-
دخول

عرض كامل الموضوع : حوارات


صفحات : 1 2 3 4 5 6 [7] 8

اسبيرانزا
19/07/2008, 02:09
حوار مع عبد الوهاب المسيرى :D

اسبيرانزا
19/07/2008, 02:14
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

من برنامج ( زيارة خاصة ) _ قناة الجزيرة

سامي كليب: في شعر الدكتور عبد الوهاب المسيري فلسفة وفكر وصوفية وتساؤلات، وفيه أيضا يقين وطمأنينة وإيمان. رحلة طويلة يختصرها هذا المفكر العربي الفذ في بعض الشعر وكثير من المؤلفات، وحين وصلت لعنده كان السؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني يدور حول صحته فهو وبعد أن حارب طويلا على جبهة السرطانات الملمة بأمته العربية ها هو يحارب اليوم على جبهتي الفكر وصحته الخاصة.
عبد الوهاب المسيري: أنا الحمد لله يعني أحارب، يعني كما يقول أصدقائي أنا من المحاربين وعادة في أميركا في الواقع وهم لا يؤمنون بالله يقولون بعد إجراء عملية أو إعطاء دواء يقولون إن 80% مسألة إرادة لأن السرطان الذي مصاب به يعني غير معروفة أسبابه وتلاقي مثلا تجد بعض الأدوية تنجح مع بعض الأشخاص وتفشل مع آخرين.
سامي كليب: وحاولت أيضا أن تتخصص في القراءة يعني قرأت كل شيء حسب ما فهمت عن مرضك؟
عبد الوهاب المسيري: نعم، هو عندي بعض التلاميذ من الأطباء يرسلون لي بكل ما هو جديد، ويحضرني هنا حادثة طريفة جدا، وهي أن أستاذا في جامعة كامبريدج وهو مثلي تماما أستاذ في الشعر الرومانتيكي الإنجليزي وأصيب بنفس المرض، فحينما ذهب إلى الطب التقليدي أخبروه إن عنده ستة شهور وأنه لو تم علاجه بالكيماوي سيموت بعد ثلاثة أشهر، فكما يقول مارك توين كذب نبأ وفاته واستمر، وحاول بقى مع أدوية وعلاجات مختلفة من أهمها علاج اسمه (غيرسون تريتمنت) في ألمانيا وبعد عشر سنين كتب كتابا بيقول فيه إن ده تحدي لهم..
سامي كليب: على كل حال واضح التأثير النفسي على المريض وإن شاء الله يعني يشفيك الله وتعيش سنوات طويلة بعد، واضح أن العامل النفسي ضروري ومهم وصار مع حضرتك يعني أنت لما رحت عملت الصور في المرة الأولى تبين أن الوضع كارثي ولكن قررت وصمدت ورجعت إلى الطب أيضا التقليدي الطبيعي في بعض المرات ويعني كان المفترض أنه لا سمح الله تتوفى من سنة وأكثر.
عبد الوهاب المسيري: لا أنا كمان كذبت نبأ وفاتي. بس تكلفة العلاج باهظة ولولا مساعدة سمو الأمير عبد العزيز بن فهد والأمير سلطان بن عبد العزيز كان من غير الممكن أستمر يعني أنا تكلفت الملايين وطيلة فترة علاجي وأنا أفكر في الفقراء.
سامي كليب: الفقراء كانوا ولا يزالون في صلب اهتمامات الدكتور عبد الوهاب المسيري فهذا المفكر والفيلسوف والسياسي العربي لا يزال وهو في أوج مرضه ومحاربته للسرطان يرفع الصوت عاليا دفاعا عن الطبقات الفقيرة في بلاده لا بل وينزل إلى التظاهرات أيضا متقدما حركة كفاية التي تولى قيادتها في مرحلة اقتصادية وسياسية صعبة في مصر، وهو اليوم يدق ناقوس الخطر.
عبد الوهاب المسيري: كلنا في حركة كفاية وفي كل حركات المعارضة يعني نشعر أن مصر وصلت مع الأسف إلى نقطة النهاية، فقدت أشياء كثيرة.
سامي كليب: كيف يعني نقطة النهاية؟

عبد الوهاب المسيري: أنه خلاص هذا النظام لم يعد قادرا على اكتساب أي شكل من أشكال الشرعية فهو مستمر في نهب مصر مستمر في البطش بكل أشكال المعارضة، حتى ده حتى لما يجي الجهاز المركزي للمحاسبة وهو جهاز حكومي ويطرح تساؤلات بخصوص ملايين اختفت وملايين كذا، يهاجمونه في البرلمان، تمديد قانون الطوارئ لم يناقش ووفق عليه مباشرة، يعني توشكا حتى الآن لا نعرف..
سامي كليب: كيف تبرر دكتور مسيري هذا التناقض، ما تصفه بالبطش وبين قدرتك مثلا اليوم على التعبير بحرية والإدلاء بتصريح ولم يأتك أحد ويقبض عليك مثلا؟ أنه في هامش من الحرية معطى للكلام إذا صح التعبير؟
عبد الوهاب المسيري: نعم، نعم، وده شيء تعلموه من إسرائيل ومن الولايات المتحدة، ديمقراطيات عنصرية، القرار السياسي فيها بيد النخبة الحاكمة لكن الصحافة حرة تماما، حرة تماما تقول ما تقول، أو كما قال أحدهم إن الديمقراطية في مصر تعني أن تقول ما تريد أن تقول ونحن نفعل ما نريد أن نفعل.
سامي كليب: طيب خلينا نحكي شوي عنك وعن تاريخك ولنبدأ بالعائلة، حسب ما فهمت أن امتدادات عائلة المسيري قد تصل إلى المغرب العربي ولها تواصل مع السودان أيضا، هل صحيح أنه في بعض أصول العائلة أو ربما أصل العائلة من المغرب؟
عبد الوهاب المسيري: دي إشكالية في علم الـ anthropology هل قبيلة المسيرية اللي هي بتذكر في الأخبار اللي عن دارفور وكردفان هل جاءت مع تغريبة بني هلال من الجزيرة إلى تونس أم أنهم كانوا أصلا في المغرب واستقروا في السودان؟ دي إشكالية.
سامي كليب: ما عرفت جواب عن الموضوع؟
عبد الوهاب المسيري: لا أنا قرأت بس مقالا بيطرح السؤال.
سامي كليب: خصوصا أنك تهتم بالسيرة الهلالية يعني بشكل دقيق..
عبد الوهاب المسيري: نعم، نعم.
سامي كليب: وأصدقاؤك من منشدي السيرة الهلالية.
"

عبد الوهاب المسيري: يا سلام، أعشقها، أنا أعشق كل الأعمال الفنية والأدبية التي تعبر عن نبل الإنسان ومقدرته على تجاوز الحدود المادية، يعني من المفضلين لدي المخرج السينمائي أكيرا كيروساوا.

اسبيرانزا
19/07/2008, 02:18
سامي كليب: حين لبى الدكتور عبد الوهاب المسيري طلبات كثيرة جاءته من أصدقائه والرفاق والمحبين بأن يتولى رئاسة حركة كفاية لم يعتقد ربما يوما أنه سينزل إلى الشارع ويتعرض إلى ما تعرض له، فغالب المرض ونزل يتظاهر مع المتظاهرين وتعرض للإبعاد بالقوة وقيل إنه خطف وإنه رمي في منطقة بعيدة عن القاهرة، ولحسن الحظ أن باصا للنقل توقف وأنقذه مع عائلته وأعاده من مكان بعيد.
عبد الوهاب المسيري: يعني باص خاص لكن السائق عرف من نحن ونقلنا ورفض أن يتلقى مكافأة.
سامي كليب: بس فعلا يعني خطفت عمليا ورموك في الصحراء؟
عبد الوهاب المسيري: آه، آه، مش الصحراء، الطريق السريع يعني ساعتين بره القاهرة، لكن من الطرائف كنت مصابا بنزلة شعبية الهواء النقي هناك..
سامي كليب: شفاك.
عبد الوهاب المسيري: يعني تحسنت صحتي تماما وكل الأطباء يقولون إنني يجب أن أخرج من القاهرة يومين أو ثلاثة، الطريف في الموضوع بقى بعد يومين كنت بألقي يعني ندوة، مش ندوة صحفية..
سامي كليب: محاضرة.
عبد الوهاب المسيري: ولا محاضرة، اسمها تحقيق صحفي بقى مش عارف اسمه، مؤتمر صحفي، كنت في مؤتمر صحفي أشرح ما حدث وأخبرتهم أنه يبدو الأمن والحكومة المصرية لا يتعلمون شيئا ولا يتذكرون شيئا لأنهم فعلوا ذلك مع الدكتور عبد الحليم أنتيك، ده بقى مسكين أخذوه في وسط الصحراء وجردوه من ملابسه لكن أيضا ربنا نجاه، البوليس الحربي لقاه فأعطوه بطانية ودفوه وكده وفعلوا نفس الشيء مع شخصيات أخرى.
سامي كليب: لحسن الحظ أنهم ما نزعوا ملابسك على كل حال كانوا وجدوا فقط آثار الأبر والأدوية.
عبد الوهاب المسيري: ما أنا استخدمت نكتة برضه لشرح هذا الموقف، قلت لهم إن شخصا أبله كان يسير في الشارع فوجد قشرة موز فقال ييه حتزحلق تاني! هو كتاب النكت على فكرة هو كده بشرح..
سامي كليب (مقاطعا): متى سيصدر؟
عبد الوهاب المسيري: والله أرجو أنه في الصيف هذا أبدأ لأني جمعت النكت وصنفتها، نكت عن الببغاءات، نكت عن الخريطة الإدراكية، نكت عن الحكام العرب، نكت للفرفشة، نكت عن الحشاشين مثلا.
سامي كليب: عندك على كل حال نظرية في النكتة الحفاظ على التراث المصري وأنها جزءا من هذا التراث لا بد من الحفاظ عليه.
عبد الوهاب المسيري: هو جزء من الشخصية المصرية وأن النكتة ليست مجرد التنفيس وإنما التفسير، محاولة التعامل مع الواقع، محاولة الاحتجاج عليه أيضا، يعني وظائف النكتة كثيرة.
سامي كليب: النكتة حاضرة دائما في حياة المفكر العربي الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري، ومن يقرأ سيرته سيجد أنه استخدم النكتة في أحلك الظروف، حين سجن وهو في مقتبل العمر وحين سافر للدراسة في أميركا وحين عاد وحين تنوء الأمة العربية تحت وابل المصائب وهو إذ يستعد الآن لأن يضيف إلى قائمة مؤلفاته الكثيرة كتابا عن النكتة السياسية في مصر فإنه وهو يغالب الألم في خلال هذا الحوار لم يتوان عن ترطيب الأجواء ببعض النكات وبينها هذه.
عبد الوهاب المسيري: في يوم من الأيام أحد الحكام العرب بعنجهية اتجه نحو الجنة، داخل على طول، حارس الجنة قال له اوقف، قاله أنا فلان، قال اوقف، اسمك إيه؟ قال له أنا فلان، قال له لا يا سيدي تعال جهنم، قال له على جهنم أمشي؟ فمشي راح في جهنم، لقاهم بيوزعوا نمر، أعطوه نمرة 25، فراح يسأل عزرائيل، إيه 25؟ قال له ما توجعش دماغي، شايف أنا مشغول روح شوف بنفسك، فتح جهنم نمرة واحد لقاهم بيحرقوهم بالشمع كده، نمرة اثنين بجمرات الفحم، نمرة ثلاثة ماء بيغلي، نمرة أربعة زيت بيغلي، خمسة سياخ حديد، قال يا لهوي! ماشي بقى مكتئب لأقصى درجة لقى رجل كده وجهه مكفهر وبذقن، واقف قال له إيه يا جدع أنت مالك كده؟ قال له شوف أعطوني إيه، قال له يا ابن الفاجرة ده أنت فجرت فُجر، 25؟ ده أنا أبو لهب وأعطوني 21 بس!


////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)

المسار السياسي والفكري والدراسي

سامي كليب: أصحاب اللحى الذين يشير إليهم الدكتور عبد الوهاب المسيري في نكاته دفعوني للدخول معه في علاقته مع الله، فهو كان في طفولته ورعا ككل أهل قريته وفي شبابه قارب الإلحاد وانضم إلى الشيوعيين ولكنه لم يلحد وحافظ على خط وسط بين الشيوعية والإيمان ثم استعاد الإيمان ولكن بطريقة فريدة بحيث أن العلاقة لم تكن روحية تماما وإنما فكرية.
عبد الوهاب المسيري: لا بالعكس يعني كما أقول في رحلتي الفكرية إن إيماني وعودتي للإسلام كانت عقلية محضة، فلسفية محضة، والعناصر الروحية فيها ضعيفة جدا في الواقع أزعم أن..
سامي كليب: بعدها العناصر الروحية ضعيفة؟
عبد الوهاب المسيري: جدا.
سامي كليب: ما زالت حتى اليوم؟
عبد الوهاب المسيري: آه، يعني يدوبك أنا بأهتز عاطفيا لما أقرب الكعبة، هنا بأهتز من داخلي وبفهم بعض هوس الناس بالعمرة، يعني لي أصدقاء يتحايلون كل عام على تدبير الأموال لزيارة الكعبة لأنه حينما رأيتها اهتز وجداني بشكل لا أعرفه إلا إذا كنت بأدرس قضية فلسفية أو ما شابه.
سامي كليب: هلق عندك استشهادات عديدة يعني بالقرآن ببعض الآيات الكريمة حتى ببعض الشعر الذي كتبته، الله أكبر وما إلى ذلك، يعني الإيمان ماذا يشكل بالنسبة لك؟ الدين ماذا يشكل بالنسبة لك؟ طقوس ممارسة هذا الدين مثلا من الصلاة والصوم والعبادة وما إلى ذلك؟
عبد الوهاب المسيري: أمارس ما أسميه الحد الأدنى من الطقوس، يعني لا أزعم أنني السنة والتراويح..
سامي كليب (مقاطعا): عجزا أم إرادة


"عبد الوهاب المسيري: لا، إرادة بمعنى أنني أمارس الشعائر الخمسة لكن لا أمارس النوافل والتراويح وكذا يعني وهذا يعود إلى أنني أرى أن جهدي لا بد أن يتجه نحو تطوير خطاب إنساني إسلامي ينفع الناس، كيف يتعاملون مع عالم الحداثة الداروينية الذي نعيش فيه، ودائما أقول إنني وصلت إلى الإيمان ليس من خلال الله إلى الإنسان ولكني وصلت إلى الله من خلال الإنسان يعني عجز النموذج التفسيري عن تفسير الإنسان هو الذي جعلني أرى أنه لا يعني كما أقول إنني كنت أكترث بالمادة.
سامي كليب: عجز النظرية المادية يعني، ونحن نذكر بهذا المعنى فقط بين هلالين يعني أنا كان يفاجئني وفي الواقع لا أفهم لماذا بعض التلفزات كانت تقدمك ككاتب ومفكر إسلامي يعني بالعكس، كاتب تكفي أو مفكر تكفي يعني لأنه عندك في بداياتك يعني كنا نتحدث عن هذا التطور الفكري عندك، بدأت في مرحلة معينة شيوعيا..
عبد الوهاب المسيري: نعم، نعم.
سامي كليب: يعني كنت وإشتراكيا فيما بعد ثم قبل ذلك انتميت إلى حركة الأخوان المسلمين، ولو شرحت لي ولو يعني بدون تفاصيل كثيرة لكي يفهم المشاهد في البداية مثلا انتماؤك إلى حركة الأخوان المسلمين شو كان سببه؟
عبد الوهاب المسيري: يعني كصبي في دمنهور عندي بعض الأسئلة، تصورت أن الأخوان المسلمين قد يزودونني بالإجابة لكن..
سامي كليب (مقاطعا): لكن لم تستمر طويلا حسب ما فهمت يعني..
عبد الوهاب المسيري: لا، لا.
سامي كليب: مسألة أسابيع أو أشهر يعني.
عبد الوهاب المسيري: لا سنة أو اثنين.
سامي كليب: سنة.
عبد الوهاب المسيري: ثم انضممت بعد ذلك لما اندلعت ثورة 23 يوليو إلى..
سامي كليب: الحرس.
عبد الوهاب المسيري: إلى الحرس وإلى الأحزاب الأخرى لكن بعد قليل طبعا اكتشفنا بيروقراطية هذه الأحزاب.
سامي كليب: حسب ما فهمت كنت صغير السن يعني حتى لما دخلت إلى الأخوان المسلمين كنت صغير السن.
عبد الوهاب المسيري: لا، لا، ما إحنا في مصر كنا في سن مبكرة للغاية نبدأ نشتغل بالسياسة يعني حينما كنت طفلا كونّا عصابة في حالة دخول الإنجليز دمنهور حتى نقاومهم وهكذا يعني.
سامي كليب (مقاطعا): سنروي ذلك ولكن فقط قل لي هل ندمت على الانتماء إلى الأخوان المسلمين؟
عبد الوهاب المسيري: لا ولم أندم على انتمائي للحزب الشيوعي.
سامي كليب: لاحقا. واليوم راض على تجربة الأخوان في مصر؟
عبد الوهاب المسيري: أنا متعاطف معهم كثيرا ويعني أرى أنهم بيتطوروا بخطى سريعة وأنهم لو نجحوا في تطوير خطاب للأمة، الأمة هنا بمعنى كل العناصر من المسلمين والمسيحيين والعلمانيين العرب فالعلمانيون العرب ليسوا مثل العلمانيين الغربيين.
سامي كليب: يعني مثلا تقبل لو وصلوا إلى السلطة بانتخابات مثلا، هل ستكون سعيدا مثلا في المجتمع المصري؟
عبد الوهاب المسيري: أعتقد ذلك.

اسبيرانزا
19/07/2008, 02:19
سامي كليب: في الحديث عن طبعا تحدثت منذ قليل عن التبكير في كل شيء يعني باكرا دخلت إلى الأحزاب وباكرا ناهضت الإنجليز يعني حسب ما فهمت أنك قذفت الإنجليز بالحجارة وأنت في سن السابعة وأنك أصدرت مجلة وأنت في الحادية عشرة من العمر طبعا كمجلات الحائط والمجلة حتى المكتوبة وشاركت في التظاهرات ضد الملك فاروق وكان عمرك 12 سنة، واتُهمت بالشيوعية وأنت في سن الثالثة عشرة كنت بعد ما انتميت للحزب، وصحح لي بعض التواريخ يعني أنا أنصح القارئ إذا كان يود أن يعرف في الواقع الأهم في سيرتك أن يقرأ هذه السيرة الجميلة "عبد الوهاب المسيري، رحلتي الفكرية" وتذيلها طبعا بعبارة تقول سيرة غير ذاتية وغير موضوعية. الجميل بهذه السيرة في الواقع والتي قرأتها بمتعة كبيرة أنه ليس هذا المفكر الذي يصب قوالب فكرية جامدة لا يفهمها، أي قارئ ممكن يقرأ هذا الكتاب بمتعة كبيرة وفيه العديد من القصص والروايات في رحلاتك إلى أميركا في عودتك إلى مصر وما إلى ذلك، ولكن صحح لي بعض التواريخ إن كانت خطأ، مواليد عام 1938 يعني اليوم سبعين سنة تقريبا.
عبد الوهاب المسيري: نعم، إن شاء الله يعني بعد شهرين.
سامي كليب: دخلت كلية الآداب بالإسكندرية طبعا قسم الأدب الإنجليزي ذهبت إلى أميركا حصلت على دكتوراه عدت إلى مصر للتدريس في كلية البنات في جامعة عين شمس، سنة 1970 مستشار لوزير الإرشاد كان وزير الإرشاد الأستاذ محمد حسنين هيكل وعلى ما يبدو شجعك أيضا للموسوعة الهامة جدا في الواقع في تاريخنا العربي "اليهود واليهودية والصهيونية" وخبير الشؤون الصهيونية منذ عام 1971 يعني تقريبا منذ 36 سنة بمركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام الذي أسسه أيضا الأستاذ هيكل.
عبد الوهاب المسيري: ولكن أنا استمريت فيه حتى عام 1975 ولما بدأت رياح التطبيع تهب لم أعد إلى منصبي.
سامي كليب: على ذكر رياح التطبيع المضحك المبكي إذا صح التعبير أنك كنت في فترة معينة بعد دراستك بأميركا وعودتك إلى مصر كنت تلاقي شهرة كبيرة كل التلفزات يعني تتقاطر عليك وتود أن تستضيفك، لما عدت بالـ 1979 كانت مرحلة التطبيع أخذت أوجها، عزلوك، صح هذا الكلام؟
عبد الوهاب المسيري: نعم. وهنا أتحدث عن الذئاب الثلاثة التي هاجمتني حينما عدت..
سامي كليب (مقاطعا): الشهرة..
عبد الوهاب المسيري (متابعا): الأول الثروة، آه أنه من أسرة ثرية لكن الثراء بيأتي من التجارة وليس من دراسة الفلسفة وتدريس الشعر الرومانتيكي الإنجليزي.
سامي كليب: يعني تحدثت عن ثلاثة ذئاب، فقط لنعددهم، الشهرة والثروة والهيغلية المعلوماتية.
عبد الوهاب المسيري: الثروة وثم الشهرة. الثروة كانت أضعف الذئاب لأني اكتشفت أن أسلوب حياتي جميل كأستاذ أقرأ وأجلس مع أسرتي وأصدقائي وأجتمع بالشباب وعندي فسحة من الوقت كي أنمو..
سامي كليب (مقاطعا): في على ما يبدو تقشف بعاداتك يعني أنا فهمت أنك كنت ترتدي القميص حتى الشحاذ ما بيحب يأخذه.
عبد الوهاب المسيري: دي بقى حتى الأثرياء مننا عندهم مسألة التقشف دي يعني، يعني بمعنى أن والدي رحمه الله كان رأسماليا.
سامي كليب: كان عنده مصنع.
عبد الوهاب المسيري: عنده مصنع من أكبر المصانع لكنه كان لا يسرف لا يضيع أمواله في شراء شاليهات وما شابه، إنما كان مثلا عندنا سيارة خاصة..
سامي كليب (مقاطعا): بخل أو تقليد يعني كان؟
عبد الوهاب المسيري: لا، لا، هو تراكم رأسمالي حقيقي كما حدث في الغرب هؤلاء هم الذين أسسوا الصناعة في الغرب، والدي كان ينتمي إلى هذا النمط.
سامي كليب: الذي يجمع المال ولا يصرف كثيرا يعني.
عبد الوهاب المسيري: نعم. وبعدين ما كانش بخيلا كان حصيفا يعني مثلا كان عندنا سيارة خاصة يقودها سائق كان من الممنوع علينا أن إحنا نركبها قال لأنه تركبوا التروماي شأنكم شأن أولاد الموظفين وقد أفادني هذا لأني حين ذهبت إلى الولايات المتحدة وكان راتبي الشهري هناك مائتي دولار وأقطن في شقة بـ 180 دولار عملت كغفير في مصنع ودبرت أموال كثيرة وكده.
سامي كليب: مش غفير فقط كنت صرت أصبحت رئيس فرقة الإطفائيين.
عبد الوهاب المسيري: نعم. كنا طبعا إحنا نتهمه بالبخل ولكن لم ندرك حكمته في هذا.
سامي كليب: وفهمت أنه انتقل هذا الشيء لك. يعني حتى ثيابك ترتديها لسنوات طويلة لا تغير القمصان لا تغير الثياب إلا حتى فعلا تصل إلى مرحلة صعبة يعني.
عبد الوهاب المسيري: نعم أنا هذا الرجل نعم.
سامي كليب: هذا التقليد الشيوعي كمان كان ولا لا، يعني المؤثرات الشيوعية؟
عبد الوهاب المسيري: لا، أعتقد أنه موقف من الاستهلاكية، أنا أرى أن الاستهلاكية ستهلك الإنسان، تجعله يجري وراء الأشياء بدل أن يستخدمها وده ما يحدث الآن يعني مسألة الموضة، الموضة الهدف منها القذف في الإنسان في دوامة بحيث أنه يغير ملابسه أربع مرات كل سنة..
سامي كليب (مقاطعا): بس اسمح لي بسؤال يعني ربما سيفاجأ المشاهد أن أسألك هذه الأسئلة ونحن أمام مفكر كبير ولكن هل فعلا تصمم القمصان يعني تهتم بالأزياء؟
عبد الوهاب المسيري: نعم وبأدرس الأزياء يعني بأشوف قنوات الـ Fashion لأرى أبعاد الجريمة. أما القميص الذي صممته والله كانت توقفني بعض السيدات في الشارع ويقلن من أين اشتريته؟ فكنت أقول لهن إن هو عبارة عن الجلابية نصف والياقة التي لا لزوم لها على الإطلاق.
سامي كليب: على الطريقة الصينية يعني.
عبد الوهاب المسيري: نعم..
سامي كليب: لسه موجود عندك القميص؟
عبد الوهاب المسيري: نعم، نعم.
سامي كليب: طيب ممكن نشوفه سوا. في متابعة التواريخ عام 1972 أولى المؤلفات التي تصفها بالحقيقية "نهاية التاريخ، مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني" في الواقع حتى استخدام كلمة نهاية التاريخ حين كُتب عنه في الولايات المتحدة الأميركية ضج العالم أن نهاية التاريخ، حضرتك كاتب عنه يعني من أكثر من 34 سنة من 36 سنة تقريبا.
عبد الوهاب المسيري: قبل أن يولد فوكو ياما يمكن.
سامي كليب: بالضبط.
عبد الوهاب المسيري: ولذلك حينما جرى حوار بيني وبينه عبر الإنترنت أهرام ويكلي، دُهش. طبعا أنا رؤيتي لنهاية التاريخ مختلفة عنه هو بيرى أن نهاية التاريخ هي انتصار الليبرالية، أنا بأرى أن نهاية التاريخ هي انتصار للفاشية، من يعلن نهاية التاريخ يعلن نهاية التاريخ الإنساني وبداية التاريخ الطبيعي أي أن الإنسان يتحول إلى كائن بيولوجي خاضع للحتميات المادية.
سامي كليب: هنا تتحدث عن التناقض بين المادة والروح طبعا.
عبد الوهاب المسيري: نعم نعم.

اسبيرانزا
19/07/2008, 02:19
الرحلة الفكرية بين الماركسية والإسلام
سامي كليب: من دمنهور التي ولد فيها عام 1938 إلى كلية الآداب إلى إتقان الأدب الإنجليزي والتخصص به في الولايات المتحدة الأميركية إلى التعمق في الفكرة اليهودية والصهيونية إلى التبحر في الفكر الإسلامي حيث درّسه في أعرق الجامعات الأميركية كان الدكتور عبد الوهاب المسيري دائما في رحلة البحث عن سر الكون، سعى لمعرفة ذاك السر في الماركسية والفكر المادي ثم عاد إلى مسالك الروح ولكن عبر العقل فنقض الماركسية دون أن يرمي في بحرها حجرا.
عبد الوهاب المسيري: لا، لا، الماركسية تعاني من انقسام، هناك المادية الجدلية وهناك الإنسانية الماركسية، الإنسانية الماركسية تحوي كل عناصر التجاوز الممكنة ولذلك..
سامي كليب (مقاطعا): ولذلك كتب بالزمان كمال جنبلاط في لبنان قائد الحركة الوطنية "نحو اشتراكية أكثر إنسانية".
عبد الوهاب المسيري: آه، يعني لما تؤمن بالإنسان والإنسان غير خاضع للمادة أنت تجعل الإنسان يشير إلى الما وراء إلى الله سبحانه وتعالى.
سامي كليب: في التجربة الشيوعية حضرتك تروي هذا الأمر يعني في الواقع تقول إنه كانت قصيدة مغمورة على ما يبدو لكامل الشناوي مش متأكد منها تماما في مجلة الرسالة الجديدة هي التي تركت أثرا كبيرا في نفسك، تقول القصيدة
"يا رب فيم خلقتنا أو تركتنا..
عبد الوهاب المسيري (مقاطعا): لا، "فيم خلقتنا وتركتنا".
سامي كليب:
"يا رب فيم خلقتنا وتركتنا
نهب الظلام فلا ضياء ولا سنا
وندب فوق الأرض لا ندري بها
وندب فوق الأرض فلا تدري بنا
أنا من أنا، أنا من أكون؟
وسيلة أم غاية أنا لست أعرف من أنا
وهم يساور ملحدا فيروعه
ويخافه من كان مثلي مؤمنا"
عبد الوهاب المسيري: آه، دي فعلا أنا في اللحظة دي كانت بأتساءل وبأقف بين الإلحاد والإيمان ولم أجد كما أقول أحدا يجيب على أسئلتي فتوجهت نحو الإلحاد وإن كان بعض.. وأنا نفسي الآن أتساءل هل هو كان إلحادا، طيب أمّال لم كنت أؤمن بالقيم الأخلاقية المطلقة؟ القيم الأخلاقية المطلقة لا علاقة لها بالمادية متجاوزة للمادية ولذلك حتى كنت أقول مازحا لأصدقائي من الماركسيين أنني ماركسي على سنة الله ورسوله يعني أريد خلطة تميزني عنهم.
سامي كليب: ولكنك جُندت في الحزب الشيوعي عام 1955 دخلت رسميا يعني حصلت على بطاقة عضوية.
عبد الوهاب المسيري: آه. وصُعّدت لأني كنت أعرف الإنجليزية وكنت أترجم، ترجمت أول من ترجم كتاب ماوتسي تونغ "في التناقض" وهو كتاب في غاية الأهمية فتعلمت منه كثير.
سامي كليب: كان على الأرجح أول ترجمة فعلية عربية لهذا الكتاب.
عبد الوهاب المسيري: نعم في الخمسينيات، تقول كده.
سامي كليب: المضحك بالترقية داخل صفوف الحزب أنهم كانوا يريدون أن يرقوك وأنت ترفض تقول أنا برجوازي يعني ما لازم.
عبد الوهاب المسيري: لا، يعني كنت أحذرهم مني من حدودي حتى كنت أقول لهم إن أحيانا إنه يجب ألا يذكر لي أحد أي أسرار لأنه لو ضربني البوليس سأعترف يعني بمعنى أعرف مواطن قوتي ومواطن ضعفي ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه.
سامي كليب: وقدت تظاهرات عمالية أيام عملك الشيوعي؟
عبد الوهاب المسيري: لا، رتبت مظاهرة في مصنع شربيت في الحضرة، إضراب..
سامي كليب: لتجفيف البصل كان.
عبد الوهاب المسيري: نعم. إضراب هناك لمدة 15 يوما وبعدها..
سامي كليب: اعتُقلت.
عبد الوهاب المسيري: لا، بعدها حصلنا على مكاسب. لا، أنا اعتُقلت أثناء توزيع منشورات يوم ثورة العراق بتؤيد..
سامي كليب (مقاطعا): تعاطفا مع طبعا عبد الكريم قاسم.
عبد الوهاب المسيري (متابعا): آه، بس الإمضاء باسم الحزب الشيوعي المصري.
سامي كليب: طيب بس حسب ما فهمت أنه حين اعتقلت بعدها مباشرة غادرت الحزب. تعرضت للإهانة للضرب في الاعتقال؟
عبد الوهاب المسيري: لا لا، أنا تركت الحزب بناء على أسس، لأن قواعد السرية لم تكن متبعة فقلت لهم إنه سيحدث مواجهة بيننا وبين نظام عبد الناصر فمثلا كنت مسؤولا عن خلية وكنا مجتمعين في الشلالات وكنت بأدي محاضرة عن حزب البعث ممثل للبرجوازية الصغيرة وأشياء من هذا القبيل، وفوجئت بأحد الرفاق يأتي فقلت له كيف عرفت؟ قال يا أخي أنت من كبار المثقفين ونود أن نستفيد.
سامي كليب: كان جاسوسا؟
عبد الوهاب المسيري: وظهر فيما بعد أنه جاسوس أعرف اسمه لكن لا داعي لذكره. فعند هذه اللحظة قررت أن أبتعد أن يعني الاستشهاد ليس فريضة وإنما واجب حتمي يعني عندما أضطر للاستشهاد أستشهد لكن طالما أني يمكن أن أنقذ روحي لا بد أن أنقذ روحي حتى تستمر الثورة والمقاومة.
سامي كليب: طيب شو سبب استقالتك من الحزب خصوصا أنه حتى اليوم يعني حين يسألك البعض عن سبب انتمائك للحزب الشيوعي وهل ندمت على الانتماء، تقول لا بالنتيجة كان له فضل بتوجهك الإنساني الفلسفي إذا صح التعبير في لحظة معينة، شو الاستقالة كانت؟
عبد الوهاب المسيري: هي دي أنهم كانوا غير مدركين لأهمية السرية.
سامي كليب: فقط يعني مسألة السرية؟
عبد الوهاب المسيري: آه.
سامي كليب: ولا كان في أسباب أخرى الخوف مثلا من الاعتقال ضغط الأهل؟
عبد الوهاب المسيري: لا. مش الخوف من الاعتقال وإنما الرغبة في الاستمرار، وبالفعل بعد عدة شهور تم القبض على معظمهم والطريف..
سامي كليب (مقاطعا): كم كان عمرك تقريبا آنذاك؟
عبد الوهاب المسيري: أنا كنت حوالي الثامنة أو التاسعة عشر.
سامي كليب: لأنه حسب ما فهمت أن والدك كان له نفوذ وأخرجك من السجن يعني سريعا.
عبد الوهاب المسيري: نعم.
سامي كليب: وممكن يتخيل الإنسان أنه بهذا العمر الشاب في مقتبل العمر طبعا قناعاته الأيديولوجية ليست راسخة تماما فممكن يغير رأيه بسهولة يعني نتيجة خوف أو نتيجة اعتقال..
عبد الوهاب المسيري: لا لا، قناعاتي الأيديولوجية تغيرت من خلال التساؤلات الفلسفية والحوار بيني وبين نفسي كما قلت.

اسبيرانزا
19/07/2008, 02:20
سامي كليب: ما لم تجده في الشيوعية وجدته في دين الله مثلا في القرآن..؟
عبد الوهاب المسيري: نعم. يعني مسألة التجاوز أصبحت أساسية، التجاوز هو الإنسان أما المادية هي الخضوع للحتميات البيولوجية والمادية.
سامي كليب: فهمت أن اللقاء مع مالكوم إكس الداعية الإسلامي الذي بدأ حياته طبعا جانحا ومخدرات وتجارة وبعدين اعتنق الإسلام كان اللقاء معه مفصليا.
عبد الوهاب المسيري: إحنا كنا تعلمنا الدين أفيون الشعوب ولكن في حالة مالكوم إكس الدين حرره من عنصريته، يعني تجربته في الكعبة آه السود واقفين مع بعض والبيض واقفين مع بعض لكن بسبب أنهم يعرفوا بعض مش بسبب أي عنصرية خاصة وأن عزام باشا وهو أبيض هو الذي تبناه وقدمه. حاجة ثانية أحس أنا وفي الولايات المتحدة أن أصدقائي معظمهم إما كاثوليك أو يهود من شرقي أوروبا أي من مجتمعات تقليدية، فوجدت أن مفهوم الجماعة أساسي عندهم وهو مفهوم مترسخ في العقيدة الكاثوليكية في المجتمعات التقليدية وتستمر تيجي مثلا إيه ميلاد ابنتي، يعني أنظر إلى هذا الشيء وأقول هل يعقل أن دي مسألة أنزيمات وهرمونات وبويضات بس يعني كده؟! وكتبت قصيدة برضه قصيدة مفصلية وفاجأتني لأنها وجدت أنها قصيدة دينية وأنا المفروض مادي.
سامي كليب: شو هي؟
عبد الوهاب المسيري: بأقول فيها يا سيدي
وبينما محمد في غاره حزين
يا لجة الضياء قد أرجفت قلبه
وبعدين أهم ثلاثة أسطر بقى جايين:
يا إصبع الإله قد أقلقت مضجعي
أولدتُها حواء ثم مريما
كأنه كما لو كان من الله سبحانه وتعالى أيقظني في ليلة حتى أضاجع زوجتي لتلد، وفي هذه اللحظة كنت أدرس اللاهوت المسيحي وفي اللاهوت المسيحي نموت في حواء ونولد في مريم، حواء هي الشر ومريم هي الخير، أولدتها حواء ثم مريما، إنسان كامل {ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها}[الشمس:7-8] حواء ومريم.
سامي كليب: للمفكر العربي الدكتور عبد الوهاب المسيري مؤلفات بالفكر لا تحصى ولكن له أيضا رحلات ولو قصيرة في عالم الشعر وحين قرأت بعض ما كتب وجدته نازعا دون أن يدري ربما صوب شيء من الانعتاق المادي والانغماس فيما انغمس فيه قبله بعض الصوفيين، واللافت أن شعره قد يُحدد بما قبل وما بعد الإيمان.
عبد الوهاب المسيري: والله في واحدة قبل الدخول للإيمان.
سامي كليب: تفضل.
عبد الوهاب المسيري: حال لم تحن
حينما صعد الشيخ المنبر
وقف ثابتا كالتمثال
مهيبا كالمئذنة
فركزت كل حواسي ومشاعري
لكنك يا طائر الفردوس الذهبي
لِم لَم تحط على كتفي؟
يعني كنت على عتبة الإيمان ولكن..
سامي كليب (مقاطعا): لم تكن مقتنعا تماما.
عبد الوهاب المسيري: تماما.
سامي كليب: لم تتأخر غربة الدكتور عبد الوهاب المسيري عن الله والدين والإيمان وهو إذ تعمق في مختلف الكتب السماوية إلا أن انتماءه الإسلامي ترسخ مع السنين ترسخا روحيا وفكريا فهو كان مستشارا أكاديميا للمعهد العلمي للفكر الإسلامي بواشنطن وكان هناك أيضا عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية. ترسخ انتماؤه الإسلامي إلى درجة بات يتراءى له معه الرسول الكريم كمن يمد بحور الشعر في بحور الشدة.
عبد الوهاب المسيري: "جاءني في حلمي لابسا عباءته ملتفا بالسحب فشكوت إليه بؤسي وحزني وأخبرته عن جرحي وعن قلبي الذي لا يسأم الطيران والتحليق فابتسم ولم يقل شيئا وحينما جاء النبي صلوات الله وسلامي عليه مرة أخرى انفجرتُ باكيا فابتسم ثم سمعت هذه الكلمات ابن آدم في مركز العالم فلتقف ثابتا لا تتزحزح فقد استخلفك الله في الأرض، فانفرجت أساريري ولم أخرج من الحلم" يعني هنا تأكيد لمسألة أن العودة كانت مؤسسة على الإنسانية الإسلامية.
سامي كليب: بس واضح أنك كنت في مرحلة ضعف أيضا يعني كنت بحاجة إلى مساعدة ما إلى يد تمتد إليك.
عبد الوهاب المسيري: في حاجة إلى تفسير، أنا كما قلت عودتي للإسلام كانت عقلية كنت في حاجة إلى تفسير فحينما جاءني الرسول في الحلم وأخبرني عن مركزية الإنسان في الكون وأن الله استخلفني هنا أدركت الإجابة على السؤال ووجدت أن هذا هو المخرج.
سامي كليب: فعلا جاءك في الحلم؟
عبد الوهاب المسيري: نعم. ورغم أني أنا أقول إني لست متصوفا ولكن هذا ما حدث.

