-
عرض كامل الموضوع : هيفاء بيطار
في حدا عندو قصص لهيفاء بيطار
hanny dagher
23/08/2006, 12:11
في حدا عندو قصص لهيفاء بيطار
مينا هاي اول مرة بسمع فيها فشو قصصا ؟
هي كاتبة سورية قصصها جريئة كتير وبتتناول قضايا ساخنة في المجتمع
لها عدة روايات ومجموعات قصصية قصيرة
أقرأ لها حاليا أفراح صغيرة أفراح أخيرة وهي رائعة
handsome
23/08/2006, 16:57
هلق للحقيقة انا ما كنت سمعان فية من ابل . بس بعتبار طلعت بنت العم . معناتا كان لازم اتعرف علية ..
هي طلعت طبيبة اختصاصية بأمراض العين وجراحتها
وعضوة جمعية القصة والرواية
في عندا كتير قصص وروايات لقيت منون هدول لتلت قصص
موت البجعة
يكفي أن يحبك قلب واحد
عطر الحبمع العلم انو عطر الحب انا جمعتا ... هي كانت قصص صغيري وانا جمعتا سوا..
انشالله يكونوا بيكفوا بالواجب وبيعجبوكي
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
شكراً كتير
شو فيني أساعدك لحتى رد الجميل
نحن جاهزين
handsome
24/08/2006, 01:05
بعتقد انو مساعدتك وصلت
ما بيكفي خليتني اتعرف على هيفاء بيطار;-)
butterfly
24/08/2006, 17:05
بعتقد انو مساعدتك وصلت
ما بيكفي خليتني اتعرف على هيفاء بيطار;-)
ما تعطيون وش من أولا بدي يحطلك غمزات :yahoo: :p :p
مشكور عالجهد الرائع ... :yahoo: :yahoo:
handsome
24/08/2006, 17:08
هلق هادا الطلع معك اخر الشي :jakoush:
بس انو شو صار شي غلط :oops: الواحد بيجرب حظو:p
عربية الدم
25/08/2006, 18:52
حقيقة .. بعض الكتب نتذوقها.. وأخرى نبتلعها.. وقليلة هي التي نمضغها ونهضمها..
بالفعل قصص هيفاء بيطار غاية في الذوق الأدبي.
اول مرة بسمع اسما هالاخت هيفااء بس باينتى بتعرف تكتب ! شكررا على الكت خيي
اقرأوا أفراح صغيرة أفراح أخيرة
فعلاً أكثر من رائعة
انور سمير
02/09/2007, 20:55
شكرا كثيرا على جهودك
محمد عزت رياض محمود
23/10/2007, 00:14
منذ إشتراكي في هذا الموقع الرائع وأنا في حيره لماذا أعمال هيفاء بيطار قليلة مع أن كتاباتها أكثر من رائعة رغم
تحفظاتي ليس على موضوعاتها أو اسلوبها الرائع بل على أشياء أخرى سوف أتطرق إليها في مشاركاتي القادمة.
تبقى هيفاء بيطار أكثر من رائعة بجرأتها ولكن موضوعيتها "وأنا لا أحكم بك أفتح باب للنقاش" اهتمامها بتوجيه القارئ للتعاطف مع البطلة بطريقة غير مباشرة تؤثر كثيراً على موضيعية الكاتب وتدفع القارئ إلى استخلاص نتيجة غير متسقه مع الشخصية .
محمد عزت رياض محمود
23/10/2007, 00:19
أرجو وضع عملها / إمرأة من طابقين / وأعمالها الأخرى ولكن أخبريني butterfly لماذا لا يمكنني التحميل رغم أنني كنت أستطيع ذلك سابقاً أو من حوالي الساعتين من الأن
محمد عزت رياض محمود
23/10/2007, 00:57
هذه إحدى مقالات الأديبة هيفاء بيطار علها تلقي بعض الضوء عليها .
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
باشق مجروح
19/11/2007, 14:32
الدكتورة هيفاء بيطار
أخصائية بطب العيون وكاتبة عبقرية رح حاول انقلكن من خلال قلمها لعالم تاني كلو أحاسيس
من مجموعتها القصصية موت البجعة اخترت قصة
الموت لا يقبل الرشوة
تدور صينية القهوة على المعزين، ينتظر دوره، عن يمينه صالون النسوة الباكيات، تساءل وهو يتناول فنجان قهوته: لماذا لا يبكي الرجال مثل النساء؟ وهل البكاء صفة من صفات النساء وحدهن؟ وتخيل الرجال يبكون بالطريقة ذاتها التي تبكي بها النساء، فضحك في سره، ورشف قهوته متذكراً أن عليه أن يزور بيتين آخرين ليعزي. حدث نفسه:
اليوم ضربت الرقم القياسي في التعازي. الحمد لله انه يوم إجازة، الوقت فيه طويل وفضفاض.
مزق الصمت صوت امرأة تولول: لم تعش حياتك يا حبيبي، وعلت موسيقى البكاء الجماعي ثم تخافتت بعد دقائق. غاص قلبه وهو يردد صدى تلك الجملة: لم تعش حياتك، وبدت له شديدة الوضوح لدرجة السخف، وشديدة الغموض لدرجة التعقيد في الوقت ذاته، لكنه وافق المرأة بأن الشاب المتوفى لم يعيش حياته بالمعنى الزمني، ولكن كيف يعيش الإنسان حياته؟ تساءل بقلق، فيما أتاه صوت ساخر أحسه يخرج من فوهة مزهرية سوداء مزينة برسوم ذهبية قبالته، يأكل ويشرب وينام، كان الصوت ساخراً لدرجة أزعجته حقاً..
وها هو رجل على أعتاب سن التقاعد، ترى كيف عاش حياته، وتخيل نفسه في كل مراحل حياته مهموماً بدرجات متفاوتة، وبدت له لحظات السعادة قصيرة وعابرة، تترك أثراً طفيفاً كالأثر الذي يتركه اصبع في العجين سرعان ما يزول. وبدت له لحظات الألم عميقة ومديدة تترك وشماً في روحه وذاكرته لا يزول.
وهمس جاره في أذنه: المسكين مات فقعاً وهو لم يتجاوز الثانية والثلاثين..
نظر إلى محدثه، كان رجلاً كهلاً، تغضن وجهه بطريقة أثارت قرفه، وتأمله من مسافة القبلة، ابتلع ريقه محدثاً نفسه: ما أبشع النهاية... لكنه أحسه كهلاً سعيداً لأنه لا يزال حياً، لكأن السنوات التي انقصفت من عمر الشاب قد أضيفت إلى عمره..
قال الكهل: المسكين كان كالحصان، لكنه خسر خسارة هائلة بالتجارة، أوشك على الإفلاس، فمات. وجد نفسه يرد بآلية: لقد ارتاح.
ترى لماذا نقول كلمات لا نعنيها، ولا نؤمن بها، هكذا تساءل حين همس الكهل مجدداً في أذنه: أتعرف، لقد أصبت مراراً بالسكتة القلبية، وفي كل مرة كان الله ينقذني، الله وليس الأطباء... وابتسم كاشفاً عن لثة عارية بنفسجية مهترئة، فأثار القرف عند مستمعه، واضطر أن يقول له مجاملاً: الحمد على سلامتك.
انتفض من مكانه هارباً من مكانه المقيت، متجهاً إلى بيت التعزية الثاني الذي ينتظره، وفي طريقه استوقفه عند منعطف الشارع صوت ملح يناديه، عبد المجيد، عبد المجيد، تلفت ليرى رجلاً أنيقاً يسرع باتجاهه، حياه الرجل باسماً فرد التحية محاولاً تذكر صاحب الوجه. إنه أليف، يشعر أنه يعرف صاحبه، لكن أين لقيه؟ ومتى؟ لم يتذكر، ابتسم الرجل الأنيق وقال ضاحكاً: لم تتذكرني، أليس كذلك؟
تمعن عبد المجيد في وجهه وقال متأسفاً: للأسف لم أتذكر أين التقينا؟
قال الرجل الأنيق: سأذكر، هل تمانع أن أدعوك لشرب كأس من البيرة في مقهى قريب.
استغرب عبد المجيد من لسانه الذي دار للحال في فمه قائلاً: لا أمانع.
عجباً ليس من عادته الإذعان بهذا الاستسلام التام للآخرين، خاصة للغرباء، كيف وافق هذا الغريب قبل أن يتذكره. سارا متلاصقين، يتضارب كتفاهما قال الرجل: ستتذكرني من تلقاء نفسك في الحال، هل تذكر رحلة الطائرة بين دمشق والقاهرة سنة 1972.
ومضت ذكرى بعيدة وقوية في ذهن عبد المجيد: تلك الرحلة التي توفي فيها شاب في الأربعين بسكتة قلبية ولم يستطع أحد إنقاذه.
ضحك الرجل الأنيق قائلاً: جيد، ذاكرتك ممتازة، وأنت كنت في الطائرة أليس كذلك؟
وحاولت تهدئة المسافرين وإداخال الإطمئنان إلى قلوبهم.
ربت الرجل على كتف عبد المجيد قائلاً: ذاكرتك ممتازة يا عبد المجيد.
قال عبد المجيد: وهل تنسى تلك الرحلة، رجل يموت في الفضاء.
قال الرجل: وماذا في ذلك الموت هو الموت.
-لكن ما أبشع أن يموت الإنسان في طائرة، كم سبب ذلك من أذى ورعب للمسافرين.
ابتسم الرجل: الناس دوماً يخشون الموت، على الرغم من أن حياتهم قد تكون موتاً أكثر من الموت.
وصلا إلى مقهى رصيف قريب، جلسا متقابلين، سأله عبد المجيد: لكن اعذرني لم أتذكر اسمك بعد.
قال الرجل: اسمي منقذ.
ابتسم عبد المجيد: منقذ اسم ظريف، ترى من أطلقه عليك أمك أم أبوك؟
ضحك منقذ متهرباً من الجواب وقال: أخبرني، هل وفقت بمساعيك يومها.
تساءل عبد المجيد: أية مساع؟
قال منقذ: هل نسيت أنك حكيت لي ونحن في الطائرة، أنك ذاهب للتوفيق بين ابنتك وزجها، لأن المشاكل بينهما أوصلتهما إلى حد الطلاق.
أصيب عبد المجيد بذهول وتساءل: أنا حكيت لك كل ذلك.
قال منقذ: معك حق، الحديث عمره أكثر من خسمة عشر عاماً.
قال عبد المجيد وكأنه يحدث نفسه: لكن كيف أبوح بتلك الأسرار الشخصية لغريب؟
قال منقذ: ليس أسهل من البوح بالأسرار أمام الغرباء، والعابرين، لأننا لا نخشاهم، فهم يتركوننا احرار من تدخلاتهم وتقييماتهم.
-معك حق.
اقترب منهم النادل، طلب منقذ زجاجتي بيرة وبطاطا مقلية، قال لعبد المجيد: أحس بجوع.
سأله عبد المجيد: ماذا أنت فاعل هنا، أين...؟
قاطعه منقذ: في الواقع أتيت لمهمة محددة، وصلت منذ ثلاثة أيام وسأغادر غداً.
-هل أنت تاجر؟ اعذرني نسيت مهنتك، هل سألتك ونحن في الطائرة عن عملك؟
رد منقذ: لا، لم تسألني، كنت تتحدث عن نفسك فقط، كنت.ممتعضاً بشدة من خلافات ابنتك مع زوجها، ولكن قل لي هل أثمرت مساعيك في إعادة الوفاق بينهما.
-إطلاقاً، لقد حصل الطلاق في أثناء وجودي في القاهرة.
رد منقذ مازحاً: لعلك أسرعت في طلاقهما؟
قال عبد المجيد: ربما، لا أعرف، لكن ذاكرتك مدهشة فعلاً، كيف تتذكر كل تلك التفاصيل، كيف وكأن فكرة ومضت فجأة في ذهن عبد المجيد: كيف عرفتني في الطريق وناديتني بعد كل تلك السنوات؟ هل رأيت وجهي؟ أم عرفتني من ظهري...
ضحك منقذ مردداً عبارة زميله الطريفة: عرفتني من ظهري، قائلاً: معك حق، الظهر يدل على الشخص كالوجه تماماً، في الواقع يا عزيزي، أنا كنت أقصدك.
وضع النادل زجاجتي البيرة على الطاولة مع كأسين كبيرتين، وخاطب منقذ قائلاً:
-بعد دقائق ستكون البطاطا المقلية جاهزة.
شربا البيرة، بعد أن رفعا كأسيهما عالياً وقال كل واحد للآخر في صحتك.
تساءل عبد المجيد: أتقصدني أنا!
ابتسم منقذ وقال: أقصدك شخصياً يا عزيزي عبد المجيد.
-خير، هل تريد مساعدتي بأمر ما؟.
قال منقذ: لا أبداً لا أريد منك شيئاً، بل أتيت لأصطحبك إلى العالم الآخر...
أحس عبد المجيد بامتعاض شديد وقال بلهجة موبخة: لا أحب هذا الحديث، حتى لو كان مزاحاً. تابع منقذ باللهجة المرحة نفسها: أنا لا أمزح صدقني، هذه مهمتي تحديداً يا عبد المجيد، أنقل الناس إلى العالم الآخر، أساعدهم في العبور.
قال عبد المجيد ساخطاً وقد هم بالقيام: لا أستظرف حديثك أبداً يا سيد منقذ، ولفظ اسمه بطريقة أقرب للسخرية والاحتقار.
-مهلاً، مهلاً يا عزيزي، لا تغضب، لا تغادر الدنيا غاضباً، والله الشاب الفلاني الذي كنت تعزي به منذ لحظات سلمني روحه ببساطه تامة، قال لي: ارحني من عذاب هذه الدنيا الذي لا يطاق، والمرأة المسكينة التي كنت تقصد بيت ابنها لتعزيه بها، سلمتني روحها ببساطة أيضاً، رغم أنها كانت شديدة الولع بحفيدها.
أحس عبد المجيد بالشلل، وآمن أن رجليه لن تقويا على حمله لو حاول القيام، وما عاد باستطاعته رشف البيرة ولا الكلام، نظر في عيني منقذ، أذهله أنه للمرة الأولى يتأمل عينيه جيداً. إنهما عينان بلا بياض، مجرد سواد، سواد فاحم، أحس برعشة، وأخذ يرتعد، إنه يحس بأعماقه لاواعياً أنه في حضرة الموت، لكن هل خطر له أن يأتيه الموت بصورة رجل أنيق يشرب البيرة.
تابع منقذ كلامه بلهجة بسيطة مرحة وهو يرشف البيرة: عبد المجيد، أنا مجرد موظف، أوصل الناس، الذين تقدم لي أسماؤهم كل يوم إلى العالم الآخر.
تحامل عبد المجيد على نفسه وتساءل قلقاً: تقدم لك أسماؤهم؟!!
قال منقذ: أجل، كل يوم، يطلب إلي أحضر فلاناً، طفلاً، شاباً، كهلاً، مريضاً، صحيحاً معافى، أوه لا أدقق، المهم أن أوصل تلك الأرواح إلى العالم الآخر.
أخذت أسنان عبد المجيد تصطك مصدرة صوتاً كالقرقعة، لقد سيطر عليه منقذ، إنه يشعر أنه في حضرة الموت، الذي يدعوه لشرب كأسٍ من البيرة قبل أن يغادر، أعمل تفكيره وخطر له لو يستطيع أن يتملص منه، أن يرشوه، آه، ليت الموت يقبل الرشوة، هكذا كان يحدث نفسه، حين أجبر على السيطرة على اصطكاك أسنانه وارتعاد جسده سأل منقذ:
-منقذ، أمهلني فرصة، سأودع أسرتي، بل أمهلني بضع سنوات أخرى أرجوك.
ابتسم منقذ قائلاً: أنا عبد مأمور يا عبد المجيد، صدقني أنا مجرد وسيط.
اقترب منه عبد المجيد، وركز نظرته في سواد عينيه الشديد وقال: اطلب مني ما تشاء، سوف أعطيك مهما طلبت...
قاطعه منقذ ضاحكاً: حقاً أنت ظريف، لكن لا مجال للتراجع يا عبد المجيد، ثم انفجر ضاحكاً، ثم ما هذه الرشوة؟! في عالمنا هذه الكلمة ليس لها وجود.
ردد عبد المجيد مرتعباً: في عالمكم، تقصد الموت، كيف هو؟
أخذ منقذ يلتهم البطاطا بتلذذ، وهو ينفخ البخار الساخن من فمه ويقول:
عالمنا بسيط، لطيف، ومريح، ليس فيه شر.
-وماذا فيه إذاً؟
ابتسم منقذ وقال: سوف ترى.
أخذ عبد المجيد يحس بضيق يتعاظم في صدره، تمنى لو يتمكن من الهروب، لكنه عاجز، ثمة قوة تسمره في مكانه، حل صمت ثقيل قطعه عبد المجيد متسائلاً:
-على أية أسس تسلب الناس حياتهم؟
قطب منقذ حاجبيه ونظر بقسوة إلى عبد المجيد قائلاً: أنا لا أسلب الناس حياتهم، أنا لست لصاً، قلت لك أنا مجرد موظف، مجرد وسيط، أنقل الأرواح إلى العالم الآخر، أنقلها ولا أسلبها ما هذه المفردات البشعة في عالمكم..
قال عبد المجيد: لكنك تسبب الموت لهؤلاء المساكين.
-الموت، أجل في لغتكم اسمه الموت، لكنه هناك، في العالم الآخر، اسمه رقاد، سلام، راحة.
-لكن على أي أساس يتم اختيار هؤلاء الأشخاص، أقصد لماذا يموت طفل صغير بينما عجوز كهل يظل على قيد الحياة.
-والله لا أعرف، ثمة حكمة لا نستطيع فهمها.
-ولماذا لا يمكن فهمها؟ تساءل عبد المجيد بكل جوارحه: أريد حقاً أن أعرف هذه الحكمة.
قال منقذ: عبد المجيد، أرجوك أن تهدأ، الحياة مهما طالت أو قصرت ستنتهي ذات يوم.
-أجل أعرف، لكنني لا أريد أن أموت الآن، ثمة أشياء تنتظرني، واجبات، والتزامات أسرتي، تحتاج إلى، أرجوك يا منقذ أمهلني..
اختنق صوت عبد المجيد، فيما أشرف منقذ على التهام البطاطا المقلية كلها، قال: ما أصعب الجوع يا عبد المجيد، أنتم في هذا العالم تجوعون. الجوع يدفع لارتكاب الجرائم لكن هناك لا يوجد جوع ولا جرائم.
يبدو أن عبد المجيد لم يصغ لكلام منقذ، كان مهتاجاً يريد أن يفر من الموت، اقترب من منقذ وحطت راحته على كتفه، صعقته برودة ثلجية منبعثة من كتف منقذ، أحس برعشة الموت تسري من جسده، ورفع كفه في الحال، لكأن كهرباء سرت فيها، أحس أنه في حضرة الموت وجهاً لوجه.
قال عبد المجيد بصوت أخذ الرعب يملؤه: منقذ أرجوك، تظاهر أنك نسيتني، قل لهم لم أجده و...
انفجر منقذ بضحك هستيري وهو يفكر بسذاجة عبد المجيد، وقال بعد أن هدأت عاصفة ضحكه: وهل تظنني شرطياً أريد إبلاغك محضراً في المحكمة، لو تعرف الأساليب والوسائط المتوفرة لدي للوصول إلى البشر لذهلت، هل تذكر يوم كنا في طائرة، صرخ عبد المجيد: أنت من قتلت الرجل، أنت قتلته...
هم عبد المجيد بالفرار، دفع كأس البيرة بيده ساخطاً وقد بلغ انفعاله ذروته، وحين هم عبد المجيد بالفرار سقط جثة هامدة، تجمع الناس حوله خائفين يطلبون سيارة الإسعاف أو طبيباً بينما كان منقذ يدفع الحساب ببرود ويهمس بصوت لم تسمعه أذن بشرية: هيا يا عزيزي عبد المجيد تهيأ للرحلة إلى العالم الآخر.
.................................................. ..............................................
بتمنى من كل قلبي كون نقلتكن لتصور الكاتبة العبقري واحساسها واسلوبها السلس
انتظروا المزيد
شكرا...........
Moonlights
19/11/2007, 17:29
شكراً لك ولي عندك طلب ومن الجميع :
أرجو من جميع الأعضاء المهتمين بوضع أعمال أدبية أو أي كتاب في المكتبة أن يصرّحوا بذلك كي لا تذهب جهود أي عضو سدى , أعني ربما يوجد أكثر من عضو يعمل لرفع كتاب ما على الموقع
وشكراً
باشق مجروح
19/11/2007, 18:38
شكراً لك ولي عندك طلب ومن الجميع :
أرجو من جميع الأعضاء المهتمين بوضع أعمال أدبية أو أي كتاب في المكتبة أن يصرّحوا بذلك كي لا تذهب جهود أي عضو سدى , أعني ربما يوجد أكثر من عضو يعمل لرفع كتاب ما على الموقع
وشكراً
عفوا أنا ما فهمت قصدك يعني وين بدي صرح بهالشي..
butterfly
19/11/2007, 21:03
شكرا كتير كتير كتير
عالنقل
وتم دمج الموضوع هون ...
مشان السهولة
:mimo:
باشق مجروح
19/11/2007, 21:20
شكرا كتير كتير كتير
عالنقل
وتم دمج الموضوع هون ...
مشان السهولة
:mimo:
ولا يهمك بتمنى تقري القصة ما رح تاخد من وقتك كتير
:D:ss:
Moonlights
19/11/2007, 22:51
في هذا المكان بالضبط
أنا الأن أقوم بإعداد مجموعتها القصصية /ضجيج الجسد / للرفع على الموقع
وشكراً
باشق مجروح
19/11/2007, 23:30
في هذا المكان بالضبط
أنا الأن أقوم بإعداد مجموعتها القصصية /ضجيج الجسد / للرفع على الموقع
وشكراً
يعطيك العافية أنا من معجبينها
وايدي بايدك
Moonlights
07/12/2007, 00:48
التقته في نيويورك, أثناء زيارتها لأختها, كنت وحدي أعرف سبب سفرها وأشجعها عليه, شفاء من حب عشش في روحها طويلاً وانتهى بالغدر, حاولت أن أقنعها دوماً بأن الحب الذي ينتهي بالغدر ر يصح أن يسمى حباً على الإطلاق, وكانت تجيبني وسط دموعها: كيف سأتخلص من مخزون سنتين ونصف من الذكريات الرائعة؟ فأقول لها باستخفاف أحاول جاهدة توصيله كاملاً إليها: أنت تبالغين, بالتأكيد ليست ذكريات رائعة, لأنها زائفة, فحبيبك لم يستحق حبك وإخلاصك بل تخلى عنك في أول فرصة ليبيع نفسه لفتاة ثرية تختصر أمامه سنوات من الكفاح.
ما كانت تخجل أن تبوح أمامي بكل شيء, فأنا صديقة الطفولة والشباب والدراسة, كانت تتمنى لو يترك خطيبته الثرية ويعود إليها, ستغفر له, وكان ضعفها يغضبني, خلافنا الحاد كان حول مفهوم الكرامة في الحب, كنت أثور عليها وأصرخ قائلة: كيف تقبلين الرجوع إليه إذا ترك خطيبته؟ فترد بانكسار, كل واحد معرض للغواية, المحب هو الذي يغفر, واحتد قائلة: هناك أخطاء غير قابلة للغفران, لأنها تكشف معدن الشخص, واختياره وقيمه, خطيبك لم يخطئ بحقك من غير قصد بل اختار المال, تركك من أجل فتاة ثرية.
تقول باستسلام : معك حق, ولكن, يختنق صوتها وتهمس: أنا أحبه.
طوال حياتي لم استطع فهم الحب كمرض, الحب يجب ألا يكسر فينا الكرامة والمشاعر الجميلة يجب ألا يحني رقابنا ويحرق عيوننا بالدموع, وحين اقترحت عليها أن تتخلص من صورهما ورسائلهما لتساعد نفسها على النسيان, رفضت, وقالت: لا أستطيع تمزيق سنتين من حياتي.
كتبت لي في الطائرة بأنها لم تتوقف عن البكاء في الجو, وبأنها ندمت كونها سمعت نصيحتي وسافرت, ليس أصعب من اصطحاب جراحنا الطازجة في أسفارنا, قالت إن ألمها يسلخها عن إحساسها بكل شيء جميل, وبأنها تحار كيف ستقضي تلك الأسابيع مع أخيها في نيويورك.
وصلتني رسالتها بعد عشرة أيام من سفرها, ماذا عساني أقول أكثر مما قلت لها, قررت ألا أرد على رسالتها, فقد تحمل كلماتي رائحة حبها المغدور, تشعرها أكثر بسخونة ذكرياتها الملتهبة التي كنت وسيطة في قسم كبير منها, كنت أومن أن أفضل طريقة للنسيان هي أن يقذف الإنسان بنفسه في جو جديد وغريب, دون شفقة على روحه, يترك الأمواج تتقاذفه فإما أن يشفى ويكون جديراً بالحياة الجديدة أو ينهار.
بعد ثلاثة أسابيع من سفرها, تلقيت منها هاتفاً أيقظني قبل الفجر.
هوى قلبي وأنا أسمع صوتها, حاصرتني عشرات الاحتمالات السيئة, اعتذرت مني على الإزعاج, وأسرعت تطمئنني أنها بحالة ممتازة, وبأنها التقت بالشاب الذي يستحقها, حدثتني عنه, صديق لأخيها طبيب أمراض عصبية, مغترب في نيويورك منذ عشر سنين, قالت بأنها التقته ليلة وصولها, وبأن لقاءاتهما تكررت وصارحها برغبته بالارتباط بها, قالت بأنها لم تستطع منع نفسها عن شكري, لأنني كنت السبب الرئيسي في سفرها.
لم تنسَ أن تطمئن عليّ, وأن ترسل سلامها الحار لخطيبي الذي أصبحت تربطها به صداقة بسبب متانة صداقتنا.
مددت إقامتها في نيويورك أسبوعين آخرين, وحين عادت كانت مختلفة تماماً, مشرقة , هائجة بالسعادة, تعجز عن ضبط ابتسامتها, متفائلة لأنها اكتشفت إكسير السعادة الأبدية, وحين حاولت أن أجسّ ندبة حبها القديم قالت ضاحكة: أحس أنه بعيد بعيد, لكأنني انفصلت عنه منذ سنوات.
كانا قد اتفقا على الخطبة والزواج والعيش الدائم في نيويورك, وكانت سعادتها تفيض فتفاجئني بقبلات طائشة وهي تقول: صدري لا يتسع لتلك السعادة, أكاد لا أصدق ما حصل معي.
بذرة شك ظلت تنخر في عقلي, شيء ما في قصة صديقتي لا يقنعني, ترى ما هو؟ ألا يحتمل أن تكون عواطفها العاصفة تجاه حبيبها الجديد كتعويض عن فشل حبها القديم الذي لم تترك لذاكرتها فرصة لنسيانه, وهل هو أحبها حقاً, أم يبحث عن زوجة من بلده؟
هل تقصدت أن تخفي عني موعد وصوله, وأرادت أن تفاجئني بحضوره في مكان عملي, كغرامها الدائم بالمفاجآت, كنت أجلس وراء طاولة مكتبي أدقق في قياسات الطرق التي أجريتها الأسبوع الماضي مع طاقم المكتب الهندسي, حين أطلت كعادتها مشرقة تسبقها رائحة عطرها الكثيفة, قالت وهي تتأبط ذراع شاب طويل نحيل: أقدمه لك, عدنان, التفتت إليه وقدمتني له: مناة صديقتي المفضلة.
تصافحنا بآلية, لكن عيوننا اشتبكت بنظرة طويلة, عجزنا عن فكها, نظرة تجسدت للحال بشكل طوق محكم, أطبق علينا ووقعنا أنا وهو أسيرين فيه, أحسست ما يشبه الصعقة وأنا أنظر إليه, أظنه عانى من الإحساس ذاته, لأنه لم يستطع إخفاء تعكر صفحة وجهه, والاحمرار المفاجئ والشديد في أذنيه, قلت ما يجب قوله: أهلاً! تفضلا بالجلوس.
كنت شهدت ولادة زخم من المشاعر المباغتة في نفسي لا أعرف سببها, كيف حرّض بي هذا الرجل تلك الفتن كلها؟ لماذا تزلزلت الأرض الميتة تحت قدمي؟ لماذا انهارت فجأة الحصون والحدود كلها بيني وبين هذا الغريب, فغدونا شجرتين عاريتين متقابلتين غير آبهتين بالرياح والصواعق, والفؤوس التي تهدد الجذوع والأغصان بالبتر.
أنا التي كنت أباهى بدقة اختياراتي, وبذالك الانسجام الموفق بين العقل والقلب, ما الذي عبث بي وهزّني هكذا؟! لاحظنا بدهشة أننا نلبس الطوق الذهبي نفسه, سلسلة ذهبية تنتهي بمكعب صغير من الذهب, مكعب مصقول, لا نقوش فيه ولا رموز ولا أحرف.
دارينا ارتباكنا بضحكة, لم أتوقع أبداً أن ألتقي بإنسان يحمل مكعبي, رفاقي كانوا يسخرون من هذا المكعب ويسألونني عن معناه؟ فأقول بغرور شارحة وجهة نظري: أنا ألبس الذهب لأنه ذهب, أحتقر أن يصير الذهب رمزاً, أي معنى لصليب من ذهب مرصع بالألماس! الصليب كان من خشب, ترى ما دلالة أن يلبس هذا الغريب مكعبي ذاته, خصوصيتي ذاتها, ألا يعتبر هذا المكعب بمثابة إشارة أو إنذار لأمور غير معلنة بعد, سوف تعلن.
أعرب عن دهشته قائلاً: عجباً كلانا يحمل المكعب ذاته.
سألته: هل اشتريته, أم قدمه لك أحد الأصدقاء هدية؟
قال أبداً, أنا اشتريته لأنني اعتقد أن الذهب هو الذهب, هو ذلك المعدن الأصفر الملعون, سلاح إبليس, على فكرة, لا أملك قطعة ذهب سواه.
عادت نظراتنا إلى التشابك المعقد, ثمة طرقات عذراء تتكشف لي فيها مفاجآت رائعة, يطلعني عليها حدس أكيد, أحسست بوجهه يلتهب, ماذا لو امتدت يدي لتلامس خده ألن تسري فينا كهرباء؟! كيف تحصل هذه الأمور؟ أي قوى تسخر منا نحن الثلاثة, بل نحن الأربعة, يبدو أنني نسيت خطيبي, الذي يفترض أن أتزوجه حالما ينتهي النجار من إنجاز أثاث بيتنا.
أحضر الآذن القهوة, كان من عادتي رشف القهوة من الفنجان وإعادته إلى الطاولة وليس إلى صحنه الأبدي, من جديد أربكتنا المفاجأة: كلانا يشرب القهوة من الفنجان ولا يعيده إلى مكانه آمناً, لماذا نقترب بتلك السرعة في حقل الألغام, غير المسموح بالدخول إليه؟ ازدادت الكهرباء بيننا, أخذ جسدي يرشح عرقاً حاراً, حدثت نفسي أني ما عدت متأكدة من شيء, وبأن زمام أموري أفلت من يدي, أدهشني لن تكون آثار هذا اللقاء رهيبة إلى هذا الحد, لأنني بعد انصرافها أخرجت مرآتي الصغيرة من حقيبتي ونظرت في وجهي, كانت ملامحي العادية هي ذاتها, لكن وجهي ليس وجهي, فيه شيء لا يشبهنني, ثمة إرهاق عميق يلوح من عيني, لكن لمعاناً غريباً يشع منهما أيضاً!
أهي صعقة الحب التي أسمع عنها وكنت أسخر منها؟ ما باله خطيبي تحول بلمح البصر إلى دخان, إلى رجل من ضباب, لا تربطني به علاقة عمرها سنة.
لكن عجباً ألم أكن مقتنعة أنه اختيار عقلي وقلبي مجتمعين ؟! لماذا أشعر بأن كل شيء باطل, وبأنني لم أختر سواه, سوى هذا الغريب الذي يلبس مكعبي الذهبي الفريد, ويشرب القهوة بالطريقة التي أشربها بها, محرراً الفنجان من أسر صحنه الأبدي!
دعتني صديقتي أنا وخطيبي إلى العشاء في اليوم الذي قدمتني لخطيبها, حاولت أن أسترخي طوال فترة العصر, وأعتبر أن ما أحسسته سخف ووهم, وأن خطيبي هو الرجل المناسب لي الذي خبرته طوال عام, يا إلهي ما أبرع العقل في تنفيذ الحجج المنطقية, لكن المرآة فضحتني إذ عكست لي رغبتي اللامحدودة لأبدو في أجمل صوري, عارفة بخبث المرأة الأزلي أنني أتزين لأجله هو, خطيب صديقتي .
لم أستطع مقاومة شعور الإثم طوال السهرة, كل لحظة كانت تؤكد لي حقيقة انجذابنا المدمر, هو بدوره كان يجاهد كي يحرف أنظاره عن وجهي, كانت نظراته تداعب شعري بأصابع من هواء, كان يحفظ ملامحي وشماً في ذاكرته, كي يستعيدني على مهل بعد انتهاء السهرة.
ببساطة علقت صديقتي : كنت أعرف أن مناة سوف تعجبك, قالت لي : لم يكف عن السؤال عنك.
كشفت نظرتي بشكل مباغت عن حمى حب جديد ومباغت, كنت أبذل جهداً غير صادق لمقاومته, وحين عدت إلى البيت يرافقني خطيبي – كما يفترض – تركت يدي باردة فاقدة الشعور تستسلم يائسة ليده, عارفة منذ اللحظة أن الحياة لن تدب فيها بعد الآن أبداً في يد خطيب, ولم أمانع بقوة الهزيمة أن أقدم له شفتين من حطب, كانت تلك أتعس قبلة في حياتي, أحسست أثناءها أنني أخون نفسي, وأخون الغريب.
حاولت أن أرفق بنفسي, وأحلل بمنطق ما حصل معي, أهي جاذبية الغرباء؟ لكن ما معنى هذا الكلام؟ ألا يفترض أنني أحب خطيبي؟ لكن هل أحببته حقاً؟ أم أنني أجده زوجاً مناسباً, فالزواج ضريبة على كل فتاة وشاب, وهكذا نمارسه هنا, في الأحوال كلها سأتزوجه, وستتزوج صديقتي خطيبها الذي جعل قلبي يرتجف.
دخنت سيجارة, وأنا أهدأ شيئاً فشيئاً مراقبة تبدد سحب دخانها, موحية لنفسي أن ما أحسسته ليس سوى عاصفة في فنجان, مؤكدة لنفسي المهتزة أن المخطوبين والمتزوجين كلهم يتعرضون لأشياء مشابهة, وأنه لولا الإلتزام لانهارت العلاقات كلها, ولم أتورع عن تهنئة نفسي على شجاعتي بتبادل القبل مع خطيبي رغم حمى الحب المفاجئ التي أصابتني مع الغريب, لكن لماذا دموعي تنهمر بغزارة الشلال, ويرتعش كتفاي بقوة من الإنفعال؟ من يقدر أن يزلزل الإنسان هكذا, سواه الحب.
المرآة وحدها تكشف حقيقتنا, قالت لي وأنا أمسح الماكياج الذائب على وجهي : أنت عاشقة حتى النخاع.
كانت صديقتي تستعد لطقوس الخطبة, الفستان البديع الذي تخيطه عند أشهر خياط في المدينة, بطاقات الدعوة للأصدقاء والأقارب إلى حفل الخطبة في فندق, كل شيء حولي كان حقيقة, لكني لم أكن أصدق شيئاً, غادرني يقيني بكل شيء, تمنيت ألا ينتهي النجار من إنجاز أثاث البيت الذي سيجمعني مع خطيب تحول بقوةٍ سحريةٍ إلى رجلٍ غريبٍ لا يعنيني في سيء.
أخذت أفكر جدياً بفك ارتباطي به, لا أستطيع خداعه, سأتركه وسأداوي نفسي من حبي للغريب, من نوبات البكاء المفاجئة حتى وأنا أقيس الطرقات في الريف, وأسجل الأرقام في الدفتر.
تكررت اللقاءات بحكم صداقتي المتينة مع صديقتي, خطيبي كان يرافقني أغلب الأحيان, وحدنا – أنا وهو – كنا نعرف تورطنا الجميل والحرج, أصبحت عيناه تحاصرني, إنه ينتظر أملاً أو تشجيعاً, وأنا أغرقته بحنان ضائع لا هدف له.
أسبوعان من العراك الضاري مع ذاتي جعلاني مقتنعة تماماً بوجوب الانفصال عن خطيبي, لكني قررت الانفصال عنه بعد أن تتم خطبة صديقتي, هكذا أرضي ضميري, وأتحرر من مشاعر الإثم شديدة الوطأة, أرضاني هذا الحل, وقررت التواري, صرت أتعلل لصديقتي بمشاغل وهمية كي لا ألتقي خطيبها, وأعتذر بالحجة الأبدية لنهاية كل علاقة حب: الصداع, لكنه فاجأني قبل موعد خطبته بأيام في مكتبي, وقف في وسط الغرفة صامتاً دون أن يلقي تحية الصباح, واضح أنه مشهد متألم, واضح أنه عاشق, أخذ قلبي يتسارع نشوة وسعادة وأنا أتأمله, همست لنفسي كم أحبه, تأمل كل منا المكعب الذهبي المعلق في عنق الآخر, مكعب صغير كان في تلك اللحظة فضاءنا المشترك, حينا الأخرس الذي حاولنا إجهاضه, لكنه أبى أن يموت قبل لحظة مواجهة.
قلت له بافتعالٍ: أهلاً تفضل بالجلوس, لماذا خطيبتك ليست برفقتك؟
رمقني بعتاب قائلاً: أظنك تعرفين أنني تقصدت أن أكون وحيداً, وتعرفين لماذا أتيت!
فتشت عن الكلمات, يبدو أن الموقف ما كان يتحمل زيفاً ولا مجاملة, تابع كلامه بصوتٍ ضمنه الحزن: لا معنى لسفري من دونك.
باغتتني جملته الجريئة: ماذا تعني, ألن تتم خطبتك؟!
قال بصوت قطعي:لا, يستحيل أن تتم, إنما خسارة أن أسافر من دونك, أنا أطلب منك.
قاطعته: مهلاً, مهلاً, هل فكرت كم سنسبب جرحاً لأعز الناس إلى قلوبنا, طعنة الغدر لا أقدر عليها, لم أتخيل يوماً أن أطعن أعز صديقة إلي هكذا, وذلك الشاب المسكين.
قاطعني: الطعنة الحقيقية ستكون لذلك الشعور الرائع الذي ولد بيننا من أول لحظة, وتأكد لحظة بعد لحظة, انظري في عيني وقولي لي لا أحبك أنصرف للحال, انسكبت دموعي تأثراً من لهجة صوته ربما, وليس كلماته, امتدت يده تمسح وجهي برفق متحسسة بشرتي الندية, قال لي وأنا مغمضة العينين تبتلعني دوائر صوته المتكاثرة:
-لا تترددي بمباركة هجرة روحك إلى حيث ترغبين.
تركت خدي يرتاح على راحته, كنت أغرق في الحنين وأنا أتساءل ما معنى حياتي من دونه.
اسبيرانزا
07/12/2007, 01:10
تم النسخ لحين القراءة
شكرا جزيلا
butterfly
07/12/2007, 14:21
من المكتبة
:D
ما اقتنعت بخصائص نفسية البطلة
بنزعج من فكرة تضخيم ... الحب لدرجة يصير اقدس من الالتزام واقدس من الصداقة وهيك بيجي بيلغي أية عقلانية
Moonlights
07/12/2007, 23:05
من المكتبة
:D
ما اقتنعت بخصائص نفسية البطلة
بنزعج من فكرة تضخيم ... الحب لدرجة يصير اقدس من الالتزام واقدس من الصداقة وهيك بيجي بيلغي أية عقلانية
لا أخالفك الرأي حول ضرورة لا بل قدسية احترم الالتزامات والعهود, لكن الحب هو بحد ذاته حالة ضخمة على الأقل كما أراه وليس بحاجة إلى تضخيم لأنه محور الحياة .
من جهة الخصائص النفسية للبطلة أشاطرك الرأي كانت بحاجة إلى تحديد أكثر وليس فقط إلى إيماءات أو إشارات هنا وهناك , فمعالجة قضية كهذه يجب أن تكون بطلتها قادرة نفسياً وفكرياً على مناقشتها ومعالجتها رغم صعوبة حسمها لكون هذه الحالات لا تصادف – أو تصادف دون أن تعني شيء لأخريات – إلا شخصيات ناضجة فكرياً وعاطفياً وهناك إشارة صريحة في القصة لذلك وهي أنها اختارت خطيبها بمزيج من العقل والعاطفة مع ترجيح كفّة العقل في هذا الخيار .
ولكن الحالة أو القضية كما أراها :
ما فرصة الشاب والصبية بشكل خاص في عيش الحب الذي يرضي المشاعر والأحاسيس والحالة الفكرية ويتناسب أو يتكامل مع أسلوب الحياة التي أختطها الشاب أو اختطتها الشابة .
دعينا نقول "بدون تحديد شاب أو شابة" يبقى الإنسان في مرحلة البحث والسعي هذه فترة طويلة قد يوفّق خلالها وقد لا يوفّق قد يلتقي بهذا الشريك الذي يبحث عنه دون أن يعرف ودون أن تتحرك فيه أي مشاعر عاطفية تجاهه فينتهي الأمر بهذا الإنسان المحزون والفاقد للفرحة الداخلية الحياة إلى تسليم عقله فقط مفتاح اختيار هذا الشريك ومن ضمن المتاح فقط لأن دائرة الاختيار تضيق مع مرور الزمن مهما اتسعت .
لكن الصدمة المفرحة المحزنة القاصمة المقوية تكون عندما يلتقي بشريكه الحقيقي بعد فوات الأوان فيبدأ الصراع وازدواجية المشاعر وتيه الحياة فلا هو يستطيع أن يحسم أمره بالاتجاه بمشاعره وفكره نحو الحبيب الذي طال انتظاره ولا هو بقادر على متابعة رتم حياته كما كانت قبل اقتحامها من قبل هذا الحبيب في الزمن الضائع .
صراع قاسي مرير ليس من السهولة بمكان حسمه ويبقى هو الخاسر الأكبر سواء أدار ظهره لهاذا الحب أم فتح له قلبه وذراعيه واحتضنه .
ولكن أساس القرار هو هل هو بقادر فعلاً على الاستمرار بحياته كما هي وكأن شيئاً لم يكن لا أظن ذلك مهما كان خياره.
على كل حال لقد أبقت هيفاء بيطار النهاية مفتوحة كي يضع لها القارئ النهاية التي يراها مناسبة , أو ربما هي نفسها لم تستطع حسم هذا الموضوع الأخلاقي الشائك.
وشكراً
Moonlights
09/12/2007, 08:31
مهزومة بصداقتك
أنا صديقتك المفضّلة التي تحكي لها خصوصياتك, ونكشف لها أعماقك التواقة للحب و الارتباط ...
أنا صديقتك التي تمتدح ذكاءها دوماً, وقدرتها على تفهم النفس البشرية.
أنا صديقتك التي تُحسُ بالبلبلة والضياع حين تسافر ولا تتمكن من التحدث إليها ....
أنا صديقتك الحزينة التي لا يمكن أن تقول لك ما توّد أن تقوله ..
أنا المرأة المتيمة عشقاً بكَ...
أنا التي ما عدت أتعرّف ذاتي بعد أن عرفتك, إذ شعرتُ أني تجاوزت شخصيتي إلى وجود جديد, وصار توازني النفسي يشبه توازن ملعقة على حافة كأس....
أنا الخائنة لصداقتك, لأنك لا تعرف كم أعشقك ....
وكيف أحس بمجرد أن أتنشق عطر جلدك أن وجودك ينهمر عليّ كما ينهمر رذاذ المطر على أرض مشققة من عطش الحرمان.
أنا العاشقة القابعة في كهف الصمت, أتخيلك وأسترسل مع أحلام يقظة تلحمني بكَ ...
أنا المرأة الساكنة, الصامتة, المشحونة بكهرباء الرغبة ... أحب أن أتخيّل لهفتك لحب امرأة أخرى , حين أسمعك تحكي عن توقك لتلك المرأة التي لم تلتقيها بعد أحس بطهم عذبٍ ممزوج بمرارة ينسكبُ في جوفي ...
أتخيل كيف ستقـبّـل تلك المرأة الحلم, وكيف ستداعبها , تعبر جسدي رعشة نشوتِك ....
ترتسم سعادتي في مرآة سعادتك, كما أنني ظللك ....
أتعرف , حين شربنا البيرة المثلجة قرب البحر , وأنا أنصتُ إليك تبوح لي بقلقك أنك لم تلتق المرأة التي تحب الارتباط بها , كنتَ تنظر للبحر , وأنا انظر إلى وجهك شاعرة كيف تتفتح براعم شوقي لك , مرتبكة من جوع ٍ نهم لشفتيك المكتنزتين ... أحسد سيجارتك التي تمتصها وحمالة مفاتيحك التي تدعكها بيديك ...
أنصتُ لك بذهن شارد, وأنا أزن ثقل أشواقي الخجولة لك ... وحين هبّت نسمة وطيّرت خصلات من شعرك الناعم صار الشوق يوجعني كما لو أن مسماراً مغروساً في قلبي .
فكرت أي اختراع رائع النظارة الشمسية التي تنجح إلى حد كبير في إخفاء إشعاعات الوجد من عيني العاشقين ...
سألتك يومها : طيب ما صفات تلك المرأة التي تبحث عنها, وترغب أن تتزوجها وتنجب منها أطفالاً ...
تدفقتَ بالكلام ... ولن تعرف أبداً لماذا أسرعتُ إلى الحمام متعللة بأثار البيرة, هناك واجهتني مرآة الحقيقة, كاشفة كم شوّه الألم وجهي, واستعدتُ كلماتك , ياه , لم تكن فيّ صفة واحدة من صفات تلك المرأة, حلمُك !
لو تعرف كيف يمتد الشوق بداخلي ما إن اسمع صوتك وكيف لم أعد أميّز بين الألم والحب ... يبدو لي الحب بداية الألم ... أو لعل وخز الألم هو بداية الحب ... لأني منذ أحببتك صرت أشعر بثقل ألم غير واضح المعالم.
متربعة فوق عرش سنوات الحكمة , أتنكّر لعقلي وأسمح لعواصف عواطفي أن تكتسح كل الحجج الباهتة المنطقية والعقلانية والبليدة التي لا يكف عقلي عن تذكيري بها ...
أنا الصديقة التي خانت صداقتك, حين استسلمت لصحوة حواسي المفاجئة, حين شعرتُ فجأة أن النهار يشبه النور المُبهر وأن سواد الليل مشحون بكهرباء الرغبة الكامنة.
أنا الصديقة التي ما أن تسمع رنين هاتفك حتى يجتاحها فرح فائق الإثارة, لدرجة تصديق أن فرحاً كهذا موجود حقاُ .
أنا العاشقة المستسلمة لأحلام لن تتحقق .... أنا التي حولني الحب إلى فراشة, فنفضتُ الغبار عن الأغاني العاطفية, لأنها تساعدني كي أتجمّل ثقل أشواقي لكَ .... أنا التي ستراهن على آخر أمل وآخر حب, وتطوح بحصانة الصداقة, معرّية أعصابها المتوهجة بالشوق كأسلاك مضيئة ....
أنا التي ستتنكر لصداقتك, وتسفح دموع الوجد بين يديك أنا المهزومة بصداقتك .....
د. هيفاء بيطار
أنا الخائنة لصداقتك, لأنك لا تعرف كم أعشقك ....
وكيف أحس بمجرد أن أتنشق عطر جلدك أن وجودك ينهمر عليّ كما ينهمر رذاذ المطر على أرض مشققة من عطش الحرمان.
رائـــــــــــــــــعـة .. :D:D:D
مو معئول شو حلو كلام رائع:D
Moonlights
10/12/2007, 00:05
ذائقتكم الأدبية هي الرائعة
شكراً لمروركم وتعقيبكم
butterfly
10/12/2007, 00:24
طيب :cry:;)
Moonlights
11/12/2007, 03:15
-الأول, يتنهد بارتياح : الحمد لله أرضيت ضميري.
-الثاني, يتنهد بحرقة : يا إلهي كيف سأتدبر أموري؟
-الأول : أمّنت مستقبل أولادي الخمسة, كتبت باسم كل واحد منهم ثلاث شقق وأربعة مخازن.
-الثاني : أولادي الخمسة يطلون على هاوية الفقر يكادون يسقطون فيها ولا أملك وسيلة لإنقاذهم.
-الأول : تركتُ لي ولزوجتي ثروة كبيرة, كي نضمن لأنفسنا حياة كريمة, أتعرف يا أخي, أكبر خطأ أن تعطي كل شيء لأولادك, مهما أحبوك, هناك خطر الطمع, ابن الإنسان طمّاع, لو أعطيتهم ثروتي كلها لوضعتُ نفسي في خانة الشحاذين, سيشعرون أنهم يخدمونني من أموالهم, ناسين أو متناسين أن المال مالي, >> يضحك متأملاً الوجه المتغضن بتجاعيد الألم مقابله, لكنه لا يرى فيه سوى نفسه, يقول مقهقهاً<< : تصوّر أنهم يعاملونني الآن بقدسية, يقبّلون يدي أتعرف لماذا؟ لأنني أملك ثروة لم أوزعها عليهم بعد.
-الثاني : قلبي أعزل, جيوبي خاوية, لا أملك أن أقدم لهم شيئاً, لا أقدر حتى على مواساتهم, ثلاثة منهم يبحثون على وظيفة دون جدوى, رغم أنهم خريجو الجامعات, ابنتي الصغرى مطلّقة اضطرتها الظروف للعمل خادمة في البيوت كي تعيل صغيريها.
عادت إلينا مكسورة مُهانة, الكلب زوجها حلم أن يقفز فوق الفقر, تاجر في الممنوعات فزجّوه في السجن, والله كنتُ أقاوم أن أسقط في خرافات السعد والنحس, لكني الآن أحس أنني منحوس فعلاً, فابنتي الصغرى أحب أولادي..
-قاطعه الأول : عذراً على مقاطعتك, لكنك ذكرتني بابنتي الصغرى, فمنذ شهرين كان زفافها حيث المدينة كلها, استوردنا الفاكهة من إفريقيا والزهور من إسبانيا, يـاه! لو رأيت هذه الزهور تحس أنك لم ترَ أزهاراً من قبل, هل تتخيل زهوراً زرقاء لمّاعة؟
تصور كريستيان ديور صمم لها فستان العرس, لا تسأل عن الكلفة؟ يكفي أن تعرف أنه مرصع بألف حبة لؤلؤ! أما العريس – لعق شفتيه وبرقت عيناه كذئب يتحلب على فريسته – فكامل الأوصاف, عريس لقطة كما يقولون : جمال وعلم ونسب عريق وثروة لا تأكلها النيران, يـاه لو حضرت حفل الزفاف, صوّرته ثلاث مجلات, شهق الحضور حين قدّم العريس لزوجته هدية واحدة فقط, موضوعة في علبة من المخمل الأسود, أتعرف ما الهدية؟ شمس ساطعة, ألماسة بحجم حبة الخوخ, قال إن الذهب صار شعبياً, ولا يرضى أن يقدمه لزوجته فقيمتها الألماس.
-الثاني : يتنهد كأنه يشحذ الهواء كي يسعفه بحفنة أوكسجين : الذهب, لقد نسيته فقد بعت خاتم زفافي وخاتم زوجتي, حتى الأقراط الصغيرة لحفيدتي بعتها كي نشتري للصغيرين ثياب المدرسة هل تتخيل مقدار البؤس الذي أحسه حين يكون سعر حذاء الطفل يعادل راتبي التقاعدي! أتعرف كل ما أخشاه أن أمرض, الآن ورغم القهر والذل كليهما لم يصيبني المرض لشدة ما أخشى زيارة طبيب أو دخول مستشفى.
ماذا سيحل بي؟ يبتسم كاشفاً عن أسنان مهترئة ولثة متورمة تكفيني عاهة الفقر, أما الجسد فيقاوم ويتحمل كما يبدو.
-الأول : ذكّرتني بالصحة, كل سنة أسافر إلى لندن, وأدخل مشفى شهيراً يعمل فيه ألمع الأطباء أقضي فيه أسبوعاً يجرون لي التحاليل الطبية كلها لأطمئن على صحّتي, تصور أن أحد الأطباء اكتشف أو وحمة في كتفي الأيسر ازداد حجمها قليلاً عن السنة الماضية, فاستأصلها وأرسلها للتشريح المجهري, أتعرف أنها كانت بداية سرطان, قال لي بأنني لو أهملت الفحص الدوري لكان السرطان انتشر في جلدي, يضحك منتشياً ويتابع: أتعرف المال يتحدى السرطان لو كنت فقيراً لما تنبهت أصلاً لهذه الوحمة فالفقر يعمي, كنت سأموت دون أن أشعر كيف بدأ السرطان وانتشر.
-الثاني : يطرق كما يقاوم ألماً كاوياً في صدره : زوجتي المسكينة بتروا لها ثديها لأنها أصيبت بسرطان الثدي, اعترفت لي بأنها أحست بكتلة في ثديها الأيمن, لكنها خشيت أن تصارحني لأنها تعرف أنها ستكلفني مالاً فنحن لا نملك أكثر من ثمن رغيف الخبز ونحس أن مراجعة الطبيب ترف لا نستحقه, طبيبنا الوحيد هو الله هذا ما قالته لي قبل أن ترتاح من عذاب هذه الدنيا وتسلم الروح.
-الأول : رحمها الله ماذا أحدثك عن زوجتي إنها تستدعي عشرة أطباء إذا اكتشفت أن شعرها يتساقط أكثر من معدله الطبيعي, صدقني يا أخي إنها امرأة مصابة بالوسواس تصور أنني كثيراً ما استيقظ على صوت بكائها اسألها : ما بك يا امرأة؟ تقول لي وفرائصها تتقصف رعباً بأنها تخشى الموت, لا أخفيك سراً عرضتها على أشهر الاختصاصيين النفسانيين قالوا لي إن الأثرياء جداً معرضون للإصابة بمرض اسمه الخوف من الموت, ‘ذ يشعرون أن أموالهم كلها لن تحميهم من الموت, هذا ما يقض مضجعها ويعذبها عذاباً شرساً لا يرحمها لكني عوّضت لنفسي بعشيقات رائعات, أنسى معهن مأساة زوجتي التي تعاني رهاب الموت يضحك فيرتج كرشه ويتابع قائلاً: عشيقتي هذه الأيام أجمل فتاة في المدينة عمرها خمسة وعشرون عاماً محامية ناشئة, بيننا تواطؤ رائع, أهديت لها مكتباً فخماً مقابل أن تقدم جسدها.
عجز الثاني عن تخيل فتاة جميلة في حضن هذا العجوز المقرف الذي ينثر لعابه وهو يتكلم والذي تساقطت أشعار أهدابه وحاجبيه حاول تخيل هذا الفم الكريه برائحته المقززة يقبل فم الشابة؟ عجباً كيف تستطيع؟ أجابه عقله بكلمة واحدة: المال. سأله: وأولادك هل يعرفون أن لديك عشيقات؟
ضحك الأول طويلاً قائلاً: فرخ البط عوام, وهم أيضاً لديهم عشيقات, ابني البكر يصرف الملايين على عشيقاته.
فكر الثاني أن الفقر كان سبباُ في موت زوجته, وسبباُ في منعه من الزواج ثانية, فالفقر نفاه عن عالم المرأة, لسعته صورة أحسها كحرق, تذكر أن ابنته الصغرى تعمل خادمة في البيوت وبأنها أخذت في الفترة الأخيرة تبالغ بالعناية بشكلها وأنها تحضر أغراضاً لطفليها غالية الثمن, حدّق في جليسه وسأله بعينيه: أيعقل أن تكون ابنتي عشيقتك؟ أحس أن الآخر فهم سؤاله ورد عليه بنظرة متحدية واثقة: النساء كلهن قابلات للشراء.
استمر حوار العيون قال الثاني بصوت أخرس وعينين حزينتين: لكن ابنتي شريفة, لوى الأول شفتيه متشككاً: خادمة شابة وجميلة مطلقة ومحرومة ما معنى الشرف هنا؟
-اخرس إنها شريفة لأنها ابنة ناس شرفاء, لأنها تشبعت بالمثل والأخلاق.
يسأله الثاني بصوت مرتعش: هل سبق أن كان لديك عشيقة خادمة؟
يحك الأول صلعته متذكراً: الخادمات إنهن شريحة بائسة يكتفين بالطعام والثياب لقد عرفت الكثير من الخادمات.
أخذ قلب الثاني يخفق بعنف, سأل وهو يشعر أن لسانه يلتصق سقف حلقه: هل كن متزوجات؟
أجاب الأول : البعض منهن متزوجات لكن أغلبهن مطلقات ولديهن أطفال جياع تصور يا أخي إحداهن كانت تهبني جسدها مقابل ثمن ثلاث فراريج سميتها في سري أم ثلاثة فراريج.
تيبس الثاني في مقعده وقد أحرقته صورة ابنته تحمل كيساً فيه ثلاثة فراريج, أحس أن الهواء لم يعد يصل إلى رئتيه ثمة عائق ما, كان يختنق لم يعد قادراً على الكلام, قام مترنحاً يستأذن ببرطمة غير مفهومة, سأله الأول: ما بك يا أخي, ابق لنتابع حديثنا المسلي, بجهد قال الثاني : آسف أنا متعب.
ضحك الأول قائلاً : طوال عمرك تنسحب متعللاً بالتعب مذ كنا صغاراً في الابتدائية ترى ما سر تعبك؟
الثاني منصرفاً: لا اعرف.
كانت صور ابنته تحرقه وخياله يسوطه بصورها عارية في حضن الكهل وعلى الطاولة ثلاثة فراريج مذبوحة ما تزال ساخنة والدم يسيل من عنقها, تحسس عنقه لزجاً كدم أبيض تناهى لسمعه صوت زنخ اقشعر جسده حين سمعه: ابق تعال تعال من وقت لآخر لنتساير ونتحدث حديثاً إنسانياُ.
هيفاء بيطار
القصة جدا ً مؤثرة و حزينة ... :cry:
عظمة على عظمة , عم تنقلنا أجمل القصص لهيفاء يا ريت يكونوا كلهون بموضوع واحد ..
شكرا ً جدا ً جزيلا ً .. :D
butterfly
11/12/2007, 16:42
دمجت القصص كلن سوا
القصة الاخير مؤلمة كتير :(
يا فؤادي، رحم الله الهوى
كان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله
وارو عني، طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً
وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلم
هم تواروا أبداً، وهو انطوى
Moonlights
11/12/2007, 20:49
صديقي التمساح
سأله التمساح الصغير: أتبكي يا خليل؟
أجاب خليل والدموع تسيل في أخاديد وجهه الممتلئة بالطيبة: أجل كان صدره يفرز زفرات قوية, وهو يحس في كل زفير كم هو مؤلم أن يشعر الإنسان بهذا اليأس كله, رفع عينيه المخضبتين بالدمع ونظر إلى التمساح الأخضر الصغير الذي يحسه أقرب ما في الوجود إلى روحه كان التمساح يحدق إليه بعينين سوداوين خاليتين من النظرات, ياه لن يصدقه أحد لو قال إن هذا التمساح الصغير صديقه, ألأنه هدية من جدته رحمها الله؟ هل يحس أن هذه الدمية متشربة بروح جدته؟
لن ينسى ذلك اليوم أبداً حين قدمت له جدته هديته في عيد ميلاده السادس, مزق الورق الملون بنفاد صبر ليكشف عن تمساح صغير ضاحك من اللونين الأخضر والأحمر, علمته جدته كيف يلبس جسد التمساح بكفه ويحرك أصابعه فيتحرك التمساح, اكتشف متعة الدمى المتحركة ماتت الجدة وصار أباً ثم جداً وظل التمساح صديقه المضل في عالم تبخرت منه الرحمة والتعاطف.
لم يكن يعلم أنه يملك هذا الزخم من الدموع سأل نفسه برقة: أهو التعب يا خليل الذي يجعلك تبكي هكذا؟ كان غارقاً في حنين هائل لأشياء غامضة, غامت صورة التمساح كأنها تذوب في دموعه حدثه بصوت مرتعش: وحدك تعرفني وتشهد علي منذ أكثر من أربعين عاماً, تذكر سعادته البعيدة حين كان يلبس التمساح في يده كقفاز ويحركه ويخاطبه ويخلق حوارات لا تنتهي بينهما.
تمخط بكم بجامته وهو يحدّث نفسه بسخرية مرة: والله لم يتغير شيء وحدك تفهمني أكثر من البشر كلهم, انسكبت أمامه سنوات حياته بسهولة كأنها تتدفق من صدره سنوات متشابهة يلفها سراب تذكر فجأة فكرة عبرت ذهنه عصر هذا اليوم بأنه لن يموت من كثرة مشاغله غابت الفكرة في الازدحام أو ربما ذابت من وهج الشمس الغاضبة, كم يكره الحر أمره مديره أن يصور أوراق الملف بأقصى سرعة ركب قدميه وانطلق بسرعته القصوى إلى محل التصوير كان مرهقاً مكفهر الوجه منهمكاً في تصوير ثلة من الأوراق رجاه أن يصور له الملف وقال إنه سيعطيه مبلغاً إضافياً رشقه الصبي بنظرة باردة وقال وهو يتفحصه ليتبين مدى جديته في إعطائه المزيد من المال: هات.
دفع للصبي ليرات زيادة على الحساب وأسرع إلى مديره يسلمه الملف دخل المطبخ ليعد القهوة لسيدة أنيقة أذابت قسوة المدير بجمالها وغنجها انفلتت من فمه شتائم خرساء لأن المياه مقطوعة, صرخ به المدير : تعال يا خليل النحس, خلال ثانية مثل أمام المدير يتلقى تقريعه: الله لا يعطيك العافية صور هذه الأوراق غير واضحة أين عقلك يا أخي اذهب وصورها مجدداً.
أذعن لأمر المدير, لم يحضر القهوة للسيدة الجميلة, نزل ثمانين درجة قفزاً بسبب تعطل المصعد دخل محل التصوير ذاته قال للصبي بجفاء: هذه الصفحات غير واضحة, أجاب الصبي بغضب: هاتها ناوله الأوراق كاظماً غيظه, أخذ العرق يتصبب منه وهو سصعد الدرجات الثمانين, حلم أنه يغتسل بماء بارد منعش, أو يغطس في البحر, لوهلة تمنى لو يغرق في البحر, وستغرق مشاكله اللانهائية معه وسيرتاح أوف لا راحة للإنسان إلا بالموت هذا ما فكر به وهو يعطي الأوراق للمدير الذي قال له: حضّر الآن قهوة للسيدة.
سألها بلهجة ذل تعودها حتى صارت من طبيعة عمله كآذن: كيف تشربين القهوة؟
أجابت السيدة: سادة.
اندلقت القهوة ولطخت سطح الغاز الأبيض وهو شارد في كلام زوجته الذي استعاده كلمة كلمة, كل صباح تبدأ بمخاطبته بلهجة الأمر الجافة: لا تنسَ أن توصي السيد كمال بطلب توظيف ميساء في المصرف, قلبه يحترق على ميساء, ابنته البكر المتخرجة من كلية التجارة منذ خمس سنوات وتبحث باستماتة عن وظيفة, وعده مديره أن يكلم صديقه مدير المصرف بشأن ميساء, في الحقيقة خدمه الرجل, وحدد له موعداً من مدير المصرف, الذي قابله بلطف مصطنع هو وابنته, ورغم إحساسه أن مدير المصرف كان يتأمل ابنته بنظرات شبقة غض النظر وهو يرى يد المدير تشد على يد ابنته ويقول لها: راجعيني بعد أسبوع.
قرر أن يذكره هو بدلاً من ابنته, هكذا أوصته زوجته مؤكدة: يجب أن نلاحق مصالحنا أفهمت يا خليل.
يجيب متململاً: لكن الناس يملون منا, من كثرة الإلحاح.
تقاطعه: لا يهم, يجب أن نصل لأهدافنا.
كلما تحدثة زوجته عن الأهداف, يتخيل الكرة تدخل في الشبكة, إنه لا يستطيع أن يفهم أبداً أن هناك أهدافاً, ثلاثون سنة وهو يكدح وراء اللقمة وهو بحالة ذعر من ألا يتمكن من تأمين الطعام لأسرته المؤلفة من أربعة أولاد وزوجته, هل يصح أن يعتبر رغيف الخبز هدفاً؟ إنه دائري وكروي أحياناً, يشبه الكرة التي تتقاذفها الأرجل لكنه يحس أن أرجلاً خفية تتقاذفه هو بدل الرغيف!
اضطر أن يحضر القهوة مجدداً للسيدة الجميلة التي صعقت المدير, شتم على شروده, وفكر بقلق إن كان من المناسب أن يطلب من مديره السماح له بالذهاب إلى المصرف, تشجع وهو يقول لنفسه: سيسمح لي بالتأكيد كي يخلو له المكان مع السيدة الجميلة, أذن له المدير كما توقع, بل قال له بأنه لا يريد منه شيئاً وبأنه يستطيع أن ينصرف حتى دوامه بعد الظهر.
تخيل أن المدير سيغلق باب المكتب, ويعري السيدة من ملابسها ويمارسان الجنس على الأريكة الجلدية الواسعة, أحس بإثارة شاحبة, تذكر أنه منذ سنوات طويلة لم يعد يقرب زوجته, تحديداً لم تعد هي تقربه بعد أن ابتلى بداء الصدف, ياه ما حيلتي في مرضي؟ ما ذنبي؟ كان لا ينفك يتساءل بألم ما ذنبه أن ينام على فرشة في الصالون الضيق؟
لكنه مع الزمن اعتاد وحدته مع نفسه, وتآلف مع حياة العزوبية لدرجة أنها الأكثر طبيعية.
لكم يكره الحر, وصل أخيراً إلى المصرف مهدوداً من التعب والعطش, تخيل أن أول شيء سيفعله شرب الماء البارد, لكنه سرعان ما نسي عطشه مستسلماً لبرودة المكيف المنعشة, وتركز اهتمامه كله على مقابلة المدير.
قالت له السكرتيرة وهي ترمق ثيابه باستخفاف: المدير يترأس اجتماعاً هاماً ولا يستطيع أن يقابلك.
قال لها متوسلاً: وهو الذي طلب مني أن أذكره بطلب توظيف ابنتّي ميساء.
ابتسمت بسخرية لحظها: أعدك أن اذكره نيابة عنك.
سألها وهو يحس كم هو متعطش لحديث إنساني يحمل في طياته أملاً.
-هل وافق؟ أقصد هل سيوافق؟
قالت: لا أعرف, لكن هناك أكثر من مئة طلب توظيف.
جف حلقه وتكثف إحساسه بالعطش, حدق في الموظفة وتوسل إليها بنظرته أن ترد عليه كما يرجو: لكن المدير وعدنا, قال لميساء بأنها كفؤاً...
قاطعته الموظفة باسمة: المتقدمين كلهم من حملة الشهادات الجامعية.
أحس بالتقهقر وهو يهبط الدرج ويعود للحر الرطب, وصل بيته البعيد وهو يلهث, في الأشهر الأخيرة صار يلهث كثيراً, قال له صديقه بأن هذا دليل مرض قلب, لم يبالِ لسببٍ وحيد كونه لا يملك المال لمراجعة طبيب سيخضعه للعديد من الفحوصات المكلفة.
ما أن وصل بيته حتى سألته زوجته بلهجةٍ متحفزةٍ للقتال: خير, قال وقد فهم قصدها: لك أتمكن من مقابلة مدير المصرف لأنه يترأس اجتماعاً.. قاطعته وهي منهمكة في فرط الحصرم: يعني لم تره!
لا, السكرتيرة ستكلمه نيابة عني.
رمت بعصبية عنقود حصرم من يدها, وقامت إلى المطبخ تشتم الظروف والحظ, كان يعرف تماماً أنها حين تشتم حظها فهي تعنيه, لم يكن يجرؤ أن يرد عليها, لعله في أعماقه يتعاطف معها, ألا يكفيها الفقر, ومرضه المقرف الذي يجعل لجلده قشوراً سميكة, إنها تعاني من حرمان كتعدد الوجوه, لكن لماذا تصر على إهانته؟!
أحضرت له طعام الغداء المطبوخ منذ يومين, رز بالعدس. وباذنجان مقلي, لم يشعر بجوع, لكنه ابتلع طعامه في لقمات كبيرة دون مضغ يذكر, حدثته زوجته وهي تدير له ظهرها: أفرط ما تبقى من الحصرم, والله أكاد أموت من التعب.
قال محتجاً: لكن, أنا متعب أيضاً.
ردت بنزق: متعب! هل غسلت الثياب حتى اهترأت يداك؟ أم هل كويت أكواماً من الثياب؟
قال: حسناً حسناً, سأفرط الحصرم, والله يعطيك العافية.
أخذ يفرط حبات الحصرم التي أحدث صوت ارتطامها بقعر الوعاء إيقاعاً جعله يدخل بحالة تشبه الغيبوبة, شعر بألم مفاجئ في صدره, يعرف أنه ألم الشوق, كم يشتاق إلى ابنه الذي ضاقت به سبل العيش, وهده الحرمان, فهج إلى البحر, ترى ماذا يعمل في الباخرة الضخمة؟ حذره من عالم التجارة الذي لا يطمئن له قلبه, لكن ابنه ضحك وقال: لا تخشى علي, فأنا رجل, شاب في الثانية والعشرين, لا يستطيع أن يهبه سوى حب كبير من قلب أعزل يتلقى صدمات الحياة بصبر.
انبثقت قطرة حمض من الحصرم ودخلت عينه, أحرقتها فسالت قطرات من الدم وانزلقت في خطوط وجهه, لم يمسحها لأنه كان يتابع عمله يآلية, اقتربت منه فادية ابنته الصغرى ذات العشر سنين, وسألته: باب متى ستشتري تلفزيوناً ملوناً؟
كم أضحكه سؤالها, ربما ضحك لأنها كشفت له كم هو عاجز.
قال قريباً أن شاء الله
لكنك وعدتني منذ ثلاث سنوات؟
آه يا فادية , قالها وكأنها خارجة من بخار روحه المختنقة منذ ربع قرن.
ساعتان وهو يفرط الحصرم, غسل يديه ووجهه وانطلق مجدداً إلى عمله, فكر هل يطلب من مديره أن يتحدث إلى مدير المصرف غسل فنجان القهوة ومسح الأرض, ونظف صحن السجائر, كان عطر المرأة يغمر المكان, تنشقه بعمق, ياه! في حياته كلها لم يملك زجاجة عطر! بدت له تلك الحقيقة مثيرة ومؤلمة في آن, إنه لا يعرف سوى صابون الغار والعطور ومزيلات الروائح كلها مجرد صور يتأملها في التلفاز والمجلات. اتصل به مديره يأمره أن يترك المكتب حالاً, ويذهب لإحضار السمك من البائع الذي يتعامل معه المدير, ويأخذه إلى بيت السيدة التي زارته صباحاً, أملى عليه عليه عنوان بيتها, حلم وهو يحمل الأسماك أن يشوي سمكة ويأكلها, تجلت طعماً مبهماً في فمه, يبدو أنه لم يعد يتذكر طعم الأسماك؟! فكر ماذا لو سرق بضع سمكات؟ لكن – حدث نفسه – لم تلوث يديك يا خليل أبداً, فأي خاطر شيطاني يغريك بسرقة السمك!
تسلل سؤال خبيث إلى روحه: هل أنت شريف مؤمن بالأخلاق, أم لأنك تخشى العقاب؟
ارتجفت مفاصله من هذا السؤال, أحس أن انفعاله المبالغ به ليس سوى دلالة على شيء من غش في نزاهته وشرفه.
حين عاد مساءً إلى بيته, كانت مصيبة بانتظاره, ميساء تبكي وتخبره أن فتاة غيرها قبلت في الوظيفة وكانت زوجته تشتم حظها والفقر والنحس.
لم يستطع أن يتفوه بكلمة, أحس أنه يجف كعود, ويصير حطبة سرعان ما احترق بعود ثقاب, كان يتمنى بجوارحه كلها لو يحترق ويفنى, هرب من نظرات زوجته التي كانت تحب أن تعاقبه بلا رحمة على ذنوب لم يقترفها!
كم هي ثقيلى الحياة, كم هي ثقيلة! جلس على كرسيه المهدود من التعب, مثله تماماً, في المطبخ الضيق, يرشف شاياً ويأكل بضع حبات من الزيتون تنبّه للتمساح يحس به, ابتسم من المفارقة المضحكة: يتهمون التمساح بقلة الإحساس.... والنفاق, يقولون دموع التماسيح! لكن أي زمن هذا يكون فيه تمساح أكثر رحمة من البشر!!
هيفاء بيطار
Moonlights
14/12/2007, 13:24
الساقطة
بعد أكثر من ثلاثين عامً, تتجسد أمامها صورة والدها مسجى في التابوت ببذلته السوداء الأنيقة وقد تصالبت يداه فوق صدره, لقطة يستحيل أن تمحى من ذاكرتها, بل إنها تشعر أن هذه الصورة تتبلور أكثر كلما تقادم الزمن عليها, تنبش هذه الصورة من أعماق ذاكرتها لتحس بدفء وعزاء عجز الأحياء كلهم عن توصيله إليها. إنها تعي تماماً كيف ارتبط القرنفل بالموت, فين اقتربت من التابوت متحدية أمها لتطبع قبلة أخيرة على وجه أحب إنسان إلى قلبها,أحست أن القرنفل يذيع رائحة الموت, استندت بمرفقيها على حافة التابوت وتدلى جذعها النحيل قليلاً ليطبع أعظم قبلة حب على جبين الأب الذي لم يعد بإمكانها أبداً أن تناديه بابا.
صدمتها برودة الجثة, شهقت ألماً وهي تتلقى الصفعة الأولى من يد الموت المثلجة, وأبعدتها النسوة الغارقات في السواد جانباً, وأمرتها أمها أن تلتزم غرفة النوم مع أخيها وأختها اللذين يصغرانها, أذعنت للأوامر وهي تشعر أنها آلة تنفذ ما يطلب منها كان أخوها في الخامسة وأختها في الثالثة, جلست وسطهما وأطعمتهما بعينين تطفحان بالحزن كيف يأكلان بشهية, كانت في العاشرة من عمرها تتلقى بصبر صفعة الحياة الأولى, وحين طلبت منها أختها أن تحكي لها حكاية علاء الدين وحبيبته ست البدور داخل السبع بحور استجمعت قواها وبدأت تحكي بصوتٍ مرتعشٍ, أخذ يتشقق أكثر فأكثر, حتى اختفى متحولاً إلى حين كانت تقول, طار طار, كانت تتخيل أن والدها يطير مبتعداً وليس علاء الدين ويستمر في طيرانه حتى يصل إلى خط المدى حيث يتعانق البحر مع السماء, كانت تعتبر هذا الخط نهاية العالم وتسأل والدها وهي ترنو بافتتان إلى ذلك العناق الشفّاف : بابا أليس هذا الخط آخر الدنيا؟ يضحك والدها وهو يداعب جديلتها الطويلة ويقول: لا يا حنان العالم كبير, كبير.
بكى أخوها حين قالوا له إن البابا صار ملاكاً في السماء, وفي أوقات متباعدة حين يباغته شوقه الطفولي لأبيه, كان يقول: أريد أن أصبح ملاكاً, لكن المدرسة أنسته البابا, أما الصغيرة فصارت لا تنفصل عن حنان, أحست أنها تتحول لأم مذ كانت في العاشرة, كانت تطعم أختها, وتحممها, تحكي لها قصصاً, وتخيط لدميتها ثياباً, الأرملة الشابة كانت في عالم آخر, غافلة عن أولادها, يرعبها المستقبل الأسود الذي ينتظرها وأطفالها بعد أن فقدوا معيلهم, كان التعويض الذي دفعته الشركة للمتوفى لا يكفي لشراء الخبز لأسرته, كيف عليها أن تدبر أمرها؟
وبعد فترة وجيزة تزوجت رجلاً في الستين معتل الصحة, الصفقة صريحة, تهدي له شبابها وسنيها السبع والعشرين, مقابل أن يعيلها وأطفالها.
الحزن أكسب الأم القسوة, لا يمكن لحنان أن تنسى ذلك اليوم الذي خاطبتها أمها بخشونة دون أن تنظر إليها قائلة: سوف أتزوج عمو كمال يا حنان.
شهقت الطفلة, وقالت بسذاجة: عمو كمال صديق جدي!
زجرتها أمها قائلة: اسكتي, سيكون بمثابة والدك وعليك طاعته ومحبته.
في تلك الليلة امتصت الوسادة دموع الطفلة دموع الطفلة التي رددت حتى هدّها الإعياء وأغفت: لن يكون بمثابة والدي أبداً.
كان "عمو كمال " رجلاً طيباً محباً, وكريماً, يملك مطعماً شعبياً يدر عليه ربحاً معقولاً, وكان متيماً بزوجته الشابة التي تفشل غالباً في إخفاء قرفها منه رغم الجهود الجبارة التي تبذلها للتقرب منه, ذات يوم سمعت حنان أمها تهمس للجارة: المحبة من الله, لا أطيقه, الله يلعن الفقر الذي أجبرني على الزواج منه, تنهدت ثم تابعت: من حسن الحظ أن السكري أفقده شيئاً فشيئاً رجولته, وسكتت الأم حين لمحت حنان.
في ذلك الزمن, لم تكن حنان تعرف ماهية العلاقة الزوجية, لكنها كانت تتعاطف مع عمو كمال الطيب, الذي أحب أولاد زوجته كما لو كانوا أطفاله, وكانت تحس بألم من قسوة أمها وجفائها مع الزوج اللطيف, لم تكن تعرف أن نار الأهواء تغلي في صدر الزوجة الشابة وأنها منقوعة في يأسها بلا عزاء, كان حدسها الطفولي يدلها كيف أن جو البيت مشحون بالتوتر إلى أن حدث الانفجار بمجرد تفصيل تافه.
كانت ليلة عاصفة من ليالي كانون حين دخلت الجارة تحمل الكستناء لتشويها على المدفأة, وتقضي السهرة مع الزوجين الكئيبين, الحسناء التي تحرقها أهواؤها, والعجوز المريض المتيم جباً والذي ينتظر الفتات, كانت حنان تنتحي زاويتها المفضلة وتدرس للشهادة الإعدادية, حين ذكرت الجارة عرضاً, إن ابن أخ زوجها رحمه الله, تعرض لحادث سيارة ونقل إلى المشفى, ولم تكد الجارة تكمل كلامها حتى انتفضت الزوجة العاشقة وقد شحبت وتسارعت أنفاسها وأعلنت بتهور أنها ستزوره حالاً, لم تبالِ بنظرات الزوج والجارة والابنة المنطوية على نفسها خلف نار المدفأة التي لا تعادل نار حب أمها للشاب الذي يصغرها بأعوام.
لم يكن بإمكانها أن تفهم أبداً موقف أمها هذا, إلا بعد مرور أربعين عاماً على وقوعه, إنها الآن امرأة في الثالثة والخمسين, في الواقع لم تكن تهتم إن كان الشخص يستحق حبها, كانت تتدفق محبة مع كل من حولها دون أن تنتظر مقابلاً, حتى النباتات تعاملت معها بحب, إنها الآن في خريف العمر تفهم الذي اعتمل في قلب أمها منذ أربعين عاماً ليقذفها من بيتها الآمن إلى غرفة في مستشفى تضم شاباً تحبه حتى النخاع, لا يمكن للإنسان أن يفهم الحب إلا حين يتأرجح قلبه بالحب.
مرت سنوات حياتها أمامها كشريط باهت مشوش, مات الكهل الطيب, وتزوج عشيق أمها من صبية تصغره بسنوات, انكفأت الأم العاشقة تداوي جرحها وتلعن حظها العاثر, معتمدة على ابنتها البكر في تحمل مسؤولية إخوتها, تفاقمت كآبة الأم, حتى اضطرت حنان لاستشارة طبيب نفساني, يومها كانت حنان قد حصلت على الشهادة الثانوية والتحقت بمدرسة لإعداد المعلمات للمرحلة الابتدائية, لم يعد مورد المطعم الشعبي يكفي لإعالتهم, وخصوصاً بعد أن استولى أخوة العجوز على معظم مدخول المطعم, كان على حنان أن تعمل بنشاط النحل وجَلَدْ النمل لتعيل أسرتها.
تخرجت معلّمة بدرجة امتياز وأغرقت نفسها بالدروس الخصوصية, كانت تلهث لتواكب طلبات الأسرة, أدوية أمها النفسية الغالية, مصروف أخيها الذي لا يرضى أن يلبس رفاقه أفضل منه وأختها التي تريد جهازاً يليق بعريس المستقبل.
استحالت حنان إلى أنثى من لطف وحنان, زوجت أختها بعد أن قدمت لها حصيلة ما ادخرته طوال أربه سنوات من الدروس الخصوصية, الأخت اعتبرت أن قدرها أن تأخذ, وقدر حنان أن تعطي, المحزن أن حنان آمنت بهذه الحقيقة أكثر من أختها, ماتت الأم في مستنقع كآبتها بعد أن عجز الطبيب النفساني عن علاجها, وتزوج الأخ المدلل من فتاة مريضة بالغيرة, كانت تتشاجر مع زوجها كل يوم و تتهمه بأنه يغازل السيدات اللاتي يصفف لهن شعورهن, كان على حنان أن تمتص شجار الزوجين كل مرة, لكن الزوجة العنيدة أصرت أن يعمل زوجها في مهنة أخرى لا تتطلب احتكاكاً بالسيدات, وأخذ ينتقل بين مهنٍ كثيرة يتركها بعد فترة وجيزة معتمداً على أخته المكوكية التي تضع تحت تصرفه كل قرش تدخله.
كانت حنان تعرف كم هي دميمة, ولم تؤلمها هذه الحقيقة لأنها لا تملك الوقت لتشعر أنها أنثى, إنها تهدس بأولاد أخيها الثلاثة, الذين تناديهم ماما, كانت أمهم التي لم تلدهم وكانوا ينامون في غرفتها ليتركا والديهما في عشهما الزوجي, كانت تسهر على مرضهم ودراستهم وتحيك لهم الكنزات الجميلة,
ولم تخجل طوال عشرين عاماً من العيش المشترك مع أخيها وأسرته من الاعتراف بأنها حالياً لا يوجد في حقيبتها أكثر من خمس ليرات.
زجت نفسها في ديون كثيرة للحصول على المال, لشراء التلفاز الملون أولاً, ثم الغسالة الأوتامتيكية لزوجة أخيها, ثم براد جديد بدل البراد القديم, ثم أقساط غرفة النوم للأولاد, آمنت أنهم جميعاً من مسؤوليتها ولم تلم أخاها يوماً على نزقه وأنانيته كونه لا يثبت على مهنة معيّنة, فمن بلاّط إلى نجّار إلى دهّان ... تلك المهنة التي استقر عليها أخيراً لكنه لا يمارسها إلا بمزاج, وحدها الدورة الشهرية كانت تذكرها أنها أنثى, وأحياناً يتناهى إلى سمعها صوت عناق وشهقات من غرفة أخيها فتحس أنها تنكمش وتتكور كحلزون داخل قوقعته تحكم الغطاء حول نفسها وتدفن جسدها في الفراش مستنجدة بالنوم.
كل يوم مر بحياتها كانت تفرغ ذاتها كلياً لمن حولها, صديقاتها في العمل فهمنها بأنها الإنسانة التي لا تطلب شيئاً لنفسها, وكن يقصدنها ويرهقنها بمشاكلهن فتصغي إليهن وتخفف أحزانهن وخيباتهن العاطفية, لم تعرف كيف تحولت من مراهقة إلى امرأة في الثالثة والخمسين.
عاشت عمرها على إنكار الذات, وآمنت أنها تحب أن تكون الحائط المتين الذي تستند إليه الأسرة, تذكر ذلك المساء حين عاد أخوها يغلي من الغضب بسبب غلاء الزيت, وعدم تمكنه من شراء مؤونة السنة منه, لم يغمض لها جفن, ومع شفافية الفجر الأول سحقت كرامتها وقررت طلب سلفه من طالباتها الثريات لشراء الزيت, ولم يحن العصر حتى كانت تحمل بنفسها خمسة عشر كيلو غراماً من الزيت ومن أجود الأنواع وهي تبتسم لأخيها, لم يكلّف نفسه أن يسمعها كلمة شكر واحدة, ولا أن يرد على ابتسامتها بابتسامة, لكنها لم تشك بطيبة أخيها الذي يعتبر هذا واجب العانس الدميمة.
يومها نامت والابتسامة ترفرف حول وجهها, وحين أهدت إليها إحدى طالباتها الثريات غطاء من الصوف رائع, لم تتردد لحظة في تقديمه لزوجة أخيها بمناسبة عيد الأم, قبلته الأخرى وكأنه حقها, وكم قاومت حنان وخزة الألم حين سمعت زوجة أخيها تهمس لزوجها قائلة: وماذا ستفعل أختك بهذا الحرام الرائع, وهي عانس ولم تدخل دنيا.
كانت سعادة حنان أن يستدفئ بها الآخرون, لم تفكر يوماً بتدليل نفسها, تعاملت مع ذاتها كعدوّة, تجاوزت نفسها ولم تقدم سوى الضروري, وحين احتاجت للاستعانة بنظارة للقريب للقراءة, اختارت أرخص إطار للعدسات, بينما قدمت لابن أخيها ثلاثة أرباع راتبها لأنه يريد أن يتباهى بإطار عدساته! كانت سعيدة للغاية وهي ترى فرحته الأنانية.
ذات يوم قالت لها صديقتها: إنهم يمتصونك, ولن تجدي الخير منهم.
ضحكت وشعت الطيبة من وجهها المحفور بتجاعيد خطها التعب والسهر طوال سنوات, قالت: إنهم مساكين يحتاجون لمن يساعدهم.
-يالك من بلهاء كيف ترضين أن تتنازلي عن حصّتك من بيت أهلك لأخيك؟
نظرت إلى الصديقة بذهول وقالت: لِمَ لا, أخي صاحب عائلة لديه ثلاثة شبان, كيف سيضمن مستقبلهم؟
-لكن أختك المتزوجة لم تتنازل عن حصّتها, برغم أن زوجها ثري؟
-إنها حرّة.
-وأنت, ألا تحتاجين لضمانة لشيخوختك, إذا مرضت لن يكفيك راتبك التقاعدي ثمن دواء, هل تتخيلين أن زوجة أخيك وأولادها سيعتنون بك؟
-أتخيل ذلك, لقد كنت معطاءة معهم لذا..
-يالك من مغفّلة, ألا تعرفين المثل: خيراً لا تعمل, شراً لا تلقى.
Moonlights
14/12/2007, 13:26
كانت تبتسم بصفاء لا يتأتى إلا من ضميرها المرتاح, ونقاء روحها.
لم يستطع شيء أن يعكر ثورة المحبة في روحها, لا الفقر, ولا الحرمان العاطفي والجسدي, ولا السنوات وهي تعمل كآلة.
كانت وسيلتها الوحيدة للتخفيف من انتقاد صديقتها وفظاظة زوجة أخيها هي الفكاهة اللطيفة, إنها تفتعل إضحاك نفسها لتخفف من وطأة الأيام وثقلها على روحها, التي لا تعطيها الحق أن تئن.
كانت تمتص بكل طيبة تعليقات صديقاتها الساخرات: إيه ألم يلمسك أحد؟ ألا تعرفين رجلاً؟ ألم يطلبك أحد للزواج؟
كانت تشعر بالخجل والدونية كون أي كم الرجال الذين وضعهم القدر في طريقها لم يفكّر بالزواج منها, ترى ما السبب؟ كانت تقلّب الاحتمالات بذهنها ولا تصل سوى لنتيجة واحدة, هي أن الكل يلاحظ أنها ليست ملكاً لذاتها, بل لهم, فلذّات أكبادها, كيف تتركهم لأم أنانية, وأب لا يعي مسؤولياته, كيف تتركهم ونظرات الحرمان في عيونهم تلاحقها؟! لا تستطيع, قدرها أن تكون جسراً يطأه الآخرون, إنهم أولادها, هذا ما تحسه, أيعقل ألا يعتنوا بها حين ستطاردها الحياة وتهدها الشيخوخة؟
كانت في أوقات متباعدة تتساءل ما هو الرجل؟ فتحس بشوق غامض مبهم, ماتت حاجتها لنصفها الآخر مع تعاقب الأيام, أليس الزمن مقبرة الشهوات؟ لم تحلم يوماً أن تكون بين أحضان رجل, إنها كائن لا جنسي ماكينة عمل, إنما بقلب يخفق أبداً بالحب.
أكان قدرها أن يتأجج قلبها بالحب وهي في الثالثة والخمسين, كان يماثلها بالعمر, قريب لإحدى صديقاتها, التقته مصادفة أثناء زيارتها, ولأنه خصّها بنظرةٍ طويلةٍ, أحست أن كيانها في العمق يتزلزل, أحست بتفجر ينابيع متدفقة في روحها لم تتبين طبيعتها, حتى وجدت نفسها تعي شيئاً فشيئاً أنهى أنثى, لم يخصّها بالحديث, لكنه كان يطيل تأملها, ولأول مرة تشعر بنملٍ في راحتيها وتتذكر أن لديها نهدين عذراويين, سربلها جو من الألفة, لا يوجد إلا صديقين يكنان لبعضهما مودة كبيرة عمرها سنوات.
تكررت اللقاءات, عرفت أنه قضى عشرين عاماً في السجن, وأنه يحاول أن يجد لنفسه مكاناً في الحياة خارج القضبان.
كان يأخذها بين ذراعيه الدافئتين وهو يقول: الوحدة هي السجن, وحده الحب يحررنا من السجن.
كانت تدهش لماذا تبكي في كل مرة يأخذها بين ذراعيه, بكاءً صامتاً دون أن يعكر وجهها, كانت تحس أن الدموع تنزلق مذيبة تعب وحرمان سنوات طويلة.
فاحت رائحة الحب الحرام بين خريج السجون وبين المعلمة الدميمة, مدّهما الحب بتهور المراهقين, ولم تكن تبالي بالتعليقات اللاذعة حين تزوره في غرفته الحقيرة في حي شعبي.
هددها أخوها بطردها من المنزل لأنها تشوه سمعة العائلة, حتى صديقاتها نبذنها, كانت تقرأ إدانتها في نظراتهن, وتحس أنهن يرغبن بتعليق آثامهن عليها.
لأول مرة تندم لماذا تنازلت عن حصّتها في البيت لأخيها, كانت تعرف أنها لا تملك شيئاً سوى أن تحيا هذا الحب, وكانت تسأل روحها بألم: لماذا نبذني الناس, لأنني أحببت؟ ترى ألا يحق لقلبي أن يخفق؟
كان يمكن أن تفهم قسوة الناس معها ما عدا موقف ابن أخيها البكر, إنه ابنها الذي لم تلده, والذي ربّته حتى عدا شاباً, فاجأها وهي تنعطف داخلّة الزقاق الذي ينتهي بالبيت القديم الذي يسكن حبيبها في إحدى غرفه, اعترض طريقها وعيناه تقدحان شراً قائلاً: إلى أين؟
لم تستطع أن تواجه الأذى في عينيه بالمثل, إنها تحبه رغماً عنها, قالت: أتتبعني؟
قال: إنسانة ساقطة مثلك يجب أن أربّيها.
صعقها كلامه, فغرت فاها وهي تردد: غير معقول, أمسكها من ساعدها بقبضته الحديدية وقال: هيا إلى البيت.
دفعته من صدره وهي تقول بحزمٍ : ابتعد من طريقي, لا علاقة لك بي.
هوت صفعة مدويّة فوق خدها, جعلتها تترنح وتفقد توازنها للحظات, ولولا قربها من جدار عتيق أسندها لكانت سقطت أرضاً, فوجدت نفسها تصرخ بلوعةٍ: أتضربني يا كلب, لحم أكتافك من تعبي, تقرّحت معدتي من شرب القهوة, وأنا أدور من بيت إلى بيت أدرّس التلاميذ لأقدم لك المال لتشتري حذاءً إيطالياً وبيجامة رياضة, ونظارة شمسية, من درّسك دروسك يا نذل حتى حصلت على الشهادة الثانوية بمجموع ممتاز؟
أتضربني, أتجرؤ أن تمد يدك على عمّتك!
تجمهر البسطاء حول الشاب الأنيق مفتول العضلات, والعمة الخمسينية البائسة, رفعت عينيها الدامعتين لتطالعها وجوه ذابلة بدت كأنها مرسومة على سطح الماء, سأل رجل خرج من قلب الجمهرة: خير ما القصّة؟
قالت وهي تلمح الذعر في عيني ابن أخيها: لا شيء, أبداً, لا شيء, مجرّد سوء تفاهم.
استجمعت قواها وطلبت من الناس أن ينفضّوا, قالت مجرّد سوء تفاهم كما قلت لكم بين أم وابنها.
سمعت تعليقاً ساخراً: لم نر ابناً يضرب أمه من قبل.
انسحب ابن أخيها يخطا واسعة, تاركاً إياها وحيدة تلملم ذاتها المبعثرة في الزقاق, أغمضت عينيها هاربة من المكان وناسه, تحت أجفانها ارتسمت صورة والدها مسجى في التابوت وقد ضم باقة من القرنفل الأبيض بين يديه, كان وجهه الأقرب إلى روحها, أمكنها أن تحس في رقاده وفي إغماض عينيه أنه يباركها ويشجّعها على عيش ثورة الحب الذي لا قيمة للحياة من دونه.
butterfly
14/12/2007, 13:36
رائعة القصة الأخيرة ..
وصف الشخصيات
للحظة حسيت اني قادرة حس بالبطلة شوف محيطا
والحرام الهدية ..
التابوت .. القرنفل ..
كثير من الحزن .. وكثير من الأبداع
يسلموكتير
:mimo:
Moonlights
14/12/2007, 22:45
رائعة القصة الأخيرة ..
وصف الشخصيات
للحظة حسيت اني قادرة حس بالبطلة شوف محيطا
والحرام الهدية ..
التابوت .. القرنفل ..
كثير من الحزن .. وكثير من الأبداع
يسلموكتير
:mimo:
المشاعر الإنسانية العميقة بحاجة إلى إنسان مشاعره بعمقها أو أعمق منها ليستشعرها ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
Moonlights
15/12/2007, 22:59
حب على حافة الحياة
لم يعد يملك سوى ذلك الصمت النابض يواجه به الأيام التي تتراكم فوقه, ولم يكن عمره الذي قارب التسعين يشعره أنه يحتضر, كان يعرف أن غيابها يعني الموت, فهي نبضة الحياة, فليفتح نفسه للألم طالما لم يعد من أمل بلقياها, وليترك نفسه مذعناً لوجع الذكريات وليسمح لدموعه أن تسير في أنفاق وجهه المغضن بتجاعيد الطيبة, من يعيد له عطرها, ابتسامتها, صوتها وهي تدندن أغانيها, دندنتها وهي تحكي له ظلم الناس لها, من يعيد للشيخ حبيبته, لم يصدقوه حين قال لهم إن القلب لا يشيخ وأنه قدُّر له أن يحب وهو على أعتاب التسعين؟كان زاهداً في الدنيا, أسير وحدته القاسية حين التقاها في قفر وحدته المثالي للتأملات واستعادة الذكريات, كان يشعر بذل الشيخوخة ويمازح نفسه ساخراً: كل شيء فيك مرقع يا عدنان, أسنانك الاصطناعية, عيناك اللتان زرعت فيهما عدستين, وفي أذنك اليمنى سماعة بدّلوا لك مفصل الورك حين سقطت وكسرته, ما أنت سوى حطام رجل وهؤلاء قساة القلوب أولادك وأحفادك ينتظرون وفاتك, لا يمكنك أن تخدع نفسك وأنت تقرأ وجوههم وابتسامات النفاق التي يواجهونك بها, وقد أدركت نواياهم بحدسك فامتنعت عن التنازل عن البيت الكبير وعن الكافتريا الصغيرة التي يديرها أحد أحفادك ويعطيك كسرة من الأرباح.حكمة السنين علّمتك أن تقرأ نفوس البشر, أن تطل على هاوية القسوة والأنانية في نفوسهم يا للمرارة وأنت تعترف لنفسك أنك لو تنازلت لهم عن البيت والكافتريا لطووك كما يطوون سجادة قديمة ورموك في غرفة ضيقة أشبه بالقبر مبتهلين إلى الله لتسريع موتك فما فائدة شيخ اقترب من التسعين يعيش في منزل واسع يساوي الملايين.كان يعرف أن كلاً منهم – أولاده وأحفاده – يخططون عشرات الخطط لاستثمار بيته, لا يعوقهم سوى حياته, سوى تعاقب أنفاسه ونبض قلبه الرتيب, فليمت, يسمعها تدوي في صمتهم المطبق وهم يزورونه كل يوم جمعه مدعين حبه, ومقدّمين له ولاء طاعتهم الكاذب, فليمت, يقرؤها في حدقات عيونهم الضيّقة من الغيظ لماذا تعيش كثيراً أيعقل إننا ننتظر موتك منذ عشرين عاماً ياه! لماذا لا يلبي الله صلواتنا, ألا يقولون أن الله يلبي الدعاء الصادق؟لايمكن أن ينسى ذلك الحوار الذي يقشعر له جسده كلما استعاده بذاكرته كان لا يزال تحت تأثير المخدر, خارجاً لتوه من غرفة العمليّات بعد أن بدّلوا له مفصل فخذه المكسور, كان يسمع أصوات موسيقا بعيدة تصله من فضاء قصي جميل يهيمن عليه اللون الأزرق فيبتسم ابتسامة أقرب للشرود حين صفعه صوت أليف يعرفه إلى حد الوجع صوت حفيده عدنان الذي طالما حمله ودلله ولا عبه لعبته المفضّلة بأن يركع ليترك عدنان يمتطي ظهره ويسير به طول الصالون حتى نهايته التي يسمونها جزيرة المرجان.ياه يا عدنان لم أكن اعرف أن هذه اللعبة تكشف عن سادية وقمع تبطنان روحك.أفاق من التخدير بعد أن قذفه صوت عدنان إلى عالم الصحو المرعب صوت معدني جاف وحاقد: كنا نتأمل ألا ينجو من هذه العملية كيف تحمّل جسده المهترىء ثلاث ساعات تخدير.فتح عينيه محدّقاً بالنور الذي بهره ولم يسمح له تمييز أحد اقترب منه يهوذا وقبله قائلاً: الحمد لله يا جدي قمت بالسلامة, تنحى جانباً متعمداً أن يريه أكاليل الزهر, شكره, أجبر نفسه على الاعتقاد أن ما سمعه ما هو سوى هلوسات أما الحقيقة فعدنان الذي سماه في سره يهوذا يريد بيته الكبير ليحوله إلى مطعم يعتقد انه أحق من المقربين كلهم إلى جده فهو الحفيد الأكبر والذي يحمل اسم جده, كرهت اسمي يا عدنان عدنان وزن شيطان تمنى في سريرته لو لم يصح أما كان أشرف له لو مات ما معنى حياة تتحول إلى تراكم سنوات؟ هل الانتصار الوحيد للإنسان هو أن يبقى حياً.أحضروه للعناية بعد أن فقدوا الأمل من وفاته, لسان حالهم يقول: (( تجاوز الخامسة والثمانين يبدو أن الموت نسيه )) جملة سمعها من زوجة أحد أبنائه, وقرأ صداها في عيونهم وتراكمت كلماتها فوق طبقات حزن تترسب طبقة فوق طبقة وكلها هدايا من أولاده.لم يكن يعرف أن القدر سيسخر منه لهذه الدرجة أو ربما أحبه لهذه الدرجة, لقد أحبها منذ اللحظة الأولى التي وقع فيها نظره على وجهها الجميل المغلف بالإعياء امرأة في الأربعين لكنها لا تزال شهية ونضرة في عينها حزن يزيد جاذبيتها تحاول مداراته كل لحظة, كان عليها أن تقضي عنده اثنتا عشر ساعة مل يوم تأتي صباحاً, وتتركه مساءً, تنظف البيت تطهو له طعامه الخالي من الملح والدسم تغسل ثيابه وتسليه بقراءة المجلات أو تلاعبه بالورق.ظل لأيام يتفرس بوجهها محاولاً اكتشاف قرَفها منه اشمئزازه من خدمة شيخ يقترب عمره من القرن, لكنه لم يَر بذرة اشمئزاز كانت نظرتها طافحة بالورود حتى أنها أدهشته حين أشبعت قطن بالكولونيا ومسحت رقبته و وجنتيه ويديه, ضحكت ضحكة قصيرة كأنها بررت ما قامت به بتلك الضحكة, جلست إلى جانبه وقالت له كأنها تبوح بحقيقة لنفسها أنت تحب, كريم ولطيف وإنساني.لم يشم رائحة طمع, استوقفته كلمتها الأخيرة, سألها: إنساني ماذا تقصدين؟ رفعت إليه عينين شاردتين ارتجف فمها, وغشت عينيها طبقة لزجة من الدموع, اجتهدت أن يكون صوتها صافياً دارت تشققاته وهي تقول متهربة من الجواب: سأعد القهوة.كان ممنوعاً من شرب القهوة لكنه رغب أن يشرب معها قهوة السر, هكذا أحس ولم يكذّبه إحساسه لأنها – ومن غير إنذار – تدفقت أمامه دموعاً ساخنة وكلاماً خارجاً من بهاء روحها المتألمة, باحت له بمأساتها يبدو أن عمره المديد أو إحساسها أنه على حافة القبر خفف عنها عبء قول الحقيقة سيموت ويموت اعترافها معه.حكت له قصّتها كيف كان زوج أمها يتحرش بها حين كانت في الحادية عشرة, أحست الأم فأسرعت بالتخلص منها, وزوجتها لرجل يزيدها بثلاثين عاماً عملت خادمة له ولأولاده إلى أن حاول ابنه التحرش بها فهربت من المنزل وطلبت الطلاق, وجدت نفسها مرمية في الشارع وعليها أن تعيل طفلين أنجبتهما, اضطرت بعد أشهر من التشرد والجوع أن ترجع إلى زوجها الذي صار يضربها متهماً إياها أنها هي التي أغوت ابنه معيداً على سمعها مئة مرة في اليوم: إن الشيطان امرأة.أخذت نفساً عميقاً وحبسته في صدرها قالت بعد صمت ثقيل: المهم الطفلان يجب أن يعيشا عيشة كريمة.كان سخياً في عطائه وكانت تقدر عطاءاته وكانت تقدر عطاءه لدرجة أن يقبّل يديه شاكرة, حفظت مواعيد دواء الضغط والقلب, حضّرت له حلويات خفيفة شهيّة, وعرّفته بطفليها اللذين أحبهما أكثر من أحفاده كلهم طالباً منهما أن ينادياه جدي.سرى الدفء في أيامه وعروقه وحياته, فلتكن تلك المرأة كفنه, كان يتأمل يدها وهي تمسح زجاج النافذة يتأملها بافتتان وهي خارجة من الحمّام مبلولة الشعر وهي منحنية تمسح الأرض ما أجملها, ما أقربها إلى روحه, فليعترف لنفسه بأنه يحبها وبأنها دنياه.اعترف لها ذات يوم أنها بعثته من رماده وانه كان ميتاً حقاً من دونها, شكرته وهي تدعو له بطول العمر, تمنى لو يملك الشجاعة ويطلب إليها أن تتزوجه بعد أن طلقها زوجها, سيكون الزواج بالنسبة إليه الدفء والرحمة اللذين حرم منهما, وبالنسبة إليها الاستقرار وضمان حياة كريمة لطفليها.لكنه لم يجرؤ على اتخاذ خطوة واحدة, سيقولون إنه خرف كم أحس بالقهر وهو يعي حقيقة تصلبه, لا يحق لقلب العجوز أن يحب! سحب رصيده من المصرف وقدّمه لها, قالت له بانفعال أليم: لن أقبل, لن أسمح لذل الحاجة أن يضطرني للقبول, أنت تعطيني أكثر مما استحق, هذا المال من حق أولادك.قال: بل من حق من يحبني ويعتني بعجوز مثلي دون تذمر أو قرف.استنكرت كلامه قائلة: أنت أروع رجل عرفته في حياتي لكن... سمع كلماتها رغم أنها لم تنطقها بل تركتها محبوسة في حنجرتها, ماذا لو عرف أولادك؟قال: ستأخذين المال, فأنت أحق به من أولادي..كان يحس أن حياته متعلقة بحياتها ومصيره معلق بمصيرها وحين تتركه كل مساء, يجلس مستنشقاً عبقها منتظراً طلوع شمس جديدة تزف حضورها إليه, إنه يتعبد عشقاً في محراب شيخوخته.باغتته بعد سنة من الخدمة بسؤال: أتحبني؟رفع إليها عينين مسهدتين وبرطم بكلمات غير مفهومة.قالت له وهي تضم رأسه إلى صدرها: وأنا أحبك أيضاً صدقني.تمنى لو يموت في تلك اللحظة, أية روعة أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على صدرها الدافئ, إنه لا يتحمل الحياة بعيداً عنها, كلهم غرباء وحدها عاملته بحنان وإنسانية.الحب بعث الأمل في قلبه, لم يعد يفهم ما معنى أنه في التسعين وقد يعيش عشرة أعوام وربما عشرين وهو في جنة الحب, من قال إن الحبّ والسعادة حكر على الشباب؟فاتحها برغبته بالتواجد عنده ليل نهار, بأن يتزوجها ويسجل البيت باسمها, غض نظره وأكمل ما لابد من قوله: من حقك أن تحبي شاباً مثلك, إذا وجدت الشخص المناسب, صارحيني, سأتفهمك, ومن يدري قد أكون ميتاً وقتها, فأجنبك حرج الصراحة.كان يجب أن يعلمهم عن نيته في الزواج من حبيبته, لم يعرف أنهم سيحجرون عليه وسيتهمونه بالتخريف, طردوها, وألفوا عنها الشائعات والفضائح, هددوها بالسجن بتهمة الدعارة, سحبوه من البيت الكبير وزجوه في مشفى المجانين, الطبيب الذي عاينه مراراً تعاطف معه في البدء ثم لم يعد يقدر أن ينظر إليه, أن تلتقي عيونهما, عرف أنهم اشتروه, دفعوا له كي يكتب أنه مجنون.كان يقدّر ظروفها, تمنى لو تغامر وتزوره مرة واحدة, مرة واحدة فقط, امتنع عن الطعام راغباً بمغادرة الذل والغدر, علقوا في وريده سيروماً, تظاهر أنه قبل بإجرائهم العلاجي, انتظر أياما غارقاً في مستنقع ذكرياته, وجوه أهداها عمره وخانته, حب أتى متأخراً ليهزأ منه أم لينقذه, لا يعرف.سحب إبرة السيروم من يده, أحس بكيانه يختزل ويصير مجرد قلب ينبض بالحب, لكن بلا جدوى, محكوم عليه بنهارات تعذبه, وبمساءات تقبره فليتحرر ليطير خارج قفص الجسد, عساه يلقاها في فضاء ما.ربط حبل كيس السيروم حول عنقه, وأخذ يشد بطاقته كلها, أحس كيف تجحظ عيناه وتضطرب أنفاسه, ربط طرف الكيس بعارضة السرير المعدنية, وجر جسده بالاتجاه المعاكس, اسقط نفسه أرضاً لكي يكون الشد على رقبته أعظم, بعد لحظات رآها تدخل إليه شفافة كشفافية الفجر الأولى, مبتسمة ابتسامة أذابت آلامه كلها, انحنت بجانبه واضعة رأسه على صدرها الدافئ, مسحت جبينه المتعرق براحتها, ثم مسحت جبينه بقطعة مشبعة بالعطر, بكى فسالت دموعه بين نهديها, كانت عبراته لزجة حمراء تتدفق من عينيه بوقارٍ مذيبةً وجع الذكريات.
Moonlights
17/12/2007, 13:54
البلهاء
بعــــد يومين من زفاف وحيدها، وُجدت تيريزا البلهاء ميتة تحت شجرة السنديان الهرمة الوحيدة في الحديقة الصغيرة قرب بيتها، تحديداً الغرفة الحقيرة التي عاشت فيها ربع قرن مع ابنها.
اختلفت الآراء حول وفاة تيريزا البلهاء، منهم من رجّح أنها انتحرت، مستحضرين فرويد إلى أذهانهم الذي سيعتبر -كما يحلو لهم أن يفسروا- زواج ابنها نهاية لحياتها من جهة، وتكثيفاً شديداً للحادثة التي صبغت مستقبلها إلى الأبد، حين حملت بابنها وهي في الرابعة عشرة، وتنصّل الأب من الاعتراف بأبوته للجنين، واعتقد بعضهم أن تيريزا البلهاء توفيت بسرطان الثدي الذي تعاني منه منذ سنوات، وترفض العلاج. أما ابنها الذي بكاها بدموع من نار، فكان يهذي وسط دموعه بأنها توفيت من الحزن، وبأن الحزن حين يزيد عن
حد معين يصبح قاتلاً.
لم يشيّع تيريزا البلهاء إلى مثواها الأخير سوى نفر قليل من الناس، أختاها الوحيدتان دون زوجيهما، اللذين كانا متبرئان من تيريزا الساقطة، ابنها وزوجته، ومالكة الغرفة التي استأجرتها تيريزا لتعيش فيها مع ابنها.
التصقت بتيريزا صفة البلهاء مذ كانت في الرابعة عشرة. كانت كبرى إخوتها، ومسؤولة عن العناية بهم لأن أمها مضطرة للعمل من الصباح وحتى المساء خادمة في البيوت لتعيلهم، فيما والدها هائمٌ منذ سنوات في مصحٍ للأمراض العقلية.
كثيراً ماحلمت تيريزا بزيارة والدها، لكن أمها كانت تزجرها كل مرة، تنهاها عن ذكره، فما كان من هذا النهي القاسي إلا أن يزيد اضطرام أشواقها وأفكارها نحو والدها، كان غيابه يجعل حبها له شفافاً ونقياً لاتشوبه كلمات البشر الفظة القاسية، ولا تصرفاتهم الخالية من الرحمة، وكثيراً ماكانت ترنو إلى البعيد وتتخيل أنها تركض مسافات ومسافات لتلقي بجسدها في حضنه، فيضمها بقوة إلى صدره وتمتزج دموعهما، وهو يعدها أنه لن يتركها أبداً... كانت صديقاتها يسخرن منها حين يضبطنها تبتسم وتبرطم بكلمات وحدها، فيقلن لها: المجانين فقط يتحدثون مع أنفسهم، لكنها كانت تبتسم ولا تُعلّق بكلمة. فهي تحب صديقاتها من كل قلبها حتى لو سخرن منها وتهامسن بأنها بلهاء. ماكانت تفهم فن الكذب، ولا فلسفة الغش، إنها تُعبّر عن كل ماتحسه بالقول والفعل وعلى الملأ. ماكانت تفهم لماذا يداري الناس سلوكهم، ولماذا يكونون بعدّة أقنعة! ذات يوم حين زارتهم جارتهم، أدهشها ترحيب أمها الحار بالمرأة، فانبرت تيريزا تقول بسذاجة: أمي، أليست هذه جارتنا التي تقولين عنها بخيلة وثرثارة ولا يهمها سوى اصطياد زوج ثري لابنتها.
انقطعت العلاقة بين المرأتين بسبب تيريزا البلهاء، ورغم العتب القاسي الذي تعرّضت له تيريزا من أمها، فإنها لم تفهم لماذا اعْتبرت مذنبة؟! بقيت على تساؤلاتها الساذجة لماذا لايقول الناس كل شيء أمام بعضهم، لماذا يكذبون؟ ومامعنى الكذب؟
فرحت بجسدها اللدن الرشيق، الذي أخذ يتكوّر، ويشع حرارة جديدة، أشبه بتيارات مائية ساخنة تدغدغ جلدها وأحشاءها، كانت تضحك لصورتها في المرآة، وهي تكتشف تلك المشاعر اللذيذة، وتتساءل: لماذا لم تشعر بها من قبل؟ كانت تقضي ساعات تتأمل نهديها الشامخين، وتمرر يديها على وركيها وبطنها وفخذيها، منتشية بالتحوّل الجميل والمدهش في جسدها، كانت مزهوة بتفتّح أزهارها، بالثمار اليانعة الشهية التي ترغب أن يتحلّب الناس ليتذوقوها، وكانت تبكي بدموع سخية وهي تسمع أغاني عبد الحليم حافظ الذي احتل أحلام يقظتها التي لاتنقطع إلا عند الضرورة.
في الثالثة عشرة سقطت تيريزا في شرك الحب، كل الحارة شهدت حبها للشاب الجميل الذي يقود سيارته الفخمة البيضاء، ودون أن تتلفت خائفة وأمام العيون المتلصصة من الشقوق والثقوب، كانت تيريزا تركض إلى حبيبها، وتجلس بجانبه في السيارة ليأخذها إلى الشقة التي استأجرها لغرامياته.
دُهشت تيريزا حين انفضّت عنها صديقاتها، وصرن يرمقنها باحتقار ويتهامسن حين تمر بجانبهن، كانت تتساءل بدهشة وحزن: لماذا تغيّرت نظراتهن؟! ماكان لها أن تفهم أبداً نظرة الاحتقار، فهي لم تختبر هذا الشعور، ومادة روحها النقية غير مؤهبة للإحساس به.
أخذ بطن تيريزا يتكوّر، ويزداد حجماً، أدهشها أنها غدت بدينة، مع أنها لاتأكل زيادة عن عادتها! وبأن تنورتها الوحيدة ماعادت تحيط بخصرها. حتى الشهر الخامس لم تلحظ الأم حمل ابنتها، في الواقع لم تكن تراها، لأنها تعود إلى البيت حطام امرأة. متهالكة من التعب، تمسح أولادها بنظرة، وتغطّ في النوم، تاركة صغارها يكبرون برعاية تيريزا البلهاء والعناية الإلهية، وصدقات الجيران.
ذات يوم تحلّقت صديقات تيريزا حولها وسألنها: تيريزا، ألا تلاحظين أن بطنك يكبر؟ ويتغامزن وينفجرن ضاحكات.
فتلمس تيريزا بطنها متعجبة وتقول: أجل إنه يكبر.
فيسألنها: تيريزا من والد طفلك؟!
تحملق تيريزا في وجوههن وتتساءل بدهشة طفولية: طفل، أي طفل!.
تقول إحدى صديقاتها: من تعاشر رجلاً تحمل بطفل.
كانت تيريزا تفسّر كبر بطنها، بسبب انقطاع الطمث، فالدم يتجمّع في الداخل، ويجعل بطنها يكبر، كانت مقتنعة كلياً بهذا التحليل الدقيق لكبر بطنها، ولم تكن تقلق، فذات يوم سيتدفق كل هذا الدم إلى الخارج ويعود بطنها إلى حجمه الطبيعي.
ضربتها أمها بوحشية وهي تسألها: منذ متى تعاشرين هذا الكلب؟ وكانت تيريزا تبكي وترتعش ولا تتفوه بكلمة، استدعت الجلاّدة القابلة لتكشف على ابنتها، وبعد الفحص رفعت القابلة عينين زائغتين بالدهشة وأدلت بتقريرها: الفتاة حامل في شهرها الخامس، لكنها لاتزال عذراء!!
اقتحمت أم تيريزا منزل الشاب الثري وواجهت أسرته بحمل ابنتها، طُردت الأم واختفى الشاب عن الأنظار، استدانت الأم المنحوسة -كما غدا اسمها في الحارة- المال، وأقامت دعوى على الشاب لتضطره للزواج من تيريزا والاعتراف بابنه، لكن الشاب نفى أبوته للطفل، وقال في المحكمة بأن تيريزا عاهرة وتعرف الكثير من الرجال غيره، وذكر أسماء خمسة من أصدقائه وأصدقاء والده على أنهم عشّاق لتيريزا، وأصرَّ على استدعاء هؤلاء العشّاق وسماع شهاداتهم بتيريزا، عارفاً أنهم سيذكرون جميعاً الوحمة البنفسجية فوق عانة تيريزا بقليل!
وحين واجه محامي تيريزا المحكمة بتقرير طبي يثبت أن تيريزا لاتزال عذراء، وبشهود من الجيران، يؤكدون أن الفتاة لم تخرج سوى مع الشاب الثري، استمر الأب في نكرانه، وانتهت الدعوى بأن دفع الشاب مبلغاً كبيراً لصاحب السيادة كي يُبرأ من أبوة الطفل الذي تحمله البلهاء في بطنها.
كان على تيريزا أن تعرف دفعة واحدة معنى الألم والتخلي ونبذ الناس لها واحتقارها، الذي أحسته يؤلمها كوخز الإبر، كان عليها أن تعرف دفعة واحدة معنى الوحدة وموت المشاعر البكر الطاهرة التي كانت تدفعها لتأمل جسدها بافتتان وللارتماء في أحضان الحبيب مكتشفة جسدها في جسده، وسعيدة بأن يكتشف جسده في جسدها.
انقضت كل تلك المشاعر الوحشية القاسية على تيريزا، وأحاطتها كدائرة من نار وهي تتمخّض معانية آلاماً لاتطاق، بينما لاتسمع كلمة واحدة تؤاسيها من أمها، أو القابلة، فمن يؤاسي فتاة حملت سفاحاً؟ لكن تيريزا البلهاء غدت أماً بطرفة عين، ولدت إنسانة جديدة في اللحظة التي قذف رحمها ابنها.
خلال أشهر شاخت الصبية ذات الأربعة عشر عاماً، ماتت شهوتها للرجل وتحوّلت إلى جرح سيظل مفتوح الشفتين مدى الحياة، وضاع ذلك الشعور البهي المتوهج الذي لاتعرف أن اسمه الشهوة في غياهب الإهمال، أعطت روحها وكيانها لوحيدها، صار دنياها وعالمها. كانت ترتعد من قسوة النظرات ووحشيتها فتهرب إلى دنيا صغيرها، إنه الكائن الوحيد الذي يُحبها ويقبّلها، ويقبلها كماهي، وحده لايصدّق أنها زانية.
كبر الصغير وكان صورة طبق الأصل عن والده، حاول البعض ممن يحتفظون ببقايا رحمة في قلوبهم أن يصحبوا طفل الزانية إلى والده، ليفحموه بالشبه بينهما، لكن الأب استمر في النكران، وتزوج من فتاة من سويته المالية، وأنجب منها ثلاث بنات، لكن حرقة الصبي ظلت تلاحقه، فكان يقول في سره، أيُعقل أن أنجب ثلاث بنات في الحلال، فيما الصبي لا أنجبه إلا في الحرام.
استطاعت تيريزا البلهاء أن تنتزع شفقة الناس بعد سنوات وليس احترامهم، فالكل يشهد كم أحبت طفلها، ظلت تحمله حتى العاشرة من عمره، كانت تقضي ساعات بجانبه تتأمله وهو نائم، تغني له أغاني عبد الحليم بصوتها الهامس العذب، وتمسح دموعها الخرساء. ماعادت تتذكر أنها أنثى. انحفر الرجل في ذاكرتها مدية تطعنها في الخلف، كانت دروس الحياة المبكرة والقاسية قد جعلتها تفقد أدنى رغبة في المقاومة. كان الاستسلام التام لكل ماجرى معها هو الحل الأكثر رحمة وتحملاً بالنسبة لها، وقد قاومت بضراوة محاولة العديد من الشبان جعلها عشيقة، حتى أن أحدهم قال لها غير مصدق إنها لاتنوي معاشرة أي رجل: إلى متى ستتظاهرين بأنك شريفة، وقد تعوّدت أن تباعدي بين ساقيك مذ كنتِ في الثالثة عشرة؟
تعوّدت تيريزا على ابتلاع الإهانات، واستمرت تقبر الأيام، يوماً بعد يوم، لا يعنيها سوى ابنها، وتمكنت بواسطة جارتهم الوحيدة التي تشفق عليها من الحصول على عمل في مؤسسة لبيع الخضار، وفي أوقات فراغها المستفيضة كانت تيريزا تُبدع كنزات صوفية رائعة تبيعها وتساعد نفسها على العيش.
الصغير غدا كبيراً حين عاين جرح أمه، باحت له وهي ترتعد من شعورها بالعار من يكون والده، سربلهما صمتٌ طويل لم تجرحه كلمات لأيام، كانت تعاني آلاماً لاتطاق، وتخشى أن تفقد احترام الرجل الوحيد في حياتها، لكنه بعد أيام دفن رأسه في صدرها قائلاً: أنتِ أروع أم في الدنيا. لكم أحبك ياتيريزا الرائعة، أماهو فأكرهه، أنا لاأب لي.
كم كانت صادقة حين قالت له: لا تكرهه يابني، لاتجعل الكره يعّكر روحك.
كانت تيريزا تعاني من اشمئزاز شديد حين ترى رجلاً وامرأة يتغازلان على شاشة التلفاز، ظلت أسيرة مشاعر الإثم طوال حياتها، وساعد موقف اخواتها من رسوخ هذه المشاعر، فبعد زواجهن انقطعن كلياً عن زيارتها، فهمت من غير أن تسأل أن أزواجهن يمنعونهن من زيارة الأخت الآثمة التي أنجبت من غير زواج.
حين بلغ ابن تيريزا السادسة عشرة، فوجئت بعناية زائفة من أمها وجارتهم، ليقنعوها بالزواج من أرمل يعيش في الأردن، أكدتا لها أن هذا الزواج هو الوحيد القادر على إعادة الاعتبار ونفض الغبار عن كرامة تيريزا المعفّرة في وحل الإثم منذ سنوات، فالرجل سيسجل ابن الحرام على اسمه، رفضت تيريزا بقوة وقالت بأنها لاتطيق الرجال ولا تستطيع أن تقرِّب رجلاً. لكن الأم والجارة أقنعتاها بأن زواجها سيحّول ابنها من ابن حرام إلى ابن شرعي وبأنها يجب أن تضحي في سبيل ابنها.
قبلت تيريزا الزواج من الكهل، سافرت معه إلى عالمه الغريب، منتظرة اللحظة التي سيسجل فيها ابنها على اسمه، لكنه أخذ يتملص، بدا لها واضحاً منذ البداية أنه يريدها خادمة، بل عاهرة، كان يجبرها على لبس ثياب داخلية خليعة، ويطلب إليها أن تقوم بحركات معينة، ويضربها كي تشاهد كل يوم العديد من الأفلام الجنسية الخليعة لتتعلم فن ممارسة الجنس، لم تستطع تيريزا الاحتمال، هربت منه بعد أن قال لها بأنه يستحيل أن يسجّل ابن الزانية على اسمه، وبعد أن صرخ في إحدى فورات غضبه: ياقحبة كنتُ أظنك تعرفين فنون إرضاء الرجال، فإذا أنت تيريزا البلهاء حقاً.
عادت تيريزا إلى غرفتها الضيقة تنشر أحزانها على الجدران، واستأنفت حلمها الشاق الوحيد بأن يدخل ابنها كلية الهندسة. وأخيراً ابتسمت، هي التي نسيت الابتسام، حين حصل ابنها على لقب مهندس، وخطب زميلة له في الجامعة، وترك أمه تعيش وحيدة مع ذاكرة شوّهتها الآلام.
تحوّلت تيريزا إلى إنسانة شبه خرساء، كانت تقضي أياماً لاتنفتح شفتاها عن كلمة، الجملة الأخيرة التي تفوّهت بها قبل وفاتها بيومين لجارتها: أحس أن حياتي سراب.
القلة الذين شاهدوا جثة تيريزا تحت شجرة السنديان الهرمة، انتابهم إحساس واحد بأنها كانت تحلم، ثمة ابتسامة ترفرف على وجهها، وسرب أحلام يطوف حول عينيها ترى بماذا كانت تحلم تيريزا البلهاء قبل أن تسلم الروح؟
نقلاً عن موقع القصّة السوريّة.
أميرة الماء
18/01/2008, 07:15
قصص روعة و الله مشكور
butterfly
21/01/2008, 09:50
تم رفع جميع المرفقات الموجودة في هذا الموضوع
على رابط خارجي لحين حل مشكلة المرفقات
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
:mimo:
nameless
01/02/2008, 23:48
ما بعرف شو بدي أحكي..الإشي الوحيد اللي عجبني بعد قراءة "البلهاء,الساقطة,حب على حافة الحياة" هو النهايات الحزينة المشابهة جدا ً للواقع,يعني الكتاب عادة بقصصهم أو حتى بالأفلام ً ما بحبوا يفشلوا القارىء مشان هيك بزهقونا بالنهايات السعيدة إللي ما بتصير بالواقع..بس بقصص هيفا حسينا إنه إحنا عالأرض يعني تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
وغير هيك لاحظت إنه لسانها طويل شوي يعني مسبات وتشبيهات و وصف دقيق لخصوصيات أنثوية مش لازم الكل يتطلع عليها وهاي قناعة خاصة ما بحب حد يعلق عليها وكأنة عندها كره واضح مبين من قصصها لشرائح معينة سواء مجتمعات,ناس,أو جنس معين,يعني بنقدرنحكي إنه بس خيالها مساعدها شوي بس ثقافتها على قدها وعشان تفهموا قصدي أكثر إقرأوا للرائعة أحلام مستغانمي وبتحسوا بالفرق.
مشكوور يا ضوء القمرلأنك شاركتنا بثقافتك ومشكور أكتر على ذوقك في اختيار القصص وانشالله ما يكون تعليقي ثقيل عليك.:D:D:D
nameless
02/02/2008, 01:01
لأ..لأ..لأ..ما تحكيلي إنه صعقة حب بتخلص لهون؟؟؟ بقدر أحكي عن هالقصة رائعة..وصفها للحالة العشقية بين البطلة وبين خطيب صاحبتها..تتبعها الدقيق لصعقة الحب ..فصلها بين الحب العقلاني والحب الصدفة اللي ما بتحكمه أي عقلانية الخارج عن سيطرتنا..إحتفاظها بحدود أخلاقية حياتية واقعية بحتة لا يمكن تجاوزها وهي حدود الصداقة وحدود الخيانة واللعب بمشاعر الآخرين وخلتها مستحيلة بوجود رابط محكم وهو الخطبة يعني صعبت اللعبة شوي وبرجع وبأكد على نقطة الواقعية والبعد عن النهايات الخيالية ولو إنا بنحتاجها أحيانا .
أنا أطالب بإيجاد حل..
مشكوووووووووور يا ضوء القمر على هالقصة.والشكر أولاً وأخيراً لكاتبة القصة:D:clap:
Moonlights
13/02/2008, 14:20
ترقبوا المجموعة القصصية "مرآة الروح " قريباً جداً.
تحياتي:D
جينا
شكرا للكل
بس دوبي ئريت الئصه الي حاططتها باشق ..
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة