-
عرض كامل الموضوع : جبران خليل جبران
رائع جبران ..
وأكثر من رائع .. من يحب جبران
مشاركة جديدة مني ...
طبعاً رح تكون مني إلك
ان صديقك هوكفاية حاجتك
هو حقلك الذي تزرعه بالمحبة وتحصده بالشكر
هو مائدتك وموقدك
لانك تأتي اليه جائعا وتسعى وراءه مستدفئا
*********
فاذا اوضح لك الصديق فكره فلا تخشى أن تصرح اليهبما في فكرك من النفي أو أن تحتفظ بمافيذهنك من الايجاب
لأن الجبل يبدو للمتسلق له أكثر وضوحا وكبرا من السهل البعيد
واذا صمت صديقك ولم يتكلم فلا ينقطع قلبك عن الاصغاء الى صوت قلبه
لان الصداقة لاتحتاج الى الالفاظ و العبارات فيانماء جميع الافكار والتمنيات الرغبات التي
يشترك الاصدقاءبفرح عظيم في قطف ثمارها اليانعات
!!!!!!!!!!!!!
وان فارقك صديقك فلاتحزن عى فراقه
لان ماتتعشقه فيه ,أكثر من كل شئ سواه,
ربما يكون في حين غيابه أوضح في عيني محبتك منه في حين حضوره!!!!!
ولا يكن لكم في الصداقة من غاية ترجونها غير ان تزيدوا في عمق نفوسكم
لان المحبة التي لا رجاء لها,سوى كشف الغطاء عن أسرارها,ليست محبة,
بل هي شبكة تلقى في بحر الحياة ولا تمسك الا غير النافع
*******
وليكن أفضل ماعندك لصديقك
فان كان يجدر به انيعرف جزر حياتك فالأفضل لك أن تظهر له مدها
لانه ماذا ترتجي من الصديق الذي تسعى اليه لتقضي معه ساعاتك المعدودة في هذا الوجود؟؟؟
فاسعى بالاحرى الى الصديق الذي يحيي أيامك ولياليك
لان
له وحده قد اعطي ان يكمل حاجاتك ,لا لفراغك ويبوستك
وليكن ملاك الافراح واللذات المتبادلة مرفوعا فوق حلاوة الصداقة
!!!!!!!!!!!!!
*لان القلب يجد صباحه في الندى العالق بالصغيرات
فينتعش ويستعيد قوته*
جبران خليل جبران
blue eyes
05/05/2006, 02:12
انا كتير بحب جبران وحابة كتير اقرى كتاب النبي دورت علي بكل المواقع بس ماكنت شوف غير مقاطع صغيرة ياريت اذا حدى بيعرف موقع مكتوب في يحطلي النك ومشكورين..:سوريا:
لك طلبك وسوف انشر هنا "النبي" على حلقات
وظل المصطفى، المختار الحبيب، الذي كان فجراً لذاته، يترقب عودة سفينته في مدينة اورفليس اثنتي عشر سنة ليركبها عائداً الى الجزيرة التي ولد فيها.
وفي السنة الثانية عشرة، في اليوم السابع من أيلول شهر الحصاد، صعد الى قمة احدى التلال القائمة وراء جدران المدينة وألقى نظرة عميقة الى البحر، فرأى سفينته تمخر عباب البحر مغمورة بالضباب.
فاختلج قلبه في اعماقه، وطارت روحه فوق البحر فرحاً، فاغمض عينيه، ثم صلّى في سكون نفسه.
****
غير أنه هبط عن التلة حتى فاجأته كآبة صماء، فقال في قلبه:
كيف انصرف من هذه المدينة بسلام، وأسير في البحر من غير كآبة؟ كلا! انني لن ابرح هذه الارض حتى تسيل الدماء من جراح روحي.
فقد كانت أيام كآبتي طويلة ضمن جدرانها، وأطول منها كانت ليالي وحدتي وانفرادي، ومن ذا يستطيع ان ينفصل عن كآبته ووحدته من غير ان يتألم في قلبه؟
كثيرةٌ هي اجزاء روحي التي فرقتها في هذه الشوارع، وكثير هم ابناء حنيني الذين يمشون عراة بين التلال، فكيف أفارقهم من غير ان أثقل كاهلي وأضغط روحي!
فليس ما أفارقه بالثوب الذي أنزعه عني اليوم ثم أرتديه غداً، بل هو بشرة أمزقها بيدي.
كلا، وليس فكراً أخلفه ورائي، بل هو قلب جملته مجاعتي وجعله عطشي رقيقاً خفوقاً.
***
بيد أنني لا استطيع ان ابطئ في سفري.
فإن البحر الذي يدعو كل الاشياء اليه يستدعيني، فيجب عليّ ان اركب سفينتي وأسير في الحال الى قلبه.
ولو أقمت الليلة ههنا، فإنني، مع ان ساعات الليل الملتهبة، أجمد وأتبلور وأتقيد بقيود الارض الثقيلة.
وانني اود لو يتاح لي ان يصحبني جميع الذين ههنا، ولكن أنّى يكون لي ذلك؟
فإن الصوت لا يستطيع ان يحمل اللسان والشفتين اللواتي تسلحن بجناحيه، ولذلك فهو وحده يخترق حجب الفضاء.
أجل، والنسر، يا صاح، لا يحمل عشه بل يطير وحده محلقاً في عنان السماء.
وعندما بلغ المصطفى سفح التلة التفت ثانية الى البحر فرأى سفينته تدنو من المرفأ، وأبناء بلاده يروحون ويجيئون على مقدمتها.
فهتف لهم من صميم فؤاده وقال:
يا أبناء أمتي الاولى، أيها الراكبون متون الامواج المذللون مدّها وجزرها.
كم من مرة ابحرتم في احلامي؟! وها قد اتيتم ورأيتكم في يقظتي التي هي اعمق احلامي.
انني على أتم الأهبة للإبحار، وفي أعماقي شوق عظيم يترقب هبوب الريح على القلوع بفارغ الصبر.
ولكنني اود اتنفس مرة واحدة في هذا الجو الهادئ وأن ابعث بنظرة عطف واحدة الى الوراء.
وحينئذ أقف معكم، ملاّحاً بين الملاحين.
اما انت ايها البحر العظيم، ايها الأم الهاجعة.
انت ايها البحر العظيم الذي فيك وحدك يجد النهر والجدول سلامهما وحريتهما.
فاعلم ان هذا الجدول لن يدور الى دورة واحدة بعد، ولن يسمع احد خريره على هذا المعبر بعد اليوم، وحينئذ آتي اليك، نقطة طليقة الى اوقيانوس طليق.
****
وفيما هو ماشٍ رأى عن بعد رجالا ونساء يتركون حقولهم وكرومهم ويهرولون الى ابواب المدينة.
وسمعهم يصرخون بعضهم ببعض من حقل الى حقل مرددين اسمه وكل منهم يحدّث رفيقه بقدوم سفينته.
***
فقال في نفسه:
ايكون يوم الفراق يوم الاجتماع؟
ام يجري على الافواه مسائي كان فجراً لي؟
وماذا يجدر بي ان اقدم للفلاح الذي ترك سكنه في نصف تلمه، وللكرّام الذي اوقف دولاب معصرته؟
ايتحول قلبي الى شجرة كثيرة الاثمار فأقطف منها وأعطيهم؟
ام تفيض رغباتي كالينبوع فأملأ كؤوسهم؟
هل انا قيثارة فتلامسني يد القدير، ام انا مزمار فتمر بي انفاسه؟
اجل ، انني هائم انشد السكينة، ولكن ما هو الكنز الذي وجدته في السكينة لكي اوزعه بطمأنينة؟
وان كان هذا اليوم يوم حصادي ففي اية حقول بذرت بذاري، وفي اي فصل من الفصول المجهولة كان ذلك؟
وان كان هذه هي الساعة التي يجدر بي ان ارفع فيها مصباحي واضعاً اياه على منارتي، فإن النور الذي يتصاعد منه ليس مني.
لأنني سأرفع مصباحي فارغاً مظلماً.
ولكن حارس الليل سيملأه زيتاً، وسينيره ايضاً.
قال هذا معبراً عنه بالالفاظ ولكن كثيراً مثل هذا حفظه في قلبه من غير ان يعلنه، لأنه هو نفسه لم يقدر ان يوضح سره العميق.
****
وعندما دخل المدينة استقبله الشعب بأسره، وكانوا يهتفون له مرحبين به بصوت واحد.
فوقفه شيوخ المدينة وقالوا له:
بربك لا تفارقنا هكذا سريعاً.
فقد كنت ظهيرة في شفقنا، وقد اوحى شبابك الاحلام في نفوسنا،
وأنت لست بالغريب بيننا، كلا، ولا انت بالضيف بل انت ولدنا وقسيم ارواحنا الحبيب.
فلا تجعل عيوننا تشتاق الى رؤية وجهك.
ثم قال له الكهان والكاهنات:
لا تأذن لأمواج البحر ان تفصل بيننا، فتجعل الاعوام التي قضيتها بيننا نسياً منسيا.
فقد كنت فينا روحاً محيية، وكان خيالك نوراً يشرق على وجوهنا.
قد تعشقتك قلوبنا، وعلقتك ارواحنا.
ولكن محبتنا تقنعت بحجب الصمت، فلم نستطع ان نعبر عنها.
بيد انها تصرخ اليك الآن بأعلى صوتها، وتمزق حجبها بيديها لكي تظهر لك حقيقتها.
فإن المحبة منذ البدء لا تعرف عمقها الى ساعة الفراق.
***
ثم جاء اليه كثيرون متوسلين متضرعين، فلم يرد على احد جواباً، ولكنه كان يحني رأسه، وكان الواقفون حوله ينظرون عبراته تتساقط بغزارة على وجنتيه وصدره.
وظل يمشي مع الشعب حتى وصلوا الى الساحة الكبرى امام الهيكل.
يتبع......
blue eyes
03/07/2006, 06:28
بانتظار الباقي..وشكرا الك ع مجهودك:D
تابع كتاب النبي
المطرة
وحدث اذ ذاك ان امرأة عرّافة خرجت من المقدس، اسمها المٍطرة.
فنظر اليها نظرة ملؤها الحب والحنان، لأنها كانت اول من سعى اليه وآمن به مع انه لم يكن له الا ليلة وضحاها في مدينتهم.
فحيته باحترام وقالت له:
يا نبي الله، طالما كنت تسعى وراء ضالتك المنشودة، مفتشاً عن سفينتك التي كانت بعيدة عنك.
وها قد وصلت سفينتك، ولم يبق من بد لسفرك.
عظيم هو حنينك الى ارض احلامك وتذكاراتك ومواطن الفائقات من رغباتك، ولذلك فإن محبتنا لا تقيدك، وحاجتنا اليك لا تُمسك بك.
ولكننا واحدة نسألك قبل ان تفارقنا:
ان تخطب فينا وتعطينا من الحق الذي عندك.
ونحن نعطيه لأولادنا، وأولانا لأولادهم وحفدتهم، وهكذا يثبت كلامك فينا على ممر العصور.
ففي وحدتك كنت ترقب ايامنا، وفي يقظتك كنت تصغي الى بكائنا وضحكنا في غفلتنا.
لذلك نضرع اليك ان تكشف مكنوناتنا لذواتنا، وتخبرنا بكل ما اظهر لك من اسرار الحياة من المهد الى اللحد.
فأجاب قائلا:
يا أبناء اورفليس، بماذا احدثكم إن لم أظهر لكم ما يختلج في نفوسكم وتتحرك به ضمائركم حتى في هذه الساعة؟
حينئذ قالت له المطر: هات لنا خطبة في المحبة.
