س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | مواضيع اليوم | بحبشة و نكوشة |
|
أدوات الموضوع |
05/08/2008 | #1 | ||||||
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
|
وهذه .. ملاحظات مهمة لاختيار الروايات المترجمة وأصول القراءة
وهذه .. ملاحظات مهمة لاختيار الروايات المترجمة وأصول القراءة A- الروايات المترجمة الأجنبية: بادئ ذي بدء نبدأ بوضع الروايات المترجمة الأجنبية على طاولة التشريح على أن نعود فيما بعد إلى الحديث عن الطريقة الآمنة لقراءة الروايات وسمومها الكامنة.. عموماً.ليست شطارة ولا تشاطراً على أحد لكني أود عرض خلاصة تجاربي ومعاناتي مع الكتب المترجمة (والروايات المترجمة تحديداً) مجرد عرض لمن يرغب بتجنب ركوب الصعب. فقد توصلت بعد لأي وجهد لا يعلمه إلا الله إلى أنه بالنسبة لاختيار الروايات المترجمة هناك عدة عوامل هامة جداً جداً يجب مراعاتها حتماً قبل انتقاء الرواية الأجنبية المترجمة للقراءة أو الشراء (أو النشر على الإنترنيت) وإلا وقعت الطامة الصغرى برأس من يصر على ركوب رأسه: 1- العامل الأول: ينبغي قبل كل شيء التأكد من أن النسخة هي النسخة الأصلية الكاملة فعلاً لأنه هناك عشرات من دور النشر تطبع الرواية الأجنبية المترجمة بشكل ملخص مبتور ( ترجمة مبتسرة ) يشوهها المترجم بدون رحمة بالقارئ تحت حجج واهية مختلفة أكثرها انتشاراً ( وأسخفها ) هي حماية الذوق الأدبي ( لا أدري حماية ذوق من!!؟ والجميع يشاهدون ما تشيب له الولدان على شاشات الفضائيات!! أم يحسبون أن الناس ما زالوا صغاراً قاصرين؟! ناسين أن الرضع صارت لا ترضع الحليب إلا أمام الفضائيات).. ومثال ذلك على سبيل الذكر لا الحصر رواية ( لمن تقرع الأجراس ) للكاتب " أرنست همنغواي " .. ورواية (العرّاب) للكاتب " ماريو بوزو" التي نرى لها عشرات من النسخ المترجمة مشوهة وناقصة نقصاً فادحاً وكأنها هياكل عظمية للرواية الأصلية.. وأعجوبة من الأعاجيب الخارقة للعادة وللعقل لا تثير إلا حنق القارئ ومقته وحسرته على تضييع وقته فيها.. ولم يكتف بعض المترجمين بجعلكة ترجمة ما بداخل الرواية ذاتها بل وصل بهم الأمر إلى عنوانها نفسه حيث نرى أن رائعة همنغواي صار اسمها عند بعضهم ( لمن يدق الجرس!) ولا أدري لماذا محق المترجم ( الأجراس ) العديدة ليجعلها جرساً واحداً فقط!! وهكذا نفاجئ دائماً أنّ النسخة المترجمة الناقصة أصبحت شيئاً مثل الهياكل العظمية التي نراها في أفلام الرعب تثير فينا التقزز والنفور بدلاً من بث المتعة والفائدة! فترى الرواية الأصلية المكونة من 500 صفحة قد تقلصت بقدرة قادر فاشل إلى 200 صفحة فقط وكأنها أصيبت بداء الجفاف أو بداء الديزانتريا فصارت عجفاء شمطاء ترعب القارئ وتقطع خلفته بعد أن كان قد عهدها حسناء ساحرة! .. تصوّر مثلاً أن العريس الشاب يدخل ليلة دخلته وهو يمني النفس بالأماني اللذيذة ليفاجئ بأن عروسته المثيرة المكتنزة الشهية الزاهية النضرة والتي سهر ليالي طويلة يتخيّلها بين ذراعيه ليفعل أفعال ما فعلها عنتر فإذا بها قد انقلبت إلى كومة عظام جافة درداء الفم مكرمشة الوجه متجعدة الجلد مترهلة الجسد!! .. بالله ماذا سيشعر؟!.. سيلعن الساعة التي فكر فيها بالزواج وساعته.. وقد يصبح عنيناً بعدها ويخشى الاقتراب من جنس النسوان كله! ويعلن رهبانيته ويصير قديساً في محراب الحرمان بدون تردد وعن طيب خاطر.. ذلك يطابق تماماً شعور القارئ الذي يبتلي بنسخة مترجمة مشوهة ومبتورة الأطراف والأعضاء والأشياء المكونة لجسدها الأصلي. 2- العامل الثاني: اختيار المترجمين المشهود لهم بالنزاهة والعناية التامة ( مثل سامي الدروبي الذي ترجم كافة أعمال دوستويفسكي بصورة مذهلة، ويعد أفضل من ترجم الروايات الروسية بشكل عام.. وجورج طرابيشي أفضل من ترجم للكاتب نيكوس كازانتزاكيس) .. وهناك دائماً مترجم متخصص لكل كاتب من الكتاب الأجانب يترجم له بأفضل طريقة وأحسنها.. بينما ترى عشرات من المترجمين الصغار يحاولون الجلوس بين الكبار دون أن يكون لديهم أدنى مقدرة على مجاراتهم.. تخيّل مجلساً للرجال يناقشون فيه الأسس المتينة لبناء الرواية الحديثة أو يتندرون بذكر أفضل مَن وصف محاسن الكاعب الهيفاء الغيداء ولكن يجلس بينهم صغار يقاطعونهم باستمرار ليطرحوا أفكاراً تتعلق بأفلام الكرتون توم وجيري وأبطال الملاعب وساسوكي .. وبينما يتناقش الكبار في سيرة الزير سالم والهلالي وألف ليلة وليلة وقيس وليلى يعترضهم الصغار ليطرحوا سيرة ( عدنان ولينا ) وسيرة ( كاسبر في مدينة الأشباح ) ومهارات ( غودزيلا ) وهو يتحدى ( ميغالون ) وشطارات ( بوكيمون ) وأبو مدري مين وهو يتباطح مع أبو ملعون!!! وحتى لا يكون كلامنا مجرَّداً ودخاناً في الهواء سأذكر مثالاً حياً لعله يعلق في الأذهان طويلاً.. رواية ( خريف البطريرك ) للكاتب غابريل غارثيا ماركيز .. وهي رواية أشهر من أن يعاد توصيفها للقارئ.. ولكني أكلت مرة من ورائها مقلباً خازوقاً طلع من قحف رأسي.. فقد أغراني أحد أعوان إبليس ذات مرة للنظر في واجهة مكتبة لأرى كتاباً مطبوعاً طباعة أنيقة بعنوان ( خريف البطريق) للكاتب نفسه غابريل غارثيا ماركيز، فسال لعاب ذهني وتقافزت أفكاري كالشياطين الصغيرة العفريتة لتقنعني بأنها رواية جديدة للكاتب المشهور.. خاصة أن مترجم هذه ( البطريق) هو اسم مختلف عن مترجم ( خريف البطريرك) ولأني كنت عائداً من عملي مرهقاً بعد أن غربت صلاة العشاء بمدة طويلة تكاسلت عن تدقيق ما بداخل الكتاب من جهة بسبب الإرهاق والتعب والكسل.. ومن جهة أخرى وأهم بسبب نفسي الخضراء اللعينة إذ خجلت من البائعة البديعة الجمال؛ التي أسبلت لي جفنيها ودبّلت عينيها بحيث ذاب عقلي وضاعت حنكتي وتشرشحت إرادتي .. ورحت أتفحص قسمات وجه البائعة المثيرة وبالتالي لم أتصفح الكتاب وفق طريقتي الخاصة المعتادة.. وتخليت عن عادتي في تمحيص أوراقه والغوص في تفاصيله لأني كنت غارقاً ومنشغلاً بالسباحة والتبحر في محاسن البائعة وتفاصيلها البارزة .. نعم .. أنا أقر وأعترف وأنا بكامل قواي العقلية بأنني تخليت لأول مرة في حياتي (من أجل التأمل في رموش البائعة الإصطناعية) عن عادتي المعهودة عند شراء أي كتاب.. تلك العادة الرائعة التي تدفع البائعين في المكتبات إلى حافة الاحتقان ويتصاعد البخار من رؤوسهم وينفثون