agha
29/07/2005, 04:04
"إسرائيل لا تريد السلام" مقولة تردد كثيراً على لسان الباحثين والمحللين والمعلقين السياسيين في غير بلد في العالم، وأحياناً يفهم إنها مقولة تطلق جزافاً، أو ظلماً وبهتاناً (لاسيما في دوائر الغرب) دون أدلة منطقية أو إثباتات دامغة.. ويستمر الحال سجالاً وجدالاً، أخذاً ورداً .. إلى أن أفرج مؤخراً عن بعض الوثائق الإسرائيلية.. ومنها مثلاً محضر جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم 29/ أيار 1949 لتؤكد وثائقه أن السلام مستحيل مع إسرائيل :
يقول دافيد بن غوريون في تلك الجلسة:
" محظورٌ على دولة إسرائيل أن تقامر بأمنها، ولهذا فإن استباق أي تهديد محتمل بضربة وقائية هو عمل له مبرراته السياسية والأخلاقية حتى وإن ثبت فيما بعد عدم صحته"
وتتوالى سلسلة المنظومات والرؤى الاستراتيجية الإسرائيلية التي تدعم هذه النظرية منها مثلاً."حدود التسوية واستراتيجية إسرائيل في القرن 21" وهو كتاب جديد صدر حديثاً لـ"افرايم سنيه"؛ أحد زعماء حزب العمل ووزير الصحة السابق في إسرائيل، قام بترجمته عبد العال الباقوري، ويعد هذا الكتاب شهادة على ما يدور في عقل صناع القرار في إسرائيل، واعتماداً على ما جاء في هذا الكتاب إلى جانب كتابات محمد حسنين هيكل لا سيما مؤلفاته (الانفجار67 ,2000-2001 عام من الأزمات، كلام في السياسة، المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل وغيرها) قام إيهاب كمال محمد بإجراء دراسة تحت عنوان "السلام المستحيل مع إسرائيل" صدرت مؤخراً عن دار الحرية للنشر والتوزيع، وتضمنت هذه الدراسة قراءة في أوراق شخصيات سياسية، ووثائق إسرائيلية وتحليلات ورؤى وأفكار لشخصيات إسرائيلية، وتعليقات وتحليلات لـ هيكل على معظم ما جاء في هذه الوثائق.
جاء في سفر التكوين: الاصحاح 15 المقطع 18 ما يلي:"سأعطي نسلك هذه الأرض من الوادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات" ويعلق على هذه العبارة الجنرال "موشي دايان" في "جيروزاليم بوست" 10/8/1967 قائلاً: "إذا كنا نملك التوراة، ونعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نملك جميع الأراضي المنصوص عليها في التوراة"، إذاً إنه الوعد بالأرض، أو الأسطورة /الوعد والتي تلبست إسرائيل إلى درجة الهوس، الدرجة التي لجأ فيها "إيجال عامير" إلى قتل إسحاق رابين "الذي فرط في جزء من الأراضي المقدسة" والقتل جاء كنتاج خالص وصرف للتربية الصهيونية ولا غرابة في ذلك فـ عامير هذا هو ابن حاخام، وكان طالباً متفوقاً في الجامعة اللاهوتية، وتربى على تعاليم المدارس التلمودية..
ولا تكتفي إسرائيل بالافتتان بالأساطير والخرافات، بل وتجهد - بكل ما أوتيت - لتذوب فيها وتصّيرها نسقاً متكاملاً في نظامها، وبوصلة للتحرك في خيالاتها و أوهامها وتطبقها على أرض الواقع.. ولأجل ذلك تضع أهدافاً استراتيجية لا تحيد عنها مع اختلاف "التكتيك" وتنوع وتعدد "طرق الصيد" ضمن أولويات تراتبية يضعها خبراء وساسة كبار وهذه شهادة "سنيه" على ما يدور في كواليس حكمهم، تقول الشهادة:
- ضمانتان لابد منهما: التفوق العسكري والتقني "والاستخباراتي" ، وحدود يمكن الدفاع عنها .
- سورية خصم عسكري يهدد إسرائيل.. ولا بد من شلّ قدرتها على القيام بهجوم مفاجئ .
- تفوق إسرائيل العسكري قاد العرب إلى المفاوضات وهو الذي يضمن استقرار السلام.
- مكانة مصر في المنطقة بعد سنة 2000 لن تُحقق إلاّ عن طريق مشاركة فعالة مع إسرائيل.
- على إسرائيل بذل الجهود السياسية كافة "لمنع رفع العقوبات على العراق" (قبل احتلاله من قبل الولايات المتحدة).
- تحييد مصر.. إضعاف سورية .. تفتيت العراق.. التحكم بلبنان.
ويتساءل "سنيه" ولكن إسرائيل في البداية والنهاية "كيان صغير، بل ضئيل، محدد المساحة والسكان والإمكانيات" ومهما يكن ما حققته "فإن القزم لا يستطيع أن يصير عملاقاً ، ومهما يكن تقدمها العلمي والتكنولوجي فإنه عاجز عن جعل "الأرنب" يصير "فيلاً" سواء بالهندسة الوراثية أو غير الوراثية..
إذاً ما العمل؟! إنها السياسة لا شك، السياسة التي تحركها التعاليم التوراتية، فهذا هو "بن غوريون" يفكر بالطريقة التي يتعامل فيها مع مصر لا سيما بعد دخولها حرب الـ48 ويتوصل إلى ضرورة وصل الماضي التوراتي بالحاضر حتى بعد مرور أكثر من ثلاثين قرناً؛ فمصر ما زالت هي "مصراييم" التي خرج منها اليهود هرباً من الفرعون وكل ما حدث هو أن الفرعون الآن لم يعد "رمسيس الثاني" وإنما "فاروق الأول" (آنذاك) لتتحول الأساطير بعد مزجها بالتاريخ إلى استراتيجية كاملة ولكن ما هي الصيغة؟ 1-
يلزم أن تظل مصر وراء حدودها، والإنكليز والأميركان وأوربا لابد أن يعرفوا أن ذلك في صالحهم من الناحية الاستراتيجية ومن ناحية البترول. 2-
يجب منع مصر من إقامة أية تحالفات مع بقية العالم العربي قفزاً فوق إسرائيل خصوصاً مع سورية بالذات ثم السعودية والعراق وهذه مسألة مهمة. 3-
من الضروري توسيع العازل الصحراوي بين مصر وإسرائيل وهذا العازل لابد له أن يشمل سيناء المصرية وأيضاً منطقة النقب (الصحراوية جنوب فلسطين) 4-
عندما تقبع مصر وراء حدودها وتترك إسرائيل وشأنها فإنه يتحتم على إسرائيل أن تعطي نفسها كل المزايا المتوفرة استراتيجياً لمصر . 5-
على إسرائيل أن تحاول العثور على صداقات خاصة، أو حتى علاقة مصلحة متبادلة بينها وبين عدد من العناصر المكونة للـ"موازييك" الإنساني في الشرق الأوسط .
وماذا عن الأكراد ضمن هذا "الموازييك" كما سماه "بن غوريون"؟ الذي يتساءل "إن كنا نستطيع إقامة علاقات منظمة معهم ومع "الموارنة" في لبنان - لا أتحدث عن علاقات مع أفراد هنا وهناك، ولكن مع كتل دائمة وحاضرة باستمرار؟ هل نستطيع مع الدروز خصوصاً وأن هناك قسماً كبيراً منهم تحت سلطة الدولة الآن؟ هل نستطيع مع العلويين في سورية، فكرت أيضاً في أقباط مصر، لكنهم حالة ميئوس منها لأن حرصهم على حياتهم المشتركة مع المسلمين في مصر طغى عندهم على أي اعتبار"
ويطالب "سنيه" بتمتين العلاقة مع تركيا ، ويعدّ هذه العلاقة أهم الأهداف السياسية في سنوات ما بعد الألفين ، أما مشكلة الأكراد بالنسبة له فهي "مشكلة ليس من المستحيل حلها" بل إن وجود "كيان كردي" في "الشرق الأوسط" له استقلالية وحكم ذاتي مسألة محسومة بالنسبة إليه، وصداقة هذا الكيان لـ"إسرائيل" لا نقاش فيها، من هنا يطالب "سنيه" بالإسراع في إقامة هذا الكيان، وتحويل شمال العراق إلى دولة كردية، مما يثبت أن إسرائيل سعت وتسعى لتقسيم العراق..!!
6- وبالعودة إلى شروط "بن غوريون" كما ورد في محضر جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي بتاريخ 29/5/1949
فإنه يطرح أيضاً قضية الجاليات اليهودية في العالم العربي وخاصة في مصر متسائلاً"هل حان وقت تجنيدهم لصالح الدولة،؟ إن الوقت مازال مبكراً للمحاولة، هم هناك، وهم على أي حال رصيد احتياطي فيه عناصر مستعدة وراغبة في أن تستجيب لما تطلبه الدولة منهم" .
7- أن تحقق إسرائيل لنفسها قوة ردع تواجه بها "الكم البشري الإنساني الضخم" في مصر إذا جاء ذلك اليوم، على أن يكون هذا الجيش أقوى من الجيوش العربية مجتمعة "لأنهم قد يحاصروننا" وقادر على نقل المعركة من أول يوم إلى أرض العدو "لأن رقعة أرضنا ضيقة"، وأن يكون مهيأً لحسم المعركة خلال أيام كي يستطيع جنودنا العودة إلى عملهم في الكبوتات وأجهزة الدولة، وأن يكون مدعوماً من قوة عظمى سياسياً واستراتيجياً تدعمها بالسلاح والذخيرة عند الحاجة وإلى الحد الضروري. (المصدر السابق)
ويرى محمد حسنين هيكل أن الوثائق الإسرائيلية بتقاريرها وشهاداتها ومعلوماتها تمتلئ بإشارات دائمة ومتكررة وملحة إلى ضرورة أن تكون لإسرائيل قنبلة نووية تكون الحامي النهائي لها وسط جموع العرب المحيطين بها في كل ناحية، والذين أضمروا لها العداء حتى من قبل قيامها ثم رفضوا التعامل الطبيعي (التطبيع) معها بعد قيامها وحتى بعد انتصارها عليهم عسكرياً في سنة 1948، وقد وردت الإشارة إلى وجوب امتلاك القنبلة النووية حتى قبل قيام إسرائيل، ففي محضر اجتماع للجنة التنفيذية للوكالة اليهودية حضره "بن غوريون" سنة 1947 يقول فيه : "عندما تقوم الدولة اليهودية في وسط هذا البحر من الحقد العربي عليها، فإن ضمانها الوحيد هو الحصول على سلاح متطور من مستوى ذلك السلاح الذي حسمت به الولايات المتحدة حربها مع اليابان (القنبلة الذرية) ويضيف : "الدولة اليهودية عندما تقوم لا ينبغي لها أن تكرر تجربة يهود أوربا الذين لم ينتبهوا إلاّ بعد فوات الأوان إلى أن "هتلر" يريد "إبادتهم في غرف الغاز" وإذا لم نقف للعرب من قبل الدقيقة الأولى فإن "المحرقة" "الهولوكوست" التي جرت في أوربا سوف تكرر .. وذلك لا ينبغي أن نسمح به مهما كانت المخاطر ومهما كان الثمن.
وإذا ما بحثنا في مصطلح "الأرض مقابل السلام" الذي يتردد كثيراً فإن التساؤل : "ولكن بأي قوة نستطيع فرض هذا المفهوم على مائدة من موائد المفاوضات" وعن ذلك كتب هيكل يقول :
"..ثم تجيء وثيقة إسرائيلية أخرى متأنية وواضحة وهي مذكرة كتبها رئيس هيئة الأركان "موشي دايان" إلى وزير الدفاع ورئيس الوزراء (بناء على طلب من "غوريون"فيما يبدو).
تقول المذكرة:
إن الحل الكامل الضروري لمشكلة إسرائيل الأمنية يتطلب إسقاط نظام ناصر في مصر، ولتحقيق ذلك، من المهم السعي إلى مواجهة حاسمة مع المصريين في وقت قريب.. في أقرب وقت ممكن، وإلاّ فإن التكاليف الأمنية قد تصبح عالية... وبعد أن اطلع بن غوريون على المذكرة طلب إلى رئاسة الأركان أن تعرض عليه خططاً:
- خطة لاحتلال غزة وفصل القطاع عن مصر .
- خطة لاحتلال شرم الشيخ والمنطقة المحيطة بها.
- خطة لاحتلال خط العريش - رأس محمد في سيناء.
- خطة لاحتلال سيناء بأكملها.
وهنا تظهر في الوثائق الإسرائيلية لأول مرة بداية شعار" الأرض مقابل السلام، الذي تطور فيما بعد إلى نظرية متكاملة فحواها أن تحتل إسرائيل أجزاءً كبيرة أو صغيرة - حسب المتاح - من الأراضي العربية وتفاوض عليها من مبدأ "الأرض مقابل السلام"
ويعلق هيكل على ذلك : "من المفزع أن السياسة العربية الراهنة تستعمل "هذا الشعار"، و "هذه النظرية" وكأن كليهما من اجتهاداتها أو اختراعاتها، غافلة عن الأصل، وناسية تجارب عديدة جرى فيها الإمساك بمواقع كثيرة وصغيرة من الأرض العربية - رهائن مقابل فدية - عودة أرض أمام تراجع حق" ...
يقول دافيد بن غوريون في تلك الجلسة:
" محظورٌ على دولة إسرائيل أن تقامر بأمنها، ولهذا فإن استباق أي تهديد محتمل بضربة وقائية هو عمل له مبرراته السياسية والأخلاقية حتى وإن ثبت فيما بعد عدم صحته"
وتتوالى سلسلة المنظومات والرؤى الاستراتيجية الإسرائيلية التي تدعم هذه النظرية منها مثلاً."حدود التسوية واستراتيجية إسرائيل في القرن 21" وهو كتاب جديد صدر حديثاً لـ"افرايم سنيه"؛ أحد زعماء حزب العمل ووزير الصحة السابق في إسرائيل، قام بترجمته عبد العال الباقوري، ويعد هذا الكتاب شهادة على ما يدور في عقل صناع القرار في إسرائيل، واعتماداً على ما جاء في هذا الكتاب إلى جانب كتابات محمد حسنين هيكل لا سيما مؤلفاته (الانفجار67 ,2000-2001 عام من الأزمات، كلام في السياسة، المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل وغيرها) قام إيهاب كمال محمد بإجراء دراسة تحت عنوان "السلام المستحيل مع إسرائيل" صدرت مؤخراً عن دار الحرية للنشر والتوزيع، وتضمنت هذه الدراسة قراءة في أوراق شخصيات سياسية، ووثائق إسرائيلية وتحليلات ورؤى وأفكار لشخصيات إسرائيلية، وتعليقات وتحليلات لـ هيكل على معظم ما جاء في هذه الوثائق.
جاء في سفر التكوين: الاصحاح 15 المقطع 18 ما يلي:"سأعطي نسلك هذه الأرض من الوادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات" ويعلق على هذه العبارة الجنرال "موشي دايان" في "جيروزاليم بوست" 10/8/1967 قائلاً: "إذا كنا نملك التوراة، ونعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نملك جميع الأراضي المنصوص عليها في التوراة"، إذاً إنه الوعد بالأرض، أو الأسطورة /الوعد والتي تلبست إسرائيل إلى درجة الهوس، الدرجة التي لجأ فيها "إيجال عامير" إلى قتل إسحاق رابين "الذي فرط في جزء من الأراضي المقدسة" والقتل جاء كنتاج خالص وصرف للتربية الصهيونية ولا غرابة في ذلك فـ عامير هذا هو ابن حاخام، وكان طالباً متفوقاً في الجامعة اللاهوتية، وتربى على تعاليم المدارس التلمودية..
ولا تكتفي إسرائيل بالافتتان بالأساطير والخرافات، بل وتجهد - بكل ما أوتيت - لتذوب فيها وتصّيرها نسقاً متكاملاً في نظامها، وبوصلة للتحرك في خيالاتها و أوهامها وتطبقها على أرض الواقع.. ولأجل ذلك تضع أهدافاً استراتيجية لا تحيد عنها مع اختلاف "التكتيك" وتنوع وتعدد "طرق الصيد" ضمن أولويات تراتبية يضعها خبراء وساسة كبار وهذه شهادة "سنيه" على ما يدور في كواليس حكمهم، تقول الشهادة:
- ضمانتان لابد منهما: التفوق العسكري والتقني "والاستخباراتي" ، وحدود يمكن الدفاع عنها .
- سورية خصم عسكري يهدد إسرائيل.. ولا بد من شلّ قدرتها على القيام بهجوم مفاجئ .
- تفوق إسرائيل العسكري قاد العرب إلى المفاوضات وهو الذي يضمن استقرار السلام.
- مكانة مصر في المنطقة بعد سنة 2000 لن تُحقق إلاّ عن طريق مشاركة فعالة مع إسرائيل.
- على إسرائيل بذل الجهود السياسية كافة "لمنع رفع العقوبات على العراق" (قبل احتلاله من قبل الولايات المتحدة).
- تحييد مصر.. إضعاف سورية .. تفتيت العراق.. التحكم بلبنان.
ويتساءل "سنيه" ولكن إسرائيل في البداية والنهاية "كيان صغير، بل ضئيل، محدد المساحة والسكان والإمكانيات" ومهما يكن ما حققته "فإن القزم لا يستطيع أن يصير عملاقاً ، ومهما يكن تقدمها العلمي والتكنولوجي فإنه عاجز عن جعل "الأرنب" يصير "فيلاً" سواء بالهندسة الوراثية أو غير الوراثية..
إذاً ما العمل؟! إنها السياسة لا شك، السياسة التي تحركها التعاليم التوراتية، فهذا هو "بن غوريون" يفكر بالطريقة التي يتعامل فيها مع مصر لا سيما بعد دخولها حرب الـ48 ويتوصل إلى ضرورة وصل الماضي التوراتي بالحاضر حتى بعد مرور أكثر من ثلاثين قرناً؛ فمصر ما زالت هي "مصراييم" التي خرج منها اليهود هرباً من الفرعون وكل ما حدث هو أن الفرعون الآن لم يعد "رمسيس الثاني" وإنما "فاروق الأول" (آنذاك) لتتحول الأساطير بعد مزجها بالتاريخ إلى استراتيجية كاملة ولكن ما هي الصيغة؟ 1-
يلزم أن تظل مصر وراء حدودها، والإنكليز والأميركان وأوربا لابد أن يعرفوا أن ذلك في صالحهم من الناحية الاستراتيجية ومن ناحية البترول. 2-
يجب منع مصر من إقامة أية تحالفات مع بقية العالم العربي قفزاً فوق إسرائيل خصوصاً مع سورية بالذات ثم السعودية والعراق وهذه مسألة مهمة. 3-
من الضروري توسيع العازل الصحراوي بين مصر وإسرائيل وهذا العازل لابد له أن يشمل سيناء المصرية وأيضاً منطقة النقب (الصحراوية جنوب فلسطين) 4-
عندما تقبع مصر وراء حدودها وتترك إسرائيل وشأنها فإنه يتحتم على إسرائيل أن تعطي نفسها كل المزايا المتوفرة استراتيجياً لمصر . 5-
على إسرائيل أن تحاول العثور على صداقات خاصة، أو حتى علاقة مصلحة متبادلة بينها وبين عدد من العناصر المكونة للـ"موازييك" الإنساني في الشرق الأوسط .
وماذا عن الأكراد ضمن هذا "الموازييك" كما سماه "بن غوريون"؟ الذي يتساءل "إن كنا نستطيع إقامة علاقات منظمة معهم ومع "الموارنة" في لبنان - لا أتحدث عن علاقات مع أفراد هنا وهناك، ولكن مع كتل دائمة وحاضرة باستمرار؟ هل نستطيع مع الدروز خصوصاً وأن هناك قسماً كبيراً منهم تحت سلطة الدولة الآن؟ هل نستطيع مع العلويين في سورية، فكرت أيضاً في أقباط مصر، لكنهم حالة ميئوس منها لأن حرصهم على حياتهم المشتركة مع المسلمين في مصر طغى عندهم على أي اعتبار"
ويطالب "سنيه" بتمتين العلاقة مع تركيا ، ويعدّ هذه العلاقة أهم الأهداف السياسية في سنوات ما بعد الألفين ، أما مشكلة الأكراد بالنسبة له فهي "مشكلة ليس من المستحيل حلها" بل إن وجود "كيان كردي" في "الشرق الأوسط" له استقلالية وحكم ذاتي مسألة محسومة بالنسبة إليه، وصداقة هذا الكيان لـ"إسرائيل" لا نقاش فيها، من هنا يطالب "سنيه" بالإسراع في إقامة هذا الكيان، وتحويل شمال العراق إلى دولة كردية، مما يثبت أن إسرائيل سعت وتسعى لتقسيم العراق..!!
6- وبالعودة إلى شروط "بن غوريون" كما ورد في محضر جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي بتاريخ 29/5/1949
فإنه يطرح أيضاً قضية الجاليات اليهودية في العالم العربي وخاصة في مصر متسائلاً"هل حان وقت تجنيدهم لصالح الدولة،؟ إن الوقت مازال مبكراً للمحاولة، هم هناك، وهم على أي حال رصيد احتياطي فيه عناصر مستعدة وراغبة في أن تستجيب لما تطلبه الدولة منهم" .
7- أن تحقق إسرائيل لنفسها قوة ردع تواجه بها "الكم البشري الإنساني الضخم" في مصر إذا جاء ذلك اليوم، على أن يكون هذا الجيش أقوى من الجيوش العربية مجتمعة "لأنهم قد يحاصروننا" وقادر على نقل المعركة من أول يوم إلى أرض العدو "لأن رقعة أرضنا ضيقة"، وأن يكون مهيأً لحسم المعركة خلال أيام كي يستطيع جنودنا العودة إلى عملهم في الكبوتات وأجهزة الدولة، وأن يكون مدعوماً من قوة عظمى سياسياً واستراتيجياً تدعمها بالسلاح والذخيرة عند الحاجة وإلى الحد الضروري. (المصدر السابق)
ويرى محمد حسنين هيكل أن الوثائق الإسرائيلية بتقاريرها وشهاداتها ومعلوماتها تمتلئ بإشارات دائمة ومتكررة وملحة إلى ضرورة أن تكون لإسرائيل قنبلة نووية تكون الحامي النهائي لها وسط جموع العرب المحيطين بها في كل ناحية، والذين أضمروا لها العداء حتى من قبل قيامها ثم رفضوا التعامل الطبيعي (التطبيع) معها بعد قيامها وحتى بعد انتصارها عليهم عسكرياً في سنة 1948، وقد وردت الإشارة إلى وجوب امتلاك القنبلة النووية حتى قبل قيام إسرائيل، ففي محضر اجتماع للجنة التنفيذية للوكالة اليهودية حضره "بن غوريون" سنة 1947 يقول فيه : "عندما تقوم الدولة اليهودية في وسط هذا البحر من الحقد العربي عليها، فإن ضمانها الوحيد هو الحصول على سلاح متطور من مستوى ذلك السلاح الذي حسمت به الولايات المتحدة حربها مع اليابان (القنبلة الذرية) ويضيف : "الدولة اليهودية عندما تقوم لا ينبغي لها أن تكرر تجربة يهود أوربا الذين لم ينتبهوا إلاّ بعد فوات الأوان إلى أن "هتلر" يريد "إبادتهم في غرف الغاز" وإذا لم نقف للعرب من قبل الدقيقة الأولى فإن "المحرقة" "الهولوكوست" التي جرت في أوربا سوف تكرر .. وذلك لا ينبغي أن نسمح به مهما كانت المخاطر ومهما كان الثمن.
وإذا ما بحثنا في مصطلح "الأرض مقابل السلام" الذي يتردد كثيراً فإن التساؤل : "ولكن بأي قوة نستطيع فرض هذا المفهوم على مائدة من موائد المفاوضات" وعن ذلك كتب هيكل يقول :
"..ثم تجيء وثيقة إسرائيلية أخرى متأنية وواضحة وهي مذكرة كتبها رئيس هيئة الأركان "موشي دايان" إلى وزير الدفاع ورئيس الوزراء (بناء على طلب من "غوريون"فيما يبدو).
تقول المذكرة:
إن الحل الكامل الضروري لمشكلة إسرائيل الأمنية يتطلب إسقاط نظام ناصر في مصر، ولتحقيق ذلك، من المهم السعي إلى مواجهة حاسمة مع المصريين في وقت قريب.. في أقرب وقت ممكن، وإلاّ فإن التكاليف الأمنية قد تصبح عالية... وبعد أن اطلع بن غوريون على المذكرة طلب إلى رئاسة الأركان أن تعرض عليه خططاً:
- خطة لاحتلال غزة وفصل القطاع عن مصر .
- خطة لاحتلال شرم الشيخ والمنطقة المحيطة بها.
- خطة لاحتلال خط العريش - رأس محمد في سيناء.
- خطة لاحتلال سيناء بأكملها.
وهنا تظهر في الوثائق الإسرائيلية لأول مرة بداية شعار" الأرض مقابل السلام، الذي تطور فيما بعد إلى نظرية متكاملة فحواها أن تحتل إسرائيل أجزاءً كبيرة أو صغيرة - حسب المتاح - من الأراضي العربية وتفاوض عليها من مبدأ "الأرض مقابل السلام"
ويعلق هيكل على ذلك : "من المفزع أن السياسة العربية الراهنة تستعمل "هذا الشعار"، و "هذه النظرية" وكأن كليهما من اجتهاداتها أو اختراعاتها، غافلة عن الأصل، وناسية تجارب عديدة جرى فيها الإمساك بمواقع كثيرة وصغيرة من الأرض العربية - رهائن مقابل فدية - عودة أرض أمام تراجع حق" ...