dot
30/04/2008, 23:33
بقلم : فايز فوق العادة
تعريف الحلم: الحلم يحدد الأنا، الحلم صور (تقطع) واليقظة (استمرارية)، الحلم والحياة الواعية من طبيعة واحدة: اليقظة: عينية إدراكية، الحلم: عينية فكرية.
الحلم باعتباره تأكيد لاستمرار حالة الوعي التي يبدو أن النوم يحاول تغييبها (لأن لا شي في اللاشعور يزول) ففي النوم تطلق المنظومات العصبية نبضات دورية وكأنها تقول: أنا موجود، أنا مستمر.
الحلم لا تستغرقه التفاصيل وإن بدا تفصيلياً لأنه يتناول حالة بمجملها، فالحلم وعي محدد مخلخل، والوعي حلم مركـّز، فما تخلقه الذات هو المهم والأساس في استمرار الوجود لذا النوم استمرار اليقظة ودليل ذك أن النائم إذا ناديته باسمه يستيقظ وعدا ذلك فلا يفعل.
إن الكون حريص على استمرار وجوده، إنه يوقظنا أثناء النهار بقوة الشمس الهائلة مطلقاً وعينا إلى أقصاه، وفي الليل حيث يثابر الكون في تواجده تفعل النجوم نفس الفعل لكن بدرجات أقل فتحر نفس الوعي بشدات أخفض فيما نسميه الحلم.
إن احتدام الحلم الواعي أثناء النهار يؤجج الذات وينشطها بإيقاعات كبيرة فتملأ كل فجواتها بالنشاط وهذا يفسر طبيعة الحياة اليومية التي تستنزف الإنسان وتستهلكه بمعنى أنها لا تترك أية فرصة للإبداع.
في الليل الفعل الكوني الخالق للحلم أقل شدة، لذا تترك هوامش واسعة لحرية الذات كي تخلق ما تشاء من رؤى وأشعار وألحان وأفكار ونظريات (الأفكار انبثاقات للأحلام) من الظلمة كما النجوم بالنسبة للأقدمين ثقوب في الظلمة، من هنا كان النشيد الكوني الجبراني:
"أنت ظلام يرينا أنوار السماء (يقصد عملية الخلق التي يقوم بها الذهن).
والنهار نور يغمرنا بظلمة الأرض، أنت أمل يفتح بصائرنا أمام هيبة اللانهاية، والنهار غرور يوقفنا كالعميان في عالم المقاييس والكمية.
في ظلالك تدب عواطف الشعراء، وعلى منكبيك تستفيق قلوب الأنبياء، وبين ثنايا ضفائرك ترتعش قرائح المفكرين، فأنت ملقن الشعراء، والموحي إلى الأنبياء والموعز إلى المفكرين والمتأملين.
أنا مثلك أيها الليل، أنا ليل مسترسل منبسط هادئ مضطرب، وليس لظلمتي بدء ولا لأعماقي نهاية"
صناعة الحلم مثل صناعة اليقظة (إبداع وعملية خلق)، والمقصود هنا الانفصال والاستقلال عن المؤثر الخارجي، لا بل صناعته.
يمكن أن نستنتج قانون: إن الحياة الواعية تبطئ من عملية الخلق بسبب القيد بينما يأتي الخلق أثناء النوم مكثفاً.
تفرض القيود التحليل بينما ينحو الخلق منحى التركيب، وبسبب عدم وجود القيود يجب أن نبحث عن الحقيقة في الحلم.
لا يتردد الحلم في أن يصور الأضداد على قدم المساواة وكأنها ليست أضداداً بسبب الإبداع، والمصيبة في الحلم أننا نستطيع تفسيره بأشكال متناقضة كلها صحيحة، لأن التفسير يتعلق بالمفسـِّـر بينما الحالم هو الأساس، يؤسـَـر الحلم عند تفسيره والحديث عنه (الإرادة) لأنه لا إرادي.
