-
دخول

عرض كامل الموضوع : الصحة النفسية للمراة العربية (كتاب جديد)


ibraham
28/07/2005, 23:36
بداية لا بد أن ننوه أن هذا الكتاب هو أحد إصدارات اتحاد الأطباء النفسيين العرب. ولعل ألحد أهداف هذا الاتحاد هو حث الأطباء والطبيبات النفسيين العرب على التأليف والنشر في مجال الطب النفس من واقع الأبحاث المحلية التي تجرى على الأرض العربية ومرضى عرب ولا نكتفي بالنقل عن الغرب وخاصة في مجال الطب النفسي الذي تتأثر أمراضه بالواقع البيئي الاجتماعي المحلى إلى الحد الذي نطالب فيه بوجوب أن يكون هناك ما يسمى بالمدرسة العربية للطب النفسي. وسوف يكتشف القارئ من خلال صفحات هذا الكتاب أن ثمة عوامل خاصة ترتبط بالواقع الاجتماعي العربي لها تأثيرها المباشر على حدوث المرض وأعراضه ومآله ومدى فاعلية العلاج فالعقاقير ذاتها يكون لها تأثيرات نوعية وكمية مختلفة حسب الرق والجنس، أما العلاج النفسي الذي لا يعتمد على العقاقير فإنه لا بد أن يلبس ثوب المجتمع المحلى وخاصة فيما بتعلق بالمعتقدات والمفاهيم وأسلوب الحياة والفلسفة الخاصة للمجتمع المحلى.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا له نكهة عربية خالصة فهو يشير في معظم أجزائه إلى أبحاث عربية أي تمت على أرض عربية وعلى مرضى عرب. ولهذا فالحلول العلاجية والوقائية التي يقدمها هذا الكتاب تعتمد في عموميتها على ما استخلصه المؤلفان من هذه الأبحاث العربية الخالصة.

كتاب لا بد أن يؤخذ باهتمام شديد وأن يقرأ بعناية بالغة، فهو ليس مجرد كتاب علمي يستعرض الحقائق والنظريات ويستخلص النتائج من الأبحاث ولكنه كتاب نقدي كتاب له وجهة نظر يعرفها ويؤكدها ويدلل علبها بوضوح وبدون مواربة، إن المؤلفين يقولان بصوت واضح ومسموع: "هذا رأينا، وللقارئ الحق بعد ذلك أن يختلف أو يتفق " وحتى لو اختلف فإن المؤلفين يكونان قد نجحا في حرث الأرض وتقليبها وتعريضها للهواء والشمس حتى الذي اختلف سوت يعاود التفكير، وكلها على موقفه أو يتراجع ليلتقي مع المؤلفان.

ولذا فلا أجاوز القول إذا قلت: إن هذا الكتاب هو علامة هامة في الساحة الثقافية وسيكون له توابعه في صورة اختلافات وانقسامات بين طبقات المثقفين والمهتمين وسيكون دافعا لمزيد من البحث العلمي وفق مناهج بحثية دقيقة محققة لرفض أو تأييد ما انتهى إليه المؤلفان.

ولقد اعتمد الكتاب على أبحاث علمية قام بمعظمها المؤلفان وفي نهاية كل فصل تجد قائمة بالأبحاث التي يستطيع القارئ وخاصة المتخصص أن يرجع إليها، إذن نحن أمام كتاب علمي ليست به خواطر شخصية ولا يعتمد على الخيال، ورغم ذلك فالمثقف غبر المتخصص يستطيع أن يستوعبه ويستفيد منه.

وأنا أقول: إنه من أفيد الكتب التي قرأتها على مدى سنوات طويلة وسيكون له أكبر الأثر في الأسرة العربية.

والكتاب عن المرأة، ولكنني أعتبر أي كتاب عن المرأة هو كتاب عن الأسرة، أي المرأة في إطار علاقتها بزوجها وفي إطار دورها كأم، فكل ما يتعلق بالمرأة بكون له أثره المباشر على الأسرة.

والسؤال الذي يخطر على البال عند قراءة عنوان الكتاب: هل هناك اختلاف في نسب تعرض المرأة للمرض النفسي والعقلي عن الرجل؟ وهل الأعراض تختلف؟ وهل هناك علاجات خاصة لا يمكن للرجل استخدامها؟ الإجابة نعم، إن للمرأة تكوينا بيولوجيا خاصا، ولكن ليس إلى حد يجعلنا نضع حدودا تفصلها عن الرجل فيما يتعلق بالمرض النفسي أسبابا وعلاجا، إذن هناك أسباب أخرى أدت إلى هذا التحيز والاختلاف، إنها الأسباب الاجتماعية، إنه وضع المرأة التاريخي العالمي، إنه وضع المرأة العربية على وجه الخصوص، إنها الثقافة العربية، المفاهيم الراسخة، العادات المتأصلة.

إذن نحن أمام خليط من العوامل البيولوجية والعوامل البيئية الثقافية الاجتماعية المحلية، ولقد استطاع المؤلفان ببراعة فائقة تحديد ما هو بيولوجي وما هو اجتماعي، فالفروق البيولوجية تؤدى إلى اختلافات لها صفة العالمية، أما الوضع الاجتماعي الخاص للمرأة العربية فهو المسؤول عن أشكال معينة هن المعاناة النفسية مقصورة على المرأة العربية.

ولقد أسهب المؤلفان و أفاضا في تحديد الأسباب الاجتماعية التي أسهمت في الإيقاع بالمرأة في بئر المعاناة النفسية المريرة التي أثرت على سعادتها واستقرارها وتكيفها وأعاقتها عن أداء دورها الطبيعي في الحياة، وهذه هي العوامل الاجتماعية التي تشكل الاضطراب النفسي في المرأة العربية من وجهه نظر المؤلفين:

(1) المرأة شريك غير مشارك مع الرجل.

(2) اعتماد المرأة على الآخرين.

(3) عدم الاستقلالية والاعتماد على النفس.

(4) فرض العزل وعدم اختلاط الجنسين في مجالات يكون الاختلاط مقبولا.

(5) جعل المرأة الجنس الضعيف بدلا من الجنس الناعم.

(6) أن يكون اعتمادها النفسي وكبرياؤها صادرا من الرجل وليس منها.

(7) المرأة الشريك ذو أقل الصلاحيات في الشركة.

(8) تقييم المرأة من فبل افتراضات مسبقة متحيزة.

(9) المرأة كزوجة ثانية.

لم تكن العوامل السابق ذكرها مجرد اجتهادات نظرية مستقاة من خبرات ذاتية ولكنها كانت نتاج بحوث علمية محكمة المنهج، إلا أنه يظل للقارئ الحق في الاتفاق أو الاختلاف وفي التأييد أو المعارضة.

ثم استعرض المؤلفان الاضطرابات النفسية واحدا تلو الأخر مع إرجاع كل مرض إلى أسبابه البيولوجية وخاصة اضطراب الهرمونات وكذا أسبابه الاجتماعية . وهنا تبدو شخصية المؤلفين في التقديم والتأخير وفي التأكيد والتهوين وفي الإظهار والتعتيم.

فلا باحتا علميا بدون شخصية قوية ومستقلة، ولا باحتا علميا بدون اتجاهات خاصة ناشئة من ممارساته الشخصية في الحياة والخبرات المكتسبة إلا أن الخوف كل الخوف دائما من التحيز.

إلا أن المشكلة التي وقع فيها المؤلفان هو أن العالم العربي ذاته يتكون من وحدات منفصلة كل منها لها واقعها الخاص وظروفها الخاصة، فني بعض البلدان العربية مثلا كما أورد المؤلفان لا يستطيع المرأة أن تكمل دراستها خصوصا العالية منها، من غير موافقة ولي أمرها من أب أو أخ أو زوج وهذا لا ينطبق على كل الدول العربية.

وفيما يتعلق بحرية التحرك التي للعكس على قرار المرأة في الذهاب إلى الطبيب النفسي فإن هذا التحرك قد يكون مقيدا في بعض البلدان ولكن في بلدان أخرى نستطيع أن تتخذ المرأة قرارها باستقلالية تامة ثم وتذهب إلى الطبيب النفسي الذي تختاره ويساعدها في ذلك استقلالها الاقتصادي.

" وكان المؤلفان حذرين فلم يتطرقا إلى النقد الاجتماعي إذ يريان أن النقد الاجتماعي ليس من وظائف الطبيب النفسي وهما لا يحكمان أن ذلك خطأ أو صواب ولكن هما يعرضان فقط ما يرياه من عوامل تتفاعل مع بعضها البعض لتشكل طبيعة خاصة للمرض النفسي في مجتمعاتنا العربية.

ورغم الحرص الشديد للمؤلفين إلا أنهما في بعض الأحيان لم يستطيعا أن يخفيا مشاعرهما وأراءهما الشخصية ولو بطريقة غير مباشرة، إلا أن تناولهما الأمور كان يتميز بحساسية العالم في أغلب مواقع الكتاب.

وسوف أترك للقارئ الحكم على هذه النقطة بالذات حتى يكون له رأيه الخاص المتفق أو المعارض لرأي المؤلفين.

وهناك بعض الموضوعات التي لها حساسيتها الخاصة. في مجتمعاتنا العربية إلا أن المؤلفان تعرضا لها باقتدار الملاح الماهر الذي يستطيع أن ينجو بسفينته رغم مروره بمناطق وعرة من الممكن أن تؤدي إلى اصطدام مروع يصيح به وبسفينته لولا هذه المهارة.

تعرض المؤلفان لشتى الاضطرابات الجنسية عن المرأة مثل انخفاض الرغبة واضطرابات الرعشة الجنسية والتشنج المهبلي، وأرجعا بعض هذه الاضطرابات لأسباب عاطفية ولاضطراب علاقة الزوج بالزوجة ولكنهما لم ينسيا الأسباب العضوية التي من الممكن أن تؤدي إلى هذه الاضطرابات، ولم ينسيا حتى العقاقير التي من الممكن أن تؤدى إلى إضعاف الرغبة الجنسية عند المرأة، وتعرضا بشكل أساسي إلى قضية ضعف الثقافة الجنسية أي جهل الرجل والمرأة وأكدا أهمية التثقيف الجنسي الملائم إذ يحمي ذلك الشباب من كثير من الاضطرابات الجنسية المرضية وكذا الانحرافات الجنسية، وتناول المؤلفان بعض المفاهيم الجنسية الخاطئة في المجتمعات، العربية وأوردا المفاهيم الصحيحة، وبذلك لم يخل هذا الكتاب من ثقافة جنسية مفيدة وملائمة.

وتناول الكتاب موضوع العلاج الزوجي أو الزواجى الذي يتطلب وجود الزوجين معا أثناء الجلسات العلاجية وأوضحا كيف أن هذا أمر يشق على الرجل نفسه في مجتمعاتنا العربية رغم أن هذه الجلسات قد تساعده على استقرار حياته الزوجية وفهم حقيقة المشكلات التي تواجههما معا وكيفية التغلب عليها وكيفية تفادي وقوعها في المستقبل سواء أكانت مشكلات جنسية أو عاطفية تعوق التواصل الإنساني الطبيعي بين الزوج والزوجة.

وأكد الكتاب على أن الطبيبة الأنثى ستكون أقدر على مساعدة المريضة الأنثى وخاصة أثناء مناقشة المشكلات الجنسية، وأن الطبيبة الأنثى أيضا ستكون أفضل في علاج الزوجين معا، بيد أن الوضع المثالي أن يكون طبيبان ذكر وأنثى هما اللذان يتوليان علاج الزوجين.