لهباً وينظرون إليّ شزراً وهم يعقدون حواجبهم عقداً لا يحلها الحلال وهم يراقبوني أقرأ أمامهم بصمت وهدوء صخري عشرات الصفحات بأناة وروية قبل شراء الكتاب !! ولا أمد يدي عادة إلى جيبي لإخراج محفظتي لتسديد ثمن الكتاب (الذي أكون قد قرأت ربعه على الواقف تحت أنظار جميع من بالمكتبة) إلا بعد أن يكون دم بائعه قد نشف من الغيظ.. فالأمر مهم جداً وخطير لأن محفظتي غالباً ما تكاد تكون خاوية على عروشها.. ولا أريد أن أزيد الطين بلة فأفرغ بقاياها ثمناً لكتاب يصيبني بالأرق والقلق وعسر الهضم والإحباط وخيبة الأمل وتأنيب الضمير والرغبة بالكف عن الزواج معاً في حال وقوعي في الغفلة. ولكني شتمت نفسي شتماً لم أعهد له مثيلاً، وأبدعت في الشتم، وحلقت إلى ذرى لم أبلغها من قبل في مضمار الشتم بعدما هجعت إلى فراشي في ذلك اليوم المشهود .. حينما أمسكت برواية ( خريف البطريق) وأنا أعلل النفس بالتحليق في عوالم فريدة تحبس الأنفاس لكي أنام بعدها نوماً هنيئاً قرير العين.. إلا أن النوم طار من عيني وتبخر في ثواني وصار سراباً وطقت فيوزات عقلي وتناثر وعيي وهدوئي الأسطوري وصاروا كلهم كالنوابض المتراقصة الطائرة عند فتح علبة من علب الرعب (المخصصة لبث الفزع في النفوس) وانتثرغيظي فوق شراشف السرير البيضاء فلطخها من شدته بلون أزرق كحلي عميق في دكنته، وكأن يداً قذفتني فجأة من فراشي إلى أتون الجحيم لأني اكتشفت أن هذه ( البطريق) ليست إلا رواية ( خريف البطريرك) نفسها ولكنها بقلم مخلوق أقل ما يقال عنه أنه مجردم .. مجرم .. أي شيء إلا أن ينعته أحد بمترجم.. لأننا نهين الترجمة والمترجمين إذا وصفناه بالمترجم زوراً وبهتاناً.. ورحت أعتصر بنات أفكاري اعتصاراً لا هوادة فيه ولا شفقة لأبحث عن شتائم أشتم بها نفسي الأمارة بالسوء التي أغوتني وأغرتني بدفع دم قلبي ثمناً لهذه ( البطريق) التي ما هي إلا خيال ظل للرواية الأصلية.. وليس لها علاقة برائعة ماركيز إلا بتشابه الأسماء فقط.. لأن كل ما بداخلها قد بذل فيه مترجمها جهداً خارقاً ليشوهه ويحرفه عن أساس الرواية الأصلية فخرج من بين يدي ذلك المترجم تشويهاً فذاً لا يضاهيه فيه إلا تشويهات أبالسة الشياطين المعتقين الكبار.. ولم أهنأ ليلتها بشتم نفسي ولم أصل إلى حالة الإشباع في تقريع نفسي طوال أسبوع كامل .. فقررت بعدها أن أعد وليمة ضخمة هيَّئت فيها منسفاً هائلاً طويلاً أطول من نهر العاصي ( النهر الذي يسير بالمقلوب في بلدنا ) وعزمت إليه جميع أقاربي وأصدقائي ومعارفي ومعارفهم أيضاً وجيرانهم ووقفت أمامهم لأخطب خطبة عصماء لم يفهموا منها شيئاً إلا الشرط الرئيسي الذي يمنعهم من مباشرة الطعام قبل الإبداع في شتمي فرداً فرداً على التوالي، على أن يصيغوا بعد الطعام بياناً ختامياً جماعياً يلخص أهم شتائمهم بحقي لأني اقترفت تلك الجريمة النكراء بحق الأدب والأدباء واشتريت تلك ( البطريق) بدون تبصر حين انعمت بصيرتي جرّاء السحر الباهر الذي انبعث من وجه البائعة الفاتنة؛ تلك البائعة التي جعلتني أحلق إلى أعالي سماوات السعادة طوال طريق عودتي للبيت بعد شراء الرواية من مكتبتها (والتي لمست يدي يدها