الحلم صورة خاصة من صور التفكير صارت ممكنة بسبب النوم، ولا علاقات منطقية بين أفكار الحلم، بسبب تحلل الأفكار من القيد (الآخر) تداعيات الأفكار غير منطقية في الحلم، والحلم متحرر من زيف وكذب الحياة اليومية، الحلم لا يناور ولا يجامل ولا يتردد، لا تتغير طبيعة الذات في الحلم (خلاقة، سمحة، أخلاقية، .... الخ) لذا يجب ألا نستغرب لذلك محاولة الأقوام القديمة التحدث عن الأبراج ذلك لأنها حاولت المعرفة أي خلق الأفكار أثناء الليل، ونحن نفعل مثلهم عندما نمدد معلوماتنا عبر الآفاق الكونية أي عبر رؤيوية كونية وهذا لا نستطيع تثبيته إلا في الليل.
يقودنا ذلك إلى الحديث عن دورة النبوءة في العلم المعاصر: هي نصف العلم تماماً، والنصف الآخر التعليل منذ نيوتن، والنبوءة نشأت في الليل وترافقت مع دورية السماء والحلم بعودة تلك الدورية.
لا يوجد مستقبل ولا ماضي في الحياة الواعية أثناء النهار بل الكل يختزل فيما ندعوه اللحظة الراهنة، إن الفيزيائيين يتحدثون عن ذلك فيما يعرف مثلاً بمبدأ الخيارات المفتوحة بين كل التواريخ الممكن تصورها (مثال اصطدام الكترونين وعدم معرفة أي منهما بعد الاصطدام في الميكانيك الكوانتي).
من هنا قول جبران:
"إن في الهنيهة الحاضرة كل الزمن بكل ما في الزمن مما يـُرجى وينجز ويتحقق".
هكذا يخلق الفكر البشري حالات تذهنية والحالات التذهنية هي مرادفات لحظة الآن ونظراً لانكسار لحظة الآن بسبب دخول آن تالي نسجل تلك الحالات على الورق أو الأشرطة أو سواها كي تنتقل معنا إلى اللحظة الراهنة التالية، هنا تالية مجرد مجاز لأن كل لحظة راهنة مستقلة عن الأخرى.
الحالات التذهنية هي الأساطير والفلسفات والمناهج والعلم وكل ما طرح في سياق الأنسنة، الحالات التذهنية تبيح لنفسها صوغ الماضي وكذلك المستقبل، مثلاً في العلم: النبوءة والمعللة.
نمنح نبوءاتنا العلمية وكذلك الأقدمين بنبوءاتهم الأسطورية التجربة الحسية المقيدة بشروط كثيرة: اشتراط اللغة مثلاً، واشتراط الآخرين، إذ أن الآخر قيد فلكلٍّ عالمه وكونه ووجوده ومكانه وزمانه، الحقيقة أن المكان والزمان هو مكان وزمان الآخر (لنتخيل هنا لو كان هناك كائن واحد في الكون) مثلاً قواعد اللغة: العامية والعبقرية، القواعد تأتي بعد الإبداع فتقيد الإبداعات التالية التي هي عمليات خلق تالية، الحلم تحرر من مكان وزمان الآخر بالتالي من المكان والزمان.
ملاحظة هامة: الآن التجربة الحسية مستحيلة والتجربة العقلية هي الممكن، هنا عودة إلى الجوهر الأساسي للفعل، أي الحلم بمعزل عن أدواته الاختبارية السطحية أي الحواس.
الآن نجمع شتات كل هذه الأفكار ونعود إلى الحلم..
الحلم لحظة راهنة تصوغ ماضياً ومستقبلاً، وهو معزول عن الأدوات عن التجربة الحسية لكنه يتساوى مع العلم الحديث بالاحتكام إلى التجربة العقلية التي هي حلم بدورها، هكذا تكون هناك أ؛لام مبدعة تتنبأ بالمستقبل أو توغل في الماضي مثل الحدس المبدع الواعي، ولنتذكر الكثير من النظريات والأشعار والألحان وسواها إنما أبدعت أثناء حلم النوم.
آلية الحلم:
الحلم بصري لا سمعي، حتى الحديث أثناء الحلم يتم بنوع من التخاطر: بسبب بصرية المعرفة، والحلم بصري لأن الوعي بصري، إننا نخلق عوالم بصرية تعرف أدبيات العلم بالنماذج، ومعرفة الشيء بذاته ترتبط بكمال النموذج وكمال النموذج مرتبط بكمال مخلق النموذج، أي الذهن الذي يرهن نفسه لخلق النموذج.
كيف أصبح النموذج بصرياً؟
لأن العين استطالت من الدماغ بالتالي جزء من أداة تصنيع الأحلام.
النموذج حلم ثابت ينتقل، ثباته ناجم عن انتقاله من آن لآن، والإسقاط إلى الخارج في علم النفس يكون بصرياً أيضاً لأن النمذجة بصرية، والحلم لأنه من نفس النوعية هو نموذج بصري لكنه أكثر تحرراً من القيود (الآخر) لذلك يأتي ضمن أطر غير مألوفة في كثير من الأحيان.
كل ما تقدم نجد ما يبرره في الميكانيك الكوانتي من أن العالم هيولي (فكرة ويغنر) وأن الإحساس يصوغ الفكرة ويخلقها ويتمثلها قبل تدخل الدماغ بنصف ثانية’ ولأن الحلم متحرر من القيود يعتبره بعض علماء النفس تعبير عن المكبوتات، أي أنهم يعتبرون أن الأساس هو الواقع بينما الحلم انعكاس، هذا غير صحيح كما بيـّـنا، لكن كون الحلم ملاذاً ذلك أن عدم وجود القيود تحرر نموذج الحلم بينما تقيد نموذج الوعي حتى في حدود صياغته وقبل التعبير عنه وإن لم يكن كذلك فإن صاحب حلم اليقظة قد يعتبر مجنوناً، المجنون إذن هو الذي يهمل القيود لدى صياغة حلم الوعي، والتحرر من قيود اليقظة يتأكد في القول: :إن ذلك لا يخطر ولا حتى في الحلم"، لذا يكون الإبداع نمط من الجنون، إذ لا يمكن للإبداع أن يتحقق مع الأخذ بعين الاعتبار القيود الاجتماعية أي قيود الآخر، عادة يتطبع الإنسان تلك القيود لذا يستنكر في معظم الأحلام مادة أحلامه.
تؤكد صياغة الأحلام أن الوعي أولاً هو المسؤول عن خلق العالم، لكن حلم النوم مستقل تماماً هو كيان منفصل، أحياناً يعيد الحلم صياغة حلم الوعي بدون قيود.
أصول الأحلام:
الخافية الكونية تمثل الوعي المجرد، أو الحالة التجريدية التذهنية للوعي، الحلم الواعي يصاغ (في الذهن) وينحت (إزاء الآخر) في مصطلحات اتفاقية معانيها اتفاقية أيضاً (علم، موسيقى.. الخ) أما الحلم في النوم فمصطلحاته ليست اتفاقية ومعانيها ليست اتفاقية أيضاً، إذن فما هي؟
هنا باعتبار الحلم منولوج كوني داخلي فيجب البحث عن المعاني لكن ليس في سياق المصطلحات والمعاني الاتفاقية، إنها معضلة كبرى حقاً، على الرغم من أننا نرى في الأحلام أشخاصاً وظروفاً من الحياة اليومية، لكن يجب أن نفهمها بمعزل عن المصطلحات والمعاني الاتفاقية، وحتى إن أعاد الحلم تشكيل حلم واعي فذلك أشبه بحالة تداعي أفكار كوني ليس إلا، من هنا كانت الأحلام كالموسيقى صعبة التأويل في المصطلحات المتداولة، والأرجح أننا يجب أن نعامل الحلم كمعنى جديد (الذي يحلون المسائل في نومهم!) ودليل ذلك أن الحلم تحقق للذات بخلقها المزيد من العوالم دون قيود كما في الميكانيك الكوانتي الحلم قفزة كوانتية.
قد يكون الحلم مؤشراً (بهذا المعنى) لأحوال تالية، أحد البراهين على جدة الأحلام هو أنها وإن كانت ترتبط بشيء حدث فإنها ترتبط بأتفه الأمور لا بأهمها، وعلى الرغم من إغلاق العيون ونوافذ الحواس الأخرى ترى الأحلام لأن الحلم خلق.
لا علاقة للإزعاج بالحلم، إلا إذا كان الإزعاج مثل دافع الإبداع.
كيف يصوغ الذهن الحلم إن اعتبرنا الحلم وهماً؟
إن الحلم غير معقول ببنيته، إن لم يكن إبداعاً وفق تفسيرنا، حتى الأحلام التي لها علاقة بالنهار، عنصر واحد فقط له علاقة عادة والباقي ليس له علاقة أبداً.
تسهم الشبكة في صياغة الأحلام كما تسهم أثناء النهار بخلق العلم، وأثناء النوم تتحول كل الأعضاء الجسمية البعيدة عن الاستبصار إلى سوية الاستبصار فتصبح والكون شيئاً واحداً، إن الحلم بحد ذاته دليل قاطع على أننا نخلق العالم أثناء اليقظة، نشعر أن الحلم دخيل علينا لذا هذا دليل على أنه خلق جديد، إن اتصال الأفكار في اليقظة والتطبع عليها إنما يمحو الإحساس بكون الفكرة دخيلة علينا، مثل الطفل كل فكرة جديدة غريبة عليه لقلة تطبعه.
تعريف الحلم: الحلم يحدد الأنا، الحلم صور (تقطع) واليقظة (استمرارية)، الحلم والحياة الواعية من طبيعة واحدة: اليقظة: عينية إدراكية، الحلم: عينية فكرية.
الحلم باعتباره تأكيد لاستمرار حالة الوعي التي يبدو أن النوم يحاول تغييبها (لأن لا شي في اللاشعور يزول) ففي النوم تطلق المنظومات العصبية نبضات دورية وكأنها تقول: أنا موجود، أنا مستمر.
الحلم لا تستغرقه التفاصيل وإن بدا تفصيلياً لأنه يتناول حالة بمجملها، فالحلم وعي محدد مخلخل، والوعي حلم مركـّز، فما تخلقه الذات هو المهم والأساس في استمرار الوجود لذا النوم استمرار اليقظة ودليل ذك أن النائم إذا ناديته باسمه يستيقظ وعدا ذلك فلا يفعل.
إن الكون حريص على استمرار وجوده، إنه يوقظنا أثناء النهار بقوة الشمس الهائلة مطلقاً وعينا إلى أقصاه، وفي الليل حيث يثابر الكون في تواجده تفعل النجوم نفس الفعل لكن بدرجات أقل فتحر نفس الوعي بشدات أخفض فيما نسميه الحلم.
إن احتدام الحلم الواعي أثناء النهار يؤجج الذات وينشطها بإيقاعات كبيرة فتملأ كل فجواتها بالنشاط وهذا يفسر طبيعة الحياة اليومية التي تستنزف الإنسان وتستهلكه بمعنى أنها لا تترك أية فرصة للإبداع.
في الليل الفعل الكوني الخالق للحلم أقل شدة، لذا تترك هوامش واسعة لحرية الذات كي تخلق ما تشاء من رؤى وأشعار وألحان وأفكار ونظريات (الأفكار انبثاقات للأحلام) من الظلمة كما النجوم بالنسبة للأقدمين ثقوب في الظلمة، من هنا كان النشيد الكوني الجبراني:
"أنت ظلام يرينا أنوار السماء (يقصد عملية الخلق التي يقوم بها الذهن).
والنهار نور يغمرنا بظلمة الأرض، أنت أمل يفتح بصائرنا أمام هيبة اللانهاية، والنهار غرور يوقفنا كالعميان في عالم المقاييس والكمية.
في ظلالك تدب عواطف الشعراء، وعلى منكبيك تستفيق قلوب الأنبياء، وبين ثنايا ضفائرك ترتعش قرائح المفكرين، فأنت ملقن الشعراء، والموحي إلى الأنبياء والموعز إلى المفكرين والمتأملين.
أنا مثلك أيها الليل، أنا ليل مسترسل منبسط هادئ مضطرب، وليس لظلمتي بدء ولا لأعماقي نهاية"
صناعة الحلم مثل صناعة اليقظة (إبداع وعملية خلق)، والمقصود هنا الانفصال والاستقلال عن المؤثر الخارجي، لا بل صناعته.
يمكن أن نستنتج قانون: إن الحياة الواعية تبطئ من عملية الخلق بسبب القيد بينما يأتي الخلق أثناء النوم مكثفاً.
تفرض القيود التحليل بينما ينحو الخلق منحى التركيب، وبسبب عدم وجود القيود يجب أن نبحث عن الحقيقة في الحلم.
لا يتردد الحلم في أن يصور الأضداد على قدم المساواة وكأنها ليست أضداداً بسبب الإبداع، والمصيبة في الحلم أننا نستطيع تفسيره بأشكال متناقضة كلها صحيحة، لأن التفسير يتعلق بالمفسـِّـر بينما الحالم هو الأساس، يؤسـَـر الحلم عند تفسيره والحديث عنه (الإرادة) لأنه لا إرادي.
الحلم صورة خاصة من صور التفكير صارت ممكنة بسبب النوم، ولا علاقات منطقية بين أفكار الحلم، بسبب تحلل الأفكار من القيد (الآخر) تداعيات الأفكار غير منطقية في الحلم، والحلم متحرر من زيف وكذب الحياة اليومية، الحلم لا يناور ولا يجامل ولا يتردد، لا تتغير طبيعة الذات في الحلم (خلاقة، سمحة، أخلاقية، .... الخ) لذا يجب ألا نستغرب لذلك محاولة الأقوام القديمة التحدث عن الأبراج ذلك لأنها حاولت المعرفة أي خلق الأفكار أثناء الليل، ونحن نفعل مثلهم عندما نمدد معلوماتنا عبر الآفاق الكونية أي عبر رؤيوية كونية وهذا لا نستطيع تثبيته إلا في الليل.
يقودنا ذلك إلى الحديث عن دورة النبوءة في العلم المعاصر: هي نصف العلم تماماً، والنصف الآخر التعليل منذ نيوتن، والنبوءة نشأت في الليل وترافقت مع دورية السماء والحلم بعودة تلك الدورية.
لا يوجد مستقبل ولا ماضي في الحياة الواعية أثناء النهار بل الكل يختزل فيما ندعوه اللحظة الراهنة، إن الفيزيائيين يتحدثون عن ذلك فيما يعرف مثلاً بمبدأ الخيارات المفتوحة بين كل التواريخ الممكن تصورها (مثال اصطدام الكترونين وعدم معرفة أي منهما بعد الاصطدام في الميكانيك الكوانتي).
من هنا قول جبران:
"إن في الهنيهة الحاضرة كل الزمن بكل ما في الزمن مما يـُرجى وينجز ويتحقق".
هكذا يخلق الفكر البشري حالات تذهنية والحالات التذهنية هي مرادفات لحظة الآن ونظراً لانكسار لحظة الآن بسبب دخول آن تالي نسجل تلك الحالات على الورق أو الأشرطة أو سواها كي تنتقل معنا إلى اللحظة الراهنة التالية، هنا تالية مجرد مجاز لأن كل لحظة راهنة مستقلة عن الأخرى.
الحالات التذهنية هي الأساطير والفلسفات والمناهج والعلم وكل ما طرح في سياق الأنسنة، الحالات التذهنية تبيح لنفسها صوغ الماضي وكذلك المستقبل، مثلاً في العلم: النبوءة والمعللة.
نمنح نبوءاتنا العلمية وكذلك الأقدمين بنبوءاتهم الأسطورية التجربة الحسية المقيدة بشروط كثيرة: اشتراط اللغة مثلاً، واشتراط الآخرين، إذ أن الآخر قيد فلكلٍّ عالمه وكونه ووجوده ومكانه وزمانه، الحقيقة أن المكان والزمان هو مكان وزمان الآخر (لنتخيل هنا لو كان هناك كائن واحد في الكون) مثلاً قواعد اللغة: العامية والعبقرية، القواعد تأتي بعد الإبداع فتقيد الإبداعات التالية التي هي عمليات خلق تالية، الحلم تحرر من مكان وزمان الآخر بالتالي من المكان والزمان.
ملاحظة هامة: الآن التجربة الحسية مستحيلة والتجربة العقلية هي الممكن، هنا عودة إلى الجوهر الأساسي للفعل، أي الحلم بمعزل عن أدواته الاختبارية السطحية أي الحواس.
الآن نجمع شتات كل هذه الأفكار ونعود إلى الحلم..
الحلم لحظة راهنة تصوغ ماضياً ومستقبلاً، وهو معزول عن الأدوات عن التجربة الحسية لكنه يتساوى مع العلم الحديث بالاحتكام إلى التجربة العقلية التي هي حلم بدورها، هكذا تكون هناك أ؛لام مبدعة تتنبأ بالمستقبل أو توغل في الماضي مثل الحدس المبدع الواعي، ولنتذكر الكثير من النظريات والأشعار والألحان وسواها إنما أبدعت أثناء حلم النوم.
آلية الحلم:
الحلم بصري لا سمعي، حتى الحديث أثناء الحلم يتم بنوع من التخاطر: بسبب بصرية المعرفة، والحلم بصري لأن الوعي بصري، إننا نخلق عوالم بصرية تعرف أدبيات العلم بالنماذج، ومعرفة الشيء بذاته ترتبط بكمال النموذج وكمال النموذج مرتبط بكمال مخلق النموذج، أي الذهن الذي يرهن نفسه لخلق النموذج.
كيف أصبح النموذج بصرياً؟
لأن العين استطالت من الدماغ بالتالي جزء من أداة تصنيع الأحلام.
النموذج حلم ثابت ينتقل، ثباته ناجم عن انتقاله من آن لآن، والإسقاط إلى الخارج في علم النفس يكون بصرياً أيضاً لأن النمذجة بصرية، والحلم لأنه من نفس النوعية هو نموذج بصري لكنه أكثر تحرراً من القيود (الآخر) لذلك يأتي ضمن أطر غير مألوفة في كثير من الأحيان.
كل ما تقدم نجد ما يبرره في الميكانيك الكوانتي من أن العالم هيولي (فكرة ويغنر) وأن الإحساس يصوغ الفكرة ويخلقها ويتمثلها قبل تدخل الدماغ بنصف ثانية’ ولأن الحلم متحرر من القيود يعتبره بعض علماء النفس تعبير عن المكبوتات، أي أنهم يعتبرون أن الأساس هو الواقع بينما الحلم انعكاس، هذا غير صحيح كما بيـّـنا، لكن كون الحلم ملاذاً ذلك أن عدم وجود القيود تحرر نموذج الحلم بينما تقيد نموذج الوعي حتى في حدود صياغته وقبل التعبير عنه وإن لم يكن كذلك فإن صاحب حلم اليقظة قد يعتبر مجنوناً، المجنون إذن هو الذي يهمل القيود لدى صياغة حلم الوعي، والتحرر من قيود اليقظة يتأكد في القول: :إن ذلك لا يخطر ولا حتى في الحلم"، لذا يكون الإبداع نمط من الجنون، إذ لا يمكن للإبداع أن يتحقق مع الأخذ بعين الاعتبار القيود الاجتماعية أي قيود الآخر، عادة يتطبع الإنسان تلك القيود لذا يستنكر في معظم الأحلام مادة أحلامه.
تؤكد صياغة الأحلام أن الوعي أولاً هو المسؤول عن خلق العالم، لكن حلم النوم مستقل تماماً هو كيان منفصل، أحياناً يعيد الحلم صياغة حلم الوعي بدون قيود.
أصول الأحلام:
الخافية الكونية تمثل الوعي المجرد، أو الحالة التجريدية التذهنية للوعي، الحلم الواعي يصاغ (في الذهن) وينحت (إزاء الآخر) في مصطلحات اتفاقية معانيها اتفاقية أيضاً (علم، موسيقى.. الخ) أما الحلم في النوم فمصطلحاته ليست اتفاقية ومعانيها ليست اتفاقية أيضاً، إذن فما هي؟
هنا باعتبار الحلم منولوج كوني داخلي فيجب البحث عن المعاني لكن ليس في سياق المصطلحات والمعاني الاتفاقية، إنها معضلة كبرى حقاً، على الرغم من أننا نرى في الأحلام أشخاصاً وظروفاً من الحياة اليومية، لكن يجب أن نفهمها بمعزل عن المصطلحات والمعاني الاتفاقية، وحتى إن أعاد الحلم تشكيل حلم واعي فذلك أشبه بحالة تداعي أفكار كوني ليس إلا، من هنا كانت الأحلام كالموسيقى صعبة التأويل في المصطلحات المتداولة، والأرجح أننا يجب أن نعامل الحلم كمعنى جديد (الذي يحلون المسائل في نومهم!) ودليل ذلك أن الحلم تحقق للذات بخلقها المزيد من العوالم دون قيود كما في الميكانيك الكوانتي الحلم قفزة كوانتية.
قد يكون الحلم مؤشراً (بهذا المعنى) لأحوال تالية، أحد البراهين على جدة الأحلام هو أنها وإن كانت ترتبط بشيء حدث فإنها ترتبط بأتفه الأمور لا بأهمها، وعلى الرغم من إغلاق العيون ونوافذ الحواس الأخرى ترى الأحلام لأن الحلم خلق.
لا علاقة للإزعاج بالحلم، إلا إذا كان الإزعاج مثل دافع الإبداع.
كيف يصوغ الذهن الحلم إن اعتبرنا الحلم وهماً؟
إن الحلم غير معقول ببنيته، إن لم يكن إبداعاً وفق تفسيرنا، حتى الأحلام التي لها علاقة بالنهار، عنصر واحد فقط له علاقة عادة والباقي ليس له علاقة أبداً.
تسهم الشبكة في صياغة الأحلام كما تسهم أثناء النهار بخلق العلم، وأثناء النوم تتحول كل الأعضاء الجسمية البعيدة عن الاستبصار إلى سوية الاستبصار فتصبح والكون شيئاً واحداً، إن الحلم بحد ذاته دليل قاطع على أننا نخلق العالم أثناء اليقظة، نشعر أن الحلم دخيل علينا لذا هذا دليل على أنه خلق جديد، إن اتصال الأفكار في اليقظة والتطبع عليها إنما يمحو الإحساس بكون الفكرة دخيلة علينا، مثل الطفل كل فكرة جديدة غريبة عليه لقلة تطبعه.