اسبيرانزا
19/07/2008, 02:21
التخصص في الصهيونية وإنجاز الموسوعة


سامي كليب: حين ظهر كتاب "نهاية التاريخ" في الولايات المتحدة الأميركية قبل سنوات قليلة ضج العالم به وجعل كاتبه فرانسيس فوكوياما من أشهر الكتاب، ولكن من يقرأ مؤلفات المفكر العربي الدكتور عبد الوهاب المسيري سيجد أنه سبق فوكوياما بأكثر من ربع قرن في الكتابة عن الموضوع نفسه، هو اعتبر أن النموذج الأميركي آيل للسقوط وراح يقارع الأميركيين في عقر دارهم لتفنيد آرائهم حين كان مدرسا في الولايات المتحدة أو مستشارا لوفد الجامعة العربية هناك.
عبد الوهاب المسيري: شوف هو كل عقيدة دينية فيها جزء غيبي و {..فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ..}[الكهف:29]. المشكلة في اليهودية بقى أنه منذ البداية هناك صراع بين التوحيد والحلول، في التوحيد الشعب اليهودي لا يختلف عن الشعوب الأخرى وده موجود في كتب الأنبياء بالذات، كتب الأنبياء كتب إنسانية إلى أقصى حد وتوحيدية.
سامي كليب: الأنبياء اليهود.
عبد الوهاب المسيري: آه في الكتاب المقدس العهد القديم. يعني مثلا صورة آخر الأيام سيكون هناك طريق من مصر إلى فلسطين ومن آشور إلى كذا، يعني العالم في وئام ولا يوجد شعب مختار، بقى بالعكس في كتب الأنبياء في تعنيف للشعب لارتكابه الكذا، ده الجانب التوحيدي. الجانب الحلولي الذي ساد في نهاية الأمر يرى أن الله قد حل أي نزل وتماهى مع الأرض والشعب بحيث أصبحا مقدسين. وحينما..
سامي كليب (مقاطعا): الطريف لو سمحت لي بالمقاطعة أنه حين تتحدث لا أدري إذا كان في الموسوعة أو في كتاب آخر تقول إن اليهود أو الصهاينة بشكل عام يتحدثون عن الأرض المقدسة وأن هذه الأرض سكنتها شعوب وحضارات غير مقدسة أساسا يعني.
عبد الوهاب المسيري: آه. ما هو ده شكّل الخريطة الإدراكية الصهيونية، ولكن المعادين لإسرائيل يسمونه عبادة العجل الذهبي، الانحراف عن اليهودية لكن الحلولية اليهودية هذه هي التي سادت وهي جوهر الفكر الصهيوني.
سامي كليب: فقط سأطلب منك ولو سؤال تبسيطي يعني ربما المشاهد الآن ليس كل المشاهدين يعرفون أو يدركون جوهر الحلولية لو اختصرتها يعني ولو بعبارات بسيطة ليفهمها أي مشاهد يعني ما هو جوهرها ولماذا ركزت عليها في الكثير مما كتبت؟
عبد الوهاب المسيري: أنا أرى كلمة حل أي نزل وهبط وسكن في الأرض أو في الشعب أو في الزعيم أو كذا ثم يتماهى معه، بحيث أن يصبح الإله لا وجود له خارج هذه الأشياء ولكن هذا يعني غياب الله.
سامي كليب: طيب بهذا المعنى ولذلك سؤالي أن مثلا عند المسيحيين يقال إن الله أو ابن الله هو يسوع المسيح وأن الله حل به، عند البوذيين أن الكارما أو الله في الداخل وليس في الخارج وكأنه في داخلك وحل بك، يعني شو الفرق؟ أين أخطأ اليهود في هذا المعنى إذا صح التعبير؟
عبد الوهاب المسيري: هو في نزعة نحو الحلول عند الإنسان، أنا بأميز بين لحظتين لحظة أسميها اللحظة الرحمية وهي الجنين في رحم أمه يظن أنه جزء لا يتجزأ منها وتستمر هذه العلاقة بعد الولادة مدة ثلاثة أربعة أشهر بحيث أنه حينما يطلب الثدي يأتيه فورا فلا يوجد أي مسافة بين المثير والاستجابة وهذه طبيعة الحيوانات بالمناسبة، لأنه بالنسبة للإنسان المثير يفصله ذكريات وأوهام وكذا عن الاستجابة. فالنزعة الرحمية هذه بتعني أن الإنسان غير مسؤول لأنه جزء من كل، هي دي نزعة وحدة الوجود التي تعبر عن نفسها في كل الأديان بشكل مختلف يعني مثلا الإيمان بالأولياء وأن الوساطة الشفاعة وهكذا هي الإنسان العادي يود أن يشعر بالإله من خلال حواسه الخمس وهذا لأنه غير قادر على التجاوز فهو.. النزعة الربانية بقى هي العكس الإنسان يعرف أنه جزء من كل ولكنه جزء متفرد وأن المثير منفصل عن الاستجابة وأن المسافة هذه مسألة مهمة.
سامي كليب: ولكن بهذا المعنى قد تلغي الكثير من المفاهيم القائمة، يعني مثلا الإمام المغيّب مثلا.. الصالحين..
عبد الوهاب المسيري (مقاطعا): آه كل هذه مفاهيم حلولية أنا أعتقد أنها تهدد كل الأديان وهذا الخطر الأكبر أن علينا أن نتنبه كل المؤمنين سنة شيعة أقباط دروز علينا أن نتبنه إلى هذا.
سامي كليب: صاحب المؤلفات الكثيرة وفي مقدمها "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" يستكمل حديث الذكريات ابتداء من مغامرة هذه الموسوعة التي شجعه عليها الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية.
عبد الوهاب المسيري: هو أنا تعرفت على الدكتور أسامة ونشأت صداقة قوية مستمرة حتى الآن في الستينيات في الولايات المتحدة وكان أيامها التوجه الناصري ثم حينما عدت قدمني للأستاذ هيكل بعد أن أنبأني أو أخبرني أن لا بد أن أتخصص في الصهيونية، فهو بشكل من الأشكال كان مسؤولا ليس عن الموسوعة وإنما توجهي للتخصص، وحينما قابلت الأستاذ هيكل أنا كنت أرغب أن أكون ناقدا أدبيا قدمت له مشروع كتاب "نهاية التاريخ" وطلبت منه أنه لو يعين مساعدي باحث أنا ممكن أشرف عليه.
سامي كليب: اقترحَ أن تكون أنت.
عبد الوهاب المسيري: آه، قال لا يمكن أن يكتب مثل هذا الكلام غيرك ثم أعطاني كمية هائلة من المال وأرسلني إلى الولايات المتحدة اشتريت كل ما أريد من مراجع التي تشكل نواة لمكتبة مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية وبدأ الغرق في المسار الصهيوني.
سامي كليب: طبعا كان الوقت آنذاك منتصف السبعينات يعني 1974- 1975.
عبد الوهاب المسيري: لحد 1975.
سامي كليب: وكان بدأ يعني الدخول في بعض الصراعات الداخلية في مصر في الدول العربية وما إلى ذلك وحسب ما فهمت أنه حين بدأت جديا بكتابة الموسوعة ووصلت إلى درجة متقدمة حاول البعض مسحها وأن القول لك نصحك بأن اذهب وسافر ونحن سنتابع الأمر وكأنه كان هناك نية لعدم صدور هذه الموسوعة.
عبد الوهاب المسيري: في الواقع عرفت فيما بعد أن في البنود السرية في اتفاقية الفصل بين القوات كان المطلوب التخلص من الموسوعة، وبالفعل حينما عدت من الولايات المتحدة عام 1979 كنت كي أشتري نسخة أو نسختين من الموسوعة من مكتبة.. من الأهرام تأخذ أياما طويلة ثم تقرر أنها تفرم لكن بائع كتب سعودي برضه مرة أخرى ذكي اشترى المجموعة كلها ولذلك هذه الموسوعة معروفة في السعودية جدا وغير معروفة خارجها.
سامي كليب: خليني أرجع فقط لنقطة لأنها مهمة كان بالاتفاق الإسرائيلي المصري أنه أن تلغى هذه الموسوعة أن تحذف؟
عبد الوهاب المسيري: نعم.
سامي كليب: كيف عرفت يعني ولا قرأت البند ولا؟
عبد الوهاب المسيري: أحد المتمكنين جدا أخبرني بالبنود السرية وكانت هذه أحداها.
سامي كليب: شو في بنود أخرى خطيرة؟
عبد الوهاب المسيري: في الوقت ده اللي بقي في ذاكرتي أنه يخصني، لكن يعني اتكشفت الأمور في كامب ديفد نزع السلاح سيناء التصريح للإسرائيليين بكذا.
سامي كليب: بعض المسلسلات التلفزيونية الخطاب الإعلامي على ما يبدو أيضا.
عبد الوهاب المسيري: آه. ولو أنه طبعا هناك إخفاق إسرائيلي كامل في رغم التطبيع مع الحكومات تظل الجماهير والحمد لله بفطرتها السليمة معادية للصهيونية.
سامي كليب: تعرف حين مرضت يعني صدرت شائعات وسرت شائعات كثيرة تقول إن هناك مؤامرة أيضا صهيونية إمبريالية لقتلك وأنه دس لك شيء معين في الجسم، طبعا حضرتك سخرت من كل ذلك وكتبت ضده ولكن هل تعرضت مثلا لمضايقات لمحاولات اغتيال بعد خصوصا توجهك في تشريح هذا المجتمع الإسرائيلي الصهيوني؟
عبد الوهاب المسيري: عام 1982 أرسل لي مايير كاهانا 13 خطابات تهديد بالقتل، ستة في القاهرة وكنت أثناء ذلك أدرّس في جامعة الملك سعود فأرسل لي ستة هناك، الثالث عشر وصلني في القاهرة بعد وصولي بيوم يقولون نعرف إنك وصلت ولذا نحن نحفر لك قبرا، وأرسلوا لمساعدي الدكتور محمد هشام خطابات مماثلة يعني.
سامي كليب: من الصعب الإحاطة بكل ما ألف الدكتور عبد الوهاب المسيري من كتب وموسوعة ومقالات وهو إذ اشتهر في موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية والتي سنفصلها في الحلقة المقبلة فإنه كتب أيضا في الكثير الكثير من القضايا التي كان همه فيها نصرة أمته العربية ضد مشاريع الهيمنة. وقبل أن أودعه على أمل اللقاء به وبكم في الأسبوع المقبل مع حلقة ثانية وأخيرة م////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)عه تمنيت له فقط موفور صحة لأن صحة أمثاله هي من صحة الأمة.

اسبيرانزا
25/07/2008, 19:41
حوار مع عبد الوهاب المسيرى ج2

اسبيرانزا
25/07/2008, 19:45
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////


اجرى الحوار مالك التريكى


رغم التباعد الظاهري بين التكوين الأكاديمي لعبد الوهاب المسيري وبين اهتماماته الفكرية فإن انتقاله من دراسة الأدب الإنجليزي والأميركي إلى التخصص في دراسة الصهيونية والجماعات اليهودية في العالم لم يمثل تحولا جذريا في مساره الفكري، ذلك أن ميزة مشروعه الأدبي تكمن في أنه ذو طبيعة فكرية بالأساس ولهذا فإن دراسته للأدب لم تكن دراسة فنية للنصوص بقدر ما كانت دراسة إشكاليات فكرية كما تكمن أو تتجلَّى في النصوص.


التحول من دراسة الأدب إلى دراسة الصهيونية


عبد الوهاب المسيري – كاتب ومفكر مصري : أنا حينما كنت أدرس الشعر الإنجليزي والأميركي كنت متخصص أساسا في شعر القرن التاسع عشر وبالتالي كنت أقرأ تاريخ الأفكار أو تاريخ الفكر في ذلك الوقت، هيغل، ماركس، الأفكار العنصرية، الإمبريالية، الفلسفة النفعية، العلمانية، الاحتجاج على التصنيع كل هذه الأمور التي تحوَّلت إلى مقولات تحليلية فيما بعد ولذلك نجد إنه المقولات التحليلية التي استخدمتها في رسالتي للدكتوراه عن أثر وردس ورث على ويتمان لكن كان عنوانها الفرعي هو دراسة في الوجدان التاريخي والمُعادي للتاريخ نجد أن نفس المقولات التحليلية هي التي استخدمتها فيما بعد في دراسة الصهيونية حتى أثناء مناقشة رسالتي للدكتوراه قلت للأساتذة مازحا في الولايات المتحدة إن رسالتي ليست عن الشاعر الإنجليزي وردس ورث ولا عن الشاعر الأميركي ويتمان وإنما هي عن الصراع العربي الإسرائيلي، أنه وردس ورث بيمثل المجتمعات التاريخية التي عندها إحساس بالتاريخ أما ويتمان فهو نتاج مجتمع استيطاني والمجتمع الأميركي المبني على إنكار التاريخ ومن ثم كانت أول دراسة لي عن الصهيونية تُسمى نهاية التاريخ وهذا يعني ما يقرب من..


مالك التريكي [مقاطعاً]: عام 1972 أصدرت الكتاب.


عبد الوهاب المسيري: عام 1972 يعني.


مالك التريكي: وفوكوياما أصدر مقاله عام 1989 ثم كتابه عام 1992.

"عبد الوهاب المسيري: نعم حتى هو في حوار بيني وبينه من خلال البريد الإلكتروني نُشر في الأهرام فوجئ بهذا وطلب أن يتعرف علي وهكذا لأنه طبعا أنا فكرتي في نهاية التاريخ مختلفة، هو نهاية التاريخ عنده هي انتصار الليبرالية الديمقراطية أما بالنسبة لي أن فكرة نهاية التاريخ هي فكرة فاشية في جوهرها وأن كل الأيدلوجيات الفاشية مبنية على فكرة نهاية التاريخ لأن نهاية التاريخ بتعني نهاية الإنسان وكما قلت لفوكوياما في الحوار أنها بتعني نهاية التاريخ الإنساني وبداية التاريخ الطبيعي أي تحول الإنسان إلى ظاهرة طبيعية.


مالك التريكي: بالنسبة لدراسة الأدب في.. من منتصف الخمسينيات حتى نهاية التسعينيات.. نهاية الستينيات بالأحرى تلك كانت المرحلة التي درست فيها الأدب الإنجليزي والأميركي، في تلك الفترة كانت النزعة الهيومانية الإنسانية هي السائدة لم تكن النزعة الشكلانية قد ظهرت بعد هل تتصور أن تطورك الفكري كان سيكون مغايرا لو كانت الشكلانية هي السائدة آنذاك؟


عبد الوهاب المسيري: نعم لأنه الفلسفة الهيومانية التي تعلمتها أولا هنا في مصر من خلال أساتذتي في الإسكندرية ثم حين ذهبت إلى الولايات المتحدة لكن كان بدأ الصراع بين الشكلانيين والإنسانيين في القسم الذي ذهبت إليه لكن لحسن حظي كان المُشرف على رسالتي من الإنسانيين البروفيسور وايمان هو دافع عني أثناء الحوار ولولاه لا أعتقد أن أنا كنت حصلت رسالة درجة الدكتوراه. لي طالبة الآن في الولايات المتحدة تتحدث عن الاتجاه الشكلاني، دلوقتي تطوروا وبدءوا يبقى هناك اتجاه أيديولوجي يؤكد الجندر النوع والجنس (sex) بتخبرني أنها حينما تأخذ قصيدة من القصائد التي تعلمتها هنا واللي كان متفق على معناها المباشر مع اختلافات في التفاسير تقول لي إنهم يرفضون هذا تماما ويا إما تفسر في إطار الجندر وال (sex) والجنس وإلا تعتبر قراءة زائفة ومنافقة وهكذا.


مالك التريكي: ما هو تفسيرك لهذا التناقض الصارخ بين المحافظة السمة المحافظة التي تطبع المجتمع الأميركي في ثقافته العامة وبين هذه الثورية الزائفة الـ (Political Correctness) هذه التي تحتمي بالقواعد أكاديمية أو غير أكاديمية أيديولوجية تُسقَط على الأكاديمي لكنها تحتمي بصورة الجامعة، ما هو تفسير هذا التناقض؟


عبد الوهاب المسيري: هو أولا من الواضح كما قال علي عزت بيجوفيتش إن الإنسان كائن ميتافيزيقي يعني لا يمكنه أن يدور في إطار النموذج المادي وحسب المنفعة المادية اللذة لا كائن ميتافيزيقي فلابد أن يؤمن الإنسان بميتافيزيقا ما فإن لم يؤمن بالله فسيؤمن بالآيس كريم يؤمن بالجنس يؤمن بأي شيء وهذا ما حدث.


مالك التريكي: الأطباق الطائرة.


عبد الوهاب المسيري: نعم الأطباق الطائرة مثلا وإن كنت أسميها أنها ميتافيزيقا بلا أعباء أخلاقية بمعنى الإيمان بالأطباق الطائرة أو بالجنس..


مالك التريكي [مقاطعاً]: ليس فيه حساب أو ثواب أو عقاب.


عبد الوهاب المسيري: ما فيهوش تكليف لا يوجد فيه..


مالك التريكي: تكليف أخلاقي.

عبد الوهاب المسيري: فنفس الشيء بأعتقد أنه هذا الفراغ الأخلاقي الذي يُملأ بفكرة القوى على المستوى السياسي بيُملأ بأشياء مثل الجنس مثل الجندر، أشياء أحيانا إيجابية الحرب ضد الاستعمار، الحرب ضد إسرائيل لكن أشياء برضه غير إنسانية زي الدفاع عن الشذوذ الجنسي وهكذا يعني فهذا هو ما يحدث أنه الفراغ بيُملأ لكن حيث إنها ميتافيزيقا بلا أعباء أخلاقية بنجد أنها بتظل تدور في الإطار المادي لا تُحاول تجاوز الواقع ومَن لا يحاول أن يتجاوز الواقع هو الرجعية في حد ذاتها ولا تنسى أن الفلسفة المسيطرة على أميركا هي الفلسفة البرجماتية وهي فلسفة في ظاهرها ثورية لكن في جوهرها رجعية بل داروينية، إنه البرجماتية بترى أن المعيار الأساسي في الحكم على الأمور هو ما ينجح معنى ذلك أنه لا توجد معايير أخلاقية أو معايير إنسانية حتى ومن ثم يملأ هذا الفراغ الفلسفة الداروينية لكن الفلسفة الداروينية هذه فلسفة ناجحة بالنسبة للأقوياء ماذا يفعل الضعفاء؟ فبنجد أنه بتنقسم إلى قسمين الأقوياء الذين يسيطرون والضعفاء الذين عليهم التكيُّف وبالمناسبة هذا واضح في الخطاب الغربي تجاه القضية الفلسطينية يعني هم مُعجبون للغاية بالصهاينة لأنهم عادوا بعد ثلاثة آلاف عام نتيجة لإيمانهم بالأساطير مثل أرض العودة، أرض الميعاد وهكذا لكن حينما يتوجهون للعرب يقولون هناك حقائق جديدة عليهم التكيُّف معها. فما بين ما أسميه السوبرمان الإنسان الأعلى و الـ (Sub-Man) الإنسان ما دون الإنسان، الفلسفة البرجماتية بتعبر عن نفسها وفي تلك الحالتين بنجد أن الحالة الإنسانية يتم إنكاره.

اسبيرانزا
25/07/2008, 19:47
مالك التريكي: وهذه البرجماتية الذرائعية والداروينية تظهر أيضا في الخطاب الاقتصادي العالمي الآن العولمة الاقتصادية لأنها في مصلحة الأقوياء ولذلك حتى كيسنغر يقول العولمة هي اسم آخر للأمركة لأن أميركا هي الأقوى فمن صالحها أن تنتشر العولمة ويُطلب من الضعفاء اقتصاديا الدول الضعيفة أن تتكيف يعني أن تفتح أسواقها مثلا للمنافسة بينما صناعاتها ضعيفة ولا تستطيع أن تنافس مثلا فهذا يبدو أن الذرائعية بهذا الشكل صارت الأيديولوجيا العامة يعني في العالم.

عبد الوهاب المسيري: نعم ولذلك نفتح أبوابنا لرأس المال الأجنبي والبضائع لكن هم لا يفتحون أبوابهم للمهاجرين مثلا، يعني هي حرية انتقال للأشياء وليس حرية انتقال للأشخاص وبالمناسبة كيسنغر أيضا قال أن (Power is an Aphrodisiac) أن القوة منشط جنسيK يعني عملية اقتحام هنا بتأخد شكل صورة مجازية أيضا.

مالك التريكي: عودا إلى هيغل دكتور بما أننا ذكرنا رسالتك للدكتوراه التي أصدرتها بعد في كتاب بعنوان نهاية التاريخ وبما أن فكرة نهاية التاريخ هي فكرة هيغيلة ولو أن ما كان يقصده هيغل لا علاقة له بما يقصده فوكوياما ولذلك يوصف فوكوياما يصفه بعض المعلقين الصحفيين بأنه هيغل (Light) يعني نسخة مُخففة أو مُبسطة جدا عن هيغل طبعا ما كان يقصده هيغل هو أن العقل المطلق سيتحقق في التاريخ والتاريخ عنده كان آنذاك الدولة البروسية المحافظة الرجعية الإقطاعية في ذلك الوقت هذا ما كان يقصده، هيغل له جانب آخر كان يهمك أيضا هو الجانب المعلوماتي الرغبة في الإحاطة الشاملة بكل الظواهر وبكل المعلومات في إطار نسقي نظري، هذا الجانب سميته بالذئب الهيغلي وإضافة إلى ذئب الثروة وذئب الشهرة وقلت أإك جاهدت لكي تتخلص من هذه الذئاب الثلاثة كيف جاهدت للتخلص من الذئب الهيغلي؟

عبد الوهاب المسيري: أنا في الواقع أقول في رحلتي الفكرية لم أتخلص منه روضته فقط لأنه لا يزال رابض داخلي، في الواقع أنا نجحت في ترويضه لأن هناك في حياتي ثلاثة عباقرة لم يخطوا حرفا لأن الذئب قد التهمهم، كانوا يرون علاقة كل شيء بكل شيء آخر، يعني كان لي صديق رحمه الله الأستاذ علي زيد كنت مثلا نبدأ أطلب منه يكتب مقال عن البرجماتية والداروينية فينتهي به الأمر أنه يقرأ كتب عن القبائل العرب وعنده كان مكتبة وكان يعرف كل شيء وليس بطريقة معلوماتية وإنما بطريقة مترابطة، أستاذي الحقيقي الأستاذ محمد سعيد البسيوني رحمه الله أيضا كان نفس الشيء يعني يربط كل شيء بكل شيء آخر بذكاء غير عادي لكنه يظل في ربط الأمور، فكان لابد من ترويض هذا الذئب ومن ثم نجحت، يعني أنا كان طموحي إن أنا أكتب نظرية عامة على طريقة هيغل لكنها في ذات الوقت تضم كل المعلومات وهذا مستحيل إنسانيا، عام 1984 شعرت أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يُرغمني على كتابة الموسوعة فرضخت قلت فلأنسى مشروعي المعرفي الأكبر ولأنخرط وانتهيت كتابة الموسوعة، لكن أعتقد أن مكافأة الله سبحانه وتعالى لكي كانت أنه هذه الموسوعة تحولت إلى دراسة حالة وقدمت ما أتصور أن هو إطار معرفي عام لتحليل كثير من الظواهر سواء كان مفهوم الحلولية أو مفهوم العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة وأخيرا مفهوم الجماعة الوظيفية، هذه ثلاثة مفاهيم يمكن استخدامها في تفسير كثير من الظواهر الإنسانية لكني أعرف أن فوق كل ذي علم عليم.////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)

دراسة الصهيونية من منطلق فكري بحت

مالك التريكي: من الطريف دكتور وأنت تُلامس هذا الموضوع بالضبط الآن أنك تناولت تاريخ اليهودية وتاريخ الصهيونية والجماعات الوظيفية.. الجماعات اليهودية الوظيفية في العالم من منطلق فكري بحت وفي هذا تتميز عن بقية المفكرين العرب لأن المفكرين العرب والآخرين حتى المُختصين في الفلسفة كحقل عندما يتناولون مسألة الصهيونية ومسألة إسرائيل لا يكادون يخرجون عن سياق التناول الصحفي المعهود بينما أنت في تناولك للظاهرة الصهيونية تستعمل مفاهيم تحليلية مثل إشكالية الإنسان وعلاقاته بالطبيعة والتاريخ، الغنوسية الواحدية المادية، الأسطورة منفصلة عن التاريخ؟

عبد الوهاب المسيري: أنا شأني شأن كثير من المفكرين كنت أنظر إلى الصهيونية النظرة السياسية التحليلية العادية لكن قرأت بعض الكتب من بينها كتب الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي رحمه الله كتب كتيبين كتابين صغيرين عن اليهودية وعن الصهيونية وكتابات جمال حمدان إلى جانب بداية اهتمامي بالبُعد المعرفي أي البُعد الكُلي والنهائي، كل هذه الأمور تلاحمت وأنا من طبيعتي لا أفصل بين مثلا الفكر والشعر وحتى أثاث منزلي وحياتي الخاصة بمعنى أنني دائما أحاول أن أعيش فكري وهذه لها مزايا ولها عيوب أيضا يعني، بمعنى إني أحيانا يفوتني ملاحظة بعض التفاصيل نتيجة لانشغالي بالنماذج.

مالك التريكي: بالصورة التي تتعامل معها.

"

عبد الوهاب المسيري: أه وفكرة النموذج التحليلي فكرة أساسية عندي والنموذج بطبيعته يتجاوز الموضوع، يربط بين المواضيع المختلفة، يعني دائما أضرب مثل بالنموذج بالحديثين الشريفين الحديث الذي عن القطة التي عذبتها المرأة حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار والحديث الآخر عن الكلب الذي كان يعض الثرى من العطش فنزل رجل بئر وسقاه فدخل فيه الجنة، يعني هنا على مستوى الموضوع سنجد إنه ثمة تضاد رجل امرأة كلب قطة جوع عطش وهكذا لكن على مستوى النموذج سنجد إنه الرؤية واحدة إنه هو الإنسان فاعل والحيوان مفعول به وإن الإنسان هو خليفة الله بمعنى أنه استُخلف وإنه مسؤول عن هذه الحياة وهكذا أربط هذا بالمفهوم الإسلامي للإنسان وللطبيعة، أربط هذا بمفهوم الذبح الشرعي في الإسلام وهكذا مهمة إحدى مزايا النموذج إنها تُسهل الانتقال من مجال تحليلي إلى آخر من مثلا شكل في الشعر إلى ظاهرة تاريخية إلى قضية فلسفية، فالنموذج يربط بينها جميعا وهذا ما حدث في حالتي، أنا درست الشعر لكن درست فكر القرن التاسع عشر وحاولت الوصول إلى نماذج تحليلية تصلح لدراسة الشعر وتصلح لدراسة الظاهرة الصهيونية ولذلك دائما أقول إن اليهودية والصهيونية في الموسوعة هي دراسات حالة (Case Studies) ولذلك بأجد إن المجلد الأول هو أهم المجلدات لأنه يعبر عن الرؤية وما الصهيونية واليهودية إلا تطبيقات حالة. حدث نفس الشيء في قصص الأطفال التي أكتبها يعني يتساءل الناس يعني كيف يمكن لكاتب جاد..

مالك التريكي [مقاطعاً]: أن يجمع بينهما.

عبد الوهاب المسيري: يعني لا ده شيء جزء من رؤيتي إنه مثلا في قصة نور والذئب الشهير بالمكَّار الذئب سقط في النموذج الهيغيلي المعلوماتي بمعنى إنه بيقرأ القصة القديمة وحسب القصة القديمة إن هو سيسبق ذات الرداء الأحمر اللي هي نور في هذه القصة وسيلتهم الجدة ثم يلتهمها هي لكن نور تعيش في العصر الحديث ولذلك سلسلة القصص اسمها حكايات هذا الزمان فتسبقه وتصل إلى منزل الجدة وتخبرها أن الذئب.. الذئب يضيع وقته في محاولة التنكر

ويسقط في الأرض وهكذا وحينما يطرق الباب يُفتح الباب ويأخذ علقة ساخنة وفي أثناء العلقة يقول يعني هذا مخالف.

مالك التريكي: للنظرية يعني.

عبد الوهاب المسيري: أه لأنه غير مدرك لا يحاول تفسير الواقع وهو يعيش داخل هذا النموذج الهيغيلي المعلوماتي. نفس الشيء في منزلي يعني أثاث منزلي هو تعبير عن هذه الرؤية إنه لابد أن تكون هناك لنا خصوصيتنا تحيزاتنا العربية الإسلامية. في الواقع أنا بأعتقد إنه الطريقة الوحيدة لتجاوز التحيز هي التنبه له لأنه لا يمكن إن الإنسان يرصد الواقع كأنه آلة يعني إن رأيت حجر يسقط من الدور الثاني وطفل يسقط السلوك في كلتا الحالتين مختلف يعني فحينما أرى الجيش الإسرائيلي بيضرب أطفال ورجال ونساء ويهدم بيوت لا يمكن أن أرصد هذه المسألة بطريقة مُحايدة باردة ولذلك أنا أسقطت كلمة موضوعية وذاتية وبأتحدث عن التفسيرية، الجيش الإسرائيلي بيهدم المنازل فأقدم وجهة نظري المُتحيزة لكنها ذاتها مقدرة تفسيرية، فمثلا نأخذ تعريف الصهيونية يقولون في المراجع الغربية إن الصهيونية هي القومية اليهودية وهي عودة اليهود إلى وطنهم طيب سآخذ هذا التعريف وأقول لن أقول إنه متحيز أو غير متحيز وأحاول أن اختبر مقدرته التفسيرية، إن كان الأمر كذلك نفسر إذاً وجود مخيمات اللاجئين فلسطينيين والحروب المستمرة والدعم الأميركي والغربي لهذه الدولة في هذه الحالة يُفتح باب الاجتهاد وسأطرح تصوري وتعريفي وهي أن الصهيونية حركة استيطانية استعمارية إحلالية لا تختلف في جوهرها عن الجيوب الاستيطانية في أفريقيا والجزائر وأن نقطة الاختلاف الوحيدة هي أنها تقدم اعتذارايات ودباجات يهودية لتبرير الفعل الاستيطاني ولتأخذوا هذا ولتختبروا ولا تسألوني هل أنت أتيت بهذا لأنك عربي أو مسلم لا اختبر مقدرته التفسيرية سنجد أن هذا التعريف يُفسر مخيمات اللاجئين، يُفسر المقاومة الفلسطينية، يفسر الدعم الغربي لهذا الجانب الاستيطاني.

اسبيرانزا
25/07/2008, 19:49
مالك التريكي: ولهذا تقول إنك واجبك الأخلاقي هو مُناهضة الصهيونية حتى لو كانت أقامت دولة في موزمبيق أو في أي بلد آخر فالوقوف ضدها لا يتعلق بكونها في فلسطين فقط بل أنها ظاهرة استعمارية يجب مناهضتها. هنا السؤال دكتور لأن هنالك حالة خاصة أيضا وأنت تعرف هي ظاهرة استعمارية مثل بقية الظواهر الاستعمارية لكنها أكثر شراسة ولأن مصير إسرائيل نوعا ما يتداخل مع تصور الغرب لمصير العالم بصفة عامة، الجوانب الأسطورية هي المسيطرة على الموقف في أميركا أليس هنالك أيضا تناقض صارخ مثل الذي ذكرناه قبلا عن أميركا بين الثقافة العامة وبين الثقافة الأكاديمية؟ أليس هنالك تناقض صارخ بين القول بالعلمانية ولك أيضا مفاهيم تحليلية في العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية بين القول بالعلمانية بصفة عامة في الغرب عامة وفي أميركا خاصة وبين تصديق هذه الخرافات عن إسرائيل وعن الشعب الإسرائيلي وعن هذه الأرض؟

عبد الوهاب المسيري: هو الخريطة الإدراكية مقولات قبلية بتحدد رؤية الإنسان للواقع يعني أنا دائما بأضرب مثل بقصة شهيرة قصة ماري أنطوانيت حين أتوا لها بفلاح جائع وأُغمى عليه من الجوع فلا الجوع ولا الفقر جزء من خريطته الإدراكية فقالت له يعني الرجيم قاسي لا داعي أو في رواية أخرى..

مالك التريكي: فليأكل..

عبد الوهاب المسيري: يأكل جاتوه يعني.

مالك التريكي: طبعا ماري أنطوانيت هي زوجة الملك لويس السادس عشر ملكة فرنسا الأخيرة يعني بس للتوضيح.


"عبد الوهاب المسيري: فالخريطة الإداركية الغربية من البداية بترى أن العالم العربي والعالم الإسلامي هو مادة استعمالية مجال للبضائع للاستثمارات ولذلك كما قلنا من قبل إنهم يريدون فتح الحدود للرأسمال وللبضائع لكن لا يفتحون حدودهم للهجرة الإنسانية من بلادنا إلى بلادهم، فنفس الشيء هم يرون إن إحنا مادة استعمالية وإن من ثم الحقوق المطلقة هي حقوق للإنسان الغربي والإنسان اليهودي جزء من هذا، يعني تماما مثل الاستعمار الغربي يعني كان يتحدث عن نقل الحضارة عن عبء الرجل الأبيض هكذا.

مالك التريكي: طبعا المهمة التمدينية هذه قال بها الاستعمار الفرنسي ومهمة عبء الرجل الأبيض هذه قولة كيتنيك الشهيرة قال بها الاستعمار البريطاني وهذا يندرج في إطار هذه النظرة المادية وما سميته بالواحدية المادية التي تقول إنها باطلة وإن ما يصلح أساسا لنظرة متكاملة ومتوازنة للعالم هي الثنائية.

عبد الوهاب المسيري: الثنائية هي إن العالم دائما مُكون من عنصرين يتفاعلان لكنهما لا يمتزجان وبداية هذه الثنائية هي ثنائية الخالق والمخلوق التي لُخصت في الإسلام في كلمة قاب قوسين أو أدنى إن أشرف المخلوقات في أشرف اللحظات لم يمتزج بالإله والإله هو أقرب إلينا من حبل الوريد لكنه لا يجري في عروقنا.

اسبيرانزا
25/07/2008, 19:51
حوار مع المفكر على اليوتيوب :D

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

اسبيرانزا
13/08/2008, 19:42
حوار مع الشاعر محمود درويش :D

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:17
الآن مع صدور مجموعتك الكاملة للمرة الثامنة عشرة كيف ترى إليها؟ ما الذي تحبه فيها وما الذي تكرهه؟ كيف تنظر الى البدايات التي أصبحت جزءاً من الذاكرة الفلسطينية؟

- حين اضطر الى قراءة أعمالي الأولى من أجل تصحيح الأخطاء الطباعية استعداداً لطبعة جديدة، وليس من قبيل مراقبة تطوّري أو مراقبة ماضيّ الشعري، أشعر بكثير من الحرج. أي انني لا أنظر الى ماضيّ برضا، وأتمنى عندما أقرأ هذه الأعمال، ألا أكون قد نشرتها كلها، أو ألا أكون نشرت جزءاً كبيراً منها. لكنّ هذه مسألة لم تعد منوطة بي، انها جزء من تراثي. لكن تطوري الشعري تم من خلال هذا التراكم وليس من خلال القفز في الفراغ. لذلك عليّ أن أقبل بطاقة الهوية هذه كما هي، وليس من حقي اجراء تعديلات إلا بقدر المستطاع، أي تعديلات على بعض الجمل وعلى بعض الفقرات أو حذف بعض الأسطر، من منظور الاعتبار الجمالي وليس من أي منظور آخر. ولو أتيح لي لكنت دائم التنقيح في أعمالي. ولكن لو أتيح لي أيضاً أن أحذف لكنت ربما حذفت أكثر من نصف أعمالي. لكن هذا الأمر ليس في يدي وليس من حقي على ما يبدو. هذا أنا في مراهقتي الشعرية وفي صباي وفي شيخوختي، أنا كما أنا. وأعتقد أن كل شاعر لديه حاسة نقد ذاتية، ينظر النظرة نفسها الى أعماله. وأريد أن أقول هنا إن الشعراء يولدون في طريقتين: بعضهم يولد دفعة واحدة، ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك. ففي التراث العربي مثلاً عندنا طرفة بن العبد وفي التراث العالمي هناك رامبو. ثم هناك شعراء يولدون «بالتقسيط» وأنا من هؤلاء الشعراء. ولادتي لم تتم مرة واحدة. وأرى أن مشكلة الولادة في دفعة واحدة عمرها قصير.


> هناك ظاهرة عجائبية في مثل هذه الولادات!

- هناك عبقرية خاصة وربما مأسوية. فالشاعر الذي يولد دفعة واحدة لا يستطيع أن يواصل عمره الشعري. أما الشعراء الذين يولدون على مهل فتتاح لهم فرصة من التجربة والكتابة لا تتاح لمن يصبّون تجربتهم في دفعة واحدة، ويصمتون مثلما فعل رامبو. هذا السؤال صعب أصلاً على كل شاعر يستطيع أن يكتب شعراً في العشرينات، ولكن هل يستطيع كل شاعر أن يكتب بعد الستين؟ هذا هو السؤال الصعب.


> ولكن هناك أمثلة متضاربة في هذه القضية!

- كل شاعر يملك جواباً خاصاً أو ربما هو يملك حظاً خاصاً. وأعتقد ان الحظ في آخر الأمر هو الذي يلعب دوراً في نشأة الشاعر، وفي قدرته على التطور. ولكن قبل الحظ هناك انتباه الشاعر الى عيوبه الشعرية، انتباه الشاعر الى مأزقه الشعري. وكل شاعر يحل مأزقه في طريقته الخاصة، ولكن ليس التكرار هو أفضل الطرق، أي تكرار ما قاله الشاعر أو كتابة تنويعات على ما كان كتب من شعر.


> ما رأيك بالمبادرة التي يقوم بها شعراء بحذف شعرهم الأول وانكاره؟ وهذا ما قام به مثلاً الفرنسي رينه شار أو الشاعر أدونيس؟ هل أخفيت أنت قصائد أولى، لك وخصوصاً عندما كنت في فلسطين؟

- أنا لم أنشر في كتب كل ما كتبت من شعر. بعضه نشر في الصحافة، وبعضه لم ينشر. مجموعتي الشعرية الأولى حذفتها كلياً ولا أعترف بها البتة وكانت صدرت في فلسطين أيام الفتوّة. وهي عبارة عن قصائد مراهقة شخصية وشعرية. وأنا أتمنى أن أواصل الحذف. هذه هي المسألة الشائكة. حتى في مرحلتي الراهنة، كتبت قصائد عدة لم أدرجها في مجموعاتي الشعرية. نشرتها في الصحف ولكنني لم أضمّنها كتبي. من حق الشاعر أن يحذف ما يشاء من شعره. لكن السؤال هو: هل رأيه هو الصواب أم لا؟ هناك رأي القارئ أيضاً.


> بودلير يتحدّث دوماً عن الناقد الكامن في الشاعر والذي يوجهه!

- صحيح. ولكن قد يؤثر الشاعر نصاً له على آخر، وقد لا يشاركه القارئ هذا الإيثار بل قد يخالفه فيه.


> ما كان عنوان مجموعتك الأولى التي أسقطتها من أعمالك؟

- كان عنوانها «عصافير بلا أجنحة».


> ماذا تعني لك اليوم قصائد راسخة في ذاكرة الجمهور مثل «سجّل أنا عربي» و «جواز السفر» بعدما اجتزت ما اجتزت من مراحل شعرية؟

- هذا النوع من الشعر كتبته تلبية للنداءات الداخلية والخارجية. كان سؤال الهوية هو السؤال الملح في شبابي الشعري أو صباي. وهو ما زال مطروحاً حتى الآن، ولكن في طرق مختلفة، وفي أشكال تعبير مختلفة. كانت ظروف الحياة هناك تقتضي ربما مثل هذه المخاطبة المباشرة. هذا أولاً. ثانياً أصبحت هذه القصائد جزءاً من ذاكرة جماعية لا أستطيع أن أتحكم بها أو أتصرف في شأنها. إنها لم تعد ملكي أبداً. وهي ساهمت أيضاً في انتشاري شعرياً. ويجب ألا أكون مجحفاً أو ناكراً للجميل في حق هذا النوع من الشعر. هذا إذاً ساهم في شق الطريق أمامي، وفي تمهيدها لكي أضيف تجارب شعرية جديدة ومختلفة عما سبقها، من حيث التناول الشعري واللغة الشعرية والاسلوبية. لكن التأسيس الذي تم في العلاقة بين القارئ وبيني أذن لي في أن أتتطور، وأتاح للقارئ أن يقبل هذا التطور. فنحن نكبر معاً، أنا وقارئي.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:18
ماذا باتت تعني لك القصيدة السياسية؟

- القصيدة السياسية اليوم لا تعني لي أكثر من خطبة، قد تكون جميلة أو غير جميلة. إنها تخلو من الشعرية أكثر من القصيدة التي تحرص على أن تنتبه لدورها الإبداعي ودورها الاجتماعي. أي على الشاعر أن ينتبه الى مهنته وليس فقط الى دوره. القصيدة السياسية استنفدت أغراضها في رأيي، إلا في حالات الطوارئ الكبرى. ربما أصرخ غداً غضباً، تعبيراً عن أمر ما، ولكن لم تعد القصيدة السياسية جزءاً من فهمي المختلف للشعر. أعتقد إنني الآن في مرحلة، أحاول فيها أن أنظف القصيدة مما ليس شعراً إذا أمكن التعبير. ولكن وما هو الشعري وما هو غير الشعري؟ هذه مسألة أيضاً. السياسة لا يمكنها أن تغيب تماماً من هوامش القصيدة أو خلاياها. لكن السؤال هو كيف نعبر عن هذه السياسة. كل انسان فينا مسكون بهاجس سياسي، ولا يستطيع أي كاتب في أي منطقة من العالم أن يقول: أنا نظيف من السياسة. فالسياسة هي شكل من أشكال الصراع، صراع البقاء وصراع الحياة. ومن طبيعة الأمور أن يكون هناك سياسة. والسؤال هو: هل تكون القصيدة سياسية أم ان عليها أن تحمل في كينونتها بعداً سياسياً؟ أو هل هناك إمكان لتأويل سياسي للنص الشعري أم لا؟ اما أن تكون القصيدة عبارة عن خطاب مباشر بتعابير مستهلكة ومستنفدة وعادية فهذا لم يعد يعني لي شيئاً.


> ما رأيك بظاهرة الشعر السياسي الجديد الذي يكتبه شعراء جدد عرب أو في العالم أو الذي كتبه شعراء مثل ريتسوس وغينسبرغ وجيل «البيت» جنريشين وقد أعادوا النظر في القصيدة السياسية وفي الواقعية؟

- ريتسوس يجب أن نميزه عن الآخرين.


> لكنه كتب قصائد سياسية عبر لغة مختلفة.

- حاول ريتسوس أن يكتب اليومي، لكنّ هذا اليومي الذي يبدو لنا عادياً يخبّئ بعداً اسطورياً ما. ولعل القصيدة التي تسمى يومية لدى ريتسوس ليست قصيدة يومية، ففي هذا «اليومي» بُعد أسطوري وميتافيزيقي. أما في شأن ألن غينسبرغ وبعض الشعراء الأميركيين فهم يكتبون شعراً سياسياً في المعنى المباشر للكلمة. لكن الشعر الغربي والأميركي مشبع بالجماليات، وقد انتهى البحث في هذا الموضوع، الموضوع الجمالي. وحاول الشعراء أن يعودوا الى ما هو مختلف، محاولين أن يجعلوا الشعر يمارس دوراً سياسياً واجتماعياً، على خلافنا نحن. فنحن خارجون من تراث شعري سياسي مباشر في محاولة لتطوير هذا الشعر ورفعه الى مستوى جمالي أفضل. والطريقان متعاكسان ومختلفان. ربما عندما تبلغ الجمالية العربية مستوى أرقى بكثير، قد نحنّ الى أن نهجو الواقع، في المعنى السياسي، في معنى الاحتجاج والرفض. وشعر الاحتجاج أصلاً لم ينته في العالم، ولكن هل يحتج الشعر بكونه شعراً أم بكونه كلاماً أو موقفاً؟


> ماذا بات يعني لك وصفك بشاعر القضية أو شاعر المقاومة وفلسطين؟

- المسألة لا تتعلّق بي ولا أستطيع أن احتج إلا على محاولة محاصرتي في نمطية معينة. هذه التسميات بعضها بريء، وينطلق من حب القضية الفلسطينية وحب الشعب الفلسطيني، وبعضها نوع من اضفاء الاحترام والتشريف على القول الشعري المتعلق بالقضية. لكن الرأي النقدي هو أخبث من ذلك. الرأي النقدي يحاول أن يجرّد الشاعر الفلسطيني من شعريته ليبقيه معبّراً عما يسمى مدونات القضية الفلسطينية. هناك طبعاً اختلاف جوهري كبير بين النظرتين: نظرة بريئة ونظرة خبيثة. طبعاً أنا فلسطيني وشاعر فلسطيني، ولكن لا أستطيع أن أقبل بأن أعرّف بأنني شاعر القضية الفلسطينية فقط، وبأن يدرج شعري في سياق الكلام عن القضية فقط وكأنني مؤرّخ بالشعر لهذه القضية.


> ولكن شئت أم أبيت أنت الشاعر - الرمز!

- كل شاعر يتمنى أن يكون صوته الخاص معبّراً عن صوت عام أو جماعي. قلائل هم الشعراء الذين يلتقي داخلهم بخارجهم في طريقة تخلق التباساً بين رمزية الشاعر وشعريته. لكنني لم أسع شخصياً الى ذلك. ربما هو الحظ الذي وفّر لي هذه المكانة. اما ان أسعى الى أن أكون رمزاً وأحرص على أن أكون رمزاً، فأنا لا أريد ذلك، أريد أن ينظر إليّ من دون أن أُحمّل أعباء رمزية مبالغاً فيها، ولكن يشرّفني أن ينظر الى صوتي الشخصي وكأنه أكثر من صوت، أو أن «أناي» الشعري لا تمثل ذاتي فقط وإنما الذات الجماعية أيضاً. كل شاعر يتمنى أن يصل شعره الى مدى أوسع. وأنا لا أصدّق الشعراء الذين يحددون القيمة الشعرية من خلال عزلتهم عن القراء. أنا لا أقيس أهمية الشعر بمدى انتشاره ولا بمدى انعزاله.

ولكن أن تتحقق المسألتان أي الانتشار مع الجودة الشعرية، فهذا ما يتمناه أي شاعر، وإلا لماذا يقرأ الشعراء شعرهم في الأمسيات؟ لماذا يطبعون دواوينهم إذا كان القارئ لا يهمهم؟


> تجاوزت الستين لكنك تزداد نضارة شعرية.

- سرّي بسيط جداً.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:19
لا أشعر بأنه بسيط.

- بسيط في كلامي العام عنه وليس في المعنى الشعري. أولاً أنا لا أصدق شعري. وأشعر بأنني في حاجة الى لغة شعرية تعبيرية تحقق الشعرية في القصيدة في شكل يجعلها أكثر شعرية إذا أمكن. أي انني أحاول أن أخفف من ضغط اللحظة التاريخية على جمالية الشعر، من دون أن أتخلّى عن الشرط التاريخي. السر الثاني انني لا أصدق التصفيق. فأنا أعرف انه عابر أو آني، وقابل للتغيير والتعديل وللاعتذار أيضاً وللتمرّد على الشعر. انني مسكون بهاجس هو عدو كتابتي حتى الآن ما أريد أن أكتبه. تسألني: ما الذي تودّ أن تكتبه؟ فأقول لك: لا أعرف. إن رحلتي هي الى المجهول الشعري بحثاً عن قصيدة ذات قدرة على أن تخترق زمنها التاريخي وتحقق شرط حياتها في زمن آخر. هذا ما أسعى إليه، ولكن كيف أعرّف بهذه المسألة؟ هنا أيضاً لا جواب نظرياً ولا فكرياً. الجواب هو جواب ابداعي. كل الاسئلة حول الشعر لا تقنعنا إلا اذا تحققت شعرياً أو في الكتابة الشعرية. فأنا دائم القلق وهذا سرّي، ومتمرّد على نفسي. وأقول لك إنني لا أقرأ شعري بيني وبين نفسي، لا أقرأه البتة، فلا أعرف ما كتبت. لكن كل ديوان لي أعيد قراءته قبل طباعته عشرات المرات وأنقحه عشرات المرات، الى أن أشعر بأنه أصبح قابلاً للنشر. وعندما يصدر الديوان أتحرر منه كلياً ويصبح ملك غيري، ملك النقد وملك القارئ. وهنا يكون السؤال الصعب: ماذا بعد؟ الآن أشعر بأنني خالي الوفاض كما يقال، ومسكون بقلق ربما يكون وجودياً. هل أستطيع أن أكتب من جديد، أم لا؟ دائماً عندما أصدر كتاباً أشعر بأنه الكتاب الأخير.


> لكنني أشعر أن كل كتاب لديك يحمل معه بداية ما...

- إذا كان رأيك هذا مصيباً فهو يفرحني.


> أنت شاعر مراحل، وإذا عدنا الى أعمالك الكاملة نشعر بأن هناك محطات وأن كل محطة بداية...

- أجل هناك مراحل ومحطات.


> وأعتقد ان ثمة خيطاً داخلياً يربط بينها.

- أجل، انها مراحل متصلة، ومن خلال مراقبتي لعملي الشعري ألاحظ أن في كل كتاب جديد تستطيع أن تجد بذرة كانت في كتاب سابق أو كتب سابقة. لكن البذرة هذه تجد إمكان تفتح، ورعايتها في طريقة جديدة تحوّلها نصاً جديداً. الشاعر يتوالد من تلقاء نفسه، من تلقاء تجربته ومن علاقته بالعالم وعلاقته بالوجود وبثقافته ومن وعيه الشعري، وكذلك لا وعيه الإبداعي. أما كيف يولد الشعر؟ أو ما هو الشعر؟ مثل هذه الأسئلة أشبه بالأسرار. فالشعر سر، والسر هو ما يجعل الشعر مستمراً. ليس هناك من اكتشاف شعري نهائي وكل كتابة هي محاولة إجراء تعديل على مفهوم عام للشعر. ولكن كل كتابة جديدة تملك اضافات ما، هي عبارة عن إعادة التعريف بالشعر.


> صفتك شاعراً مكرّساً وصاحب سلطة شعرية، هل أثرت عليك؟ ماذا تعني لك هذه الصفة؟

- إذا كنت شاعراً مكرّساً، فأنا مكرّس في الحياة الثقافية أو لدى القارئ. ولكن في العلاقة بيني وبين نفسي لست مكرّساً. أنا لم أكرّس نفسي حتى الآن. وقد يبدو هذا الكلام ادعاء للتواضع، ولكن هذه حقيقة ما أشعر به. أنا لم أكرّس نفسي في معنى إنني لم أطمئن الى تجربتي الشعرية، لم أطمئن اليها أبداً، وما زلت أعتقد بأنها في حاجة الى تجربة وتجريب جديدين، والى تطوير دائم والى التمرد على ما نسميه الانجاز الراهن. أنا لست راضياً عن نفسي أو لست أشارك الآخرين في المكانة التي احتلها في الذائقة العامة أو الوعي العام.


> هل تخشى أن تتوقف ذات يوم عن الكتابة؟

- نعم.


> هل أحسست هذه الخشية فعلاً؟

- هذه خشية دائمة خصوصاً عندما أنهي عملاً جديداً. إنني دائم الخوف من هذه القضية. إنها بمثابة هاجس. وأعزّي نفسي بأنني عندما أشعر، أو عندما اعترف بجفاف الماء في تجربتي الشعرية أو في لغتي، أجد المناسبة حسنة لأكتب النثر. فأنا أحب النثر كثيراً.


> لكنك لم تكتب قصيدة نثر مع انك كتبت الكثير من النثر؟

- كتبت الكثير من النثر لكنني ظلمت نثري لأنني لم أمنحه صفة المشروع. أكتب نثراً على هامش الشعر أو أكتب فائضاً كتابياً أسميه نثراً. ولكن لم أُولِ النثر الأهمية التي يستحقها،. علماً انني من الشديدي الانحياز الى الكتابة النثرية. والنثر لا يقل أهمية عن الشعر. بل على العكس، قد يكون في النثر مساحة من الحرية أكثر من النثر. فإذا جفّ نصّي الشعري فقد ألجأ الى النثر وأمنحه وقتاً أكثر وأولية جدية أكثر. عندما كنت أكتب نثراً كنت أشعر أن النثر يسرق مني الشعر. فالنثر جذاب وسريع الانتشار، ويتحمّل أجناساً أدبية أكثر من الشعر. ويستطيع أن يهضم الشعر ويعطيه مساحة وحركة أكبر. وكنت عندما أكتب النثر انتبه الى انني نسيت القصيدة وأن عليّ أن أعود اليها. هكذا أكون بين النثر والشعر، لكنني معروف بأنني شاعر ولا أسمّى ناثراً.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:20
> لكنك لم تكتب قصيدة النثر، لماذا؟

- ما دمت أكتب نثراً فأنا أكتب النثر، من دون أن أسميه قصيدة. لماذا ننظر الى النثر نظرة دونية ونقول انه أقل من الشعر؟ صحيح أن النثر يطمح الى الشعر والشعر يطمح الى النثر... يعجبني قول للشاعر باسترناك: "أجمل ما في القصيدة ذلك السطر الذي يبدو نثرياً". انني لا أريد أن أفرّق كثيراً بين الشعر والنثر، ولكن انطلاقاً من التجنيس الأدبي ما زلت أعطي للنثر اسمه وللشعر اسمه. لكن السؤال هو: كيف تتحقق الشعرية في قوام قصيدة؟ وأعتقد أن علينا أن نوقف النقاش حول الفارق أو الاختلاف أو الائتلاف أو الابتعاد أو الاقتراب بين قصيدة النثر والقصيدة. هذا السجال تجاوزه العالم. أما إذا سألتني عن رغبتي في كتابة قصيدة نثر فأرجو أن أكتب نصاً نثرياً من دون أن أسميه قصيدة نثر.


> ولكن من الملاحظ في شعرك ولا سيما في المرحلة الأخيرة أن ثمة حواراً بين النثر والشعر، وقد عرفت تماماً كيف تستفيد من قصيدة النثر، لا سيما أنك شاعر تفعيلة، وقد استشهدت بجملة بديعة لأبي حيان التوحيدي في ديوانك الأخير "كزهر اللوز أو أبعد"! وما يميز القصيدة لديك هو هذا الفضاء الرحب، الفضاء النثري والموسيقى الداخلية القائمة على تناغم الحروف!

- أولاً، أود أن أقول ان ليس لدي أي تحفظ على قصيدة النثر. والتهمة التي لاحقتني في انني ضد قصيدة النثر زمناً هي باطلة.

قلت وأقول دائماً ان من الانجازات الشعرية المهمة في العالم العربي بروز قصيدة النثر، أي تأسيس طريقة كتابة مغايرة للشعر التقليدي والحداثة التقليدية. قصيدة النثر تريد أن تميز نفسها وتريد أن تطور أو أن تضيف نصاً مختلفاً عن القصيدة الكلاسيكية وعن القصيدة الحديثة التي صنعها جيل الرواد. هذا أولاً. ثانياً، أنا من المعجبين جداً بشعراء كثيرين يكتبون قصيدة النثر. وأقول دائماً إن هناك أزمة في ما يسمى قصيدة التفعيلة، وأنا أكره هذه التسمية، ولكن لا بديل لها. والأزمة أصلاً تكمن في الكتابتين.


> الشعر العمودي أيضاً شهد أزمة.

- لا بل انها الأزمة التي تشهدها الثقافة العربية في كل أبعادها. ولكن إذا أجرينا احصاء، اذا أردنا ان نختار عشر مجموعات شعرية صدرت في هذا العام أو عشرين، سنرى ان الكمية الكبرى أفضل هي لقصيدة النثر التي تحمل النوعية الفضلى. ولكن هذا يعني أن دور قصيدة التفعيلة انتهى أو انتهت قدرتها على استيعاب ايقاع الزمن الحديث! أو انها لم تعد قادرة على تطوير اللغة في طريقتها الخاصة! أنا من آخر المدافعين عن قدرة قصيدة التفعيلة على أن تستفيد من اقتراحات أو من تصورات قصيدة النثر ومشروعها، وأن تكتب الرؤيا الجديدة لقصيدة النثر كتابة موزونة. أنا من الشعراء الذين لا يفتخرون إلا بمدى إخلاصهم لإيقاع الشعر. انني أحب الموسيقى في الشعر. انني مشبع بجماليات الايقاع في الشعر العربي. ولا أستطيع أن أعبّر عن نفسي شعرياً إلا في الكتابة الشعرية الموزونة، ولكنها ليست موزونة في المعنى التقليدي. لا. ففي داخل الوزن نستطيع ان نشتق ايقاعات جديدة وطريقة تنفس شعرية جديدة تخرج الشعر من الرتابة ومن القرقعة الخارجية. لذلك فإن أحد أسباب خلافي مع بعض الأصدقاء من شعراء قصيدة النثر هو مصدر الايقاع الشعري، الموسيقى الداخلية. فهم يرون أن الموسيقى الداخلية لا تتأتى إلا من النثر، أما انا فأرى ان الموسيقى الداخلية تأتي من النثر ومن الايقاع أيضاً. وعلى العكس، فإن وضوح الايقاع الآتي من الوزن يطغى على الايقاع المنبثق من النثر. وأصلاً كل كتابة فيها ايقاع. في النثر إيقاع وفي الشعر إيقاع وفي الكلام اليومي والعادي ايقاع. إذاً الايقاع موجود. لكن الأمر هو: كيف نضبط هذا الايقاع وكيف نجعله مسموعاً أو حتى بصرياً. أعتقد أن ما زال في قدرة الوزن الشعري، إذا نظر اليه الشاعر في طريقة مختلفة وإذا عرف كيف يمزج بين السردية والغنائية والملحمية وكيف يستفيد حتى من النثرية العادية، ما زال في قدرته أن يحل بعض الصعوبات في البحث عن ايقاع شعري جديد. هذا هو عملي الشعري، أي ان أكتب الوزن كأنه يسرد وأكتب النثر كأنه يغني. هذه هي المعادلة، بل هذا هو الحوار بين الشعر والنثر.

> الموسيقى داخل القصيدة أقوى من الوزن الخارجي... ألا توافقني أن قصيدة التفعيلة تعاني أزمة؟

- هناك مشكلة فعلاً. لكن المشكلة هذه تتعلق بالشعر نفسه وبالموهبة الشعرية والخبرة الشعرية. قصيدة التفعيلة تستمد شرعيتها الايقاعية من كونها كسراً للنظام التقليدي، ولكن عندما تقع في نظام تقليدي آخر تفقد شرعيتها. لذلك تستطيع هذه القصيدة أن تطور ايقاعاتها وبنيتها. مثلاً: أنا ليس لديّ سطر شعري، القصيدة لديّ تتحرك كلها مثل كتلة دائرية، إنها تتدوّر. القافية عندي أخفيها في أول الجملة أو في وسطها. إذاً هناك طريقة إصغاء الى اللغة، يجب أن تحرر الشاعر من الرتابة، وعلى الشاعر أن يعرف كيف يتمرّد على الرتابة الموسيقية. وأحياناً يكون هناك ايقاع عالٍ لا يُجمّل إلا برتابة ما. هناك تبادل إذاً، بين البعد الايقاعي والنثر.


> لماذا قلت انك اذا واجهت أزمة شعرية ستخرج الى النثر. لماذا لم تقل انك ستخرج الى قصيدة النثر؟ لماذا ترفض مصطلح قصيدة النثر؟

- لأنني عندها سأكتب شعراً. وقصيدة النثر هي شعر. صحيح أن هناك تزاوجاً أو لقاحاً بين النثر والشعر، وأن هناك جنساً أدبياً اسمه نثر وجنساً آخر اسمه شعر. وفي هذا الجنس هناك القصيدة الموزونة وهناك أيضاً قصيدة النثر. والنثر كجنس أمر آخر. إذا خرجت من الشعر سأخرج من الشعر كله. ربما جوابي هذا خطأ. لا أستطيع أن أعرف ما هو مستقبلي الشعري. لماذا أتجادل معك حول هذه النقطة؟ وأعترف ان ما أعمل عليه الآن هو نص نثري. بين يديّ الآن – فعلاً – نص نثري. وهذا ما اعترف به للمرة الأولى. اما أن أضع على مستقبلي قيداً يمنعني من كتابة قصيدة النثر فهذا جواب خاطئ أرجو أن تصححه. لكن النقاش الدائر حول أن مستقبل الشعر والحداثة الشعرية العربية لا يعرّفان إلا في قصيدة النثر فهذا كما أعتقد إجحاف حقاً. هذا استبداد فكري، وكذلك أن الموسيقى الداخلية لا تأتي إلا من النثر... أعتقد أن علينا أن نرفع الحدود بين كل هذه الخيارات الشعرية، لأن المشهد الشعري العربي الحقيقي لا يمكن النظر اليه إلا من زاوية المصالحة بين كل الخيارات الشعرية. ليس من حل نهائي لمسألة الشعر. الشعر غامض ولا محدود، وتبلغ لا محدوديته حداً اننا لا نعرف إزاءه أي كتابة هي الأصح. الكتابة الصحيحة في رأيي هي أن نجرّب وأن نسعى الى أن نخطئ. لأننا من دون أن نرتكب أخطاء لا نستطيع أن نتطور. لذلك أفضل دائماً التجريب غير المضمون النتائج على تقليد مضمون النتائج. وفي رأيي أيضاً أن لا شعر من دون مغامرة.

> لماذا يصرّ الكثيرون على الكلام على ثنائية القصيدة التفعيلية وقصيدة النثر، علماً أن هذا السجال انتهى في الغرب منذ القرن التاسع عشر؟

- صحيح، هذا السجال انتهى في الغرب. الطرف التقليدي هو الذي حارب مشروع الشعر الحر أو الشعر التفعيلي. كان شعر التفعيلة يحتاج الى شرعية والى دفاع فكري وإبداعي عن خياره. جيل قصيدة النثر خاض معركة أظن انها من أشرس المعارك لتثبيت شرعيته. وكانت ثمة عدوانية ما لدى بعض المنظرين لقصيدة النثر. ولكن علينا أن نفهم الدوافع وفي مقدمها البحث عن شرعية هذه القصيدة. اليوم أصبحت شرعيتها قائمة، وعلى شعراء هذه القصيدة أو منظريها ان يعترفوا بالشرعيات الأخرى. علينا أن ننهي لغة الخصومة بين الخيارات الشعرية والاقتراحات الشعرية. حتى الشاعر الواحد يمكنه ان يكتب قصيدة تفعيلة وقصيدة نثر. الشاعر الاسباني لوركا كتب قصيدة نثر وكذلك بودلير ورامبو. لم تعد قصيدة النثر موضوعاً مطروحاً على جدول الشعر أو الأدب. أصبحت قضية مسلّماً بها، ولم يعد القارئ ينظر الآن الى الاختلاف بين الشعريات. وأود أن أقول ان كثيرين من الشعراء والقراء يقرأون كتبي الأخيرة باعتبارها تضم قصائد نثر.


> هذا أمر جميل!

- ويفرحني أيضاً، فهم يحسّون ان أطروحات قصيدة النثر تمّ استيعابها في شعري.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:20
تصر على ما تسميه المعنى في الشعر وهو يختلف عن الجدلية؟ هل اللحظة الشعرية لديك هي لحظة فكرية أم حدسية؟

- أولاً أود أن أقول ان مفهوم المعنى لا متناه. الكلمات بحد ذاتها لا تحمل معنى. علاقة الكلمات بعضها ببعض هي التي تمنح المعنى الشعري. وبما أن هذه العلاقات غير متناهية، فإن المعنى بالتالي غير متناهٍ. أما في شأن المعرفة الشعرية، فإنني أعتقد ان هناك ثلاثة أنواع من هذه المعرفة. هناك المعرفة الحدسية والمعرفة الرؤيوية والمعرفة التحليلية. الشعر ميال الى المعرفة الحدسية والمعرفة الرؤيوية، وقد يستفيد من المعرفة التحليلية، لكن أساس العملية الشعرية أو المنطقة التي يعمل الشعر فيها هي المعرفة الحدسية والرؤيوية. لكن هاتين المعرفتين لا تتحرران كلياً من المعرفة التحليلية. القصيدة تبدأ وفق طرق مختلفة ترتبط بالشعراء أنفسهم. تبدأ القصيدة عندي من الحدس، الحدس يأخذ شكل الصورة أي يصير الغامض والحلمي مجموعة صور. لكن هذا حتى الآن لا يفتتح مجرى القصيدة، يجب ان تتحول الصور الى ايقاعات. وعندما تحمل الصور ايقاعاتها أحس ان القصيدة بدأت تحفر مجرى لها داخل أجناس أدبية غير محددة. هنا تكمن صعوبة الكتابة الشعرية. القصيدة تحفر مجراها في كتابات لا تنتهي. وصعوبة تحقق القصيدة هي كيف تكشف عن نفسها وتنجز هويتها الشعرية داخل كل هذه الأجناس والنصوص. إذاً، الايقاع هو الذي يقودني الى الكتابة. وإذا لم يكن هناك من ايقاع، ومهما كانت عندي أفكار أو حدوس وصور، فهي ما لم تتحول ذبذبات موسيقية لا أستطيع أن أكتب. إنني أبدأ من اللحظة الموسيقية إذاً. ولكن في كل كتابة هناك فكر ما. فالشاعر ليس آتياً من اللغة فقط، بل من التاريخ والمعرفة والواقع. والذات الكاتبة لدى الشاعر ليست ذاتاً واحدة، انها مجموعة ذوات. إذاً هناك فكر ما يقود عمل القصيدة. أحياناً تتمرد الكتابة على الفكرة التي تقودها وتصبح الكتابة هي التي تقود الفكرة. وهنا يجوز لنا أن نقول ان الغد يأتي الى الماضي، وليس العكس. كل تخطيط لقصيدة هو عمل فكري واعٍ، وإذا ظهرت ملامحه تتحول القصيدة مجموعة مقولات وتتحول أيضاً فلسفة وتصبح العلاقة بين الفلسفة والشعر علاقة إطراد متبادل. على الفكر والفلسفة والمعارف كلها أن تعبّر عن نفسها في الشعر عبر الحواس، عليها ان تنصهر في الحواس وإلا تحولت مقولات كما أشرت.


> ولكن من الملاحظ ان معظم قصائدك، ولا سيما القصائد ذات النفس الملحمي، تحمل بنية قائمة على الايقاع وعلى اللوازم الايقاعية والغنائية. كيف تتم مرحلة بناء القصيدة لديك؟

- تكلّمنا قبل قليل عن اللحظة التي تدفع الشاعر الى كتابة القصيدة. إن مفتاحي كما قلت هو الايقاع. هذا بالنسبة الى الحافز الشعري. ولكن لدي إصرار على أن أبني القصيدة بناء هندسياً، وهذا ينطبق على القصائد الطويلة والقصيرة في آن واحد. وأعتقد ان قصيدة بلا بنية قد تهددها النزعة الهلامية. أحب أن يكون للقصيدة قوام. وهذا ليس قانوناً أحذوه بل هو خياري الشعري. لماذا أتحدث عن القوام؟ لأعرف العلاقة بين السطوح والأعماق، العلاقة بين الايقاع والصورة والمجاز والاستعارة. يجب أن تكون هناك علاقات دقيقة جداً بين كمية الملح وكمية الورد والدم والطين... يجب أن يكون هناك تصور لهندسة معمارية تقوم القصيدة على أساسها. قد تقود القصيدة الى مبنى آخر، حينذاك على المهندس أن يغيّر خرائطه. ولكن في المحصّلة لا أنشر قصيدة إلا إذا كان لها شكل أو بنية أو ما سمّيته قواماً.


> يقول الشاعر الفرنسي بول فاليري ان الالهام يأتي الشاعر بأول بيت ثم عليه أن يواصل كتابة القصيدة. أنت تكتب القصيدة في مراحل عدة ثم تصوغها مرة تلو مرة، كيف تولد القصيدة لديك وكيف تنتهي؟

- تولد عبر الايقاع. أكتب سطراً أولاً ثم تتدفق القصيدة. هكذا أكتبها ولكن عندما أجري عليها تعديلات أو تجري هي تعديلات على نفسها، تصبح قصيدة أخرى. كثيرون من أصدقائي النقاد يحاولون الحصول على مسوّداتي الشعرية. وأقول لهم انني أتلفها فوراً لأن هناك فضائح وأسراراً، فما من علاقة بتاتاً بين النص الأول والنص الأخير في أحيان. ولعل تغيير سطر شعري قد يغير كل بناء القصيدة فيخضع بناؤها لمحاولة ترميم وبناء جديدين. إنني معجب جداً ببول فاليري ناقداً وقارئاً وكاتباً ذا إرهاف عالٍ وذكاء ولا أستطيع أن أقول انني معجب به كشاعر. تماماً كما انني معجب بأوكتافيو باث كناقد ومنظر للشعر أكثر مما أنا معجب به كشاعر.


> وماذا عن الإلهام إذاً؟

- أعتقد ان هناك إلهاماً ما! ولكن ما هو هذا الإلهام؟ مرة حاولت أن أعرّف به فقلت انه عثور اللاوعي على كلامه. ولكن هذا تعريف غير دقيق وغير ملموس. الإلهام هو أحياناً توافق عناصر خارجية مع عناصر داخلية، انفتاح الذهن على الصفاء وعلى طريقة يحوّل بها المرئي الى لا مرئي واللامرئي الى مرئي من خلال عملية كيميائية لا يمكن تحديد عناصرها. أعتقد ان هناك سراً ما للحافز الشعري. لماذا ينهض الشاعر ويكتب؟ لماذا يأتي بالورق الأبيض ويعذب نفسه ولا يعرف الى أين هو ذاهب؟ خطورة العمل الشعري تكمن في أن لا ضمانات أكيدة للنجاح. الكتابة مغامرة دائمة وخطرة ولا تأمين لها، بل ليس هناك «شركة» تأمين توافق على المغامرة الشعرية بتاتاً و«حوادث المرور» في الشعر كثيرة جداً (يضحك). أحياناً تشعر بأن لديك رغبة طافحة في الكتابة. تجلس الى الطاولة فلا تكتب شيئاً. أحياناً تذهب متكاسلاً الى الطاولة فتفاجأ بأن الإلهام موجود فيك فتنكب على الكتابة. بعض الكتاب كانوا يترددون حيال الإلهام، إن كان موجوداً أم لا. ولكن إذا كان هناك إلهام فعلينا أن نعرف كيف ننتظره فهو لا يأتي وحده. علينا أن نتعاون معه مثلما نتعاون مع الغامض والمجهول ليتضح شيء ما.

> وماذا عن البيت الأول الذي يتحدث عنه فاليري!

- البيت الأول، من خلال تجربتي يكون أقل أهمية من السطور الأخرى. الشعر يبدأ من اللاشعر. والطريق الى القصيدة تكون متعثرة في البداية. وشخصياً ليس لدي بيت أول مهم لأن لا أبيات شعرية لدي أصلاً. القصيدة تتوالد وتتصاعد تدريجاً. وأحياناً قد يكون الإلهام الشعري سيئاً لكنه يعطيك نتيجة حسنة. ليس من مشكلة. وأسأل من جديد ما معنى الإلهام: الإلهام يقول لك: اجلس واعمل، اشتغل ويذهب. انه يحضّرك شعرياً، يغسلك داخلياً أو يوترك داخلياً أو يقيم توازناً بين الحرارة والبرودة، والبقية عليك، كشاعر، فأنت تعتمد على نفسك وعلى خبرتك وعلى طريقة العثور على نصك الخاص بك الذي يحمل ذاكرة كتاباتك كلها. فالورقة البيضاء أمامك هي مملوءة بالكتابات السابقة، كتاباتك. وأتذكر قولاً لإليوت مفاده أن النضج الأدبي هو أن نتذكر أسلافنا وأن نشعر بأن وراء هذا النص الشعري أسلافاً.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:21
حتى في القصائد التي تنطلق من موضوع معين أو واقعة معينة؟ مثلاً قصيدتك في ذكرى السياب أو قصيدتك عن محمد الدرّة أو عن ادوارد سعيد! كان هناك موضوع هو حافزك على الكتابة؟ هل هي الطريقة نفسها في الكتابة؟ أي ان الموضوع سابق للقصيدة؟

- هناك شعر يخلق موضوعه. ولكن عندما تكتب تذهب وفي ذهنك شيء غير محدد تماماً ولكنه مسمّى. هناك اسم لما تريد ان تكتبه، فأنت ستكتب شعراً في النهاية. وما تكتبه من مواقف وأفكار لا يعرّف بموضوعك بل بطريقة تعبيرك عن هذا الموضوع. هناك قصائد لا موضوع لها، أو ان موضوعها قائم في ذاتها وهي حافلة بالتوتر اللغوي، باللعب اللغوي أو بتمرّد اللغة عليك، أو محاولة سيطرتك على اللغة. المشكلة أن الشاعر يظن انه يقود اللغة. ليس هذا صحيحاً. اللغة أشدّ سيطرة على الشاعر لأن لها ذاكرتها ومنظومتها ونسقها وتاريخها وتراثها. ما يقدر أن يفعله الشاعر هو أن يعيد الحياة الى لغة أصبحت مألوفة وعادية. وكما يقول هيدغر الشاعر هو وسيلة اللغة وليست اللغة هي وسيلة الشاعر.


> هل تعاني من مأزق الورقة البيضاء، هذا المأزق الذي يتحدث عنه كثيرون من الشعراء؟

- عندما تكتب تذهب الى مصيرك وحدك، من دون معاونة أحد. وإذا وجدت من يعاونك فهو يلغيك من شدة حضوره. في كل شاعر آلاف من الشعراء. ليس هناك من شاعر يبدأ من الفراغ أو البياض، قد ينتهي الشاعر في البياض. فالبياض لون غير موجود في الكتابة. في كل شاعر تاريخ الشعر منذ الرعويات الشفهية الى الشعر المكتوب، من الشعر الكلاسيكي الى الشعر الحديث. ثم ان الشاعر يخاف من قراءاته، أن يقفز منها شيء الى نصه في طريقة لا واعية، شيء ملتبس يكون في ذهنه. وأعتقد ان ليس من نص خاص لشاعر معين. الشاعر يحمل خصائص أو ملامح جميع الشعراء الذين قرأهم ولكن من دون أن يخفي ملامحه، أي مثل الحفيد الذي يحمل ملامح جدّه من دون أن تختفي ملامحه الخاصة. السؤال الصعب المطروح على كل شاعر هو: في أي جهة من الورقة البيضاء تستطيع أن تضيف جديداً؟ هذه هي الصعوبة. ولذلك الشعر الحقيقي قليل ونادر.


> عندما أقرأ قصائدك لا أشعر بأن لديك أزمة في الكتابة أو في التعبير! فمعجمك الشعري واسع جداً مما يدل على انك تتخطى أزمة «الورقة البيضاء». شعرك سيّال ومتدفق! من أين يأتي هذا الاتساع الشعري أو الرحابة وهذا السطوع؟ هل من المراس الشعري أم من التجربة الداخلية؟

- أولاً أشكرك على هذا الرأي وهو رأي نقدي أعتز به كثيراً. لماذا؟ لأن أزمتي لا تظهر في قصيدتي، بل في ما قبل القصيدة. أزمتي هي مع ماضي القصيدة. في القصيدة يجب ألا تظهر معاناتك كشاعر، ولا عذابك الذي يسبقها. القارئ يرى المولود ولا يعرف ما هو المخاض. يرى الشيء في هيئته الناضجة. أما ما وراء ذلك فلا. ولو كان الشعر في هذه السهولة لما كان الورق الأبيض يتسع للقصائد. لا. على الشاعر أن يخفي معاناته وأن يبدو وكأن قصيدته كتبت نفسها. يجب ألا يظهر الجهد. أتذكّر ما يقول الشاعر الألماني ريلكه في هذا الصدد: إذا أردت أن تكتب سطراً شعرياً واحداً يجب أن تكون قد زرت مدناً كثيرة ورأيت أشياء كثيرة وقطفت زهوراً كثيرة. فالقصيدة هي خلاصة كل هذه المعاناة والتجربة.


> ولكن من أن تأتي رحابة معجمك الشعري؟ ثمة شعراء كبار في العالم معجمهم ضيق؟

- كان خوفي أن يكون معجمي الشعري أخطر من ذلك. كنت أخاف فعلاً. فأنا ألاحظ مثلاً أن بعض الشعراء العرب المهمين لديهم معجم شعري فقير. ولا أريد أن أسمي أحداً هنا.


> أنا أسمي سعيد عقل مثلاً، هو الشاعر الكبير معجمه محدود.

- لن أسمي أحداً. ربما عوالمي المتناقضة التي أشعر بها من حولي، لكل منها معجم مختلف عن الآخر. يعني انني أضع السماوي الى جانب الأرضي، الميتافيزيقي الى جانب المادي...


> والأروسي مع الصوفي...!

- أحب هذه العلاقات القائمة بين المتناقضات وهي تحتاج الى لغة تحمل هذا التوتر. ولا أخفيك انني أقرأ كثيراً. وربما للمرة الأولى أفصح عن أمر في حياتي: لديّ رياضة يومية، أفتح «لسان العرب» كل صباح في طريقة عشوائية وأقرأ عن كلمة ما وعن تاريخها وأصلها وعن الاشتقاقات التي خرجت منها. واكتشف دائماً انني لا أكتب العربية جيداً.


> وربما هنا قوتك.

- الاعتراف بالجهل يعلّم. أحسن معلّم أو أحسن حافز على التعلّم هو أن تعرف انك جاهل.


> شعرك لا يعبّر عن كونك شاعر فصاحة وبلاغة وشاعر معاجم...!

- أحاول أن أبسّط لغتي وأطرد منها المفردات الميتة، ولكن لديّ تمارين دائمة على فهم اللغة في طريقة أفضل.


> هل تقرأ الروايات مثلاً؟

- طبعاً.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:22
هل تقرأ الشعر، أنت الذي تدعو الشاعر الى عدم الإكثار من قراءة الشعر؟

- أعتقد أنها نصيحة جيدة في عمر معيّن. لأن الشعر مثل أي شيء جميل يصيب بما يشبه الاشباع أو التخمة. لا أحد يقدر على أن يأكل كيلو عسل. يقع في الاشمئزاز. الشعر مكثف كثيراً حتى إن الذائقة المتلقية لا تستطيع أن تستوعبه. وبالتالي فإن القليل منه هو الذي يجعله يأخذ مكانه أو وظيفته الحقيقية. ولكن في البداية، على الشاعر أن يقرأ الكثير من الشعر كي يسلس له الإيقاع وتسلس له اللغة ويربّي السليقة لديه فالسليقة إذا صقلت تساعد الشاعر على التخلص من النكد الشعري. فالشعر، مهما كان يحمل من أفكار وأبعاد فلسفية، يجب أن يبدو كأنه عفوي، وهذا يعود الى فعل السليقة المهذبة. إنني أقرأ كتب التاريخ كثيراً، أقرأ الكتب الفكرية والفلسفية وبعض الكتب التي لا علاقة لها بالشعر مثل «تاريخ القراصنة» أو «تاريخ الملح». أحب أن أنوّع قراءاتي خصوصاً في حقل الجغرافيا والبحار والبلدان.


> هل تشاهد السينما والمسرح؟

- نعم، طبعاً.


> هل هما من مصادرك الشعرية؟

- السينما من مصادري البصرية نعم. لكنها مصدر غير واضح كثيراً. لكنني أعترف إنني عاشق كبير للرواية.


> هل فكرت يوماً في أن تكتب رواية مثل الكثير من الشعراء الذين كتبوا الرواية على هامش شعرهم؟

- مع حبي غير المحدود للرواية لم أفكر يوماً في كتابتها. لكنني أغبط الروائيين لأن عالمهم أوسع. والرواية تستطيع أن تستوعب كل أشكال المعرفة والثقافة والمشاكل والهموم والتجارب الحياتية. وتستطيع أن تمتصّ الشعر وسائر الأجناس الأدبية وتستفيد منها الى أقصى الحدود. والجميل في الرواية انها غير عرضة للأزمات، ذلك ان في كل كائن بشري رواية. وهذا ما يكفي لملايين السنين، وليس على الروائي إلا أن يستوحي التجارب. لم أفكر في كتابة الرواية لأنني لا أستطيع أن أضمن النتائج. والرواية تحتاج الى جهد وصبر هما غير متوافرين فيّ. هناك شعراء كثيرون أتقنوا الشعر والرواية. وبعضهم سطت روايتهم على شعرهم وبعضهم سطا شعرهم على روايتهم فغدت رواية متشعرنة، فيما يجب أن تتوافر في الرواية لغة السرد ومنطق الشخصيات وسواهما. إنني أحب الرواية – الحكاية. رواية اللارواية لا أحبها كثيراً وأعدّها عبارة عن ثرثرة لغوية. قد تكون جميلة لكنها ليست من النوع الروائي الذي أحبه. قرأت أخيراً رواية أدهشتني هي «عمارة يعقوبيان» للكاتب المصري علاء الاسواني، وما أدهشني في هذه الرواية انها لا تحتاج الى كتابة ولا الى لغة أدبية، وقوة التجربة الانسانية فيها أغنتها عن اللغة.


> ما رأيك بمقولة ان المستقبل هو للرواية وليس للشعر؟ وأن الزمن الآن هو زمن الرواية؟

- أود أن أذكرك انه كان ذات مرة زمن للقصة القصيرة. والقصة هذه لها مواسم. أحياناً تزدهر وأحياناً تنطفئ وتغيب. الرواية هي كتابة جديدة في معنى ما، فالشعر سبقها بآلاف السنين. وقد تغري بالقول ان الزمن الآن هو زمنها وانها أصبحت «ديوان العرب» كما يقال. شخصياً لا أحب هذا الاشتباك بين الكتابتين. الرواية لها عالمها والشعر عالمه. وفي بعض المجتمعات الرواية متطورة أكثر من الشعر وفي مجتمعات أخرى الشعر متطور أكثر من الرواية. لا أحد يستطيع أن يرسم صورة المستقبل أو أن يحتكرها. وأعتقد ان المستقبل هو للشعر كما هو للرواية.


> ولكن هل تعتقد ان الشعر قادر على ان يعبّر عن كل ما يجيش في نفسك وما يدور في رأسك من أفكار؟

- هناك شعراء يقولون ان اللغة لا تتسع لهم وانهم أكبر من اللغة. وجموح الشعراء الى إصدار مقولات كبيرة قد يكون مقبولاً. هل سمح لي الشعر أن أقول كل ما أريد أن أقول؟ ليس هذا هو السؤال الذي أطرحه على نفسي. بل هو: هل أستطيع أن أقول أكثر مما قلت؟ هذا ما يؤرقني. ولكن لا أحد يستطيع أن يكتب كل ما في داخله. هناك أدباء كتبوا أكثر مما في قدرتهم، أي انّ كلماتهم أكبر من عالمهم الداخلي ومن تجربتهم الحياتية والانسانية. شخصياً لا أشكو من هذا الأمر. وأعتقد انني قادر على قول ما أشعر به وما أحلم به وما هو غامض في أشكاله المختلفة. ولكن في نهاية الأمر قد يكون من الصحيح ان الشاعر يقول شيئاً واحداً وأن الروائي يقول شيئاً واحداً. ولكن ما هو هذا الشيء؟ يكتب الشاعر ليصل الى هذا الشيء، ليكتشف ما يريد أن يقوله.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:23
مادمنا تحدثنا عن الصوفية، أعترف انني أحس ان لديك نزعة صوفية محفوفة ببعد ميتافيزيقي وخصوصاً في قصيدتك الطويلة «جدارية» التي اختبرت فيها تجربة الموت؟ ماذا يعني لك الشعر الصوفي؟ هل تقرأه؟

- قرأت الأدب الصوفي وأقرأه. وملاحظتي أن ليس الشعر هو أفضل ما فيه، بل النص النثري. مثلاً ابن عربي، نصه النثري أغنى كثيراً من نصه الشعري، ومملوء بالدلالات بل هو حافل بالألغاز والأسرار أكثر من شعره. أنظر الى الصوفية نظرة فكرية أو فلسفية، أنظر اليها نظرة شعرية من حيث هي مغامرة الذهاب الى الأقصى ومحاولة اتصال مختلفة بالكون ومحاولة بحث عمّا وراء هذا الكون، وما وراء الطبيعة، وعن الأسئلة الوجودية. ولا يعنيني في التجربة الصوفية معناها مقدار ما يعنيني سعيها اللغوي والعرفاني في بلوغ ما لا تبلغه المغامرات الأخرى. فهي مغامرة أدبية جعلت النثر أرقى من الشعر في الكتابة. وإذا أردنا أن نبحث عن المصادر الحقيقية التي أثْرت قصيدة النثر نجد الكتابة الصوفية النثرية مثل النفري والبسطامي والسهروردي وابن عربي. وهؤلاء كانوا شعراء من نوع آخر، أي بما يحملون من شحنات للسفر الى أبعد ما يمكن. ونحن لا نستطيع أن نذهب الى ما ذهب هؤلاء اليه. هذا هو الجانب الابداعي في الصوفية، ولكن هناك صوفية تشبه الشعوذة والسحر.


> ما رأيك بالشعراء الذين يستعينون بالمصطلحات الصوفية القديمة ليكتبوا شعراً صوفياً حديثاً؟

- أنا شخصياً غير مهتم بهذه المسألة. ولا أعتقد أن في عصرنا الحديث والصاخب هذا هناك مكان للشعر الصوفي.


> والصوفية الجديدة التي لا علاقة لها بالمصطلحات القديمة؟

- الصوفية الحديثة هذه هي شكل من أشكال التمرّد على طبيعة الحياة المعاصرة وعلى تشيّؤ الانسان وابتعاده عن السؤال الروحي والديني. وما نقرأه في الشعر هو ترصيع لبعض المصطلحات الصوفية الخارجة عن سياقها.


> وماذا عن البعد الميتافيزيقي الكامن في شعرك؟

- لعل سؤال الموت في شعري شديد الصلة بالبعد الميتافيزيقي. هناك نظرتان الى الموت: نظرة دينية تقول ان الموت هو انتقال من الزائل الى الخالد، ومن الفاني الى الباقي، ومن الدنيا الى الآخرة. وهناك نظرة أخرى أو فلسفية تعتبره نوعاً من الصيرورة، وترى ان الحياة والموت مترافقان في جدلية أرضية. أحياناً أكتب عن الموت ولكن من دون أن أتعمق كثيراً في السؤال الى أقصى حدوده. فالذهاب في السؤال الى أقصاه هو أمر مملوء بالألغام التي لا أستطيع أن أنزعها ولا أن أفجرها. في «جدارية» كتبت عن تجربة شخصية، كانت مناسبة لي للذهاب في سؤال الموت، منذ أقدم النصوص التي تحدثت عن الموت، ومنها ملحمة جلجامش التي تحدثت أيضاً عن الخلود والحياة. هذه التجربة كانت لي اطاراً صالحاً للسرد أو لما يشبه السيرة الذاتية. ففي لحظة الموت تمر حياتك أمامك وكأنها في شريط سريع. انني عشت هذا ورأيته. كل الرؤى التي كتبتها في القصيدة كانت حقيقية: المعرّي ولقاء هيدغر ورينيه شار... رأيت الكثير ولم أكتب كل شيء. لكنني لاحظت ان القصيدة كانت مشدودة الى سؤال الحياة أكثر من سؤال الموت. والقصيدة في الختام كانت نشيداً للحياة. أهم عبرة استخلصتها من هذه المسألة ان الحياة معطى جميل، هدية جميلة، كرم إلهي غير محدود، وعلينا أن نحياها في كل دقيقة. أما سؤال الخلود فلا جواب عليه منذ ملحمة غلغامش حتى اليوم. هناك جواب ديني ولكن كشاعر لا أحب أن أدخل في الجدال الديني. الانسان يؤمن بما يعرف وبما لا يعرف. بل هو مشدود الى الإيمان بما لا يعرف، وأهم أمر في الصراع بين الحياة والموت أن ننحاز الى الحياة.


> ما دمنا نتكلم عن الدين نلاحظ أن في شعرك أثراً توراتياً ولا سيما من «نشيد الأناشيد»، يتمثل في غنائيتك العالية في ديوان «سرير الغريبة» وسواه! ما الذي يجذبك كشاعر في النص التوراتي وكيف أثر فيك؟

- في البداية، درست في الأرض المحتلة، وكانت بعض أسفار التوراة مقررة في البرنامج باللغة العبرية، ودرستها حينذاك. لكنني لا أنظر الى التوراة نظرة دينية، أقرأها كعمل أدبي وليس دينياً ولا تاريخياً. حتى المؤرخون اليهود الجادون لا يقبلون أن تكون التوراة مرجعاً تاريخياً. أو لأقل انني انظر الى الجانب الأدبي في التوراة. وهناك ثلاثة أسفار مملوءة بالشعر، وتعبر عن خبرة انسانية عالية وهي: سفر أيوب، سفر الجامعة الذي يطرح سؤال الموت، ونشيد الأناشيد.


> والمزامير؟

- بعض المزامير، فهي أقل أدبية من الأسفار التي ذكرتها. إذاً التوراة هي كتاب أدبي بالنسبة إليّ، وفيها فصول أدبية راقية وشعرية عالية.


> هل التوراة مصدر من مصادرك؟

- لا شك في أنها أحد مصادري الأدبية.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:24
هل أعدت قراءة التوراة بالعربية؟

- أجل، قرأت ترجمات عربية عدة ومنها الحديثة. وأحب فيها بعض الركاكة. فمثل هذه الكتب يجب أن يترجم في طريقة خاصة. و«نشيد الأناشيد» يعتبره كبار الشعراء في العالم من أهم الأناشيد الرعوية في تاريخ الشعر، مع غض النظر عن مصادر هذا النشيد الفرعونية أو الآشورية.


> هل يمكن الكلام برأيك عن حداثة محمود درويش، هذه الحداثة الممكن وصفها بـ «الحداثة الاستخلاصية» التي تتآلف فيها مدارس عدة ولكنها تبدو كأنها بلا مدرسة أو كأنها مدرسة بنفسها؟ حداثة خاصة خارج حداثة مجلة «شعر» وسائر الحداثات الأخرى؟

- يبدو لي انك تفهم حداثتي أكثر مني. سؤال الحداثة سؤال محيّر. وأن تُحصر الحداثة في الحداثة الشعرية، فهذا يعني ان لا حداثة أخرى في المجتمع العربي. ومن مآزق الحداثة العربية انها متحققة في الشعر وربما في مراكز الشرطة أو الأمن. حاولت الحداثة الشعرية ان تقوم مقام الحداثة الفكرية والفلسفية والعلمية والاجتماعية، أي انها حمّلت نفسها مهمات لا تستطيع فعلاً أن تتحملها. اطلعت طبعاً على مفاهيم الحداثة بعدما جئت الى العالم العربي هاجراً فلسطين. قبل ذلك لم أكن قد اطلعت على تلك المفاهيم. ففي فلسطين المحتلة كنت أعيش في ظروف صعبة وكنت أطلع على الشعر العربي والعالمي من دون أن يكون سؤال الحداثة ملحاً عليّ مثلما كان ملحاً على الشعراء العرب. كان لدينا حينذاك سؤال المقاومة الثقافية، سؤال الهوية، وكان علينا أن نصونها من الذوبان. كيف ندافع عن حقنا في الوجود؟ كيف نزيل الاشكالية بين الجنسية والهوية؟ كيف يقوم الشعر في تغيير ما، أو هل يستطيع الشعر أن يغيّر؟ كانت الأسئلة بعيدة الى حد ما عن انشغال الساحة بأسئلة الحداثة. وأنا نشأت في هذا الجو وكتبت فيه. وعندما خرجت الى العالم العربي كنت الى حد ما معروفاً، وكنت أسمّى شاعر المقاومة وشاعر الأرض المحتلة... لكن اصطدامي بسؤال الحداثة والتجارب الشعرية الحديثة جاء متأخراً. ولا أعرف ان كنت وضعت داخل الحداثة العربية أم ما زلت خارجها. لا أعرف.


> وما رأيك بما يقوله بعضهم عن «حداثة» محمود درويش؟

- أنا لست جزءاً من مدرسة، ولست طالباً لمعلم معين وهذا عيــب. كنت أتمنى أن يكون لي معلم شعـــري، فهو كـان ليوفر عليّ ربما أعباء تعليمية كثيرة. كنت شديد الاصغاء والتأمل والتأثـر حيال سؤال الحداثـة الشعـريـــة العربية. لكنني لم أتخلّ عن ربط الحداثة بمشروع تحرري، أي ان نتمكن من تحرير المجتمع بالقصيدة الحديثة. أو ان على الحداثة الحقيقية أن تكون منظومة أفكار تشمل كل مستويات المجتمع وليس الشعر وحده. ولكن بما أن الشعر هو حقل عملنا ولا إمكان آخر لنا، فليكن ذلك. ولنعش هذا الوهم الجميل. وما زلت أرى أن لا حداثة شعرية عربية حقيقية خارج جماليات الشعر العربي. فهذه الجماليات يجب على الحداثة العربية أن ترتكز اليها لتتميز عالمياً. لم أدخل في أفق التنظير ولم أسع الى أن أكون حديثاً أم غير حديث، ولكن أعتقد ان قصيدتي حديثة. و في أي معنى هي حديثة؟ أي أنها تصغي الى ايقاع الزمن الجديد وتجري تحولات في العلاقة بين الكلمات والأشياء وتحاول أن تبقي اللغة حية وتعيد الى هذه اللغة حياتها باستمرار، وأن تطوّر أدواتها من خلال علاقة هذه الأدوات بما كنا نسميه الدور الذي تلعبه القصيدة الحديثة في الذائقة الشعرية وفي مشروع التحرر.

> نشرت في مجلة «شعر» بضع قصائد...

- أنا لم أنشر، المجلة أخذت القصائد من صحافة الداخل الفلسطيني. ولعلها المرة الوحيدة التي نشرت لي قصائد في «شعر».


> كيف تنظر الى مجلة «شعر»؟

- لا شك في أن مجلة «شعر» كان لها دورها وكانت لها أوهامها أيضاً. ومن أوهامها انها احتكرت مفهوم الحداثة الشعرية وحاولت ان تقصي التجارب الأخرى خارج «جنة» الحداثة، إذا جاز التعبير. وأعتقد بأن مجلة «شعر» مثلت تياراً من تيارات الشعر العربي الحديث وليس كل الشعر العربي الحديث. ومن عيوب التعامل مع هذه الظاهرة ان هناك دراسات جامعية تدرس الشعر الحديث من خلال مجلة «شعر» فقط. ويجب ألا ننسى أنّ كان هناك مجلة «الآداب» وكان هناك الشعر العراقي والشعر المصري... وهذه تيارات أساسية في الشعر العربي الجديد. ليس كل شعراء مجلة «شعر» استطاعوا أن يُكرِّسوا أو أن يحققوا مكانة شعرية كبيرة. هناك بضعة شعراء فقط.


> كانت مجلة شعراء أكثر مما كانت مجلة منفردة بذاتها أو مجلة تيار واحد!

- حاولت أن تكون مجلة تيار وانشغل بعض شعرائها بالتنظير الزائد عن اللزوم أحياناً. إنها مثل أي حركة شعرية، خرج منها في نهاية الأمر بضعة شعراء مهمّين.


> والمعركة الفكرية الحداثية التي خاضتها هذه المجلة هل عنت لك شيئاً؟

- إنني اطلعت على المجلة متأخراً أي بعدما خرجت من فلسطين وكانت قد توقفت عن الصدور. وكانت المعركة التي أعلنتها قد انتهت، خصوصاً بينها وبين مجلة «الآداب». إلا أن المعركة الشعرية الحداثية مستمرة حتى الآن ولكن عبر أدوات أخرى: هل الشعر يعرّف بما يقوله أي بموضوعه أم في كيفية ما يقول؟ هل للشعر دور ما؟ هل يجب أن يكون على علاقة بالقارئ أم لا؟ وما هي العلاقة بين المتلقي والشاعر؟ هل الذات الكاتبة هي وحدها في العملية الشعرية أم ان ثمة ما يشاركها، كاللغة مثلاً؟ مثل هذه الأسئلة ما زال مستمراً حتى الآن. هل عزلة الشعر هي مقياس من مقاييس جودة الشعر؟ ذيول المعركة ما زالت قائمة حتى يومنا. وأعتقد ان من الجميل أن يكون هناك تيارات، عوض أن يكون هناك تيار واحد متسلّط على الساحة الشعرية.


> لكن «شعر» لعبت الدور الرئيس في ترسيخ القصيدة الحديثة!

- لمَ لا؟ لكن «الآداب» لعبت مثل هذا الدور أيضاً.


> لكن «شعر» حصرت مشروعها في الشعر بينما «الآداب» كان مشروعها أدبياً ورفضت قصيدة النثر؟

- أنا لم أطلع على المشهد عندما كان قائماً. جئت متأخراً، ذلك انني خرجت في العام 1971. وكانت وقعت هزيمة 1967 التي غيّرت مفاهيم مجلة «شعر» نفسها.
مع الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي


> «مواقف» مجلة الشاعر أدونيس هل تابعتها حينذاك؟

- صدرت «مواقف» عندما كنت في بيروت وكنت في مرحلة من أسرة تحريرها.


> كيف ترى الى «مواقف» لا سيما في تلك الفترة؟

- مجلة «مواقف» أضافت بدورها. وحاولت أن تقيم علاقة بين الابداع والفكر والثورة والتغيير، بين الابداع والحرية. كانت «مواقف» تمثل حالاً من القطيعة مع مجلة «شعر»، لكنها قطيعة تطويرية. واتجهت نحو السؤال الفكري ولم تكن مجلة ابداعية فقط.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:25
> لماذا انسحبت من أسرة تحريرها؟

- لم أنسحب لخلاف أو سواه، ولكن كان عندي مجلة «شؤون فلسطينية» ثم أصدرت «الكرمل» في العام 1981.


> الإشكال الذي أثاره تصريحك قبل فترة حول شعر الحداثة كيف توضحه، خصوصاً بعدما ترك التباساً أو سوء فهم؟

- أولاً لم أتعرّض للشعر الجديد وشعر الحداثة. سئلت في تونس في لقاء صحافي كبير جداً، عن أزمة العلاقة بين المتلقي والشعر الجديد. وقلت إن هناك أزمة فعلاً لأن بعض الشعراء يستمرئون عزلتهم ويضعونها هدفاً، من غير أن تكون نتيجة طبيعية لتطور ما في نص شعري جديد على الذائقة. هناك شعراء يقيسون جمالية شعرهم بمدى عزلتهم عن القارئ. وهناك سبب آخر وهو أن القارئ لا يريد أن يقترب من شعر يرفضه كمتلقٍ. وأنت تعرف أن الشاعر ليس وحيداً في الكتابة، إنه طرف في المعادلة الشعرية، هناك الشاعر، هناك اللغة التي تفرض نفسها على الشاعر، وهناك طرف ثالث لا يتم الفعل الابداعي من دونه وهو القارئ. هذا الثلاثي هو الذي يساهم في تطوير الفعل الشعري وفي تحقق القصيدة. وهذا التحقق لا يتم إلا من خلال تفاعل ما، بين القارئ والشاعر. لم أتعرّض لأحد ولا أحب أصلاً التعرض لأحد. كل شاعر حر. وأردد دوماً أن على السجال الشعري اللامجدي أن ينتهي. قصيدة النثر هي خيار شعري مكرّس وفيها أعمال ابداعية جميلة جداً. ويجب أن ننظر الى الشعر في كل خياراته، العمودي والتفعيلي والنثري، والى مدى تحقق الشعرية في القصيدة. هذه نظرتي العامة ولا يمكنني أن أكون تقليدياً أو رجعياً، الى حد أن أرفض أي اضافة أو أي اقتراح شعري جديد.


> هل تقرأ الشعراء الجدد والشباب؟

- أقرأهم دوماً وأتعلّم منهم وأراقب دوماً التوجهات الجديدة في علاقة الشعراء باللغة والنص والبناء والايقاع، لكي أستوعب ايقاع العصر الجديد. قد أكون هرمت من دون أن أدري. قد أكون تحولت الى تقليدي من دون أن أعلم. تجارب الشعراء الجدد ولو لم تكن ناضجة، تلفت نظري الى مسارات جديدة عليّ أن أنتبه لها وأن استفيد منها إذا كانت قادرة على امداد النص الشعري بدم جديد وحياة جديدة. ولكن لنعترف، هناك فوضى، سواء في الشعر العمودي أم التفعيلي أو النثري، هناك فوضى. وهذا طبيعي، لأن لا رقابة على النشر، وأقصد بالرقابة الرقابة الأدبية والابداعية التي تضع معايير وتحدد للقارئ، مفاتيح ما هو شعري وما ليس شعرياً. سهولة النشر كبيرة جداً وكل الصحف العربية فيها صفحات ثقافية يجب أن تمتلئ بما توافر، والمحررون يكونون أحياناً في مستوى لا يؤهلهم لتقويم الشعر. لذلك تعمّ الفوضى، وهي ليست من سمات عصرنا، ففي كل العصور كان هنا فوضى. لكنّ صعوبة النظم كانت تحول الى حد ما دون استتباب الفوضى. فالنظم يتطلب أدوات عروضية ولغوية قوية وقد يكون مجرد نظم خالٍ من الشعر.


> مَن يتحمل مسؤولية هذا الفلتان الشعري؟

- الفوضى النظرية التي عرّفت الحداثة بها، كل شيء غير منضبط في شكل، يستطيع أن يدّعي شاعره أنه ينتمي الى الحداثة. والآن عندنا تسمية جديدة هي ما بعد الحداثة. ونحن ما زلنا نعيش في عصر ما قبل الحداثة.


> لكن الشاعر الفرنسي لو تريامون يقول إن على الشعر ان يكتبه الجميع!

- أعتقد أن كل كائن بشري يحاول أن يكتب شعراً. والفرق ان هذا الشعر لم تُتح له فرصة النشر، أو ربما فرصة التكوّن. وكما تعرف في فترة المراهقة يكتب المرء ما يشبه الخواطر ويقلّد بعض الأدباء. وهذه الكتابات غالباً ما تكون شخصية. يجب أن يكتب كل الناس، كما قال لوتريامون، لكي يخرج من هؤلاء شعراء وروائيون وكتّاب...


> لا تزال تصرّ على «صدمة» جمهورك، وما زال هذا الجمهور يتابعك في أمسياتك الشعرية. كيف تنظر الى هذا الجمهور والى «الصدمة» التي تحدثها فيه عندما تقرأ له قصائدك الجديدة التي تختلف عن القصائد الأولى التي يميل اليها عادة؟

- لا أعرف ان كان الجمهور يميل الى القصائد الأولى حقاً. لم يعد الجمهور يطالبني كما في السابق بأن أقرأ ما في ذاكرته من شعري. وهذا حسن. واستطعت أن أجد ما يشبه الثقة المتبادلة بيني وبين القراء. إنني لا أحب كلمة جمهور. لنقل المتلقي أو القارئ. فالجمهور ليس كتلة واحدة متجانسة. وأنا لا أستطيع أن أتكلم عن الجمهور بطلاقة، لأنني سأرتكب أخطاء كثيرة. ثم من هو الجمهور؟ قد يكون مجموعة من الشعراء والمثقفين، قد يكون من سائقي التاكسي أو ربات البيوت أو الطلاب، وقد يكون لكل مجموعة الحق في أن تقيم علاقة مع الشعر. المشكلة عندنا ان القارئ العربي يشعر بأن من حقه أن يتدخل في تحديد مفهوم الشعر. وكل قضية من هذا النوع تتحول قضية عامة قد يهددها خطر التبسيط، لئلا أقول الابتذال. إنني أواكب قرائي مثلما هم يواكبونني وهم يتطورون ويتغيرون. وأكثر ما يسعدني في هذا الوقت، انني أفاجأ أينما ذهبت بأن الذين يحضرون الأمسيات الشعرية هم في ما يقارب التسعين في المئة من الجيل الجديد ومن الشباب في العشرينات. وهذا يعني أن قرائي الذين يحبون قصيدة «سجل أنا عربي» رحلوا وتركوني أو أنهم اكتفوا بذلك. إذاً اقتراحي الشعري هو أن من حق الشاعر أن يواصل تطوير لغته وأن يحميها من التكرار والارهاق. حتى اللغة الشعرية تصاب بالارهاق، وعلى الشاعر أن يجدد صورها واستعاراتها. هناك إذاً علاقة تتجدد مع تجدد الذائقة والعصر والزمن. هناك ثقة متبادلة، وإذا حقق الشاعر الثقة مع قرائه فقراؤه يعطونه الحرية في أن يطور نفسه كما يشاء. وإذا لم يكن هناك من ثقة أو إن كان ثمة جدار بين الشاعر والقراء، فالأمر يصبح قيداً ثقيلاً. بعض الشعراء يستهزئون بهذا القارئ وبعضهم يقدمون له تنازلات ويسمعونه ما يريد أن يسمع، ويكتبون له ما يريد أن يقرأ.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:26
أي شعراء تركوا فيك أثراً شعرياً منذ البدايات؟

- أوه...


> مَن كنت تقرأ عندما كنت في فلسطين؟

- لم يكن عندي شاعر واحد أتعلّم عليه. كانت الكتب المتوافرة عندنا في الداخل هي ما تبقى من مرحلة الانتداب البريطاني. كنا في حالة حصار ثقافي حقيقي. كنت أعرف السياب جيداً والبياتي وكنت أقرأ نزار قباني أيضاً، وهو كان حاضراً في مراهقتي الشعرية. قرأت في تلك الفترة «الداخلية» غارثيا لوركا وبابلو نيرودا وتأثرت بهما وخصوصاً لوركا. كان المتاح لنا من الشعر العربي الحديث قليلاً. فيما الشعر الكلاسيكي العربي متوافر وكذلك الشعر المهجري، وكنت أميل الى غنائية هذا الشعر والى بساطته. وفي الشعر المصري اطلعت على بعض أعمال صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي. أدونيس لم يكن معروفاً في الداخل ولم يكن شعره وصل إلينا. القصيدة الأولى التي قرأتها لأدونيس كانت في العام 1968 على ما أعتقد، وكانت فدوى طوقان تزورنا في حيفا ومعها مجلة فيها قصيدة لأدونيس، لم أعد أذكر ان كانت «هذا هو إسمي» وأعجبتني كثيراً. ولكن لم يكن لأدونيس حضور في فلسطين، في تلك المرحلة كما الآن. مصادرنا الأخرى كنا نقتبسها من الصحافة مثل «الاتحاد» و«الجديد» في حيفا.


> كتبت أنت في الصحافة حينذاك!

- كنت رئيس تحرير مجلة «الجديد» ومحرراً في جريدة «الاتحاد» وكنت أكتب افتتاحيات ومقالات سياسية. دخلت عالم الصحافة باكراً، في العشرين من عمري وأقل. وكانت خياراتنا الأدبية خاضعة لاعتبارات يسارية.


> كنت في الحزب الشيوعي الاسرائيلي!

- نعم.


> من هم الشعراء الذين تفضلهم الآن وتقرأهم؟

- هناك شعراء أجانب كثيرون أقرأهم. والأكثر قرباً هو ديريك والكت. في السنوات الأخيرة كان والكت شاعري المفضل في اللغة الانكليزية. وربما هو أفضل من يكتب في هذه اللغة الآن. وهناك شيموس هيني. أعجبت كثيراً بالشاعر البولندي ميلوش وبالشاعرة تشمبرسكا. وكذلك أنا شديد الاعجاب بالشاعر اليوناني ريتسوس، وكنت على صداقة معه. فرنسياً إنني شديد الإعجاب بسان جون بيرس ولويس أراغون ورينه شار... وهؤلاء أقرأهم مترجمين الى الانكليزية أو العربية، ففرنسيتي لا تسمح لي بأن أحتك بنصوصهم في اللغة الأم. وفي الشعر الأميركي اللاتيني شاعري المفضل هو بابلو نيرودا. وفي الشعر الإيطالي أحب أوجينيو مونتالي شاعراً وناقداً. المشهد الشعري عالمياً في النصف الثاني من القرن العشرين، أو في القرن العشرين كله، كان من أغنى المشاهد الشعرية في التاريخ. أحب أيضاً الشاعر اليوناني جورج سيفيريس وكذلك الشاعر اليوناني إيليتس.


> وما قصتك مع المتنبي؟

- المتنبي، على الاختلاف الكبير معه حول نزعته الى السلطة ومدائحه وهجاءاته، أعتبر انه يلخص الشعر العربي الكلاسيكي. واذا أردنا أن نقرأ الشعر العربي كله مجازاً في شاعر واحد نقرأه في المتنبي. ثم إذا أردنا أن نقرأ الشعر المختلف عن شعر المتنبي نقرأ أبا العلاء المعري.


> وأبو تمام أين تضعه؟

- أبو تمام، مشروعه التحديثي (بين موسين) هو الذي سمح للحركة الشعرية العربية أن تتجدد. طبعاً هو من الشعراء الكبار، لكنه شديد التقعّر ومشغول بنحت الكلمات وخلق الصور الغامضة.


> وأبو نواس أليس هو من أوائل الشعراء «المدنيين»؟

- طبعاً طبعاً، أبو نواس نقل الشعر من البداوة الى المدنية. العصر العباسي هو العصر الذهبي للشعر العربي الكلاسيكي، ولكن في موازاة الشعر الجاهلي.


> ألا تعتقد ان المتنبي في «الأنا» المتضخمة عنده والنرجسية ترك أثراً سلبياً في الشعر العربي؟ كأن يقول: «أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي...». من هو هذا الشاعر الذي يجرؤ أن يقول إن الأعمى قرأ أدبه؟ ما هذه المغالاة؟ ما هذا الاعتداد؟

- قد تصلح شخصية المتنبي وتناقضاته لكتابة مسرحية عنه. ربما هذه الجوانب سلبية لديه ولكن ما يعنيني في المتنبي هو شعره. لا شك في أن شعره يتمتع بجزالة رهيبة وفيه تختلط الحكمة مع العاطفة المتأججة. وهو يضع علامات لا يمكن أن تخطئها العين ولا الأذن. أنت تعرف المتنبي من غير أن يوقع قصيدته. وقدرته على أن يخلق سلطاناً شعرياً في هذا المستوى، لا نستطيع أن نمرّ بها مروراً محايداً.


> لكنّ هذا لا ينطبق على كل شعره.

- ليس من شاعر كل شعره جميل. وعندما أقرأ مدائحه وهجائياته أنسى الممدوح والمهجو وتطربني الجزالة الشعرية والبلاغة. القوة الداخلية لدى المتنبي حجبت عني أخلاقيته. أما انه ورّث «الأنا» المتضخمة الى غيره فإن «الأنا» لا تورّث. هناك شعراء آخرون متضخمون وفي كل العصور.


> ومشروع «التنبؤ» لديه!

- هذا المشروع ليس مشروع المتنبي وحده. العصر الرومانسي شهد مثل هذا المشروع، بل ان الرومانسية نفسها تقوم على هذا المشروع الرؤيوي ولا سيما الرومانسية الألمانية.


> ولكن هناك فرق بين الرؤيا والادعاء؟

- هذه الظاهرة موجودة عبر العصور حتى في عصرنا الحديث. وعلى الشاعر في عصرنا أنني خفف من دلالات فهمه لدوره. الشعر الآن يهتم بالهامشي أكثر مما يهتم بالقضايا الكبيرة. فكرة البطولة أو الفرادة ألغتها الحداثة الشعرية أصلاً. وأكرر ان هذا المشروع لا أعتقد انه من ميراث المتنبي. هذه خصائص بشرية. عندما تريد وصف وضع ما، في شكل تلقائي تلجأ الى الاستشهاد ببيت للمتنبي. وإن قلت ان المتنبي أكثر حداثة وحياة منا جميعاً فإنما قلت هذا من قبيل المجاز. وقامت عليّ القيامة لأن البعض أخرج كلامي من سياقه.

اسبيرانزا
14/08/2008, 01:27
عود الى مسألة الريادة في الشعر العربي الحديث! ماذا تعني لك مقولة الرواد؟ هل ما زالت هذه المقولة مستمرة أم انها باتت مرتبطة بزمن معين؟

- أعترف بأني لا أستطيع أن أقرأ شعر معظم الرواد. وشعر هؤلاء يحتاج الى قراءة نقدية جديدة والى غربلة. وأهمية الرواد هي أهمية تاريخية، فهم شكلوا بشعرهم أو بأسمائهم نقطة انعطاف أو تمرد على القصيدة الكلاسيكية عبر خلق كلاسيكية تفعيلية جديدة. أي انهم تمردوا على التقليدية بما يمكن أن أسميه تقليدية أخرى. أنا لا أستطيع أن أقرأهم. انهم يحتاجون الى اعادة نظر، ولكن هذا لا يعني انني أخفف من أهمية دورهم التاريخي. الجامعات العربية وللأسف الشديد، لا تعرف مرحلة ما بعد الرواد. وكل جيل ما بعد الرواد غير مقروء جيداً، نقدياً وأكاديمياً. فجيل الرواد احتل مفهوم حداثة الشعر العربية، وأغلق الباب في وجه من أتى بعده. كل هذه المسألة تحتاج الى قراءة جديدة وإعادة نظر. أين تضع سعدي يوسف هذا الشاعر الكبير؟ فلا هو مع الرواد ولا مع جيل الستينات أو السبعينات؟ أين تضعه؟


> وأنت أليس أمرك هو نفسه؟

- إذا كنت أنا شاعراً مهماً فأين تضعني؟ إذاً الريادة يجب ألا تقف عند مرحلة تاريخية وتتجمد. الريادة يجب ان تكون أشبه بالصيرورة المستمرة والمتواصلة. وهناك انقلابات في الشعر العربي في السبعينات والثمانينات والتسعينات، وكل جيل يقدم ريادة من نوع مختلف. فعلى النقد العربي أو على الاكاديميات العربية ان تجري تحقيقاً جديداً في شأن الريادة ويجب أن يظهر الخط المستمر من جيل الرواد الى الآن. وهكذا يصبح في الإمكان النظر الى الشعر العربي كحركة حيوية متقدمة باستمرار وتنقلب على نفسها وتجدد نفسها بنفسها. ويجب عدم وضع حواجز حديد بين جيل وجيل.


> من الذي ينفّرك من الشعراء الرواد مثلاً إذا عدت الى قراءة آثاره؟

- لم أعد قادراً على قراءة شعر خليل حاوي مثلاً. والبياتي كذلك. لكنني أحترمهما. فهما غير قريبين الى ذائقتي. ومن المعروف أن الذائقة الشعرية مسألة ذاتية جداً، وأود ألا أذكر أسماء...


> هل عدت مرة الى كتب كنت تحبها ثم وجدت نفسك لا تحبها؟

- طبعاً، إننا نتعرض لخدع شعرية وفنية وثقافية. فما كان يبدو لنا جميلاً في زمن معين وعمر معين أو مرحلة معينة لم يعد يحمل حياة جديدة في ذاته تجعله قابلاً للقراءة في زمننا. لذلك فإن الأدب الباقي هو الأدب الذي يستطيع أن يخترق الأزمنة والأجيال ويحافظ على حداثته ومعاصرته، وعلى قابليته لأن يقرأ في زمن غير الزمن الذي كتب فيه.


> أحياناً نحس أن بعض القصائد تشيخ مثل الانسان!

- هذا إحساس مؤلم ولكنه مطمئن، فالخديعة لا تعمّر طويلاً.


> كيف تقرأ الآن شاعراً مثل نزار قباني؟

- لا أقرأه الآن بالبهجة التي كنت أقرأه بها من قبل، لكن هذا لا يعني أنني لا أحبه.


> نلاحظ أنك لم تكتب أي نص نظري في الشعر، علماً أن قصيدتك تحمل ما يشبه «البيان» الشعري بصمت! هل كتبت نقداً عندما عملت في الصحافة الفلسطينية في الداخل؟

- كنت أكتب مراجعات كتب، ولكن إذا قلت ان نظرتي الشعرية أو بياني الشعر موجودان في قصيدتي نفسها، فهذا يكفي. لماذا أضع نفسي في إطار نظري يصعب عليّ التخلص منه. وهذا لا يعني انني لا أحترم المنظرين، بل على العكس. لكن الملاحظ أن معظم الشعراء الذين ينظرون فإنما ينظرون لشعرهم، ويدافعون عن خيارهم الشعري، ولا يكونون منفتحين على تجارب الشعراء الآخرين ومستعدين لاستيعابها. ثم ليس لدي ميل الى التنظير، لأنني أخاف أن أخطئ.


> لكنك في الاحاديث الصحافية تنم عن ناقد يملك ذائقة ووعياً نقدياً!

- اكتفي بوضع ملاحظات، وهي ليست ناجمة عن مقولات أو نظريات متماسكة. ربما ليس لدي مؤهلات لهذا الأمر. ليس لدي هذا الميل.


> ألا تحس أحياناً انك في حاجة الى أن توضح أمراً ما في شعرك أو قصيدتك؟

- بين حين وآخر أكتب بعض النصوص عن الشعر وعن التجربة الشعرية، وأحاول أن أجيب على اسئلة تتعلق بهذه التجربة، ساعياً الى توضيح سوء فهم بريء أو مقصود حول تجربتي. عندما وقعت ديواني الجديد «كزهر اللوز...» في رام الله أخيراً كنت مضطراً على أن أرد على حملة قام بها شعراء فلسطينيون تحديداً، يريدون أن يتدرّبوا على الملاكمة وهم يرون ان شعري لم يعد شعر مقاومة، فقدمت بعض الملاحظات المكتوبة حول فهمي للشعر الوطني وشعر المقاومة، وأن علينا أن نفهم المقاومة في معناها الواسع وليس الضيق. وقلت أيضاً إن الحداثة لا تعرّف فقط بقصيدة النثر... أحياناً في بعض الحوارات الصحافية أو اللقاءات والمداخلات أعبّر عن مفهومي للشعر.


> هل تقرأ ما يكتب الشعراء من تنظير شعري؟

- ليس كل الشعراء.

اسبيرانزا
14/08/2008, 16:30
أعود الى مسألة الريادة في الشعر العربي الحديث! ماذا تعني لك مقولة الرواد؟ هل ما زالت هذه المقولة مستمرة أم انها باتت مرتبطة بزمن معين؟

- أعترف بأني لا أستطيع أن أقرأ شعر معظم الرواد. وشعر هؤلاء يحتاج الى قراءة نقدية جديدة والى غربلة. وأهمية الرواد هي أهمية تاريخية، فهم شكلوا بشعرهم أو بأسمائهم نقطة انعطاف أو تمرد على القصيدة الكلاسيكية عبر خلق كلاسيكية تفعيلية جديدة. أي انهم تمردوا على التقليدية بما يمكن أن أسميه تقليدية أخرى. أنا لا أستطيع أن أقرأهم. انهم يحتاجون الى اعادة نظر، ولكن هذا لا يعني انني أخفف من أهمية دورهم التاريخي. الجامعات العربية وللأسف الشديد، لا تعرف مرحلة ما بعد الرواد. وكل جيل ما بعد الرواد غير مقروء جيداً، نقدياً وأكاديمياً. فجيل الرواد احتل مفهوم حداثة الشعر العربية، وأغلق الباب في وجه من أتى بعده. كل هذه المسألة تحتاج الى قراءة جديدة وإعادة نظر. أين تضع سعدي يوسف هذا الشاعر الكبير؟ فلا هو مع الرواد ولا مع جيل الستينات أو السبعينات؟ أين تضعه؟


> وأنت أليس أمرك هو نفسه؟

- إذا كنت أنا شاعراً مهماً فأين تضعني؟ إذاً الريادة يجب ألا تقف عند مرحلة تاريخية وتتجمد. الريادة يجب ان تكون أشبه بالصيرورة المستمرة والمتواصلة. وهناك انقلابات في الشعر العربي في السبعينات والثمانينات والتسعينات، وكل جيل يقدم ريادة من نوع مختلف. فعلى النقد العربي أو على الاكاديميات العربية ان تجري تحقيقاً جديداً في شأن الريادة ويجب أن يظهر الخط المستمر من جيل الرواد الى الآن. وهكذا يصبح في الإمكان النظر الى الشعر العربي كحركة حيوية متقدمة باستمرار وتنقلب على نفسها وتجدد نفسها بنفسها. ويجب عدم وضع حواجز حديد بين جيل وجيل.


> من الذي ينفّرك من الشعراء الرواد مثلاً إذا عدت الى قراءة آثاره؟

- لم أعد قادراً على قراءة شعر خليل حاوي مثلاً. والبياتي كذلك. لكنني أحترمهما. فهما غير قريبين الى ذائقتي. ومن المعروف أن الذائقة الشعرية مسألة ذاتية جداً، وأود ألا أذكر أسماء...


> هل عدت مرة الى كتب كنت تحبها ثم وجدت نفسك لا تحبها؟

- طبعاً، إننا نتعرض لخدع شعرية وفنية وثقافية. فما كان يبدو لنا جميلاً في زمن معين وعمر معين أو مرحلة معينة لم يعد يحمل حياة جديدة في ذاته تجعله قابلاً للقراءة في زمننا. لذلك فإن الأدب الباقي هو الأدب الذي يستطيع أن يخترق الأزمنة والأجيال ويحافظ على حداثته ومعاصرته، وعلى قابليته لأن يقرأ في زمن غير الزمن الذي كتب فيه.


> أحياناً نحس أن بعض القصائد تشيخ مثل الانسان!

- هذا إحساس مؤلم ولكنه مطمئن، فالخديعة لا تعمّر طويلاً.


> كيف تقرأ الآن شاعراً مثل نزار قباني؟

- لا أقرأه الآن بالبهجة التي كنت أقرأه بها من قبل، لكن هذا لا يعني أنني لا أحبه.


> نلاحظ أنك لم تكتب أي نص نظري في الشعر، علماً أن قصيدتك تحمل ما يشبه «البيان» الشعري بصمت! هل كتبت نقداً عندما عملت في الصحافة الفلسطينية في الداخل؟

- كنت أكتب مراجعات كتب، ولكن إذا قلت ان نظرتي الشعرية أو بياني الشعر موجودان في قصيدتي نفسها، فهذا يكفي. لماذا أضع نفسي في إطار نظري يصعب عليّ التخلص منه. وهذا لا يعني انني لا أحترم المنظرين، بل على العكس. لكن الملاحظ أن معظم الشعراء الذين ينظرون فإنما ينظرون لشعرهم، ويدافعون عن خيارهم الشعري، ولا يكونون منفتحين على تجارب الشعراء الآخرين ومستعدين لاستيعابها. ثم ليس لدي ميل الى التنظير، لأنني أخاف أن أخطئ.


> لكنك في الاحاديث الصحافية تنم عن ناقد يملك ذائقة ووعياً نقدياً!

- اكتفي بوضع ملاحظات، وهي ليست ناجمة عن مقولات أو نظريات متماسكة. ربما ليس لدي مؤهلات لهذا الأمر. ليس لدي هذا الميل.


> ألا تحس أحياناً انك في حاجة الى أن توضح أمراً ما في شعرك أو قصيدتك؟

- بين حين وآخر أكتب بعض النصوص عن الشعر وعن التجربة الشعرية، وأحاول أن أجيب على اسئلة تتعلق بهذه التجربة، ساعياً الى توضيح سوء فهم بريء أو مقصود حول تجربتي. عندما وقعت ديواني الجديد «كزهر اللوز...» في رام الله أخيراً كنت مضطراً على أن أرد على حملة قام بها شعراء فلسطينيون تحديداً، يريدون أن يتدرّبوا على الملاكمة وهم يرون ان شعري لم يعد شعر مقاومة، فقدمت بعض الملاحظات المكتوبة حول فهمي للشعر الوطني وشعر المقاومة، وأن علينا أن نفهم المقاومة في معناها الواسع وليس الضيق. وقلت أيضاً إن الحداثة لا تعرّف فقط بقصيدة النثر... أحياناً في بعض الحوارات الصحافية أو اللقاءات والمداخلات أعبّر عن مفهومي للشعر.

اسبيرانزا
14/08/2008, 16:32
> هل تقرأ ما يكتب الشعراء من تنظير شعري؟

- ليس كل الشعراء.

> يبدو أن سيرتك الشعرية لا تظهر إلا في شعرك وخصوصاً في ديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً» وفي «جدارية»، وكأن لا سيرة لك مع أنك تحب قراءة السيَر! ما سر غياب سيرة محمود درويش وطغيان الشعر عليها؟

- أولاً ما يعني القارئ في سيرتي مكتوب في القصائد. وهناك قول مفاده ان كل قصيدة غنائية هي قصيدة أوتو – بيوغرافية أو سير – ذاتية، علماً بأن هناك نظرية تقول ان القارئ لا يحتاج الى معرفة سيرة الشاعر كي يفهم شعره ويتواصل معه. ثانياً يجب أن أشعر بأن في سيرتي الذاتية ما يفيد، أو ما يقدم فائدة. ولا أخفيك ان سيرتي الذاتية عادية جداً.


> على العكس، أجد انها سيرة مثيرة جداً وصاخبة... فماذا عن طفولتك؟ ماذا عن أمك وأبيك؟ ماذا عن المنفى؟...

- لم أفكر حتى الآن في كتابة سيرتي.


> هل تخاف هذه السيرة؟

- لا. لا. لكنني لا أحب الإفراط في الشكوى من الحياة الشخصية ومشكلاتها. ولا أريد بالتالي أن أتبجّح بنفسي، فالسيرة الذاتية تدفع أحياناً الى التبجح بالنفس، فيصوّر الكاتب نفسه وكأنه شخص مختلف. وقد كتبت ملامح من سيرتي في كتب نثرية مثل «يوميات الحزن العادي» أو «ذاكرة للنسيان» ولا سيما الطفولة والنكبة... لا أريد أن أكرر هذا الموضوع وربما عندما أشعر بأن من الضروري أن أكتب سيرتي فسأكتبها. ربما عندما انقطع عن كتابة الشعر.


> والدتك التي غنيتها في قصيدة «أمي» ماذا تمثل لك الآن؟

- انها أمي. وهي ما زالت على قيد الحياة. أما الوالد فتوفي منذ عشر سنوات وقد أصيب بضربة شمس في الحج.


> وكيف علاقتك الآن بوالدتك؟

- أنا ابنها المفضل، والسبب بسيط لأنني الابن الغائب. غبت عنها سنوات طويلة ولكن كنا نلتقي قبل «الاغلاقات» من حين الى آخر.

ماذا تعني لك مقولة «عرب 1948» ولماذا يُسمى الفلسطينيون بـ «عرب 48»؟ وأنت كنت منهم؟

- أنا منهم أجل. انني ولدت في قرية تدعى البروة ثم انتقلنا كعائلة الى لبنان خلال حرب 1948. شُرّدنا وهُجّرنا. اضطررنا على الهروب مع أهل القرية الى شمال فلسطين ثم الى لبنان وأول قرية لبنانية أتذكرها هي رميش ثم سكنا في جزين في البداية، الى أن هبط الثلج في الشتاء. وفي جزين شاهدت للمرة الأولى في حياتي شلالاً عظيماً. وقبل سنتين زرت جزين ولم أجد الشلال. ثم انتقلنا الى الناعمة قرب الدامور. وأتذكر الدامور في تلك الفترة جيداً: البحر وحقول الموز... كنت في السادسة من عمري، لكن ذاكرتي قوية وعيناي ما زالتا تسترجعان تلك المشاهد. كنا نتصرّف وكأننا سياح... فنحن خرجنا من القرى كي يتمكّن جيش الانقاذ العربي من مواصلة الحرب وتحرير الأراضي. وكنا ننتظر انتهاء الحرب لنعود الى قرانا. لكن جدي وأبي عرفا ان المسألة انتهت فعدنا متسللين مع دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية الى شمال الجليل. وقد بقينا لدى أصدقاء الى ان اكتشفنا ان قريتنا البروة لم تعد موجودة. فالعودة الى مكان الولادة لم يتحقق. عشنا لاجئين في قرية أخرى اسمها دير الأسد في الشمال. كنا نسمى لاجئين ووجدنا صعوبة بالغة في الحصول على بطاقات إقامة، لأننا دخلنا في طريقة غير شرعية، فعندما أجري تسجيل السكان كنا غائبين. وكانت صفتنا في القانون الاسرائيلي: «الحاضرون – الغائبون»، أي اننا حاضرون جسدياً ولكن بلا أوراق. صودرت أراضينا وعشنا لاجئين.


> ولكن أين كانت نشأتك؟

- أنا نشأت في حيفا بعدما انتقلت العائلة الى قرية أخرى اسمها الجديدة بنى أبي فيها بيتاً. وفي حيفا عشت عشر سنين وأنهيت فيها دراستي الثانوية ثم عملت محرراً في جريدة «الاتحاد» وكنت ممنوعاً من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات. كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية. ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقاً وكانت أشبه ببطاقة إقامة. كان ممنوعاً عليّ طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا. ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعاً من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلاً لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت على الخروج.


> الى أين خرجت حينذاك؟

- الى موسكو.


> سنعود الى الكلام عن مدن محمود درويش. ولكن أسألك مرة أخرى: لماذا كنتم تسمّون عرباً وليس فلسطينيين؟ ولماذا ما زالت هذه التسمية قائمة حتى الآن؟

- الاسرائيليون سمّونا عرباً والعرب سمّونا فلسطينيين. لماذا عرب؟ للتمييز بيننا وبين اليهود ولمحو هديتنا الحقيقية. فهذه الدولة الاسرائيلية الجديدة تضمّ عرباً. والفلسطينيون للأسف لهم أسماء عدة: عرب 1948، فلسطينيو 1948، فلسطينيو 1967، فلسطينيو 1993 أو فلسطينيو أوسلو... أي ان عندنا أرقاماً وأننا «محقّبون» جيداً.


> هل ما زلت على تواصل مع ثقافة الداخل؟

- بمقدار ما يتاح لي من اتصال بالانتاج الثقافي والابداعي.

> لماذا نحسّ أن ثقافة الداخل يشوبها بعض «الفوات» عربياً وبعض الاغتراب؟

- هذه قضية تحتاج الى قراءة خاصة.

اسبيرانزا
14/08/2008, 16:33
ما رأيك بالأدب العربي المكتوب باللغة العبرية، خصوصاً أن ثمة أسماء ولو قليلة لمعت في هذه اللغة؟

- لم أقرأ من هذا الأدب إلا رواية مهمة هي «أرابيسك» للكاتب انطون شماس. الآن هناك ما يشبه «الموضة» وهناك أيضاً روائيون وشعراء شباب وجدد اختاروا العبرية للكتابة. ربما تسعى هذه البادرة الى الاندماج الثقافي في المجتمع الاسرائيلي. هذا لدى بعضهم. ولدى البعض الآخر قد يكون هذا الخيار نوعاً من المقاومة ضد الاسرائيليين في لغتهم نفسها. هكذا يقول هؤلاء. وقد يحسن البعض، بسبب تكوينهم ونشأتهم عبرياً، التعبير باللغة العبرية أفضل من العربية. هناك تفسيرات عدة. ولكن هذا خيار لدى أقلية محدودة.


> هناك أصوات شعرية وروائية اسرائيلية مهمة كما يظهر لنا من خلال الترجمات الأجنبية والعربية، وكيف ترى الى هذا الأدب؟ هل يجب علينا أن نقرأه كأدب عدوّ من خلال موقف سلبي مسبق؟

- بصراحة لم أعد أطلع في السنوات الأخيرة على الأدب العبري مثلما كنت أطلع عليها في السابق، عندما كنت أعيش هناك. انقطعت صلتي بهذا الأدب. ولكن هناك اسماء مكرّسة في أوروبا وأميركا، وهي تترجم في الوقت الذي تكتب فيه. ففي وزارة الخارجية الاسرائيلية مكتب لترجمة الأدب العبري الى اللغات الأجنبية. والدولة الاسرائيلية تشرف بنفسها على تسويق الأدب العبري عالمياً. وهذا يدل على الصلة بين المؤسسة والأدب. أمّا ان نقرأه أو لا نقرأه فهذا أمر آخر. وأود أن أشير الى أن سيدة اسرائيلية أسست داراً لنشر الأدب العربي مترجماً الى العبرية وترجمت حنان الشيخ وإلياس خوري ومحمد شكري وقصائد لي وآخرين. بعض الكتاب العرب رفضوا ان يُترجموا الى العبرية، بينما الاسرائيليون لا يحتاجون الى إذن خطي لكي يترجموا. فأنا تُرجم الكثير من شعري الى العبرية من دون ان أُستأذن. وفي المحصلة تبيّن أن الكتاب العرب لا يريدون أن يقرأهم الاسرائيليون وأن الاسرائيليين غير معنيين بقراءة الأدب العربي. فالفجوة في العلاقة بين الطرفين ما زالت قائمة وما زال كل طرف يقرأ الآخر من باب: اعرف عدوك. لم نصل بعد الى قراءة بعضنا بعضاً قراءة أدبية صرفاً أو للمتعة الأدبية، والشروط التاريخية لا تسمح لنا بذلك. انهم لا يجدون متعة في قراءتنا ولا نجد نحن بدورنا متعة في قراءتهم. وهذا الأمر يندرج في سياق الصراع المستمر بيننا وبينهم.


> ولكن لك قرار اسرائيليون كثيرون!

- لا أعرف إن كانوا كثيرين. لكنني أُقرأ من باب الاطلاع على المفهوم السوسيولوجي الفلسطيني وعلى سيكولوجية الشعب الفلسطيني. وأكاد أقول انني أُقرأ أيضاً قراءة أمنية من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك اليساريون الذين يقرأونني كنوع من التعبير عن التعاطف مع حقوق الفلسطينيين. اما ان أقرأ قراءة أدبية محضة فلا أعرف، بل قد أشك في ذلك.


شارون والوجدان الفلسطيني


> هناك بعض المسؤولين يقرأون شعرك!

- مثل من؟


> شارون! وذلك الوزير الذي سبب مشكلة كبيرة انطلاقاً من قصيدتك «عابرون في كلام عابر».

- الضجة الكبرى أثارها الوزير الاسرائيلي سريد وهو من حزب «ميريتس»، عندما أدرج بعض قصائدي في المدارس. لم تكن القراءة الزامية بل اختيارية وكما ان من حق الطالب ان يطلع على الشعر البولندي والهولندي والفرنسي يحق له أن يطلع على الشعر الفلسطيني أو العربي. والأمر يتوقف على رغبة المعلم والطالب معاً. والمسألة من أولها الى آخرها لم تكن تستحق تلك الضجة، وكادت الحكومة الاسرائيلية ان تسقط والفرق كان في ثلاثة أصوات. حينذاك سألتني احدى الصحف الاسرائيلية فقلت لها: كنت أعتقد انكم دولة تحترمون أنفسكم الى حد انكم تسقطون الحكومة لأسباب داخلية سياسية ولكن ليس لأسباب شعرية، كنت أعتبر انكم أقوى من ذلك. الوزيرة الجديدة وهي من حزب «ليكود» ألغت للتو قصائدي من البرنامج. أما ما قاله شارون عن شعري فقاله بعدما خرج كلامه عن سياقه. سئل شارون في مقابلة صحافية عما يقرأ، فقال انه يقرأ رواية لكاتب اسرائيلي. فقال له الصحافي ان هذا الكاتب يساري ويكرهك، فقال له شارون: إنني أميز بين الابداع والسياسة، صحيح انني ضد أفكاره وهو ضد أفكاري، لكنني مستمتع بروايته. وأضاف: أنا أقرأ حتى محمود درويش وأنا معجب بديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً؟» لأن هذا الاعجاب قادني الى الاعجاب بتعلق الشعب الفلسطيني بقضيته وأرضه. في هذا السياق جاء كلام شارون.

اسبيرانزا
14/08/2008, 16:34
> هل تجوز المقارنة برأيك بين الشعر الاسرائيلي الحديث والشعر الفلسطيني الحديث مثلما فعل أحد الباحثين الفلسطينيين في «الداخل»؟

- من حيث المبدأ، أكاديمياً أو ثقافياً، قد يكون من الممكن المقارنة بين شعرين مكتوبين بلغتين مختلفتين، ومن وجهتي نظر متضادتين، على أرض واحدة. وقد تغري المقارنة هنا بالدراسة. ولكن لا أعرف أي منهج يمكن أن يعتمد وأي موضوع يمكن تناوله: الصراع على الهوية، الصراع على الذاكرة...؟ يمكن اجراء مقارنة بين علاقتين مختلفتين مع الأرض. وثمة بين الشعر الفلسطيني والشعر الاسرائيلي حال من الصراع، صراع في اللغة حول من يمتلك المكان واللغة وحول مَن يسيطر على موضوع المكان أفضل من الآخر. الصراع قائم.


> عندما تقرأ شاعراً اسرائيلياً يتغنى بأرض فلسطين، ماذا يكون شعورك؟

- يأخذني شعوري الى أن الصراع بيننا ليس عسكرياً فقط واننا نحن مدفوعون الى صراع ثقافي عميق. مثلاً هناك شاعر اسرائيلي كبير أحب شعره هو يهودا عميحاي، لم يدع مكاناً في فلسطين، وهو يسميها أرض اسرائيل، إلا وكتب فيه قصائد وبعضها جميل جداً وتحرج الشاعر الفلسطيني حقاً. تحرجه في أي معنى؟ الشاعر الفلسطيني لم يشعر يوماً بأنه محتاج الى تقديم براهين على حقه بالمكان، وعلاقته بالأرض تلقائية وعفوية ولا تحتاج الى أي ايديولوجيا أو تبرير. الشاعر الاسرائيلي الذي يعرف كيف تمّ مشروعه وماذا كان قبل اسرائيل، والذي يعرف أيضاً ان هذا المكان له اسم آخر وسابق هو فلسطين، يبدو هذا الشاعر في حاجة الى شحذ كل طاقته الابداعية من أجل امتلاك المكان باللغة كجزء مكمل للمشروع الاستيطاني. وبالتالي فهذه المسألة مخيفة فعلاً: من يكتب المكان في شكل أجمل يستحق المكان أكثر من الآخر؟ قد يكون هناك شعب لا شعراء له، فهل يكون من حق الآخر ان يحتله؟ الجدارة الأدبية لا تعطي حقاً للسلاح في أن يملك شرعيته. هناك مسائل صعبة. كأن تقول ان صاحب الحق الأكبر هو صاحب التعبير الأجمل. طبعاً يحاولون في اسرائيل دائماً تجريد الشعب الفلسطيني من قدراته الابداعية لكي يقولوا انهم جاؤوا الى أرض شعبها غير متحضر وغير متمدن، وانهم يحملون رسالة تحضير وتحديث أي رسالة كولونيالية. كيف يكون ردّي على شارون مثلاً: عوض أن يحسد الفلسطينيين على العلاقة بأرضهم يستطيع أن يشفي نفسه من هذا الحسد بأن ينسحب من أرضهم. ولكن من جهة أخرى، ان الشعر الفلسطيني بحسب مقولة شارون، استطاع أن يخترق الحصار السياسي والتاريخي.


> كيف تصف نفسك الآن، كمواطن فلسطيني؟

- أنا الآن في فلسطين، مواطن فلسطيني، محاصر بكل شروط الاحتلال والحصار والعزلة التي تفرضها اسرائيل. وأدافع عن حقنا في امتلاك مستقبل أفضل على أرض أوسع، مع الاحتفاظ بحريتنا في أن نحلم بشيء يبدو مستحيلاً مثل العدل والسلام والتحرر. لا استطيع ان أتكلم عن فلسطين في هذه اللحظة إلا بكثير من الاحباط. ففلسطين تتناقص جغرافياً، مع انها لا تزال في مكانها، لكن الواقع الاسرائيلي يقضمها كل يوم، ويحيط ما يريده أن يكون لنا وطناً نهائياً، بالاسوار والجدران. فلسطين تتناقص أيضاً في مدى مشاركة العالم في الدفاع عن حقها بالضغط على دولة ينظر اليها العالم بأنها فوق القانون، ويعاملها كقيمة أخلاقية غير قابلة للمحاسبة. والعالم العربي المحيط بفلسطين يتعرّض أيضاً للمزيد من الاحتلال أي انه «يُفلسطن» في شكل أو في آخر. صورة المستقبل القريب غير مشعّة إذا نظرنا اليها من منظور الحاضر. وللأسف المستقبل القريب أكثر وضوحاً مما ينبغي، لأن معالم الحل الاسرائيلي محددة ومعروفة: ان نعيش في كانتونات تثبت ان الأبارتايد أو التمييز العنصري ينتهي في بلد ويبدأ في بلد آخر. والبعد العربي للقضية الفلسطينية معرّض أيضاً للاحتلال والتهديد. فكل ما حولنا وما فينا يشير الى الحزن والغضب معاً. والاسرائيليون يعطون للنكبة عمراً جديداً، انهم يريدون للنكبة ان تستمر وان تتناسل. وكأن حرب 1948 ما زالت، كما يقول الاسرائيليون، مستمرة. واستمرارها يعني انهم يشعرون بأنهم لم ينتصروا تماماً، أي انهم في حاجة الى انتصار جديد. لكنّ هذا لا يعني أن الفلسطينيين تخلّوا عن حقهم، بل على العكس. لكن تجربة الشعب الفلسطيني في علاقته بأرضه تعني انه شعب غير قابل للخروج من التاريخ ولا من الجغرافيا كما يحاول الاسرائيليون أن يفعلوا. ضاقت الخيارات على الشعب الفلسطيني ولم يبق أمامه سوى خيارين، إما الحياة وإما الحياة. ومن حقه ان يدافع عن نفسه وأول سلاح هو أن حافظ على ذاته وحقه وهويته، وثانياً أن يلجأ الى الوسائل التي تحفظ صورته الانسانية والوطنية ولا تمدّ المحتل بما يريد لها من تشويش واضمحلال. مقاومة الاحتلال ليست حقاً فلسطينياً فقط بل هي واجب، والمقاومة تتخذ أشكالاً متعددة منها الصمود وعدم القبول بالمقترحات الاسرائيلية التي تعني الغاء الذات الفلسطينية، والبحث عن وسائل نضالية تخدم المصلحة الوطنية العليا.


> هل من علاقة لك بالسلطة الفلسطينية؟

- رسمياً أنا لا علاقة لي بأي سلطة، ولكن على المستوى الشخصي علاقتي ممتازة مع رئيس السلطة ورئيس الحكومة ومعظم الوزراء. ومهما كان هناك من مشكلات داخلية فما يجمع الفلسطينيين الآن هو السؤال الوطني، أكثر من أي سؤال داخلي. لكن ذلك لا يعني أن نغضّ النظر عن المشكلات الداخلية. والقضية الأساسية هي كيف نحل المشكلة الوطنية وهي مشكلة الاحتلال. لا أمارس دوراً كبيراً سياسياً بل أمارس دوراً ثقافياً. وينتابني شعور بالغربة، إلا ان واجبي الوطني يناديني كي أكون هناك. وهذا أضعف الإيمان. أنا إذاً هنا وهناك وأشعر بحزن وإحباط.


> عندما تكون في رام الله هل تشعر بأنك فعلاً في وطنك فلسطين أم ان وطنك استحال بقعة ما في ذاتك وشعرك وذاكرتك؟

- شعوري خجول جداً، ولغتي خجولة. لا أشعر كثيراً بأنني في الوطن. أشعر بأنني في سجن كبير مقام على أرض الوطن وكأنني لم أتحرر من منفاي. فمن كان يحمل الوطن في المنفى ما زال يحمل المنفى في الوطن. والحدود ملتبسة جداً، بين مفهومي الوطن والمنفى. الحرية شرسة جداً وجميلة جداً ويجب أن نبقى أسرى لها. وفي هذا الأسر، أسر الحرية نستطيع ان نتحرر. المجازات كثيرة هناك والاستعارات كثيرة والحدود بين الاشياء مختلطة. لا تعرف أحياناً حدود المعنى، وأحياناً تبحث عن المعنى ولا تجده. ولكن أهم أمر هو ألا نسقط الوطن من يدنا ولا من مخيلتنا. تعرضنا كثيراً لمحاولة الوقيعة بيننا وبين هذه البلاد. فالاسرائيليون يقيمون الجدران ليس بيننا وبينهم فحسب ولكن بيننا وبين أنفسنا، بيننا وبين ذواتنا، وهم محتاجون الى إقامة أسوار أخرى بين التاريخ والخرافة، بين الاسطورة والواقع، وهذا ما لا يفعلونه. إنهم متمترسون وراء أسطورة مسلحة برؤوس نووية. لم نسمع في التاريخ عن أساطير تتسلّح بهذا السلاح الفتاك.

اسبيرانزا
14/08/2008, 16:35
كيف ترى الى العمليات الاستشهادية أو الانتحارية التي تقوم بها بعض المجموعات الفلسطينية الأصولية؟

- هذا سؤال يتأرجح بين الاحساس بالمسؤولية والبعد الاخلاقي. من حق الفلسطينيين أن يقاوموا الاحتلال بوسائل تخدم قضيتهم. ولكن يجب أن يكون الفلسطينيون حريصين على التفوّق الأخلاقي للضحية، وأن يميزوا بين صورتهم وحقهم في العدالة وصورة المحتل. تحفظي الشديد هو على العمليات التي تمسّ المدنيين مما قد يقلّص الفارق بين الصورتين، فنصبح نحن والاسرائيليين كأننا جيشان في حرب. الاستشهادي يقدم حياته. ولا نستطيع أن نحاكم استشهادياً يهاجم موقعاً عسكرياً، ولكن نستطيع أن نقول له ان مهاجمة مطعم أو دار سينما لا تخدم قضيته ولا صورته.


> كيف تستعيد صورة الرئيس ياسر عرفات بعد مضي سنة على رحيله؟

- أريد أن أرى ياسر عرفات وقد رفض الغياب. أريد أن أراه رمزاً، ونحن محتاجون الى الرموز، رمزاً لتاريخ شعب وتحولات هذا الشعب من الغياب الكامل الى لاجئين فإلى مقاتلين فإلى مؤسسي مشروع وطني ثقافي، ثم الى حضور كثيف في خريطة العالم. ياسر عرفات من الذين استطاعوا أن يعيدوا اسم فلسطين الى الوعي العالمي. قدّم كل حياته للقضية ولم يعش لنفسه أبداً. أريد أن أرى هذه الصورة باقية. نفتقد عرفات لكننا لا نريد عرفات آخر. وأنا من الذين يقولون اننا لا نحتاج الى عرفات آخر. لا نحتاج الى رمزية عالية، نحتاج الى مدراء جيدين. كان عرفات يتمتع بمزايا لا يمكن أن تُورث وأن تُورّث. ومن الصعب أن نستنسخ شخصية مثله، وهذه الشخصية أنهت دورها ولم تعد قابلة للاستعادة. لكن تاريخه هو القابل للاستعادة، وكذلك تضحياته. انه سجل مضيء في ذاكرة الفلسطينيين. لكننا لسنا في حاجة الى عرفات جديد.


> يقول إدوارد سعيد انك لعبت دوراً سياسياً في منظمة التحرير مضيفاً عبارة «على مضض». ماذا تعني لك هذه العبارة، مع انك كنت شديد القرب من عرفات، مستشاراً وعضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة؟

- «على مضض» تعني انني لم أرغب، بيني وبين نفسي، في أن أكون عضواً في القيادة الفلسطينية. كنت أفضل أن أبقى في مجالي الحيوي فلا أحتل موقعاً يتعارض مع نزعات الشاعر الخاصة. كوني عضواً في اللجنة التنفيذية تسبّب في تأويلات مبالغ فيها لما أقول أو أكتب، وكأن هناك شعراً رسمياً أو مقالات رسمية. وهذا بعيد كثيراً من طبيعتي ومن حقيقة كتابتي الشعرية. ثم انني لا أصلح للعمل الرسمي والاداري والاجتماعات الطويلة والسهر الطويل والزيارات الرسمية والسفر المضني. لقد انتخبت وأنا غائب، سمعت الخبر في الراديو وكنت في النورماندي في فرنسا فبكيت. وأول مقال كتبته حينذاك عنوانه «قبل كتابة الاستقالة». لكن خضوعي لضغوط معنوية وأخلاقية عالية جعلني امتثل لهذه العضوية لفترة محددة، نحو خمس سنوات. وأقول مازحاً ان من حسنات أوسلو انها أتاحت لي الفرصة للاستقالة من اللجنة التنفيذية.


> ماذا عنى لك خروجك من المنظمة عام 1993؟

- شعرت بسهولة التنفس مثل شخص أطلق سراحه.


> سياسياً؟

- لا شخصياً. شخصياً شعرت انني بت أستطيع أن أنصرف الى همومي الخاصة، الى حياتي، الى شعري والى عشوائيتي أو فوضاي. صحيح أن في الانسان أكثر من شخصية، وأن فيّ السياسيّ والشاعر والكاتب، لكن طبيعة التعبير عن كل شخصية تختلف. طبيعة السياسي تختلف عن طبيعة الشاعر، ثم إن لهما لغتين مختلفتين، من دون أن يعني ذلك أن الشاعر متخلٍّ عن السياسة. فالسياسة فينا والسياسة تعني في وضعنا الفلسطيني أن نكون منتمين الى قضية وطنية. لا يستطيع الشاعر أن يتخلى عن السياسة التي فيه. لكن طبيعة التعبير عن العلاقة هي التي تختلف. أما على المستوى السياسي فكنت حائراً. قرأت نص اتفاق أوسلو قبل أن يذاع وعندما علمت بأنه وقّع بالحروف الأولية قدمت استقالتي وخضعت استقالتي لتأويلات كثيرة ومجحفة وظالمة، وبعضها غير أخلاقي. وكنت من الخلقية حتى انني لم أقل لماذا، كل ما قلته:إننا مقبلون على مغامرة لا أريد أن أكون جزءاً منها، وكانت هناك، للأسف، تفسيرات مزرية. مع ذلك، عندما قبلت المؤسسة الفلسطينية هذه الصيغة وأصبحت هي التي تمثل السياسة الرسمية الفلسطينية، قلت انني لا أستطيع أن أرفضها في المطلق، مرتاح الضمير، ولا أن أقبلها أيضاً، مرتاح الضمير. لذلك كان وضعي هو وضع المتحفظ والممتنع، وليس وضع الذي سيعارض. كان في قلبي نداء ما يقول انه قد ينتج عن ذلك شيء، خصوصاً ان هذا المشروع جاء بعد محاصرة سياسية خانقة لمنظمة التحرير في أعقاب حرب الخليج وانعدام الخيارات أمامها. كنت حائراً بين قلبي وعقلي، العقل كان يقول لي إن هذا الاتفاق لن يؤدي الى حل ولن يؤدي الى سلام حقيقي ولا الى دولة. فنص الاتفاق غامض والمرحلة الانتقالية معدومة الربط نهائياً، وليس لدى اسرائيل أي التزام بالانسحاب، وليس هناك من تسمية للأرض المحتلة بأنها محتلة. ولكن كنت أتمنى أن يكون فهمي مخطئاً، كنت أتمنى أن يكون الذين قبلوا على خطأ، ففي خطأي مصلحة للجميع. ولكن للأسف الشديد، كانت النتائج أسوا مما تصورت. لقد انتقلنا من منفى الى سجن كبير. وعرفات قضى سنوات في زنزانة، في غرفة. أين آفاق أوسلو؟ ما هي هذه الآفاق؟ ومع ذلك رضي القتيل ولم يرضَ القاتل.


> هل كان من حل آخر في رأيك؟

- هذا ما يحير فعلاً. كان من الممكن الوصول الى اتفاق آخر. لو عرف عرفات والمنظمة مدى حاجة اسرائيل الى اتفاق ما مع اسرائيل لكي يفتحوا بوابتهم أمام العالم العربي، لكانت مكافأتنا كحراس للبوابة أفضل وأكبر. ليتنا صبرنا أكثر، لو طلبنا مثلاً فك الاستيطان من غزة كنا سنحصل عليه. لكن الاستعجال كان يحجب القراءة الدقيقة للنصوص.


> ما أجمل خطاب كتبته لعرفات؟

- عرفات يقول ان أجمل نص كتبته له هو نص إعلان الدولة. وأعتقد شخصياً انه أجمل نص كتبته في هذا القبيل. والمفارقة انني كتبته بعد أوسلو. كنت حينذاك في باريس وجاء عرفات وطلب مني أن أكتب النص وكان موضوعه فكرياً، حول مشكلات العالم... وفي الاجتماع كان رؤساء العالم موجودين، وأستشهد أكثر من رئيس بالنص الذي قرأه عرفات، فقال لي «أرأيت كم ان خطابك جيد»، فقلت له: هذا أصبح خطابك أنت.


> كتبت النص على رغم اعتراضك على اتفاق أوسلو!

- اختلافي مع عرفات حول موضوع أوسلو لم يمسّ العلاقة الشخصية التي جمعتني به. والدليل انني ذهبت أو عدت الى الوطن في شروط أوسلو.


> والخطاب الشهير في السبعينات: «لا تسقطوا غصن الزيتون»؟

- لا لم أكتبه وحدي. كنا مجموعة وكتبناه معاً. لكن الصحافة ركّزت عليّ وكأنني أنا الذي كتبته.

اسبيرانزا
14/08/2008, 16:37
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////


حياة خاصة


> قلت لي انك لم تخرج من البيت منذ ثلاثة!

- وأحياناً أبقى أكثر.


> ماذا يعني لك البيت؟ ألا تشعر أحياناً بسأم ما، بوحدة ما...؟

- البيت يعني لي الجلوس مع النفس ومع الكتب ومع الموسيقى ومع الورق الأبيض. البيت هو أشبه بغرفة إصغاء الى الداخل ومحاولة لتوظيف الوقت في شكل أفضل. ففي الستين يشعر المرء بأنه لم يبق لديه وقت طويل. وشخصياً اعترف بأنني أهدرت وقتاً طويلاً في ما لا يجدي، في السفر، في العلاقات وغير ذلك. انني حريص الآن على ان أوظف وقتي لمصلحة ما اعتقد بأنه افضل وهو الكتابة والقراءة. يشكو كثير من الناس من العزلة، أما أنا فإنني أدمنت العزلة، ربيتها وعقدت صداقة حميمة معها. العزلة هي أحد الاختبارات الكبرى لقدرة المرء على التماسك. وطرد الضجر هو أيضاً قوة روحية عالية جداً. وأشعر بأنني إذا فقدت العزلة فقدت نفسي. أنا حريص على البقاء في هذه العزلة، وهذا لا يعني انه انقطاع عن الحياة والواقع والناس... انني انظم وقتي في شكل لا يسمح لي بأن انغمر في علاقات اجتماعية قد لا تكون كلها مفيدة.

> لم تعد حياتك صاخبة سياسياً مثلما كانت من قبل؟

- الصخب لا أستطيع ان أتحرر منه. مصيرنا الوطني والإنساني يعذب النفس ويعذب الفكر. ونحن الآن في لحظة تاريخية يسود فيها، لا أريد ان أقول، قانون الغاب، ولكن استبداد كوني لا يصيبنا وحدنا، لكننا نشعر به اكثر من سوانا، لأننا نحن الأضعف الآن في العالم. ولدينا أزمة حضور وأزمة علاقة بتاريخنا ومستقبلنا. والأخطر هو أزمة العلاقة بالمستقبل. من هنا، فهذا الصخب قوي جداً ولكن يجب ألا نرد عليه بصخب كتابي. فأنت لا تستطيع ان تصارع الصخب بصخب لغوي، فالصخب المادي أقوى من الصوت الذاتي. عليك ان تقاوم هذا الصخب بنقيضه، بل بلغة أهدأ وبالتأمل وبارتباط أعلى بالحياة، وبتمجيد جماليات الحياة وبالبحث عن الطاقة الكامنة في النفس البشرية... هكذا تستطيع ان تسمع صوتك. فالصخب الخارجي العالي يستطيع ان يبتلع صوتك. انني أقاوم الصخب بالسكينة.
.
> قلت مرة ان «البيت اجمل من الطريق الى البيت»؟ هل يذكرك هذا القول بكلام الشاعر الألماني هولدرلن عن «العودة الى البيت»؟

- كثيرون من الشعراء منذ هوميروس كتبوا عن ثنائية الطريق والبيت. كنت دائماً أميل الى تمجيد الطريق، والطريق بؤرة أساسية في الرؤيا الشعرية والصوفية. هذه الثنائية تتناوبها أوليات مختلفة. عندما كنت خارج الوطن، كنت اعتقد ان الطريق سيؤدي الى البيت وان البيت اجمل من الطريق الى البيت. ولكن عندما عدت الى ما يُسمى البيت وهو ليس بيتاً حقيقياً غيّرت هذا القول وقلت: ما زال الطريق الى البيت اجمل من البيت لأن الحلم ما زال اكثر جمالاً وصفاء من الواقع الذي أسفر عنه هذا الحلم. الحلم يتيم الآن. لقد عدت الى القول بأولية الطريق على البيت.


> إنها حالة عوليس إذاً؟

أجل، حالة عوليس الذي لم يجد نفسه ولا ما كان يتوقع، ولم يجد كذلك بينيلوب. وبحسب الحالة الراهنة عدت شعرياً الى التأمل أكثر في الدرب والسبب بسيط لأنني لم أجد البيت.


> متى توطدت علاقتك القوية بالبيت؟ في أي مرحلة من حياتك؟

- علاقتي القوية بالبيت نمت في المنفى أو في الشتات. عندما تكون في بيتك لا تمجد البيت ولا تشعر بأهميته وحميميته، ولكن عندما تحرم من البيت يتحوّل الى صبابة والى مشتهى، وكأنه هو الغاية القصوى من الرحلة كلها. المنفى هو الذي عمّق مفهوم البيت والوطن، كون المنفى نقيضاً لهما. أما الآن فلا أستطيع أن أعرّف المنفى بنقيضه ولا الوطن بنقيضه، الآن اختلف الأمر وأصبح الوطن والمنفى أمرين ملتبسين.


> أي بيت أحببت خلال منفاك؟ وهل من علاقة بين البيت والمدينة التي تكون فيها؟

- لا شك في هذه العلاقة. فالبيت لا ينفصل عن محيطه. بيت في حيفا يختلف عن بيت في باريس أو القاهرة أو بيروت. نوافذ البيت مفتوحة على أصوات الخارج. أما البيت المجازي الذي يخلقه الشاعر لنفسه فإنما هو بيت داخلي يخترعه الشاعر نفسه. إنه عبارة عن بيت شعري. هكذا يتحول البيت الى بيت شعر وبيت الشعر يصبح مسكناً أو مأوى. لذلك أحب كثيراً عثور العرب على كلمة واحدة ذات معنيين البيت أي المنزل والبيت الشعري، وهذا تطابق جميل.


> أول بيت سكنته بعد خروجك من فلسطين أين كان؟

- أول رحلة لي خارج فلسطين كانت الى موسكو. وكنت طالباً في معهد العلوم الاجتماعية، ولكن لم يكن لي هناك بيت في المعنى الحقيقي. كان غرفة في مبنى جامعي.

> كم أقمت في موسكو؟

- سنة. وكانت موسكو أول لقاء لي بالعالم الخارجي. حاولت السفر قبلاً الى باريس لكن السلطات الفرنسية رفضت دخولي الى أرضها. كان هذا في العام 1968. كان لدي وثيقة اسرائيلية لكنّ الجنسية غير محددة فيها. الأمن الفرنسي لم يكن مطلوباً منه أن يفهم تعقيدات القضية الفلسطينية. كيف أحمل وثيقة اسرائيلية وجنسيتي غير محددة فيها وأقول له بإصرار انني فلسطيني. أبقوني ساعات في المطار ثم سفّروني الى الوطن المحتل.


> هل أحببت موسكو؟

- كانت أول مدينة أوروبية وأول مدينة كبيرة أعيش فيها. طبعاً اكتشفت معالمها الضخمة ونهرها ومتاحفها ومسارحها... تصور ما يكون رد فعل طالب فتيّ ينتقل من إقامة محاصرة الى عاصمة ضخمة! تعلمت الروسية قليلاً لأتدبر أمور الشخصية. لكن اصطدامي بمشكلات الروس يومياً جعل فكرة «فردوس» الفقراء التي هي موسكو، تتبخر من ذهني وتتضاءل. لم أجدها أبداً جنة الفقراء، كما كانوا يعلّموننا.

اسبيرانزا
14/08/2008, 16:39
> هل فقدت فكرتك المثالية عن الشيوعية في تلك اللحظة؟

- فقدت الفكرة المثالية لكنني لم أفقد ثقتي بالماركسية أو بالشيوعية. كان هناك تناقض كبير بين تصوّرنا أو ما يقوله الإعلام السوفياتي عن موسكو والواقع الذي يعيشه الناس، وهو مملوء بالحرمان والفقر والخوف. وأكثر ما هزّني لدى الناس هو الخوف. عندما كنت أتكلم معهم أشعر بأنهم يتكلمون بسرية تامة. وإضافة الى هذا الخوف كنت أشعر بأن الدولة موجودة في كل مكان بكثافة. وهذا ما حوّل مدينة موسكو من مثال الى مدينة عادية.


> الى أين سافرت بعد موسكو؟

- الى القاهرة.


> كم بقيت في القاهرة؟

- سنتين هما 1971 و1972.


> كيف كانت حياتك في القاهرة؟

- الدخول الى القاهرة كان من أهم الأحداث في حياتي الشخصية. في القاهرة ترسخ قرار خروجي من فلسطين وعدم عودتي اليها. ولم يكن هذا القرار سهلاً. كنت أصحو من النوم وكأنني غير متأكد من مكان وجودي. افتح الشباك وعندما أرى النيل أتأكد من أنني في القاهرة. خامرتني هواجس ووساوس كثيرة، لكنني فتنت بكوني في مدينة عربية، اسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون بالعربية. وأكثر من ذلك،وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرأها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريباً والأدب المصري. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين.


> هل التقيت طه حسين قبيل وفاته؟

- من سوء حظي أنني لم ألتقِ طه حسين، كان في وسعي أن ألتقي به، ولم يحصل اللقاء. وكذلك أم كلثوم لم ألتقِ بها. وحسرتي الكبرى انني لم ألتقِ هذه المطربة الكبيرة. كنت أقول انني ما دمت في القاهرة فلديّ متسع من الوقت لألتقي مثل هذه الشخصيات. التقيت محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ وسواهما والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.


> هل عملت في القاهرة؟

- عيّنني محمد حسنين هيكل مشكوراً في نادي كتّاب «الأهرام»، وكان مكتبي في الطابق السادس، وهناك كان مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ. وكان توفيق الحكيم في مكتب فردي ونحن البقية في مكتب واحد. وعقدت صداقة عميقة مع محفوظ وادريس، الشخصيتين المتناقضتين: محفوظ شخص دقيق في مواعيده، ومنضبط، يأتي في ساعة محددة ويذهب في ساعة محددة. وكنت عندما أسأله: هل تريد فنجان قهوة استاذ نجيب؟ كان ينظر الى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان حان وقت القهوة أم لا. أما يوسف ادريس فكان يعيش حياة فوضوية وبوهيمية، وكان رجلاً مشرقاً. وفي القاهرة صادقت أيضاً الشعراء الذين كنت أحبهم: صلاح عبدالصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل. كان هؤلاء من الأصدقاء القريبين جداً. وكذلك الابنودي. كل الشعراء والكتاب الذين أحببتهم توطدت علاقتي بهم. والقاهرة كانت من أهم المحطات في حياتي.


> هل كانت القاهرة منطلقك الشعري الثاني بعد انطلاقتك الاولى في الأرض المحتلة؟

- نعم. ولكنني سأروي لك هذه الوقيعة: عندما كنت في القاهرة راحت الصحافة العربية وخصوصاً بعض الصحافة اللبنانية تهاجمني. وخصّت مجلة «الحوادث» غلافها مرة لي قائلة: ليته يعود الى اسرائيل. وراحوا يؤبنونني شعرياً معلنين انني انتهيت كشاعر. قبل أن أكتب، حكموا على ما سأكتب. في القاهرة تمّت ملامح تحوّل في تجربتي الشعرية وكأن منعطفاً جديداً يبدأ.


> ولماذا قامت هذه الحملة عليك؟

- كان يُنظر إليّ عندما كنت في الأرض المحتلة كوني شاعر المقاومة. وبعد هزيمة 1967 كان العالم العربي يصفق لكل الشعر أو الأدب الذي يخرج من فلسطين، سواء كان رديئاً أم جيداً. اكتشف العرب أنّ في فلسطين المحتلة عرباً صامدين ويدافعون عن حقهم وعن هويتهم. اكتسبت إذاً النظرة الى هؤلاء طابع التقديس، وخلت من أي ذائقة أدبية عامة. هكذا أُسقطت المعايير الأدبية عن نظرة العرب الى هذه الأصوات المقاومة بالشعر والأدب في الداخل. ومن القصائد المهمة التي كتبتها في القاهرة هي قصيدة «سرحان سرحان يشرب القهوة في الكافيتاريا» ونشرت في صحيفة «الأهرام» وصدرت في كتاب «أحبك أو لا أحبك».


> ما هي المحطة الثانية عربياً في مسارك الشعري؟

- انها بيروت، بلا شك. فبعد القاهرة انتقلت الى بيروت مباشرة. وأمضيت فيها نحو اثنتي عشرة سنة الى حين الخروج. عشت فيها من العام 1970 الى العام 1982. حنيني الى بيروت ما زلت أحمله حتى الآن. وعندي مرض جميل اسمه الحنين الدائم الى بيروت. ولا أعرف ما هي أسبابه. وأعرف أن اللبنانيين لا يحبون مديح مدينتهم في هذا الشكل. ولكن لبيروت في قلبي مكانة خاصة جداً. ولسوء حظي انني بعد سنوات قليلة من سكني في بيروت، وهي كانت ورشة أفكار ومختبراً لتيارات أدبية وفكرية وسياسية، متصارعة ومتعايشة في وقت واحد، لسوء حظي أن الحرب اندلعت. واعتقد ان عملي الشعري تعثر حينذاك.


> لكنك كتبت قصائد جميلة في بيروت؟

- أعتقد أن أجمل ما كتبت ديوان «تلك صورتها وهذا انتحار العاشق». ولكن بعد اندلاع الحرب صار الدم والقصف والموت والكراهية والقتل... كل هذه صارت تهيمن على أفق بيروت وتعكره. وبعض اصدقائي هناك ماتوا وكان عليّ أن أرثيهم. وأول من فقدت هناك غسان كنفاني. وأعتقد ان الحرب الأهلية في لبنان عطلت الكثير من المشاريع الثقافية والفكرية التي كانت تجتاح بيروت. وانتقل الناس الى جبهات مختلفة ومتناقضة ومتحاربة.


> هل شعرت يوماً انك طرف في الحرب اللبنانية؟

- لا، أبداً. أنا منذ البداية كنت أعبّر لأصدقائي ومعارفي عن تشاؤمي من نتائج هذه الحرب. وكنت أطرح السؤال الآتي: هل كان في وسعنا ألا نُستدرج كفلسطينيين الى هذه الحرب؟ كانت هناك أجوبة رسمية تقول أن دور الفلسطينيين في الحرب هو الدفاع عن النفس ومواجهة محاولة إقصائنا. ولكننا أخطأنا في بيروت عندما أنشأنا ما يشبه الدولة داخل الدولة.


> هل أزعجك هذا الأمر؟

- كثيراً. وكنت أخجل من اللبنانيين إزاء الحواجز التي كان يقيمها الفلسطينيون في الأرض اللبنانية ويسألون اللبناني عن هويته. طبعاً لكل هذه الأمور تفسيرات وتبريرات. ولكن كنت أشعر دوماً بالخجل. وكنت أطرح على نفسي أسئلة عدة حول هذه الأمور، حتى أمام أصدقائي المتحمسين للقضية الفلسطينية والحركة الوطنية. ومن هذه الأسئلة: ماذا يعني أن ننتصر في لبنان؟ هذا سؤال كان يلح عليّ دوماً. ولنفترض أننا انهينا الحرب وانتصرنا، فماذا يعني الانتصار هنا؟ أن نحتل لبنان ونتسلّم الحكم في لبنان؟ كنت متشائماً جداً. ولم أكتب عن الحرب اللبنانية إلا كتابة شبه نقدية.


> لكنك أسست مجلة «الكرمل» في بيروت وكأن لديك مشروعاً ثقافياً!

- هنا المفارقة.


> الوجود الفلسطيني في بيروت كان له بعد ثقافي وساهم في منح بيروت دلالة ثقافية عربية.

- تستطيع أن تقول هذا الآن، بعدما وضعت الحروب أوزارها، الحروب الفلسطينية – اللبنانية أو الحروب الأهلية... تستطيع من خلال رؤية محايدة أن تنظر الى الآثار الايجابية للتفاعل الفلسطيني مع الحياة الثقافية اللبنانية أو التفاعل اللبناني مع القضية الفلسطينية. هناك جوانب ايجابية فعلاً. هناك مركز الأبحاث الفلسطينية، مجلة «شؤون فلسطينية» ومجلة «الكرمل» وسواها... كنت أشعر بأن وجودي في بيروت سيطول ولم أكن أشعر بالحرج وكأنني مقيم في شكل شرعي. ولكن أن أكون مقيماً في شكل اجباري ومضاد لرغبة اللبنانيين عبر تعايشهم القسري معنا، فهذا كان يزعجني. وعندما خرجت القيادة الفلسطينية والمقاتلون الفلسطينيون من بيروت لم أخرج. بقيت في بيروت أشهراً عدة. لم أتوقع أن الاسرائيليين سيحتلون بيروت. ولم أجد معنى لخروجي في السفن مع المقاتلين. ولكن في صباح ذات يوم وكنت أسكن في منطقة الحمراء، خرجت لأشتري خبزاً وإذا بي أشاهد دبابة اسرائيلية ضخمة. دخلت اسرائيل قبل الإعلان عن الدخول. حينذاك وجدت نفسي وحيداً أتجوّل في الشوارع ولا أرى سوى الدبابات والجنود الاسرائيليين ورجالاً ملثمين. قضيت فعلاً أياماً صعبة جداً ولم أكن أعرف أين أنام.


> هل بقيت في الحمراء؟

- لا. قمت بحيلة. كنت أنام خارج البيت في مطعم، واتصل بجيراني لأسألهم ان كان الاسرائيليون سألوا عني. إذا قالوا: نعم جاؤوا، فكنت أدرك انهم لن يأتوا مرة أخرى، فأذهب الى بيتي، أتجمّم وأرتاح ثم أعود الى المطعم. الى أن حصلت الكارثة الكبرى وهي مجزرة صبرا وشاتيلا. عندذاك تيقنت من أن بقائي هناك ضرب من العبث والطيش.
عندما احتل الاسرائيليون بيروت عام 1982.



> وكيف خرجت؟

- رتّبت الأمر مع السفير الليبي في بيروت حينذاك، فهو كان في مقدوره أن يأخذني من منطقة الأشرفية التي كانت «الكتائب» تسيطر عليها، الى سورية. ولكن كان عليه أن يجد طريقاً ليأخذني من بيتي الى مدخل الأشرفية. اتفقنا مع ضابط لبناني أوجد لنا شارعاً كان سيمر به الرئيس الراحل شفيق الوزان، وكان هناك اتفاق بين الاسرائيليين والحكومة على ألا يتعرضوا لهذا الشارع. وفعلاً سلكنا هذا الطريق وخرجنا من بيروت. وعندما وصلنا الى طرابلس، ذهبنا الى مطعم لنأكل السمك بعدما مللنا أكل المعلبات. وبعدما دخلت الحمام لأغسل يديّ نظرت الى المرآة فرأيت أنفاً عليه نظارتان. لم أعرف صاحب هذا الوجه لثوانٍ. كأنني كنت أنظر الى وجه آخر. وعندما وصلت الى دمشق أقمت هناك أسبوعاً. وكان حصل حادث طريف جداً على الحدود السورية – اللبنانية. فالضابط اللبناني على الحدود الذي طلب أوراقي، وكنت أحمل جواز سفر تونسياً ديبلوماسياً، وجد ان اقامتي قد انتهت وهذه مخالفة قانونية. قلت له: صحيح، ولكن ألا تسمع الأخبار؟ ألا تعرف ان ما من سفارات أو دوائر تعمل؟


> الى أين سافرت من دمشق؟

- الى تونس. وكانت زيارة ورأيت خلالها الرئيس عرفات والأخوان في مشهد تراجيدي. رأيت كل الثورة الفلسطينية تقيم في فندق على شاطئ بحر. كان المشهد مؤلماً جداً ويستدعي كتابة رواية عن هذا المصير. لكن عرفات سرعان ما أعاد بناء مؤسسته. وقال لي للحين: واصل إصدار «الكرمل». كان مهتماً حتى بالجانب الثقافي. فقلت له أين أصدرها؟ قال لي: حيث تشاء، في لندن، في باريس، في قبرص... ذهبت من ثم الى قبرص كي أرتب شؤون الرخصة. وصدرت «الكرمل» من قبرص فيما كنت أنا أحررها في باريس وأطبعها في نيقوسيا وكان معاوني الكبير هو الشاعر سليم بركات.


> كم دامت إقامتك في باريس؟

- نحو عشر سنوات ولكن في شكل متقطع، إذ كنت أسافر باستمرار. وكنت هكذا قريباً من منظمة التحرير في تونس.


> كيف كان انطباعك عن باريس؟

- كانت باريس عبارة عن محطة أكثر منها إقامة أو سكناً.


> هل ساهمت باريس في انطلاقك عالمياً وفتحت لك الآفاق الرحبة؟

- لا أعرف. لكنني أعرف بأن في باريس تمت ولادتي الشعرية الحقيقية. وإذا أردت أن أميّز شعري فأنا أتمسك كثيراً بشعري الذي كتبته في باريس في مرحلة الثمانينات وما بعدها. هناك اتيحت لي فرصة التأمل والنظر الى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة، هي مسافة ضوء. فأنت عندما ترى من بُعد، ترى أفضل، وترى المشهد في شمولتيه. علاوة على أن باريس جمالياً تحرّضك على الشعر والابداع. كل ما فيها جميل. حتى مناخها جميل. في باريس كتب وفي وصف يوم خريفي: «أفي مثل هذا اليوم يموت أحد؟». ومدينة باريس أيضاً هي مدينة الكتّاب المنفيين الآتين من كل أنحاء العالم. تجد العالم كله ملخصاً في هذه المدينة. وكانت لي صداقات مع كتّاب أجانب كثيرين. وأتاحت باريس لي فرصة التفرّغ أكثر للقراءة والكتابة. ولا أعرف فعلاً ان كانت باريس هي التي أصابتني أم ان مرحلة نضج ما تمت في باريس، أم انه تطابق العنصرين بعضهما مع بعض؟ في باريس كتبت ديوان «ورد أقل» وديوان «هي اغنية» و«أحد عشر كوكباً» و«أرى ما أريد» وكذلك ديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً؟» ونصف قصائد «سرير الغريبة». وكتبت نصوص «ذاكرة للنسيان» وغاية هذا الكتاب النثري التحرر من أثر بيروت، وفيه وصفت يوماً من أيام الحصار. معظم أعمالي الجديدة كتبتها في باريس. كنت هناك متفرّغاً للكتابة على رغم انتخابي عضواً في اللجنة التنفيذية. وفي باريس كتبت نص إعلان الدولة الفلسطينية. مثلما كتبت نصوصاً كثيرة ومقالاً اسبوعياً في مجلة «اليوم السابع». كأنني أردت أن أعوّض عن الصخب الذي كان يلاحقني في مدن أخرى.

اسبيرانزا
14/08/2008, 16:41
> عندما تركت بيروت حصل نوع من سوء الفهم بينك وبين بيروت... ماذا عن سوء الفهم هذا؟

- لم يحصل سوء فهم أبداً، بل كان لديّ حب عميق لهذه المدينة. لكنّ العلاقة بين المحبين ينتابها عتاب أحياناً. فعلاقتي ببيروت كانت علاقة حب. وقد شعرت في تلك اللحظة المأسوية بأن بيروت ستنسانا. هذا كل ما قلته وهو لا يجرح أحداً. وفعلاً مرّت بيروت لبضعة أيام في حال تراجع تجاه نفسها وتجاه الآخرين. أنت لبناني وتعرف اكثر مني. كانت بيروت محتاجة الى وقت أطول كي تتوازن. لكنها ما لبثت أن مرّت بحروب أهلية أخرى في غياب الفلسطينيين. وهذا دليل على أن الفلسطينيين لم يكونوا السبب الوحيد لهذه الحرب التي استحالت حروباً. لا. أنا لم أكتب عن بيروت سوى الحب. وكتبت بشجاعة العاشق المطمئن الى استعداد الحبيبة للاستماع إليه.


> مدينة عمان، هل هي لك بمثابة المستقر، اضافة الى رام الله؟

- بعدما أصبح في إمكاني أن أعود الى «جزء» من فلسطين وليس الى «جزء» شخصي بل الى «جزء» من وطن عام، وقفت طويلاً أمام خيار العودة. وشعرت بأن من واجبي الوطني والأخلاقي ألا أبقى في المنفى. فأنا أولاً لن أكون مرتاحاً، ثم سأتعرض الى سهام من التجريح لا نهاية لها، ثم سيقال انني أفضل باريس على رام الله أو على غزة. وبالتالي اتخذت الخطوة الشجاعة الثانية بعد الخروج وهي خطوة العودة. وهاتان الخطوتان من أصعب الأمور التي واجهتها في حياتي: الخروج والعودة. اخترت عمان لأنها قريبة من فلسطين ثم لأنها مدينة هادئة وشعبها طيب. وفيها أستطيع أن أعيش حياتي. وعندما أريد أن أكتب أخرج من رام الله لأستفيد من عزلتي في عمان.


> أليس من هدوء في بيتك في رام الله؟

- لا. التوتر عالٍ جداً في رام الله. ومشاغل الحياة الوطنية واليومية تسرق وقت الكتابة. انني أمضي نصف وقتي في رام الله والنصف الآخر في عمان وفي بعض الأسفار. في رام الله اشرف على إصدار مجلة «الكرمل».


> أين أصبحت «الكرمل» الآن؟ هل أكملت مشروعها؟

- كل مجلة يجب أن يكون لها تاريخ انتهاء. لا أعرف إن كانت «الكرمل» وصلت الى هذا التاريخ أم لا. لكنني أبحث فعلاً منذ سنوات عن طريقة لتجديد المجلة طابعاً وروحاً، من خلال تجديد محرريها. أي انني أبحث عن وسيلة للخروج لكي أعطي للجيل الجديد فرصة الاضافة والتطوير. لكنني أشعر حتى الآن بأن المجلة ضرورية ومطلوبة وتقوم بدورها الإبداعي والثقافي إضافة الى الترجمة.


> هل حاولتم التحاور مع المثقفين الاسرائيليين مثل بعض المجلات الفلسطينية في الداخل؟

- ليس كثيراً. هذه مسألة فردية. أنا لا أعترض على أي كاتب فلسطيني يحاور كاتباً اسرائيلياً معتدلاً ويجمعهما الحد الأدنى المشترك وهو القبول بالدولة الفلسطينية والحق الفلسطيني. ولكنني لا أقترح هذا الحوار كمقترح عام. وقد حقق زميلنا حسن خضر مساجلات مهمة مع بعض الكتاب الاسرائيليين وهي ليست حواراً مقدار ما هي مواجهة فكرية.


> هل تتدخل كثيراً في محتويات المجلة؟

- أقرأها حرفاً حرفاً. وأمارس دوري كرئيس تحرير. لأنني لم أقرر حتى الآن من هو رئيس التحرير المقبل. وهذا لا يتعلق بي وحدي بل بمجلس الأمناء وبمتطلبات الثقافة الفلسطينية في الداخل. فتوقيف مجلة مثل «الكرمل» يشكل تراجعاً كبيراً في الحياة الثقافية الفلسطينية. إننا في حاجة إليها. ولكن يجب أن يتسلّمها شخص سواي.


> هل ضجرت منها؟

- لا. لكنني أحررها منذ العام 1981 أي منذ أربع وعشرين سنة. وطبيعة الأشياء أن يتغيّر الأشخاص.


المرأة والمرأة – الأرض


> «سرير الغريبة» هو من كتب الحب الجميلة جداً وأعتقد انه استطاع ان يضع حداً لمقولة المرأة – الأرض أو الحبيبة – الوطن التي طالما تكلم عنها النقد إزاء شِعرك. كيف ترى الى هذه المقولة وهل من علاقة لها بـ «سرير الغريبة»؟ هل سئمت هذه المقولة؟

- لا لم أسأمها، ولكن هناك خطر من استمرار التمسك بالترمز. المرأة كائن بشري وليست وسيلة للتعبير عن أشياء أخرى. الوردة كائن جمالي من دون أن يرمز الى جرح أو دم. هذه محاولة لتطبيع علاقتي مع اللغة أو الكلمات والأشياء، ولتطبيع علاقتي أيضاً بالنظر الى الفلسطيني ككائن بشري أولاً، قبل أن يكون قضية. فالهوية الانسانية للفلسطيني سابقة للهوية الوطنية. صحيح اننا في صراع طويل يستلزم أن يقوم الشاعر خلاله بدور في بلورة الهوية الثقافية وفي حماية الروح من الانكسار، ولكن يجب ألا يلغي هذا الأمر حقنا الانساني في التأمل في طبيعتنا البشرية. فالفلسطيني إنسان يحب ويكره ويتمتع بمنظر الربيع ويتزوج... إذاً المرأة تحمل معاني أخرى غير الأرض. جميل أن تكون المرأة وعاء للوجود كله. ولكن يجب أن تكون لها شخصيتها كامرأة. عندما تعرضت في ديواني «سرير الغريبة» للنقد واتهمت بالتخلي عن ارتباطي بالقضية، قلت ان هذا تعميق للتجربة. ثم ان شعر الحب يمثل البعد الذاتي من أبعاد المقاومة الثقافية، فأن نكون قادرين على الكتابة عن الحب والوجود والموت والماوراء، فهذا يعمق من قيمتنا الوطنية وهويتنا. نحن لسنا خطاباً، نحن لسنا بياناً. وكما قلت أكثر من مرة وأكرر: الفلسطيني ليس مهنة بل كائن بشري يناضل ويدافع عن أرضه وحقه.


> هل يضيرك أن تُسمى مثلاً شاعر حب وليس شاعر غزل طبعاً؟

- أتمنى أن أكون شاعر حب أو أتمنى أن تسمح لي ظروفي التاريخية في أن أكون شاعر حب، لأن شعر الحب هو أجمل ما يمكن أن يكتب من شعر. والحب لا ينتهي. شعر النضال ابن مرحلة ما وهو ضروري، ولكنه لا يقدر على الاستمرار. الصراع عملية مستمرة، الصراع في معناه الايجابي، وهو يأخذ أشكالاً متعددة، منها صراع الانسان مع قلبه، الصراع بين العقل والقلب، نداء الغريزة، حق الرغبة في التعبير عن نفسها.


> هل عشت قصص حب وخيبات حقيقية؟ وهل كتبت انطلاقاً من تجارب عشق حية؟

- كل ما أكتبه في الحب أم في سواه، ناجم عن تجارب حية.


> هل هناك امرأة معينة كتبت عنها أو لها؟

- ربما. ولكن ليس كما يعبر عنها شعري. لماذا؟ لأنك إذا بدأت في كتابة قصيدة حب لا يمكنك ان تكتب عن المطلق في الحب، أنت تكتب عن امرأة معينة. لكن الكتابة تأخذ مجرى يخرج من سياق حادثة الحب. حينذاك تختلط ملامح المرأة التي تكتب عنها بملامح امرأة أخرى أو نسوة أخريات، وكذلك، بملامح الشجر والماء والتراب. النص يبدأ دائماً من المحدد ثم ينتقل الى الكلي. أما أن يكون لدي امرأة مثل «إلسا» حبيبة الشاعر أراغون فهذا صعب. ليس لدي «إلسا». هذا مع اعتقادي بأن «إلسا» كانت ذريعة للشاعر أراغون.


> سأنتقل الى الكلام عن «نوبل». ففي كل سنة يتجدد الكلام عربياً عن «نوبل» وتطرح دائماً أسماء عربية، وكان اسمك بارزاً هذه السنة من خلال الاحصاء الذي قامت به صحيفة «النهار» البيروتية وقد احتللت فيه المرتبة الأولى بحسب ترشيح بعض المثقفين العرب اسمك للجائزة! كيف ترى الى هذه القضية الاشكالية؟ هل فكرت بالجائزة يوماً؟

- لم أفكر بجائزة نوبل ولم أحلم بها وأشعر في داخلي بأن على الانسان أن يحلم بما هو ممكن وألا يتحول هذا الموضوع الى «وسواس». القضية غير شخصية وأشكر المثقفين الذين اختاروني للجائزة. ولكن كنت أتمنى ألا يكون اسمي مطروحاً بين الأسماء، لأنني لا أحب دخول هذه «البورصة». كل سنة ترتفع أسهم وتسقط أخرى. وعموماً هناك مشكلة في نظرة العرب الى صورتهم. الأدب العربي لا يحتل مكانته في العالم كما يظن الأدباء العرب. وجائزة نوبل ليست جائزة للأدب العربي. العرب فازوا بها بعد 87 سنة من تأسيسها وحازها نجيب محفوظ باستحقاق عالٍ. ومكانة العرب الأدبية ترتبط أيضاً بمكانتهم العالمية والسياسية وبحضورهم في العالم. ولا يمكن أن يستبعد هذا الشرط. يقيم العرب كل سنة زفة مما جعل القضية هذه محرجة حقاً. ومن حسن حظ العرب ان اعضاء اللجنة السويدية لا يقرأون العربية ولا يضحكون من إصرار العرب على انتزاع الجائزة. وإن فاز بها أي عربي فستكون الفرحة عربية. ولكن علينا أن نتصرف بلياقة أفضل وألا نصاب بمرض أو بهوس اسمه «نوبل». والمشكلة أن بعض الكتاب العرب إذا ترجم لهم كتاب يضعون نفسهم رأساً في قائمة المرشحين للجائزة هذه. وأنا أعتقد ان المرشحين لهذه الجائزة هم بالآلاف. وأي كاتب يمكن أن يُرشحّ الى هذه الجائزة. لكن هذا لا يعني شيئاً. فلماذا يقف العرب كل سنة في «طابور» الانتظار؟ إذا جاءت تكون جاءت وإذا لا فلا.. وعلى الذين يفكرون فيها يجب أن ينسوها، لعلها تتذكرهم.

> ماذا يعني أن يقول شاعر في حجمك ومرتبتك: «أنا لست لي أنا لست لي...»؟ هل هي الغربة التي يحياها الشاعر الذي فيك؟

- في آخر الأمر لا يبقى من الشاعر إلا بعض شعره، إذا كان استحق أن يصمد في غربال الزمن. أما هو فليس لنفسه، إنه منذور للغة ولتقديم مسوّغ وجوده على هذه الأرض. انه، في ختام الأمر زائل واللغة هي الباقية. «أنا لست لي» على المستوى الشخصي، ولكن ربما «أكون لي» على المستوى الشعري، وإذا كانت لي قيمة ما، فهي لن تكون لي، بل للغة وللآخرين.


> هل تخاف الموت؟

- لم أعد أخشاه كما كنت من قبل. لكنني أخشى موت قدرتي على الكتابة وعلى تذوّق الحياة. لكنني لن أخفيك أن الطريقة التي مات فيها الشاعر معين بسيسو في الفندق، وكانت غرفته مغلقة وعلى الباب إشارة «الرجاء عدم الازعاج» جعلتني أخشى هذه الاشارة أو اللافتة. فجثته اكتشفت بعد يومين. الآن كلما نزلت في فندق لا أضع هذه الاشارة على الباب. ولا أخفيك أيضاً انني لا أضع مفتاح باب البيت في القفل عندما أنام.


> أليست الفنون قادرة على هزم الموت كما قلت في قصيدتك «جدارية»؟

- هذا وهم نختلقه كي نبرر وجودنا على الأرض، لكنه وهم جميل
.

اسبيرانزا
25/08/2008, 20:02
احمد فؤاد نجم وتميم البرغوتى فى حوار مفتوح

على اليوتيوب

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

اسبيرانزا
25/08/2008, 20:03
حوار مع تميم البرغوتى منفرد

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

اسبيرانزا
08/09/2008, 01:20
حوار مع الشاعر العراقى عدنان الصائغ :D

اسبيرانزا
08/09/2008, 01:25
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

حوار مع الشاعر عدنان الصائغ
حاوره د.إسماعيل نوري الربيعي
- عمان -

بإزميل من فضة وقلب من بلّور يعكف هذا الصائغ على صياغة الصور والتراتيل والنشيج،في بوح يعزّ على تحديد نقطة الابتداء،مفتوحاً على النهاية التي لا تعرف الوصول الى الانتهاء.إنه الكوفيّ الذي ضمرته المراثي وأذى القصائد التي تعشعش في حشاشةٍ تسع الدنيا من دون الخضوع لتراتب عدد أو توزيع مكان،ينسج كوفيته من خيوط الكلام المنتقى مجمل الأوجاع الشفيف.

هو الخارج من الموت والحرب سهواً،متأبطاً معجم الأوجاع المغمّس بتراب الأولياء وصلوات القديسين، المذبوحين على باحة ورد الفجر.من أقصى الضياء يطالع سرب طيور حلقت نحو جنوب، علّها تنتظره هناك تحت نصب الحرية.لكنه واثق أنها ما أن تبدأ هجرتها حتى تبدأ بتلاوة نشيد أوروك،عند مستوى الرصيف الذي توارثه المحبون،وهم يدلفون زقورة الارتقاء نحو الشمس التي تلملم الاتساع في حركات عيونهم.
على القلق الذي تفرده سنابك خيل الطغاة،يثبّت عدنان بصيرته صوب أشجار الصنوبر الناحل،يغمد بشارة تنّز أذى وارتحالات، ومرورا يتعقبّه المخلصون الذين هالوا التراب على رؤوسهم، من فرط أصقاع الظلال التي خيّمت على دعاء المرمّلات والنائحات،المصطليات بنار الخفاء الذي يتغوّل العقول يروم تمزيق أوصالها.

حميم هذا النزف المشتهى،راعف كأنه بشارة المخلّص جاءت تستبيح جسد الخطيئة الذي ألف الرطوبة وتفسّخ الخطوات.من على أهداب ترنيمة الولوج الهادئ الشفيف،يستمطر عدنان حروفاً يُفردها على مساحة الكلام،يستنشق فيها عبير العطور التي توشحها نحاة الكوفة،وطلاب مرحلة السطوح في الحوزة وهم يستذكرون ألفية ابن مالك وأبيات الشنفرى والمتنبي ودعبل الخزاعي.مكوّن من حوار يقوده الشعر الى بواّبات الحفاوة وخزائن يقود إليها المسير الحثيث للنمل المجتهد والمقتصد.يدلفون جميعاً في الأقصى من نار التباريح واستباقات المعاني،حيث زهور النارنج تزدهي بها البساتين،تؤثل لحقول تكتوي بنار الشقاء وإشارات المستحيل،تصبوا من دون أن ينفطر قلبها لأسى الارتحال أو فراق العيون.

خرجت من الموت سهوا، أين الشاعر من الإنسان والإنسان من الشاعر؟

- في جدلية الحياة والموت، الجمال والقبح، الحب والحرب، الحرية والقمع، يكمن فن الشعر القادر على مزج الواقعي بالحلمي، والإنسان بالشاعر، تدويناً نصياً له قوة السحر (أن من البيان لسحرا)، ووهجاً عصياً على التدجين، وصرخة احتجاج أبدية، لا توقفها مقصات الرقيب، عابرة الأزمنة والكتب والذائقات والمدارس النقدية باتجاه ربيع الانسان وروحه المغمورة بالينابيع،
وفي هذا الإلتحام الجدلي: فنياً، وروحياً، وفلسفياً وتاريخياً يمكننا أن نتلمس هذا التماهي بين النص والحياة على مرِّ تأريخ الإبداع الإنساني، فليس بالمكان الفصل بين أصابع الشاعر وقصيدته، و بين احساس الفنان ولوحته، وبين روح الثائر وصرخته. وكلما ازداد هذا التماهي بينهما ازداد المنتج شفافية روحية وتوهجاً تعبيرياً وصلابة مبدئية في آن...
ولك ان تأخذ من تشكك ناقة المتنبي مثلاً يغنيك عن الكثير في شرح هذا التماهي بين الفضاء وروح الشاعر. لنسمعه يقول:
"شيم الليالي أن تشكك ناقتي
صدري بها أفضى أم البيداءُ"
واستبدل الفضاء بالورقة والناقة بالقلم، أو استبدل الورقة بالمخميلة والقلم بالحلم، أو استبدل المخيلة بالدهشة والحلم بالكلمات، تجد أن التماهي يصل إلى أقصاه وإنْ باشكال شتى، من نظرية الحلول الصوفي عند الحلاج، إلى اختلاط الحواس عند رامبو، إلى حمل الكلمة خشبة للصلب عند دعبل، والخ، والخ..
ومن هذه الثيمة، خرجتُ من الحرب سهواً، جندياً أمضى أكثر من 13 عاماً راكضاً بين السواتر والقنابل والاسلاك.. وشاعراً تسلل من بين مقصات الرقيب وتقارير بعض المخبرين بـ ستة دواوين حاولت أن تؤرخ لتلك السنوات المرة بصراخها الملتاع.

كأنك تمارس الحياة من خلال الشعر، تصطف هكذا مع حزمة الضوء من دون كلل، تحث الروح نحو الاستغراق في الشعر.

- لم يكن لي خيار سوى هذا، ففي أزمنة الموت والطغيان والطوفان، لابد لك من طوق نجاة.. وهكذا وجدتُ في الشعر نجاتي، وملاذي وسلواي..
البعض اتجه إلى الابديولوجيا أو الدين أو الصمت.. غير أني وجدتُ في الشعر تسامياً روحياً يرقى إلى أكثر الطقوس والمثل الانسانية شفافيةً وصفاءً، كما وجدتُ فيه تحدياً يوازي أكثر أسلحة الرفض قوةً وتأثيراً، فتلبسني وتلبستهُ - على الكفاف - أعيش حياتي به سلوكاً ووعياً، ويعيش بي تعبيراً وتذوقاً وتمرداً وتمايزاً..
فمنذ أن تفتح قلبي ووعيي على الدنيا، كنتُ أراه ملاصقاً لي، يسندني ويمدنّي بالكثير..
في طفولتي كان هو الحقل السرمدي، أركضُ فيه بلا كلل، خلف فراشاته الضوئية.. وفي صباي كان ملعبي وحلمي وسامري في الطريق... وفي شبابي كان مرآتي وصرختي وصلاتي في معركة الوجود.. وأجده الآن – في بدايات كهولتي - المصباح الأبهى في تلك الحلكة..

تنشد بحرقة، هكذا أنت في ((نشيد أوروك))، تستحضر كل شيء الأماكن والتواريخ والأسماء والتراب، إلى أين يسعى عدنان ((الشاعر)) الصائغ؟

- حاولت في النشيد أن أؤرخ كل ما مرّ في وطني من حروب وطغاة وحضارات وأغانٍ وأحلام وملوك وشهداء وصعاليك، لوّنوا تاريخنا بأغانيهم وخطبهم وطبولهم وأنينهم فكانت حياتنا - وكان الوطن - مسرحاً كبيراً لهم.. ونحن - المتفرجين - لا نملك غير التصفيق أو الصفير أو الصراخ أو الإنفجار أو النواح.
كنتُ أريد أن أقرأ في وجه "عبود" بطل النشيد كل هذه التلاوين وأفجّر في مساماته، مسامات الورقة، ذلك الغضب الخفي، والحكايات المسكوت عنها..
بدأتُ في كتابة النشيد عام 1984 في اسطبل مهجور للحيوانات في قرية شيخ اوصال في السليمانية، عندما كنتُ جندياً.. بقيتُ فيه قرابة العام والنصف مع رائحة البول والبارود والعناكب، وانتهيتُ منه عام 1996 في بيروت.. وكان يعيش معي، تحت جلدي، خلال تلك السنوات الاثنتي عشرة، في حلي وترحالي وخيباتي وأحلامي وأندفاعاتي وانكساراتي.. أدوّنُ وأدوّنُ في كل يوم بعضاً من صفحاته، دون أن أدري أنه سيكون على شكل قصيدة طويلة واحدة تربو على حوالي 500 صفحة..
وكان لتشجيع الناقد جبرا ابراهيم جبرا وخالي الشاعر والناقد د. عبد الاله الصائغ والشاعر عبد الرزاق الربيعي وبعض الأصدقاء، أثر كبير في مواصلة هذا المشروع المجنون...
ترى هل وصلتُ إلى ما كنتُ أسعى إليه؟
ولكن إلى أين أردت أن أصل!؟
وهل يبتغي الشعرُ الوصولَ!؟.. الوصول إلى أين!! كما ذهب الصديق الشاعر سركون بولص في عنوان إحدى مجموعاته الشعرية..

أنت من جيل عاش لوثة الخراب والحروب والانقطاعات، جيل عاش الحروب، حتى لتقترب من توصيف الشيخ محمد رضا الشبيبي:
بكرت عليك تريك هول الموعد
حرب تروح بنا وأخرى تغتدي

- سلسلة حروب أو حلقات كوارث أو تقاسيم فواجع، لدكتاتور واحد، كان متوزعاً بصور وأشكال شتى..
ما أن فتحتُ عيني على الدنيا ذات يوم من عام 1955 حتى وجدتُ الفقر أمامي مكشّراً أنيابه، ثم تلتهُ الانقلابات السياسية الدموبة، وصولاً إلى مطحنة الحرب التي لم تبقِ لنا شيئاً ولم تذر..
انها إذن، سنوات طاعنة في الخيبات، ألقت بظلالها الكابية على جبيلنا وتجاربنا وحياتنا.. وحملتنا – ذات هروب شبه جماعي بعد حرب الخليج الثانية – إلى أصقاع المنافي البعيدة..
نعم، انها حروب وفواجع تروح بنا وتغتدي، ولذلك ما أن تفتح ديوان أي شاعر من جيلنا حتى تقفز عليك فئران الحرب وشظايا الروح وطفح الخيبات..
وهذه المفردات أصبحت السمة المميزة لجيلنا.. افترشت أغلب تفاصيل كتاباتنا حتى في الحب والمرأة والأصدقاء والذكريات والمدن والموضوعات الأخرى...
وليس غريباً ذلك وقد عاشت معنا وفينا وحولنا أكثر من نصف أعمارنا..

تجليات الواقع، حيث الخروج من الوصف إلى الممارسة، أين بتقديرك تكمن قدرات الشاعر؟

- لم يعد الوصف من مهمات الشعر الرئيسة، كما كان في عصور الشعر القديمة، ولم يعد أيضاً مقياساً لقدرات الشاعر ومهارته.
لقد تخطى الشعر في مسيرته الحداثوية تلك المساحات المكررة إلى طرقٍ أكثر عشباً وضوءاً..
قد حفل الشعر العربي طيلة عقوده المنصرمة بأطنان الوصف والمديح اللذين أثقلا كاهل القصيدة إلى حد كبير فلم تعد تقوى على السير إلى أبعد من لسان المنشد أو أذن السامع...
كأن الوصف يشيد جدراناً أمام حقول القصيدة...
كأنه يكممها، مختزلاً لسانها وصورها ورؤاها...
كأنه يسعى أن يكون بديلاً..
لكن الشاعر الخلاق هو الذي يخترق هذه الجدران، ليدخل بنا في اللهب.
والقصيدة الحية هي التي تكسر أو تقفز تلك الحواجز، وتحفر عميقاً في بواطن الأرض والتاريخ والانسان لتستكشف طرقاً بكراً غير مأهولة..
ولا يتآتي ذلك بالجاهزية والوصف، بل في تلبس الحالة، في الامتزاج بها، في تعريتها، في الإصغاء إلى هسيسها الخفي..
وهنا تكمن موهبة الشاعر المتفرد وقدرته على الإختراق..

اسبيرانزا
08/09/2008, 01:26
عامرة بلادنا بالأحزان، كأنها النقيع الذي تستحم فيه الاحتدامات والاشكالات،الحزن والشعر، أم أن هناك معادلا آخر لهذه العلاقة؟

- لم يكن الحزن وحده سر هذا التفجر والثورات الذي عرفته أرض الرافدين على مختلف الأصعدة: الفنية، والأدبية، والسياسية، والإجتماعية، والإقتصادية، والخ، منذ فجر حظاراتها حتى اليوم..
فنهراها الخالدان اللذان اصطبغا بالدم والرماد والكتب، تلوّنا أيضاًُ بشموع النذورات وأغاني المحبين وطمي الحضارات. وسماؤها المشمسة التي حجبتها أدخنة الحرائق وذرق الطائرات، أضاءتها أيضاً ابتهالات الصوفيين وقباب الذهب وأعذاق النخيل.
ربما بين طياتي هذه المفارقة أو بين طيات التاريخ والأرض، يكمن السر الذي توقف عنده المؤرخون ملياً، كالطبري في تاريخه، وابن خلدون في مقدمته والخ..
وشد إليه الملوك والفاتحون والغزاة رحالهم واطماعهم وجيوشهم.
وندبته آله سومر، وفرشته أخيلة الشعراء والمغنين على مر تاريخه بأكاليل الغزل وأطواق الورود والأغنيات كما لم يغن ويندب لبلد.
ودكته صواريخ التوماهوك كما لم يدك بلد في الأرض.. والخ.
وهذه الإحتدامات والفيوضات التي جرت في عروق أبنائه، هي المعادل الموضوعي لكل ذلك الموروث الضخم والمذهل والفاجع الذي قرأناه في التاريخ وعاصرناه في الحاضر، والذي حمل في نفوس أهله - وشعرائه بالأخص - الكثير من التوتر والاحتدام من جانب والشفافية والطيبة من جانب آخر، فطفحت في أغانيه ومواويله نبرة الحزن والشجن منذ أغاني اينانا السومرية وحتى انشودة المطر لبدر شاكر السياب، وإلى آخر شاعر تسعيني يسطر – اليوم - نصه الجديد.
لقد عبرتُ عن تلك المعادلة أو المفارقة، في قصيدة لي بعنوان "العراق" ضمها ديواني الأخير "تأبط منفى"، أقول فيها:

"العراقُ الذي يبتعدْ
كلما اتسعتْ في المنافي خطاهْ
والعراقُ الذي يتئدْ
كلما انفتحتْ نصفُ نافذةٍ..
قلتُ: آهْ
والعراقُ الذي يرتعدْ
كلما مرَّ ظلٌّ
تخيلّتُ فوّهةً تترصدني،
أو متاهْ
والعراقُ الذي نفتقدْ
نصفُ تاريخه أغانٍ وكحلٌ..
ونصفٌ طغاهْ"
.......

هل اكتفيت من تأبطك المنفى، هذا الجليد الاسكندنافي الكثيف، حدثنا كيف يطبق على الروح؟

- أفتح نافذتي على مدار أغلب شهور العام فلا أجد أمامي سوى قطوف الثلج تملأ شوارع الروح بالغياب والغربة..
الجليد بمد لي لسانه الأبيض، وكذلك الورقة البيضاء التي أمامي. ثم يطبقان علي.. كأنني مسجون أبدي بالبياض أو الغياب.
"أيهذا الغريبُ الذي لمْ يجدْ لحظةً مبهجهْ
كيف تغدو المنافي سجوناً بلا أسيجةْ"
حين تأبطت منفاي صيف 1993، وألقى بي وبحقائبي في غرفة صغيرة قرب الساحة الهاشمية في عمان، لم أكن أفكر أو أحلم أن رحلتي هذه، ستعبر بي مدناً، وصحارى، وبحاراً، ومقاهٍ، وأصدقاء، وساحات، لم تكن تخطر لي على بال، وصولاً إلى جنوب القطب الشمالي.
حيث تصل درجة الحرارة الى 36 تحت الصفر، ودرجة الحرية إلى أقصى مدى يتخيله المرء، أنا القادم من بلد الهجير والحروب والقمع حيث تصل درجة الحرارة إلى فوق 50 مؤوية، وتصل درجة قمعك إلى حد أنك لا تستطيع أن تفتح فمك من وقع سياطهم وجزماتهم لتصرخ: آه..
هنا وضعتني هذه المفارقة، صافناً، ومندهشاً، على ضفاف نص جديد مفتوح، أسميته "نرد النص" يبتعد إلى حد كبير، ايقاعاً وشكلاً ولغةً وجرأة، عن كل تجربتي الشعرية..

مسالة الأجيال تؤرق البعض من الشعراء والنقاد، حتى لترى المزيد منهم يسفحون الكثير من الجهد في التوزيعات والتقسيمات.

- مصطلح "الجيل الشعري" وليد اصطراع أدبي، هو أقرب إلى لغة الصحافة وصراعاتها الهامشية منه إلى متن النقد الأدبي الجاد.. وقد وجد من يصفق ويهلل له، وخاصة ممن فاتهم قطار الإبداع، فتمسك بعربات هذا المصطلح المتوقفة على السكة منذ زمن، ظناً منه أنهم في قلب الحركة أو القطار..
وسايرهم أيضاً بعض النقاد ممن لم يستطع غور سبر التجربة، فتعكز على هذا المصطلح، يقلبه ذات اليمين وذات اليسار، مثيراً ما وجد تحته أو فوقه من غبار، ظاناً أنه يقود معركة في النقد بينما هو لم يتجاوز حدود عجاج المسطلح..
ولا أدري - لعمري - ما علاقة طالب عبد العزيز برعد بندر مثلاً وهما من جيل ثمانيني واحد. أو علاقة رعد عبد القادر بغزاي درع الطائي مثلاً وهما من جيل سبعيني واحد. أو علاقة فاضل العزاوي بحميد سعيد مثلاً وهما من جيل ستيني واحد. أو علاقة سعدي يوسف براضي مهدي السعيد... مثلاً وهما من جيل خمسيني واحد، والخ، والخ.. وصولاً إلى علاقة أبي تمام والبحتري بـ "الخمسمئة شاعر" الذين طووهما تحت إبطيهما، كما يروي أبن رشيق القيرواني، في كتابه "العمدة".
وإلى علاقة شكسبير بشعراء جيله الذين لم يذكرهم أحد إلا لماماً في الوقت الذي يصدر عنه يومياً من الكتب ما معدله - وفقاً لما تقول إحدى الاحصائيات البريطانيبة - كتابٌ واحدٌ في كل يوم..
وتعال مرة أخرى وقل لي من أي جيل هو شكسبير والمتنبي.
إنهما كل الأجيال وكل العصور وكل الثقافات وكل الأوطان، لا يحد إبداعهما حد، ولا يحصر تجربتهما جيل أو مذهب أدبي.
لهذا لا أرى من ضرورة لسفح الحبر والجهد على توزيعات وتقسيمات آنية لن تصمد أمام رياح السنين .
فلن يبقى من معمعة المصطلح الجيلي سوى النص المبدع المتوهج بتفرده.

حالم بالحياة لافظ للموت، بطريقة لا تقبل الالتباس، هذا ما تقوله قصيدتك، هل يتمكن الشاعر من صنع الدهشة فقط؟

- الشاعر الرائي – كما تسميه ملحمة كلكامش – والصانع الأمهر - كما يصفه ت. س. اليوت - وسارق النار - كما يجسده بروميثيوس - والحلم المكتوب كما يذهب إليه باشلار، وسمير وادي عبقر - كما يراه نقاد العرب القدامى -..
وهو سيد الدهشة، بإمتياز، ماضياً بنا إلى تلك الأرخبيلات أو اليوتوبيا ليرينا عوالمها ويقف بنا على أسرارها وأطيافها، أو صاعداً بنا إلى الجلجلة، منشداً لربيع الإنسان القادم من مخاضات عذابه، إلى شواطيء الحرية والحب والجمال..
وتلك – برأيي – أولى رسالات الشاعر وأبهاها منذ أن سرق بروميثيوس النار حتى آخر شاعر يحمل كبريته في غابات اللغة.

بارع في صنع المعادلات، لنتأمل قصيدة ((ثقب)) على سبيل المثال، من مجموعة ((تحت سماء غريبة))، تعمد إلى اختزال العالم في ثقب نوم، الإحالة إلى اقتطاع العلاقة بين القاتل والمقتول في تجريد ملفت.

- القصيدة تقول:
"طلقةٌ عابرةْ
ثقبتْ نومَهُ
فتدفقَ
- فوق وسادتهِ -
لزجاً
دمُ أحلامهِ الخاسرةْ"
حياتنا التي ظلت عرضة للرصاص على مدار تاريخ الوطن.
وحين كنا نخبئها من عيون الرصاص والمخبرين في الخنادق أو الدواليب، تاركين أحلامنا، تتسكع لوحدها على الأرصفة مع المطر والحبيبة والكلمات والأمل، وكان في هذا زهونا وتحدينا ونصنا.
ولم يكن يخطر على بالنا أن الجلاد سيطلق الرصاص على أحلامنا ليرديها، على أسرتنا، مسربلة بقطرات خساراتنا ودمائنا.. هكذا تذهب القصيدة في مدياتها إلى آخر المرارت.
وهكذا تذهب معادلة الكلمة والرصاصة إلى آخر مديات إصطراعهما، لترينا أنه كلما تفتق القلم عن فنون الإبداع والجمال والحب والتفرد، كلما ازدادت الرصاصة تفنناً في شراسة القتل.
وتلك - لعمري - معادلة أزلية أرقت الوجود الإنساني برمته منذ مقتل هابيل، وحتى تفجيرات الطف، تنويعاً وترويعاً في وسائل القتل وتلويناً في الأهداف الآيديولوجية

اسبيرانزا
08/09/2008, 01:29
حوار مع الشاعر العراقي عدنان الصائغ
أجرى الحوار: مصطفى عبادة
- القاهرة -
في قصائدك نزعة تشاؤمية عالية رغم ذلك تنهي أغلبها ببارقة أمل.. هل ما زال هذا الأمل لديك؟

- الحياة المرّة التي عشناها هناك، خلف أسوار أعتى دكتاتورية شهدها التاريخ المعاصر، وبين دخان الحروب، صبغت نصوصنا بلونها الكابي وثقبّت أحلامنا وأيامنا بشظاياها.. فكنتَ ترى اللوعة والشجن والاغتراب في نصوصنا داخل الوطن.. وترى الحنين والخيبات والغياب في نصوصنا الملتاعة خارج الوطن..
لكن بين هذا وذاك، كانت ثمة أعشاب ندية وزهور متفتحة وينابيع متفجرة تجدها هنا وهناك, في هذا النص أو ذاك, تتغذى بأنساغ الأمل المترقرة في أرواحنا الحالمة بالغد، والعاشقة الأبدية للحرية. ولولا ذاك لغدت حياتنا – بل ونصوصنا - يأساً ويباساً وموتاً..
وإلى ذلك أشار الطغرائي:
"أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ"..
هذه الفسحة التي وجد الأنسان ظالته فيها، منذ بدء عذاب البشرية حتى يومنا هذا، ربما تكون هي أمنية, أو يوتوبيا، أو هي رغبة وتحدٍ وسعيّ لتحقيق ما لم يتحقق..

أنت من جيل الثمانينيات الشعري في العراق, ما الذي بقي من هذا الجيل؟

- ظل من هذا الجيل الكثير: نصوصاً وأشخاصاً وشهادات وخيبات.. ظل منه هذا النسغ الملتاع الموصل بين الأرض والثمار الجديدة: تأثراً وتأثيراً، تستطيع أن تتلمسه في بعض ما يكتبه التسعينيون وغيرهم مثلاً..
إن جيلنا الثمانيني الذي عاش ثلاثة حروب طاحنة وحصارات طويلة وتهميش قاسٍ, كان أقوى في الانتصار على موته ويأسه.. لقد ظل الرائعون والأصيلون منهم يواصلوان مشوارهم الابداعي بمختلف الاتجاهات, مؤسسين ومرسخين مفاهيمهم الجمالية والفنية على خريطة القصيدة المعاصرة عراقياً وعربياً وعالمياً..

في عز معمعة القصائد التي تمجد الحرب في العراق كتبت ديواناً بعنوان: "العصافير لا تحب الرصاص.. ألم تخشَ على نفسك من العقاب سيما أنك كنت جندياً لفترة 12 عاماً متواصلة؟

- كنا نستخدم لغة الخطاب المستتر أثناء هيمنة الخطاب الاعلامي الرسمي وتصاعد دوي القنابل والشعارات الرنانة في تلك الحقبة الكالحة من سنوات الحرب والموت المجاني وقد ألقت بنا أقدارنا جنوداً أو أحطاباً على تلك السواتر البعيدة, أو أقلاماً بين حقول الألغام..
كنا نلوذ بنصوصنا المشاكسة إلى التاريخ والميثولوجيا والحب خوفاً من مقصات الرقيب والتأويلات القاتلة..
وكان البعض يميل إلى الرمز أو التورية أيضاً تجنباً لمتاعب قد لا تخطر على بال....
في احدى قصائدي التي نشرتها بعد خروجي من الوطن أقول فيها:-
"في وطني..
يجمعني الخوف
ويقسمني
رجلاً يكتب
والآخر خلف ستائر نافذتي
يرقبني.."

قصيدتك "نشيد أوروك" محاولة لكتابة سيرة شعرية للوطن هل قصدت ذلك.. أم أردت استحضار الوطن الغائب في الواقع، إلى القصيدة؟

- بدأتُ في كتابة نشيد أوروك عام 1984 في اسطبل مهجور للحيوانات عشتُ فيه قرابة عام ونصف جندياً معاقباً.. والحرب العراقية الايرانية في أشدها. وذات يوم ملأوا الاسطبل بصناديق العتاد المكدّسة لفوجنا, كنا نجلس وننام ونأكل ونستمني, على تلك الصناديق المرعبة..
أحسستُ وقتها أن مجرد صدفة أو طلقة أو شرارة نار يمكن أن تحيلنا إلى ذرات لامتناهية من الشظايا المتناثرة في فضاء هذا الكون الأجرد.. في تلك الأجواء الكابوسية المديدة جاء أحد الجنود، يوماً، يحمل بقايا صحيفة وجدها قرب حاوية النفايات، بسطها أمامي ليريني صورتي وسط مقال كتبه الناقد المرحوم عبد الجبار داود البصري محتفياً بديواني الأول.. "انتظريني تحت نصب الحرية". انهمكت في بكاء مرّ، وأنا أرثي حالي البائس هنا وثمة أناس وقراء ربما يقرؤونني الآن..
أمسكتُ قلمي، وعلى ضوء الفانوس الشاحب، المتراقص الضوء، بدأتُ أسطر أولى كلمات قصيدتي "هذيانات داخل جمجمة زرقاء" والتي أسميتها فيما بعد "نشيد أوروك"..
كنت أحاول أن أسطر فيها كل ما مرّ ويمر بي من فصول وهواجس وفواجع وقراءات وأحاديث وأحلام وذكريات.. و.. و.. ومن خلال ذلك استحضر عذابات وطني المرمى هناك على سواتر الحرب منخوب الروح من الطلقات والشعارات.. ولم أكن أدري أنها ستمتد على أوراقي وحياتي وطوافي لتصل إلى مئات الصفحات ولتخرج بعد 12 عاماً من الكتابة بهذا الشكل وهذا العويل..

قصائدك تحتفي باللحظات الحميمية والأصدقاء بما يشكل ثيمة رئيسية من شعرك.. هل هو هروب من قتامة الواقع؟

- في التفاصيل الصغيرة يمكنك أن ترى العالم, وفي تلك اللحظات الخفية تتلمس سخونة الواقع, قتامته أو فتنته. وما الشعر إلا سابر أغوار تلك العوالم العصية, مستكشفاً ومدوناً ومستبصراً..
كنتُ أرى أن الثيمة الحقيقية للحياة والتاريخ تكمن في تلك التفاصيل المسكوت عنها, وفي خفايا الروح وفي قاع المدينة السحيق..
ومهارة الشاعر هنا تكمن في قدرته على التقاط تلك التفاصيل التي ربما لا ينتبه لها الآخرون على رصيف الحياة..

ما مصير هذا الشعر الذي كان يمجد الحرب.. ما الذي سيبقى منه؟

- هذه النصوص مصيرها الزوال – إن لم أقل شيئاً آخر - نعم ستزول هذه الأبواق والنصوص واللوحات والمسرحيات والروايات والقصص والأغاني التي زجّها النظام السابق – بالترهيب والترغيب - في أتون معركتهِ، أبواقاً ووسائل ايضاح لإيديولوجيته البائسة..
ما يتبقى من نصوص الحرب فقط هي تلك النصوص الصادقة المتفردة المعجونة بالدم والرماد, النصوص الحية التي كانت تعبر – بصدق وفنية عالية - عن معاناة الناس وحياتهم المفجوعة ومخاوفهم وأحلامهم وأفراحهم المبتسرة وخيباتهم داخل تلك الطاحونة التي دارت بنا لسنوات طويلة ومريرة..
يمكن للناقد النزيه وللقاريء الجاد أن يخرجا - من بين تلك الأطنان المكدسة من الروايات والدواوين ببضعة منها حافظت على صدقها وابداعها وهي تستحق منا الاحترام والاهتمام كنموذج حي على أن آلة الموت لم تستطع أن تقتل أو تفسده روح الابداع العراقي أبداً.

ما الاضافة التي قدمها جيلك (الثمانينيات) للشعرية العربية من العراق؟

- تختلف الإضافة التي يقدمها جيل عن جيل باختلاف منسوبه الابداعي من جهة واختلافات الزمان والمكان والمتلقي- من جهة أخرى –
هذا المتلقي سواء كان قارئاً أم شاعراً أم جيلاً..
وقد امتد جيلنا الثمانيني بتجاربه المتفاوتة والمتشعبة إلى التجارب الأخرى سواء كانت ذلك في العراق أو خارجه.
ويمكنك أن ترى تلك الإضافة من منظورين: تاريخي وابداعي.
الأول طبيعي يتأتى من تأثير السابق على اللاحق في كل تجربة جيل ومدرسة ومذهب وحضارة.. وهو دورة شاملة في تاريخ الانسانية عموماً.
أما الثاني فهو ذلك التأثير الخلاق الذي يولد من ديمومة الابداع نفسه وقوة جذبه وتجاوبه مع الآخر..

أنت تنتمي شعرياً إلى مدرسة سعدي يوسف.. ألا ترى أن هذه الشعرية استهلكت تقنياتها.. ولم تعد تقدم الآن جديداً؟

- لا أنتمي إلاّ إلى مدرسة الشعر بحشد شعرائها من امرئ القيس إلى أحمد الصافي النجفي, ومن كافافي إلى سعدي يوسف, ومن ملحمة كلكامش إلى انشودة المطر, ومن المتنبي إلى شكسبير, ومن انخدوانا إلى سافو, ومن الحلاج إلى محمود درويش.. ومن ديك الجن الرومي إلى أدونيس, ومن لوركا إلى حسب الشيخ جعفر، والخ, الخ من دورة الأجيال والاتجاهات والمشارب..
ولك أن ترى في التأثر والتأثير سنة الحياة الشعرية, ولك ان ترى في التفرد سنة الابداع الذي لا يتكرر في كل عصر وجيل..
واخالفك الرأي بأن مدرسة سعدي قد استهلكت تقنياتها, فما زالت حية بجديدها. وما جديد الكواكب إلا ضوؤها المتجدد.. وليس بتغير أشكالها ومساراتها وفصولها..

هل تعتقد أن المنفى خلق جماليات جديدة في القصيدة العربية؟

- فتح المنفى أمام الشاعر العربي تجربة مهمة في النظر الحر إلى الوطن من شرفة الحرية.. والكتابة المفتوحة عنه بعيداً عن سلطة الرقيب الحكومي..
وتأتي قصيدة المنفى تنويعاً حاراً على ايقاع الشعر العربي على مستوى المضمون والشكل والرؤية والاتجاه.. ومثلما كان للموشحات الاندلسية تأثيرها على حركة الشعر وخلخلة نظامه الايقاعي.. ومثلما كان لتجربة شعراء المهجر (جبران خليل جبران, والياس أبو شبكة وغيرهم) تأثيرها المهم على المضامين الجديدة.. فأنني أرى أن قصيدة المنفى العربي استفادت من هذا التجارب العالمية وأشياء أخرى كثيرة.. وسيكون لها تأثير واضح على بنية الشعر العربي اليوم..

أنت تعيش في السويد بتراثك العربي, كيف كانت لحظة الالتقاء؟

- وجدتُ نفسي وشعري بين قطبين مختلفين لا يلتقيان, أنا القادم من بلد الحروب والدكتاتوريات والنفط والقمع إلى بلد الحرية والرفاهية والسلام والأمان, حيث تغدو الحرية لديهم أعلى قيمة في الوجود الانساني وأعلى من أي سلطة.. وحيث لم تعرف هذه الأرض حرباً منذ ما يقرب المئتي عامٍ..
كما وجدتني بين مناخين غاية في الافتراق.. من بلد تصل درجة حرارته إلى 50 أو 60 مئوية، إلى بلد تصل درجة انجماده إلى 36 أو 45 تحت الصفر..
وإلى آخر تناقضات هذين الواقعين المختلفين سلوكاً وثقافة وفكراً وديناً ومجتمعاً وعاداتٍ والخ.. والخ..
وقد انعكست هذه المتناقضات على نصي بالدرجة الأولى, فحملت صوري الشعرية الكثير من هذه المرايا المتعاكسة.. التي تريك الوجود الإنساني بصوره المختلفة, وثقافاته وأحلامه وانكساراته المتدرجة، صعوداً وهبوطاً، بين الحرية والقمع، بين الانسحاق والأمل, بين الاستشراف والخيبات والخ.. والخ..

هل المنفى بالنسبة لك هو استراحة المحارب أم أنه معركة أخرى.. وكيف تخوضها؟

- لم يكن المنفى محطة راحة أبداً, رغم قسوة المحطات والدروب الوعرة التي سلكتها طيلة ربع قرن من تاريخ الكتابة.. لكنها بالتأكيد كانت محطة مختلفة, بابتعادها إلى حدّ ما عن مصدر الخطر الرئيسي على حياتي وقلمي, لكن الهواجس والكوابيس ظلت تطاردني باستمرار, وتقظ عليّ مضجعي وهدوئي في هذه البقعة الحالمة المتكئة على كتف القطب..
وكان هذا بصورة أو بأخرى محفزاً دائماً لي.. يضاف إليه اصراري الأبدي على مواصلة مشروع الكتابة رغم كل الضروف.. وما الكتابة – على مدار تاريخها- إلا معركة مستمرة ضد قوى الظلام وأعداء الحياة والجمال والحرية..

كيف تعاملت مع فكرة المنفى في الواقع؟ وما مردودها على شعرك؟

- لم يكن المنفى وليد لحظة خروجي من الوطن, بل كان يعيش داخلي وأنا داخل الوطن بالمعنى الذي عناه أبو حيان التوحيدي وهو يصف الغريب في وطنه بأنه أغرب الغرباء.. وتلك لعمري محنة لم تواجهني لوحدي أو تواجه جيلي فحسب, بل امتدت على مختلف الأجيال الشعرية في العراق تحديداً وفي الوطن العربي والأوطان المقهورة في العالم بهذا الشكل أو ذاك,..
فأنت يمكنك أن تجد لوعة الغربة وعذابات النفى مبثوثة في الكثير من نصوصنا التي كتبناها في الداخل، فكان المنفى الداخلي رمزاً للاغتراب عن الواقع الكابوسي الذي عشناه طيلة تلك السنوات المرّة..
غير انه حمل في بلاد الغربة رمزاً ومعنىً آخرين أقرب إلى الصليب والصرخة منه إلى الحنين والتأوه والاستذكار..

لماذا – أصلاً - قررت الاغتراب والنفي منذ البداية؟

- في الأجواء الكابوسية والقمعية التي عشناها في بلادنا, كانت مساحة الحرية المتاحة للكتابة تضيق وتضيق يوماً بعد الآخر, حتى لم يعد ثمة مساحة لأي كلمة خارج قوس الرقيب..
ولهذا كان لا بد من الهجرة حفاظاً على عافية نصي وحياتي, بمعنى انه لم يعد أمام الكتابة من خيار غير الاختناق أو الصمت أو التلوث أو الانفجار.. وكل تلك الخيارات صعبة أو مميتة إلى حد أنه لم يكن بالامكان المحافظة على قلمك ورأسك في آن..

وكيف خرجت من العراق.. ما ظروف خروجك؟

بعد عرض مسرحيتي "الذي ظل في هذيانه يقظاً" وما جرّت من تأويلات وملابسات ووشايات.. وايقاف عرضها, أصبحت كأني أقف على كف عفريت..
وحين وصلتني دعوة مهرجان جرش التي رتبها بعض الأصدقاء، خرجت من العراق إلى عمان صيف 1993، ثم تسللت عائلتي بعد ذلك لتستقر معي في ضروف غاية في الصعوبة, وبعد أن أصدرت "تحت سماء غريبة" أخذت أجهزة السفارة العراقية تضيق الخناق على أنفاسي وحركاتي وعملي في الصحافة.. وظلت تلاحقني من مكان إلى مكان وأنا انتقل من عمان إلى صنعاء فالخرطوم فدمشق فبيروت، وبعد صدور "نشيد أوروك" هناك وجدت أن وجودي فيها أصبح مستحيلاً فقررت منظمة UN منحي حق اللجوء السياسي ورتبت سفري وعائلتي إلى أقصى الأرض, إلى السويد..

بعض المثقفين العرب الذين يعيشون في الغرب ينظرون إلى المقاومة العراقية الآن بأنها تخريبية.. كيف تراها أنت؟

- ليس هناك مثقف أو حزب أو شجرة أو موطن عاقل وشريف يقبل باحتلال وطنه.. مثلما ليس هناك عاقل وشريف يقبل بالدكتاتورية أيضاً..
لكن مقاومة الاحتلال لا تأتي عن طريق تفجير أنبوب غاز أو مجمع سكني أو تفخيخ مطعم أو قصف مرقد ديني أو مرقص..
يمكن للمقاومة الحقيقية أن تأخذ طرقاً آخرى غير هذا.. وتعتمد وسائل ناجعة تنظر بالدرجة الأولى إلى مصلحة الوطن والشعب قبل أي شيء..

اسبيرانزا
09/12/2008, 00:29
حوار مع الشاعر المصرى محمد ابراهيم ابو سنة :D

اسبيرانزا
09/12/2008, 00:32
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////


القاهرة - العرب اونلاين - سمير درويش: عندمااستقبلنى حسب الموعد الذى اتفقنا عليه، وجدت عنده طالبة دراسات عليا تعد رسالةماجستير عن شعره هى ليست الأولى. حاول أن يؤجل الحديث قليلاً لما بعد طقوس الضيافة،ولكننى فضلت ألا أنتظر، كنت أحاول أن أكسر دفاعاته، لذلك قلت له إننى لم آتيهبأسئلة مسبقة، فاندهش، لكنه وجدها فرصة ليقول كل ما يريده وليقودنى إلى حيث يشاء،وذلك هو ما أردته بالضبط!
هذا هو الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة الذى أردتمواجهته لا حواره، فهو الذى قال: "الزمان اختلف"، فهل يؤمن بأن الزمان يختلف دائما؟من موقعك فى البرنامج الثقافى بالإذاعة المصرية، ومن خلال برنامجك ألوان منالشعر، استطعت أن تتابع الحركة الشعرية فى مصر بدقة. كيف ترى الواقع الشعرى الراهن؟الواقع الشعرى الراهن يتخذ صورة كرنفالية صارخة الألوان، ولكنها للأسف لا تنتمىللدلالة التى يعطيها الكرنفال، فهى صورة مأساوية إلى حد كبير، فبينما يتعاطفالروائيون والقصاصون بعضهم مع بعض كما نرى على صفحات الصحف الأدبية ، فإن الأجيالالشعرية تتناحر حول المساحات الضئيلة التى تركها الهامش الثقافى للشعر ، من الواضحأن ثمة موجة جديدة تتسلح بالقطيعة مع الواقع وتدعى التعالى عليه، وهذه الموجة فىالواقع لا يقتصر وجودها على الشعر النثري، بل هى ظاهرة واضحة فى كل الأقطارالعربية، وربما كان الشام مركزها وبؤرة إدارتها، وكذلك المغرب يعد جناحها الغربي،بينما تتناثر بقايا الموجة فى الجزيرة العربية والعراق وأطراف الأمة العربية، ويمكنأن نلاحظ أن بيروت والمغرب يستقبلان بصورة مباشرة انعكاسات التجارب الشعريةالفرنسية بشكل خاص، والأوروبية بشكل عام، ويعيدان تصديرها إلى العالم العربى ، هذابالإضافة إلى وجود صفحات ثقافية قوية فى الصحافة العربية التى تصدر فى العواصمالأوروبية، وهذه الصحف تتبنى شكلاً ربما يمكن أن نصفه بالتطرف فى الحداثة الشعرية،ويمكننا أن نتبين على ضوء المصادر والمراجع المتاحة أن ثمة منظمة لها فروعها ولهامركزها ولها سدنتها وكهنتها، هذه المنظمة تدير حركة الحداثة المعاصرة التى تتمثلتجلياتها فى أحدث الأصوات الشعرية التى تطالعنا الآن فى مصر والشام والعراق والمغرببما يسمى قصيدة النثر. ولا أظن أن المجال يتسع للخوض فى مرجعيات هذه الحداثةووثائقها، فهناك كتاب "سوزان برنار" وهناك نصوص "أدونيس" وكتابات "كمال أبو ديب" و"جابر عصفور" و"صلاح فضل" و"محمد بنيس"، هذه الموجة التى تشكل الآن الهامش الذىيحتل السياق الشعري، وشعراء هذا النموذج بعضهم يمتلك بكل تأكيد موهبة الخيال الخلاقوالدفقة الشعورية التى يمكن أن تصنع القصيدة، ولكن لا يوجد مبرر منطقى للغيابالمطلق للموسيقى فى هذه النماذج التى تتفجر بلون جديد من التعبير، ولكنها فى نفسالوقت لا تقنع الذوق العام بأنها تنتمى إلى الشعر، لأن الشعر فطرة موسيقية فى كلأبجديات العالم، ولست فى حاجة إلى تكرار الحجج التى سوف تضعنى فى صف الرجعيين الذينثرنا عليهم فى الستينيات، خاصة وأننى أنا نفسى كتبت قصيدة من قصائد النثر ، فالحركةالشعرية بإيجاز شديد تتمثل في: تراجع واضح لصوت الجيل الأول الذى ينتهى بالموت، فلميعد باقياً من الجيل الأول على قيد الحياة سوى عدد محدود من الشعراء الرواد، أماجيل الستينيات فيبدو أنه يضع اللمسات الأخيرة فوق تجربته التى نضجت، ولا أقول حتىاحترقت، بينما ينشط جيل السبعينيات، وربما أقول إن ما يمثل جسد الحركة الشعرية الآنهو عطاء جيل السبعينيات الذى يتدفق فى عدد من الدواوين المتميزة والتى أعتبرهاإضافة لحركة الشعر الحديث، إن هذا الجيل فى حاجة إلى الاهتمام لإعادة التوازن إلىالحركة الشعرية فى مواجهة هذا الاندياح النثرى ، إذن فنحن أمام ظاهرة تتمثل فىأربعة أشكال أو ألوان: ضمور إبداع الريادة، اكتمال شعر الستينيات، تدفق شعراءالسبعينيات، وصراخ التسعينيات بهدف الإعلان عن وجودهم? ثم هناك حيرة القارئ وحيرةالنقد وتعالى المنظمة الغامضة المريبة التى تقف وراء إدارة حركة الحداثة الشعرية.

دواووين جديدة

أنت الذى أطلقت أهم مقولة فى العقدين الأخيرين: الزمان اختلف، إلى أى مدى ـ إذن ـ ترى أن الزمان قد اختلف فعلا؟

إننى أبنىرؤيتى لعطاء شعراء السبعينيات الآن على أساس ما يصدر لهم من دواوين جديدة، وأرجومراجعة إصدارات حسن طلب وحلمى سالم وفريد أبو سعدة ووليد منير ومحمد سليمان وعبدالمنعم رمضان وجمال القصاص، واللبس قد حدث لأن النقاد الآن فى موقف لا يحسدون عليه،فهم إما أن يغامروا بالقطيعة مع الرأى العام كلياً ليدافعوا عن هذا الهلام النثرىالذى ينطلق بعيداً عن سياق القصيدة كما عرفها الشعر العربي، وإما أن يجازفوابالخروج من المرحلة، وكثير منهم يفضلون البقاء فى دائرة الاهتمام حتى ولو دافعوا عنالأوهام.
إن الزمان قد اختلف، وهذا واضح فى كل شيء، فى شكل الشعر الذى يكتبهالشعراء الجدد، وفى خطابهم النقدى الذى يكاد يكون بلا محتوى اجتماعى أو فكرى أوسياسى وإنما له دلالاته الاجتماعية والسيكولوجية، كما أن شكل الخطاب النقدى أيضاًقد ابتعد عن الأيديولوجية، ولكنه أخفق فى تأسيس معيار يمكن أن يكون أساساً للحواربين أطراف العملية الشعرية ، الزمان اختلف أيضاً، فالبعض يقول نحن فى عصر الرواية،بينما أرى أننا فى عصر الصورة.
إن عدد القراء ينحسر وتوزيع الكتب يتراجعوالاهتمام بالأدب يدخل الظلال المعتمة والثقافة بأكملها تتوارى فى الهامش الخلفىلهذا العصر الذى يضج بالمدهشات والمثيرات، إننى أدعو هؤلاء الذين يقتلهم الخيلاءوالزهو بأنفسهم أن يتأملوا قليلاً عدد قرائهم بعيداً عن أصدقائهم الذين ينافقونهم،وسيكتشفون أننا نعيش كارثة قرائية بالفعل، ولهذا فأنا أدعو إلى مراجعة الخطابالنقدي، وإلى مراجعة النموذج الشعري، وإلى التضامن بين المبدعين لمواجهة موقفهمالراهن خاصة وأننا أمام تدفق إبداعى وتراجع قرائى وجزر منفصلة لا تتداخل ولا تتحاورولا تتفاعل بين من يعتبرون أنفسهم ممثلين للعصر، وبين من يعتبرون أنفسهم واجهة.
إننا يا سيدى نواجه كرنفالاً حزيناً، وسيركاً ثقافياً يخلو من البهجة!!

اسبيرانزا
09/12/2008, 00:34
تنوع ابداعي

الشعر العربى ـ خلافاً لما ذكرت ـ لم يكن له شكل ثابتحديدي، بل إن محاولات الخروج عن العمود قديمة ودائمة. وقلتَ أيضاً أنك كتبت قصيدةنثر: ألا ترى أن هناك تناقضاً فى أقوالك؟

أولاً: دعنى أؤكد أننى من أنصارالتنوع الإبداعي، ولكننى ضد الإرهاب الشعرى القائم حالياً، فهناك محاولات لنفىالأصوات الشعرية المغايرة، وتعميم نموذج قصيدة النثر بإطلاق الرصاص على قصيدةالتفعيلة، فضلاً عن القصيدة العمودية التى يتصور البعض أن أحداً لم يعد يقرأها،بينما هذا ليس صحيحاً، إننى أؤمن بأن النهضة الحقيقية تحمل فى ثناياها التنوع، وأنالزخم الإبداعى الشعرى يدفع إلى ابتكار أساليب جديدة ومتنوعة، بينما تدعو الحاجةأيضاً إلى الحفاظ على التراث الشعرى الذى يمتد إلى ألف وخمسمائة عام باعتبارهمحيطاً حيوياً لتنفس التجربة الشعرية ، إننا دائماً فى ثقافتنا العربية ندعو إلىوحدة الصوت، وإلى اختزال المجموع فى واحد، هذه روح القبيلة التى تؤمن بهيمنة البطلالفرد.
إننى لا أريد أن أنفى قصيدة النثر، بل أرى فى بعض نماذجها نوعاً منالخيال الخلاق، ولا أدعو إلى نفى شعراء قصيدة النثر، بل أدعو بالعكس إلى منحهمالفرصة كاملة للتفتح والنمو والازدهار والنضج، لأننا سنرى قطافاً شعرياً مختلفاًبعد سنوات من الآن كما حدث بالضبط مع شعراء السبعينيات ، إن ما يزعجنى هو الإرهابالشعرى ونفى الآخرين وإخلاء الساحة لبعض المهرة من الحواة الذين يخرجون لنا القططالبيضاء من القبعات السوداء، أو القطط السوداء من القبعات البيضاء ، إن النقدالأدبى يتعالى على الواقع لأنه يريد أن يؤسس مجده الخاص بوحى من النرجسية النقدية،ولابد أن نسلم إذا كنا نؤمن بمقولة "الزمان اختلف" ـ أننا فى حاجة إلى خطاب جديد فىالشعر والقصة والرواية.. إلخ، ولكن أيضاً علينا أن نعلم أننا نتواصل بلغة بشرية هىأداة الكاتب، وإذا لم تكن هذه اللغة قادرة على القيام برسالتها وباعتبارها أداةاتصال فإننا نكون قد فشلنا فى المهمة الأدبية بأكملها أما أننى كتبت قصيدة النثرفلأننى حاولت دائماً أن أطور تجربتى والخروج بها من أفق الغنائية مرة إلى الدرامامرة ثانية، والكتابة بهذا الشكل تعنى طموحاً لملامسة آفاق جديدة فى التجربةالشعرية، ولكننى لم أعد منذ السبعينيات لكتابة قصيدة النثر مرة أخرى. ويثير دهشتىأن بعضاً من شعراء السبعينيات الذين استطاعوا الوصول إلى أصواتهم الخاصة وتأسيسبنية إيقاعية مختلفةقد خضعوا للإرهاب الشعرى وانفرطت تجربتهم فى كتابات نثريةهلامية، ومنذ أعوام قليلة قرأت ديواناً لشاعر سورى هو "نزيه أبو عفش" بعنوان "مايشبه كلاماً أخيراً" ووجدت هذا الشاعر يقدم نموذجاً متفجراً لما أسميه الخيالالخلاق والإيقاع التفعيلى وحداثة الرؤية، وتساءلت: ألا يعد هذا النموذج حلاً للمشكلالشعرى الآن؟إننى على ثقة بأن مقولة: "الزمان اختلف"، تعمل فى كل وقت، ولهذافإننى أقول للنقاد وللقراء وللشعراء: سوف ينتهى الكرنفال وستأتى القصيدة مشبعةبخبرة الأجيال كلها، قصيدة لا تنفى غيرها، بل تستوعب هذا الغير وتحمله فى أحشائها،وتقدمه لاختبار الزمن.

اسبيرانزا
09/12/2008, 00:36
منابر متعددة


قلتَ إن الأجيال الشعرية الجديدة تمارس إرهاباً شعرياً يحاولون به فرض نموذج ضعيف. وأنا أسألك: أى سلاح يمتلكونه ليفرضوا به رؤيتهم؟


ثم ألا تعتقد أنك شخصياً تمارس نوعاً من هذا الإرهاب حين تعارض بقسوة حصول إحدى قصائد هؤلاء الشعراء على جائزة من لجنة الشعر من المجلس الأعلى للثقافة وأنت أحد أعضائها؟ وألا ترى أن عدم إذاعتك لبعض هذه النماذج التى أصبحت طاغية نوع من الإرهاب والنفى أيضاً؟
الشعراء الجدد يمتلكون منابر متعددة على صفحات صحف المعارضة، وينعمون برعاية بعض المؤسسات الثقافية، وهم يمتلكون أسلحة الحوارات التى يجرونها على صفحات المجلات والصحف، وأسلحة الكلمة غير المسئولة، وحولهم أصدقاؤهم الذين يباركون أوهامهم ، أما أننى أمارس هذا الإرهاب بمعارضتى لحصول شعراء قصيدة النثر على جائزة الدولة التشجيعية فهذا مرتبط بقناعتى أن الإيقاع هو عصب الشعر فى كل لغات العالم وليس فى اللغة العربية وحدها، وأننا لو تخلينا عن هذا العنصر الفارق فستحل الفوضى، ولا معنى لأن تكون هناك أصلاً لجنة للشعر فى المجلس الأعلى للثقافة، وكثير مما قرأته من نماذج قصيدة النثر يلتقى مع ما قرأته لبعض القاصات والقاصين الذين يكتبون خواطر درامية حول تجارب ذاتية.
إذن فأنا أتصور أننى أدافع عن المفاهيم التى أؤمن بها ولا أمارس أى لون من الإرهاب ، وفيما يتعلق بإذاعة هذا اللون فى برنامج "ألوان من الشعر" فإن ما يحكمنى ليس ذوقى فقط ولكن لوائح العمل، فهناك لائحة تقرر أن الشعر لابد أن يكون موزوناً، وكلمة موزون تعني: لابد أن تكون التفعيلة العروضية أساساً للنسيج اللغوى لبناء القصيدة. إننى لا أدافع عن نفسى إذا قلت إننى متفتح دائماً للأشياء الجميلة فى النثر والشعر ولا يمكن أن أقف ضد جيل جديد، ولكن من حقى أن أكون مخلصاً للمفاهيم التى آمنت بها وللخبرة التى اكتسبتها وللمبدأ الذى يلزمنى بقدر من الضوابط فى عملي، ولا يمكن أن يصح أن أمارس الإرهاب وأنا أدعو إلى مقاومته، بل إننى أؤمن بحرية المبدع شاعراً كان أو قصاصاً، ولا أقبل وصاية أحد على الإبداع.
كل ما أطالب به أن نمتنع عن نفى الآخرين ومصادرتهم ومحاولة فرض أنفسنا بوسائل بعيدة عن النصوص الشعرية ذاتها.
الوجدان العام
فى حديثك ـ أيضا ـ ذكرت أن الشعر الحديث بلا جمهور حقيقي، قل لى ـ إذن ـ ماذا فعل الشعر الذى كان له جمهوره فى الواقع الثقافى العربى عامة؟ بمعنى أدق: ما الذى أوصلنا إلى هذا التردى الثقافى ـ إذا كان ثمة تردٍّ ـ الحالي؟ غير أننى أرى أن الشعر لم يكن له جمهور أصلاً، فى العصر الحديث على الأقل?
لقد استطاع الشعر خلال الستينيات أن يصل إلى الوجدان العام وأن يثير فى هذا الوجدان الإحساس بالجمال والإيمان بالعدالة الاجتماعية والتطلع إلى المستقبل وتقديس الحرية، ولا تستطيع أن تنكر أن الشعر كان مقروءاً خلال الخمسينيات والستينيات على نطاق واسع، وأن حركة الانحسار بدأت مع محاولات القطيعة مع كل المصادر الشعرية السابقة التى بدأها شعراء السبعينيات.

إن الغموض الذى كان سمة النموذج الشعرى فى مطلع الستينيات، والتباس الحركة النقدية مع الاندفاع ـ أو الهرولة ـ مع ما يسمى بـ"البنيوية" فى النقد وهدم الجسور مع شعراء الريادة والستينيات هو الذى أدى إلى التردى الشعرى وليس الثقافي، بمعنى هبوط حركة القراءة للشعر كما تشير بعض الإحصاءات ، أما ماذا فعل الشعر، فإن الشعر ليس مسئولاً وحده عن كل ما حل بالأمة العربية من كوارث، فهل كان الشعر مسئولاً عن نكسة 5 يونيو 1967؟



بل على العكس، كان الشعر يوحى بكارثة قادمة ويلمّح إلى أن الطغيان دائماً يمهد للهزائم. هل كان الشعر وراء حروب الخليج؟ إن الشعر كان ضحية فى كل الأحوال، والشعر الحقيقى يجد دائماً طريقه إلى قلب الأمة، ومازالت هناك قصائد، ومازال هناك شعراء يستطيعون أن يلمسوا الأوتار والأعصاب الداخلية للوجدان العربي. إننى لا أنحرف بالحوار إلى خطاب سياسى إذا قلت إن القصيدة التى لا يقرؤها أحد قصيدة لم تكتب ، مرة أخرى أحب أن أؤكد أننى لست ضد الأجيال الجديدة، بل أدعو إلى انتظارها على بعد عشر سنوات من الآن، فقط أدعو إلى وقف الحروب الشعرية وإلى أن يتخلص النقد من زهوه بنفسه، وأن تنفتح المنظومة الغامضة للحداثة على الواقع الشعرى بصورة موضوعية، لأننا فعلاً أمام محاولات أكاد أتهمها بالتخريب تسعى إلى اختزال الواقع الشعرى فى صوت أو صوتين وإعداد مقبرة هائلة للشعراء العرب جميعاً باستثناء أعضاء نادى الحداثة التى تحتاج إلى كثير من الحوار والجدل والتقصى للوقوف على الحقائق الشعرية من أجل هذا الفن العزيز على كل شاعر وقارئ ومحب للأدب.

ذكرت أن هناك بعض النماذج الشعرية الحديثة التى تتفجر بالخيال الخلاق، هل تذكر لنا بعضاً منها؟



فاطمة قنديل وشريف رزق وعماد أبو صالح وعلى منصور وبعض نماذج حلمى سالم وبعض نماذج صلاح اللقانى وعبد المنعم رمضان وأسماء أخرى واعدة ، ودعنى أطلق نبوءة فى النهاية: إن الشعر سيعود ليعبّر من جديد عن جوهره الحقيقى من خلال الإيقاع والخيال الخلاق والبنية الدرامية والرؤية الجديدة مع انعكاف الثقافة العربية نحو النهضة ورؤية الواقع بطريقة يفرضها هذا التفجر العلمى والإعلامى الذى سيؤثر بكل تأكيد على الثقافة العربية ، ودعنى أطلق نبوءة أخرى: إن مصير الشعر مرتبط بمصير هذه الأمة التى يصعب أن أصدق أنها سوف تستمر فى هذا التمزق والغياب القومى والانكفاء الإقليمي.
إن الشعر ـ هذا اللهب المقدس ـ يرفع ألوية كثيرة، ولكنه فى جوهره نشيد عميق للروح الإنسانية فى فرحها الغامر وحزنها العميق.

achelious
16/03/2009, 04:30
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

حوار مع الكاتبة الكندية أليس مونرو
-أبطال قصصي يعيشون خارج النص-

بمناسبة صدور كتابها «هروب» أجرى محرر ريدنغ غروب سنتر مع الكاتبة الكندية أليس مونرو حواراً حول تجربتها في كتابة القصة القصيرة (الطويلة) وتقنياتها الإبداعية ومحاولاتها التجديدية إضافة إلى الأسئلة التي تحوم حول أهمية ما تقدمه بالنسبة للقصة المعاصرة عموماً.


ـ ما الذي يثير اهتمامك في القصة القصيرة ولا تجدينه بالمقابل في الرواية؟
ـ يبدو أنني أكتب قصصاً تخرق ما جرت عليه تقاليد كتابة القصة القصيرة كما لا تلتزم بما تنص عليه قوانين التطور بالنسبة للرواية.
الواقع أنني لا أفكر في شكل معين، وإنما أفكر في الإبداع القصصي، ولنقل القليل من الإبداع. ما الذي أنوي القيام به؟ هل أسعى إلى سرد قصة، حسب المفهوم التقليدي السائد، هل أريد التحدث عما يجري لأحدهم، ولكنني أرغب في أن يسرد «ذلك الذي يحدث له» بنوع من التدخل، و الاختلاف، والغرابة.
أرغب في أن يشعر القارئ بأن هنالك ما هو مثير للدهشة، غير أن ذلك لا يعني « ما يحدث» وإنما الطريقة التي يحدث بها أي شيء. إن هذه القصص القصيرة الطويلة هي التي تحقق لي ذلك، على نحو أفضل.


ـ من أين تأتيك فكرة القصة أو فكرة الكتابة عن شخصية معينة؟
ـ على الرغم من أن فكرة القصة تبدأ أحياناً من الذاكرة، حكاية معينة في الذاكرة، إلا أن ذلك غالباً ما يتلاشى ويتحول إلى شيء لا يمكن إدراكه في النهاية.
لنفترض أنك تختزل في ذاكرتك حكاية عن،امرأة شابة تهبط من أحد القطارات مرتدية فستان زفاف في منتهى الأناقة وأن عائلتها مكرهة على النزول بها إلى موقف مذل مثلما حدث لي ذات مرة، ثم تصبح هذه الحكاية بشكل أو بآخر حكاية زوجة تتعافى من انهيار عقلي، يستقبلها زوجها وأمه وممرضة الأم التي لا علم للزوج بعد أنه يحبها.
كيف حدث ذلك؟ لا أدري؟


ـ ما هي طقوسك الكتابية، هل تستخدمين الكمبيوتر؟ هل تكتبين يوميا ؟ صباحاً أم مساءً؟ كم من الوقت تحتاجين لكي تكملي القصة؟
ـ رغم أنني استخدم الكمبيوتر منذ عام واحد فقط، الحقيقة أنني متعاملة بطيئة مع التكنولوجيا الحديثة، حتى أنه لا يوجد لدي ميكروويف في المنزل، إلا أنني أقوم بكتابة نسخة أو نسختين من أي عمل باليد قبل طباعته بالكمبيوتر. وعلى الرغم من أن كتابة القصة قد تستغرق شهرين، إلا أن هذا نادر الحدوث بالنسبة لي.
إن كتابة القصة تستغرق ما بين ستة وثمانية أشهر، تحدث خلالها الكثير من التغييرات، و القلق واليأس. إنني اكتب يومياً إلا إذا كان هنالك ما تستحيل معه الكتابة كما أنني اكتب فور استيقاظي واحتسائي القهوة قبل انشغالي بأمور الحياة اليومية.


ـ ما هي النصيحة التي تقدمينها للكتاب الشباب؟
ـ ليس من السهل أن تقدم النصيحة لكاتب شاب حيث كل واحد من هؤلاء يختلف عن غيره. أن تقول له «اقرأ» بإمكانه أن يقرأ كثيراً حتى يشل تفكيره. أو «لا تقرأ، لا تفكر، ما عليك إلا أن تكتب»، وتكون النتيجة المزيد من الهراء.
لو أردت أن تكون كاتباً فإن من المحتمل أن تتعثر لكي تصل إلى غايتك في النهاية، وتستمر محاولاتك لتطوير نفسك لأنك تريد ذلك، حتى عندما تكبر وتقول لنفسك «لا بد من أن يتكون هنالك أشياء أخرى يسعى الناس إلى تحقيقها» لن تتوقف أبداً.


ـ من هم الكتاب الذين تأثرت بهم ومن هم كتابك المفضلون؟
ـ في سن مبكرة كنت أقرأ لإيدورا ولتي، كاثرين آن بورتر، فلاني أوكونور.
بعد ذلك قرأت لجون أبدايك، جويس كارول أوتيس، ثم استمرت قراءتي لوليم ماكسويل.
قرأت كذلك أيدنا أوبراين، و ريتشارد فورد. أما اكتشافي الأخير فهو كاتب ألماني يدعى نوتبوم.
الواقع أنني لا أميل إلى سرد قائمة من الأسماء خشية أن أكون قد نسيت واحداً من هؤلاء الكتاب الرائعين.
ولهذا تجدني آتي على ذكر هؤلاء الذين تأثرت بهم وليس أولئك الذين أمتعتني قراءتهم.


ـ لقد أطلقت عليك سنثيا أوزيك لقب «تشيخوفنا» كيف تشعرين تجاه هذه المقارنة؟
ـ لقد أعدت قراءة معظم ما كتبه تشيخوف مؤخراً وكانت تجربة متواضعة.
غير أنني لا أقول حتى أنني تأثرت بتشيخوف لأنه أثر فينا كلنا. تماماً كما هو شكسبير الذي تصل كتابته إلى حد الكمال، حيث لا تكلف ولا ذاتية.حقيقة، وبكل تأكيد، ألا يسعدني أن افعل هذا الشيء!


ـ لقد أشاد بك الكثير من النقاد نظراً لقدرتك على جعل الحياة تسري في كل ما تكتبينه. كيف تعملين على تحقيق مثل هذا الإنجاز الفذ؟
ـ الواقع أنني أعرف شخوصي معرفة عميقة باستمرار.. ما الذي يفضلون ارتداءه ما هي الصورة التي كانوا عليها في مرحلة الدراسة،الخ... كما أعرف ما حدث لهم من قبل وما سيحدث لهم لاحقاً، إنني لا أراهم محصورين فقط في تلك اللحظة التي أكتب فيها عنهم.

بقلم: مريم جمعه فرج

وشم الجمال
26/05/2009, 17:06
الشـاعـر مـريـد البـرغـوثـي يـقـول:
* كل قصيدة جديدة يكتبها الشاعر هي اقتراح بتعريف الشعر.
* شعر المقاومة تسمية أطلقها أولئك النقاد الطيبون الذين أصفهم بـ " نقاد التضامن".
* التمرد على أشكال التعبير السائدة المقولبة ليس خياراً للشاعر بل هو الطريق الأوحد لجعل ما نكتبه مؤثراً.
* من مزالق الكتابة الشعرية اضطرارها للتعامل مع الحدث.
* على الشاعر أن يجد حلولاً فنية تقنية (أي جمالية) تبرر اتخاذ القصيدة هذا الشكل أو ذاك.
* أشتغل منذ فترة طويلة على ما أسميه "تبريد اللغة ".
* الغضب عتبة من عتبات الفعل، بينما الحنين هو عتبة من عتبات العجز الرومانسي، ويا ليت الحياة تركت لنا الرومانسية.
* المرأة ليست "موضوعاً" خارجياً للتعاطف أو الاحتقار، التكريم أو الإهانة.
* البشرية الآن أحوج ما تكون إلى مثقفيها الأحرار وإلى تماسكهم في جبهة واحدة تقف في وجه ثقافة البنتاجون.
الشاعر مريد البرغوثي لا يقفز عالياً فوق واقعنا المأساوي وظرفنا التاريخي الحاذق، ولا ينزه أحزاننا كمعظم الشعراء هواة البكائيات، إنما يسكن عمق لحظات واقعنا الحاسمة،ويدقق فيها بعين المتأمل الحكيم الثاقبة القادرة علي الرؤية وتخليق الرؤيا ويعود إلينا بملحمة شعرية تأسطر الواقع، أو بهمس حميم ، أو بنشيد غاضب يجعلنا نغضب علي أنفسنا أولاً قبل الآخر،أو بنصوص تصورها كاميرا ناطقة تتجاوز لغة الكاميرا المعروفة في نقل الواقع السالب كما هو عليه،لكنه يغوص في التفاصيل الإنسانية في كافة لحيطانها ،في ضعفها،قوتها ، لزوجة حيادها. الشاعر مريد البرغوثي أحد قلائل الشعراء الذين تقرأ لهم فتتجدد لديك الاستعدادات للحياة، ونصه الشعري يجعلك تحنو دائما علي ذاتك من عبء الماضي والحاضر والآتي ،وتنفض عنها غبار الأوجاع ، وتشعل كل شموعها المنطفئة وينمو الأمل فيها من جديد ويضخ العافية النفسية والجسدية في العروق والروح، نصه يعلمنا بدايات الرفيف ثم الطيران ثم التحليق بعيداً عن فخاخ الذين يريدون لنا أن ندمن الاجترار ونري في الغد فقط العتمات ، عندما يعود بنا من رحلات التحليق المجيدة يحط رحاله ورحالنا علي أشجار الإنسان فينا.

وشم الجمال
26/05/2009, 17:07
1- تحقق المعادلة الصعبة للكتابة الشعرية وحدة المضمون، الجمالية، المتعة، إثارة أسئلة الوجود الكبرى، وأسئلة الإنسان في بحثه اللاهث عن إنسانيته قبل وطنه، كيف استطعت أن تنجو من فخ الشعر الفلسطيني المقاوم بصورته الكلاسيكية؟؟
***** شعر المقاومة تسمية أطلقها أولئك النقاد الطيبون الذين أصفهم بـ "نقاد التضامن" وذلك تعبيراً منهم عن تأييدهم للنضال الفلسطيني عموماً. تلك القراءة التضامنية خلطت كل ما يكتبه الشعراء الفلسطينيون في حقبة معينة ووضعته في خانة واحدة. شغل أولئك النقاد أنفسهم بتتبع "مواقف الشاعر" من القضية والمضمون الفكري المستخلص من القصائد. هذا، كما تعلم، أقرب إلى النقد السياسي الاجتماعي منه إلى النقد الأدبي. وإلا لما تم هذا الخلط الفاضح بين ما هو شعر من جهة وما هو خطبة تعبوية تحريضية يكتبها قسم التوجيه المعنوي أو الإرشاد القومي وما شابه ذلك. نحن الآن استرحنا ولله الحمد من هذا النقد (ومن غيره أيضاً!).
معظم النقاد العرب للأسف لا يستطيعون قراءة قصيدة من الشعر. نحن الآن سعداء أكثر بأن النقد كله قد اختفى(!) وبرأيي هذا هو أفضل ما يمكن أن يحدث للشعر. أتمنى صمتاً طويلاً جداً لنقادنا. ما أهتدي به أنا هو أن بوسع الشاعر أن يكتب في كل جانب من جوانب الحياة في هذا الكون مهما صغر أو كبر، ليكتب الشاعر ما يريد، من زر القميص إلى ثقب الرصاصة تحت هذا الزر. المهم عندي أن يكون كل ما يكتب "متأصلاً في الوجدان الشخصي للشاعر". عندما نكتب "الخارج" علينا أن نجعله جزءاً من "داخلنا" وبأقصى درجة من الحميمية. إذا ظل الخارج خارجاً سقطنا في المقالة والخطبة، وخسرنا الشعر.
***
2- "الشهوات" النص الشعري معبود المثقفين السودانيين، إنشاد رهيف، صادق، معبر، موحي،بوح إنساني شفيف يحتشد بمختصرات تلخيصية تشريحية لهواجس الإنسان المعاصر في كل حالاته الوجودية، يبعث عنقاء الأمل، يخرجك من حيرة لولبية ليدخلك في دوامات شك أعمق ضد كل ما هو ثابت. ماذا يشكل لديك النص الشعري الذي تجده حقق استجابة أكثر من غيره ؟؟
***** أشكر لك كلماتك المؤثرة بشأن "الشهوات" لكنى لا أستطيع الحديث "عنها" فهذا ليس دوري. سَرَّني أنها وصلتْ إلى القرّاء. كل ما يمكنني قوله إنني حاولت أن أكتب عبء الذات والجسد دون أن يغيب عن القصيدة عبء التاريخ.
***
3- في مجموعتك الشعرية الأخيرة "زهر الرمان"عدت بالأسطورة ي إلي إلى أرض الواقع عكس ما هو سائد في المنجز الشعري العربي؟؟
***** رواد الحداثة الشعرية عندنا ذهبوا لاستخدام للأسطورة استخداماً ثقافياً "ذهنياً" لتذكيرنا بالواقع الأرضي الذي نعيشه، ما أحاوله هو العكس من ذلك: إنني أرى أن واقعنا الأرضي ذاته بما فيه من كوارث وبطولات، من تراجيديا ومسخرة، يكاد يكون أسطورياً كما هو. لو تأملت هذا الصبر واليأس والمكابرة والخطايا والفظائع والصمود والرجاء والخذلان في حياتنا العربية لأدركت أنه يفوق طاقة البشر المحدودة في الظروف العادية، وأنه يكاد يرتفع إلى ذرى الخيال والأسطورة. الأساطير الآن تمشي في الشوارع، الأساطير الآن اسمها يشبه أسماء أهالينا أنت وأنا.
***
4- في " زهر الرمان" حواريّة الند للند مع الموت؟؟
***** في ديوان "زهر الرمان" ثلاث قصائد تشكل إذا قرأتها بالتتالي ثلاثية شعرية تحاول كتابة الموت. هذه القصائد هي "ليلة لا تشبه الليل" و "إلى أين تذهب في مثل ليلٍ كهذا؟" و "صلاة إلى زيوس". أما عن الندية ففي ظني أن كل امرئٍ ند لموته. فهناك ميتة الذليل وهناك ميتة الشهيد إلخ. لكن الإنسان هو الطرف الأضعف في هذه المقابلة بين الحياة وختامها المحتوم. في هذه الثلاثية صوَر تحاول أن ترسم الرغبة في زيادة جرعة الحياة وإرجاء الموت ولو قليلاً . أما وقد قلنا هذا، تظل هناك الحقيقة المتفق عليها وهي أن الشعر أرحب من تلخيصه في مواضيع القصائد. ولا أدري إن كنت في قصائدي هذه قد كتبت الموت أم كتبت الحياة. ,أزعم أن التناول الحسي الملموس والمفردات المادية الأرضية البعيدة عن آفة "الشاعرية" تجعل من موضوع الموت هنا عتبة للدخول إلى بهاء الحياة من ناحية، وفداحة خسرانها، من ناحية أخرى.
***

وشم الجمال
26/05/2009, 17:07
5- تعود بنا بعض الجمل الشعرية في "زهر الرمان" إلي المناخات النفسية في مجموعتك الشعرية السابقة لها"الناس في ليلهم"؟ مثلاً:
يومنا شرفة رخوة
غدنا
معلق
كإكليل الثوم
علي مسمار مائل.
وفي المجموعة السابقة"الناس في ليلهم"
الأمل ذروة اليأس
فيا صاحبي توجع قليلاً
توجع كثيراً فإن الأمل
ذاته
موجع
حين لا يتبقى سواه.
إذا صدق هذا التحليل، هل يعني لقليل من النصوص امتدادات مستقبلية في نصوص أخرى؟؟
***** نعم، هذا يحدث أحياناً خصوصاً عندما لا تتغير الضغوطات من حولنا ويظل الحال على ما هو عليه لجيلين أو ثلاثة أو عندما يتحرك التاريخ ببطء مذهل كما هو حاصل في بلاد العرب. وبما أن العالم الوجداني للشاعر لا يتجزأ فإنّ نصاً تنتهي منه قد يسلمك إلى اقتراح بنص آخر على الفور، وذلك نتيجة إلحاح شحنة شعورية شديدة الكثافة، واستحالة تصويرها دفعة واحدة، أو في صنيع شعري واحد.
***
6- قد عبرت حقل ألغام تجنبته طويلاً الكتابة للشهداء بالاسم المحدد أشير لنص"ليلة لا تشبه الليل" في" زهر الرمان"؟
***** نعم هي محاولة لكتابة الشهيد ولكن بعيداً عن القالب الجاهز المتكرر الذي يهدم أي كتابة.
***
7- أنت متمرد على ما هو سائد، تعادل باستمرار بين المعرفي والجمالي في سياق مضموني
***** التمرد على أشكال التعبير السائدة المقولبة ليس خياراً للشاعر بل هو الطريق الأوحد لجعل ما نكتبه مؤثراً.
أسوأ أنواع الكتابة هي تلك التي تريد أن تحدد لك كيف تشعر أو تقرر لك أسلوب تفكيرك بما تشاهده أو تسمعه. الكتابة الحقة، كما أراها، هي التي تترك للقارئ حرية التصرف بشعوره وحرية الوصول إلى خلاصات يهتدي إليها بنفسه ولهذا ألجأ إلى الكتابة بالكاميرا كما تلاحظ في كثير من دواويني. وعندما أغادر هذه الدنيا سأكون قد تركت فيها صوراً قابلة للتأمل.
***
8- تداعيات الحدث السياسي الآني وأثره علي نصك الشعري،أشير هنا إلي نص George W. Bush
المنشور في صحيفة أخبار الأدب المصرية؟؟
***** من مزالق الكتابة الشعرية اضطرارها للتعامل مع الحدث. وهذا ليس أمراً محرماً لكنه بالغ الصعوبة. ولا ينبغي أن تكون هذه الصعوبة سبباً كافياً للترفع عن كتابة الحدث. على الشاعر أن يجد حلولاً فنية تقنية (أي جمالية) تبرر اتخاذ القصيدة هذا الشكل أو ذاك.
بالنسبة لي أشتغل منذ فترة طويلة على ما أسميه "تبريد اللغة" أي السعي للدقة عبر اختيار المفردات المحايدة واتخاذ النبرة الخافتة، نبرة الإشارة والإيحاء، والاعتماد على الحاسة البصرية لخلق صورة كتابية يمكن تحويلها إلى بديل مرئي. الصورة بحد ذاتها تغريك باتخاذ موقف منها دون إملاء من الشاعر. ودعوتي لتبريد اللغة ترجع إلى حقيقة أن الطغاة والحكام هم الذين يدمنون لغة الزخرف، اللغة البطولية الرنانة الحارة ليكذبوا بها على الناس وعلى التاريخ وعلى أنفسهم، وإذا شئت مفهوما للكتابة المقاوِمة فهي أن لا نكتب بلغة الطغيان، الطاغي يخاف من الدقة ويخاف من الاختصار والمحدد والملموس. "عقرب قرب الوسادة" صورة تبعث على القشعريرة لا لأنني "أهجو" جورج بوش ولكن لأنها في حد ذاتها صورة تصل إلى المتلقي بمفرداتها الثلاث البسيطة والمشتركة بيني وبين هذا المتلقي وتدعوه إلى تأملها حتى لو لم يكن المقصود بها شخصاً بعينه.
***

9- لديك مجموعات شعرية تنتقل فيها انتقالات نوعية علي مستوى منجزك الشعري مثل مجموعة "منطق الكائنات" يشكل علي سبيل المثال علامة مختلفة في تجربتك الشعرية، كيف تكون متلقياً لنصك الجديد أو المختلف؟؟
***** ديوان "منطق الكائنات" يضم أكثر من مئة قصيدة قصيرة جداً أعتبرها قريبة من فن التوقيعات الذي عرفه الإغريق القدامى بالأفوجرام حسبما ترجمها الصديق الكبير الراحل إحسان عباس والإبيجرام في ترجمة أخرى وقد كتب اليابانيون قصائد الهايكو على هذا المنوال، وكلمة "منطق" في العنوان قادمة من "النطق" وكنت تخيلت الكائنات كلها وقد امتلكت القدرة على الكلام وتخيلت ما الذي يمكن أن يقوله المغناطيس والضفدعة والمرآة وحبل الغسيل والمزهرية والعاشقة والمبراة إلخ. الإغريق أكثروا من هذا الشكل في كتابات الموت (شواهد القبور) والعرب في الحكمة واليابانيون في الطبيعة وما حاولته في " منطق الكائنات" هو تناول كل الكائنات من نبات وجماد وحيوان وبشر وأحوالهم النفسية المختلفة والمشترك الجماعي الكوني. هنا يبدو وكأن الشاعر لا دور له إلا الإصغاء لأصوات الكون وصياغتها على الورق بأقصى ما هو ممكن من الإيجاز والتكثيف. فضلاً عن أن في بعض قصائد الديوان شيئاً من الفكاهة، وهو مقصود أيضاً لأنني لا أفهم على الإطلاق لماذا يرتبط الشعر عندنا بالنكد والعبوس والشكوى فقط!
***
10- في" رأيت رام الله " تمت قرأتك في سياق آخر مفعم بالشاعرية وتدفق الذكريات ويعود بقارئ نصك إلي جغرافيا المكان وارتباطك الحنيني الوثيق به، إلي أي مدي تشكل الذكريات نصك؟؟
***** "رأيت رام الله" ليس كتاباً عن الحنين. بل إن مفهوم الحنين عندي يختلف تماماً عن المفهوم الشائع. أرى أن الحنين يتضمن مشاعر كسولة رخوة ولا تحث على عمل شيء لمواجهة الخسران. إنه جزء من الركون للهزيمة والتحسر على المفقود (مكاناً) والمنقضي (زماناً)، أنا لا أستسيغ رخاوة كهذه. أود أن ألفت الانتباه هنا على أن الكتاب نفسه يشير إلى موقفي من الحنين. إنه يندرج عندي في سياق ما أسميته "كسر الإرادة"، فعندما يفرض عدوك إرادته ويقصيك عن مكانك الأول وعن زمانك فيه وعن علاقاتك الأصلية عليك أن لا تسدل جفنيك بالحزن والأسى بل الطبيعي أن تغضب لذلك, الغضب عتبة من عتبات الفعل، بينما الحنين هو عتبة من عتبات العجز الرومانسي، ويا ليت الحياة تركت لنا الرومانسية، الحياة يا سيدي "ترنخنا بالواقعية" رغم أنوفنا. أما عن الذكريات في "رأيت رام الله" فأقول لك أن المرء لا يتذكر إلا ما لا يحتاج إلى التذكر، المرء لا يتذكر إلا ما يلح عليه في حاضره، كأنه لم يتحول بعد إلى نسيان.
***
11- عند زيارة وفد برلمان الكتاب العالمي لفلسطين في العام الماضي كنت في استقبالهم في "رام الله" حدثنا عن أصداء تلك الزيارة؟؟
***** وفد البرلمان العالمي للكتاب الذي زار فلسطين قبل يومين من انفجار الوضع وقيام الجيش الإسرائيلي بإعادة احتلال الضفة الغربية بكل مدنها وقراها ومخيماتها ومحاصرة مقر الرئاسة كان مكوناً من كتاب مرموقين بينهم البرتغالي ساراماجو والنيجيري شوينكا (الحائزان على جائزة نوبل، والإسباني جواتيسولو والأمريكي راسل بانكس والصيني بي داو والفرنسي كريستيان سالمون والجنوب إفريقي برايتن برايتنباخ وآخرون. كنا، نحن الكتاب الفلسطينيين في استقبالهم في رام الله وزاروا برفقتنا المخيمات ومشوا سيراُ على الأقدام عبر الحواجز اللاإنسانية التي أقامها الاحتلال بين المدن والقرى الفلسطينية وزاروا جامعة بير زيت والتقوا بياسر عرفات في مقره في المقاطعة واشتركوا مع الشعراء الفلسطينيين في أمسية مذهلة في مسرح القصبة في رام الله امتلأ فيها المسرح الضخم عن آخره وعندما عادوا إلى بلدانهم كتبوا في كبريات الصحف هناك مقالات هامة ومؤثرة عبروا فيها عن إدانتهم للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه التي لمسوها بأنفسهم، ساراماجو في المؤتمر الصحفي في رام الله شبه إسرائيل بالنازية وقامت قيامة الأبواق الصهيونية ضده في إسرائيل وفي العالم كله ولم يتراجع أبداً عن موقفه.
***
12- هل تعني الزيارة دوراً جديداً للثقافة في زمن العولمة ؟؟
***** في كل حقب التاريخ كان هناك ثقافتان: ثقافة الطغيان وثقافة الحرية. والبشرية الآن أحوج ما تكون إلى مثقفيها الأحرار وإلى تماسكهم في جبهة واحدة تقف في وجه ثقافة البنتاجون المبنية على استسهال القتل والظلم والاستعلاء العنصري وازدراء القانون الدولي واللغة الرسولية الإيمانية التي تدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة،، ثقافة بناة الإمبراطورية الذين يجلسون في واشنطن يخططون للهيمنة على العالم ولو أدى ذلك للفتك بالإنسانية كلها.
في مسرح القصبة احتشد مئات الفلسطينيين المتعطشين إلى فسحة من الجمال والفن وقف ساراماجو يقرأ فصلاً من روايته الأخيرة "العمى" باللغة البرتغالية وكان إصغاء الناس له مؤثراً ورائعاً لأنهم أرادوا به التعبير عن تقديرهم لزيارته لهم وتضامنه معهم، رغم عدم معرفتهم بالبرتغالية. بقي أن تعلم أن هذا المسرح نفسه كان بعد يومين اثنين يترنح تحت قذائف دبابات الاحتلال!
***

وشم الجمال
26/05/2009, 17:08
***
13- "كل الشعارات المنادية بالحريات تسقط ما لم تكن ركيزتها المرأة " جملة قالها الشاعر السوداني الكبير "محجوب شريف" في أحد الحوارات معه في مجلة حضارة السودان، نلاحظ حساسيتك العالية تجاه المرأة وتشكل علامة مشرقة في نصك، إلي أي مدي تختلف أو تتفق مع هذه المقولة؟؟
***** المرأة ليست "موضوعاً" خارجياً للتعاطف أو الاحتقار، التكريم أو الإهانة، أزعم أنه لا يوجد ما يمكن قوله عن المرأة ولا عن الرجل بالتعميم الذي تنطوي عليه هاتان المفردتان. هناك السيئ والجيد في بني البشر أياً كان جنسهم. ولا توجد مبايعة مسبقة لأي منهما. المجتمع بكل أفراده واقتصاده وسياسته وقوانينه وحاضره في محنة، ومستقبله يتكون تحت التهديد بكافة أشكال المخاطر بما فيها خطر المحو وفقدان الأرض والسيطرة على المصير وعلى الرجل والمرأة اقتسام هذه المحنة ومواجهتها بكل الطاقات. الذين يحلو لهم إخراج المرأة من المجتمع أو اختزالها إلى مجرد موضوع هم أعداء حقيقيون لأنفسهم ولأوطانهم ولفكرة الحرية ذاتها.بالمقابل أرى أن انتزاع المرأة من سياقها المجتمعي والحديث عنها كموضوع منفصل (احتقاراً أو تقديساً) والحديث عنها بشكل سطحي لا يساعد(ها) على التحرر بل إنه قد يؤدي إلى المزيد من عبوديتها وعبوديتنا كلنا كمجموع بشري ويبقي على هذا الواقع الكريه والمرفوض من قبل كل من يتمتع بحس سلم وضمير عادل.
***
14- في أكتوبر عام 2002 بمناسبة ذكري مرور عامين علي الانتفاضة الفلسطينية تمت استضافتك في منبر منتدى شموس الثقافي السوداني بالقاهرة، وأظنها المرة الأول التي تلتقي بجمهور سوداني، هل تبقي في الذاكرة أصداء لتلك الأمسية؟؟
***** أنا مدين لك بتقديمي لهذا المنتدى الذي تواصلت من خلاله مع حشد طيب من أبناء وبنات السودان وآمل أن تكون تلك الأمسية قد تركت لديهم ثراً طيباً. أنا سررت بها كثيراً، فحساسية الحاضرين للشعر كانت عالية ومتميزة.
***
15- ماذا بعد " زهر الرمان" ؟؟
***** أكتب ديواناً جديداً
**
16- كل تلك الرفقة المتواصلة مع الشعر، ما هو اقتراحك لتعريف الشعر؟
***** كل قصيدة جديدة يكتبها الشاعر هي اقتراح بتعريف الشعر، والشاعر الذي نأخذه على محمل الجد تتعدد اقتراحاته وإلا وقع في آفة تكرار الذات وأصبح شاعراً مُتوَقَّعاً، والشاعر المتوقع هو شاعر سابق أي أنه بات ينتمي إلى لحظته السابقة لا التالية، كأن مستقبله وراءه لا أمامه.
ليس هناك اقتراح وحيد ونهائي لكتابة القصيدة. دعك من النقاد التعساء الذين يضيعون وقتهم ووقتنا في إلصاق هذا الختم أو ذاك على تجارب الشعراء أو تقسيمهم السخيف للشعر حسب الأوزان أو المضامين أو المذاهب السياسية والحزبية أو حسب الأجيال وتواريخ الميلاد. هؤلاء النقاد يسببون لي مغصاً في المعدة والله ويساهمون في تضليل القارئ وإيذاء فكرة تطور الشعر العربي ولا يساعدون على الانشقاق الخلاق داخل تلك التقسيمات. إن كل قصيدة جديدة تطالب الشاعر بشكلٍ يخصها هي ولا تتم بغيره، وفي هذا يكمن سر تطور الشعر في العالم كله.
عفيف إسماعيل
أكتوبر 2003م

achelious
29/05/2009, 02:48
شكرا سراب:D

achelious
10/06/2009, 19:35
هكذا تحدثت لوث غارثيا كاستنيون
المستعربة الإسبانية تؤكد عشقها للشعر العربي ولبغداد والقاهرة
-صحيفة الميثاق الوطني-الملحق الثقافي-المغرب 16/17 يونيو 1997-

لوث غارثيا كاستنيون مستعربة إسبانية. درست الأدب العربي. وزارت وعملت في بعض المدن العربية. وفي كلّ مرة كانت تعود إلى بلادها إسبانيا وهي تحمل في جعبتها إنجازاً أو أكثر. درست القصة القصيرة في مصر ونالت عليها شهادة الدكتوراه. وعملت في بغداد وأنجزت كتابين أحدهما بعنوان"الخرجات في الموشحات الأندلسية" بالاشتراك مع الدكتور داود سلوم, صدر عن سلسلة الموسوعة الصغيرة العراقية. والثاني ترجمة مجموعة من القصص القصيرة العراقية إلى الإسبانية ونشرتها دار المأمون للترجمة في بغداد. وقد حضرت هذه الأيام إلى الرباط لمناقشة أطروحة دكتوراه الدولة في القصة القصيرة المغربية, في جامعة محمد الخامس-كلية الآداب بالرباط مساء2-6-1997 حيث حصلت المستعربة الإسبانية على دكتوراه الدولة. وعلى هامش هذا الحضور كان لنا معها هذه المصاحبة الأدبية:

* الدكتورة كاستنيون: كيف بدأت علاقتك بالأدب العربي ؟

ـ كانت البداية في جامعة القاهرة التي رشحت إليها لدراسة الفلسفة العربية الإسلامية والتصوف الإسلامي انطلاقاً من تخصصي الفلسفي، حيث كنت قد حصلت على البكالوريوس من جامعة مدريد. والماجستير في السوربون في بحث مقارن بين الفلسفة الوجودية في فرنسا والفلسفة الكاثوليكية في أسبانيا.

لكنّ الذي حصل في القاهرة بعد اجتيازي مرحلة تعلم اللغة العربية، والتي أمدها سنتان في مدرسة الطلبة المسلمين المغتربين, أنّي واجهت صعوبة في دراسة الفلسفة والتصوف الإسلاميين، لأنّني كنت أصطدم بحاجز اللغة, خاصة وأنّ اللغة الصوفية تشتغل على معنى المعنى وأنا لم ألاقِ صعوبة في فك المعنى، فالتجأت لدراسة الأدب العربي لأنّني كنت أستهويه، وكنت أحس بسهولة دراسته مقارنة بدراسة الفلسفة والتصوف. فقرأت الأدب الكلاسيكي والحديث. ثم استقر رأيي على دراسة القصة القصيرة في مصر.
فذهبت إلى مدريد وسجلت الموضوع هناك. ثم عدت إلى مصر لأجمع المادة خلال ثلاث سنوات وأعود إلى أسبانيا لمناقشتها في قسم اللغة العربية والإسلام في الجامعة المستقلة في مدريد, تحت إشراف المستعرب الجليل البروفيسور بيدرو مارتينث مونتابيثPedro Martinez Montavez.


* ما النماذج التي قمت بدراستها في القصة القصيرة المصرية ؟

ـ درست قصص صنع الله إبراهيم, جمال الغيطاني, ويوسف القعيد.


* وهل عملت في مجال اختصاصك الجديد ؟

ـ حصلت على دكتوراه الدولة أواخر عام1985 وعندها اتصلت بي وزارة التعليم العالي، وعرضت عليّ العمل في ألمانيا أو في النمسا كأستاذة في إحدى الجامعات. لكنّني رفضت الاختيارين معاً. وطلبت من المسؤول أن يوفر لي فرصة عمل في أحد البلدان العربية. وبعد ذلك اتصل بي الشخص نفسه وأخبرني بأنّ جامعة بغداد بحاجة إلى أستاذة للّغة الأسبانية فطرت فرحاً..
وقال لي: لكنّ المرتب أكثر في ألمانيا والنمسا.
فقلت له: لا يهمني المال بقدر ما يهمني العمل في البلاد التي أحب,
ومن المصادفات الجميلة أن أصل إلى بغداد ليلة رأس السنة, وكانت ليلة مبهجة حقاً حيث كنت أطلّ على أضواء بغداد الصافية التي تعانق في خاطري أطياف ألف ليلة وليلة.. كان كرنفالاً جميلاً ذلك العرس البغدادي, في ليلة, حقاً, ليلة أعياد.


* كتبت بعض الدراسات عن الشعر العربي الحديث. كيف كانت البداية ؟ وكيف وجدت هذا الشعر؟

ـ اكتشفت الشعر العربي الحديث عبر قراءاتي لجيل الرواد وبالذات السياب ونازك الملائكة.
وكنت أحس بالرعب, ولكنّه الرعب الجميل جداً, ذلك الذي توحي به قصائد السياب الذي ينادي بلاده من خلالها وهو يقف, غريباً, على ضفاف الخليج.. الغريب في الأمر كانت اللغة تصلني دون عناء ولا أدري كيف!


* هل عانيت من تعلم اللغة العربية ؟

ـ تعلم اللغة العربية, بالنسبة لي كان بمثابة الكابوس, إنّه إبحار صعب ومرير.
ولو كنت أعرف صعوبة الإبحار في هذا الموج لما قبلت المغامرة, ولبقيت أعشق هذا البحر اللغوي الزاخر من بعيد.
كنت أناجي نفسي: صبراً يا لوث. ستنتهي الصعوبة هذا العام. ولكن اكتشفت أنّ الأمر مازال صعباً,
بل يزداد صعوبة كلما توغلت في الإبحار. بيد أنّ للمغامرة لذتها.