وحيد من غدر الحبيب
22/04/2008, 20:57
أرجو أن تعجبكم هذه القصة وأسمها ((( طنين )))
طنين
عندما خرج من المستشفى قصد المدينة بلهفة, لم يعد يذكر أبداً كيف وصل إلى هنا !
كل ما يذكره أنه أفاق في المستشفى فقالوا له أن ( سقالة ) خشب وقعت على رأسه و أنه نجا من الموت بأعجوبة , لا شك أنه لم يبرأ تماماً فهو يبصر الدنيا سديمية مهتزة لا تثبت على حال .. صور و مشاهد متلاحقة لحوانيت يبيع أصحابها أشياء غير مألوفة و بشر بسحنات و ملابس غريبة , و قد لاحظ أنه ما من أحد ينظر إلى زيه المختلف و ذقنه الحليقة .
سمع بعض المارة يقولون أن مروان بن الحكم الملقب بالحمار (!) قد هزمه العباسيون و أن دولة بني أميه قد سقطت .. و علق أحدهم أن الله يمهل و لايهمل , فمعاوية بن سفيان هو الذي ذبح مبدأ الشورى ثم تعاقب ( الخلفاء ) من بعده بخيرهم و شرهم و ليس للناس من رأي أو تصرف سوى التسليم بقضاء الله !..
يا الله ... ما الذي أخذه لذاك الزمان السحيق ؟ و تذكر للتو أنه يسكن في شقة من بناية لا تشبه أبداً تلك البيوت التي يرى , و تذكر أيضاً أنه جاء إلى دمشق من مدينة أخرى و أنه ترك في مدينته زوجة و أطفال و لا يذكر الآن إطلاقاً اسم مدينته و لا أسماء زوجته و أطفاله ...
عاوده الطنين في الرأس , ذلك الطنين الذي لازمه في المستشفى و صارت الرؤى تتبدل أمامه , و عاد الجو سديمياً مغبراً بلا لون معروف , رأى سواقي دماء تمشي في كل مكان , علم من المارة أن ( الأخوة ) في الإسلام يقتل بعضهم بعضاً دون رحمة , لشدة خوفه لم يسأل أحداً عن السبب .
سمع أن ( الخليفة ) الأندلسي عبد الرحمن الداخل قتل من خصومه سبعة آلاف نفس دفعة واحدة ! لم يصدق ذلك أبداً . العباسيون من جهتهم كانوا منهمكين في قتل الأمويين فلما لم يجدوا من يقتلونه نبشوا قبور ( الخلفاء ) السابقين , وقد حظي أحد هؤلاء ـ و كانت جثته لا تزال متماسكة ـ بالصلب والجلد ! ..
لا زال يذكر الجامع الكبير في دمشق , لقد صلى فيه من قبل عدة مرات , استحث الخطا مستعجلاً الوصول , قال في نفسه أنه عندنا يدخل الجامع سوف يهدأ روعه و تختفي تلك الرؤى المزعجة و لا بد أن سواقي الدماء سوف تختفي أيضاً .
عندما اقترب من الجامع سمع ضجة عظيمة , قرقعة سيوف و رماح ودروع, دخل فوجد جيشاً معقود اللواء رافع الرايات المزركشة , سأل , عرف أن هذا هو بعض جيش ( دقاق ) ملك دمشق و هو في سبيله لنجدة أنطاكية المحاصرة.
كان قد تعب من المشي و التفكير و الطنين فانسل من بين الجموع و قصد زاوية نائية في الجامع حيث تكور هناك على نفسه ونام . رأى وهو نائم زوجته و أطفاله , حاول جاهداً أن يعرف اسم مدينته و لم يوفق .
لا ريب أنه نام كثيراً لأنه عندما استيقظ رأى الجامع كما كان يعرفه من قبل , استغرب أنه لا يحس بالجوع , عجز عن معرفة السر و أخذه التفكير لعدة ظنون , منها أنه مات عندما وقعت سقالة الخشب على رأسه و أن روحه هي التي تدور الآن على مختلف العصور , و منها أنه لا يزال حياً و أن تلك الضربة على الرأس جعلته يرى ما لا يراه الناس .
تمنى لو عاد إلى حياته وزوجته و أطفاله و لكن كيف؟ خطر له خاطر و قام بتنفيذه على الفور , قفل عائداً إلى المستشفى فلا بد أن لديهم هناك بعض المعلومات التي تساعده في معرفة اسمه , إنه لا يعرف اسم المستشفى و لكنه سوف يتذكر الطريق , و بعد أن مشى كثيراً وصل إلى البقعة التي انطلق منها فلم يجد هناك أي مستشفى ! .. سأل الناس فاستغربوا سؤاله , و هكذا لم يبق أمامه سوى أن يعود للمدينة من جديد .
أحس بالجوع عندما وصل , و قد فرح لذلك كثيراً فهذا دليل مؤكد على أنه مازال حياً و ما عليه سوى أن يثابر البحث عن عائلته وسوف يجدها بالتأكيد ولو بعد حين .لم يجد في جيبه أية نقود , وقف في زاوية طريق يستعطي الناس , أعطوه نقوداً غريبة الشكل لحظ على بعضها صور أشخاص بقسمات حادة و لحى طويلة و قبعات كبيرة , خمن من تلك الصور أنه يعيش الآن في عصر المماليك , تذكر أنه قال لأصحابه مرة : " ... و أن تتناحر أمة ويسفك بعضها دماء بعض فإنه من الطبيعي لتلك الأمة أن تتدهور لدرجة أن يصبح من كانت تشتريهم بدراهمها حكاماً عليها . "
وجد نفسه أخيراً في خان متواضع ينام فيه عمال و عابرو طريق و مشردون أمثاله , أعجبه اللغط الذي كان يدور بين هذا الشتات من الناس , من هذا اللغط عرف الكثير من الأخبار و كيف ابتليت بلاد المسلمين بالصليبيين و التتار , أحزنه ما آلت إليه الأمة من التشتت و الضعف و صارت مطمعاً للهمج من كل جنس و ملة , عرف من اللغط أيضاً أنه ظلم المماليك حين نظر إليهم يوماً باستعلاء , فهم أول من أوقف زحف التتار .
مرت صورته في خاطره و هو يعلّم ووراءه سبورة , حسناً هذه أول خطوة صح , انه كان مدرساً إذن , و على الفور تداعت أمامه صور مدير المدرسة و بعض زملائه المدرسين , ثم توضحت أصوات ومناقشات و خلافات حادة في الرأي , أحزنه أن يعرف الآن أن الكل كان على خطأ و إلا كيف ضاع من أمته كل شيء ؟؟ ..
من جديد قصد الجامع الكبير , كان مشتت الفكر , لاحظ أن الطنين الذي سكن رأسه أياماً عديدة بدأ في الانحسار , اتجه إلى مثوى صلاح الدين , بكى كثيراً و هو يشكو له ما آل إليه حال البلاد و العباد , سمع صوت صلاح الدين و هو يبكي أيضاً , تحول إلى قبر عبد القادر فلم يجده , سأل عنه فأجابه أحدهم أن الأمير عندما رأى ما وصلنا إليه لملم عظامه و رحل .
عندما أراد أن يلبس حذاءه و هو يخرج من الجامع تعثر في الحاجز و سقط بعنف , لاريب أغمي عليه , لأنه أفاق فوجد نفسه ممدداً بجانب الحاجز و فوقه عدة أشخاص يحدقون به وهم يحاولون أن يساعدوه على النهوض , لاحظ على الفور أن وجوههم مألوفة و أنهم يلبسون مثل ما يلبس .
طنين
عندما خرج من المستشفى قصد المدينة بلهفة, لم يعد يذكر أبداً كيف وصل إلى هنا !
كل ما يذكره أنه أفاق في المستشفى فقالوا له أن ( سقالة ) خشب وقعت على رأسه و أنه نجا من الموت بأعجوبة , لا شك أنه لم يبرأ تماماً فهو يبصر الدنيا سديمية مهتزة لا تثبت على حال .. صور و مشاهد متلاحقة لحوانيت يبيع أصحابها أشياء غير مألوفة و بشر بسحنات و ملابس غريبة , و قد لاحظ أنه ما من أحد ينظر إلى زيه المختلف و ذقنه الحليقة .
سمع بعض المارة يقولون أن مروان بن الحكم الملقب بالحمار (!) قد هزمه العباسيون و أن دولة بني أميه قد سقطت .. و علق أحدهم أن الله يمهل و لايهمل , فمعاوية بن سفيان هو الذي ذبح مبدأ الشورى ثم تعاقب ( الخلفاء ) من بعده بخيرهم و شرهم و ليس للناس من رأي أو تصرف سوى التسليم بقضاء الله !..
يا الله ... ما الذي أخذه لذاك الزمان السحيق ؟ و تذكر للتو أنه يسكن في شقة من بناية لا تشبه أبداً تلك البيوت التي يرى , و تذكر أيضاً أنه جاء إلى دمشق من مدينة أخرى و أنه ترك في مدينته زوجة و أطفال و لا يذكر الآن إطلاقاً اسم مدينته و لا أسماء زوجته و أطفاله ...
عاوده الطنين في الرأس , ذلك الطنين الذي لازمه في المستشفى و صارت الرؤى تتبدل أمامه , و عاد الجو سديمياً مغبراً بلا لون معروف , رأى سواقي دماء تمشي في كل مكان , علم من المارة أن ( الأخوة ) في الإسلام يقتل بعضهم بعضاً دون رحمة , لشدة خوفه لم يسأل أحداً عن السبب .
سمع أن ( الخليفة ) الأندلسي عبد الرحمن الداخل قتل من خصومه سبعة آلاف نفس دفعة واحدة ! لم يصدق ذلك أبداً . العباسيون من جهتهم كانوا منهمكين في قتل الأمويين فلما لم يجدوا من يقتلونه نبشوا قبور ( الخلفاء ) السابقين , وقد حظي أحد هؤلاء ـ و كانت جثته لا تزال متماسكة ـ بالصلب والجلد ! ..
لا زال يذكر الجامع الكبير في دمشق , لقد صلى فيه من قبل عدة مرات , استحث الخطا مستعجلاً الوصول , قال في نفسه أنه عندنا يدخل الجامع سوف يهدأ روعه و تختفي تلك الرؤى المزعجة و لا بد أن سواقي الدماء سوف تختفي أيضاً .
عندما اقترب من الجامع سمع ضجة عظيمة , قرقعة سيوف و رماح ودروع, دخل فوجد جيشاً معقود اللواء رافع الرايات المزركشة , سأل , عرف أن هذا هو بعض جيش ( دقاق ) ملك دمشق و هو في سبيله لنجدة أنطاكية المحاصرة.
كان قد تعب من المشي و التفكير و الطنين فانسل من بين الجموع و قصد زاوية نائية في الجامع حيث تكور هناك على نفسه ونام . رأى وهو نائم زوجته و أطفاله , حاول جاهداً أن يعرف اسم مدينته و لم يوفق .
لا ريب أنه نام كثيراً لأنه عندما استيقظ رأى الجامع كما كان يعرفه من قبل , استغرب أنه لا يحس بالجوع , عجز عن معرفة السر و أخذه التفكير لعدة ظنون , منها أنه مات عندما وقعت سقالة الخشب على رأسه و أن روحه هي التي تدور الآن على مختلف العصور , و منها أنه لا يزال حياً و أن تلك الضربة على الرأس جعلته يرى ما لا يراه الناس .
تمنى لو عاد إلى حياته وزوجته و أطفاله و لكن كيف؟ خطر له خاطر و قام بتنفيذه على الفور , قفل عائداً إلى المستشفى فلا بد أن لديهم هناك بعض المعلومات التي تساعده في معرفة اسمه , إنه لا يعرف اسم المستشفى و لكنه سوف يتذكر الطريق , و بعد أن مشى كثيراً وصل إلى البقعة التي انطلق منها فلم يجد هناك أي مستشفى ! .. سأل الناس فاستغربوا سؤاله , و هكذا لم يبق أمامه سوى أن يعود للمدينة من جديد .
أحس بالجوع عندما وصل , و قد فرح لذلك كثيراً فهذا دليل مؤكد على أنه مازال حياً و ما عليه سوى أن يثابر البحث عن عائلته وسوف يجدها بالتأكيد ولو بعد حين .لم يجد في جيبه أية نقود , وقف في زاوية طريق يستعطي الناس , أعطوه نقوداً غريبة الشكل لحظ على بعضها صور أشخاص بقسمات حادة و لحى طويلة و قبعات كبيرة , خمن من تلك الصور أنه يعيش الآن في عصر المماليك , تذكر أنه قال لأصحابه مرة : " ... و أن تتناحر أمة ويسفك بعضها دماء بعض فإنه من الطبيعي لتلك الأمة أن تتدهور لدرجة أن يصبح من كانت تشتريهم بدراهمها حكاماً عليها . "
وجد نفسه أخيراً في خان متواضع ينام فيه عمال و عابرو طريق و مشردون أمثاله , أعجبه اللغط الذي كان يدور بين هذا الشتات من الناس , من هذا اللغط عرف الكثير من الأخبار و كيف ابتليت بلاد المسلمين بالصليبيين و التتار , أحزنه ما آلت إليه الأمة من التشتت و الضعف و صارت مطمعاً للهمج من كل جنس و ملة , عرف من اللغط أيضاً أنه ظلم المماليك حين نظر إليهم يوماً باستعلاء , فهم أول من أوقف زحف التتار .
مرت صورته في خاطره و هو يعلّم ووراءه سبورة , حسناً هذه أول خطوة صح , انه كان مدرساً إذن , و على الفور تداعت أمامه صور مدير المدرسة و بعض زملائه المدرسين , ثم توضحت أصوات ومناقشات و خلافات حادة في الرأي , أحزنه أن يعرف الآن أن الكل كان على خطأ و إلا كيف ضاع من أمته كل شيء ؟؟ ..
من جديد قصد الجامع الكبير , كان مشتت الفكر , لاحظ أن الطنين الذي سكن رأسه أياماً عديدة بدأ في الانحسار , اتجه إلى مثوى صلاح الدين , بكى كثيراً و هو يشكو له ما آل إليه حال البلاد و العباد , سمع صوت صلاح الدين و هو يبكي أيضاً , تحول إلى قبر عبد القادر فلم يجده , سأل عنه فأجابه أحدهم أن الأمير عندما رأى ما وصلنا إليه لملم عظامه و رحل .
عندما أراد أن يلبس حذاءه و هو يخرج من الجامع تعثر في الحاجز و سقط بعنف , لاريب أغمي عليه , لأنه أفاق فوجد نفسه ممدداً بجانب الحاجز و فوقه عدة أشخاص يحدقون به وهم يحاولون أن يساعدوه على النهوض , لاحظ على الفور أن وجوههم مألوفة و أنهم يلبسون مثل ما يلبس .