فرفع رأسه ونظر الى الشعب نظرة محبة وحنان، فصمتوا جميعهم خاشعين فقال لهم بصوت عظيم :
اذا اشارت المحبة اليكم فاتبعوها، وان كانت مسالكها صعبة متحدّرة.
واذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها، وان جرحكم السيف المستور بين ريشها.
واذا خاطبتكم المحبة فصّدقوها، وان عطل صوتها احلامكم وبددها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعاً صفصفاً.
***
لأنه كما ان المحبة تكللكم، فهي ايضاً تصلبكم.
وكما تعمل على نموّكم، هكذا تعلمكم وتستأصل الفاسد منكم.
وكما ترتفع الى اعلى الشجرة حياتكم فتعانق اغصانها اللطيفة المرتعشة امام وجه الشمس.
هكذا تنحدر الى جذورها الملتصقة بالتراب وتهزها في سكينة الليل.
***
المحبة تضمكم الى قلبها كأغمار الحنطة.
وتدرسكم على بيادرها لكي تظهر عريكم.
وتغربلكم لكي تحرركم من قشوركم.
وتطحنكم لكي تجعلكم انقياء كالثلج.
وتعجنكم بدموعها حتى تلينوا،
ثم تعدكم لنارها المقدسة، لكي تصيروا خبزاً مقدساً يقرّب على مائدة الرب المقدسة.
***
كل هذا تصنعه المحبة بكم لكي تدركوا اسرار قلوبكم، فتصبحوا بهذا الادراك جزءاً من قلب الحياة.
غير انكم اذا خفتم، وقصرتم سعيكم على الطمأنينة واللذة في المحبة:
فالأجدر بكم ان تستروا عريكم وتخرجوا من بيدر المحبة الى العالم البعيد حيثما تضحكون، ولكن ليس كل ضحككم، وتبكون، ولكن ليس كل ما في مآقيكم من الدموع.
المحبة لا تعطي الا نفسها، ولا تأخذ الأ من نفسها.
المحبة لا تملك شيئاً، ولا تريد ان يملكها أحد:
لأن المحبة مكتفية بالمحبة.
*****
أما انت اذا احببت فلا تقل: ان الله في قلبي" ، بل قل بالأحرى: "انا في قلب الله".
ولا يخطر لك البتّة انك تستطيع على مسالك المحبة، لأن المحبة ان رأت فيك استحقاقاً لنعمتها، تتسلط هي على مسالكك.
والمحبة لا رغبة لها الا في ان تكمل نفسها.
ولكن اذا احببت، وكان لا بد ان تكون لك رغبات خاصة بك، فلتكن هذه رغباتك:
ان تذوب وتكون كجدول متدفق يشنف آذان الليل بأنغامه.
ان تخبر الآلام التي في العطف المتناهي.
ان يجرحك ادراكك الحقيقي للمحبة في حبة قلبك، وأن تنزف دماؤك وأنت راض مغتبط.
ان تنهض عند الفجر بقلب مجنح خفوق، فتؤدي واجب الشكر ملتمساً يوم محبة آخر.
ان تستريح عند الظهيرة وتناجي نفسك بوجد المحبة.
ان تعود الى منزلك عند المساء شاكراً:
فتنام حينئذ والصلاة لأجل من احببت تتردد في قلبك، وأنشودة الحمد والثناء مرتسمة على شفتيك.
يتبع.....
ثم قالت له المطرة ثانية: وما رأيك في الزواج ايها المعلم؟
فأجاب قائلا:
قد ولدتم معاً، وستظلون معاً الى الأبد.
وستكونون معاً عندما أيامكم اجنحة الموت البيضاء.
أجل، وستكونون معاً حتى في سكون تذكارات الله.
ولكن فليكن بين وجودكم معاً فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض، حتى ترقص ارياح السموات فيما بينكم.
احبوا بعضكم بعضاً، ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود، بل لتكن المحبة بحراً متموجاً بين شواطئ نفوسكم.
ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه، ولكن لا تشربوا من كأس واحدة.
اعطوا من خبزكم كل واحد لرفيقه ولكن لا تأكلوا من الرغيف الواحد.
غنوا وارقصوا معاً، وكونوا فرحين أبداً، ولكن فليكن كل منكم وحده،
كما ان أوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده ولكنها جميعاً تخرج نغماً واحداً.
*****
ليعط كل منكم قلبه لرفيقه، ولكن حذار ان يكون هذا العطاء لأجل الحفظ، لأن يد الحياة وحدها تستطيع ان تحتفظ بقلوبكم.
قفوا معاً ولكن لا يقرب احدكم من الآخر كثيراً: لأن عمودي الهيكل يقفان منفصلين، والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما في ظل رفيقتها.
ثم دنت منه امرأة تحمل طفلها على ذراعيها وقالت له: هات حدثنا عن الأولاد.
فقال:
ان اولادكم ليسوا لكم.
انهم ابناء وبنات الحياة المشتاقة الى نفسها، بكم يأتون الى العالم ولكن ليس منكم.
مع انهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم.
انتم تستطيعون ان تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون ان تغرسوا فيهم بذور افكاركم، لأن لهم افكاراً خاصة بهم.
وفي طاقتكم ان تصنعوا المساكن لأجسادهم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد، الذيلا تستطيعون ان تزوروه ولا في احلامكم.
وان لكم ان تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم.
ولكنكم عبثاً تحاولون ان تجعلوهم مثلكم.
لأن الحياة لا ترجع الى الوراء، ولا تلّذ لها الإقامة في منزل الأمس.
انتم الاقواس وأولادكم سهام حيّة قد رمت بها الحياة عن اقواسكم.
فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية، فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى.
لذلك فليكن التواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرّة والغبطة.
لأنه كما يحب السهم الذي يطير من قوسه، هكذا يحب القوس الذي تثبت بين يديه.
يتبع...
ثم قال له رجل غني : هات حدثنا عن العطاء.
فأجاب قائلا: أنك اذا اعطيت فإنما تعطي القليل من ثروتك.
ولكن لا قيمة لما تعطيه ما لم يكن جزءاً من ذاتك، لأنه اي شيء هي ثروتك؟
أليست مادة فانية تخزنها في خزانتك، وتحافظ عليها جهدك خوفاً من ان تحتاج اليها غداًَ؟؟
والغد، ماذا يستطيع الغد ان يقدم للكلب البالغ الفطنة الذي يطمر العظام في الرمال غير المطروقة وهو يتبع الحجاج الى المدينة المقدسة؟
أو ليس الخوف من الحاجة هو الحاجة بعينها؟
او ليس الظمأ الشديد للماء عندما تكون بئر الظامئ ملآنة هو العطش الذي لا تروى غلته.
***
من الناس من يعطون قليلا من الكثير الذي عندهم وهم يعطونه لأجل الشهرة، ورغبتهم الخفية في الشهرة الباطلة تضيع الفائدة من عطاياهم.
ومنهم من يملكون قليلا ويعطونه بأسره.
ومنهم المؤمنون بالحياة وبسخاء الحياة، هؤلاء لا تفرغ صناديقهم وخزائنهم ممتلئة ابداً.
ومن الناس من يعطون بفرح، وفرحهم مكافأة لهم.
ومنهم من يعطون بألم، وألمهم معمودية لهم.
وهنالك الذين يعطون ولا يعرفون معنى للألم في عطائهم، ولا يتطلبون فرحاً، ولا يرغبون في اذاعة فضائلهم، هؤلاء يعطون مما عندهم كما يعطي الريحان عبيره العطر في ذلك الوادي.
بمثل ايدي هؤلاء يتكلم الله، ومن خلال عيونهم يبتسم على الارض.
جميل ان تعطي من يسألك ما هو في حاجة اليه.
ولكن اجمل من ذلك ان تعطي من لا يسألك وأنت تعرف حاجته، فإن من يفتح يديه وقلبه للعطاء يكون فرحه بسعيه الى من يتقبل عطاياه والاهتداء اليه اعظم منه بالعطاء نفسه.
وهل في ثروتك شيء تقدر ان تستبقيه لنفسك؟
فإن كل ما تملكه سيتفرق ولا شك يوماً ما، لذلك أعط منه الآن، ليكون فصل العطاء من فصول حياتك أنت دون ورثتك.
وقد طالما سمعتك تقول متبجحاً: "انني احب ان اعطي، ولكن المستحقين فقط"
فهل نسيت، يا صاح، ان الاشجار في بستانك لا تقول ذلك، ومثلها القطعان في مراعيك؟
فهي تعطي لكي تحيا، لأنها اذا لم تعط عرّضت حياتها للتهلكة.
الحق اقول لك: ان الرجل الذي استحق ان يتقبل عطية الحياة ويتمتع بأيامه ولياليه، هو مستحق لكل شيء منك.
والذي استحق ان يشرب من اوقيانوس الحياة يستحق ان يملأ كأسه من جدولك الصغير.
لأنه اي صحراء اعظم من الصحراء ذات الجرأة والجسارة على قبول العطية بما فيها من الفضل والمنّة؟
وأنت، من أنت، حتى ان الناس يجب ان يمزقوا صدورهم ويحسروا القناع عن شهامتهم وعزة نفوسهم لكي ترى جدارتهم لعطائك عارية وأنفتهم مجردة عن الحياء؟
فانظر اولا هل انت جدير بأن تكون معطاء، وآلة العطاء.
لأن الحياة هي التي تعطي للحياة، في حين أنك، وأنت الفخور بأن قد صدر العطاء منك، لست بالحيقية سوى شاهد بسيط على عطائك.
***
اما انتم الذين يتناولون العطاء والاحسان - وكلكم منهم - فلا تتظاهرون بثقل واجب معرفة الجميل،لئلا تضعوا بأيديكم نيراً ثقيل الحمل على رقابكم ورقاب الذين اعطوكم.
بل فلتكن عطايا المعطي اجنحة ترتفعون بها معه:
لأنكم اذا اكثرتم من الشعور بما انتم عليه من الدين، فإنكم بذلك تظهرون الشك والريبه في اريحية المحسن الذي أمه الارض السخية، وأبوه الرب الكريم.
يتبع....
وبعد ذلك جاء اليه فندقي شيخ وقال له: هات حدثنا عن المأكل والمشرب.
فأجاب قائلا: أود لو انك تقدر ان تعيش على عبير الارض.
تكتفي بالنور كنباتات الهواء.
غير انك مضطر ان تقتل لتعيش، وأن تسرق المولود الصغير من حضن أمه مختطفاً حليبها لتبريد ظمإك.
لذلك فليكن عملك مظهراً من مظاهر العبادة.
ولتكن مائدتك مذبحاً تقرّب عليه التقادم النقية الطاهرة من الحقول والسهول ضحية لما هو أكثر منها نقاوة في أعماق الإنسان.
*** واذا ذبحت حيواناً فقل له في قلبك:
"أن القوة التي أمرت بذبحك، ستذبحني نظيرك.
" وعندما تحين ساعتي سأحترق مثلك.
"لأن الشريعة التي أسلمتك الى يدي ستسلمني الى يدي من هو اقوى مني.
" وليس دمك ودمي سوى عصارة قد أعدت منذ الأزل غذاء لشجرة السماء".
***
"وإذا نهشت تفاحةً بأسنانك فقل لها في قلبك:
"ان بذورك ستعيش في جسدي، والبراعم التي ستخرج منها في الغد ستزهر في قلبي، وسيتصاعد عبيرك مع انفاسي، وسأفرح معك في جميع الفصول".
*****
واذا قطفت العنب من كرومك في ايام الخريف، وحملته الى المعصرة، فقل له في قلبك:
"انا كرمة مثلك، وستجمع اثماري وتحمل الى المعصرة، وسيضعوني كالخمر الجديد في زقاق جديدة".
وعندما تستقي الخمرة من زقاقها في أيام الشتاء، أنشد في قلبك انشودة لكل كأس تشربها.
وليكن لك من اناشيدك اجمل التذكارات لأيام الخريف وللكرمة والمعصرة.
يتبع...
ثم جاء اليه فلاح وقال له: هات حدثنا عن العمل.
فأجاب قائلا:
انكم تشتغلون لكي تجاورا الارض ونفس الارض في سيرها.
لأن الكسول غريب عن فصول الارض، وهائم لا يسير في موكب الحياة، السائرة بعظمة وجلال في فضاء اللانهاية الى غير المتناهي.
فإذا اشتغلت فما انت سوى مزمار تختلج في قلبك مناجاة الأيام فتتحول الى موسيقى خالدة.
ومن منكم يود ان يكون قصبة خرساء صماء، وجميع ما حولها يترنم معاً بأنغام متفقة؟
قد طالما اخبرتم ان العمل لعنة، والشغل نكبة ومصيبة.
اما انا فأقول انكم بالعمل تحققون جزءاً من حلم الارض البعيد، جزءاً خصص لكم عند ميلاد ذلك الحلم.
فإذا واظبتم على العمل النافع تفتحون قلوبكم بالحقيقة لمحبة الحياة.
لأن من احب الحياة بالعمل النافع تفتح له الحياة اعماقها، وتدنيه من ابعد اسرارها.
ولكن اذا كنتم وانتم في الآلام تدعون الولادة كآبة، ودعامة الجسد لعنة مكتوبة على جباهكم، فإنني الحق اقول لكم انه ما من شيء يستطيع ان يمحو هذه الكتابة ويغسل جباهكم من آثارها سوى سعيكم وجهادكم.
وقد ورثتم عن جدودكم القول ان الحياة ظلمة، فرحتم في عهد مشقتكم ترددون ما قاله قبلكم جدودكم المزعجون.
فالحق اقول لكم ان الحياة تكون بالحقيقة ظلمة حالكة اذا لم ترافقها الحركة.
والحركة تكون عمياء لا بركة فيها ان لم ترافقها المعرفة.
والمعرفة تكون عقيمة سقيمة ان لم يرافقها العمل.
والعمل يكون باطلا وبلا ثمر ان لم يقترن بالمحبة، لأنكم اذا اشتغلتم بمحبة فإنما تربطون انفسكم وافرادكم بعضها ببعض، ويرتبط كل واحد منكم بربه.
***
وما هو العمل المقرون بالمحبة؟
هو ان تحوك الرداء بخيوط مسحوبة من نسيج قلبك مفكراً ان حبيبك سيرتدي ذلك الرداء.
هو ان تبني البيت بحجارة مقطوعة من مقلع حنانك واخلاصك مفكراً ان حبيبك سيقطن في ذلك البيت.
هو تبذر البذور بدقة وعناية، وتجمع الحصاد بفرح ولذة كأنك تجمعه لكي يقدم على مائدة حبيبك.
هو ان تضع في كل عمل من اعمالك نسمة من روحك،
وتثق بأن جميع الاموات الاطهار محيطون بك يراقبون ويتأملون.
وكثيرا ما كنت اسمعكم تناجون انفسكم، كأنكم في نوم عميق، قائلين: "ان الذي يشتغل بنحت الرخام فيوجد مثالا محسوساً لنفسه في الحجر الأصم هو اشرف من الفلاح الذي يحرث الأرض.
والذي يستعير من قوس قزح الواناً يحول بها قطعة النسيج الحقيرة الى صورة انسان، هو افضل من الاسكاف الذي يصنع الاحذية لأقدامنا".
ولكنني اقول لكم، لا في نوم الليل، بل في يقظة الظهيرة البالغة، ان الريح لا تخاطب السنديانة الجبارة بلهجة احلى من اللهجة التي تخاطب بها احقر اعشاب الارض.
والعظيم العظيم ذلك الذي يحوّل هينمة الريح الى انشودة تزيدها محبته حلاوة وعذوبة.
****
اجل، ان العمل هو الصورة الظاهرة للمحبة الكاملة.
فإن لم تقدر ان تشتغل بمحبة وكنت متضجراً ملولاً، فالاجدر بك ان تترك عملك وتجلس على درجات الهيكل تلتمس صدقة من العملة المشتغلين بفرح وطمأنينة.
لأنك اذا خبزت خبزاً وأنت لا تجد لك لذة في عملك، فإنما انت تخبز علقماً لا يشبع سوى نصف مجاعة الانسان.
واذا تذمرت وانت تعصر عنبك، فإن تذمرك يدس لك سماً في الخمرة المستقطرة من ذلك العصير.
وان انشدت اناشيد الملائكة، ولم تحب ان تكون منشداً، فإنما ان تصم آذان الناس بأنغامك عن الاصغاء الى اناشيد الليل واناشيد النهار.
يتبع...
ثم قالت له امرأة: هات لنا شيئا عن الفرح والترح
فأجاب قائلا: ان فرحكم هو ترحكم ساخراً
والبئر الواحدة التي تستقون منها ماء ضحككم قد طالما ملئت بسخين دموعكم. وهل في الامكان ان يكون الحال على غير هذا المنوال؟
فكلما اعمل وحش الحزن انيابه في اجسادكم، تضاعف الفرح في اعماق قلوبكم.
لأنه أليست الكأس التي تحفظ خمرتكم هي نفس الكأس التي أحرقت في أتون الخزّاف قبل ان بلغت اليكم؟
أم ليس القيثارة التي تزيد في طمأنينة اوراحكم هي نفس الخشب الذي قطع بالمدى والفؤوس؟
فإذا فرحتم فتأملوا ملياً في اعماق قلوبكم تجدوا ان ما احزنكم قبلاً يفرحكم الآن.
واذا احاطت بكم جيوش الكآبة فارجعوا ببصائركم ثانية الى اعماق قلوبكم وتأملوا جيداً، تروا هنالك بالحقيقة انكم تبكون لما كنتم تعتقدون أنه غاية مسراتكم على الارض.
ويخيل اليّ ان فريقاً منكم يقول: "ان الفرح أعظم من الترح"، فيعارضه فريق آخر قائلا: "كلا، بل الترح اعظم من الفرح".
اما انا فالحق اقول لكم: انهما توأمان لا ينفصلان، يأتيان معاً ويذهبان معاً، فإذا جلس احدهما منفرداً الى مائدكم، فلا يغرب عن اذهانكم ان رفيقه يكون حينئذ مضطجعا على اسرتكم.
****
أجل انكم بالحقيقة معلقون ككفتي الميزان بين ترحكم وفرحكم.
وأنتم بينهما متحركون ابداً، ولا تقف حركتكم الا اذا كنتم فارغين في اعماقكم.
فإذا جاء امين خزائن الحياة يرفعكم لك يزن ذهبه وفضته، فلا ترتفع كفة فرحكم ولا ترجح كفة ترحكم، بل تثبتان على حالة واحدة.
يتبع....
حينئذ دنا منه بنّاء وقال له: هات حدثنا عن البيوت.
فأجاب وقال:
ابن من خيالك مظلة في الصحراء قبل ان تبني بيتاً في داخل اسوار المدينة.
لأنه كما ان لك بيتا مقبلا في شفق حياتك، كذلك للغريب الهائم فيك بيت كبيتك.
ان بيتك هو جسدك الاكبر.
ينمو في حرارة الشمس وينام في سكينة الليل، وكثيرا ما ترافق نومه الاحلام.
أفلا يحلم بيتك؟ وهل يترك الحلم المدينة ويسير الى الغابة ام الى رأس التلة؟
اواه لو استطيع ان اجمع بيوتكم بيدي، فأبددها في الاحراج والرياض كما يبذر الزراع زرعه في الحقول.
أود لو كانت الاودية شوارع لكم، ومسالك التلال الخضراء ازقة تطرفها اقدامهم عوضا عن ازقتكم وشوارعكم القذرة، ويا ليتكم تنشدون بعضكم بعضاً بين الدوالي والكروم ثم تعودون حاملين عطر الارض في طيات اثوابكم.
ولكن هذه جميعها تمنيات لم تحن ساعتها بعد.
لأن اباءكم وجدودكم اذا خافوا عليكم الضياع والضلال جمعوكم معاً لكي تكونوا قريبين بعضكم من بعض. وسيبقى هذا الخوف مجمعاً لكم زمنا بعد وستظل اسوار المدينة فاصلة مواقدكم عن حقولكم ولكن الى حين.
*****
بربكم اخبروني، يا ابناء اورفليس، ماذا تملكون في هذه البيوت؟ وأي شيء تحتفظون به في داخل هذه الابواب الموصدة؟
هل عندكم السلام، وهو القوة الصامتة التي تظهر ذاتكم الشديدة العزم المستترة في اعماقكم؟
هل عندكم التذكارات، وهي القناطر اللامعة التي تصل قنن الفكر الانساني بعضها ببعض؟
هل عندكم الجمال، الذي يرتفع بالقلب من مصنوعات الخشب والحجارة الى الجبل المقدس؟
بربكم اخبروني، هل عندكم كل هذا في بيوتكم؟
ام عندكم الرفاهية فقط، والتحرق للرفاهية الممزوج بالطمع، الرفاهية التي تدخل البيت ضيفاً، ثم لا تلبث ان تصير مضيفاً، فسيداً عاتياً عنيفا؟
ثم تتحول الى رائض جبار يتقلد السوط بيمينه والكلاب بيساره متخذا رغباتكم الفضلى العوبة يتلهى بها.
ومع ان بنان هذه الرفاهية حريري الملمس فإن قلبها حديدي صلد.
فهي تهدئ من حدتكم لكي تناموا، ثم تقف امام اسرتكم هازئة بكم وبجلال اجسادكم.
تضحك من حواسكم المدركة، وتطرح بها الاشواك كأنها اوعية سهلة الانكسار.
لأن التحرق للرفاهية ينحر اهواء النفس في كبدها فيرديها قتيلة، ثم يسير في جنازتها فاغراً شدقيه مرغياً مزبداً.
****
أما انتم، يا أبناء الفضاء، العاشقين في الراحة والنعيم وغير المستريحين، فإنكم لن تؤخذوا بالأشراك ولن يقدر رائض على ترويضكم.
لأن بيتكم لن يكون مرساة ولكنه سيكون سارية.
كلا، ولن يكون غشاء برّاقاً تغطى به الجراح، بل جفناً تحفظ به العين.
وأنتم لن تطووا اجنحتكم لكي تستطيعوا ان تدخلوا من الابواب، ولن تحنوا رؤوسكم لئلا تنطح السقف، كلا، ولن تخشوا ان تتنفسوا خوفاً من ان تقوض اساسات الجدران وتسقط على الارض.
اجل، ولن تقطنوا في القبور التي بناها ابناء الموت لأبناء الحياة.
ومع كل ما يزين منازلكم من الجلال والجمال فإنها لن تستطيع ان تحتفظ بسركم او ان تؤوي حنينكم.
لأن غير المحدود فيكم يقطن في منزل السماء، الذي بوابته سحابة الصباح ونوافذه سكون الليل وأناشيده.
ثم قال له الحائك: هات حدثنا عن الثياب؟
فأجاب قائلا:
ان ثيابكم تحجب الكثير من جمالكم، ولكنها لا تستر غير الجميل.
ومع انكم تنشدون بثيابكم حرية التستر والانفراد، فإنها تقيدكم وتستعبدكم.
ويا ليت في وسعكم ان تستقبلوا الشمس والريح بثياب بشرتكم عوضاً عن ثياب مصانعكم.
لأن انفاس الحياة في اشعة الشمس، ويد الحياة تسير مع مجاري الرياح.
*****
يقول بعضكم: "ان الريح الشمالية دون غيرها قد حاكت الثياب التي نلبسها".
وأنا اقول لكم: "نعم، ان الريح الشمالية قد فعلت ذلك، ولكن العار كان نولاً لها، ولدونه العضلات كانت لها خيطاً.
وعندما فرغت من عملها ضحكت منكم وهي تعصف في قلب الغاب.
ولكن لا يغرب عن اذهانكم ان الحشمة هي ترسٌ منيع متين للوقاية من عيون المدنسين.
فإذا زال المدنسون من الوجود، أفلا تصير الحشمة قيداً للفكر وتلويثاً له في حمأة العبودية؟
لذلك ضعوا نصب عيونكم ان الارض تبتهج بملامسة اقدامكم العارية، والرياح تتوق الى ملاعبة شعوركم المسترسلة.
يتبع.....
ثم دنا منه تاجر وقال له: هات حدثنا عن البيع والشراء.
فأجاب وقال:
ان الارض تقدم لكم ثمارها، ولو عرفتم كيف تملأون ايديكم من خيراتها لما خبرتم طعم الحاجة في حياتكم.
لأنكم بغير مبادلة عطايا الارض لن تجدوا وفراً من الرزق ولن يشبع جشعكم.
فيجدر بكم ان تتموا هذه المقايضة بروح المحبة والعدالة، وإلا فإنها تؤدي بالبعض منكم الى الشراهة وبغيرهم الى الطمع والمجاعة.
****
واذا ذهبتم الى ساحة المدينة ايها الدائبون في خدمة البحر والحقول والكروم، فاجتمعو بالحاكة والخزافين وجامعي الحنوط والطيوب.
واضرعوا في تلك الساعة الى الروح المتسلطة على الارض، ان تحل عليكم وتبارك مقاييسكم وموازينكم التي تعينون بها مقدار ما تجري عليه مقايضاتكم.
ولا تأذنوا لذوي الايدي العقيمة من ذوي البطالة ان يشتركوا في معاملاتكم، لأنه لا شيء لهم يتاجرون به سوى اقوالهم التي يبيعونها لكم بأعمالكم.
بل قولوا لأمثال هؤلاء:
"تعالوا معنا الى الحقل، او فاذهبوا مع اولادنا الى البحر وألقوا هنالك شباككم، لأن الارض والبحر يجودان عليكم، متى عملتم، كما يجودان علينا".
***
وإن جاءكم المغنون والراقصون والعازفون، فاشتروا من عطاياهم ولا ترفضوهم، لأنهم يجمعون الاثمار والعطور نظيركم، ومع ان ما يقدمونه لكم مصنوع من مادة الاحلام، فإنه اجمل كساء وأفضل غذاء لنفوسكم.
***
وقبل ان تبرحوا ساحة المدينة انظروا ألا ينصرف احد منها فارغ اليدين. لأن الروح السيدة في الارض لا تنام بطمأنينة وسلام على تموجات الرياح حتى تشاهد ان الصغير فيكم قد نال كالكبير بينكم كل ما هو في حاجة اليه.
يتبع....
وحينئذ وقف قضاة المدينة وقال له: "هات لنا خطبة في الجرائم والعقوبات"
فأجاب وقال:
عندما تسير اوراحكم هائمة فوق الرياح، وتسمون منفردين، ليس لكم من يقيكم طوارئ السوء، حينئذ تقترفون الإثم ضد غيركم وضد انفسكم.
ولأجل ذلك الإثم الذي تقترفونه يجب ان تقرعوا برهةً وتنتظروا على بوابة القدوس.
*****
فإن ذاتكم الإلهية بحر عظيم.
كانت نقية منذ الازل وستظل نقية الى آخر الدهور.
وهي كالأثير لا ترفع إلا ذوي الأجنحة.
أجل، ان ذاتكم الإلهية كالشمس، لا تعرف طرق المناجذ ولا تعبأ بأوكار الأفاعي.
غير انها لا تقطن وحيدة في كيانكم.
لأن كثيرا منكم لا يزال بشراً، وكثيراً غيره لم يصر بشراً بعد، بل هو مسخ لا صورة له يسير غافلا في الضباب وهو ينشد عهد يقظته.
فلا اود ان احدثكم الآن الا عن هذا الانسان فيكم.
لأن هذا الانسان – دون ذاتكم الإلهية ودون المسخ الهائم في الضباب – وهو الذي يعرف الجرائم والعقوبات على الجرائم في كيانكم.
****
قد طالما سمعتكم تتخاطبون فيما بينكم عمن يقترف إثماً كأنه ليس منكم بل غريب عنكم فيما بينكم.
ولكنني الحق اقول لكم: كما ان القديس والبار لا يستطيعان ان يتساميا فوق الذات الرفيعة في كل منكم، هكذا الشرير والضعيف لا يستطيعان ان ينحدرا الى ادنى من الذات الدنيئة التي في كل واحد منكم.
وكما ان ورقة الشجرة الصغيرة لا تستطيع ان تحول لونها من الخضرة الى الصفرة الا بإرادة الشجرة ومعرفتها الكامنة في اعماقها، هكذا لا يستطيع فاعل السوء بينكم ان يقترف إثماً بدون إرادتكم الخفية ومعرفتكم التي في قلوبكم.
فإنكم تسيرون معاً في موكب واحد الى ذاتكم الالهية.
انتم الطريق وأنتم المطرقون. فإذا عثر احد منكم فإنما تكون عثرته عبرة للقادمين وراءه فيجتنبون الحجر الذي عثر به.
أجل، وتكون عثرته توبيخاً للذين يسيرون امامه بأقدام سريعة ثابتة لأنهم لم ينقلوا حجر العثار من طريقه.
****
واليكم يا ابناء اورفليس هذه الكلمة التي، وإن حلّت ثقيلة على قلوبكم، فهي الحقيقة بعينها:
ان القتيل ليس بريئاً من جريمة القتل،
وليس المسروق بلا لوم في سرقته،
لا يستطيع البار ان يبترأ من اعمال الشرير،
ولا الطاهر النقي اليدين برئي الذمة من قذارة المدنسين.
كثيراً ما يذهب المجرمضحية لمن وقع عليه جرمه،
كما يغلب ان يحمل المحكوم عليه الأثقال التي كان يجب ان يحملها الابرياء وغير المحكومين.
لذلك لا تستطيعون ان تضعوا حداً يفصل بين الاشرار والصالحين او الابرياء والمذنبين.
لأنهم يقفون معاً امام وجه الشمس، كما ان الخيط الابيض والخيط الاسود ينسجان معاً في نول واحد. \
فإذا انقطع الخيط الاسود ينظر الحائك الى النسيج بأسره ثم يرجع الى نوله يفحصه وينظفه.
****
لذلك اذا جاء أحدكم بالزوجة الخائنة الى المحاكمة، فليزن اولا قلب زوجها بالموازين، وليقس نفسه بالمقاييس.
وكل من شاء ان يلطم المجرم بيمينه يجدر به اولا ان ينظر ببصيرة ذهنه الى روح من اوقع الجرم عليه.
وان رغب احد منكم في ان يضع الفأس على اصل الشجرة الشريرة باسم العدالة فلينظر اولاً الى اعماق جذورها.
وهو لا شك واجد ان جذور الشجرة الشريرة وجذور الصالحة، وغير المثمرة، كلها مشكتبة معاً في قلب الارض الصامت.
اما انتم ايها القضاة الذين يريدون ان يكونوا ابراراً، أي نوع من الاحكام تصدرون على الرجل الامين بجسده السارق بروحه؟
أم أي عقاب تنزلون بذلك الذي يقتل الجسد مرة ولكن الناس يقتلون روحه الف مرة؟
وكيف تطاردون الرجل الذي مع انه خداع ظالم بأعماله، فهو موجع القلب، ذليل، مهان بروحه؟
****
أجل، كيف تستطيعون ان تعاقبوا الذين لهم من توبيخ ضمائرهم، وهو اعظم من جرائمهم، اكبر قصاص على الارض؟
أليس توبيخ الضمير هو نفسه العدالة التي تتوخاها الشريعة التي تتظاهرون بخدمتها؟
فأنتم لا تستطيعون ان تسكبوا بلسم توبيخ الضمير في قلوب الابرياء كما انكم لا تقدرون ان تنزعوه من قلوب الاشقياء.
فهو يأتي لذاته في ساعة الليل ننظرها، داعياً الناس الى النهوض من غفلتهم، والتأمل بحياتهم وما فيها من التعديات والمخالفات.
وأنتم، ايها الراغبون في سبر غور العدالة، كيف تقدرون ان تدركوا كنهها ان لم تنظروا الى جميع الاعمال بعين اليقظة في النور الكامل؟
في مثل هذا النورتعرفون ان الرجل المنتصب والرجل الساقط على الارض هما بالحقيقة رجل واحد واقف في الشفق بين ليل ذاته الممسوخة ونهار ذاته الإلهية.
وان حجر الزواية في الهيكل ليس بأعظم من الحجر الذي في اسفل اساساته.
ثم قال له مشترع: وماذا تعتقد بشرائعنا أيها المعلم؟
فأجاب قائلا:
انكم تستلذون ان تضعوا شرائع لأنفسكم،
بيد انكم تستلذون بالأكثر ان تكسروها وتتعدوا فرائضها
لذلك انتم كالأولاد الذين يلعبون على الشاطئ يبنون ابراجاًعظيمة من الرمل بصبر وثبات، ثم لا يلبثون ان يهدموها ضاحكين صاخبين.
فعندما تبنون ابراجكم الرملية يأتي البحر برمال جديدة الى الشاطئ.
وعندما تهدمون ابراجكم يضحك البحر منكم في نفسه، لأن البحر يضحك من الأبرياء أبداً.
****
ولكن ماذا اقول في من ليست الحياة بحراً في عقيدتهم بل ليست الشرائع التي تسنها حكمة الانسان البالغة ابراجاً من الرمال فحسب.
اولئك الذين يحسبون ان الحياة صخرة صلدة، وأن الشريعة إزميل حاد يأخذونه بأيديهم لكي ينحتوا هذه الصخرة على صورتهم ومثالهم؟
وماذا اقول في المقعدين الذي يكرهون الراقصين؟
وفي الثور الذي يحب نيره ويتهم الوعل والإبل والظبي انها حيوانات متمردة ناشزة؟.
وفي الافعى العتيقة الأيام التي لا تستطيع ان تخلع جلدها، ولذلك تنبري متهمة جميع الحيوانات بالعري وقلة الحياء؟
وفي ذلك الذي يسبق غيره الى وليمة العرس، وعندما يملأ جوفه من الاطعمة ويبلغ حده من النهم والشراهة يترك الوليمة ويذهب في طريقه قائلا ان جميع الولائم مخالفة للناموس وجميع الذين يجتمعون اليها متعدو الشريعة.
****
ماذا اقول في امثال هؤلاء؟ انهم كجميع الناس يقفون في اشعة الشمس، ولكنهم يولون الشمس ظهورهم.
فهم لذلك لا ينظرون سوى ظلالهم، وظلالهم هي عند التحقيق شرائعهم المقدسة.
وهل الشمس في اعتقادهم سوى منشأ الظلال؟
وهل اعترافهم بالشريعة سوى انهم ينحنون ويطأطئون رؤوسهم لكي يستقصوا ظلالهم على الارض؟
اما انتم، الذين يمشون وهم يحدقون الى الشمس بأجفان غير مرتعشة، فهل في الارض من صورة تستطيع ان تستوقفكم هنيهة؟
وأنتم، المسافرين مع الريح، اية صفحة من الصفحات الدالة على مجاري الرياح تقدر ان تقودكم في مسالككم ؟
وما هي الشريعة البشرية التي تفيدكم اذا كنتم لم تحطموا نيركم على باب سجن من سجون الانسان؟
وأية شرائع ترهبون اذا كنتم ترقصون ولكنكم لا تعثرون بقيد من قيود العالم الحديدية؟
ومن هو الرجل الذي يستطيع ان يأتي بكم الى المحاكمة اذا مزقتم اثوابكم ولكنكم لم تضعوها في طريق احد من الناس؟
****
أجل يا ابناء اورفليس، انكم تستطيعون ان تخمدوا صوت الطبل، وتحلوا اوتار القيثارة، ولكن من من ابناء الانسان يستطيع ان ينمع قبرة السماء عن الغناء؟
الحرية
ثم قال له خطيب: هات حدثنا عن الحرية.
فأجاب قائلا:
قد طالما رأيتكم ساجدين على ركبكم امام ابواب المدينة والى جوانب المواقد تعبدون حريتكم.
وأنتم بذلك اشبه بالعبيد الذين يتذللون امام سيدهم العسوف الجبار يمدحونه وينشدون له وهو يعمل السيف في رقابهم.
نعم، وفي غاية الهيكل، وظل القلعة، كثيرا ما رأيت اشدكم حرية يحمل حريته كنير ثقيل لعنقه وغل متين ليديه ورجليه.
رأيت كل ذلك فذاب قلبي في اعماق صدري، ونزفت دماؤه، لأنكم لا تستطيعون ان تصيروا احراراً حتى تتحول رغبتكم في السعي وراء الحرية الى سلاح تتسلحون به، وتنقطعوا عن التحدث بالحرية كغايتكم ومحجتكم.
****
إنكم تصيرون احراراً بالحقيقة اذا لم تكن ايامكم بلا عمل تعملونه ولياليمكم بلا حاجة تفكرون بها، او كآبة تتألمون لذكراها.
بل تكونون احراراً عندما تمنطق هموم الحياة وأعمالها احقاءكم بمنطقة الجهاد والعمل، وتثقل كاهلكم بالمصاعب والمصائب، ولكنكم تنهضون من تحت اثقالها عراة طليقين.
لأنكم كيف تستطيعون ان ترتفعوا الى ما فوق ايامكم ولياليكم اذا لم تحطموا السلاسل التي انتم انفسكم في فجر ادراككم قيدتم بها ساعة ظهيرتكم الحرة؟
الا ان ما تسمونه حرية انما هو بالحقيقة اشد هذه السلاسل قوة، وان كانت حلقاته تلمع في نور الشمس وتخطف ابصاركم.
***
وماذا يجدر بكم طرحه عنكم لكي تصيروا احراراً سوى كسر صغيرة رثة في ذاتكم البالية؟
فإن كانت هذه الكسر شريعة جائرة وجب نسخها، لأنها شريعة سطرتها يمينكم وحفرتها على جبينكم.
بيد انكم لا تستطيعون ان تمحوها عن جباهكم بإحراق كتب الشريعة التي في دواوينكم، كلا، ولا يتم ذلك بغسل جباه قضاتكم، ولو سكبتم عليها كل ما في البحار من المياه.
وان كانت طاغية تودون خلعه عن عرشه فانظروا اولاً ان كان عرشه القائم في اعماقكم قد تهدم.
لأنه كيف يستطيع طاغية ان يحكم الاحرار المفتخرين، ما لم يكن الطغيان اساساً لحريتكم والعار قاعدة لكبريائهم؟
وان كانت هماً ترغبون في التخلص منه فإن ذلك الهم انما انتم اخترتموه ولم يضعه احد عليكم.
وان كانت خوفاً تريدون طرده عنكم فإن جرثومة هذا الخوف مغروسة في صميم قلوبكم وليست في يدي من تخافون.
الحق اقول لكم، جميع الاشياء تتحرك في كيانكم متعانقة على الدوام عناقاً نصفيا: كل ما تشتهون وما تخافون، ما تتعشقون وما تستكرهون، ما تسعون وراءه وما تهربون منه.
جميع هذه الرغبات تتحرك فيكم كالأنوار والظلال.
فإذا اضمحل الظل ولم يبق له من اثر، امسى النور المتلألئ ظلاً لنور آخر سواه.
وهكذا الحال في حريتكم، اذا حلت قيودها امست هي نفسها قيداً لحرية اعظم منها.
العقل والعاطفة
ثم طلبت العرافة ثانية قائلة: "هات حدثنا عن العقل والهوى"
فاجاب وقال:
كثيرا ما تكون نفوسكم ميداناً تسير فيه عقولكم ومدارككم حرباً عواناً على اهوائكم وشهواتكم.
وإنني اود ان اكون صانع سلام في نفوسكم.
فأحول ما فيكم من تنافر وخصام الى وحدة وسلام.
ولكن أنى يكون لي ذلك، اذا لم تصيروا انتم صانعي سلام لنفوسكم ومحبين جميع عناصركم على السواء؟
ان العقل والهوى هما سكان النفس وشراعها وهي سائرة في بحر العالم.
فإذا انكسر السكن او تمزق الشراع فإن سفينة النفس لا تستطيع ان تتابع سيرها، بل ترغم على ملاطمة الأمواج يمنة ويسرة حتى تقذف بكم الى مكان أمين تحفظون به في وسط البحر.
لأن العقل اذا استقل بالسلطان على الجسد قيد اهواءه، ولكن الاهواء اذا لم يرافقها العقل كانت لهيباً يتأجج ليفنى نفسه.
فاجعل نفسك تسمو بعقلك الى مستوى اهوائك، وحينئذ ترى منها ما يطربك ويشرح لك صدرك.
وليكن لك من عقلك دليل وقائد لأهوائك لكي تعيش اهواؤك في كل يوم بعد موتها وتنهض كالعنقاء متسامية فوق رمادها.
وأرغب اليكم ان تعنوا بالعقل والهوى عنايتكم بطيفين عزيزين عليكم.
فإنكم، ولا شك، لا تكرمون الواحد اكثر من الثاني، لأن الذي يعتني بالواحد ويهمل الآخر يخسر محبة الاثنين وثقتهما.
واذا جلستم في ظلال الحوار الوارفة، بين التلال الجميلة، تشاطرون الحقول والمروج البعيدة سلامها وسكينتها وصفاءها، فقولوا حينئذ في قلوبكم: "ان الله يستريح في العقل".
وعندما تعصف العاصفة، وتزعزع الرياح اصول الاشجار في الاحراج، وتعلن الرعود والبروق عظمة السماوات، فقولوا حينئذ في اعماق قلوبكم متهيبين خاشعين" ان الله يتحرك في الاهواء".
وما دمتم نسمة من روح الله، وورقة في حرجه، فأنتم ايضا يجب ان تستريحوا في العقل وتتحركوا في الاهواء.
ثم نهضت من بين الجمع امرأة وقالت له: هات حدثنا عن الألم.
فأجاب وقال:
ان ما تشعرون به من الألم هو انكسار القشرة التي تغلف ادراككم.
وكما ان القشرة الصلدة التي تحجب الثمرة يجب ان تتحطم حتى يبرز قلبها من ظلمة الارض الى نور الشمس.
هكذا انتم ايضا يجب ان تحطم الآلام قشوركم قبل ان تعرفوا معنى الحياة. لأنكم لو استطعم ان تعيروا عجائب حياتكم اليومية حقها من التأمل والدهشة، لما كنتم ترون آلامكم اقل غرابة من افراحكم.
بل كنتم تقبلون فصول قلوبكم كما قد قلبتم في غابر حياتكم الفصول التي مرت في حقولكم.
وكنتم ترقبون وتتأملون بهدوء وسكون شتاء احزانكم وآلامكم.
انتم مخيرون في الكثير من آلامكم.
وهذا الكثير من آلامكم هو الجرعة الشديدة المرارة التي بواسطتها يشفي الطبيب الحكيم الساهر في اعماقكم اسقام نفوسكم المريضة.
لذلك آمنوا بطبيب نفوسكم، وثقوا بما يصفه لكم من الدواء الشافي، وتناولوا جرعته المرّة بسكينة وطمأنينة.
لأن يمينه وإن بدت ثقيلة قاسية، فهي مقودة بيمين غير المنظور اللطيفة، والكأس التي يقدمها اليكم، وإن احرقت شفاهكم، فهي مصنوعة من الطين الذي جبلته يدا الفخاري الأزلي بدموعه المقدسة.
ثم قال له رجل : هات حدثنا عن معرفة النفس؟
فأجاب قائلا:
ان قلوبكم تعرف في السكينة اسرار الايام والليالي.
ولكن آذانكم تتشوق لسماع صوت هذه المعرفة الهابطة على قلوبكم.
غير انكم تودون لو تعرفون بالالفاظ والعبارات ما تعرفونه بالافكار والتأملات وتتوقون الى ان تلمسوا باصابعكم جسد احلامكم العاري.
***
وحسن انكم تتوقون الى جميع ذلك.
فإن الينبوع الكامن في اعماق نفوسكم سيتفجر يوما ما ويجري منحدراً الى البحر. والكنز المطمور في اعماقكم غير المتناهية سينقب في ساعة لا تعلمونها وتفتح ابوابه امام عيونكم.
ولكن حذار ان تأخذوا معكم موازينكم لكي تزنوا بها كنزكم غير المعروف.
كلا، ولا تسبروا غور معرفتكم بقياس محدود او حبل مشدود، لأن الذات بحر لا وزن ولا قياس له.
أجل، ولا تقل في ذاتك: "قد وجدت الحق"، بل قل بالاحرى "قد وجدت حقا".
ولا تقل: "قد وجدت طريق النفس" بل قل بالاولى :" قد رأيت النفس تمشي على طريقي".
لأن النفس تمشي على جميع المسالك والطرق.
النفس لا تمشي على حبل او خيط، كلا ولا هي تنمو كالقصبة.
النفس تطوي ذاتها، كالبشنين (1) ذي البتلات التي لا يحصى عديدها .
1. البشنين: نبات يقوم على ساق ولا ورق له، ويسميه المصريون عرائس النيل.
ثم قال له معلم: هات لنا كلمة في التعليم
فقال: ما من رجل يستطيع ان يعلن لكم شيئا غير ما هو مستقر في فجر معرفتكم وانتم غافلون عنه.
اما المعلم الذي يسير في ظل الهيكل محاطاً بأتباعه ومريديه، فهو لا يعطي شيئا من حكمته، بل انما يعطي من ايمانه وعطفه ومحبته.
لأنه اذا كان بالحقيقة حكيماً فإنه لا يأمركم ان تدخلوا بيت حكمته، بل يقودكم بالأحرى الى عتبة فكركم وحكمتكم.
فإن الفلكي يستطيع ان يقص عليكم شيئا من معرفته لنظام السماء، ولكنه لا يقدر ان يعطيكم معرفته.