عندما أعادت لي باقي الألف ليرة فسرت في كياني تيارات كهربائية وشرارات بقوة ثلاثمئة ألف فولت ثلاثي الطور) والتي رحت طوال الطريق أقدح زناد فكري لأتغزل بجمالها وأنوثتها ودلالها.. فصرت بعد الاطلاع على ( البطريق) الخازوق (المبشم) أرتعد خوفاً من مجرد الاقتراب من مكتبتها.. وتتسمر قدماي وتنشل قواي وأفقد القدرة على المشي ويأخذوني في حالة إسعاف إلى أقرب مشفى إن مررت بطريق السهو والخطأ من أمامها أو لمحتها أنظاري بنظرة خاطفة.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد .. وجدتني في الشهر نفسه مضطراً لبيع بيتي حيث لم أعد أقوى على الدخول للنوم في نفس الغرفة التي تصفحت فيها ( البطريق) لأن ذكراها المريرة لم تبارح مخيلتي .. بل وصارت تجيئني على شكل كوابيس مفزعة خلال نومي.. إذ صرت أحس أثناء نومي أن غرفتي ممتلئة بالبطاريق عن بكرة أبيها (يعني في كل شبر من الغرفة بطريق لعين يبطرق صخباً) وكلها تتراقص وتضحك وتسخر مني ومن غفلتي، بل وبعضها يبول فوق رأسي.. فصرت أول الأمر لا أنام الليل إلا وضوء الغرفة مناراً بجميع الأضواء البيضاء ( النيون) والصفراء وحتى المصابيح الإقتصادية أيضاً، لكي تساعدني الأنوار حتى تتملى عيني كافة أصقاع الغرفة فوراً كي لا أجزع وأرتجف هلعاً إذا ما أستيقظت مذعوراً في العتمة ونفسي تؤكد لي أنني أسمع أصوات البطاريق ما في ذلك شك على الإطلاق.. ولكن ذلك كله لم يعد يجدي.. فكل تلك الأنوار ذهبت عبثاً لأن (البطريق) صارت تتحول أثناء نومي إلى (بطريق) هائل الجثة عريض المنكبين .. منتفخ الأوداج .. شلولخ .. له وجه البائعة وهي تسبل لي عينيها ومستلقية قربي في الفراش ولكن لها تكشيرة شنيعة أشنع من تكشيرة مادوسا الأسطورية اللعينة ولها سبعة أذرع وسبعة سيقان وسبعة أشياء أخرى وكلها زئبقية متراقصة! فأنهض مفزوعاً وشعر رأسي واقف مثل مسلات فولاذية أصلب من المسلات الفرعونية وجسدي كله في حالة توفز وتحفز ما عدا شيء واحد يبقى منكمشاً متقلصاً.. شيء عهدته دائماً مشرَّعاً يطاول أعنان السماء بغارب إلا أنه صار منفلشاً كنابض عتيق يزهد به حتى الغارمون والغارمات ألا وهو : راحة بالي! 3- العامل الثالث: اختيار النسخ الصادرة عن دور نشر مشهود لها بالدقة والكمال مثل ( دار الآداب - بيروت) على سبيل الذكر.. والتي لا تطبع أبداً نسخاً مبتورة أو مشوّهة مهما كلف الأمر ودونها في ذلك خرط القتاد.. فالقارئ الحصيف هو الذي يتجنب دور النشر التجارية الفارغة التي تشوه الروايات المترجمة وتفرغها من محتواها وتستأصل أجزاءها وتحولها إلى دمى يلهو بها الأولاد . دور النشر التجارية السخيفة تلك هي جريمة حقيقية بحق الأدب والأدباء فهي عدا عن أنها تشوِّه الأعمال الأدبية الخالدة تسعى دائماً لإبتزاز القارئ وإفراغ ما في جعبته وإفراغ معدته جرّاء الغثيان بعد قراءة كتبها المطبوعة (مع أن تلك الكتب تكون زاهية الألوان براقة من الخارج).. والمذهل أن دور النشر التعيسة هذه تبيع الكتب على طريقة بائعي البطاطا والبندورة في سوق الهال القديم وتستخدم نفس منطقهم التجاري البحت .. وهم يندهون ( يجعرون) بصوت حميري أجش: آخر بيعة يا بطاطا .. أحلى من العسل يا بطاطا.. حمرة وريانة يا بندورة .. فرجة وشهوة يا بندورة.. لحق حالك يا حباب .. لا تروح للبيت فاضي وتزعل الأحباب.. في حين أنهم يبيعون عفارة السوق وخمامتها .. ولو رأتها عيون الأحباب لصرنا في أنظارهم مثل البطاطا المسلوقة التي طال غليانها في الماء فانفجرت فيها شروخ وصدوع وانقشرت وصارت كالجرباء في ليلة صيف. وبالطبع هذا أقسى موقف يتعرض له مخلوق حصيف .. فمن هو الذي يرتضي لنفسه أن يصبح مثل الكلب الأجرب في عيون الأحباب وفوقها يكون قد دفع من ماله الخاص أيضاً ليصير في ذلك الموقف العسير!؟ 4- العامل الرابع: ابحث واستكشف واطلع في المراكز الثقافية واسأل أهل الخبرة عن النسخ المترجمة البديعة للرواية الأجنبية التي تهم بقراءتها أو تبغي شراؤها لكيلا تصاب بأزمة نفسية تصبح بمرور الوقت عقدة جهنمية من الروايات الأجنبية وأصحاب المكتبات التجارية.. وتعاني كما عانى السلف الصالح والطالح من قبلك.. حيث أنه بعد أن تدهورت حالتي عقب شراء تلك الرواية ( خريف البطريق) من مكتبتها .. هي َ ذات السحر البواح والعطر الفواح .. واستفحلت عقدتي وتفاقمت وصارت أزمة من الأزمات العضال.. وصرت على شفا حفرة من الوقوع في المحظور .. تطوّع أهل الخير ( وما أكثرهم في مثل هذه الحالات والمواقف) ونصحني الناصحون منهم بمراجعة طبيب نفسي للعلاج من الصدمة التي خلفتها في نفسي تلك البائعة الحسناء، الغادة ذات الجيد الأغيد، وهكذا رحت أزرع دمشق من المزة إلى باب توما ومن الميدان دحاديل إلى ركن الدين كيكية يعني زرعتها طولاً وعرضاً ضارباً في مناكبها باحثاً عمّن يشفيني من تلك البائعة (وخريف بطريقها) .. وما تركت طبيباً لا نفسياً ولا عقلياً ولا شيخاً هرماً ولا عاشقاً مخضرماً ولا حتى صبياً مراهقاً إلا واستشرته .. فأمّا الأطباء فقد مارسوا عليَّ تجاربهم وآخر صرعاتهم وفنونهم السحرية وجنونهم السرمدي ( وكأنهم ما صدقوا أن وقع بين أيديهم رجلأ يقف على شواربه الصقر فشمّروا عن سواعدهم وهرعوا خفافاً وثقالاً ليجعلوه مثل فأر التجارب)... وما أفلحوا كالعادة.. وأمّا الباقون فكانت ردودهم ونصائحهم على قدر أهوائهم ومشاربهم .. وما جادوا إلا بما أجادوا ولكن ما نفعوا أيضاً... فكل كلامهم كان عبث في عبث.. لم أجنِ من وراء نصائحهم طائل ولم أحصد إلا أماني وأحلام تذروها الرياح إلا واحدة .. واحدة فقط يبدو أنها ذاقت الأمرَّين من حالة مشابهة لحالتي نصحتني بالسفر إلى فرنسا لمقابلة طبيبة شاطرة .. طبيبة أخصائية .. اختصت بالحالات الصعبة المزمنة.. وما كذبتُ خبراً لها فهرولتُ لألحق بأول طائرة تييم شطر فرنسا وتشعلقت بها .. وطرت .. وهناك .. في فرنسا .. يا لطيف.. يا لطيف على فرنسا وعلى الشانزليزيه، وعلى نساء فرنسا والذي منه وما حواليه.. ياللهول.. يا لهول ما رأيت.. ولكن أبداً ما أجداني كل ما رأيته نفعاً وما أجداني فتيلاً ولم تنفعني الرؤية بشروى نقير.. إلا أنَّ المشوار لم يذهب كله دون جدوى لأن الطبيبة الفرنسية كانت بالفعل بارعة.. بارعة حقاً .. على نفس مستوى براعة البائعة في المكتبة .. بارعة في جمالها .. وبارعة في علمها وطريقتها ..