-
دخول

عرض كامل الموضوع : لبنان يدخل مرحلة الحسم " النهائي "


yass
08/05/2008, 10:00
تسمح المعلومات المتسربة من الدهاليز الديبلوماسية والسياسية اللبنانية والخارجية بالاستنتاج أن لبنان وضع قدميه على طريق " المعركة الفاصلة " بين المعارضة اللبنانية وحلفائها من جهة ، و الحكومة اللبنانية المدعومة من واشنطن والسعودية وإسرائيل ( وفق آخر تصريح واضح لا لبس فيه لإيهود أولمرت) ، من جهة أخرى . وهو ما ينسجم تماما مع ما كان بشر به ديفيد وولش قبل أسابيع من الإمارات العربية حين أعلن عن " الصيف الساخن " في لبنان . وثمة إجماع على أن المعركة التي افتتحتها السلطة اللبنانية ، ممثلة بمرشدها الروحي وليد جنلاط ، هي الشرارة التي لم تجد سواها لتفجير الموقف . فافتعال قصة " الكاميرا " المنصوبة على طريقة المطار هي أتفه من تثار بالطريقة التي أثيرت فيها ، وافتعال ضجة من حولها وصلت أصداؤها إلى مجلس الأمن في نيويورك . ليس فقد لأنها تابعة لشركة بناء وإنشاءات هدفها مراقبة موادها ومعداتها المرمية في المنطقة وحمايتها من اللصوص ، كما تفعل جميع المنشآت الاقتصادية والتجارية ، وكما أظهرت التحقيقات التلفزيونية الميدانية ، بل لأن حزب الله ليس بحاجة لنصبها أصلا وهو الذي يملك مئات المنازل في محيط المطار ، وملاصقه لمدرجاته ، ويمكنه أن يضع على أسطحها ليس كاميرات وحسب ، بل وحتى رادارات أيضا إذا أراد .


أما قصة " شبكة الاتصالات " فمن المعروف أن الشبكة تعود إلى أكثر من خمسة عشر عاما ، وتعلم بها الحكومات اللبنانية المتعاقبة ووزراء اتصالاتها ، بوصفها تشكل ما يسمى بـ " سلاح الإشارة في حزب الله " . وهي عمليا شبكة تستخدم للاتصال بين غرف العمليات الميدانية المتقدمة في الجنوب وغرفة العمليات المركزية التي لا يعرف أحد أين تقع . وطبقا لإجماع المحللين العسكرين جميعا ، في إسرائيل والخارج ، فإن هذه الشبكة كانت العامل " الحاسم " في صمود حزب الله خلال حرب صيف العام 2006 ، بالنظر لأنها سمحت للعمليات المركزية بقيادة المعركة والسيطرة المطلقة على مراحلها كافة ، والإبقاء على التواصل مع خطوط المواجهة الأمامية حتى آخر لحظة من الحرب قبل وقف إطلاق النار . أما ما يقال عن تمددها في أنحاء أخرى من لبنان " للاستخدام التجاري " ، كما زعم " سفير " إسرائيل في لبنان مروان حمادة ، وزير الاتصالات ( وبإمكانه استئناف دعواه ضدنا على خلفية هذه الاتهام في فرنسا وليس في لبنان كما فعل ، فوثائفنا تنتظره وتتحداه أن يفعل) ، فليس إلا لتضخيم الأمر . وهو عجز عن تقديم أي دليل على ذلك ! وعلى العموم ، من يسمح في بيانه الوزاري بسلاح المقاومة ويشرعه ، حسب ما ورد في بيان حكومة السنيورة ، سيكون من المستهجن إثارة موضوع شبكة الاتصالات المرتبطة بهذا السلاح . فأي جيش يتكون من وحدات السلاح ووحدات التموين ووحدات الإشارة .ولايكن أن تسمح ببعضها وتشرعه ، في الوقت الذي تسقط شرعية بعضه !


القضية ، وكما يقال ، ليست قضية " رمانة " ، بل قضية " قلوب ملآنة " . أو بتعبير آخر صدور قرار من واشنطن بنقل المعركة من العراق إلى لبنان ، وتدويل الأزمة عبر استصدار قرارات من مجلس الأمن يسمح تأويلها الملتبس بالتدخل الأميركي ـ الإسرائيلي مباشرة أو عبر حكومة السنيورة بحيث يصار إلى دعمها عسكريا لاحقا بعد أن تطلب ذلك بشكل رسمي . وما يعطي هذه المواجهة طابعا إقليميا ودوليا هو أن الأوامر صدرت إلى جميع فروع وخنادق الجبهة السعودية بالمشاركة في المعركة ، كل حسب استطاعته ، ومن ضمن هذه الخنادق الجناح اليميني ـ الأصولي في المعارضة السورية الذي يمثله " الأخوان المسلمون " ( من الصعب الحديث عن جماعة عبد الحليم خدام ، فهؤلاء مجرد " قردين وحارس " كما يقال) . وليس القبض على أحدهم يوم أمس في بيروت وهو يطلق النار من أحد مراكز تيار المستقبل ، قبل تسلميه مع عشرين آخرين لمخابرات الجيش اللبناني مع أسلحتهم ، إلا إشارة بالغة الدلالة على ذلك . وكانت " الحقيقة " قد كشفت قبل أكثر من عام على نقل العشرات من عناصر الأخوان المسلمين السوريين ( لاسيما ما يعرف بتيار عدنان سعد الدين ) من العراق والأردن إلى لبنان حيث تولى " تيار المستقبل " استضافتهم في بيروت والشمال ، قبل أن يلحق بهم النائب السوري السابق مأمون الحمصي من الشارقة في الإمارات العربية ... بعد أن أطلق لحيته ( جزء من " عدة الشغل" !) .


ثمة إشارات أخرى ذات مغزى توحي بالدخول في " مرحلة الحسم " . وهو إقدام زعماء المافيات اللبنانية مما يسمى بـ " النخبة السياسية " ( أي مجموعة أمراء ومجرمي الحرب الأهلية ) على تهريب طائراتهم الخاصة نهار ومساء أمس من مطار بيروت إلى مطار " القليعات " في الشمال ، وإلى مطار لارناكا في قبرص ومطار عمان في الأردن ، وسط معلومات عن قرار حكومي قد يعلن قريبا يقضي بإغلاق مطار بيروت وتحويل الطائرات إلى مطار القليعات في الشمال بعد تدمير مخيم " نهر البارد " الملاصق له تقريبا . وهو ما كان أعلن عنه الوزير محمد قباني يوم أمس بشكل غير مباشر حين أشار إلى أن مطار القليعات أصبح على استعداد لأن يحل محل مطار بيروت في أي لحظة !؟



ولكن هل ستبقى المعارضة اللبنانية مترددة ـ كما كانت دوما ـ في الحسم بدافع الخوف من جرها إلى " قتنة مذهبية " ، وهو ما تقوم به الحكومة اليوم لمعرفتها اليقينية بأن هذا الأمر هو " الخاصرة الرخوة " للمعارضة و " كعب أخيلها " !؟


يبدو أن الأمر ليس كذلك . فما حصل يوم أمس يعطي مؤشرات على أنها غادرت ساحة التردد .. ولو أنها لم تفعل ذلك إلا بعد أن وصلت النار إلى حضنها وتأخرت كثيرا . وبحسب المعطيات الواردة من ميدان التظاهرات يوم أمس ، فإن قوى المعارضة تخلت عن خجلها للمرة الأولى ، وأرسلت صورة واضحة عما تريده، وحتّى عن الوسائل الجاهزة لاستعمالها، وتخطت الفتنة عبر الحسم السريع في المناطق، وعبر عزلها للمربعات التابعة للموالاة ، ومسارعتها إلى تطهير هذه المربعات من وهابيي " تيار المستقبل " ، عسكر بندر بن سلطان ، من خلال اعتقالهم وتسليمهم إلى مخابرات الجيش ووحداته المنتشرة في مناطق المواجهات . ومن الواضح أن الحكومة منحتها فرصة نادرة يبدو أنها ستستغلها إلى النهاية . وهو ما سيتضح على الأرجح مما سيقوله الأمين العام لحزب الله اليوم في مؤتمره الصحفي .


كلف إفهام السلطة الكثير من التوتر والرصاص، من الطرفين، ومن منطقة رأس النبع تطلّب الأمر جهداً كبيراً من الجيش لإقناع تيار المستقبل بترك القوى الأمنية تتولى حماية مركزه الكائن في شارع محمد الحوت قرب مسجد ذي النورين، حيث دخل الجيش في النهاية فارضاً حظراً للتحول مؤقتاً في مربع أمني حول مركز تيار المستقبل لتأمين حمايته ومنع وصول المعارضة إلى المنطقة، ومنع إطلاق النار من محيطه، بينما كان مسلحون من المستقبل يتحركون بحذر في مناطق رأس النبع المتاخمة.


وقرابة الثانية والنصف بعد الظهر وقع الخلاف المركزي. ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مراسليها المدانيين أن عناصر مسلحين من المعارضة داهموا مركزاً لتيار المستقبل في رأس النبع في شارع عمر بن الخطاب. أحد العناصر يتحدث عن تعرضهم لإطلاق نار صادر من المركز. واحتشد العشرات من المقاتلين من المعارضة، وتبودل إطلاق النار لدقائق، وانفجرت قذائف صاروخية لم يعرف مصدرها، قبل أن يسقط المركز في يد المعارضين.


تدخلت على الفور عناصر من استخبارات الجيش التي منعت وقوع عناصر تيار المستقبل في يد المعارضين الذين احتشدوا بسلاحهم الكامل في انتظار سحب العناصر. وبعد مفاوضات طويلة دخلت سيارات تابعة لاستخبارات الجيش إلى قرب مدخل المبنى الذي يقع في طبقته الأولى مركز المستقبل، وأُخرج عدد من العناصر تعرضوا للضرب خلال خروجهم، مع اتهامهم بالقنص من المركز. وفور مغادرة السيارة المكان بدأ عناصر المعارضة بإطلاق النار في الهواء «ابتهاجاً» كما كان يقول أحد رجال استخبارات الجيش لمسؤوله هاتفياً، شارحاً له الموقف.


دارت عناصر المعارضة كاشفة عن قدراتها العسكرية للمرة الأولى ومطلقة النيران في الهواء وسط فوضى احتشاد عشرات من المقاتلين الذي يرفعون بنادقهم ويفرغون مخازنها النارية. تعسرت بعدها عملية إخراج العناصر الباقية من المركز، وانسحبت سيارات استخبارات الجيش المدنية من المكان لترجع بعدما عاد انتشار المعارضة إلى المواقع القتالية بدل التجمهر أمام المكتب الفارغ لتيار المستقبل الذي بحثت فيه عناصر المعارضة عن السلاح قبل أن يستنتج أحد مسؤوليها الميدانيين: «لقد جرّدهم عناصر استخبارات الجيش من السلاح».


فوضى السلاح وانتشار المسلحين بالأقنعة ومن دونها، وحركتهم السريعة على الدراجات النارية الخفيفة، وصولاً إلى احتلالهم مراكز تيار المستقبل المتفرقة ضمن مربعاتهم وعزلهم للمناطق بعضها عن بعض، ومنع الاحتكاك المباشر بين الشوراع والأحياء، ومنع خروج الإمداد والمواصلات أو دخولها، وبالتالي عزل المربعات التابعة سياسياً لقوى الموالاة، كل ذلك جاء من خطط سبق أن ناقشتها المعارضة طويلاً ونشر أغلبها عبر وسائل الإعلام، إلا أن المشهد في شوارع مناطق المستقبل يمكن اختصاره بكلمة واحدة: «الصدمة» ، وفق ما نقلته صحيفة " الأخبار " عن أحد مسؤوليهم الميدانيين .


هذه الصدمة عبر عنها ، وللمرة الأولى بهذ السفور والمباشرة ، مفتي الإرهاب الوهابي في لبنان محمد رشيد قباني في تصريحات مذهبية حقيرة أراد منها تحريض سنة لبنان على المعارضة ، وإعطاء المواجهة بعدا مذهبيا . فهو يدرك أن أي مواجهة غير مذهبية سيخسرها ، والمواجهات الوحيدة التي يستطيع هو وأمثاله ، سنة كانوا م شيعة أم مسيحيين ، الانتصار فيها وحسمها هي المواجهات المذهبية والطائفية . وتلك هي حال الذباب الذي لا يستطيع العيش إلا على فضلات المراحيض والمزابل.


نحن من جهتنا لا نخفي انحيازنا للمعارضة اللبنانية ، ولو أن النظام السوري سيستفيد دون ريب من أي هزيمة للمشروع الأميركي ـ السعودي في لبنان . ولكن ماذا نفعل إذا كانت الحياة الواقعية ، وليس حياة الروايات ، لا تضعك أبدا إلا بين خيارين لا ثالث لهما : السيء والأكثر سوءا ، وليس بين خياري الخير والشر أو الأسود والأبيض ... وإلا لكان الاختيار أسهل من إغماضة عين.\











الحقيقة