yass
20/03/2008, 03:19
الطفولة هي الخطوة الأولى في طريق الحياة, و في هذه المرحلة يكتسب الإنسان مبادئ المعرفة الحياتية لكي يستطيع أن يكمل حياته بشكل جيد, ففي هذه المرحلة يتعلم الإنسان التكيّف مع الوسط المحيط و بناء العلاقات البشرية, بداية مع المحيط الأسري الضيق و استمراراً برفاق اللعب و الدراسة. و قد بدأ الاهتمام بتنشئة الطفولة منذ قرون طويلة, و كل جهة تنشئ الطفولة حسب منظورها الخاص.
بشكل عام, في مجتمعاتنا هناك نوعان أساسيان من التنشئة. في النوع الأول تكون التنشئة أسرية, اجتماعية, تقوم على مبادئ و ركائز اجتماعية معيّنة, و تحمل طابعا اختياريا نوعا ما بعكس الحالة الثانية, و كمثال على النوع الأول يمكننا أن نذكر المجتمعات الدينية, فالمجتمعات الدينية مثلا تصب اهتمامها في هذا المجال على زرع بذرة الإيمان و التديّن و حب الدين و تعلّم مبادئه و أركانه و طقوسه و أعرافه عن طريق نشاطات أهلية غير حكومية, و هذا النوع يتصف بعدم الإجبار, فبكل بساطة يمكن للذي لا يريد إرسال ابنه إلى الشيخ لتحفيظه القرآن أو إلى الكنيسة ألا يرسله و لا إشكال في ذلك.
النوع الآخر, و هو النوع الحكومي, يتصف بعمل الحكومة أو نظام الحكم على إدخال إيديولوجيا و أفكار معينة على الأطفال منذ الصغر عن طريق منظمات رديفة للنظام تختص بهذا الشأن, هذا النوع من التنشئة هو من طوابع الأنظمة الشمولية الديكتاتورية التي تعمل على زرع إيديولوجيتها و مزجها بشكل مسمم مع الوطنية عند الطفل بحيث ينمو الطفل و يكبر و في تفكيره يرتبط الولاء للنظام و فكره بالوطنية و حب الوطن, و كمثال على ذلك يمكننا ذكر ما حدث و يحدث للأجيال السورية التي تربّت على يد الطلائع و الشبيبة, فقد زُرع في أنفسنا أن الولاء للنظام هو الوطنية, و أن حب القائد هو حب الوطن. و يضيع معنى الوطن و تعريفه عندما تكون قوة الوطن من قوة خبطة القدم عند الاستراحة و الاستعداد في الاصطفاف الصباحي, و يصير حب الوطن جعجعة و ابتذال عندما يقاس بعلو الصوت عند ترديد الشعارات الحزبية. و هذا النوع من التنشئة له مضار كبرى على الأجيال الصاعدة, فالطفل "المؤدلج" يعاني من ضبابية مفاهيم كثيرة و هامة مثل مفهوم الوطن و الموطَنة و حتى مفهوم المدنية الاجتماعية, و الأنظمة الشمولية الديكتاتورية تهتم بهذا النوع من التنشئة لأنها أفضل طريقة لصنع أجيال كاملة من المواطنين "المدجًّنين" المطواعين, الذين يرتبط في ذهنهم منذ الصغر أن الولاء للنظام و القائد و حزبه هو الوطنية, بها تبدأ و إليها تنتهي.
إن هذا النقد لطرق التعامل مع الأطفال الموجودة حاليا في مجتمعاتنا لا يعني أنه لا يجب علينا تنشئة الأطفال بطريقة معينة و أنه علينا أن نتركهم يكتشفون العالم و يتعلمون التعامل معه لوحدهم و إنما يجب علينا استنباط و إنشاء طرق تربوية و تعليمية جديدة تهتم بتعليم الطفل كيف يكون مواطنا صالحا و كيف يمكنه بناء علاقة صحيحة مع المجتمع المحيط به بالدرجة الأولى, و مع الوطن ككل بدرجة أوسع.
هناك تجارب كثيرة جديرة بالاهتمام حول هذا الأمر, أغلبها موجودة في دول الاتحاد الأوربي و بعض دول أميركا اللاتينية مثل تشيلي و الأوروغواي و بنتائج ممتازة. أغلب هذه التجارب مبنية على ازدواج المهمة ما بين المدرسة و الجمعيات الأهلية العاملة في إطار المجتمع المدني بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية كجهة حكومية مسؤولة عن المتابعة. ففي المدرسة هناك جزء أساسي من المقرر الدراسي منذ سنوات الدراسة الأولى يعني بتعليم مبادئ التربية من أجل المواطنة بشكل بسيط و سهل و محبب للطفل, على شكل قصص و ألعاب و مسرحيات و رسوم متحركة و وسائل أخرى لتجعل أسلوب التعلّم ممتعا و مفيدا للطفل في آن واحد. في هذا المقرر يتم تعليم الطفل المفاهيم و المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع المدني السليم, فيتعلم الطفل معنى الحقوق و الحريات الأساسية, يتعلم معنى الاختلاف و التعايش و الاحترام مع الاختلاف, يتعلم كذلك العلاقة السليمة مع الملكية الجماعية و العامة فعن طريق تعليمه أنه جزء من الوطن و الوطن جزء منه فإنه يتعلم أن المحافظة على المرافق العامة و حمايتها هو محافظة و حماية لأشياء هو شريك في امتلاكها, يتعلم كذلك معنى القانون و الحفاظ على القانون باعتباره صيغة تعامل عادل بين أفراد المجتمع و ليس فرضا ثقيلا بلا معنى, و أشياء أخرى كثيرة هامة لكي ينشئ الطفل و يكبر و يكبر معه مفهومه لحياة المواطنة السليمة بشكل صحيح و واضح.
إلى جانب المدرسة فهناك أيضا دور هام للجمعيات و الهيئات الأهلية عن طريق نشاطات خارجية لا صفية للأطفال في وقت فراغهم أو فترات العطل, فبطرق مشابهة للمطروحة في المدرسة من حيث السهولة و الامتاع يتعلم الطفل عن طريق ألعاب جماعية و رحلات و معسكرات ترفيهية معاني الحفاظ على الطبيعة و أهمية الشجرة و الحفاظ عليها, النظافة و حتى قواعد السلامة المرورية و إلى ما هنالك من أمور.
طبعا جميع ما سلف و بكلا الجهتين يجب أن يتم بعيدا عن أي تنشئة إيديولوجية أو فكرية من أي نوع, بل يجب أن يكون التعليم و التنشئة مقتصرا على المبادئ الأساسية لحقوق و حريات المواطن, و الأسس السليمة للتعامل الاجتماعي بين الأفراد و الصيغة الصحيحة لعلاقة المواطن مع الدولة. و هذه التربية من أجل المواطنة لا تتعارض مع حق الأهل بتربية طفلهم على طريقتهم إنما تقوم الدولة بالتعاون مع المجتمع على إعداد الطفل لكي يعيش فيها بالشكل الأمثل, و للأهل مهمات تربوية أخرى تتكامل مع عمل التربية من أجل المواطنة و لا تتعارض معها على الإطلاق.
إن هذه الطرق التربوية تقتضي إرادة حقيقية و إدارة جدية و منهجية لتنظيم تنشئة الأجيال القادمة بشكل سليم, و ليكبر الأطفال و تكبر معلوماتهم معهم و يصبحوا قادرين على بناء مجتمع المعرفة, مجتمع القيم.. المجتمع المدني الحقيقي.
إن الوطن يشبه البناء الشاهق العلو, يبنيه أبناؤه حجرا فوق حجر إلى أن يكتمل, و لكي يكون البناء متقنا و متراصا يجب أن يتعلم كل واحد فينا كيف يضع حجره في مكانه المناسب و بالشكل الصحيح, و يجب أن نتعلم أن نتعاون و نتفاهم لكي نبني بناءا متناسقا و جميلا و عاليا يباري الأبنية الأخرى....
Yass
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
بشكل عام, في مجتمعاتنا هناك نوعان أساسيان من التنشئة. في النوع الأول تكون التنشئة أسرية, اجتماعية, تقوم على مبادئ و ركائز اجتماعية معيّنة, و تحمل طابعا اختياريا نوعا ما بعكس الحالة الثانية, و كمثال على النوع الأول يمكننا أن نذكر المجتمعات الدينية, فالمجتمعات الدينية مثلا تصب اهتمامها في هذا المجال على زرع بذرة الإيمان و التديّن و حب الدين و تعلّم مبادئه و أركانه و طقوسه و أعرافه عن طريق نشاطات أهلية غير حكومية, و هذا النوع يتصف بعدم الإجبار, فبكل بساطة يمكن للذي لا يريد إرسال ابنه إلى الشيخ لتحفيظه القرآن أو إلى الكنيسة ألا يرسله و لا إشكال في ذلك.
النوع الآخر, و هو النوع الحكومي, يتصف بعمل الحكومة أو نظام الحكم على إدخال إيديولوجيا و أفكار معينة على الأطفال منذ الصغر عن طريق منظمات رديفة للنظام تختص بهذا الشأن, هذا النوع من التنشئة هو من طوابع الأنظمة الشمولية الديكتاتورية التي تعمل على زرع إيديولوجيتها و مزجها بشكل مسمم مع الوطنية عند الطفل بحيث ينمو الطفل و يكبر و في تفكيره يرتبط الولاء للنظام و فكره بالوطنية و حب الوطن, و كمثال على ذلك يمكننا ذكر ما حدث و يحدث للأجيال السورية التي تربّت على يد الطلائع و الشبيبة, فقد زُرع في أنفسنا أن الولاء للنظام هو الوطنية, و أن حب القائد هو حب الوطن. و يضيع معنى الوطن و تعريفه عندما تكون قوة الوطن من قوة خبطة القدم عند الاستراحة و الاستعداد في الاصطفاف الصباحي, و يصير حب الوطن جعجعة و ابتذال عندما يقاس بعلو الصوت عند ترديد الشعارات الحزبية. و هذا النوع من التنشئة له مضار كبرى على الأجيال الصاعدة, فالطفل "المؤدلج" يعاني من ضبابية مفاهيم كثيرة و هامة مثل مفهوم الوطن و الموطَنة و حتى مفهوم المدنية الاجتماعية, و الأنظمة الشمولية الديكتاتورية تهتم بهذا النوع من التنشئة لأنها أفضل طريقة لصنع أجيال كاملة من المواطنين "المدجًّنين" المطواعين, الذين يرتبط في ذهنهم منذ الصغر أن الولاء للنظام و القائد و حزبه هو الوطنية, بها تبدأ و إليها تنتهي.
إن هذا النقد لطرق التعامل مع الأطفال الموجودة حاليا في مجتمعاتنا لا يعني أنه لا يجب علينا تنشئة الأطفال بطريقة معينة و أنه علينا أن نتركهم يكتشفون العالم و يتعلمون التعامل معه لوحدهم و إنما يجب علينا استنباط و إنشاء طرق تربوية و تعليمية جديدة تهتم بتعليم الطفل كيف يكون مواطنا صالحا و كيف يمكنه بناء علاقة صحيحة مع المجتمع المحيط به بالدرجة الأولى, و مع الوطن ككل بدرجة أوسع.
هناك تجارب كثيرة جديرة بالاهتمام حول هذا الأمر, أغلبها موجودة في دول الاتحاد الأوربي و بعض دول أميركا اللاتينية مثل تشيلي و الأوروغواي و بنتائج ممتازة. أغلب هذه التجارب مبنية على ازدواج المهمة ما بين المدرسة و الجمعيات الأهلية العاملة في إطار المجتمع المدني بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية كجهة حكومية مسؤولة عن المتابعة. ففي المدرسة هناك جزء أساسي من المقرر الدراسي منذ سنوات الدراسة الأولى يعني بتعليم مبادئ التربية من أجل المواطنة بشكل بسيط و سهل و محبب للطفل, على شكل قصص و ألعاب و مسرحيات و رسوم متحركة و وسائل أخرى لتجعل أسلوب التعلّم ممتعا و مفيدا للطفل في آن واحد. في هذا المقرر يتم تعليم الطفل المفاهيم و المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع المدني السليم, فيتعلم الطفل معنى الحقوق و الحريات الأساسية, يتعلم معنى الاختلاف و التعايش و الاحترام مع الاختلاف, يتعلم كذلك العلاقة السليمة مع الملكية الجماعية و العامة فعن طريق تعليمه أنه جزء من الوطن و الوطن جزء منه فإنه يتعلم أن المحافظة على المرافق العامة و حمايتها هو محافظة و حماية لأشياء هو شريك في امتلاكها, يتعلم كذلك معنى القانون و الحفاظ على القانون باعتباره صيغة تعامل عادل بين أفراد المجتمع و ليس فرضا ثقيلا بلا معنى, و أشياء أخرى كثيرة هامة لكي ينشئ الطفل و يكبر و يكبر معه مفهومه لحياة المواطنة السليمة بشكل صحيح و واضح.
إلى جانب المدرسة فهناك أيضا دور هام للجمعيات و الهيئات الأهلية عن طريق نشاطات خارجية لا صفية للأطفال في وقت فراغهم أو فترات العطل, فبطرق مشابهة للمطروحة في المدرسة من حيث السهولة و الامتاع يتعلم الطفل عن طريق ألعاب جماعية و رحلات و معسكرات ترفيهية معاني الحفاظ على الطبيعة و أهمية الشجرة و الحفاظ عليها, النظافة و حتى قواعد السلامة المرورية و إلى ما هنالك من أمور.
طبعا جميع ما سلف و بكلا الجهتين يجب أن يتم بعيدا عن أي تنشئة إيديولوجية أو فكرية من أي نوع, بل يجب أن يكون التعليم و التنشئة مقتصرا على المبادئ الأساسية لحقوق و حريات المواطن, و الأسس السليمة للتعامل الاجتماعي بين الأفراد و الصيغة الصحيحة لعلاقة المواطن مع الدولة. و هذه التربية من أجل المواطنة لا تتعارض مع حق الأهل بتربية طفلهم على طريقتهم إنما تقوم الدولة بالتعاون مع المجتمع على إعداد الطفل لكي يعيش فيها بالشكل الأمثل, و للأهل مهمات تربوية أخرى تتكامل مع عمل التربية من أجل المواطنة و لا تتعارض معها على الإطلاق.
إن هذه الطرق التربوية تقتضي إرادة حقيقية و إدارة جدية و منهجية لتنظيم تنشئة الأجيال القادمة بشكل سليم, و ليكبر الأطفال و تكبر معلوماتهم معهم و يصبحوا قادرين على بناء مجتمع المعرفة, مجتمع القيم.. المجتمع المدني الحقيقي.
إن الوطن يشبه البناء الشاهق العلو, يبنيه أبناؤه حجرا فوق حجر إلى أن يكتمل, و لكي يكون البناء متقنا و متراصا يجب أن يتعلم كل واحد فينا كيف يضع حجره في مكانه المناسب و بالشكل الصحيح, و يجب أن نتعلم أن نتعاون و نتفاهم لكي نبني بناءا متناسقا و جميلا و عاليا يباري الأبنية الأخرى....
Yass
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////