أنّ الكثير من الأمور الإيجابية هي في متناول اليد . و إذا ما بحثنا عن الشوائب في أنفسنا و في الآخرين , نجد منها ما نشاء . و إذا ما تخطّينا ما هو ضعيف فينا و غير مرضٍ إلى البحث عمّا هو حسن و جميل , فلا بد و أن نعثر في خفايا ذواتنا على ما يحمل إلى أنفسنا سلاماً ما سبق أن خطر ببال أحد . إننا نعثر على ما عنه نبحث . (( رجلان تطلعا من وراء قضبان السجن , فأبصر الأول أوحالاً و شاهد الثاني نجوماً )).

قال أحد الوعاظ المتمرسين يوماً : (( يحاول الناس دائماً أن يشرحوا معضلة الشرّ . و في كلّ منا حاجة الى إدراك ذلك . و لكن هنالك معضلة أخرى يتوجّب علينا شرحها , ألا و هي المقدار العظيم ممّا هو خيّر و حسن في العالم من حولنا )) .

Hobbit
31/08/2009, 14:24
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////



الـصـيـــــف

marioma alghzayala
31/08/2009, 16:34
شكرا كتير لمجهودك .:D....اخيرا اجا الصيف :gem:

Hobbit
01/09/2009, 14:49
1 تموز

... أتى يوم و دخلت الابتداء في الرهبانية اليسوعيّة و عندما أُخبر تلامذتي اليوم بما كانت عليه الحياة هنالك في الأربعينات , أشعر بأنّه من الصعب عليهم أن يصدّقوا ما أقول . لن أضعك أمام الامتحان , و لكنّي أؤكّد لك أنّه من بداية يومنا , في الخامسة صباحاً , إلى التحدّث طيلة النهار باللاتينية , إلى الساعات الأربع التي كنّا نقضيها في الصلاة . مروراً بفترات صمت طويلة , كل ذلك كان يشكل لغالبيتنا صدمة مروعة .

و بعدما تبدّدت بهجة التحدي الجديد و اتضح لي الثمن الحقيقي لتلك التلمذة , داهمني شكّ عنيف , تبعه تردد زعزع حياتي وزرع الظلمة في كل زاوية من زوايا نفسي . أترى وجود الله حقيقة؟ و يسوع المسيح , هل هو حقاً ابن الله ؟ و هل الأنجيل واقع أم هو نسج خيال ؟ هرعت الى الصلاة ولكنّي لم أجد هنالك مَن يكلمني . فإذا باختباري لله يتحول إلى وحشة قاتلة وصمت عقيم : كلّ ما كان قد مضى , و ليس في الأفق من وعد بميلاد جديد . آنذاك تردّدت في ذهني أصداء صوت جارنا بلجاجة و إلحاح : " الله غير موجود ... الله غير موجود ... الله غير موجود !".

Hobbit
01/09/2009, 15:07
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
2 تموز


نظرت من حولي الى قساوة ما يحيط بي ورحت أستعرض حياة الابتداء تلك بخشونة عيشها و ثقل حرمانها , و في نفسي حزن عميق , فكأن في قلبي جنازة مستمرة . لقد هجرني الله , و أنا وحيد في هذا المكان المقفر . و معلم الابتداء الذي كان عليه أن يقودني عبر تلك الصحراء , لم يُرهبه إلحادي المفاجئ . فنصح لي بالصبر وطول الأناة مع نفسي و مع الله . ظننت أنّه لم يفهم عمق مشكلتي و لا مدى وقعها في نفسي , إنّه لم يحسّ بأنّ عالمي بأسره قد تزعزع .

هذا " الليل المظلم " من شكّ دام أشهر طويلة , إمتلأت كلها بالفراغ و العقم . و بعد ذلك كانت بداية ما تبقى من حياتي , خبرة روحية شكلت محور تاريخي الشخصي . في كل مساء , كان المبتدئون يقضون ربع ساعة في فحص الضمير . كنا نبحث في دقائق النهار عن كل خطأ , فعلاً أو إهمالاً , و كنت أشعر بأن الشيء الوحيد الذي لم يكن خطأ في نهاري كان تحضير المركع الذي كان خشبه ينحت ركبتي . و كنت أقول دائماً إنّ نصف المعركة في فحص الضمير هو تركيز المركع في الشكل المناسب !

Hobbit
01/09/2009, 15:11
3 تموز

حدث ذلك مساء يوم جمعة , و أنا أحاول تركيز ذلك المركع لأبدأ فحص الضمير المسائي . فأحسست , كما بنوبة قلبيّة , بوعي عميق لوجود الله فيّ . ما من أحد يستطيع أن ينقل اختباره الشخصي إلى إنسان آخر , وجلّ ما يمكنه أن يفعل هو تقديم تفكيره حول ذلك الاختبار . إنّ هذه حقيقة لا شكّ فيها . و ما أتسطيع قوله , محاولاً إشراككم في اختباري هذا , هو أنّني أحسست و كأنني " بالون " يمتلئ فجأة من نسيم لذّة وجود الله المحبّ , و يمتلئ إلى حدّ التمزّق , فشككت في قدرتي على تحمّل المزيد من نشوة ذلك الانخطاف .

شعرت في عمق أعماقي أن الله أستوقفني و تملكني . و أنا أتكلم إليكم , تزداد قناعتي ترسخاً بعدم قدرتي على إشراككم حقاً في ما أحسست به . فكل اختبار شخصي هو حقاً أعمق من أن ينقل إلى آخر , و نقل اختبار لقاء الله , في عُمقه , أصعب بمقدار ما يصعب على الإنسان فهم سرّ الله . فالله لا زمن يحدّه و لا مكان , و ما من عقل بشري قدر أن يحيط بعظمته الامتناهية . و لمسات ألوهيته تلك , التي تنقلنا لبضع لحظات قصار إلى جواره , لا يمكن لكلمات بشر أن تعبّر عن حقيقتها . كل ما يمكنني أن أقول لكم هو أنّه استوقفني و تملكني .

و إذا كان هنالك من شهر عسل في علاقة الإنسان بربّه فذلك دام طيلة السنة التي تَلَت اختباري هذا .كانت لمسات يده تتردد عليَّ من وقت إلى وقت , و كانت دائماً تفاجئني , فتخلق في قلبي بهجة لا وصف لها . و حدث أن قرأت في تلك الفترة , و للمرّة الأولى , قصيدة لجيرار مانلي هبكنز Gerard Manley Hopkins , فكأني بها التعبير الشعريّ الصحيح عمّا كان يجول في نفسي :

" لقد كلّمتني

يا الله ! يا معطي الخبز و الروح

يا مَن يخطّ للعالم حدوده و يكوّن للبحر أمواجه

يا سيّد الأحياء و الأموات

لقد حبكت منّي العروق و العظام

و كوّنت جسمي

و لمّا أوشكت , في فزعي

أن أشوّه ما فعلت

هرعت إليَّ بلمسة خلق جديدة من عندك

و إذا بي أشعر مرّة أخرى بلمسة لطف يدك

و أعود فألتقيك " .

Hobbit
01/09/2009, 15:17
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

4 تموز
قيل أنّ أفضل فرص النمو و التقدّم قد تلج حياتنا متنكّرة بزّي مشكلة , و للمشاكل طرقها في طرح التحدّيات علينا , فهي تحرك قدرات ما كنّا لندري بوجودها فينا . قد تُخرجنا المشاكل من رتابة في العيش فتنفتح أمامنا آفاق جديدة و إمكانيات جديدة . و ربمّا عاد الألم علينا بالنفع أكثر منه بالنجاح . و لكنّني على يقين من أنّ الإفادة تكون عادةً على قدر التفاؤل بالخير . لذا علينا أن نبحث عمّا هو حسن في ظروف الحياة كافّة فنجده .
عرفت حديثاً أنّ صديقة لي أُوقفت من جرّاء مخالفة بسيطة لأحد قوانين السير . و هي سيدة لطيفة جداً و أمّ لخمسة أولاد . فبينما هي ذاهبة الى المتجر لتبتاع بعض الاحتياجات فاجأها لدى دخولها الى المتجر رجل شرطة و طلب أن تعطيه رخصة سوقها لأنّها خالفت قوانين السير و هي تدخل إلى موقف المتجر . و قالت له : هل تريد حقاً رخصة السوق مني أم إنك تمازحني . فغضب من جراء كلامها و أوقفها . فبينما هو يوثقها ردّ يدها بعنف وراء ظهرها فلطمت يدها وجهه فازداد غضباً . و زاد على سبب توقيفها " إنّها صفعت رجل الشرطة " . اقتيدت صديقتي الى دائرة الشرطة حيث فتشوا أمتعتها و أخذوا بصمات أناملها و وضعوها في حجرة منفردة .
سمعت هذه التفاصيل قبل أن ألتقيها . و عندما أخبرت أحد المحامين بذلك سألني هل إنّ صديقتي تبغي الادّعاء على الشرطي لأنّ هذه التفاصيل من نوع الحوادث التي يمكنها أن تجني منها مليون دولار من دون أيّ عناء . و أضاف أنّه على أهبة الاستعداد لأن يتسلّم دعواها .
و لمّا التقيت صديقتي و قصّت عليّ الخبر بنفسها , قالت لي :" لقد كان ذلك الاختبار من أهمّ ما تعرّضت له في حياتي كلّها لأنّني بتّ أعرف حقاً كيف يشعر المرء عندما يُفترى عليه و يُسجن من دون سبب . من الآن فصاعداً سيعني لي الأسبوع الذي سبق يوم القيامة أكثر ممّا كان يعني لي في الماضي , و سأتفهّم مثل هذه الآلام بشكل أعمق بكثير . كان رجال الأمن يردّدون بأنّهم يقومون بواجبهم و كنت أقول لهم إنّني أتفهّم ذلك " .

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

Hobbit
01/09/2009, 15:24
5 تموز

نحن نتكلم عن ضرورة العودة إلى أختبارنا الصعب لننظر فيه عن كثب و نستخرج منه ما هو حسن . ففي مثل هذه الحال نجد أنفسنا كمَن "يُبَروِز" صورة ما فتظهر فيها آنذاك بعض التفاصيل الدقيقة التي فاتنا الانتباه إليها . و عندما نستعرض مجدداً اختباراً صعباً مررنا به , يتيح لنا ذلك فرصة في أن نتعلّم من ذلك الأختبار أمثولات فاتنا الانتباه إليها و نرى محاسن ما خطرت ببالنا أبداً للوهلة الأولى . هكذا يطلب العديد من الأطباء النفسيّين من مرضاهم أن يعودوا فيستعرضوا حدثاً مزعجاً تعرضوا له أو أختبارنا مؤلماً ألمَّ بهم . و في الترداد يُطلب إليهم أن يبحثوا في ذلك الحدث أو ذلك الاختبار عمّا يمكنهم الإفادة منه بطريقة من الطرق . إن الرسّام جيمز وستلر James Whistler مثلاً كان يبغي أن يصبح ضابطاً في الجيش فأخفق في الاكاديمية العسكرية و تسبب له ذلك بانهيار عصبي . فطلب إليه الطبيب النفسي أن يلجأ الى الرسم كجزء من العلاج النفسي , فاكتشف الموهبة التي كانت فيه . و المغنّي خوليو إغليزياسJulio Lglesiasأيضاً كان يحلم بأن يحترف كرة القدم . فتعرض ذات يوم لحادث تسبّب له بشلل مؤقت . فأتته ممرّضة بقيثارة علّها تخفّف من ضجره , و كانت تلك بداية طريق آخر جديد قاده إلى حيث هو الآن , يبدو أنه عندما يوصد في وجهنا باب يُفتح أمامنا باب آخر . و لكن يبقى المهم أن تعرف كيف نهتدي إلى ذلك الباب فندخل منه إلى حياة جديدة .

Hobbit
01/09/2009, 15:27
6 تموز

هذا يعني ان لكل منا رؤيته , لأنّ تلك هي طبيعة عقلنا و تلك هي نزعته الغريزيّة إلى فهم الواقع. هنالك أيضاً حاجة خاصة إلى الرؤية لأنّها تضفي على الحياة شيئاً من الثبات و التماسك , فهي تنير سبيلنا , و من دونها تكون كمّن أصيب بعمى نفسي , نتعثر كلما خطونا و كأنّنا نسير في طريق لم يسلكها أحد من قبلنا . و سرعان ما نتفكّك و كأنّنا في ضياع .

و هذه الرؤية تكون بمثابة نور داخلي يضيئ سبيلنا في التعاطي مع الناس و مع الأماكن و الأشياء . و هي تصبح كذلك أساساً لسلوكنا العاطفّي , كما قلنا , ينطلق من نظرتنا إلى الوجود . و لا فرق في هذا بين نظرة صحيحة و نظرة خاطئة , لأن ردة الفعل دائماّ تأتي دوماّ منسجمة مع تلك النظرة . فإذا ما و ضع طفل حيّة من المطاط في الحديقة , فلا فرق إذا كانت حقيقية أم لا , لأنّ ردّة فعلي العاطفيّة تأتي من نظرتي أنا إليها .

فالعواطف دوماّ وليدة النظرة إلى الواقع و فهمه . و لكنّ ردّات الفعل العاطفية على الواقع لا بدّ و أن يكون لها وقعها على النظرة المستقبلية إلى الواقع و فهمه . أحَدَثَ لك أن كنت لوحدك في منزل منفرد , و سمعت ضجّة في الليل ما أمكنك تحديد مصدرها و لا فهمها ؟ قد يكون الهواء أغلق مصراع النافذة و لكن منذ ذلك الحين يصبح كلّ صوت غريب مصدر قلق , و يروح القلق يعكّر ما تسمع , فكأنك أدخلت ذاتك في دوّامة تاريخية مقلقة .

Hobbit
01/09/2009, 15:31
7 تموز

في زمن المسيح كان في العالم الكثير من القساوة و العذاب . و كان الأغنياء يُمضون الوقت في مآدب لا تنتهي و الفقراء يغرقون في فقرهم و لا معين , و كان ثلثا سكّان العالم آنذاك يعيشون في العبودّية و لا حول لهم و لا قوّة , و كانت الرياضة المفضّلة آنذاك الاستمتاع بمراقبة متبارزين يتناحران إلى أن يسقط أحدهما مثقلاً بجراحه منهكاّّ . فينظر الفائز إلى الجماهير مستلهماً رأيهم , سائلاً عمّا يريدونه أن يفعل بذلك الإنسان المنهوك المتخبّط بدمائه . فإذا ما حملوا في أيديهم الذهب و الفلوس عنوا بهذا أن ذاك المبارز جيّد و من المستحين أن يتعافى لأنّّ بإمكانه أن يصارع مجدَّّداً " فيُستعمل " لتسلية الجماهير مرة أخرى . و لكن إذا ما فرغت من الدراهم أيديهم , و أشار كلّّ منهم بإبهامه إلى أسفل كانت تلك علامة للمتبارز المنتصر أن ينكبّ على خصمه المنهوك بسيفه لأن لا نفع للجماهير منه في المستقبل و كأنّ حياته عبء لأن لا مجال " لاستعماله " في سبيل تسلية الجماهير مرّة أخرى .

و يخبرنا علماء التاريخ بأنّ أصوات الجماهير كانت تهزّ المدينة عندما ينقضّ المبارز الفائز على خصمه و يقتله . تماماّ كما الجماهير تهب اليوم في الصياح لدى تسجيل الإصابة الرابحة في مباراة كأس العالم لكرة القدم .

ذاك كان العالم الذي قال فيه الكتاب : " إن الله أحب العالم حتى إنّه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية .فإنّ الله لم يُرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم , بل ليخلص به العالم " ( يو 3/ 16-17) . إنّ مجيئ المسيح إلى العالم كان القمّة في الخير . فالعالم الذي رأى الله في خلقه " أنّّه حسن " , مع كلّ تعاسته , و ما زال فيه الكثير الكثير من الأمور الحسنة . هنالك في عمق كلّ قلب يرى الله بعضاً من الخير و الجمال دفيناً .

و نحن الذين خلقنا الله على صورته و مثاله نشاطر الله فرحته كلّما اكتشفنا الخير و الجمال الذي يُنتظر , في قلب كلّ بشر , و الذي يبقى دفيناً هناك إلى أن تبصره عين تعرف كيف ترى ما هو خيرٌ و حسن و جميل .

Hobbit
01/09/2009, 15:35
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

8 تموز

الكماليّة معادلة مؤلمة , أمّا العمل في سبيل النمو فليس كذلك . النمو مسيرة يكتشف خلالها المرء شيئاً فشيئاً قدرات جديدة لديه ... مَن ينشد الكمالية ينقصه طول الأناة , و لكن مَن يعمل في سبيل النموّ يعلم أنّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة . فعوامل الزمن و الصبر و التمرّس هي في صلب عمليّة النموّ .

إذاً ما قُيّض لك أن تختار الدخول من خلال أحد بابين , أولهما يقودك إلى الكمال بشكل فوريّ و الثاني إلى عمليّة نموّ حتّى الكمال بشكل تدريجيّ, أَيّاً من االتجاهين تُراك تسلك ؟ قد تعجب إذا سمعت أنّ الغالبية الساحقة يفضلون سلوك النموّ الترديجي نحو الكمال . ذلك لأنهم يشعرون , إذا ما اختاروا الدخول من الباب الأول , بأنَّ مسيرتهم قد انتهت و لم يبق من مجال امامهم للمزيد من التقدّم و النموّ . فالسير نحو الكمال بشكل تدريجيّ من شانه أن يوفّر لهم اختبار فرح التقدّم المستمر خلال مسيرة الحياة بكاملها . ستتعرف في المسيرة تلك إلى نجاحات صغيرة و متتالية و لن تُرهق نفسك في تتبّع الكماليّة .

من أفضل سبل النموّ التي يمكن سلوكها , أن يتذوق المرء فرح المسيرة نحو الكمال عوض أن يهتمّ فقط بتحقيق الكمال في حدّ ذاته . و إنّني إذ أخط هذه الأسطر , أحاول أن أعمل بالنصيحة التي أسدي بها إليك . أنا أعرف في عمق ذاتي أنّ هنالك طريقة أفضل من طريقتي في طرح هذه الأفكار التي أقدّمها لك , و قد تكون الفضلى , و لكنني لا أكتب و أمزّق الأوراق سبع مرّّات أو أكثر , بحثاً عن تلك الطريقة الفضلى , بل أحاول أن أتوق فرح مشاركتي إيَّاك في أفكاري هذه , بالطريقة التي تبدو لي مقبولة , آملاً أن يعود ما أكتب بالنفع على عدد من الناس ... هذا ما يشجّعني على متابعة المسيرة .

Hobbit
01/09/2009, 15:49
9 تموز

مبدأ الحياة كناية عن هدف أو تطلّع عامّ أنتقيه ليصبح الأساس و الموجه لقراراتي . مثلاً : " إعمل الخير و اجتنب الشرّ " . فإذا كان هذا من مبادئ حياتي , عندما أجد نفسي أمام خيارّين , أحدهما للخير و الآخر للشر , أنتقي الأوّل و أميل عن الثاني .

أعتقد أنّّ لدى كلّ منّا مبدأ يتميّز في أهميته عن المبادئ الأخرى , فيصبح هو الموجِّه لها . قد يكون من الصعب أن ننتشله من أعماق اللاواعي عندنا , لنتفحّص كيانه , و لكن ليس هناك من شكّ في وجوده . وكما أنّ في و اعماق كلّ حاجات تطلّعات و قِيَمّاً تشغلنا , فإنّ هناك أيضاً , في تعرّجات حياتنا اليوميّة , همَّا يبرز و كأنّه النغم البارز في قطعة موسيقية , يتردد في كل جزء منها , و كأنه اللحمة لتلك الأجزاء كلها . و بالطبع , يبقى لكل منا , دون سواه , أن يجيب في أعماق نفسه عن السؤال : " ما هو مبدأ حياتي ؟ " .

فبعض الناس مثلاً يبحثون , قبل كل شيء , عن سلامتهم . فيتجنّبون الأماكن الخطرة و معها أيضاً الفرص التي كانت تنتظرهم هناك . قرّروا ألا يخاطروا . يلزمون بيوتهم عند المساء و يحبسون أنفسهم عن الآخرين و لسان حالهم يقول : " أجدر بنا أن نسلمَ من أن نندم " . و ما يشبه ذاك ينطبق على إنسان مبدأ حياته الواجب , أو تقدير الآخرين , المال , الشهرة , النجاح , المرح , العلاقات الإنسانية , إرضاء الآخرين أو السلطة ...

Hobbit
01/09/2009, 15:51
10 تموز

من المهمّ جداً أن نعي أنّنا خلائق تتحكم العادة فيهم . فعندما نفكّر في طريقة ما , أو نبحث عن خير ما , أو نلجأ إلى دافع ما , فنحن , في كلّ حال , نكوّن عادة عندنا , أو نرسّخ في أنفسنا عادة . ذلك كمَن يحرث حقلاً , فكلّ حراثة تُحدث في الأرض عمقاً جديداً ( هل حدث أن حاولت التخلّص من عادة ما ؟ إذاً أنت تفهم ما أحاول أن أٌقول ) .

هكذا هي الحال مع مبدأ الحياة , أيّاً كان نوعه . فكلّما طبّقته مرّة ازدادت فيك العادة ترسُّخاً . العادات تبدأ تتحكّم فينا عند بدء الحياة .

هي تحدّد سلوكنا و توجّه أفعالنا وردّات الفعل عندنا . وسوف نموت تماماً كما عشنا . فمّن ظهر أنانيّأً متطلباً أو متساهلاً سموحاً عندما أصبح كهلاً , بدأ يكون ما صار إليه منذ أن كان طفلاً . فالمُسن الراسخ في الرداءة , تماماً كالقدّيس المسنّ , كلاهما تمرّس على مبدأ الحياة الذي انتقاه . فما ستكون عليه أنت و ما سأكون عليه أنا في آخر العمر هو ما نحن في صدد إقراره و تطبيقه في حياتنا اليوم . هنالك قرار أساسيّ مبدأ الحياة , سيتملّكنا يوماً حتّى عمق الدم الذي يجري في عروقنا . و ما من شكّ في أنّنا سنموت تماماً كما عشنا .

Hobbit
01/09/2009, 16:06
11 تموز

الكمالية حال بشرية غير صحّية , و الفارق بين مَن يدّعي الكمالية و الإنسانية و السليم أنّ هذا الأخير يتحكّم في حياته . أمّا الذي يدّعي الكماليّة فهو يعيش أبداً و كأنّه فقد حريّته و هو يجدّ نفسه مرغماً على النجاح , على الكماليّة , فكأنّه مُقعد و كأنّ روحه في سجن .

الإنسان الذي يعيش في هاجس الكماليّة يقيس قيمته الخاصة بما يُنجز . فيصبح كلّ خطأ إشارة إلى نقص في قيمته الخاصّة ... فينتابه الخوف و الذعر ممّا سيقوله عنه الآخرون , و يشعر بأنّه قد فقد احترامهم , فينغلق على ذاته و يغرق في حال من العصابيّة و الوحشة المحزنة .

و بما أنّ للعواطف أبعادها الجسديّة فلا بدّ و أن يكون للكماليّة أعراضها الفيزيولوجيّة . و هي تختلف باختلاف الأشخاص و ما يصبو كلّ منهم إليه بالتحديد . لكن من المرجّح أن تظهر في الغالب تحت شكل ضغوط نفسيّة و خلل في النوم و المأكل . و نتيجة لهذا الشعور يضاعف الكمالي جهده في محاولة إرضاء الآخرين ليعوّض عن شعوره بالفشل , فيقطع وعوداً لا طاقة له على تحقيقها , قيزداد شعوره بالفشل . و هو يأبى أن يطلب مساعدة الآخرين مخافة أن يشكّل ذلك إقراراً بضعفه , إنّه إنسان عالق بين خوفه من إظهار ضعفه و عدم قدرته على تحقيق سلوك يُظهر قدرته .

