-
دخول

عرض كامل الموضوع : سنكون معاً


shortstoryy
01/05/2008, 07:07
دخل غرفته الصغيرة كانت الأشياء مرتبة. سرير صغير وطاولة خشبية وعلى ظهرها مجموعة من الأقلام وبعض الورق ومزهرية فخارية جميلة. وعلى أقصى الطاولة مسجله القديم نظر من الشباك كانت العتمة تلف الحي ولا أحد في الطرقات ولا صوت سوى صوت إعلان منع التجول. أغلق الشباك بعد أن سقط المطر فهو لا يملك مدفأة والبرد كان شديداً. هذه الليلة كانت الأهم بالنسبة له ففي مثل هذا اليوم وفي مثل هذا الوقت خرج إلى الحياة أراد أن يحيي يوم ميلاده على طريقته بلا ضيوف أو أصدقاء.! بلا حلوى أو زينة اعتاد مثل هذه الطقوس منذ بضع سنوات. كان يحاول كل مرة أن يستعيد لحظة الميلاد وأن يستشعر وقت الخروج للحياة ليفهم المعنى الكامن خلف الولادة وليعيش لحظة التحول من العدم إلى الوجود. عندما يحدث أصدقاءه عن أجوائه تلك كانوا يضحكون أحياناً وأحياناً يتهمونه بالتفكير فيما لا قيمة له. لم يؤثر ذلك عليه لأنه امتلك شخصية مرهفة ومحبة للمعرفة وللفلسفة وكذلك للشعر. كانت الليلة مختلفة عن سابقاتها ففيها لابد أن يفكر بها. اسمها آلاء. كانت بالنسبة له أكثر من امرأة كانت خلاصاً. هكذا اعتقد ومن خلالها وجد العالم أكثر جمالاً.أهو خلاص وهمي؟ قال في نفسه وإن كان وهماً. يا لقبح هذه الحياة. أيكون الوهم أعز عندما تعني الحقيقة الانكسار واليأس. أحياناً كانت نظراتها توحي له بحبها وأحياناً أخرى تتجاهله وكأنها تراه للمرة الأولى أدرك كم هي المرأة غيبية وكم يصعب على الرجل فهمها وهي بذلك كما الآلهة فهي تصنع الحياة وهي تصنع الموت أيضاً فتحيل الإنسان إلى الرضى أو السخط. إلى الإيمان أو الكفر.‏

أيؤمن بها أيؤمن بفتاته المنحازة للضباب؟ حاول! أن يضع نفسه في كفة وهي في الكفة الأخرى فهل يتعادلان؟ أهو يستحقها أويكفي حبه الكبير لكي تمنحه قلبها؟ عندما ينظر في المرآة ليتأمل ذاته ووجهه كان يعشق عينيه الجميلتين ويرى نفسه جميلاً وكم كان يزهو بذلك. وعندما يراها غير ملتفتة إليه يعود لمرآته مسرعاً فلا يرى سوى وجهاً كئيباً بدت عليه ملامح السنوات المرة. صارت آلاء هاجسه الدائم ولم تعد تغيب عن باله ومع كل يوم ازداد حباً لها وازداد حزناً أيضاً وكان إحساسه بالعجز كبيراً فماذا يملك هو سوى الحب وهل يقدر على مهرها وهي بنت تاجر كبير يملك أموالاً لا تحصى بعد أن توفي والده ترك له غرفة صغيرة وبعض أشجار الزيتون وأوصاه قبل أن يموت ألا يفرط بها. في هذا العام كان الموسم جيداً أما في العام الماضي فلم يكن كذلك. هكذا حال المواسم عام مثمر وعام بلا ثمر وها هي الأموال التي كسبها من بيع الزيت بدأت تنفذ في كل يوم يخرج للبحث عن وظيفة منذ أن تخرج من الجامعة ولكن بلا فائدة.‏

حاول العمل في إحدى المستوطنات كغيره من الشباب رغم عدم إيمانه بذلك لقد آلمه التعامل السيِّئ الذي يلقاه العمال من صاحب العمل اليهودي. في إحدى المرات جاء ذلك اليهودي إلى بيارة البرتقال التي يعمل بها فوجد فتى صغيراً لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وهو يكلم صديقة. قال له اليهودي: يا حيوان ثم انهالت الشتائم على الفتى وعلينا سكت الجميع مرغمين.‏

أما هو فقد أحس حينها بأنه بلا اسم. أهو هو أذاك الفتى هو أسامه؟ أهذا العم أبو أحمد؟ هل يبقى للأسماء معنى؟ ألم يلغي هذا اليهودي كل الأسماء الجميلة؟ ماذا سيفعل الليلة وبما يفكر وعلى أي شكل سيحيي حفلته.‏

أعد قهوته بدون سكر كما اعتاد دائماً وصبها في الفنجان الأخضر وأشعل آخر سيجارة لديه. أدار مسجله ليستمع لموسيقاه المفضلة أنها لموسيقار كبير اسمه ياني وهي موسيقى تصور الحياة وتكرس الإحساس بها ولكنها أيضاً تفرض الحلم والمستقبل. المطر لازال ينهمر وأغصان شجر اللوز تتدلى على الشباك.‏
تراءت له صور مختلفة. الحب والجوع والموسيقى ومنع التجول وأخيراً استل النوم ليخطف يقظته فغرق في نوم عميق عندها بدأ الحلم. كان يحلم بها هي وهو معاً. حوى الحلم كل الأشياء الواقعية. موسيقى ياني والمطر وشجرة اللوز ولم يغب سوى صوت الرصاص ومنع التجول. أعطاها زهرة لوز بيضاء. صمتا طويلاً ثم قال: كيف سيكون بيتنا. صوت الرصاص عاد من جديد وبدأت القذائف تنهال على البيوت. وتوقف الحلم عندما سقطت إحدى القذائف على غرفته. خرج أهل الحي وتجمعوا ليروا ما حدث كان الدخان يتصاعد والنساء تبكي وكذلك الأطفال خوفاً وحزناً عليه. تفحص الناس الغرفة لم تهدم كلها وكانت هي تقف بين الزحام تتأمل أشياءه المتناثرة وبعد لحظات توقف القصف وخيم الصمت عندها انبعثت الموسيقى من جديد.. أدركت هي أن الحلم سيكتمل وقالت بصوت عال: بيتنا يا حبيبي سيكون صغيراً لكننا سنكون معاً.‏