وبارعة في جلستها ومشيتها .. وبارعة في ضحكاتها ونظراتها وغنجها ودلالها وعطرها وثيابها ( إن كان يجوز تسمية ما ترتديه ثياباً !! ) وبارعة حتى في إمكانياتها وتفاصيلها البارزة وغير البارزة.. بالفعل ليس هناك أبرع ولا أروع من التمدد أمام بارعة على سرير الكشف الطبي والاسترخاء بين يديها ( وهي ترتدي ثياباًَ تكشف أكثر مما تستر) وتمسك بكفك وتداعبه قائلة بعذوبة: خير .. ما هي المشكلة يا عزيزي؟! ( bien, qui est ce que le problème, cheri ) .. إنما للأسف كانت الطبيبة متزوجة.. ولحسن الحظ أم أقول لسوء الحظ نجوت من الوقوع في صدمة مماثلة للصدمة التي ذهبت أتعالج منها.. أقول نجوت ولكنها ليست نجاة كاملة.. لابد من الاعتراف بالحقيقة كلها .. فالحقيقة أولاً ..أليس كذلك؟ على أية حال عالجتني تلك الطبيبة حقاً علاجاً ناجعاً يليق بجمالها وبي وبمكانتي الهندسية والأدبية والكازانوفية .. فبعد أن رويت لها كل شيء بالتفصيل من طق طق للسلام عليكم .. أسبلت لي هي الأخرى جفنيها ودبلت لي عينيها وقالت بهمس موح: أنت عاشق.. يا حبيبي! .. وحياة جارتنا قالت لي ذلك.. إيه وحق الجيرة والعشرة الحلوة قالت: Mon amore.. مشفعة قولها بنظرة إبليسية باريسية ساحرة.. تجعل الحرارة تدب في رجل الثلج المدفون في الجليد منذ آلاف السنين.. ولذلك اعذروا محسوبكم لأنه صار مثل البالوظة.. بايظ من جوا خالص.. هل رأيتم إصبع الشيكولا تحت الشمس اللاهبة في عز الظهيرة بيوم قائظ من أيام منتصف الصيف؟؟! أخوكم صار مثله! قلت لها هامساً أيضاً ( حتى لا يسمعنا إبليس فيعلقني ولا يفك عني بعدها) : أنا عاشق؟! عاشق من؟! يا سيدتي. قالت وهي ترقص حواجبها بطريقة ذات مغزى وتقرب رأسها من رأسي كثيراً (حتى خشيت أنها ستنطحني) وجاءني همسها بصوت مبحوح: أنت عاشق لتلك البارعة الفاتنة .. بائعة (البطريق) في المكتبة! حاولت النهوض مفتعلاً التمرد والعصبية محتجاً على كلامها.. إلا أنها دفعت يدها الناعمة في صدري برفق ولطف وأعادتني للتمدد في مكاني قبل أن أنهض إنشاً واحداً قائلة: اسمع ما أقول لك..أيها الشاب الشرقي.. فما أقول هو الحقيقة بعينها.. وليس لك إلا أن تفعل وتنفذ ما أقول .. وستشفى.. سأشفيك.. أنا أضمن ما أقول .. ألم تلحظ أني بارعة؟.. لن يفيدك في شؤون البارعة إلا بارعة مثلها.. فقط اسمع كلامي .. ونفذ..انسَ نفسك معي .. انسَ كل ما سلف.. انسَ كل ما قد كان وسيكون .. تذكر شيئاً واحداً فقط إني بارعة وأنت ستطيعني.. بدون تردد ولا مماحكات.. وأعدك.. لن تندم!.. ما نوع الموسيقى التي تحب سماعها؟! في طريق عودتي إلى دمشق استرجعت في ذهني وأنا أفتعل النوم لأوهم نفسي أني لا أصدق كل تلك الأسباب والدوافع والحوافز التي جعلتني أوافق على تنفيذ تعليمات الطبيبة البارعة بحذافيرها.. وأعدت تحليلها مراراً وتكراراً فوجدت أنها مصيبة .. أقصد أنها أصابت برأيها ولا أعني أنها مصيبة = كارثة .. نعم بالفعل.. لا بد أن الأمر كذلك.. لا بد أن زواجي من بائعة المكتبة سيحقق لي مكاسب جمة .. لأن ما سأجنيه فوق شفائي من كوابيسها، ذلك الشفاء الذي سيتحقق بواسطة تذكيرها كل يوم ليلاً ونهاراً بأنها سببت لي عاهة ذهنية مستديمة حينما باعتني روايتها ( البطريقية) المشوّهة .. أقول أن ما سأجنيه فعلاً هو قراءة كل ما في مكتبتها مجاناً.. وبذلك أنتقم منها على المقلب السابق شر انتقام! ما رأيكم يا أصدقائي الأكارم؟ أليست فكرتي مصيبة .. أقصد أني مصيباً في فكرتي؟! فليس هناك دواء ناجع لمدمن القراءة إلا الزواج من بائعة في مكتبة..شرط أن تكون مثل صاحبتي.. وبالتالي يقدم خدمات جمّة للإنسانية.. تسألوني مجدداً لماذا؟َ؟ إن لم يوفق في زواجه ويرتوي من بحور الهوى مع صاحبة المكتبة سيفيد القراء عندما يقوم بعملية إبادة جماعية لكل كتب دور النشر التجارية ولو حتى في مكتبة زوجته على الأقل! وكان ذلك هو العامل الخامس والأخير منبثقاً من بطن العامل الرابع وخلاصته: إن كنت من أصحاب الدخل المهدود ( كان محدوداً لفترة طويلة إلى أن هدّوده بموجة الغلاء الأخيرة) ما عليك حينها إلا أن تبحث عن بارعة تبيع كتباً في مكتبة وتتزوجها.. مثلما أنوي أن أفعل .. وقد أحيطكم علماً بالتفاصيل فيما بعد. ادعولي. Via Keyboard by Hazim Jalal Jabali تموز 2008 original آخر تعديل hazim jabali يوم 05/08/2008 في 04:30. |
||||||
05/08/2008 | #2 | ||||
مسجّل
|
مشكور الموضوع كتير حلو انا عانيت من هالقصة في harry potterفالجزء الخامس الانجليزي يختلف عن العربى
|
||||
05/08/2008 | #3 | ||||||
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
|
لا شكر على واجب .. واجبنا أن نتبادل الخبرات .. ويسعدني أنّ قارئة لطيفة قرأت المقالة وهي خارجة من الفرن لتوها.. يعني بعد نشرها بدقائق فقط!! وفي هذا الوقت بالذات .. الهزيع الأخير من الليل! تمنياتي لكم بالفائدة والمتعة. |
||||||
26/09/2008 | #4 |
عضو
-- قبضاي --
|
كل هاي ملاحظات ولسه جزء أول منها كمان
إيه قول بحث تخرج من كلية الآداب جاري القراءة ومنشوف لما نخلص بعدين يسلمووووووووو
تبادل الآراء والأفكار ليس معركة
فالحقيقة عندما تظهر تصير انتصارا للجميع ما عدا الذين لا يهمهم سوى خلق النزاعات |
21/10/2008 | #5 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
thx ya man. but what do you think about Edward Said's Orientalism translation into Arabic language??? don''t you think it was not that good. one more last thing, i wonder if you a have a list of the famous Arabic translators ???/ and what can we do if the book is translated into arabic by translator that we know that he is not that professional one??????
You Are Everything ;;; They Are Nothing
|
||||
04/12/2009 | #6 | ||||||
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
|
يدهشنا أن في الدنيا كرماء
شيمتهم تنثر العطر بسخاء إلى جميع العابرين الذين وهبونا كلماتهم وليس يطلب أحد منهم نعمة تجزى إلا ابتغاء زرع أزهار الحق والجمال والخير القلم المكلوم يعجز عن شكركم
Blanc, l'innocent, le sang du poète
qui, en chantant, invente l'amour pour que la vie s'habille de fête et que la nuit se change un jour |
||||||
|
|