يعتقد الكمالي أنّ قبول الآخرين له رهن بإنجازاته . فإذا ما فشل حقد حبّهم و فقد مع تقديرهم له تقديره لنفسه .

الكمالي لا يستطيع أن يقبل ذاته و الآخرين كماهم . من دون شروط , و لا يسمح لنفسه بأن يفشل , لذا تراه يعيش في قلقٍ مضنٍ كلّما أقدم على عمل ما . فالآخر في نظره لا يمكنه أن يساعد أو يشجّع , بل هو يراقب دائماً و يقوّم .

Hobbit
01/09/2009, 16:13
12 تموز

عندما يطمح المرء إلى الكمالية يطمح إلى القمّة . و هو يشعر بأنّ كلّ ما هو دون ذلك الفشل , قد يؤول إلى الإحباط , و آمال ضائعة تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى غضب و خيبة . فنروح نعبّر عن ذاك الإحباط و تلك الخيبة بسبل غير سليمة أو إنّنا ندفنها في أنفسنا لنُخفي الحقيقة عن الآخرين , فندفع من جرّاء ذلك الثمن باهظاً .

إنّ هذ السبيل الذي يؤول إلى تحطيم الذات سلكه العديد من الناس . يحضرني الآن مَثَل سيّدة شابّة التقيتها منذ بضع سنوات و أخبرتني في أول لقاء لنا أنّها حاولت الانتحار مرتين .

و لكنّها أكدّت لي أنّها بعد أن تحصل على شهادتها كممّرضة لن تشعر بالفراغ الذي يؤلمها اليوم . و لكنّها أنهت دروسها بنجاح و بقيت على ما كانت عليه فظنّت آنذاك أنّ الزواج سيملأ فراغ حياتها . و لكن سرعان ما راودها الشعور بالفراغ و العصابيّة من جديد . أكّدت لي آنذاك أنّ الأولاد سيملؤون فراغها و بعد بضع سنوات أنجبت خلالها ثلاثة أولاد أتتني يوماً لتقول لي و هي تبكي أنّ أولادها يكرهونها , بل يحتقرونها .

و ذات يوم هتف لي زوجها ليقول لي إنّها ماتت , بل إنّها قتلت نفسها . و في رسالة تركتها على طاولة المطبخ كتبت تقول : " لا تحزن يا عزيزي ,فإنّك عملت كلّ ما في و سعك "! ثمّ سألني : " هل أخبرتك أنّ الأولاد كانوا يكرهونها ؟" . أجبته : " نعم أخبرتني " . " كانت تتمتّع بإرادة حسنة جداً و حاولت جاهدة أن تتخلص من الآلام التي كانت تقضّ مضجعها و لكنّها لم تبح بوماً بالسبب الحقيقي الكامن وراء تلك الآلام . إنّها كانت تسعى دوماً الى الكمالية و لا تقبل أي نقص في ذاتها و لا في سواها , فوجدت نفسها في حرب مستمرة مع الاولاد الى أن كرهوا حضورها و نبرات صوتها و صورة إصبع الاتهام التي ما انفكّت توجّهه إليهم ... إنها دفعت بنفسها إلى الإرهاق الجسدي و النفسي معاً و بعد سنين طويلة من الصراع قتلت نفسها مودّعة إيّاي بعبارة بسيطة : " لا تحزن يا عزيزي , إنّك فعلت كلّ ما في و سعك " .

قال لي : " إنّني حزين لفقدها " , و إنّني حزين على كلّ إنسان يرفض القبول ببعض الشوائب في نفسه و في الآخرين . إنّهم يموتون يوماً بعد يوم ,و إذا أحجموا عن قتل ذواتهم فقدوا اللذة في العيش و حبسوا أنفسهم في غياهب القنوط و راحوا ينتظرون قدوم الموت هناك . " إنّ هذا الموقف من الكماليّة يقود الإنسان عاجلاً أم آجلاً , إلى الانتحار " .

Hobbit
01/09/2009, 16:26
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////


13 تموز

عندما أنظر كإنسان إلى ما في داخلي , أو أحاول رؤية الواقع في الخارج , أبدأ في البحث عن ترتيب ما , عن نماذج أو حلقات نظاميّة , و أتعلم أن أربط الأسباب بالنتائج . فأنا أبحث في الواقع عمّا يمكنّني من استباق ما قد يحصل . فإذا ما تكنّت من التنبّؤ بما سيكون , أصبح بإمكاني أن أتمتّع بشيئ من الأمان ,إذ تتوفر لدَّي قدرة أكبر على اتخاذ القرارات المناسبة . و سرعان ما تأخذ أفعالي أشكالاً و نماذج تأتي وليدة نظرتي إلى الواقع و التفاعل معه . يصبح بامكاني آنذاك أن أستبق الأمور فيأتي سلوكي متماسكاً منسجماً . و قد يقود بي الحفاظ على هذا التماسك و الانسجام أحياناً إلى سلوك سبل كنت أفضّل ألا أسلكها .و خلاف استباق الأمور و الانسجام هو الفوضى . في الفوضى يتعذر التنبّؤ بما سيكون و يُفقد الانسجام في السلوك . و في الفوضى ضياع للفكر و تشتّت للروح . و المرء الذي يعيش فترة من الفوضى غالباً ما يحسّ و كأنّه فقد شيئاً من " الاتزان " , أو بعضاً من الوضوح في التوجّه . إنّ شعور الإنسان " بالفوضى " في ذاته لاختبار مُخيف .


////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

Hobbit
01/09/2009, 16:32
14 تموز

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////


فربمّا كان الخوف من الشعور بالفوضى السبب الأهمّ لعدم رغبة المرء في التبديل الخاصّ برؤيته , حتّى عندما تتحول تلك الرؤية إلى قيود تكبل حياته . ففي عمق سرّيّ خوف من أنّني , إذا ما تخليت عن رؤيتي تلك , حيث أنعم بشيء من أمان التنبّؤ بما سيكون , سوف تعمّ الفوضى حياتي , فأعيش في ضياع و كأنّ ما من نور يضيئ سبيلي . و إذا ما قرّرت أن أبدّل نظرتي السلبيّة إلى ذاتي فماذا يحتّم ذلك عليّ ؟ كيف يؤثر ذلك على علاقتي بالآخر ؟ و إذا ما قرّرت أن أغيّر نظرتي إلى الآخر كإنسان غير صادق و غير أهل للثقة , فماذا يكون أثر ذلك في سلوكي نحو الآخر ؟ فهل يصبح من المحتّم عليّ أن أثق بالآخر ؟ و هل سيصبح من الطبيعيّ أن أبوح له ببعضٍ من ذاتي ؟
و لكن ما الذي يضمن لي أنّ التبديل سيؤول إلى الأفضل ؟ أليست هي قصّة " عصفور في اليد أفضل من اثنين على الشجرة ؟ " و هل مَن يرغب في تبديل واقع يعرفه بآخر يجهله من دون أن يثق و لو قليلاً بأنّ جديده سيكون أفضل من قديمه ؟ أنا أعرف ما أنا عليه الآن , أمّا في التغيير فلا علم لي بما سيصير من أمري , بما أنا خاسره أو بما قد أربح . ففي كلّ تغيير موت و ولادة جديدة . فالموت عن قديم اعرفه في سبيل ولادة إلى جديد أجهله إنمّا هي عملية مخيفة . و هنالك دوماً تلك اللحظة المخيفة بين الموت و الولادة الجديدة حيث أكون قد فقدت كلّ شيء . فإذا ما تخلّيت عن رؤيتي السالفة , تلك التي أغدق بعض المعنى على حياتي و كانت لي النور و الطريق , فهل الرؤية الجديدة ستحفظ لي صفاء الحياة الذي أنا عليه ؟

Hobbit
01/09/2009, 16:34
15 تموز

ليس البقاء في عفن الماضي أمراً سهلاً . و إذا ما تشبّث المرء بالماضي , برؤية مبتورة , تحتّم عليه التنكر دوماً لكلّ خبرة أو معلومات جديدة لا تناسب و تلك الرؤية , و كلما ازدادت المعلومات و المعطيات التي تتضارب و الرؤية , و هذا متعب , بل هو مرهق . و هو يتسبّب , خلال فترة من الزمن , بكثير من القلق الداخليّ و التعب النفسيّ . و كلّما تراكمت المعطيات المعاكسة , تعاظم قدر الجهد المطلوب في الدفاع عن الذات بالتنكّر لوجود تلك المعطيات .

و هذا الضغط المتزايد في سبيل التنكّر للواقع بغية الحفاظ على الطمأنينة الذاتيّة يضاعف من الهدر في القوى . هذا ما يجعلنا نفتقر يوماً بعد يوم إلى طاقة نحن في حاجة إليها كي نرغد في العيش و في الحبّ . و بينما نحن نتخبّط بين الإقرار بهذا الواقع و التنكّر له , نحسّ ببوادر القلق و الإرهاق و كأنّها أصبحت قسماً من حياتنا العاديّة . نحن نُرهق أنفسنا في الدفاع عن الرؤية التي أصبحت بمثابة سجن لنا . إنّ مثل هذا التوجّه في الحياة يُطلق على صاحبه صفة العصابيّ . إنّ الرؤية التي تشبّث بها الشخص المتصلّب بكلّ قواه , آملاً أن يعيش فيها بسلام و طمأنينة , قد أصبحت هي حدّ ذاتها مصدر قلق و كآبة .

Hobbit
01/09/2009, 16:46
16 تموز

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////


إنّ كلّ لحظة من حياتنا تشكّل صورة تتقاطع فيها أمور كثيرة . ففي وسط نجد , بالطبع , النظرة إلى الذات , و هنالك العديد من التيّارات و القوى التي تندفع نحو قلب الصورة و كأنّها أشعّة تتسارع نحو القمّة . و هؤلاء هم الأشخاص الذين نلتقيهم و الأحداث التي تمرّ في حياتنا , و لنا في كلّ منها مصدر غنى . و لكن مَن يجد نفسه في موقف دفاع , رافضاً المجازفة , لأنّ الحياة قد جنت عليه و ما زال ينسى آثار الجراح , فهذا قد يلجأ من خوفه إلى إحدى " عمليّات الحماية " . و نحن , في مثل هذه الحال , نراقب الواقع لننتقي من تلك التيّارات و القوى التي تحيط بوجودنا ما لا يهدّدنا . و هكذا تسير حياة كلّ منّا و كأنّنا في أرض سهلة . فتروح الأيّام تتشابه و تمرّ و كأنّ الحياة أصبحت مجموعة من نسخ متشابهة .
هذه هي الطريق إلى المراوحة حيث لا يبقى لنا سوى البحث عن بعض أمور تثيرنا أحياناً , و كأنّنا نجمع بعض الرموز التي تولّد لدينا شعوراً بخصوصيّة موقعنا . فمثلنا في ذلك مثل لاعب كرة القدم المتقاعد الذي يمضي الوقت متاملاً في ما أحرز من كؤوس في أيّام العزّ . تلك هي صورة الشخص الذي يعيش فقط بمعدّل عشرة بالماية من حيويّته .

Hobbit
01/09/2009, 16:47
17 تموز

الإنسان كائن يمكنه أن يُحدث تغييراً في ذاته . تلك هي إحدى الفرائض الأساسية التي تعطي العلاج النفسيّ جاذبية خاصة . إنّ حياتنا هي , إلى حدٍّ بعيد , رهن بإرادتنا . و أنا من طبعي ثائر على كلّ ما هو قَدَري و حتميّ في نظريّات علم النفس , فذاك يحوّلني إلى لعبة في يد الدهر و كأن حياتي قد سُجّلت على شريط يدور في غفلة منّي و معه يمّر عمري , و لا حول لي في الأمر و لا قوّة . عندما أقبل هذا التحدّي أكون قد عزمت على تحمّل مسؤوليّة مستقبلي . أنا لست سجين الماضي , بل أنا رائد في توقي إلى صنع مستقبل زاهر .

سنستعرض في الأيّام المقبلة بإيجاز أهمّ المبادئ الأساسيّة لمفهوم إيلس لفرضية " الأفكار المغلوطة " و العالج النفسيّ الذي يتمّ من خلال إبدال تلك الأفكار برؤيا جديدة .

الأفكار المغلوطة ( و يمكنك أن تسمّيها أيضاً أوهاماً أو تشويهاّ للحقيقة ) هي قناعات خاطئة , أفكار منقوصة , غير و اقعيّة , و مواقف غير صحيحة , إنّها غالباً ما تأتي جماعات جماعات , إذ إنّ إحداها تقود إلى أخرى في نطاقها .

Hobbit
01/09/2009, 16:52
18 تموز


////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////


بعض الأفكار المغلوطة غير مؤذية أو خطرة نسبيّاً , لأن ليس لها العمق في مشاعري و سلوكي . و لكن بعضها خبيث الأثر و مكبَّل لأنّه يؤول إلى شعور سلبيّ مؤلم يمزّق الشخصية و يعطّل التواصل مع المجتمع .
من الضروريّ أن تُحدّد الأفكار المغلوطة قبل أن يُصار إلى تبديدها . و عندما تتمكّن من تحديدها بدقّة تصبح واضحة و ملموسة , مثلاً : " يجب أن يؤيّدني الجميع في ما أعمل و إلاَّ ارتابني شكّ في قيمتي الخاصّة " . أمّا الأوهام غير الواضحة و غير المحدّدة , فهي , في الغالب , أفكارغامضة من شأنها ان تُخفي المشكلة الحقيقة . مثلاً : " أظنّ أنّ لديّ نزعة إلى الإفراط في التفكير " .
بإمكان المرء أن يعيش ملء الحياة بقدر ما يتمكّن من وعي تلك الأفكار المغلوطة المكبِّلة ليبدّلها أو ليبدّدها .
عندما يعي المرء إحدى أفكاره المغلوطة , أو يفطن لأحد أوهامه , يكون آنذاك في حال من اليقظة . و ما يحدث في مثل تلك الحال أنّنا نفطن فجأة لخلل كنّا نعيشه في فهمنا لبعض اختباراتنا الشخصيّة . و نعي أنّنا كنّا مخطئين في تكوين نظرتنا إلى واقع الحياة .

jankasanova
02/09/2009, 08:35
شكرا كتير كتير عالمجهود...

:D

Hobbit
02/09/2009, 15:19
19 تموز
و حالات اليقظة تلك تتكاثر بقدر ما يكون المرء منفتحاً و مرناً . و في كلّ اختبار لحال من اليقظة تنمو في الإنسان قدرة على عيش ملء الحياة .
حال اليقظة قد تحدث في أيّ وقت و في أيّة ظروف . و مع أنّ هنالك طرقاً من شأنها أن تسهّل تطوّرها , فما من سبيل عند المرء يخوّله التحكم في إحداثها .
هذا النهج الذي نقترح , و الذي من شأنه أن يبدّد الأفكار المغلوطة , يمكن تسميته " العلاج النفسيّ الرؤيويّ " . إنّها طريقة يعزّز فيها المرء نموّه الذاتيّ من دون أيّة مساعدة من أحد . سوف نتكلّم عنها لاحقاً بالتفصيل . في فرضيّة " الأفكار المغلوطة " و نهج " العلاج النفسيّ الرؤيويّ " , لا تشكّل العواطف نقطة الارتكاز , بل تكون بمثابة مؤشرات . فإذا ما تكثّفت العواطف السلبيّة مثلاً كانت مؤشراً لوجود أفكار مغلوطة عند المرء . فيصبح الهدف تبديد تلك الأفكار من خلال اليقظة و استبدالها بمواقف صحّية و واقعية . و قد يكون الإعراب عن العواطف المكبوتّة ضرورة , ليتمكن المرء من بلوغ تلك اليقظة التي إليها يطمح .
يُقاس النجاح في " العالج الرؤيويّ " بقدر تأثيره في نموّ في العيش بفعاليّة و فرح , و يُقاس ذاك النموّ يإيجابية المواقف التي يطورها المرء نحو الذات و الآخرين , و الحياة و العالم و الله . و ما يكوّن تلك المواقف هي الرؤية التي للإنسان , نظرته إلى الواقع . تلك الرؤية التي تحدّد النهج العاطفي في حياة الناس . و صحّة تلك الرؤية و صوابيتها تخوّل وحدها المرء أن يعيش حقاً بفرح و بفعاليّة .

Hobbit
02/09/2009, 15:23
20 تموز
بعدما أوجزنا المبادئ التي تشكلّ صلب الأفكار المغلوطة و الأسس للعلاج الرؤيوي , نعود الآن لنتفحص عن كثب نهج ألْبِرْت إيليس الذي يركز أصلاً على الاعتقاد بأنّه يمكن ردّ المشاكل النفسيّة و العاطفيّة إلى التشبث بمفاهيم خاطئة . و عندما أوجز إيليس أسس العالج النفسيّ الذي ابتكره و أسماه " العلاج العقلانيّ - العاطفيّ " , قال فيه إنّه يرتكز إلى أفكار ثلاثة :
1- كلّ سلوك بشري يأتي كردّة فعل لحدث ما .
2- وردّة الفعل تأتي نتيجة لفهم الحدث و تقويمه في ضوء معتقدات ثابتة .
3- و هي تترجم سلوكاً عاطفياً معيّناً .
ينتقد إيليس العديد من طرق العالج النفسيّ لأنّها ترتكز في اعتقاده إلى الفكرة الأولى و الثالثة و تُهمل الفكرة الثانية , أي كون ردّة الفعل تأتي نتيجة لفهم الحدث و تقويمه في ضوء معتقدات ثابتة . و هذا , في رأيه , أساسيّ جداً في النهج الذي يتبعه , " العلاج العقلانيّ العاطفي ّ" . يتعرّض العديد من الناس لحدث واحد و لكنّ النتائج , أو ردّات الفعل العاطفيّة , غالباً ما تأتي مختلفة كلّ الاختلاف . فلبعض الناس قدرات فائقة على استعاب المشاكل الكبرى أو احتمالها . و بعضهم الآخر قد يدخل في حال من الضياع إذا ما تعرّض لصعوبات تافهة . فما من شكّ أنّ عنصراً ما يُحدث هذا التمايز الكبير بين ردّة فعل وردّة فعل على حدث واحد . و هذا ما يسمّيه إيليس " المعتقدات الثابتة " و ما أسميناه " الرؤية " . إليكم هذا النموذج :

Hobbit
02/09/2009, 15:25
21 تموز
أ - الحدث المحرّك
- ألقى من أحد الناس معاملة قاسية و مجحفة و هو ينتقدني و يعرب عن عدم حبّه لي .
ب - المعتقدات الثابتة
- يجب أن يحبّني الكلّ و يؤيدني و إلاّ فقدت كلّ احترامي و تقديري لذاتي .
ج - السلوك العاطفيّ
- كم أنا تعيس ! إنّي أشعر بالإحباط و في نفسي حزن عميق .
و قد أضاف إيليس مؤخّراً إلى هذا النموذج فكرتين جديدتين بغية إعادة العقلانية إلى معتقداتنا و السلام العاطفيّ إلى نفوسنا :
د - التساؤل حول المفاهيم الخاطئة داخل معتقداتنا .
ليس من واجبي أن أُرضي كلّ إنسان , و لا هو ضروريّ أن، أحظى بحبّ الآخرين و ثنائهم لكي أحافظ على ثقتي بنفسي . فالمشكلة ليست فيّ , بل هي في منتقديّ .
ه - يتبدّل الحدث أو الاختبار من جّراء تأويلي و تقويمي له , ممّا يمكّن المرء من تبديد المفاهيم الخاطئة التي قد ترافق الحدث أو الاختبار .
تصبح آنذاك ردّة الفعل العاطفية مختلفة : يحافظ المرء على الثقة بالنفس و على السلام الشخصيّ , و التفهمّ لكلّ منتقد .

Hobbit
02/09/2009, 15:27
22 تموز
إنّي أوافق إيليس في الرأي على أنّ العديد من طرق العلاج النفسيّ و غالبيّة الناس أيضاً يهتّمون في حياتهم اليومية " بالحدث المحرّك " و " السلوك العاطفي " الناتج عن ذاك الحدث . عندما أشعر بعواطف سلبيّة قويّة , قلّما أفطن لاستعمال العلاج الرؤيويّ فأتفحّص عن كثب معتقداتي الثابتة . إنّنا نكاد لا نجهد أبداً في اكتشاف السبب الكامن وراء تلك العواطف .
نحن نعرف أنّ ردّة فعل العديد من الناس على حدث ما قد تختلف عن ردّة فعلنا نحن . و لكن ذلك لا يحملنا على إعادة النظر في ما نحن عليه . و نحن غالباً ما نبدّد هذا التحدّي بقولنا : " هذا ما أنا عليه " أو " آسف و لكنّي هكذا ! " , حتّى إنّ بعضنا يزعم أنّ الناس جميعاً يشعرون تماماً كما نحن نشعر , و لكن بعضاً منهم فقط ينجحون في إخفاء ذلك الشعور .
تذكّر أنّ كلّ حدث محرِّك لا بدّ له من أن يمرّ عبر معتقداتك الأساسية و هي فريدة , أعقلانية كانت أو لا عقلانية . و السلوك العاطفيّ الذي ينجم عن ذلك الحدث لا يقرّره الحدث نفسه , بل هو و ليد معتقداتك الثابتة . و لكن هنالك دائماً أمل , حتّى عندما تكون ردّة الفعل العاطفيّة سلبيّة إلى أقصى الحدود , إذ يبقى في إمكاننا أن نتساءل حول " معتقداتنا الثابتة " فنعي مفاهيمنا الخاطئة و نعمل على تغيير ما يجب تغييره .

Hobbit
02/09/2009, 15:30
23 تموز

لنتفحّص نموذجاً آخر :
ا - الحدث المحرِّك هو فشل ( في المدرسة , في العمل , في تنفيذ مخطّطاتنا , إلخ ) .
ب - أعتقد أنّ الفشل يشير إلى نقص فيّ . إنّه يقلّل من قيمتي الشخصيّة , بل يوقع في شخصيّتي ضرراً مستديماً
ج - يتبع ذلك سلوك عاطفيّ يتمّيز بالحزن و الإحباط و الخيبة .
د - التساؤل حول المفاهيم الخاطئة : أقوّم اعتقادي و أرفض بقوّة أن يكون الفشل إشارة إلى انعدام في قيمتي الشخصيّة . الفشل لا يحطّ من شخصي . الخطأ الوحيد هو ذاك الذي لا نتعلّم منه شيئاً . صحيح أن جهودي باءت بالفشل , و لكنّي لست فاشلاً . كلّ إنسان معرّض للفشل , و الإنسان الناجح هو مَن يتعلّم من فشله .
ه - لقد قُيّم " حدث الفشل " و حُوّل إلى اختبار مفيد و مجال للنموّ . و بسبب إعادة النظر في فهم الحدث تغيّرت ردّة الفعل العاطفيّة من " أنّها النهاية " ( من الإحباط ) إلى " سيكون تعاملي مع حدث جديد مختلفاً " ( إلى حماسة و تطلّع نحو المستقبل ) .

Hobbit
02/09/2009, 15:37
24 تموز
إنّ الانفتاح على الإنسان ما بشكل صادق و كامل هو مطلب ضروريّ لبلوغ ملء النموّالإنسانيّ . و لكن هنالك أسباب خاصّة تجعل من وجود هذا الصديق شرطاً أساسياّ لنجاح " العلاج الرؤيويّ" . أولاً لأنّ في كلّ منّا حاجة إلى التخلص من بعض العواطف المزعجة قبل أن نتمكن من تفحّص معتقداتنا و التوصّل إلى اكتشاف أفكارنا المغلوطة المقلقة . هذا الصديق الحميم يعرف و حده كيف يساعد على التخلصّ من تلك العواطف , لأنّ قربه منّا و معرفته لنا يسمحان له بأن يستبق ما قد يحدث . و أيّ إنسان آخر قد ينصحنا بألاّ نبكي و نضطرب من دون أن يفسح في المجال أمامنّا لنعبّر عن تلك العواطف بحريّة كاملة . الصديق الحميم المحبّ حقاً وحده يسمح لنا بحريّة التعبير تلك .
يقول ألفرد أدلر إنَّ العلاقة الإنسانية الدافئة وحدها تعطي الإنسان الشجاعة الكافية ليواجه لأخطاءه و يفهمها . فإذا ما شعرنا بأنّ هنالك مَن يحبّنا من دون شروط أصبح بوسعنا أن نتقبّل أوهامنا و نواجهها . و هذا أحد المبادئ الأساسية في طريقة العالج التي بتبعها كارل روجرز Carl Rogers : يصبح بإمكاننا أن نفهم ذواتنا و نتقبّل بواقعيّة ما نحن عليه عندما يُفهمنا إنسان آخر و يقبلنا كما نحن . و بالتالي ينصح أدلر و آخرون مَن ليس بإمكانه الحصول على مثل هذا الصديق أن يحاول الالتحاق بجماعة نقبله و تحتضنه .

Hobbit
02/09/2009, 16:02
25 تموز


////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

و التحدّث إلى مثل هذا الصديق يساعدنا على اكتشاف أفكارنا المغلوطة بطريقة أخرى . علينا أن نحدّد المشكلة قبل أن تبدأ بالتكلّم عنها .
و من المرجّح أنّنا لن نُجهد أنفسنا في تحديد المشكلة و تشعّباتها ما لم يكن في ودّنا أن نبوح بها لشخص آخر . و ستبقى مشاكلنا مبهمة غامضة , ما دامت مدفونة في داخلنا . فمع الصديق الحميم نحن لا نكتفي بتحديد المشكلة , بل إنّنا نبوح بها أيضاً . و هذا البوح من الأهميّة بمكان . فالطريقة التي فيها نبوح بأمر ما غالباً ما تبيّن حقيقة تقويمنا له . و الكلمات التي ننتقي في و صفنا المشكلة تُظهر موقعنا منها وردّة فعلنا عليها . نحن نفكّر من خلال الكلمات , و بواسطة الكلمات نخطّط لحياتنا , و كلماتنا في النهاية تبوح بعمق هويّتنا . لذا ينصح بعضهم بأن يردّد المرء في فترات معيّنة من النهار شعارات أو عبارات إيحابية مثلاً : " أنا أستطيع ! ... " " سوف أعمل !..." فإذا كنّا نحاول فهم و اقع ما أو التكلّم عنه بشكل غير متّزن , فالتحدّث عنه إلى صديق من شأنه أن يساعد على النظر إليه بواقعيّة و إعادة الاتزان إلى تفكيرنا .

Hobbit
02/09/2009, 16:10
26 تموز
كتبت لين كيين Lynn Caine , في كتابها " النافذة " , فصلاً بعنوان " عزيزتي الورقة الطبيب النفسيّ " . الإشارة هي إلى يوميّاتها التي كتبتها منذ وفاة زوجها . يبدو أنّ تدوينها الأحداث و العواطف التي اختبرتها قد عاد عليها بفوائد جمّة . فتدوين اليوميّات هو مجال للتعبير عن العواطف و يشتمل على تحديد واضح للأمور و تعبير عنها كما ذكرنا آنفاً . القيام أمام ورقة أخطّ عليها كلماتي يبدو أقلّ تهديداً من مواجهة إنسان يحدّق في عيني و ينتظر ما سأتفوّه به . " الورقة الطبيب النفسيّ" أقلّ رهبة من الطبيب النفسي ّ الحقيقيّ .
عندما أدون الحدث المحرّك لأحد أيّامي و الخبرة العاطفيّة التي تنتج عنه , يمكنني العودة في أيّ وقت , و في برهة من السكون , لأمارس شيئاً من " العلاج الرؤيوي " , فأتفحص معتقداتي أو رؤيتي و أتحرى صوابيّتها . فإذا ما مارس الناس بشكل منتظم و بلطف و ثبات هذا النوع من تفحصّ الذات و الرؤية الخاصّة , فلا بدّ لهم أن يختبروا , كما اختبرت أنا مراراً , وعياً جديداً و تغييراً فوريّاً لنهجهم العاطفيّ في الحياة . و بقدر ما تكون الكتابة دقيقة و حيّة تتوفّر الفرص لظهور الأفكار المغلوطة و التعرّف إليها .

Hobbit
02/09/2009, 16:14
27 تموز
إنّ الذين يكتبون في موضوع الأفكار الخاطئة يجمعون على أنّ تهديداً ما هو الذي يموّه الرؤية ويُحدث الانحرافات فيها . و مواجهة التهديد من شأنها أن تقلّص الرؤية . فعتدما أشعر أنّّني مهدّد , ألجأ بعفوية إلى اتخّاذ مواقف دفاعيّة , مّما يجعلني في الغالب عرضة لأن أتجاهل بعض الدلائل التي تُقدم إليّ ( إنّه إغفال مقصود و منتقى ) . فتلك الدلائل قد تدفع بي إلى تقويم رؤيتي و ربمّا إلى مواجهة أوهامي , و هي قد تشكّل تحدّياً لي لأبدأ في التفكير و التغيير , و لكن يحلو لي أن أدافع عن نفسي بدل أن أتبصّر في واقعي . من المستحبّ جداً أن يكرّس المرء بعض الوقت في آخر كلّ يوم ليسترخي و يستعرض و يقوّم . و لكنّنا في الغالب نعيش و كأنّ الزمن يحكم قبضته علينا . لكنَّ هنالك بعض أوقات كتلك التي نقضيها في السفر أو في الاسترخاء الذي يسبق الرقاد , أو في انتظار إنسان تأخّر مجيئه , إلى ما هنالك , في مثل تلك الأوقات يعيش الإنسان في جوٍّ يتضاءل فيه التهديد و تتّسع الرؤية فيُفسح المجال لخلق جديد و إبداع جديد . و مثل هذه الأوقات لا تثمَّن لأنّها المدى الذي يسمح للمرء أن ينمو و يهنأ في حياة طمأنينة و سلام .

Hobbit
02/09/2009, 16:23
28 تموز
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

أنت تعرف , و لا شكّ , أنّ مبادئ الإيروديناميّات ( ذلك العلم الذي يدرس حركة الهواء و القوى المؤثرة في الأجسام المتحرّكة عبر الهواء ...) تنكر على " النحلة الطنّانة " قدرتها على الطيران . فجناحاها الرقيقان النحيلان , يقول الاختصاصيون , لا يمكّنان تلك النحلة الضخمة من الارتفاع عن الأرض . و لكن من حسن حظها أنّها لاتعرف رأي الاختصاصيّين .
فعندما تؤمن بأمر ما دون أن تتفحّص حقيقته , يصبح موقفك أداة لتثبيت حقيقة ما أنت مؤمن به .
فما دمت تظنّ أنك غير قادر , فأنت غير قادر , لذا يجب ألا تدع احداً يقول لك , و فوق كلّ شيء لا تقول أنت لنفسك , أنّك لست بقادر . حاول فتختبر قدرتك من خلال ما تحقّق . أنا لست أعني هنا بالطبع أن تحاول الطيران , بل أن تتمرّس على التخلّص من كلّ الانحرافات القديمة و الأمور الكاذبة التي ما انفككت َ تهمس بها لنفسك من دون أن تتساءل يوماً حول صوابيّتها .

Hobbit
02/09/2009, 16:34
29 تموز
حدّثني صديق لي عن اختبار له في بلاد البهاماز , حيث رأى يوماً جموعاً من الناس تزدحم حول أحد المرافئ . سأل عن سبب ذلك الازدحام , فقيل له : " إنّ شاباً بنى لنفسه مركباً و هو على وشك الانطلاق فيه لوحده في رحلة حول العالم " . و كان الجمع كلّه , من دون استثناء , في حال من التشاؤم لم يحاول أحد إخفاءها , الكلّ كان يذكر البحَّار الطموح بكلّ ما يمكن أن يتعرّض له من مخاطر : " الشمس ستكويك ! ... و الخبز لن يكفيك !... و المركب الذي بنيت لن يصمد في و جه العواصف ... و في كلّ حال لن تبلغ هدفك ! " .
عندما سمع صديقي كلّ تلك التحذيرات المضنية توجَّه إلى الشابّ المغامر , أحسّ بدافع قويّ في نفسه يحثّه على أن يزوّده بشيء من التشجيع و التفاؤل . لمّا بدأ القارب يبتعد عن الرصيف أسرع صديقي نحوه ملوّحاً بيديه و كأنّ الثقة تتدفّق من يديه و كللّ جوارحه و أخذ يصرخ : " اتمنى لك سفرة موفّقة ! إنّك شخص غير عاديّ ! قلوبنا معك ! و نحن نفخر بشجاعتك ! وفّقك الله يا أخي ! " .
يبدو لي أحياناً أنّ الناس ينقسمون إلى نوعين . نوع يبحث عن كلّ مكروه قد يحدث لنا و نحن نحاول أن نشقّ طريقنا الخاصة في الحياة , و يأخذ على عاتقه أن يذكّرنا دائماً بذلك : " انتظر كم ستعاني من البرد و الألم في عالم كلّه ظلم . إسأل مجرّب ... " .
و نوع آخريقف على الرصيف و يلوّح , منه يستطيع الإيمان بنفسه و الثقة بنا , و من ملء فمه تنطلق الدعوة بالتوفيق .

Hobbit
02/09/2009, 16:36
30 تموز
في التزامي بحبّ غير مشروط , أعدك بأن أكون شخصاً , لا قطعة من المعجون يسهّل عليك أن، تقولبها كيفما تشاء . أن أكون شخصاً , فذلك يعني أنّ لي حقوقاً و عليّ مسؤوليّات . لي الحقّ مثلاً أن أعبّر عن أفكاري و مشاعري , أن يكون لدّي خيارات يمكنني تحقيقها . كما يعني ذلك أيضاً أنّ في حياتي مجالاً للحرّية الشخصيّة , و ألا يمسّ أحد ذلك المجال , و أنّ في صلب عمليّة نضجي الشخصيّ القدرة على اتخاذ قراراتي الخاصّة و تحمّل مسؤوليّاتها . انا لن أتّخذ , طبعاً , قرارات تلزمك أنت , بل تلك عليّ أنا اتّخاذها , لأنّها تخصّني و حدي , تلك هي بعض الحقوق التي تعود لي كشخص و التي أودّ أن أحافظ عليها , و آمل منك أن تحترمها . كن على استعداد أن تجد فيَّ شخصاً يمكنك ان تصطدم به . بالطبع . لك حقوقك المماثلة كلّها . و أنا سأحترمها بدقّة , و لن أحترمها فقط . بل سأنتظر منك أن تعيش دائماَ و تحافظ على حقوقك و تفرض احترامها , إذا كان ذلك ضروريّاً .
و رجائي أن تكون عندك الشجاعة كي تُفصح لي دائماً , إذا شئت , عن أفكارك و شعورك . أنا لا قدرة لي على معرفة ما تفكّر فيه و ما به تُحسّ . و لا يمكنني أن أحزر ما هي خياراتك , فعليك أنت أن تقول لي كلّ ذلك . فأنا لا أريد أن أفترض شيئاً بشأنك : إنّ في ذلك خطراً كبيراً . لا تظنّ أنّك تحبّني إذا تقلّبت لتطابق ما أريد , أو أرهقت نفسك في تعقيدات ظنّاً منك أنّ ذلك سيسعدني . و إذا فعلت , فمن المرجّح أنّك ستُتعبني , و سوف أضجر منك , و سوف أفتقد التحدّي عندك و في علاقتنا .

Hobbit
02/09/2009, 16:42
31 تموز
لا يمكنني أن أدعك تستعملني أو تحاول , بحيلة منك , أن تغيّر حياتي ,. علينا أن نحبّ الأشخاص و نستعمل الأشياء .و إنّني شخص و لست شيئاً .إذا تركتك تستعملني فذلك ليس بفعل حبّ لا لك و لا لنفسي .و إنّني أرجو أن تكون على يقين من أنّي لن أسمح لنفسي أن أُدينك أبداً , فليس باستطاعتي , لا الآن و لا في المستقبل , أن أعرف ما في نواياك . و الطريق الوحيد إلى معرفة ما تُضمر هو أن أسألك أنت , و أنّي لن أسمح , لا لدموعك و لا لهبّات غضبك أن تثنيني عن جهودي للتفهم معك . و إذا ما أحسست بشكّ في أمرك , فسوف أواجهك بشعوري . و إذا حدث أن جرحتني بموقف منك أو كلمة , فسوف تسمع صرخة ألمي . و عندما تثبّتني أو تعزّيني أو تهنّئني , فسوف أكُنّ لك الشكر مدى الحياة . " الأنا " الذي سيكون على اتّصال بك لن يكون طبعة مختصرة عنّي و لا منقّحة .
إنّني فاعل , لا رادّ فعل . لذا عليّ أن أقرّر أنا دائماً كيف أتصرّف . لا يمكنني أن ألقي بهذه المسؤوليّة على عاتقك . و سوف أحاول أن أوافّق , بقدر المستطاع , بين اللباقة و العطف من جهة , و الصراحة و الانفتاح من جهة أخرى , و لكن لا حقّ لي أن أساوم , لا في سلوكي و لا في علاقتي معك . فلا أفكاري برسم الإيجار و لا مشاعري , و لن أسمح أن يستعملني أحد .
و مهما فرض علينا الحبّ , فهو لن يتطلّب منّا أن نكون " مماسح " كتلك التي توضع أمام باب المدخل , و لا أن نعمل دوماً لإرضاء الآخرين , و لا أن نبحث عن السلام بأيّ ثمن . فأثمن ما يمكن لحبّي أن يقدّم لك هو خلاصة ذاتٍ صادقة , من خلال انفتاح هو قمّة في الصدق .

Hobbit
02/09/2009, 16:48
1 آب
من المهمّ أن يواكب الحبّ بعض الشعور , و لكنّ الحبّ نفسه ليس بشعور . و لو كان كذلك , لغدا عرضة لتقلّبات كثيرة , و الذين يحسبونه هكذا , يعيشون في حال من التقلّب المستمرّ.
الحبّ قرار و التزام , و أنا مدعوّ , كمسيحيّ , إلى أن أحبّ جميع الناس . و هذا يعني أنّه عليّ أن أحترم كلّ شخص ألتقيه , على قدر المستطاع , فينمو و يحقّق السعادة التي بحث عنها . و لكن من غير الممكن أن أدخل في علاقة حبّ مع كلّ الناس . لذا عليّ أن أقرّر , و أن أقرّر بكلّ تأنٍّ , إلى مَن , و على أيّ مستوى من الالتزام , أود أن أقدّم حبّي .
عندما أتّخذ مثل هذا القرار , و ألقى التجاوب الذي اتمنى , أُصبح , بملء حرّيّتي , ملتزماً بسعادة مَن أحبّ و سلامته و ارتياحه . و يصبح من واجبي أن أعمل , بكلّ قواي , على مساعدة هذا الشخص كي يحقّق ما يراوده من أحلام نبيلة . هذا هو الالتزام في الحبّ . و عندما أسأل نفسي عن دور الحبّ في حياتي , عليّ أن أسأل بالتالي هل في حياتي شخص يهمنّي أمر سعادته و نموّه , أقلّه كما يهمنّي أمر سعادتي أنا و نموّي . فإذا أجبت بالإيجاب عرفت آنذاك أنّ الحبّ قد دخل حياتي .
و يمكنني أن أسأل نفسي أيضاً هل أنا على استعداد لأن أبذل حياتي في سبيل شخص أو قضيّة . لقد قال لنا يسوع إنّه ما من حبّ أعظم من ذاك الحبّ : " ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبّائه " ( يو 15/13) .