والموسيقي يستطيع ان ينشدكم اجمل ما في العالم من الاناشيد والانغام، ولكنه لا يستطيع ان يمنحكم الأذن التي تضبط النظام في النغم ولا الصوت الذي يوجد الألفة في الألحان.
والرياضي النابغ في ضبط الارقام يستطيع ان يوضح لكم عدد الموازين والمقاييس وخصائص كل منها، ولكنه لا يستطيع ان يمنحكم معرفته.
لأن الوحي الذي يهبط على رجل ما لا يعير جناحيه لغيره.
وكما ان لكل منكم مقاماً منفرداً في معرفة الله اياه، هكذا يجب عليه ان يكون منفرداً في معرفة الله وهي اداراكه لأسرا الارض.
Dear Abir I appreciate your selection of those qotations. Do you know any place online where I can find arabic version of Sand and Foam? I was able to find the complete versino in English but not the arabic one.
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
I offer you this extract from Sand and Foam also and I hope you like it.
"My house says to me, "Do not leave me, for here dwells your past."
And the road says to me, "Come and follow me, for I am your future."
And I say to both my house and the road, "I have no past, nor have I a future. If I stay here, there is a going in my staying; and if I go there is a staying in my going. Only love and death will change all things." - Sand and Foam - Gibran Khalil Gibran
Best Regards,
Hermes
ابراهيم الندم
02/08/2006, 17:41
شي حلوووو
مشكورين الجميع على ردودكم الرائعة واضافاتكم ..
بتذكر قرأت روايه الو قبل فتره ،، بس نسيت شو هيي
وان شالله راح اضيف معكم اكم مقاله ورواية
بس اعطوني مهلة شوي ..
أوكـ
انا بعتز بمفهوم الصداقة كتير، مع أنها نادرة جداً في أيامنا هذه، أهديها للأصدقاء الحقيقيين .
قراءة من كتابي المقدس (المجموعة الكاملة لجبران خليل جبران) - الكتاب (النبي) - الصداقة:
الصداقة
" وقال له فتى:
حدثنا عن الصداقة.
فأجابه قائلاً:
إن صديقك هو حاجتك وقد انقضت.
هو الحقل الذي تزرعه بالمحبة وتحصده بالشكران.
هو مائدتك والموقد الذي تصطلي بناره.
لأنك تحمل إليه جوعك، وتسعى إليه لتحظى بالسلام.
عندما يفصح صديقك عما في فكره، فأنت لا تخشى أن تقول له (كلا)، ولا أنت تمسك عنه كلمة (نعم).
وعندما يكون صامتاً، فقلبك لا ينفك يصغي إلى قلبه.
لأنه حيثما كانت الصداقة، فجميع الأفكار والرغبات والآمال تولد وتقسم بفرح بين الصديقين دونما سابق إعلان.
وإذا افترقت عن صديقك فلا تحزن.
لأن ما أحببته فيه فوق كل شيء آخر، ينجلي لك أكثر فأكثر في بعده عنك. مثلما ينجلي الجبل من السهل لمن شاء أن يتسلقه.
ليكن خير ما عندك لصديقك.
وإذا كان لا بد له من أن يعرفك وأنت في حالة الجزر، فليعرفك كذلك وأنت في حالة المد.
وهل الصديق للتسلية فتسعى إليه في ساعة الضجر لقتل الوقت؟
بل اذهب إليه دائماً لتحيا وإياه ساعات مليئة بالحياة.
لأنه ما كان صديقاً ليملأ فراغك، بل ليقضي حاجتك.
وإذا اجتمعت بصديقك فلتكن حلاوة الصداقة مبعثاً للضحك واقتسام المسرات.
لأن القلب ينتعش ويجد صباحه في ندى الزهيد والصغير من الأشياء "
صح كلامك الصداقة هالايام نادرة جدا وميرسي كتير على النصائح المعبرة نيرفانا والله يخلينا مع اصدقاءنا عطول ميرسيييييييي:D :D
كتير جميل .:D
الصداقة تدوم اذا كانت (حقيقة) فهي اكتر المشاعر المتبادله بين البشر صدقا ووفاء واقلها في التغير والتذبذب :grin:
شكرا لكم جميعا .. وموفقين بصداقاتكم .. :D
وعندما يكون صامتاً، فقلبك لا ينفك يصغي إلى قلبه.
القلب بيصغي لو كان بعيد الاف المسافات ولو كان خارج الكون
والصداقة مقدسة وطاهرة لانو يلي بيبنيها الاصدقاء المثاليين يلي صارو قلال متل ما قلتي
شكرا الك على القراءة و انت صديقة مثالية
:akh: :akh:
القلب بيصغي لو كان بعيد الاف المسافات ولو كان خارج الكون
والصداقة مقدسة وطاهرة لانو يلي بيبنيها الاصدقاء المثاليين يلي صارو قلال متل ما قلتي
شكرا الك على القراءة و انت صديقة مثالية
:akh: :akh:
إضافتك قيمة وتفكيرك قيم وصداقتك قيمة ..
شكرا .. :akh: :akh:
abosleman
16/08/2006, 12:21
بين الحقيقة والخيال
تحْملنا الحياة من مكان إلى مكان.
وتنتقل بنا التقادير من محيط إلى آخر...
ونحن لا نرى إِلاَّ ما وَقَفَ عثرة في سبيل سيرنا
ولا نسمع سوى صوتٍ يخيفنا.
يتجلى لنا الجمال على كرسي مجده فنقترب منه.
وباسم الشوق ندنّس أذياله,
ونخلع عنه تاج طهره.
يمرُّ بنا الحبُّ مكتسيًا ثوبَ الوداعة, فنخافه ونختبئ في
مغاور الظلمة, أو نتبعه ونفعل باسمه الشرور. والحكيم
بيننا يحمّله نيرًا ثقيلاً وهو ألطف من أنفاس الأزهار
وأرق من نسيماتِ لبنان.
تقف الحكمة في منعطفات الشوارع,
وتنادينا على رؤوس الأشهاد,
فنحسبها بُطلاً ونحتقر متَّبِعِيها.
تدعونا الحرية إلى مائدتها لنلتذَّ بخمرها وأطعمتها, فنذهب ونشره...
فتصير تلك المائدة مسرحًا للابتذال ومجالاً لاحتقار الذات.
تمدُّ الطبيعَةُ نحونا يد الولاء,
وتطلب منا أن نتمتع بجمالها, فنخشى سكينتها ونلتجئ
إلى المدينة, وهناك نتكاثر بعضُنَا على بعض كقطيع رأى ذئبًا خاطفًا.
تزورنا الحقيقة منقادة بابتسامة طفل, أو قبلة محبوبة,
فنوصد دونها أبواب عواطفنا ونغادرها كمجرم دنس
القلب البشري يستنجد بنا,
والنفس تنادينا...
ونحن أشدُّ صَمَمًا من الجماد لا نعي ولا نفهم.
وإذا ما سمع أحد صراخ قلبه ونداء نفسه, قلنا:
هذا ذو جِنَّة, وتبرَّأنا منه.
هكذا تمر الليالي ونحن غافلون.
وتُصَافِحُنَا الأيَّامُ ونحن خائفون من الليالي والأيام.
نقترب من التراب,
والآلهة تنتمي إلينا.
ونمرُّ على خبز الحياة, والمجاعة تتغذى من قوانا.
فما أحب الحياة إلينا,
وما أبعَدَنَا عن الحياة
من كتاب دمعه وابتسامه
وعلى فكرة جبران هو يلي وصلني إلكن ولهل المنتدى الرائع
abosleman
16/08/2006, 12:25
يوم مولدي
في مثلِ هذا اليوم وَلَدَتْنِي أُمّي.
في مثلِ هذا اليوم منذ خمس وعشرين سنة
وَضَعَتْنِي السَّكِينَةُ بين أيدي هذا الوجود المملوء بالصراخِ والنزاعِ والعراك.
... قد سرت خمسًا وعشرين مرة مع الأرض والقمر والشمس والكواكب
حول الناموسِ الكلّي الأعلى، ولكن:
هوذا نفسي تهمس الآن أسماء ذلك الناموس
مثلما ترجّع الكهوفُ صَدَى أمواجِ البحر...
منذ خمسٍ وعشرين سنة خَطَّتْنِي يَدُ الزَّمان كَلِمةً
في كتاب هذا العالم الغريب الهائل. وهاأنذا كلمة مبهمة،
ملتَبِسَةُ المعاني، تَرْمُزُ تارَةً إلى لا شيء وطورًا إلى أشياءَ كثيرة.
... في هذا اليوم تنتصب أمامي معاني حياتي الغابرة،
كأنَّها مرآة ضئيلة أنظر فيها طويلاً فلا أَرَى سِوَى أوجُهِ
السّنينَ الشاحبة، وملامحِ الآمالِ والأحلامِ والأماني
المتجعِّدة كملامِحِ الشيوخ. ثم أغمض عيني وأنظر ثانية
في تلك المرآة فلاَ أرى غيرَ وجهي. ثم أُحدِّق إلى وجهي
فلا أرى فيه غيرَ الكآبة. ثم أستنطِقُ الكآبة فَأَجِدُهَا خرساء
لا تتكلَّم. ولو تكلّمَتِ الكآبة لكانت أكثَرَ حَلاَوَة من الغبطة.
في الخمس والعشرين سنة الغابرة قد أحببت كثيرًا.
وكثيرًا ما أحببتُ ما يكرهُه الناس وكرِهْتُ ما يستحسنونه.
والذي أَحْبَبْتُه عندما كنتُ صَبِيًّا ما زلت أحبُّه الآن.
والذي أحبُّه الآن سأحبُّه إلى نهاية الحياة.
فالمَحَبَّةُ هي كل ما أستطيع أن أحصل عليه
ولا يقدر أَحَدٌ أَنْ يُفْقِدَني إِيَّاه....
أحببتُ الحرِّيَّة فكانت محبتي تنمو بِنُمُوِّ معرِفَتِي عبودِيَّةَ الناس للمجد
والهوان، وتتَّسِعُ باتِّساعِ إدراكي خُضُوعَهُم
للأصنامِ المخيفة التي نَحَتَتْهَا الأجيالُ المظلمة،
ونَصَبَتْهَا الجَهَالة المستَمِرّة،
ونَعَّمَتْ جَوَانِبَهَا ملامِسُ شِفَاهِ العبيد،
لكنَّني كنتُ أحبُّ هؤلاءِ العبيد بمحَبَّتي الحرية،
وأُشفِقُ عَلَيهم لأنّهم عميان يُقَبِّلونَ أحناك
الضواري الدامية ولا يبصرون، ويمتصُّون
لهاث الأفاعي الخبيثة ولا يشعرون، ويَحْفِرُون
قبورَهُمْ بأظافِرِهِم ولا يعلمون.
أَحْبَبْتُ الحرّيَّة أكثرَ من كلِّ شيء لأنَّني وجدتُهَا فتاة
قد أضناها الانفراد، وأَنْحَلَهَا الاعتزال... حتى صارت
خيالاً شَفَّافًا يَمُرُّ بين المنازِلِ،
ويَقِفُ في منعَطَفَاتِ الشَّوارع،
وينادي عابِرِي الطريق... فلا يسمعون ولا يلتفتون.
في الخمسِ والعشرين سنة أحببتُ السعادة... لكنني
لم أجدها... ولما انفَرَدْتُ بطلبها سمعت نفسي تهمس في أذني قائلة:
السعادة صَبِيَّةٌ تولَدُ وتحيا في أعماق القلب ولن
تجيء إليه من محيطه. ولمَّا فَتَحْتُ قلبي لكي أرى السعادة
وجدت هناك مرآتها وسريرها وملابسها، لكنني لم أجدها.
وقد أحببت الناس. أحببتهم كثيرًا.
والناس في شرعي ثلاثة:
واحد يلعن الحياة،
وواحد يباركها،
وواحد يتأمل بها.
فقد أحببت الأول لتعاسته، والثاني لسماحته، والثالث لمداركه...
واليوم... أقف بجانب نافذتي،... ثم أنظر مُتَأَمِّلاً بما وراءَ المدينة، فأرى
البرِّيَّةَ بكلِّ ما فيها من الجمال الرهيب...
ثم أنظر متأمِّلاً بما وراءَ البحر فأرى الفضاءَ غيرَ المُتَنَاهِي
بكلّ ما فيه من العوالِمِ السَّابِحة،
والكواكبِ اللاَّمِعَة،
والشموسِ والأقمارِ والسيَّاراتِ والثَّوابِتِ وما بينها
من الدوافِعِ والجواذِبِ المتسالمة المتنازعة، المتولَّدة، المتحوِّلة،
المُتَمَاسِكَة بِناموسٍ لا حدَّ له ولا مدى...
أنظُرُ وأتأمَّل بجميعِ هذه الأشياء... فأنسى الخمس
والعشرين... ويظهر لي كِيَانِي ومحيطي بكلِّ ما أخفاه
وأعلَنَهُ كَذَرَّةٍ من تنهُّدَةِ طفلٍ ترتجف في خلاء أَزَليِّ
الأعماق، سرمديِّ العُلُوّ، أبديّ الحدود. لكني أشعر
بكيانِ هذه الذرة، هذه النفس، هذه الذات التي أدعوها
أنا... وبصوتٍ مُتَصَاعِدٍ من قُدْسِ أقْدَاسِهَا تصرخ:
سلام أيتها الحياة.
سلام أيتها اليقظة.
سلام أيتها الرؤيا.
سلام أيها النهار الغامِرُ بنورِكَ ظلمَةَ الأرض.
سلام أيها الليل المظهِّر بظلمتِكَ أنوارَ السماء.
سلام أيتها الفصول.
سلام أيها الربيع المُعِيدُ شَبِيبَةَ الأرض.
سلام أيها الصيف المذيعُ مجدَ الشمس.
سلام أيها الخريف الواهبُ ثمارَ الأتعاب وإلَّةَ الأعمال.
سلام أيها الشتاء المُرجعُ بثوراتك عزمَ الطبيعة.
سلام أيتها الأعوام الناشِرَة ما أخفته الأعوام.
سلام أيتها الأجيال المُصلِحَة ما أفسدته الأجيال.
سلام أيها الزمن السائرُ بنا نحو الكمال.
سلام أيها الروح الضابطُ أعنَّةَ الحياة.
والمحجوبُ عنا بِنِقَابِ الشَّمْس .
من كتاب دمعه وابتسامه
abosleman
16/08/2006, 12:38
على باب الهيكل
قد طهَّرتُ شفتيَّ بالنار المقدَّسة لأتكلَّم عن الحب,
ولمَّا فتحت شفتيَّ للكلام وجدتُنِي أخرس.
كنت أترنّم بأغاني الحب قبل أن أعرفه.
ولما عرفتُه تحوَّلتِ الألفاظ في فمي إلى لهاث ضئيل,
والأنغام في صدري إلى سكينة عميقة.
وكنتم أيها الناس, فيما مضى, تسألونني عن غرائب
الحب وعجائبه, فكنت أحدّثكم وأُقنِعُكم. أما الآن, وقد
غمرني الحب بوشاحه, فجئتُ بدوري أسألكم عن
مسالكه ومزاياه فهل بينكم من يجيبني?
... هل بينكم من يستطيع أن يُبَيِّن قلبي
لقلبي ويوضحَ ذاتي لذاتي?
ألا فأخبروني ما هذه الشعلة التي تَتَّقِد في صدري
وتلتهم قواي وتُذيب عواطفي وميولي?
وما هذه الأيدي الخفية الناعمة الخشنة التي تَقِبضُ
على روحي في ساعة الوحدة والانفراد, وتسكب في
كبدي خمرةً ممزوجة بمرارَةِ اللذة وحلاوة الأوجاع?
وما هذه الأجنحة التي ترفرف حول مضجعي
في سكينة
الليل فأسهَرَ مترقّبًا ما لا أعرفه,
مُصغيًا إلى ما لا أسمعه,
مُحدّقًا إلى ما لا أراه,
مفكّرًا بما لا أفهمه,
شاعرًا بما لا أُدركه,
مُتأوِّهًا لأَنَّ في التأوُّهِ غصَّاتٍ أَحبَّ
لديَّ من رنَّةِ الضَّحِك والابتهاج,
مستسلمًا إلى قوة غيرِ منظورةٍ تُميتُني
وتُحييني ثم تُميتُني وتُحييني حتى يطلع الفجر
ويملأ النور
زوايا غرفتي فأنام إذ ذاك...
وبين أجفاني الذابلة ترتعش أشباح اليقظة
وعلى فراشِيَ الحجري تتمايل خيالات الأحلام.
وما هذا الذي ندعوه حبًا?
أخبِروني ما هذا السر الخفيّ
الكامِنُ خلفَ الدهور,
المختبِئ وراءَ المرئيَّات,
السَّاكِنُ في ضمير الوجود?
ما هذه الفكرة المطلقة التي تجيءُ سببًا
لجميع النتائج
وتأتي نتيجةً لجميعِ الأسباب?
ما هذه اليقظَةُ التي تتناول الموتَ والحياة,
وتبتَدِع منهما حلمًا أغرَبَ مِنَ الحياة
وأعمَقَ من الموت?
أخبروني أيها الناس.
أخبروني هل بينكم من لا يستيقظ من رقدة الحياة
إذا ما لمس الحبُّ روحَه بأطرافِ أصابعه?
هل بينكم من لا يترك أباه وأمَّه ومسقط رأسه
عندما تناديه الصَّبِيَّةُ التي أحبَّها قلبُه?
هل فيكم من لا يمخر البحر ويقطع الصحاري, ويجتاز
الجبال والأودية ليلتقي المرأة التي اختارتها روحه?
أيُّ فتًى لا يتبع قلبه إلى أقاصي الأرض إذا
كان له في أقاصي الأرض حبيبة
يستطيب نكهة أنفاسها,
ويستلطف ملامس يديها,
ويستعذب رنَّة صوتها?
أيُّ بشريّ لا يحرق نفسه بخورًا أمام إله
يسمَعُ ابتهاله ويستجيبُ صَلَوَاتِه?
وقفتُ بالأمس على باب الهيكل
أسأل العابرين عن خفايا الحب ومزاياه.
مرَّ أمامي كهل... وقال متأوهًا:
الحبُّ ضعف فطري ورثناه عن الإنسان الأوّل.
ومرَّ فتى... مفتول الساعدين وقال مترنّمًا:
الحبُّ عزم يلازم كياننا
ويصل حاضرنا بماضي الأجيال ومستقبلها.
ومرَّت امرأة كئيبة... وقالت متنهّدة:
الحب سمٌّ قتَّال تتنفسه الأفاعي السَّوداء...
ومرَّت صبيَّة مورّدة الوجنتين وقالت مبتسمة:
الحب كوثر تسكبه عرائس الفجر في الأرواح...
ومرَّ طفلٌ ابنُ خمسٍ وهتف ضاحكًا:
الحبُّ أبي والحبُّ أمّي.
وانقضى النَّهار.
والناس يَمُرُّون أمام الهيكل.
وكلٌّ يصوَّر نفسَه متكلّمًا عن الحب,
ويبوح بأمانيه مُعْلنًا سرَّ الحياة.
ولمَّا جاء المساء, وسكنت حركة العابرين,
سَمِعْتُ صوتًا آتيًا من داخل الهيكل يقول:
الحياة نصفان: نصف متجلّد ونصف ملتهب.
فالحب هو النصف الملتهب.
فدخلت الهيكل إذ ذاك,
وسجدت راكعًا, مبتهلاً, مصليًّا, هاتفًا:
اجعلني يا رب طعامًا للّهيب.
اجعلني أيّها الإله مأكلاً للنارِ المقدَّسة.
آمين
مختارات من مقال في كتاب (العواصف)
إذا بدكن كمان في عندي
abosleman
16/08/2006, 12:42
بس عفوا يمكن نسينا رائعه المواكب
بس اسمحولي جزئها لأجزاء
مواكب
جبران خليل جبران
الخيرفي الناس مصنوعٌ اذا جُبروا
و الشرُّ في الناس لا يفنى و إِن قبروا
و أكثر الناس آلاتٌ تحركها
أصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ
فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
و لا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ
فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة و من لم يمشِ يندثر
* * *
ليس في الغابات راعٍ.........لا...و لافيها القطيعْ
فالشتا يمشي و لكن............ لا...يُجاريهِ الربيعْ
خُلقَ الناس...عبيداً......... للذي يأْبى الخضوعْ
فإذا ما هبَّ... يوماً......... سائراً سار الجميعْ
* * *
أعطني النايَ و غنِّ......... فالغنا يرعى العقولْ
و أنينُ الناي أبقى......... من... مجيدٍ و ذليلْ
يتبع...
abosleman
16/08/2006, 12:44
و ما الحياةُ سوى نومٍ تراوده
احلامُ من بمرادِ النفس يأتمرُ
و السرُّ في النفس حزن النفس يسترهُ
فإِن تولىَّ فبالأفراحِ يستترُ
و السرُّ في العيشِ رغدُ العيشِ يحجبهُ
فإِن أُزيل توَّلى حجبهُ الكدرُ
فإن ترفعتَ عن رغدٍ و عن كدرِ
جاورتَ ظلَّ الذي حارت بهِ الفكرُ
* * *
ليس في الغابات حزنٌ......... لا و لا فيها الهمومْ
فإذا... هبّ... نسيمٌ......... لم تجىءْ معه السمومْ
ليس حزن النفس الاَّ......... ظلُّ...وهمٍ...لا يدومْ
و غيوم النفس تبدو......... من...ثناياها النجومْ
خليكن معي كمان يتبع ......
abosleman
16/08/2006, 12:45
أعطني الناي و غنِّ......... فالغنا يمحو المحنْ
و أنين الناي يبقى......... بعد أن يفنى الزمنْ
abosleman
16/08/2006, 12:48
كمان من المواكب لسه متابعين معي مهيك
و قلَّ في الأرض مَن يرضى الحياة كما
تأتيهِ عفواً و لم يحكم بهِ الضجرْ
لذلك قد حوَّلوا نهر الحياة الى
أكواب وهمٍ اذا طافوا بها خدروا
فالناس ان شربوا سُرَّوا كأنهمُ
رهنُ الهوى و عَلىَ التخدير قد فُطروا
فذا يُعربدُ ان صلَّى و ذاك اذا
اثرى و ذلك بالاحلام يختمرُ
فالأرض خمارةٌ و الدهر صاحبها
و ليس يرضى بها غير الألى سكروا
فإن رأَيت اخا صحوٍ فقلْ عجباً
هل استظلَّ بغيم ممطر قمرُ
* * *
ليس في الغابات سكرٌ......... من مدامِ او خيالْ
فالسواقي ليس فيها......... غير اكسير الغمامْ
انما التخدير ُ ثديٌ............ و حليبٌ...للانامْ
فاذا شاخوا و ماتوا............بلغوا سن الفطامْ
* * *
اعطني النايَ و غنِّ.........فالغنا خير الشرابْ
و أنين الناي يبقى...... بعد أن تفنى الهضاب
حبيباتي خليكن معي لسه في عندي لا تروحو
سنعود بعد قليل.....
abosleman
16/08/2006, 13:08
عدنا....:yahoo:
و الدين في الناسِ حقلٌ ليس يزرعهُ
غيرُ الأولى لهمُ في زرعهِ وطرُ
من آملٍ بنعيمِ الخلدِ مبتشرٍ
و من جهول يخافُ النارَ تستعرُ
فالقومُ لولا عقاب البعثِ ما عبدوا
رباًّ و لولا الثوابُ المرتجى كفروا
كأنما الدينُ ضربٌ من متاجرهمْ
إِن واظبوا ربحوا او اهملوا خسروا
* * *
ليس في الغابات دينٌ......... لا و لا الكفر القبيحْ
فاذا... البلبل...غنى......... لم يقلْ هذا الصحيحْ
إنَّ...دين الناس يأْتي......... مثل ظلٍّ...و يروحْ
لم يقم في الأرض دينٌ............بعد طه و المسيح
* * *
اعطني الناي و غنِّ............ فالغنا خيرُ الصلاة
و أنينُ الناي يبقى............بعد ان تفنى الحياةْ
شو محدا متابع معي
راجعلكن بس اتاملو هدا المقطع
يتبع .....
abosleman
16/08/2006, 13:31
و العدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ و يستضحكُ الاموات لو نظروا
فالسجنُ و الموتُ للجانين إن صغروا
و المجدُ و الفخرُ و الإثراءُ إن كبروا
فسارقُ الزهر مذمومٌ و محتقرٌ
و سارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطر
و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
و قاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ
* * *
ليس في الغابات عدلٌ......... لا و لا فيها العقابْ
فاذا الصفصاف ألقى......... ظله... فوق الترابْ
لا يقول السروُ هذي............ بدعةٌ ضد...الكتابْ
انَّ عدلَ الناسِ ثلجُ......... إنْ رأتهُ الشمس ذابْ
* * *
اعطني الناي و غنِ............فالغنا عدلُ القلوبْ
و أنين الناي يبقى............بعد أن تفنى الذنوبْ
abosleman
16/08/2006, 13:33
و الحقُّ للعزمِ و الارواح ان قويتْ
سادتْ و إن ضعفتْ حلت بها الغيرُ
ففي العرينة ريحٌ ليس يقربهُ
بنو الثعالبِ غابَ الأسدُ أم حضروا
و في الزرازير جُبن و هي طائرة
و في البزاةِ شموخٌ و هي تحتضر
و العزامُ في الروحِ حقٌ ليس ينكره
عزمُ السواعد شاءَ الناسُ ام نكروا
فإن رأيتَ ضعيفاً سائداً فعلى
قوم اذا ما رأَوا اشاههم نفروا
* * *
ليس في الغابات عزمٌ............لا و لا فيها الضعيفْ
فاذا ما الأُسدُ صاحت............ لم تقلْ هذا المخيفْ
انَّ عزم الناس ظلٌّ............ في فضا الفكر يطوفْ
و حقوق الناس تبلى............ مثل اوراق الخريفْ
* * *
اعطني الناي و غنِّ......... فالغنا عزمُ النفوسْ
و أنينُ الناي يبقى......... بعد أن تفنى الشموسْ
abosleman
16/08/2006, 13:34
حاجه لهون اليوم
بكره بنكمل
abosleman
24/08/2006, 04:52
تكمله
و العلمُ في الناسِ سبلٌ بأنَ أوَّلها
امَّا اواخرها فالدهرُ و القدرُ
و أفضلُ العلم حلمٌ ان ظفرت بهِ
و سرتَ ما بين ابناء الكرى سخروا
فان رأيتَ اخا الاحلام منفرداً
عن قومهِ و هو منبوذٌ و محتقرُ
فهو النبيُّ و بُرد الغد يحجبهُ
عن أُمةٍ برداءِ الأمس تأتزرُ
و هو الغريبُ عن الدنيا و ساكنها
و هو المهاجرُ لامَ الناس او عذروا
و هو الشديد و إن ابدى ملاينةً
و هو البعيدُ تدانى الناس ام هجروا
* * *
ليس في الغابات علمٌ............ لا و لا فيها الجهولْ
فاذا الأغصانُ مالتْ...............لم تقلْ هذا...الجليلْ
انّ علمَ الناس طرَّا...............كضبابٍ في الحقولْ
فاذا الشمس اطلتْ...............من ورا آلافاقِ يزولْ
* * *
اعطني النايَ و غنِّ............ فالغنا خير العلومْ
و أنينُ الناي يبقى......... بعد أن تطفى النجومْ
abosleman
24/08/2006, 04:53
و الحرُّ في الأرض يبني من منازعهِ
سجناً لهُ و هو لا يدري فيؤتسرْ
فان تحرَّر من ابناءِ بجدتهِ
يظلُّ عبداً لمن يهوى و يفتكرُ
فهو الاريب و لكن في تصلبهِ
حتى و للحقِّ بُطلٌ بل هو البطرُ
و هو الطليقُ و لكن في تسرُّعهِ
حتى الى اوجِ مجدٍ خالدٍ صِغرُ
* * *
ليس في الغابات حرٌّ............ لا و لا العبد الدميمْ
انما الأمجادُ سخفٌ...............و...فقاقيعٌ...تع مْ
فاذا ما...اللوز القى............ زهره...فوق الهشيمْ
لم يقلْ هذا حقيرٌ............ و انا المولى الكريمْ
* * *
اعطني الناي و غني............فالغنا مجدٌ...اثيلْ
و أنين...الناي ابقى............من زنيمٍ و جليلْ
abosleman
24/08/2006, 04:54
و اللطفُ في الناسِ اصداف و إن نعمتْ
أضلاعها لم تكن في جوفها الدررُ
فمن خبيثٍ له نفسان واحدةٌ
من العجين و أُخرى دونها الحجرُ
و من خفيفٍ و من مستأنث خنثِ
تكادُ تُدمي ثنايا ثوبهِ الإبرُ
و اللطفُ للنذلِ درعٌ يستجيرُ بهِ
ان راعهُ وجلٌ او هالهُ الخطرُ
فان لقيتَ قوياًّ ليناً فبهِ
لأَعينٍ فقدتْ ابصارها البصرُ
* * *
ليس في الغابِ لطيفٌ............ لينهُ لين الجبانْ
فغصونُ البان تعلو............في جوار السنديانْ
و اذا الطاووسُ أُعطي............ حلةً...كالارجوانْ
فهوَ لا يدري أحسنْ............ فيهِ ام فيهِ افتتان
* * *
اعطني الناي و غنِّ............ فالغنا لطفُ الوديعْ
و أنين الناي ابقى............ من ضعيفٍ و ضليعْ
abosleman
24/08/2006, 04:54
و الظرفُ في الناس تمويهٌ و أبغضهُ
ظرفُ الأولى في فنون آلاقتدا مهروا
من مُعجبٍ بأمورٍ و هو يجهلها
و ليس فيها له نفعٌ و لا ضررُ
و من عتيٍّ يرى في نفسهِ ملكاً
في صوتها نغمٌ في لفظها سُوَرُ
و من شموخٍ غدت مرآتهُ فلكاً
و ظلهُ قمراً يزهو و يزدهرُ
* * *
ليس في الغابات ظريف......... ظرفهُ ضعف الضئيلْ
فالصبا و هي...عليل............ ما بها سقمُ العليلْ
انّ بالانهار طعماً............ مثل طعم السلسبيلْ
و بها هولٌ و عزمٌ............ يجرفُ الصلدَ الثقيلْ
* * *
اعطني الناي و غنِّ............ فالغنا ظرفُ الظريفْ
و أنين الناي ابقى...............من رقيق و كثيفْ
abosleman
24/08/2006, 04:55
و الحبُّ في الناس أشكالٌ و أكثرها
كالعشب في الحقل لا زهرٌ و لا ثمرُ
و أكثرُ الحبِّ مثلُ الراح ايسرهُ
يُرضي و أكثرهُ للمدمنِ الخطرُ
و الحبُّ ان قادتِ الاجسامُ موكبهُ
الى فراش من الاغراض ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الاسر معتقلٌ
يأبى الحياة و أعوان له غدروا
* * *
ليس في الغب خليعٌ...............يدَّعي نُبلَ الغرامْ
فاذا الثيران خارتْ............ لم تقلْ هذا الهيامْ
انَّ حبَّ الناس داءٌ............ بين حلمٍ و عظامْ
فاذا ولَّى شبابٌ............... يختفي ذاك السقامْ
* * *
اعطني النايَ و غنِّ............ فالغنا حبٌّ صحيحْ
و أنينُ الناي ابقى...............من جميل و مليحْ
abosleman
24/08/2006, 04:55
فان لقيتَ محباً هائماً كلفاً
في جوعهِ شبعٌ في وِردهِ الصدرُ
و الناسُ قالوا هوَ المجنونُ ماذا عسى
يبغي من الحبِّ او يرجو فيصطبرُ
أَفي هوى تلك يستدمي محاجرهُ
و ليس في تلك ما يحلو و يعتبرُ
فقلْ همُ البهمُ ماتوا قبل ما وُلدوا
أنَّى دروا كنهَ من يحيي و ما اختبروا
* * *
ليس في الغابات عذلٌ......... لا و لا فيها الرقيبْ
فاذا الغزلانُ جُنّتْ............ اذ ترى وجه المغيبْ
لا يقولُ النسرُ واهاً............ ان ذا شيءٌ عجيبْ
إنما العاقل يدعى............ عندنا الأمر الغريبْ
* * *
اعطني الناي و غنِّ............فالغنا خيرُ الجنون
و أنين الناي ابقى......... من حصيفٍ و رصينْ
abosleman
24/08/2006, 04:56
و قل نسينا فخارَ الفاتحينَ و ما
ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ
قد كان في قلب ذى القرنين مجزرةٌ
و في حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ
ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ
و في انكساراتِ هذا الفوزُ و الظفرُ
و الحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ
كالخمر للوحي لا للسكر ينعصرُ
* * *
ليس في الغابات ذكرٌ...............غير ذكر العاشقينْ
فالأولى سادوا و مادوا............ و طغوا... بالعالمين
اصبحوا مثل حروفٍ............ في أسامي المجرمينْ
فالهوى الفضّاح يدعى............ عندنا الفتح المبينْ
* * *
اعطني الناي و غنّ............و انس ظلم الأقوياء
انما...الزنبق كأسٌ............ للندى... لا... للدماء
abosleman
24/08/2006, 04:56
و ما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
حتى اذا جاءَهُ يبطي و يعتكرُ
لم يسعد الناسُ الا في تشوُّقهمْ
الى المنيع فان صاروا بهِ فتروا
فإن لقيتَ سعيداً و هو منصرفٌ
عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
* * *
ليس في الغاب رجاءٌ............لا و لا فيه المللْ
كيف يرجو الغاب جزءا............و عَلىَ الكل حصلْ
و بما السعيُ بغابٍ............أَملاً و هو...الأملْ
انما...العيش...رجاءً............ إِحدى هاتيك العللْ
* * *
اعطني النايَ و غنِّ............... فالغنا نارٌ و نورْ
و أنين الناي شوقٌ............... لا...يدانيهِ الفتور
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة