-
عرض كامل الموضوع : عندما يتعرى الإنسان...دكتور يحيى الرخاوي
وشم الجمال
06/05/2008, 21:18
العـلامة
قال الفتى للحكيم
أراك حطمت من الأصنام ما يهز معتقداتنا مرة ومرات . . . وها أنت ذا تقترب من إله العصر الحديث "العلم" وأخشى ما أخشاه أن يختلط الأمر على فتهتز ثقتى بهذا الإله أيضاً، وهو نور لهداية على طريق التقدم، وهو الحل الأول والآخر فى بلدنا هذا، فى عصرنا هذا.
قال الحكيم :
ليس على العلم خوف ولا فى حديثنا عنه حرج ، ولا ينتقص منه أن يمر أحد رهبانه بأزمة وجود ، وعلى أى حال فإن المبالغة فى تقديس معطياته دون تمحيص، وعبادة أرقام بطريقة عمياء، قد يزركش الطريق ولكنه ليس دائما دليلا على سلامته وصحته ، وعلينا أن نعرف قصوره حتى نسكتمل أبعاده وإلا انزلقنا إلى سبيل ضال رغم بريقه، قد يعوق تطور الانسان بقدر ما يزين حاضر حياته، وحكاية اليوم لا تنقص من العلم بل تزيد من إمكانياته، ولا تنفى ضروته بل توسع آفاقه .
وهى حكاية "العلامة" الذى كاد يكفر بعمله حين اهتز كيانه.
قال الفتى :
- وكيف كان ذلك ؟
قال الحكيم :
- هو أستاذ مساعد أو مساعد أستاذ ، هو لا يعلم أى أستاذ
يساعد، وربما كان هذا من بعض ما يشغله إذ يبدو أن ذلك اللقب فى سالف الأيام كان له معنى، إذ كان يدل على طريقه صوفيه فى التعلم والتعليم ، حيث يكون للأستاذ طريقة، ولكل طريقة شيخ، ولكل شيخ مريدون، ومن المريدين من يساعد الشيخ ، كانت هذه المساعدة درجة يرفع بها المريد إلى أن يكون خادم الشيخ أو خليله أؤ صديقه ، ولما أصبح اسم الشيخ فى العصر الحديث أستاذاً . . . أصبح مساعدوه أساتذة مساعدين، ثم يفقد اللفظ معناه بسوء الاستعمال، ويفقد نبضه من كثرة الابتذال، ويصبح رمزا لوظيفة لها علاوة، وللعلاوة ميقات معلوم، حدث ذلك حين أصبح العلم كمية من المعلومات تنحشر فى أدمغة الحفاظ، وليس طريقة فى الفهم وتنمية للفكر الخلاق، حين انقلبت وسيلة التدريس من حب صوفى بين الأستاذ ومريديه، إلى درس إملاء من بوق إلى سامعيه، ويبدو أن كل هذا لازم لمواجهة الأعداد الكبيرة للحفاظ والانتشار الهائل لموجة التحفيظ ، وليس التعليم، إذا أن التعليم إذا فقد طريقة الشيخ والمريد فإنه يفقد النبض العاطفى، ويصبح حشوا منظما لكم متناقض من المعلومات فى خلايا مخ إنسان لم تضع فى حسابها وهى تتطور أنها ستصبح مخزنا لرموز الأشياء حيث يفقد الرمز اتصاله بالأصل .
كان هذا بعض ما يشغل صاحبنا فى أزمته الغريبة مع نفسه، وحين حضر إلى كان مثل غيره شاكا مترددا هيابا.
قال :
لولا بقيه من أمل . . . لذهبت إلى "كوديه زار" فقد كدت أكفر بالعلم من كل نوع، وحين شاهدت الشهادات على حوائطك انزعجت أكثر فإن كل ما تقوله هذه الشهادات أن دماغك فى وقت ما قد انحشر فيه كذا كيلو جراما من الكتب . . ماذا؟ هل تريد أ توهم زبائنك بعلمك ؟ هل جاءوا إليك تقديرا لهذا المخزن المتحرك من المعلومات أم طلبا لما تحمل فى جوانبك من عواطف . . لماذا لا توزع عليهم دليل أبحاثك "إياها" التى ترقيت بها؟ أو تكتب لهم بيانا برحلاتك العلمية التى اشتريت فيها الملابس الداخلية لزوجتك وصديقاتها، أليس هذا أوقع فى نفوسهم حتى يدخل الواحد منهم وقد استسلم لهيلمان معلوماتك فتلقى اليهما تريد، أليست هذه الطريقة هى التى تجعلك مسبكا مثل المسابك الوالدية المحترمة، تصنع الناس حسب النموذج الذى فى ذهنك؟ تضغطهم على بعضهم حتى تغوص أنوفهم فى أقفيتهم ، وتنطبق شفاهم ويصبح المنطق فى حدود المقبول . . . . وبذا يتكيفون !
قلت :
لماذا أنت قاس كل هذه القسوة فى فروضك ، فرغم أنها تحمل ظلا من الحقيقة إلا أنك لم تر الكل بعد ، وأظن أنه من الأفضل أن تنتظر ثم تحكم
قال :
أنا أبدو قاسيا لكثرة ما قاسيت طول عمرى لأنى أقول الحق عارياً، والحق قاس وصارم، وعلى كل حال فأنا لم أجئ بالحديد، أليست الصحة النفسية عندكم هى التكيف، لماذا لا تغير اللافتة فتكتب الدكتور فلان أخصائى "التكييف"، أو قل مثلا جهاز الكتيف الطبى الصحى المعتبر أليست وظيفتك أن تكيف الناس مع بعضهم، ألست هنا تخدم استمرار النظام كما هو، ألا تسمون بعض عقاقيركم المهدئات العظيمة ؟ أى عظمة أن تهدئ ثائرة الناس ؟ ومع ذلك فقد جئت إليك على رجلى . . . وسوف أسمع منك ؟
قلت :
أنا أساعد الناس أن يجدوا أنفسهم ، ويطلقوا قدراتهم ويمارسوا حريتهم ثم يختاروا طريق التكيف أو ينظموا هويتهم كما يشتهون . . . أما مجرد الرفض دون بديلا ، وإشعال النار دون إطلاق طاقة؛ فهذا ما لا بد أن تتفق معى على رفضه.
قال :
إذا أنت تحاول أن تستدرجنى . . فليكن . . أنا جئت هنا أحاول . . فلأحاول.
كنت طالبا ممتازا فى كل شئ رغم مرور السنين . . أذكر بخاصة يوم انتزعونى من البيت إلى المدرسة، أذكر تماما رغم أنى لم أكن بعد تخطيت الرابعة ، خدوعنى ، كانوا يتصورون أنى لا أفهم ، ولكنى مازلت أذكر هذا اليوم مثل الآن، ومازلت حتى هذه اللحظة لا أثق فيهم، قالوا أننا سوف نزور عمتى لألعب مع أولادها، وكانت وجوههم تقول غير ذلك.
يتبع...
وشم الجمال
06/05/2008, 21:20
- لماذا تحبينى يا أمى ؟
-لأنك تلميذ شاطر
- هل ترضى عنى يا أبى ؟
- طبعا ما دمت شاطرا فى المدرسة
- وإذا لم أكن شاطرا يا أمى ؟
- غير معقول
- وإذا قصرت يا أبى ؟
- لا . . ليس أنت.
***
غير معقول ألا أكون كتابا .. لست أنا إذا قصرت فهذا غير محتمل.
وهكذا استمرت الصورة وأصبحت كتابا محبوبا .. الشطارة مصدر الرعاية، والتفوق شرط الحياة ..
فليكن .
وأقلبت على الكتب .. غرقت فيها حتى أذنى وساعدتنى وحدتى وانطوائى .. وكان والداى يفرحان بهذا الهدوء والقراءة المستمرة، واستبدلت بالناس الصور المقروءة، واستبدلت بالكلمات النابضة بالحياة الدافئة، الكلمات المرصوصة على الورق ، وحين ازدادت حاجتى للناس فى سن المراهقة حاولت أن أبعث فى ألفاظ الكتب الحياة، حاولت أن أجد الآخرين بين الصفحات ، كنت قد فقدت الثقة بالناس الحقيقيين، كيف آمن لهم وقد يتركونى ممرة ثانية دودة ضائعة فى صحراء جرداء، أما الكتاب فأنا الذى أمد يدى أقرا فيه وأنا الذى أرده مكانه، أنا سيد الموقف لا أنتظر شيئا من آخر وحتى أنت جئت إليك - بصراحة - لا أنتظر منك شيئا ، حجتى أتفرج على علمك ، لعلك كتاب حى أسهل فى القراءة ... أما كونك إنسانا "آخر" فهذا ليس فى حسابى رغم أن جزءا غائرا فى نفسى يتمناه .
قلت
-ولكنى إنسان قبل كل شيء
قال :
- بل "عالم" حتى قبل أن تكون طبيباً ، هذه هى صورتك عندى
قلت :
- وهل هناك تناقض
قال :
-هذا ما جاء بى إليك .. فقد عشت هذا التناقض منذ اللحظة الأولى بين الكتاب والإنسان ، بين العلم المجرد والنبض العاطفى للحياة، و كانت نهايتى بين يديك، هارب من الجنون أو قل هارب إلى الجنون . منذ اللحظة الأولى .. فقد تركتنى أمى دودة تسعى فى صحراء بلا ناس ، منذ خدعتنى وقالت: سآتى حالا ولم تأت أبداً ، منذ أحبتنى حبا لصقنى بها جزءا منها ، ثم تركتنى فجاة كتابا ملقى على الطريق تبعث بصفحاته عواصف الزمن ، حتى تمزقت وتطايرت ، ووصلت بقاياى إليك .. هذا الذى أمامك بعض نفسى .. أنا الغلاف والمقدمة والخاتمة، أما محتوى الكتاب فهو ضائع منى ، و بالتالى فهو ليس فى متناولك
قلت
-ولكنك كنت طالبا ناجحا ثم صرت عالماً ناجحاً غاية النجاح . قال : النجاح ؟ نعم النجاح هو القوة التى تساعد على المسير ..
هو الطاقة التى تجعلك تستمر ولكن هذه القوة لا تحدد طريق المسير . إلى أين؟ هى تنقلك من محطة نجاح إلى محطة نجاح تالية؟ ولكن الدفع شئ وصواب الطريق شئ آخر .
قلت :
- فماذا عن الطريق ؟
قال :
- كان طريقا باهراً مملوء بالنجاح والتنافس .. آه من التنافس قد يحلو لك أن تنتصر على غيرك ولو حتى تسحقه .. ولكن الطفل .. الطفل المسكين كيف يثيرون فى نفسه كل هذه الرغبة فى الانتصار على أقرانه ومن أول لحظة .. كيف يثيرون الحقد فى أعماق طفل لم يتعد الرابعة .. كيف يكون الهدف الأول والأخير أن يكون "أفضل" لا أن يكون "فاضلا"، دائما أفضل من الآخرين. فيصبح الآخرون أعداء يتكالبون على شئ واحد .. وهم فى حاجة إلى بعضهم البعض أكثر من حاجتهم إلى ذلك الشئ الأوحد وهو التفوق .. وبدل أن يكون العلم منهلا ينهل منه الجميع. يصبح التفوق مطلبا فى ذاته .. ومنذ متى .. من أول خطوة على الطريق، لا شك أن التفوق ضرورى لهذه الحياة ذات الفرص الضيقة، لا شك أن التنافس حافز، ولكن ذلك التنافس الحاقد ومنذ الطفولة شئ آخر، هو إثارة لكل دناءة العصر الحاضر، هو تنمية للنوازع التى تخدم حرص المجتمع البرجوازى منذ الطفولة ، ولكن هذا شى عادى يحدث فى كل بيت ولكل طفل، وهو يأتى بأفضل النتائج، لا تعجب فقد جاء عندى أيضا بأفضل النتائج ، كنت الأول دائماً، كنت أرى نظرات أحمد وعمر وسالم ونبيل وأفرح فرحا بلا نشوة ، وأزهو بلا طرب ، ويدب فى حماس نحو نجاح آخر ... ويزيد تعلقى بالكتب، بعدى عن الناس فى نفس الوقت .
يتبع
وشم الجمال
06/05/2008, 21:21
ثم جاءت فترة المراهقة . وقد قلت لك أنى احتجت للناس أكثر وصنعتهم من ألفاظ الكتب ، واحتفظت بهم داخل الصفحات ، وبإذا تجنبت الآخرين حتى لا أدخل فى مغامرة غير مضمونة لا أريد أحدا يحبنى حتى أتلاشى فيه ثم يتركنى حتى أضيع ... أما أصدقاء الكتب فهم مضمونون. تستخرج من بين السطور من تشاء تتقمصه وتصادق أصدقاءه وتعادى أعداءه ثم تحتفظ بالجميع على رف المكتبة، تسدعيهم وقت ما تشاء وتجدهم فى أى لحظة مل ليل أو نهار، وزاد تعلقى بالكتاب وأصبح بديلا للحياة .. وزاد تفوقى .. وأهلى راضون سعداء . حققت لهم ما يشتهون .. وحصلت على شهاداتى المزركشة بتقديرات عظيمة .. ورغم أنها لم تكن عملية سهلة إلا أنها كانت تتم بنجاح .. كانت الامتحانات رعبى الهائل .. كانت حدثا رهيبا فى حياتى لأنه: بما أنى كتاب ليس إلا، فليس لى خيار، ويصبح الامتحان بالنسبة إلى حياة أو موتا لأن معنى الإخفاق هو الضياع .. ماذا يبقى منى إذا فشل الكتاب .. وأنا كلى كتاب كتب أدخل الامتحان لا لأفرغ ما فى رأسى من معلومات ولكن لأتأكد من وجودى .. لأنه لا وجود لى بدون شهادة، وحصلت على الشهادة تلو الشهادة حتى البكالوريوس.
إلى هذا الحد .. كانت حياتى مفهومة ومعقولة- على الأقل من الظاهر - استعضت بالكتاب عن الحب، و بالنجاح عن الحياة الاجتماعية، وبالشهادة عن الوجود الإنسانى وكان كل ذلك طبيعياً بالنسبة لهذة الفترة من الحياة - لم أكن أدرك شيئا ولم يكن ينقصنى شيء .. لا تتصور أنى كنت أشكو من شيء حتى ذلك الحين ..
كان نجاحى يحفظ حياتى ويعطى لها معنى .. وما ظهرت هذه الرؤية إلا الآن ، فأنا أراجع نفسى وأنا أحكى لك كيف أرانى زمان
قلت :
- ولكنك تصورت النجاح تصويرا وكأنه الفشل أو الضياع ، فهل تعتقد مثلا أن الفشل كان سيصلح حالك ؟
قال :
- قلت لك إن الفشل هو الموت ذاته ، لأن النجاح كان الشيء الوحيد فى حياتى، النجاح طاقة ولكنه كان لى هدفا وغاية ووسيلة وكل شيء، إلا ان النجاح والتفوق فى ذاته لا يعطى للانسان عاطفة أو حياة، قد يتيح له فرصة أحسن ولكنه ليس هو ذاته الفرصة الأحسن، الناس تتركز على نجاح الأطفال والصبية وينسون مصير الناجحين حين يكبرون .. أين أوائل المدارس منذ عشرين عاما ، ألا يبلغون الآلاف فى كل المدارس ، هل هم الآن أسعد الناس وأنبغ الناس أم أنهم استنفدوا طاقاتهم فى النجاح فانتهو قبل أن ينتهى النجاح؟
ياسيدى أنا نجحت حتى لم يعد للنجاح طعم ، تفوقت على الآخرين حتى ابتعد عنى الآخرون ، وحصلت على الشهادات كلها .. وكلما تدرجت على سلم الشهادات كلما انزعجت من تلك المقاييس التى تقيم الناس ، وكان آخر المطاف شهادة الدكتوراه: رسالة وامتحان يرضى كل الممتحنين بلا استثناء - أى والله بلا استثناء - وتيقنت أن آخر شهادة هى أخطر شهادة، لأنها تعطيك حق الجهل ، وهى شهادة تعطى ولا تؤخد ، تدل على لرضا أكثر مما تدل على العلم ، أما أنها تعطى حق الجهل فهذا أخطر ما فيها.
قلت :
- لا تغال .. وقل لى كيف ؟
قال :
- أنا لا أغالى ، ولو لم أكن حاصلا عليها لحسبت ذلك شعورا بالنقص أو حقدا - ولكنى حاصل عليها من أول مرة وبامتياز ، ومع ذلك فأنا لا أقول إلا الحق ، فقبل هذه الشهادة يتمتع الطالب أو العالم بفضيلة الحياء ، فيخشى أن يفتى فتوى دامغة إلا أن راجعها وحسب لها حسابها ، أما بعد أن يحصل عليها فإنه قد يقول ما شاء دون حساب مباشر ، هذا هو الخطر عينه ، أن يحسب الانسان نفسه عالما بالشهادة ، فالشهادة قد تكون خدعة كبرى لأنها من الرموز التى تعدت معناها والتى أصبحت غاية فى ذاتها ، وأصبح تقويم الانسان صغيرا وكبيرا مرتبطا بها ارتباطاً وثيقا ، وهذا من ضرائب العصر التى لم نجد لها بديلا حتى الآن .. الأمتحانات والشهادات ، ولكن ذلك قد يجوز بالنسبة للأعداد الكبيرة حيث لا توجد وسيلة للتقويم أفضل من ذلك ، أما إذا اقتصر الأمر على وحد أو اثنين فى الشهادات الأعلى ألا ينبغى إعادة النظر فى هذه الأشياء جمعياً؟.
قلت :
- ولكن ماذا ضرك فى كل هذا .
قال :
- لا شيء حتى الآن إلا جفاف الحياة وفقدنشوة الانتصار أما بعد الشهادة الكبيرة فقد مارست الألم الرهيب الذى الذى انتهى بكسرى الذى أتى بى إليك هذه هى الحكاية .
يتبع...
وشم الجمال
06/05/2008, 21:22
قلت : ايه حكاية ؟
قال: حكايتى مع العلم والعلماء والبحث والمبادئ فقد كنت فى صدر شبابى كما قلت لك أنا والكتاب واحد، وكانت الكلمة المطبوعة هى حياتى، وكان أشخاص الكتب هم أصدقائى ، ليس لى فى الدنيا سواهم، ومن هنا جاءت قدسية الكلمة، فلما سلكت طريق العلم أصبح للكلمة محراب فيه أرقام وأرقام أهتز لها احتراما، وأنحنى أمامها تبجيلا، ولكن حين أصبحت أحد خدام هذا المحراب اكتشفت أن ليس به آلهة دائما، بل هناك أيضا أصنام من الحجارة تبدو عليها سمات الآلهة ، واهتززت وتشككت وكدت أتراجع والأبحاث فيها الحسن وفيها السئ، وحين تقرأ إما أن ترفضه وإما أن تقبله ، ولكنى كنت أحد خدام المحراب وولدانه ، فمارست تناول الماء المقدس من الداخل ولم يكن دائما مقدسا، خصوصا لدى المشايخ والأحبار .
قلت هذه الحياة "فيها" .. "وفيها".
قال نعم هذه الحياه ، ولكن فى محراب العلم تصبح الأمور لا تحتمل أن يكون " فيها".. "وفيها" ، إما أنه فيها ، أو أنه ليس فيها .
قلت : فلندخل إلى الموضوع ونخفف من الألغاز .
قال: ما دامت الأبحاث فى بلد نام، أو فلنسمه متطوراً فلا بد من احترام إمكانياته ، وقد سمعت أستاذاً ساخرا يقول أثناء التلمذة إن الأبحاث فى مصر - فى مجاله على الأقل - إما كلام فاغ أو كلام مفروغ منه ، أما الكلام الفارغ فهو بالبحث الذى يعمل وكأنه شيء مبتكر وهو ليس به شئ ، أما الكلام المفروغ منه فهو الذى سبق عمله فى بلاد أكثر تقدما وما تكراره هنا إلا من باب تحصيل الحاصل .
قلت : هل تعنى أن نوقف البحث العلمى فى بلادنا ؟
قال : كنت أتصور أنه إما أن يكون هناك بحث علمى وإما أن يوقف.
قلت : وكيف ننمى قدرة البحث ؟
قال : آه ... إذاً فلتكن أبحاثنا لننم قدرة البحث .. ليس إلا .. ، فى هذه المرحلة ،إلا فى حالات الفلتات الخاصة فلها اعتبار خاص .
قلت : فليكن .
قال : لم يكن .
قالت : إذا ما الذى كان ؟
قال : كان يا ماكان أستاذ ذو كرسى ، والأستاذ عندنا صنفان :
واحد له كرسى والآخر يظل واقفا حائرا بدون كرسى، وعندنا من الأستاذة من يتراخى على كرسيه حتى يصبح الكرسى أريكة ، ويا حبذا لو كان سريرا يحاط بمساعدين يهوون عليه بمراوح من ريش نعام .
قلت : إنك فى أزمتك تذهب إلى بعيد وترسم صورة صارخة ليست هى القاعدة .
قال : أنا لا أتحدث عن قواعد، أنا أتحدث عن تجربتى الخاصة، أنا مريض نفسى وأنت طبيب نفسى ، وقد تحرجت طويلا أن أقول هذا الكلام بين الزملاء ، كانوايشعرون أنى أهاجمهم وأكشف عوراتهم فى حين أنى كنت أنقد نفسى معهم، كانوا يدافعون عن جلال العلم وهيبة "الأساتيذ" دون محاولة لمناقشة صدق محاولتى وكان الأستاذ أستاذا لأنه أستاذ، وليس لأنه رائد وموجه ونقادة وإنسان، وظللت أكتب وأخطئ نفسى واضح حسابا للذى يصح والى لا يصح ، وأفوت وأصهين وأسكت وأغمض حتى انكسرت، وأصبحت عندك يا سيادة الأستاذ الطبيب النفسى ، ولكن قل لى هل أنت تعترض لأنك أستاذ أم لأنك طبيب ؟ لمصلحة من تحاول أن تزين حقائق عشتها بكل الألم والمرارة ، وتقول أنت تبالغ ؟ أنتم الذين تبالغون فى العمى والضلال .
قلت: العم والضلال ؟
قال:نعم بحجة احترام الواقع والمجاملات ، إن الواقع محترم . طالما هو صدق وأمانة ، والمجاملات عظيمة طالما هى الزيت الذى يلين تروس المعاملات الجافة ، أما أن نرص الأرقام ونتبع مبدأ "من سهل، سهل الله عليه" فإن ذلك هو العمى والضلال.
يتبع...
وشم الجمال
06/05/2008, 21:23
قلت: ولكنها تجربة خاصة . . فلماذا تعممها؟
قال : أنا لا أعمم سيئاً .. أنا إنسان مكسور ضعيف مهان ، وملقى فى كرسى فى عيادة نفسية، فى عقلى خلل وفى إدراكى شطط ، ومنحقى أن أخرف ما شذت، إلا ما فائدة أن يمرض الإنسان ، أليس المرض سبيلا إلى حرية ما ، ألا يمكن أن يكون دائماعذرا دائما علقه قبل وبعد الحديث الطليق . . أليس كذلك ؟
قلت: ولكنه مرض .
قال: مريض يمرض مرضا فهو مريض والجمع مرضى أو مريضون أو مريدون، يا هول الواقع وضيعة الحقيقة، نعم . . ولكنه ، لكى أقول ما أشعر به فى صدق وصراحة لا بد أن أمرض، وحين أمرض لا يصبح لكلامى معنى ولا يسمعه أحد لأنى مريض سوف" يسقطوا لى فارغة".
- إذن فهو المرض .
- هو كذلك ... ولكنه الحقيقة ، أن ترى الأوضاع مقلوبة ، أن ترى العجز سافرا ، أن تعيش يقظة الوحدة ، أن تعرى الأشياء ، هذا ما تسمونه مرضاً.
- ولكنها حقيقة هاربة مخبتبئة فى عيادة نفسية .
- لم يسمح لها بالظهور فى غير العيادة النفسية .
- ربا أنت لم تحتمل الاستمرار .
قال: ربما .. ربما لم أحتمل الاسمترار وربما خفت من الاسمترار .. فالإنسان ما لم يتيقظ فى كل لحظة انحرف وهو لا يدرى ، وأسلوب الانحراف يختلف ويتنوع ، وأخطر أنواعه النوع الخفى ذو الممبررات الواقعية وشبه الأخلاقية، اسمع يا سيدى هل انتهى وقتى أم استمر ؟
***
- قالوا أنت حنبلى ، ولوحوا أمامى بالترقيات والمؤتمرات وقلت لنفسى ، أنا لا أستطيع أن أصلح الكون وأنا صغير، فلأ كبر أولا ثم أصلح الكون ، إنهم يريدون عدداً من الأبحاث "كل شيء كان" فليكن، ولأصبح ذا مركز يليق، ثم أغير الكون .. وبدأت الطريق القاسى، لم يكن هناك سوى أرقام أريد ضربها وطرحها وقسمتها، وإيجاد معامل الإرتباط ومعامل الثبات إلى آخر هذه القصة التى تزين البحث لتجعل منه حقائق علمية، وكلما وصلت بهذه الطريقة إلى حقيقة تعجبت فهى حقيقة بديهية، ولكن البديهيات لا تتقدم بالعلم، والعلم يحتاج إلى أرقام ودلائل، ومضيت أجمع وأطرح وسجلت ملاحظات لا بأس بها، وكان لها رنين حلو منمق، ولكنى فى قراره نفسى كنت غير مقتنع بكل ذلك ، ماذا أفاد هذا البحث ؟ ماذا أضاف؟ أى سؤال أجاب؟ أى جديد؟ وكنت أسأل زملائى فأجد عندهم الإجابة، وحين اسأل نفسى فى علانية أو يسألنى أحد فإنى أستطيع الإجابة، ولكن .. داخلى، وكان داخلى يخرج لى لسانه لأنه ويلعب لى حواجبه، كان داخلى يسخر منى فألقمه مرجعاً ينشغل به، وأمضى فى طريقى وأقول حين يصبح لى من الأمر شيء سوف أعدل الكون، أما الآن فعلى أن أصبر وأتساهل، واستعمل الكلمات الرنانة والأرقام المقنعة وأمضى، وذات يوم .. نعم ذات يوم .. أكتشفت انزلاقى .. توقفت وانكسرت .. وجئت .. وها أنذا مريض مهان. أقول الحق فى عيادة .. لا بد لكى أقول الحق أو أدافع عن الحق أن أمراض ..
قلت: أى يوم .. ذلك اليوم ؟
قال: نعم ذلك اليوم .. كنت هناك، وكان بحثا ضخما مفتخراً به من الجداول أربعة عشر ومن الصفحات ما يربو على العشرين، كنت أعرف نقطا ضعيفة وكم هاجمتها فى غير هوادة ، ومضت الأيام .. حتى دخل لك البحث سرداباًَ خفياً فى جانب ذاكرتى ثم اضطررت فى ذلك اليوم أن أقدامه ، ووجدتنى أستحضر من ذاكرتى بصعوبة، ثم أقدمه، ووجدتنى أكاد أفخر به، ووجدتنى أدافع عن نقط ضعيفة، كم سبق أن رفضتها، وفجأة حدث الذى كان.
قلت: وما الذى كان ؟
قال:
- اخترق رأسى من الداخل إى ما بين عينى صاروخ مثل السيف المحمى على النار، واضطربت الألفاظ أمام عينى وأصابتنى دوخة وعجزت عن الاستمرار.
كيف أدافع عما لا أعتقده ؟ وفى أى مجال ؟ فى مجال العلم ؟ أحسست بأنى داعر، لا تؤاخذنى فى التعبير، ولكن لا تنسى أنى مريض، وأنى ما مرضت إلا لآخذ حقى فى التعبير، فحيث تكون السلامة تكون المجاملة ويكون الكلام ممنوعاُ والسكوت ممنوعاً أيضا، أو كما سمعت فى إحدى المسرحيات "السكوت" ممنوع كمان .. السكوت مشروع كلام، لقد مارست القهر الفكرى على آرائى: لا أجرح أحدا، ولا أجرح نفى، لقد كنت أخفف من غلواء النقد، كنت أجامل أساتذتى وأجامل نفسى حتى ذلك اليوم ..
يتبع...
وشم الجمال
06/05/2008, 21:23
قلت :
- ولكن هذا البحث ..بحث ذلك اليوم .. ماذا به ؟
قال :
- ليس به شيء ، والمصيبة أنه ليس شيء ، ولأنه ليس به شيء فقد انكسرت وأنا أدافع عن لا شئ ، هل يمكن تتصور إنسانا يمسك بكل أسلحته للدفاع ، يحارب أعداء حقيقين وأحينا أشباحاً؟ تقضى عمرك تدافع عن معتقداتك فى خزانه عقلك ثم فى لحظة يقظة تفتح الخزانة فإذا بها خاوية من غير سوء . حينئذ تصعق وتدور الأسئلة تلسع رأسك كسياط ن معدن محمى ، "عما كنت تدافع"؟ ... عن الهواء ؟ بل عن الفراغ ... " لماذا كنت تدافع ؟ حتى تحافظ على الضياع ..
قلت:
- ولكن ليست كل الأبحاث هكذا .
قال:
- عليك نور... كنت أقول ذلك دائما، حين تكون بعيدا عن القبة يخيل إليك أنه تحت القبة شيخ ، وحين تقترب منها تعرف أنه الحمار الذى نفق، وحين تختلف مع زملائك فى قيمة هذا العمل، يقسمون بمقام الشيخ، وينسون أننا دفناه سويا.
قلت:
- ولكن ليست كل الأبحاث هكذا .
قال :
- آه .. مرة من ذات المرات كنت أجلس وكان ذهنى خاليا من كل شيء، كنت فى حديقة ما .. أمسك زهرة جميلة وكأنى مراهق يتأمل التوافق بين ذاته وبين الكون، وخطر ببالى وبدون سابق إنذار"أنه ليست كل الابحاث هكذا" .. فرد آخر من داخلى يقول "هكذا كل الأبحاث"، وأفقت من لحظة التوافق والانسجام ، وجعلت أتأمل مشكلتى المحيرة ، وارتسمت ابتسامة ما على عقلى ، ونظرت للوردة فى يدى وأخدت أقطف أوراقها وأنا أردد "ليست كل الابحاث هكذا ... هكذا كل الابحاث ... ليست كل الأبحاث هكذا ... هكذا كل الأبحاث"، وظننى الناس عاشقا ينتظر عشيقته ويسأل الوردة "ستحضر.. لن تحضر.." ووجدت عنق الوردة وقد تعرى من جمال الورقات ، وأنا اتساءل تساؤلى الذى لا ينتهى ، وهتف لى هاتف أن مصير الطبيعة فى المعمل الجاف الذى ينسى نبض الانسان ... مثل مصير الوردة بين يدى إنسان قلق أوشك على الانهيار ، وتبينت ساعتها أن الانهيار قادم لا محالة ورفضه وتمنيته فى ذات الوقت . . رفضته خوفا من أن ينطلق المارد فيحطمنى قبل أن يتحطم زيفى .. وتمنيته ليخلصنى من قيود حبست نفسى فيها بمحض إرادتى ، وحين تخاف الشئ وتتمناه يصبح الألم صريحا قاسياً، وحين يزيد الألم ويهدد يصبح الانكسار وشيكا . . وقد كان، فانكسرت، طارت أفكارى كالطيور تسرح فى حرية المرض النفسى،وأخرجت لسانى لأبحاثى الزائفة. ومضيت أحرق الكلام المكتوب جميعه، آه من الكلام المكتوب، حرمنى فى طفولتى من أمى، ثم قيدنى فى شبابى من حريتى، ثم زيف المعرفة فى عز رجولتى، أنا حين أمسك بالكتاب تصبح الصفحة أمامى بيضاء من غير سوء، تتداخل الألفاظ أولا، ثم ترقص الحروف، وتخرج لى لسانها وتلوح لى بالسلاسل، ثم تتشابك لتصبحسلاسل من حديد وتقترب من فكرى، فأخاف وأخاف حتى ينمحى كل شئ .. أليس هذا هو الجنون بعينه ؟
قلت: أو هو الرفض الصارخ الشامل.
قال: وأظن أنى هنا لأقبل ما لم أستطع قبوله، ولكن كيف، لقد حاولت أن أحشره فى رأسى حشرا فلم أستطع، حين تحمل الألفاظ أجنحة المرض تنطلق بغير حدود ، وساعتها يصبح للحياة معنى.
قلت: كيف يعطى المرض معنى للحياة؟
قال: هذا ما خيل إلى فى أول الأمر . . ولكنى أحسست بالوحدة الرهيبة تكاد تسحقنى، وفى نفس الوقت أحسست باستحالة دخولى القفص مرة ثانية وهذا ما جاء بى إليك، فهل عندك من ترياق:
قلت:
- سوف نبدأ برفض ما رفضت.
- حقاً ؟
- ولم لا ؟
- أنه المرض.
- بل هو رفض الزيف والخداع.
- بل هو الوحدة.
يتبع...
وشم الجمال
06/05/2008, 21:24
- ما دام هناك آخر . . فليس ثمة وحدة.
- وأين الآخر؟
- مؤقتا. . .هو العلاج.
- وهل تقبلنى بكل فكرى الصاخب . .أو الشاذ ؟!
- إنى أقبلك بكل ما تحويه وتمثله وتقبله وترفضه . . فهل تقبلنى أنت ؟
- أنا ؟. . أنا أخاف منك.
-عندك حق، فى أزمتك هذه تخاف من كل الكلام وكل الناس . . ولكن للأمر احتمال آخر.
-وأخاف من الاحتمال الآخر.
- ولكنك لا تعرفه.
- حين تفترضه . . لن يصبح مجهولا.
- أنا خائف . . طيور فكرى تهرب من كل الأقفاص.
- ولكنها لو استمرت فى السماء بلا حدود . . فسوف تهلك.
- ستبحث لها عن عش ولو فى القطب المتجمد.
- تهلك من البرد والوحدة.
- أفضل من السجن داخل الخداع.
- ولكن هناك احتمال آخر.
- أى احتمال؟
- الانسان.
- هو الذى أشقانى وعذبنى حتى انكسرت . . أمى كانت الإنسان الأول فى حياتى ثم تركتنى دودة تسعى فى صحراء المدرسة بين حروف جافة وطباشير أكلح لا نبض فيه، ثم سجنت وأنا أبحث عن الانسان بين صفحات الكتب، ثم فجعت وأنا أفتقد الإنسان فى مجال العلم الجامد
قلت:ولكن هذا لا يعنى أن تكف عن التعليم أو تهاجهم الكتب أو تحطم قديسة العلم .
قل: إذا ماذا يعنى ؟
قلت: يعنى أن تخرج من تجربتك أقوى وأصلب فتدافع عن المدرسة ولا تنسى الحب وتتصالح مع الكتاب، فالكلمة وسيلة الاتصال بين البشر على أن يكون هناك بشر، ثم لنسخر العلم فى خدمة الحياة بكل نبضها العاطفى وجمالها الفنى..
قال : ولكن كيف ؟
قلت : بأن تستمر
قال : الألم والخوف والسجن والانهيار
قلت: الانهيار يمكن أن يكون ضياعا ودمارا كما يمكن أن يكون إطلاقا لقدرات لا حدود لها مثل تفتيت الذرة سواء بسواء، يمكن أن تفنى البشر كما يمكن أن تدفع بهم على سلم الرقى البناء.
قال: هل يمكن أن يكون بالإنسان طاقة مثل الذرة؟
قلت: بل أقوى وأبقى .
قال: أين هى ؟
قلت: هى الخبر والحب والإرادة والفضيلة ، هى التى استمرت بالتطور حتى الآن ، هى التى انتصرت دائما وستنتصر دائما.
قال : أين هى ؟
- فى داخلك
- الحب فى داخلى أنا . . ؟ لو أن هناك أن هناك حكما عدلا لحكم بيننا الآن . . من الذى يخرف ؟ أنا . . أم أنت؟ لقد كان الخوف فى داخلى ، أما الحب فقد ذهب منذ خدعتنى أمى ; ذهب ولم يعد.
- لم تكن تقصد.
- ولم أكن أعرف.
- والآن تعرف.
-وأين هى ؟
- هى تمثل الآخرين فترة، وأنا قد أمثلهم فترة أخرى.
-ماذا تعنى ؟ أأبدأ من جديد ؟
- ولم لا ؟
- ومن يضمن لى ؟
-قوة الخير التى استمرت بالانسان حتى الآن.
- تعلمنى نظريات الحياة.
- بل تحس بنبض الصحة
- على ألا أرجع للكتب ومعمل الأبحاث.
-بل حين ترجع للكتب ومعمل الأبحاث سوف تملؤها من فيض حياتك وإنسانيتك.
-أنت تحلم
- أنا أمارس هذا الحلم
وشم الجمال
06/05/2008, 21:25
من ؟
الذين يقولون أنكم مثلنا
- حتى نفهمكم ؟
- من يفهمكم ؟
- أنتم
- لغة خاصة ؟
- نخترق بها الحواجز
- أى حواجز ؟
- كل معوقات التطور
-ولن تتركنى ؟
- لا أستطيع
- لماذا ؟
- لأنى أحتاجك مثلما تحتاجنى
- تحتاج هذه النفاية البشرية!
- وراءها طاقة الذرة المتفجرة
- لماذا تحتاجنى ؟
-ليزداد البشر واحدا
- يا صلاة النبى
- الوقت ......
- تبيع الأمل ؟
- الحب . . . .
-تعبث . . بالألفاظ ؟
- الصحة.
- لا أعرفها.
- والآخر.
- أين هو ...؟
- هل شعرت به ؟
- خائف .
-ولكنك شعرت به ؟
- خائف.
- ولكنا اثنان.
- يبدو ذلك - إذا . . لقد شعرت بى
- ولن تتركنى كالدودة على رمال الصحراء
-سوف يكون هناك آخرون وآخرون ، وحينذاك لن يغير أن ينقصوا واحداً ، وحتى هذا لن يحدث أبداً.
- متى ؟
- الوقت
-أين ؟
- الحب
***
قال الفتى للحكيم . مالك تتحدث بلغة كالألغاز ؟
قال الحكيم : لأن اللغة فى مثل هذه الأحوال - كمجرد رمز أو ألفاظ - لا تعنى شيئاً ، أما الذى يصل ويتأصل ويطمئن ويبنى فهو نبض المشاعر وصدقها .
قال الفتى :
وهل يشعر المريض بصدق الإحساس وهو فى بؤرة تدهور؟
قال الحكيم:
كلما كان الإحساس صادقا كلما كان أقدر على اختراق الحواجز.
قال الفتى:
قد علمت هذا المثل فحدثنى عن "خدعة المال" .. فقد خيل إلى أحيانا أنك تتناساها عمداً.
قال الحكيم :
وكأنك تقرأ أفكارى ... فقد كدنا نصل إلى كبير الأصنام الذى اتهمه سيدنا ابراهيم أنه حطم باقى الأصنام .. فلما سألوه عن المسئول عن تحطيم الأصنام . . تحطم هو ذاته.
قال الفتى : وكيف كان ذلك ؟
يتبع...
:shock::shock::?
الله يعطيكي العافية يارب :Dبانتظار البقية
ورده بغداد
07/05/2008, 11:03
ماشا الله عليكي وشم
ذوقك جميل
:ss::ss::ss:
موضوعك شديد الثراء لحد تعلقي به
:D
وشم الجمال
07/05/2008, 19:06
الضياع
كان ذلك أمر غلام ولد كما يولد الناس فى هذه الأرض الطيبة:
ففى ساعة متأخرة من لية شتاء - أو قل فى ساعة مبكرة من صباح يوم تال - طبقا لمواقفك من الزمن - ترددت بين جنبات ذلك البيت المتوسط فى كل شيء صيحات طفل أطلقت أمه سراحه إلى رحاب الدنيا، واستراحت فى هدوء عظيم، يحسبه الناس إعياء وما هو كذلك، فهى تنصت إلى هذا المخلوق الجديد بسعادة فطرية بالغة، فرغم الجهد ورغم كل شئ. . كا ن يخامرها شعور لم يصل إلى درجة الوعى بأنها أكملت عملا مجيدا طوال أيام وليال عاشتها تسهم فى خلق وتكوين كائن حى جديد، ولعله شعور فريد تختص به المرأة الأم، ولعل هذا هو ما يميزها عن الرجل، ولعل هذا أيضا هو ما يدفع الرجل إلى محاولة المساواة بالمرأة (!) حين يحاول أبدا عملا أصيلا يعوض حرمانه من هذه القدرة الطبيعية على الخلق بمجرد الاحتواء، لعل. .
قال الفتى:
إذا فقد خرج صاحبنا إلى رحاب الدنيا مثل كل البشر.
قال الحكيم:
- نعم، ولكن رحاب الدنيا كانت أضيق من بطن أمه، فمنذ ملأ رئيته بالهواء، وملأ أذن أمه وجدانها بالصياح، ابتدأت عملية ملء، رأسه بالأوهام، فها هو يفرض عليه أسلوب الحياة الجارى بتتابع وتصميم يلفانه ويعوقان حركته تماماً مثل اللفائف التى قيدت حريته بعد ولادته.
فقد تم الانقضاض على كيانه بهذه الكوافيل والأوهام فى آن واحد، وكأنه ارتدى قميص الأكتاف الشهير، ويفسر الأهل هذه التلافيف 'بخوفهم' عليه: من الجو مثلا، والجو. . هو الطبيعة، وهو لم يزل جزءا منها، والطبيعة هى مصدر الحياة وأصل التوازن، فكيف تحمل ابتداء تهديد الخطر.
ولكن هل هم يخافون عليه فعلا أم يخافون منه؟ أليس فى هذا الزعم الأخير تفسير لهذا الانقضاض، المزدوج بالكوافيل والأوهام جميعاً.
ولكن من أين يأتى الخطر من هذا المخلوق الضعيف الذى لم يتشكل بعد؟
ربما يكمن فى أنه لم يتشكل بعد، فى أنه مشروع إنسان لم يصغ بعد مثلما صيغ أبواه ومجتمعه؟
أهو احتمال أن يتشكل بشكل مخالف هو الذى يبعث الخوف فى الجميع لأنه يهدد ضمنا أوهامهم التى عاشوا فى أمن سخفها - أو فى سخف أمنها - حتى ذلك الحين؟
أيكون هذا هو السبب الذى يجعلهم يسرعون بإدخاله فى نفس الجهاز ليخرج بنفس الأبعاد التى يعيشونها، وعلى نفس الهيئة؟
ويبدو يا بنى أنه كل ذلك معاً.
فمن قبل أن يحس له بكيان ما، أخذوا يسارعو بإغراقه فى دوامة من التعويد، بعد التقييد، فمثلا هو يتعود على ذلك الشيء البارد الذى يلامس مقعدته فى مواعيد منظمة مع ما يصاحب ذلك أو يتناوب معه من تأنيب وهجر وهو يمارس وظيفة لا تختلف فى نظره عن الأكل والشرب، بلى حتى الأكل والشرب كانا يتحددان بساعة على الحائط يحترمون دقتها أكثر من احترامهم دقاته هو، فليصح أو تدق عنقه. . . فالساعة لم "تدق" بعد.
يتبع...
وشم الجمال
07/05/2008, 19:07
وتأتى سائر الأحكام على هذا النمط الفريد.
وهو يستسلم لكل ذلك، ويحقق بهذا رغبة والديه فى أن يكون نظيفاً ظريفاً، صالحاً "للعرض" على الزوار مع التحف التى على المناضد والصور التى على الحائط، والسجاد الذى على الأرض وسائر المميزات التى تحدد نوع طبقتهم ومعالمها، وكانت نظافته وهدوءه ضمن هذه المعالم المميزة فضلا عن أنه كان يقوم بوظيفة تبرير حياتهم التى لا بد أنها لا معنى لها بدونه، وإلا لما أجابوا السائل - وربما فى ذلك أنفسهم - بأنهم إنما يعيشون من أجلهم (الأولاد), وكأنهم بغير الأولاد ليس لهم حياة قائمة بذاتها، فلو أن لهم حياة وذوات مستقلة، لتركوا للأولاد حياتهم وذواتهم، ولكنهم يقنعون أنفسهم - ويتبادلون الإقناع مع الآخرين - أنهم يضحون فى سبيل الصغار. . فى حين أنهم يحتوونهم احتواء ليضمنوا لأنفسهم انتشاراً أو استمراراً.
وهكذا يتحمل صاحبنا ضياع والديه، كما يتحمل خوفهم ونقصهم، ويختلط الخوف بالوهم بالضياع ليصبح قالبا يصاغ فيه الأولاد، وهو قالب متين مضمنون، يحفظ صاحبنا ويحافظ عليه. . يحافظ على حياته التى هى حياتهم التى هى 'لا شيء' على قدر إدراكهم، أو قل على قدر عدم إدراكهم.
قال الفتى للحكيم:
- ولكنى أراك تصف الوالدين بلا رحمة.
قال الحكيم للفتى:
- بل أنا رحيم بهما قبل أولادهما، فإن المأساة فى أنهما 'لا شيء' بإدراك أو بغيره، وهما فى خوف وحسن نية يحاولان أن يعددوا اللاشيء غير مدركين أن حاصل الضرب دائما لا شيء.
قال الفتى:
- ولكن الوالدين ليسا كل شيء. . فسرعان ما سيتكلم صاحبنا وينطلق ويعرف طريقه إلى العالم الأوسع.
قال الحكيم:
- نعم . . . ربما . . . وياليته فعل.
لقد كان خليقا به أن يجد القيود تخف عنه بعد أن أصبح ناطقا متحركا، فهو يستطيع التعبير عن نفسه فى المرحلة الجديدة، ولكن اللغة الجديدة فى صورة الألفاظ كانت عليه لا له، فقد سهلت سبيل تضييق الخناق، وبالتالى تحقيق الصياغة النموذجية 'اجتماعيا' ولو عددت لك الأمثلة ما انتهى الحديث أبدا، ولكنى أعرض عليك بعض النماذج الرمزية لمعانى الألفاظ، فقد أصبح لفظ 'الشارع' يعنى عنده الموت تحت العجلات، و 'السلالم' قصف الرقبة، و 'الظلام' هو الجان و 'القذارة' هى ابن البواب ... إلى آخر ذلك القاموس الذى تعرفه، وهو يعيش كل لفظ بمعناه المفروض عليه فى استسلام من لا يملك إلا الاستسلام، ولا تزال حصيلته تزداد بمرور الأيام لينمو قاموس المعانى بسرعة فائقة ويشمل أبوابا وفصولا جديدة تزيد حبكة الصنعة الاجتماعية فلا بد بعد أن تزدحم الصفحات من أن تصنف وتقسم: ففى فصل العيب، باب الحرام - مثلا - نجد ألفاظا تشير إلى أعضاء فى جسمه وأفكار فى رأسه، وعواطف فى صدره، وقد كانت تغلبه الحيرة، حتى وهوفى استسلام من لا يملك إلا الاستسلام، فيتساءل: لماذا خلقت هذه الأعضاء والعواطف ما دامت عيبا أو حراما
ويوضع فى رأسه - أى يقال له - إنها إنما خلقت لنخفيها، أو حتى لنحاربها، فيخجل وينكمش، ويستسلم أكثر.
يتبع...
وشم الجمال
07/05/2008, 19:08
قال الفتى للحكيم.
- ولكن هذا يحدث لكل الناس.
قال الحكيم:
-وربما كان هذا مأساة كل الناس.
قال الفتى:
- ولكن يبدو أنه لا بديل لذلك.
قال الحكيم:
- بل إننا نحاول أن نجد البديل، إذ نتدارس الحكمة الملقاة على الطريق فى صورة شظايا النفوس المتفجرة بدل أن نجمعها لمجرد لصقها لنمنع الأذى عن أنفسنا.
قال الفتى:
- ولكن ماذا فى الشظايا المتناثرة من حكمة.
قال الحكيم:
- إن لبابها الفطرة. . وهى أظهر ما تكون فى الشظايا عنها فى الكيان المغلق المتكامل والفطرة هى الحقيقة . . فالمعرفة . . فالحياة.
قال الفتى:
- ولكنه طريق صعب.
قال الحكيم:
- ولكن حياتنا تستحق كل صعب، إذا كان لنا أن نحياها
ونطورها . . وإلا فإن المصير كله ألم وضياع . . مثل ما حدث لصاحبنا.
قال الفتى:
- وكيف كان ذلك؟
قال الحكيم؟
- حمل صاحبنا قاموس الألفاظ بمعانيها الضخمة الفخمة، ومضى مكبلا بلفافات المجتمع وكوافيله يتحدث بلغة مفروضة ليس من حقه أن يسأل عن مصدرها، ومضى فى سعيه على طريق أكثره ممهد رغم ما به من قلاقل، كان ممهداً لأنه قد سار عليه طريق كثير كثير، ولا يعنى أنه مهد أو أنه طريق الكثرة . . أنه طريق الصواب . . , ولعل أسهل الطرق هى أسرعا توصيلا إلى الضلال.
قال الفتى:
- ولكن أى قلاقل فى الطريق ما دام ممهدا.
قال الحكيم:
-مثلا، حين ثارت وظائفه الحيوية فى سن المراهقة على بعض جاء فى القاموس الثقيل فى "باب العيب فصل الحرام": وذلك أن غدده الصاء فى فورة إفرازها لهذه الهرمونات "العيب" لم يكن عندها
خبر مسبق بما أحدثه الوالدان والأقربون فى مشاعره، فتقوم معركة عنيفة فيها آلام وتأنيب وتهديد وتكتم، ومن عجب أنه فى هذه المعركة كان يتبنى المعانى المحشورة فى رأسه، ويستعملها ضد الثورة العضوية الهرمونية، وكان بالنسبة لأعضائه مثلما كان الوالدان بالنسبة له سابقا، وتهدأ المعركة ظاهريا وتزداد السلاسل ثقلا والهدوء ظهوراًَ، ويصبح مثالا رائعاً "يحتذى".
ولا زال الأهل وغيرهم يعتبرونه من أجمل التحف التى يمتلكونها وأثمنها، ويعزون صفاته الممتازة: إما إلى طبعهم الذى أورثوه إياه، وإما إلى طرقهم 'الحديثة' فى التربية والتوجيه، والجميع يتحدثون عنه - لا... معه-، وهم يتمنون، بين أنفسهم أو علانية، اقتناء مثله، أو صناعة تحفة على شاكلته.
***
وفى وسط هذا النجاح، والهدوء، والتباهى، تبدأ التجربة.
قال الفتى:
- فهو المرض.
قال الحكيم:
- أو هو طريق العرفة أو الحياة فى فطرة سهلة منطلقة.
قال الفتى:
- فهى الصحة
قال الحكيم:
- لو أكمل الطريق . . .
ففى ذات يوم، أو قل ذات صباح بعد ليلة طويلة سوداء - مثل ليال كثيرة فى الفترة الأخيرة، قام صاحبنا وفى رأسه دوار وفى عينيه زيغ، وفى أذنيه طنين، وكان للطنين وقع خاص، وحين ركز صاحبنا على انتباهه سمع شيئا كالهمس آت من بعيد، وسرعان ما أخذ يقترب ويعلو ويتميز، حتى كأنه يقول شيئا ما. . نعم: إنه يكاد يتميز وسط الضجة الصاخبة نعم إنه يسمعه يزداد ووحا. . إن الهمس أصبح كلاما .... أصبح لفظا واضحا، أنه يقول 'لا' وتلفت حوله ى ذعر ليقع نظره على الحائط فيراها مكتوبة بين النقوش 'لا'
ويقوم مذهولا يطرد عن نفسه آثار النوم ليجد نعليه وقد تقاصا بجوار السرير على هيئة 'لا' ويحاول أن يقول إنه الحلم، أو ما بعد الحلم، ويحاول أن يغمض عينيه وأذنيه وفكره جميعاً، ولكنها كانت 'لا' ثابتة واضحة أكيدة لم تكن مجرد اعتراض أو احتجاج عابر، كانت رفضا راسخا عنيدا، ليس مثل عصيان الطفولة أو خلف الصبية، ولا هى مثل معركة المراهقة حيث المعارضة والتطويع يسيران معا فى نفس الوقت، ولكنها كانت شيئا جديدا واثقا أكيدا، وأخذ يتحسس صدره يحاول أن يخفف ضيقه وضجره، فإذا به يعثر على ذلك السفر الضخم رازحا عليه كالهم الثقيل، إنه قاموس الألفاظ ... حصيلة العمر ... مفسر المعانى العظيم "المرشد الاجتماعى ... فى حسن المساعى".
يتبع...
وشم الجمال
07/05/2008, 19:09
وقال: لا ... لابد من تمزيقه إلى غير رجعة، وحين أخذ يمزقه صفحة صفحة وهو يعجب كيف تحمله كل هذا الزمن، أحس بالثقل ينزاح ليترك راحة شاملة، وعاد يتحسس موضعه ليطمئن لا ختفائه فوجد فراغا هائلا، واطمأن . . . فالفراغ يعنى أنه زال فعلا، ولكن ما باله يحس بالفراغ يمتد إلى سائر أجزاء نفسه؟ بل جسد، والتمزق؟ لماذا يحس هو ذاته بألم التمزق مع فراغ كيانه؟ وتساءل: هل مزق قاموس الألفاظ أم مزق ذاته؟ هل أزاح الثقل المعوق أم أزاح كيانه؟ أين هو وسط الحطام؟
لقد كان يريد أن يتخلص من الألفاظ فقط، فلماذا ذهبت المعانى معها؟ هل معنى ذلك أنه لم يعد هناك معنى لأى شيء؟ إنه يكره الألفاظ ولكنه لا غنى له عن المعانى، كيف يعيش بلا معنى ولكن كيف يحتفظ بالمعانى دون الألفاظ؟ هل لا بد أن تصاغ المعانى فى ألفاظ؟ ولكن الألفاظ إرتبطت بأشياء مفروض فكيف تبقى - إن كان لا بد لها أن تبقى - دون ما يصاحبها من فرض وقهر وخوف وأوهام؟ هل يحتفظ بالألفاظ دون مصاحباتها؟ ولكن مصاحباتها هى التى جعلت لها معان بذاتها، إن اللفظ هو فى نفس اللحظة معناه، هل يمكن تفريغه ثم ملؤه من جديد؟
ووجد أنه لا يستطيع أن يحتفظ بالمعانى دون ألفاظ.
ولا يستطيع أن يحتفظ بالألفاظ دون معناها المفروض.
ووجد أنه لابد أن تبقى الألفاظ حتى يبحث لها عن معان جددة، ولكن إلى أن تأتى المعانى الجديدة . . . متى؟ وكيف تأتى المعانى الجديدة؟
كيف يتلاشى وهو يبحث عن الوضوح؟
كيف تضيع معالمه وهو يحاول تحديد ذاته؟ أو تجديد ذاته؟
ووجد نفسه حلقة وسط حلقات متشابهة تلف بسرعة فائقه فى تداخل عجيب، ووجد الأشياء تختلط ببعضها . . . ودخل التجربة ليعيش الألم والضياع.
قال الفتى
- وهل قال الناس عنه أنه مريض حينذاك.
وقال الحكيم:
- ليس بعد، الناس لا يهمهم ما فىصدور الناس بقدر ما يهمهم ما يظهر منهم فى مجالات احتكاكاتهم معهم، فلو أن كل الأفكار التى يقولون عنها أنها أفكار شاذة أو حتى مجنونة ظلت فى عقل صاحبها فإنهم لا يهتمون بها، ولا يتعبرونها خللا حتى ولوتأكدوا من وجودها، ولكن حين يطلقها صاحبها عليهم، حين تهددهم بأن يكتشف زيفهم، حين يشعرون فيها إغراء مواجهة حقيقتهم التى هربوا منها وراء جدران قيم تحميهم بقدر ما تحجب عنهم الرؤية، حينئذ فقط يبدأون فى الاعتراض والامتعاض، ثم التجمع والتحفز، ثم الهجوم والعدوان، وتنطلق صفات المرض، ونعوت الخبل على مصدر التهديد ذاك، وتخرج من القاموس ألفاظ التخريف والشذوذ والهوس والجنون.
يتبع...
وشم الجمال
07/05/2008, 19:09
***
ولم يكن صاحبنا حتى هذه اللحظة قد أعلن شيئا يخافون منه، كان مازال يناجى نفسه:
"إذا كان هذا زيف كله . . . فأين الصواب؟".
وبنفس متمزقة مع قاموس الألفاظ حاول أنيلم أجزاءه لدبر أمره، فلم يستطيع، وسكت، وطال سكوته، ولم يكن هذا غريبا عليهم منه، ألم يكن من طبعه الهدوء، فلابد أنه زاد بالسن هدوءاً . . . وعقلا (!), والهدوء عند واضعى القاموس ومؤرخى الصفات من علامات العقل الكامل. ثم جاء النذير. . .
فقد انصرف صاحبنا عن الدرس والاجتهاد المعهود فيه، فابتدأ الانزعاج مع الدهشة، وتصوروا أنها عين حسود حاقد. ألم يكن تحفة غالية تعرض دون معناها المفروض على الحبيب وغير الحبيب، ألم يكن وجهه يخطف الأبصار فى صالة العرض الاجتماعى؟ لماذا خفت البريق؟
وحاولوا أن يزيحوا التراب حتى تزهو التحفة مرة ثانية أمامهم وأمام الضيوف، ولكنهم وجدوا أن انطفاء البريق ليس نتيجة تراب يزاح، لقد ذهب فعلا من الجوهرة، هل يعقل أن تكون جوهرة مزيفة وقد خدعوا فيها؟ وحاولوا أن يعزوا ما كان لسبب من الأسباب غير الأسباب التى كانت مدعاة فخرهم حين كان موضع فخرهم، فهم السبب فى الوهج والأصالة والجمال. . . طالما هناك وهج وأصالة وجمال، وغيرهم هو السبب فى غير ذلك، وهم لن يعدموا أن يجدوا سببا يفسر استبدال نظرات الإعجاب بمصمصة الشفاه، فبعد الحسد يمكن اتهام المدرسة، أو إخوان السوء أو حتى العادة السرية - قالوها همس وتردد.
قال الفتى:
- وهل قالوا عنه حينئذأنه مريض؟
قال الحكيم:
- لم يكن الأمر سهلا عليهم كما تظن، فلو أن حى أصابته لأعلنوا النبأ بلا توان لأن السبب معروف، وهو خارج عن إرادتهم قد بجلب الشفقة أكثر مما يجلب اللوم، ولكنه بالنسبة لهذه الأمراض شئ آخر. فإن خشية اللوم - ولو حتى لوم أنفسهم - يجعلهم يترددونويتلكأون فى إعلان مايلاحظو، أو هم ينكرونه حتى يفرض نفسه عليهم فرضاً.
يتبع...
وشم الجمال
07/05/2008, 19:10
قال الفتى:
- وكيف فرض نفسه عليهم حتى اعترفوا به.
***
قال الحكيم:
- تجمد صاحبنا عند 'لا' وأصبحت تلاحقه فى أفكاره مشاعره جميعاً، ووقف عندها كل شىء . . . أو قل ذهبت هى بكل شيء حتى ما يعتبره الناس بديهيا.
وذات يوم جمع صاحبنا شتات نفسه وذهب إلى والده، وكان هذا ممسكا بمجلة دورية، وقد تمدد على مقعد طويل عريض فى شمس يوم دافىء من أيام شتاء ما، وكان يجتر الكلمات يعنيه فى ذات الوقت التى تحاول معدته أن تقوم بالواجب إزاء الحمل الثقيل الذى ألقاه إليها من وقت قصير، وحين خف العمل الهضمى قليلا وصعدت بعض الدماء إلى الرأس، أحس أنه يستطيع التفكير بدرجة تسمح له بالانتقال إلى الصفحة الأخيرة من المجلة، حيث تكمن مسألة من مسائل الكلمات المتقاطعة، وانهمك يبحث عن كلمة تصلح للعمود الرأسى والأفقى فى آن واحد، وفى اللحظة التى شعر فيها أنه "وجدها" كان أنف صاحبنا فوق رأسه، وحين تنهد الولد تنهيدة عظيمة . . . فوجيء ببقية الرأس تطل عليه من أعلى كتفيه ثابت النظرات جامد التعبير، وخرجت منه "لا" وكأنها خرجت من جوفه مباشرة، قد كانت شفتاه شبه مضمومتان؛ وقال الوالد فى تحد انتصار.
- بل "نعم"، و أكمل: لأن الكلمة هى "الرباط"، وهى تكمل العامود الرأسى فهى اسم البلد العربى، وتتناسق مع العمود الأفقى حيث "رأس الحكمة" اسم الشاطئ بمرسى مطروح، وما إن سمع صاحبنا ألفاظ "الرباط" و "رأس الحكمة" حتى أحس بالرفض يتملك كل خلية من خلاياه؛ الرباط هو القيد الذى يكاد يخنقه، أما الحكمة التى علماه إياها فهى الخوف بلا حدود ولا سبب.
وقال وكأنه يتكلم من بطنه ثانياً: لا
وأخذ الوالد يعيد دفاعه متحمسا أشد الحماس وأبلغه، ولكنه لم يجد استجابة لكل هذا الدفاع والحماس و سأل ابنه فى تحد:
- إذاً ماذا؟ إذا لم تكن هى "الرباط" فما رأيك؟
قال صاحبنا: رأيى أنى لست أنا.
ورد الوالد بأن هذا ليس وقت المزاح، ولكنه لم يكن مطمئنا لما يدور. . فهو لم يتعود من ابنه هذا العبث الجامد، ونظر إلى الوجه ملياً يداخله شعور بالتوجس، لقد كان وجها ممسوحا أملس لم يتبين فيه ملامحه العادية، ففيما عدا النظرة العميقة الثابته التى تطل من العينين لم يعد يميز الأنف من الصدغين من الشفتين من غيرها، لقد كان أمامه عينان تطلان من شيء مسطح أملس من اللحم الشاحب كالموت، وحين عاود المحاولة لتخليق الوجه أمامه من هذه الكتلة الملساء كاد يرى الموت نفسه يزحف إليه، وانصرف صاحبنا وهو ينتفض ظاهراً وباطناً.
وبدا للوالد أن الأمر جد خطير.
يتبع...
وشم الجمال
07/05/2008, 19:11
***
قال الطبيب الباطنى: لا حمى ولأ يحزنون لعله إرهاق الاستذكار أو قلة النوم أنا لا أجد مبررا لكل هذا الانزعاج.
قال الوالد: ولكنه يقول. ولم يكمل.
قال الطبيب: يقول ماذا؟. . ماذا يقول؟
قال الوالد. يقول "لا"
ولكن الوالد أدرك لتوه أنه تخطى الحدود التى اتفق عليها مع زوجته، وكما توقع ... فقد كانت سهام نظراتها فى حلقة، وبطريقة ما انحرف الحديث عن مجراه.
وبعد مناقشة " ثلاثية" فى الأسعار والسياسة والقسمة والنصيب، انتهى فنجان القهوة.
وانصرف الطبيب.
***
قال الفتى:
- فهو المرض.
قال الحكيم:
- هو الفراغ بديلا عن الحشو الفارغ، وهو الرفض الكامل بديلا عن القبول الكامل. ثم امتلأ الفراغ بكتلة هائلة من المعانى الفطرية غير المميزة. كتلة لزجة ليس فيها تمييز وليس لها معالم، وبدا فى تصرفاته وديعا كالطفل. . حين يفرغ رأسه من كل شيء إلا الطبيعة المتصلة بأصل الوجود.
ثم شابا يائسا حين يضيق عليه الخناق ويطالب بالسير فى الموكب القديم.
ثم ثورا هائجا حين يتصارع مع ذاته. . أو مع الظللال الذى يملؤها، الشيء الذى لم يتغير هو القوة الداخلية الدافعة له كى يحاول أن يجد شيئا. . وحتى يجد 'شيئا' لا بد أن يكون 'شيئا' أولا، كانت هذه القوة - زمان - موجهة إلى الدرس والتحصيل، وأصبح ليجدها موجهة إلى الحقيقة داخل نفسه، ونفسه تكاد تتمزق تحت وطأة الضياع والضغط معا، فتكاد القوة تصبح عامل تحطيم لا دافع توجيه.
وحاول فى أوقات تصالحه مع أجزائه وتجميعه لها بجهد حاول أن يجد ألفاظا جديدة للمعانى القديمة، حتى المعانى الحقيقية للألفاظ القديمة. .
وحين بدأ يتحدث عن ذلك قالوا هم هذه المرة 'لا ' وجاءوا به إلى.
وهكذا رأيت صاحبنا لأول مرة.
***
جاء متردداً خائفاً من كل جديد أو قل من كل قديم، فما دمت من الطاقم الانسانى الاجتماعى التقليدى، فليس هناك فى الأمر جديدد، فأنا أحمل نفس الخطر الذى يحمله الآخرون 'فرض المعانى فى قالب ألفاظ فارغة لتصنع عقولا جوفاء' وأنا مثل الآخرين لأنى أعيش لهم ومعهم وبهم، ألست ارتزق من مسايرة أوهامهم؟ هكذا كان يفكر.
وبعد رواية الوالد المنزعج المسكين، والأم الولهى المشتتة عن "الحال"، وما كان مما "لا يصح" "ولا ينبغى"، ولا "يجوز" دخل هو زانغاً ذاهلا، محصنا باللامبالاة، شاهراً حوله أسلحة الشك المضادة للواقع الذى رفضه.
وفجأة سألنى عما ألبس حول عنقى
قلت: رباط عنق
فضحك
فضحكت
وأحس أنى فهمت لماذا ضحك
وأحسست أنه فهم أنى فهمت، إذاً فمازال هناك احتمال أن يوجد من يفهم ما فيه. . ولكن سرعان ما ثارت الأسلحة المضادة وأطلق نظرة حذرة طمست الطريق الذى انفتح بيننا، وتوقف الاتصال الذى ظل لحظة من زمان.
والتفت إلى والده الذى بدا عليه الحرج فجعل يعتذر بأن لابنه أسئلة لا معنى لها.
ورفضت الاعتذار علانية "فربما نحن الذين لا نفهمها".
واستأذنت أن يدعونا معاً، وخرجا وهما مترددان، وزاد تحوصل صاحبنا فى قوقعة الشك واللامبالاة، قلت:
- وبعد؟
- إذا ماذا؟
- نعم ماذا؟
- أنت تتصور أنك تعلم. . كل شيء
- بل أحاول أن أ تعلم. . كل شيء
- تتعلم فى؟
- بل أتعلم منك
- ماذا ستجد فى الفراغ؟
- الفطرة التى تملأ الفراغ. . . أصل كل شيء
يتبع...
- لا بد أن يكون هناك شيء ليكون هناك أصل
- ولابد أن يكون هناك 'أصل ' ليكون هناك 'شيء
وشم الجمال
07/05/2008, 19:11
سكت قليلا قال:
- وهل تبقى بعد أن تحطم كل شيء
- لابد أن نصنع من القديم جديدا. . .هذا هو الطريق
- وهل هناك جديد
-كل قديم جديد. . . ما دامت الحياة تسير
- ولكنها عندى لم تعد تسير
- بل أنت فى "محطة" تتأهب فيها للمسير
- يبدو أنك تحاول أن تفهم
- لنبدأ من الصفر
- ولكنى أنا الصفر ذاته، حين يصبح لا معنى لأى شيء، حين تفقد الألفاظ دلالتها، حين تصبح العواطف فجة فجاجة الجبال والمحيط. . . . يضيع الطريق . . ويختلط كل شيء بكل شيء.
- فلنحاول أن نرى من حيث نحن، ونعرف من أين، حتى نعرف إلى أين.
استمر فى نظرته وكاد يصمت ولكنه قال فجأة:
- إذا كان الظلام. . . كان الخوف، وإذا كان الخوف كانت الطاعة . . . وإذا كانت الطاعة فى ظلام كان الضياع، وإذا كان الضياع كانت النهاية، وآه لو صحوت قبل نهاية النهاية. . . آه لو رأيت الموت وهو يزحف إليك.
- المهم أن يوجد من يفهم ويحس أن يوجد طريق. . . ورفيق
- فأنت تدعى الفهم
- بل أحاوله
- ولكنك مثل الآخرين
- لا أختلف كثيرا ولكن
- ولكن ماذا؟
- ألا تحس بهذه الـ "لكن"
- أنا لا أحس بشيء ولا أفهم شيئا ولا أريد شيئا غير حريتى، أنا سجين الألفاظ. لن أستعملها بعد ذلك. . . سوف ألزم الصمت.فالننه الحديث
- فلننته منه أولاً
- وماذا تعنى هذه 'لكن'
- إننا نحس بنبض الألفاظ دون حاجة إلى تعريفها بألفاظ أخرى ربما زادتها غموضا، بل إننا قد لا نحتاج إلى ألفاظ كثيرة إذا شعرنا بنبض القليل منها
- وهل للألفاظ نبض؟
- هو نبض الحياة. . . إذا صدقت
- وهل للحياة نبض؟
- هو نبض الحقيقة
- وهل هناك حقيقة؟
- هناك طريق إلى الحقيقة
- وهل نصل؟
- لا أعرف، ولكنى آمل. . . المهم ألا نخاف السير . . . إنما علينا أن نخاف الوقوف
- فما الداعى . . أصلا
- ما أنت فيه: هذه القوة غير الموجهة لابد أن توجه
- كفى توجيها
- ولكنك أنت الذى ستوجهها وإلا انفجرت فيك
- ولكن أين أنا الذى سيوجه، فلتقم القيامة
- ولكنها لا تقوم الآن. . . ولابد أن نصنع شيئا لما أنت فيه
- وما الذى أنا فيه؟ أنا صفر داخل كرة من الفراغ لا جدار لها
- ولكنك تحس بهذا
- أنا كتلة من التداخل، أنا الفراغ مليء بالضياع، أنا هو أنا الذى هو لست أنا
- فلابد من إعادة التوازن
يتبع...
وشم الجمال
07/05/2008, 19:12
عادت إلى وجهه نظرة التوجس مترددة وقال:
- آه. . .دخلنا فى الاتزان والتوازن، والتعقل والأصول و الكافولة فالسلاسل. "والذى يصح والذى لا يصح" أنت لا تفترق عنهم
- لا أختلف كثيرا "ولكن"
- فما هذا الذى حول عنقك؟
- أنت تعرف
- ولماذا لا تضعه حول رأسك؟
فضحكت
فضحك
وعاد الطريق الذى ينطمس للظهور، وقبل أن يختفى وراء دخان الشك مرة أخرى. . . قلت:
- هل نتفق؟
- على ماذا؟
- على رفقة الطريق
- لن أخسر شيئا. . فليس عندى شيء أخسره
- بل عندك شيء تكسبه
- ماذا ترى هناك
هذه القوة المهددة . . لو تجمعت هى كل شيء
- كنت دائما أحس بها أقوى مما يظنون، كانوا يوجهونها دون إرادتى كان هدفهم أن يعلمونى ليتباهوا بى أمام أصدقائهم وأعدائهم على حد سواء كانت قوة أرقام ومسابقات كانت طريقهم
للزيادة بغير هدف. زيادة المجموع فى الدراسة، زيادة النقود، زيادة الزيادة، كنت كالسجادة - فى حجرة المقابلة - يزيد قدرها بزيادة عقدها، وتزيد قيمتها بزيادة الدهس عليها، وهى فى النهاية رمز لطبقتهم ودليل ذكائهم - هذه القوة كانت لتجعلنى تلميذا مجتهدا، ومظفا نجيبا ورئيسا مهيبا، ثم شيخا محطما وجثه منسية.
ولكن هذه القوة كانت أكبر مما يحسبون، ومن شدتها دخلت المنطقة المحظورة، وأكلت الفاكهة المحرمة، وحين قلت "لا" قامت القيامة.
قلت:
- ليس بعد
- ولكنها الآن قوة مشتتة ضائعة بلا فاعلية، لقد استهلكها عملية الرفض والتحطيم . . حين رفضت واقعى حطمت فيما حطمت ذاتى، وحين عدت أبحث عنها وجدت حلقات الفراغ وأكوام التكاثف، قد أشعر بهزة هنا ورعشة هناك ولكنها تنزلق فى تشتت عجيب
- ولكنها متجددة دائما. . . هذه طبيعتها
- أنا لم أعد أحس بشيء غير الضياع
- ولكن هذا لا يعنى أنه ليس هناك شيء
- إذا كان هناك شيء آخر فلماذا لا أحس به
- سوف يتجمع. ثم تحس به ثم تنطلق . . . فقط لابد أن نعرف من أين وإلى أين.
- ماذا ينطلق؟
- أنت
- ولكنى لست أنا، لقد كنت كما أرادوا، وكان الدفع فى عكس اتجاه الطبيعة، وحين وقع الصدام تحطم كل شيء وأصيب الجميع بشظاياى.
- ولكنك "مازلت"
- بل كنت زيفا ووهما
- ولكن وراء الزيف: أصالتك "أنت"
- كان مشروع إنسان لم 'يصبح' بعد
- بل "يصبح"
يتبع...
وشم الجمال
07/05/2008, 19:13
- وكيف أصبح بعد ما تمزقت
- بأن تحس أنك أنت، وأنك لست وحدك
قال ولكنى وحدى، بل يا ليتهم تركونى وحدى. . فلا تخدعنى أنت أيضا
- فلنحاول
- ولكنى خائف
- من ماذا
- من أن تعلمنى ألفاظاً جديدة لا معنى لها
- بعد هذه التجربة لا يستطيع أن يعلمك أحد إلا ما تريد
- ولكنى لا أعرف ماذا أريد
- تريد أن 'تكون ثم 'تصبح'
- ما أقسى التمزق والضياع
- ليس لطريق المراجعة والبناء بديل
- لماذا لا تدعنى فى هذا الفراغ بلا حدود
- لأنه "ما أقسى التمزق والضياع"
- وهنا صاح بأعلى صوته:
- آه. . . آه
وحين دخل والده على صياحه ارتدى قناع اللامبالاة وعاد وجهه كتلة ملساء من اللحم البرد تطل منها نظرة فيها شعاع خافت قد يلمع من بعيد أحيانا ثم ينطفئ.
***
وانصرف الجميع على موعد
ولكنه قبل أن يخرج التفت إلى فجأة ليقول:
"لا تكن واثقا من نفسك هكذا".
قال الفتى للحكيم:
- لقد كان على حافة الهاوية
قال الحكيم:
- أو كان على حافة الانطلاق، فهما حافتان متقاربتان على كل حال وكثيراً ما يحدث الانطلاق حتى بعد التردى فى الهاوية، فالقوة الدافعة واحدة.
قال الفتى:
- ولكن ما هذه القوة التى تتحدث عنها وكأنها كل شيء فى الإنسان: الخير والشر، الانطلاق والتحطيم، الخلق والجنون
قال الحكيم
- إنها قوة الإنسان الفطرية التى يطور بها ذاته وجنسه جميعاً
قال الفتى:
- ولكنها كثيرا ما تنزلق به دائرة مغلقة أو طريق خطر.
قال الحكيم:
- ولهذا لا بد أ نفهم طبيعتها واحتمالات مدارها
قال الفتى:
- فما هى طبيعتها واحتمالات مدارها
قال الحكيم:
-- أما طبيعتها فهى قوة كل كائن حى. وهى متطورة وبناءة ما وجدت إلى ذلك سبيلا. وهى فى الإنسان أكثر قوة وتميزا، أما احتمال مساراتها فهذا يتوقف على أشياء وأشياء.
قال الفتى:
- مثل ماذا؟
قال الحكيم
- مثل لزوجة المجتمع أو زيف الهدف
قال الفتى:
- فحدثنى عن شيء من هذا أو ذاك أو عنهما معاً.
- قال الحكيم:
- أما حديث الحياة اللزجة فهو حديث "المحترم" الذى التصق بكل شئ فالتصق به كل شئ فعاش كلا شئ.
قال الفتى:
وكيف كان ذلك؟
وشم الجمال
07/05/2008, 19:14
:shock::shock::?
الله يعطيكي العافية يارب :Dبانتظار البقية
الله يعافيك بس يا ريت يكون بفايدة لانو جد ثراء نفسي مو طبيعي
ماشا الله عليكي وشم
ذوقك جميل
:ss::ss::ss:
وذوقك اجمل يا وردتي...ومرة تانية بتمنى الفايدة
موضوعك شديد الثراء لحد تعلقي به
:D
ألن تتابعه؟؟؟:D
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة