-
عرض كامل الموضوع : الشاطئ المجــــــهول // سيد قطب
الشاطئ المجهول
سيد قطب
في هذا الديوان فصول " أربع :[ ظلال ورموز ، صور وتأملات ،غزل ومناجاة،وطنيات ] ، .. تنوعت موضوعاتها وتوزعت اتجاهاتها وأغراضها ..
الإهــداء
" أخي " ذلك اللفظ الذي في حروفهِ
........................ رموز ، وألغـازٌ ، لشتى العواطفِ
" أخي " ذلك اللحن الذي في رنينهِ
........................ ترانيمُ إخـلاص ، وريا تآلـــف
" أخي " أنتَ نفسي حينما أنت صورة
........................لآمـاليَ القصـوى التي لم تشارف
تمنيتُ ما أعيـا المقاديرُ ، إنّمــا
........................ وجدتكَ رمزاً للأمـاني الصوادف
فأنتَ عزائـي في حياة قصيــرةٍ
........................وأنتَ امتدادي في الحياة وخالفي
تخذتكَ لي ابناً ، ثم خدناً ، فيا تـرى
........................ أعيشُ لألقى منكَ إحسـاس عاطف ؟
على أيما حالٍ أراكَ مخلّـــدي
......................... وباعث أيامي العِــذاب السوالفِ
فدونكَ أشعـاري التي قد نظمتها
.......................... لتبقى على الأيـام رمزَ عواطفي .
.
[ ظلال ورمـوز ]
،
" إلى الشـاطئ المجهول " / 1934
تطيفُ بنفسي وهيَ وسنانةٌ سكرى
.................هواتفُ في الأعماق ساريةٌ تترى
هواتفُ قد حجّبنَ ؛ يسرينَ خفية
................هوامسُ لم يكشفنَ في لحظة ستراً !
ويعمُرنَ من نفسي المجاهل والدجى
.................. ويجنبن من نفسي المعالم والجهرا
فيهنّ من يوحينَ للنفس بالرضـا
,,,,
................... وفيهن من يلهمنها السخط والنكرا
ومن بين هاتيك الهواتف ما اسمهُ
......................... حنينٌ ، ومنهنّ التشوق والذكرى
***
أهبن بنفسي في خفوتٍ وروعةٍ
................. وسرنً بهمس ، وهي مأخوذة سكرى
سواحر تقفوهنّ نفسي ولا ترى
................. من الأمر إلا ما أردنَ لها أمرا
إلى الشـاطئ المجهول والعالم الذي
..................... حننتُ لمرآهُ ؛ إلى الضفة الأخرى
إلى حيث لا تدري .. إلى حيثُ لا ترى
................... معالم للأزمان والكون تستقرا
إلى حيث " لا حيث " تميز حدوده !
................... إلى حيث تنسى الناس والكون والدهرا
وتشعر أن ( الجزء ) و ( الكل ) واحد
..................... وتمزج في الحس البداهة والفكرا
فليس هنا ( أمس ) وليس هنا ( غد )
.....................ولا ( اليوم ) فالأزمان كالحلقة الكبرى
وليس هنا ( غير ) وليس هنا ( أنا )
................ هنا الوحدة الكبرى التي احتجبت سرا
***
خلعتُ قيودي وانطلقتُ محلقاً
................... وبي نشوة الجبار يستلهم الظفرا
أهوّم في هذا الخلود وأرتـقي
.................. وأسلك في مسراهُ كالطيف إذ أسرى
وأكشف فيه عالما بعد عالم
................... عجائب ما زالت ممنعة بكراً
لقد حجب العقل الذي نستشيرهُ
.................... حقائق جلت عن حقائقنا الصغرى
هنا عالم الأرواح فلنخلع الحجا
...................... فننعم فيه الخلد ، والحب ، والسحرا
الشعاع الخابي/1932
لاحَ لي من جانب الأفق شعاع
............. بينما أخبطُ في داجي الظلام
في صحارى اليأس أسرى في ارتياع
.............. حيث تبدو موحشات كالرجام
،
حيثُ يسري الهول فيها واجما
ويطوف الرعب فيها حائما
والفناء المحض يبدو جاثما
،
وترى الأشباح في رأس التلاع
................. كالسعالى ، أو كأشباح الحمام
فاغرات تتشهّى الابتــلاع
.............. تنهش اللحمَ ، وتفري في العظام
***
فتلفّتّ على الضـوء يلوح
........... مثلما تلمعُ عينُ الساهرِ
أو كما تهمس في الأجداث روح
............ أو كمعنى شاردٍ في الخاطرِ
،
قد تلفتّ بقلب مستطار
شفّه الذعر وأضناه العثار
طالما رجّى تباشير النهار
،
ثم أزمعتُ إلى الأفق الصبوح
.............. أرتجي فيهِ أمـان الحائرِ
أصعد الرابي وأهوى في السفوح
............... وكأني طيف جنّ نافر
***
ثم ماذا ؟ ثم قد ساد الحلك !
................. فجأة والقبس الهادي خبا
ثم أحسست بدقات الفلك
................. لاهثات تتراخى تعبا !
،
رجفةُ الخائف أضناهُ العياء
وهو يعدو لاهثاً عدو الطلاء
قبلما يلحقها غول الفناء
،
وإذا قلبي خفوق منتهك
............... ليس يدري لخلاص سببا
حولهُ الظلمةُ في أيّ سلك
................... حيث ينسى الهاربون الهربا
***
قلتُ ماذا ؟ قال لي رجع الصدى
.................. إيه ماذا ؟! قلتُ للوهم علاما !
قال لي اخشع أنت في وادي الردى
.................... حيث يطوى الضـوء طرا والظلاما!
،
ها هنا تثوي الأماني ، ها هنا
في مهاوي اليأس في كهف الفنا
كل شيء هالك ، حتى أنا !
،
ثم ضاع الصوت يفنى بددا
................وتلاشى تاركا منه التماما
وإذا بي عدت أسري مفرداً
.................. لا أرى شيئاً ، ولا أدري إلاما ؟!
.يتبع...:D
خراب...! /1932
،
أقفرت شيئاً فشيئاً كاليباب
...........غير آثار من النبتِ الهشيم
باقيات ريثما يسفى التراب
..............فإذا الكون خـلاء في وجوم
***
كان ينمو هاهنا نورٌ صغير
.............. فوق نبت ليّن العود هزيل
فذوى النور وما كان نضير !
................ إنما المُعدم يرضى بالقليل
***
زهرةٌ في إثر أخرى تحتضر
............. وهو يرنو ذاهلا للزهَرات
ملقيات حوله بين الحُفر
.................. والرياح الهوج تدوى معوِلات
***
وإذا الكون حواليهِ خراب
................ موحش الأرجاء مفقود القطين
وهو يرنو في وجوم واكتئاب
...................يكتم العبرةَ فيه والأنين !
***
ويدوّي حوله صوت الفناء
................حيث تمحى كل آثار الوجود
أين ؟ - لا أين ! – الأماني والرجاء
................. طمـسَ اليأس عليها والكنود !
في الصحراء / 1932
: في ليلة من ليالي الخريف المقمرة ، الراكدة الهواء ، المحتبسة الأنفاس ، وفي صحراء جبل المقطم الموحشة ، وبين هذا الفقر الصامت الأبيد – كانت تتراءى نخلات ساكنات في وجوم كئيب ومن بينها نخلتان : إحداهما طويلة سامقة ، والأخرى صغيرة قميئة .. ....
بين هاتين النخلتين دار حديث ، وكانت بينهما همسات ومناجـاة !
،
الصغيـرة :
ما لنا في ذلك القفرُ هنا
........ ما برحنـا منذ حين شاخصات ؟
كل شيء صامت من حولنا
.............. وأرانـا نحن أيضاً صامتات !
،
تطلع الشمس علينا وتغيب
ويطل الليل كالشيخ الكئيب
والنجوم الزهر تغدو وتثوب
،
وهجيرٌ وأصيل ... وطلوعٌ وأفول ... ثم نبقى في ذهول ساهمات !
***
أفلا تدرين يا أختي الكبيرة
............. ما الذي أطْلَعنا بين اليباب ؟
أيمّا إثم جنينا أو جريرة
............. سلكتنا في تجاويف العذاب ؟
،
قد سئمتُ اللبث في هذا المكان
لبثة المصلوب في صلب الزماان
أفما آن لتبديلٍ .. أوان ؟
،
حدثيني لمَ نشقى ؟ ... حدثيني كم سنلقى ؟ .. حدثيني كم سنبقى / واقفات ؟
.
الكبيـرة :
أنا يا أختاهُ : لا أدري الجـواب
............ ودفينُ السر لم يُكشف لنا
منذ ما أطلعتُ في هذا الخراب
............. وأنا أسألُ : ما شأني هنا ؟
،
فيجيب الصمت حولي بالسكون !
وأنا أخبط في وادي الظنون .
لستُ أدري حكمة الدهر الضنين
،
غيرَ أنّا حائرات ... والليالي العابثات .. تتجنّى ساخرات / لا هيات !
***
ربما كنّا أسيرات القدر
............ تسخر الأيام منا والليالي !
تضرب الأمثال فينا والعبر
........... وإذا نشكو أذاها لا تبالي !
،
ربما كنا مساحير الزمن !
قد مسخنا هكذا بين القنن
في ارتقاب الساحر المحيي الفطن !
،
فإذا كان يعود ... فك هاتيك القيود ... فرجعنا للوجود / طافرات !
***
أو ترانا نسل أرباب قدامى
............... قد جفاها وتولى العابدون !
جفت الكأس لديها ، والندامى
................ غادروا ندوتها تنعى القرون
،
أو ترانا مسخ شيطان رجيم
صاغنا في ذلك القفر الغشوم !
وتولى هاربا خوف الرجوم !
،
فبقينـا في العراء ... يجتوينا كل راء ... وسنبقى في جفاء / شاردات !
***
لستُ أدري : كل شيء قد يكون
................ فتلقى كل شيء في سكون
وإذا ما غالنا غول المنون
................ فهنا يعمرنا فيض اليقين !
،
ثم ساد الصمـت كالطيف الحزين
وتسمعت لأقدام السنين
وهو تخطو خطوة الشيخ الرزين
هامسات في الرمال .. منشدات في جلال .. كل شيء للزوال / والشتات !
يتبع..
الإنسان الأخير / 1934
صحا ذات يوم حين تصحو البواكرُ
............... وتستيقظ الدنيا وتجلو الدياجرُ
ويشرقُ وجه الصبح في غمرة الدجى
.............. كما تشرقُ الآمال واليأس غامرٌ
وتضطربُ الأنفاسُ خفّضها الكرى
............. وتخفق أرواح وتذكو مشاعرُ
وحين يعج الكون بالصوت والصدى
............. وبالكدح تزجيه المنى والمخاطرُ
وبالصرخة الهوجاء والضحكةُ التي
.............. يضج بها الأحياءُ والدهرُ ساخرُ
***
ولكنهُ لم يلفِ بالكون نأمة
............ تنم على حيّ ، ولم يهـفُ خاطرُ
ففي نفسهِ ما يشبهُ الموت سكرة
.............. ومن حوله موتٌ نمتهُ المقابرُ
جلال كأن الله أطلع وجههُ
............ عليهِ ، فقرّت في النفوس الضمائرُ
وصمتٌ فما في الكون صوت ولا صدى
........... ولا خفقةٌ يُحيي بها الكون شاعر
فأدرك في أعماقهِ عن بديهة
............. نهاية ما صارت إليه المصائر !
***
وما همّ بالتنقيب عن أي صاحبٍ
............... ففي نفسهِ يأسٌ من النفسِ صـادرُ
ولكنهُ ألقى بها عبر نظرة
............. على الكون والأيام وهي دوائرُ
ركامُ وأشلاء وأطلال نعمـة
............. وبؤسٌ ، وشتّى ما حوتهُ الأداهر
وفي نفسهِ من مثلها كل ذرة
................. فهاتيك أشلاء وهذي خواطرُ
تجمّع فيها ما تفرق في الورى
.............. وما ضمنت تلك السنون الغوابرُ
خلاصةُ أعمارٍ وشتى تجاربٍ
............ ومجمع أشواق بها الكون حائرُ
***
وأوغلَ في إطراقةٍ ملؤها الأسى
.......... فمرّت عليه الذكريات العوابرُ
تحث خطاها موكبا إثر موكبٍ
............. وقد جاورت فيها المآسي البشائرُ
وأقبلت الآمالُ واليأس حولها
................ تمزقها أنيابهُ والأظافرُ
وجمّع فيها الخير والشر رابط
................ من النفس مشدود إليها مخامرُ
وشتى عبادات وشتى عقائد
.............. يؤلفها الإيمان وهي نوافرُ !
وفيها من المجهول سرٌ وروعة
................. ورغبة محروم وخوف مساورُ
وقد كان في المجهول مطمح كاشـف
................. تحجّبه عن طالبيه الستائرُ
فيا ليته يدري بما خلف سترهُ
.............. فيختم سفر الناس في الأرض ظافرُ !
***
وعادت له الآمالُ إذ جدّ مطمح
.............. يرجى ، وأذكاه الخيال المغامرُ
لعل وراء الكون مفتاح لغزه
............. وطلسم ما ضمت عليه السرائرُ
وما هي إلا ومضةٌ تكشف الدجى
............ ويخلع هذا الجسم والجسمُ جائرٌ
ولولا مواثيق الحياة تشدّهٌ
.............. إليها لأمضى عزمهُ وهو صابرُ
وخلّف هذا الجسم للموت والبلى
............ وأشرق روحاً حيث تصفو البصائرُ
وعاودهُ حب الحياة لذاتها
.................وقد أجفلت تلك النوازي الكوافرُ
وهاجت به الأطمـاع حب امتلاكها
................ له وحدهُ والناس ميت وداثرُ
فعاد إلى الدنيا العريضة مالكاً
............... ولا من يلاحيهِ ولا من يشاطرُ
ولكنه لم يستطب ملكهُ الذي
................. تمحص لا يسعى به أو يغامرُ
وما فيه من كدّ ولا من تسابقٍ
.............. ولا سابق في الكادحين وقاصرُ
وكيف يطيب العيشُ إلا تزاحماً
............... فيربحُ مجدود ، ويخسرُ عاثرُ !
***
:" برمتُ بهذا الكون همدان موحشاً
............ برمتُ بملكٍ ربهُ فيه خاسرُ "
"فهيّا إذن للموت أروح رحلة
............. لتكشف أستار ويهدأ ثائرُ " !
***
وفيما يعاني سكرة الموت هينمت
............ إلى مسمعيه هاتفات سواحرُ
" هو السر أن تهفو إلى السر لهفة
................. وأن تشتروا الآتي بما هو حاضرُ " !
__________
يتبع..
خريف الحياة / 1934
بكَر الخريف فلا ورود ولا زهور
............ ومشى الركود فلا نسيم ولا عبير !
صمتت صوادحها فما تشدو الطيو
.............. ر بها ، وما تشدو الجدوال بالخرير !
وسرى القفار بكل مخصبـة فما
................ تجد الخصيب بها ، وما تجد النضير !
والسحب طافية تغشّى كالستور
................... وتسير وانية والخطى سير الأسير
فإذا الحياة يغض رونقها الأسى
.................. وإذا القلوب بها كليم أو كسير !
***
والحب! ويح الحب من هذا البكور
................. غامت عليه سحابة اليأس المرير
وذوت بجنتهِ أفانين المنى
.................. وخبا بهيكل حسنهِ القبس المنير
وسها عن التقديس والتسبيح في
....................محرابه العباد مسحورو الدهور
ومشوا بساحته كما يمشي الخلي
................. من الغرام فلا حنين ولا شعور
هانت شعائره ومس ستورهُ
.............. في جرأة ، غير المقدس والطهور !
***
الأرض غير الأرض في دورانها
............ لتكاد من فرط السآمة لا تدور !
والريح غير الريح في جولانها
............... لتكادُ تكتم في جوانحها الزفير
والطيرُ غير الطير في ألحانها
........... لتكاد تنعب بالخراب وبالثبور !
والناسُ غير الناسِ في آمالهـا
............... ليكاد يجثو اليأس في تلك الصدور !
بكَر الخريفُ فويلهُ هذا البكور
................ ودنا المصير فويلهُ هذا المصير !
خبيئةُ نفسي /1934
خبيئة نفسي قد غفا الكون فاسفري
............... وكوني سميري ، بعد أن نام سًمّري !
سها الدهرُ والأقدار رنّقها الكرى
............... وهوّم في جوف الدجى روح خيّر !
يُطيفُ على العانين بالعطف والرضا
................. ويعمر بالإغفـاء رأس المفكّر
وينتظمُ الدنيا هدوءاً كأنها
................ عوالم في وادي المنى لم تصوّر
فلا صوت إلا خفقة من جوانحٍ
................ كما خفقت للضـوء عين المصور
ولم يبق من تلك الحياة وأهلها
................ سوى طيفها الساري بوادي التذكّر
***
خبيئة نفسي من عهود سحيقة
............ ومن جوف آباد مضت قبل مولدي !
أحسك في أغوار نفسي ولا أرى
................ محيّاك إلا كالخيال المشـرّد !
علمتك حتى أنت منّيَ بُضعةٌ
................ جهلتكِ حتى أنت في غير مشهدِ !
ويا طالما أخلفتِ لي كل موعـد
............... ويا طالما ألقاك في غير موعدِ !
عجبتُ فكم من نفرةٍ تنفرينها
.................. على فرط ما تبدينهُ من تودد !
حديثك من نفسي قريبٌ، وإنمـا
................ أخالك في واد من التيه سرمد
***
خبيئة نفسي ، ما ترى أنتِ ؟.. إنني
................ أريدك في جو من الضــوء معلم
أ عنصرك الإيمان والطهر أصلهُ ؟
.............. وإلا إلى الكفران والرجس منتمِ ؟
وفي أي وادٍ أنت تسرين خلسة ؟
................. ومن أي عهد في الجهالات مبهم ؟
وكم فيك من نصر ؟ وكم من هزيمة ؟
............... تجاورتا في حشدك المتزحّم ؟
وكم فيك من يأس ؟ وكم فيك مأملٌ ؟
................ وكم من تردّ ، أو وثوب تقحّمِ
وكم فيك من حب ، وكم فيك بغضـة ؟
............... ومن رشد إلهـام إلى خبط مظلم !
***
خبيئة نفسي في ثناياكِ معرضٌ
............. لما لقيَتهُ الأرض في الجولان
وفيك من الآباد سر وروعةٌ
........... وفيكِ صراعات بكل زمان
وفيك التقى الإنسان من عهد خلقهِ
............. وفيك التقى الروحيّ والحيواني !
وأنكِ طّلسم الحياة جميعها
................ وصورتها الصغرى بكل مكان (1)
أبيني إذن عن ذلك العالم الذي
.................. تضمنتهِ من صورة ومعـاني
أبيني أطالع في ثناياك ما مضى
..................وما هو آت من رؤى وأمان !
.
رحم الله الشهيد سيد قطب........رغم مآخذ العلماء عليه إلا أنه يظل مفكر إسلامي كبير, لم يثنه ظلم الحاكم ولا ظلام الزنزانة عن مواقفه........
من أروع أقوال الشهيد سيد قطب :
"إن أفكارنا و كلماتنا تظل جثثا هامدة ، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء"
جزيل الشكر يا أخت ليندا على الموضوع القيم
رحم الله الشهيد سيد قطب........رغم مآخذ العلماء عليه إلا أنه يظل مفكر إسلامي كبير, لم يثنه ظلم الحاكم ولا ظلام الزنزانة عن مواقفه........
من أروع أقوال الشهيد سيد قطب :
"إن أفكارنا و كلماتنا تظل جثثا هامدة ، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء"
جزيل الشكر يا أخت ليندا على الموضوع القيم
سيد قطب
شخص عظيم بكل معنى الكلمه تركلنا ثروة هائله
الله يرحمو
شكرا ع المرور كريم :D
النفس الضـائعة / 1934
أئنّـي أنا ؟ أم ذاك رمزٌ لغابرِ
............... لأنكرتُ من نفسي أخصّ شعائري !
لأنكرتُ إحساسي وأنكرتُ منزعي
.............. وأنكرتُ آمالي ، وشتّى خواطري
وأنكرتُ شعري : وهو نفسي بريئةٌ
................. ممحضة من كل خلطٍ مخامرِ
وتفصلني عما مضى من مشاعري
............ عهـود وآباد طوال الدياجرِ !
وأحسبها ذكرى ، ولكنّ بُعدها
............. يخيل لي : أن لم تمر بخاطري !
***
أنقبُ عن ماضيّ بين سرائري
.................. فألمحهُ كالوهمِ ، أو طيف عابرِ
أعيشُ بلا ماضٍ كأنيَ نبتةٌ
................... على السطح تطفو في مهب الأعاصر
وما غابرُ الإنسان إلا جذورهُ
................. فهل تمّ نبتٌ دون جذرٍ مؤازر ؟
وقد يتعزّى المرء عن فقد قابلِ
.................. فكيف عزاء المرء عن فقد غابرِ ؟
***
أنقب عن نفسي التي قد فقدتها
............... بنفسي التي أحيا بها غير شاعرِ !
وأطلبها في الروض إذ كان همها
............... تأمله يفضي بتلك الأزاهر
وفي الليل إذ يغشى ، وكانت إذا غفا
................ تيقّظ فيها كل غاف و سادر !
وفي الليلة القمراء إذ تهمس الرؤى
................. وتومئ للأرواح إيماء ساحرِ
وفي الفجر والأنداء يقطرن والشذى
.................. يفوح ، ويشجى سمعَهُ لحن طائر
وفي الحب إذ كانت شواظا وحرقة
................ ومهبط آمال ومطمح ثائر
وفي النكبة النكباءُ والغبطة التي
................ تجود بها الأقدار جود المحاذرِ
ولكنني أيئستُ أن ألتقي بها
..................... وتاهت بواد غامر التيهِ غائر
سأحيا إذن كالطيف ليست تحسه
..................... يدان ولا يجلوهُ ضـوء لناظرِ !
الغد المجهول /1934
يا ليت شعري ما يخبئهُ غدي ؟
..................إني أروح مع الظنون و أغتدي .!
وأجيل باصرتي بها وبصيرتي
................ أبغي الهدى فيها وما أنا مهتد !
حتى إذا لاح اليقينُ خلالها
................ أجفلتُ من وجه اليقين الأسود !
وأشحتُ عنه ولو أطقتُ دعوته
.............. وطرحتُ عني حيرتي وترددي !
فكأنني الملاح تاهَ سفينهُ
................... ويخاف من شطّ مريب أجرد !
***
ماذا سيولد يوم تولدُ يا غدي ؟
............... إني أحس بهول هذا المولـد !
سيصرّح الشك الدفينُ بمهجتي
.................... فأبيتُ فاقد خير ما ملكت يدي !
ستروع من حولي عواطف لم تزل
.................. تًضفي عليّ بعطفها المتودد
ستجف أزهار يفوح عبيرها
..................... حولي ، وينفحني بها الأرج الندي
والمشعل الهادي سيخبو ضوءهُ
................... ويلفني الليل البهيمُ بمفردي !
***
ماذا تخلف يوم تذهبُ يا غدي ؟
............. لا شيء بعد الفقد للمتفقد !
ستخلف الأيام قاعا صفصفاً
............... تذرو الرياح بها غبار الفدفد
لا مرتجى يُرجى ، ولا أسـف على
............ ماض يضيع كأنه لم يوجد !
أبدا ولا ذكرى تجدد ما انطوى
............. حتى التألم لا يعود بمشهدي !
رباهُ إني قد سئمتُ ترددي
.......... فالآن ، فلتقدم بهولك يا غدي !
غريب ..! / 1934
غريبٌ .. أجل أنا في غربة
................ وإن حفّ بي الصحبُ والأقربون
غريب بنفسي وما تنطوي
................ عليه حنايا فؤادي الحنون !
غريبُ وإن كان لمّا يزل
................... ببعض القلوب لقلبي حنين
ولكنها داخلتها الظنون
................ وجاور فيها الشكوك اليقين
غريبٌ فوا حاجتي للمعين
................. ووا لهف نفسيَ للمخلصين
***
أكادُ أشارف قفر الحياة
.................. فأشفق من هوله المرعب ِ
هنالك حيث ركام الفنـاء
............... يلوح كمقبرة الغيهـبِ
هنالك حيث يموت الرجـاء
............... وتثوي الأمانيَ كالمُتعبِ
فأرجع كالجازع المستطار
................. أرجّي أماني في المهرب !
ولكنهُ مقفرٌ أو يكاد
..................فا للغريبِ ..، ولم يغرب ؟
بين الظلال / 1934
يا ذكرياتي البعيدة ؛؛ في عالم الأشبـاح
يا أمنياتي الشريدة ؛؛ في عالــم الأرواح
إليّ قبل الصبـاح
إليّ من كل صـوب ؛؛ في عزلتي وانفرادي
فهينمي (*) حول قلبي ؛؛ ورفرفي في فؤادي
فأنتِ وحيي وزادي
غفلتُ يا ذكرياتي ؛؛ عن وحيكِ القدسيّ
بين اصطخاب الحياة ؛؛ بكل صوت دويّ
وكل جأر قوي !
سهوتُ يا أمنياتي ؛؛ عن النداء الخفي
إلى مراقي الحياةِ ؛؛ إلى الخلود النقي
بحاضر مأتيّ !
يا ذكرياتي البعيدة ؛؛ في عالم الأشباح
يا أمنياتي الشريدة ؛؛ في عالم الأرواح
إليّ قبل الصباح .!
***
الليل أرخى ستوره ؛؛ في هدأة كالخلود
والبدر أرسل نوره ؛؛ كبسمة من وليـد
راضي المحيّا سعيد
وخفض الكون خفقا ؛؛ قد ضرمته الليالي
وعاد يهمس رفقا ؛؛ بذكرياتي الخوالي !
وأمنياتي الغوالي
وجدت نفسي وكانت ؛؛ ضاعت ضياع الإياس
ورُضت نفسي فلانت ؛؛ من بعد طول الشماس
وبعد صعب المراس !
ورفرفت ذكريات ؛؛ أثرن قلبي حنيناً
ونضّرت أمنيات ؛؛ ذبلن كالزهر حينا
فيا لصنع السنينا ..
.
يا ذكرياتي البعيدة ؛؛ في عالم الأشباح
يا أمنياتي الشريدة ؛؛ في عالم الأرواح
إليّ قبل الصباح
فالفجرُ في الكون لاح
والصبح يذكي الصياح
،
فأقبلي في انفرادي ؛؛ ورفرفي في فؤادي
عودة الحيــاة / 1932
عجبٌ خفقكَ يا قلبيَ في
............. هذه الأضلع من بعد الخفوت !
أ و مـا زلت إذن لم تشتفِ
.............. من حنين فيك حيّ لا يموت ؟
***
أ و ما زال إذن نبع الحياة
........... لم يغُض فيك ولم ينضب معينه
ربما فاض على تلك الفــلاة
.............. في فؤاد مقفر جفّـت غصونه !
***
طال عهدي أيها القلب به
................ ذلك الخفق الذي ذكّـرتنيه
ذلك الخفق الذي لا ينتهي
................ حيث يسري الشعر كالتيار فيه
***
كم ربيع مرّ يتـلوه ربيع
............. وفؤادي في خريفٍ راكـدِ !
هامدُ الإحساس جاثٍ بالضـلوع
............ في حيـاة ذات نمطٍ واحـد
***
وحرمت الحس ، حتى بالألم
................ والندى حتى بتسكاب الدموع
إيهِ ما أقفرَ إحسـاس العدم
............. والأماني راكدات في القنـوع
***
هات يا قلب من النبض القوي
............... وتفتّـح كل يوم عن جديد
لم يزل في جعبة الكون الغني
................. ما يغذيك بأحـلام الوجود
***
وإذا لم تستطع فاخلق حياةً !
...............من شخوص الوهم أو طيف الأماني
ومن الحب ، وما صاغت يداه
................. من جحيم يتلظى أو جنان .!
البعث / 1932
قد بعثتُ اليوم أحيا من جديد
............... فهو بعث من حياة خامدة
مر نصف العمر أو كاد يزيد
.................. لهف نفسي – في حياة راكدة
،
في حياة لم أجد فيها حياة !
بلغَ العقم بها أقصى مداه
وتبدت بلقعاً مثل الفلاة
،
ثم لاحت تتراءى من بعيد
................ شعلة من نار حب واقدة
تلهب الحس وتستوحي القصيد
................... والأناشيد العذاب الخالدة
***
شاعر قد صيغ من فيض الشعور
.............. ملهم الفطرة منهوم النظر
نابض بالعطـف حساس الضمير
............... يدرك الهمسة تسري في حذر
،
كيف يحيا – وهو هذا – في عماء
مغلق الإحساس مطموس الرجاء
مقفرا كالكهـف محجوب الضياء ؟
،
هكذا عشت كسكّـان القبور
........... في ربيع العمر. في العهد النضر
آه لو أسطيع للماضي الحسير
............. رجعة ، من بعد ما جاء ومَر !
***
كنتُ أحييهِ كما يحيا الشباب!
............. نابضا بالحب جياش الأماني
ممسكا أهدابه خوف الذهاب
..................مستعزّا فيه حتى بالثواني !
،
طافراً أمرح فيه كالطيور
حينما تشدو بألحان البكور
بعدما تنفحها ريح الزهور
،
نصف عمري قد تولى في اكتئاب
................. فلأقض النصف نشوان الأغاني !
هائما ألهو بمعسول الرغاب
................... أو غني بالأمانيّ الحسان !
الشاعر في وادي الموتى " / 1934
من الطارق الساري خلال المقابر
................. كخفقة روح في الدجنات عابر ؟
من الوجل المذعور في وحشة الدجى
.................. تقلبهُ الأوهام في كل خاطر ؟
يُنقّل في تلك الدياجير خطوهُ
................. ويخطر في همس كهمس المحاذر؟
وقد سكنت من حوله كل نأمة *
............... سوى قلبهُ الخفاق بين الدياجرِ
وغشاه روع الموت ، والموت روعة
................... تغشى فيعنو كل نِكس وقادر؟
***
هو الشاعر الملهوف للحق والهدى
.................. وللسر لم يكشفهُ ضوء لناظر
تحير في سر الحياة وما اهتدى
............... إليه ، ولم يقنع بتلك الظواهر
وساءل عنه الكون والكون حائر
................ يسير كمعصوب بأيدي المقادر
وساءل عنه الموت ، والموت سادر
............... وساءل عنه الشعر في حنق ثائر
وساءل عنه كل شيء ، فلم يفز
............... بشيء ولم يرجع بصفقة ظافر !
***
أفي هذه الأجداث طلسم سرّه
........... لعل فمن يدري بسر المقابر ؟
ألم يخلع الموتى الأحابيل كلها ؟
.............. أحابيل أوهام الحياة الجوائر ؟
ألم يتركوا الدنيا الغَرور لأهلها
............... ويستوثقوا مما وراء المصائر ؟
ألا تهمس الأرواح بالسر إذ سرى
................... إليها ؟ ألا تهدي اليقين لحائر ؟
أجل ! ربما تعطي الجواب لسائل
................ وربما تجلو المصير لشـاعر !
***
وفيما يناجي في حمى الصمت نفسهُ
................ تسمّع همساً من خلال الحفائر
" من الطارق الساري خلال المقابر
........... فأقلق منّا كل غاف وساهرِ "
" أما يقنع الأحياءُ بالرحب كله ؟
............... أيا ويح للأحياء صرعى المظاهر "
" تركنا لهم دنياهمو وديارهم
.................. ولم يدعونا في حمى غير عامرِ "
***
وقال فتى منهم حديث قدومه
............. بنغمة إشفاق ونبرةَ ساخر !
" لعل الذي قد دب في ذلك الحمى
............... وأيقظ في أحشائه كل سادر"
" أخو صبوة ، يهفو إلى قبر ميتة
.............. له عنده وجد وتحنان ذاكر "
يقرّبهُ منه التذكر والهوى
.................. وتبعدهُ عنها غلاظ الستائر "
" وما أخدع الحب الذي في ديارهم
.................. يغشى على أبصارهم والبصائر "
وقالت لهم أم وفي صوتها أسى
............... ونبرة تحنان ، وكتمان صابر
" ألا ربما كانت ثكولاً حزينةً
............. على فلذة من قلبها المتناثر "
" وربتما كانت عجوزاً تأيمت
................ وضاقت بدهر ناضب العون غادر
***
وقد ذهبوا في حدسهم كل مذهب
.............. وفيما حوته نفسهُ من مشـاعر !
***
وجلجل صوت الشيخ يدوي كأنما
............. هو الدهرُ في صوت من الروع ظاهر
" من الطارق الساري خلال المقابر
.............. فأقلق منا كل غاف وساهر " !
***
فقال أخو الأحياء والقلبُ خافق
............. من الوجل الأخاذ ، في صوت حاسر
" أنا الحي لما يدر أسباب خلقه
.................. أنا المدلج الحيران بين الخواطر "
" دلفت إلى وادي المنايا لعلني
................... أفوز بسر في حناياه غائر "
" أما تعلمون السر في خلق عالم
.................. يموت ويحيا بين حين وآخر "
" وتكنفهُ الأحداث من كل جانب
................. ويركب للغايات شتى المخاطر "
" وليس له غاية غير أنه
.................... مسوق إلى تحقيق رغبة قاهر "
" ضنين بما يبغيه ليس يبيحهُ
................. لسائله عما وراء الظواهر "
" وماذا لقيتم بعد ما قد خلعتمو
................ قيود الليالي الخادعات المواكر ؟ "
" وماذا وراء الغيبِ والغيبُ مطبقٌ
................... وهل يتجلى مرة للنواظر ؟ "
" سؤال أخي شوق ، وقد طال شوقهٌ
.................. وحيرتهُ ، بين الشكوك الكوافر "
***
أريت لو ان الهول صُور منظراً
........تجلله الأخطار جد غوامر ؟
كذلك ساد الصمت بين الحفائر
.............. وران على أرواحهم والضمائر
وأذهل هاتيك النفوس فخفضت
............. من البهر والإعياء دقات طافر
***
يتبع
تابع //الشاعر في وادي الموتى " / 1934
وجلجل صوت الشيخ يدوي كأنه
..................... يحدّث من كون قصي المعابر !
" أيا ويلها تلك الحياة وأهلها
.................... تكشف عن بلوائها كل ساتر "
" وتطلب أسباب الشقاء لنفسها !
................ فتضرب في تيه من الشك غامر "
" وتسأل عن " سر " وليست بحاجة
........... إلى السر تشريهِ بأنفس حاضر ! "
" لقد أغمض الموت الرحيم جفوننا
...................وهدّأ في أفكارنا كل نافر !
" نسينا سؤالا لم يزل كل كائنٍ
............... يردده حيران في حرز " حازر " !
" نسيناه فارتحنا من الحيرة التي
.................. خسرنا بها الأعمار جد نواضر "
" وهاأنت ذا تذكيه ، يا لك جائر
................. ويالك مخدوعا بسر المقابر "
أريت لو ان الهول صور منظراً
.................. تجلله الأخطار جد غوامر ؟
كذلك ساد الصمت بين الحفائر
.................. وران على أرواحهم والضمائر
وأذهل هاتيك النفوس فخفضت
...............ز من البهر والإعياء دقات طافر
***
وعاد أخو الأحياء بعطو بحسرة
............... ولهفة محروم ، وإعياء خائرِ
لقد كان في الموتى وفي الموت مأمل
................ يعلله بالكشف عن كل ضامر
فألفى سرابا ثم لا ينقع الصدى
............ فوا ندما عن بحثه المتواتر !
فقد كان خيرا أن يعيش على المنى
.............. ويأمل بعد الموت كشف الستائر
ويا ليت هذا الموت يسرع خطوه
................. فيطوي حيّا عمره ربح خاسرِ !
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة