roclan
04/03/2008, 02:19
لم يكد يمض عامان ونيف علي تفجر أزمة الرسوم المسيئة للنبي الأشرف، محمد صلي الله عليه وسلم، حتي عادت للتفجر مجددا في الدنمارك. حجة أكبر خمس صحف دنماركية والتي سارعت هذه المرة إلي نشر الرسوم الوضيعة، لم تكن هي ذات حجتها قبل عامين، وذلك حين تلفعت برداء حرية التعبير الصدئ. فهي في هذه المرة ادعت أن قراراها إعادة نشر هذه الصور إنما هو عائد إلي ما زعمته الشرطة الدنماركية من إحباط محاولة من قبل شبان مسلمين لاغتيال الرسام الأبرز لتلك الرسوم المسيئة، المدعو كورت فوسترغارد.
وبدون الالتفات إلي أي من الحجتين السابقتين، واللتين تندرجان في سياق عذر أقبح من ذنب ، فإن السبب الحقيقي لا يتمثل بهذا ولا بذاك. إنما الأمر أبعد من ذلك وأخطر، إنه الحقد علي الإسلام وقيمه ونبيه وأمته. وما المبررات التي تقدم في هذا السياق أو ذاك إلا محاولة لتغليف السم ببعض الدسم، وذلك لعلهم ينجحون مرة أخري في تحييد بعض الطيبين منا، كمن توجهوا (قبل عامين تقريبا) ـ بحسن نية ـ إلي العاصمة الدنماركية، كوبنهاغن، وذلك بعد أن فَتت المقاطعة الإسلامية لمنتجاتها في عضد اقتصادها.
أذكر أنني يومها كتبت مقالا نشر في القدس العربي حول ذلك المؤتمر، الذي قاد مركبه الداعية الإسلامي عمرو خالد. وكان عنوان المقال: مؤتمر كوبنهاغن: خطوة إجهاضية ولكن في الاتجاه المعاكس . يومها قصدت أن فعل خالد وصحبه ذاك، لم يفد صورة الإسلام بقدر ما أنه أجهض دينامكية فجائية دبت في ذلك الوقت في أوصال جسد أمة متهالك. يومها ذهب خالد ومن معه متحدين علماء ومفكرين وخبراء وسياسيين مسلمين كبار، ولم يكن لهم من نصيب إلا أن يخرج الدكتور طارق سويدان، والذي شارك في وفد خالد بالشكوي لقد خدعنا الدنماركيون . وذلك بعد أن تنصلت الحكومة من المؤتمر الذي ساهمت في ترتيبه مسبقا، زاعمة أنها ليست طرفا في الخلاف.
مشكلة العقلية التي تحرك أناسا مثل عمرو خالد، والذي لا زال يتفاخر باختياره ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة حول العالم في استفتاء مجلة التايم الأمريكية لعام 2007، أنهم يرون الدنيا من زاوية تبسيطية بلهاء. فعمرو خالد قَبِلَ أن يشارك في احتفال مجلة التايم الأمريكية ليكرم من قبلها، مع أنها أشارت بوضوح إلي أن سبب اختيارها وتكريمها له هو أنه تصدي للعلماء المسلمين في أزمة الرسوم المسيئة ورفض أن يخضع لضغوطهم بعدم الذهاب إلي الدنمارك. ولم يكتف خالد بذلك، بل إنه زعم مبررا لموقفه هذا، بأن الكلمة التي ألقاها في احتفال التايم، والمتكونة من بضع مائة كلمة أدهشت الكثير من الحضور، من أمثال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر!
لا أريد أن أحول الموضوع إلي عمرو خالد، فللرجل إيجابيات وفضائل تذكر له أكثر من سلبية أو سلبيات هناك وهناك. ولو أنه يبقي نفسه ضمن إطار ما يتقن وما يجيد ولا يتعدي ذلك لمحاولة تنصيب نفسه في موقع مرجعي هو ليس له بأهل، لكان أكثر إفادة وتأثيرا. خصوصا وأن الرجل يتحاشي الدخول في السياسة، فالأفضل له أن يلزم طريقه، فلا ينفعه ولا ينفع سمعته أن يدلي بدلوه فيها فيما يرفع أسهمه عند أصحاب الشأن ويتجنبها فيما يمكن أن يعود عليه بأوجاع الرأس منهم. علي أي حال، المقصود من طرح مسألة عمرو خالد في هذا السياق هو التنبيه إلي ذلك التبسيط الأخرق للأمور من أن ثمة سوء فهم لدي كل القطاعات الغربية عن الإسلام والمسلمين. فضلا عن التحذير من عقلية تتبلور داخل التيار الإسلامي بشقيه التقليدي والحركي تميل إلي الاستجداء والاستخذاء والمهادنة والمداهنة. وهو أمر سنعود له بعد قليل.
إن ثمة تيارات دينية وفكرية وبحثية وسياسية وأمنية وإعلامية في الغرب تدفع باتجاه التصعيد مع الإسلام والمسلمين. وهذه التيارات والاتجاهات لا تقبع علي هامش القرار الغربي كما يحاول البعض منا الإيهام بذلك. وإلا لماذا تحظي رموز سيئة ومسيئة للإسلام بحماية ودعم مستويات القرار السياسي في الغرب!؟ من منا لا يعرف أن الهندي سلمان رشدي صاحب الرواية المسيئة آيات شيطانية كان محميا من حكومة بريطانيا والآن في الولايات المتحدة!؟ ونفس الأمر ينطبق علي عضو البرلمان الهولندي السابقة من أصل صومالي هرسي علي، والتي شاركت بفيلم هولندي منحط في إساءته للإسلام، وذلك عندما صور جسد فتاة عاريا ومكتوبا عليه آيات من القرآن الكريم. هرسي هذه أضحت نائبة في البرلمان الهولندي، ثمّ كشف النقاب عن أنها زورت المعلومات في طلب الحصول علي الجنسية الهولندية، ومع ذلك لم يتعرض لها أحد في هولندا، فهي في عيون متطرفي هولندا بطلة لأنها قادت الحملة علي الإسلام. ومع ذلك، عضت علي يد هولندا التي أكرمتها، وتلقفها تيار المحافظون الجدد في أمريكا، حيث أصبحت باحثة في أحد معاقلهم البحثية في واشنطن أمريكان إنتربرايز . ولو أنك سألت ما هي مؤهلات علي هذه حتي تصبح باحثة في احدي أرقي المؤسسات البحثية اليمينية في واشنطن، لما وجدت من إجابة غير كرهها للإسلام.
وها نحن نري اليوم حملة في فرنسا من قبل متطرفين مثلها مطالبين بمنحها الجنسية الفرنسية مكافأة لها علي جهودها في تعرية الإسلام . وقس علي هذين الأنموذجين نماذج أخري كثيرة لا تقل دونية ووضاعة عنهما.
نعم، الحملة علي الإسلام حملة ممنهجة ومدروسة ومحكمة، وهي ليست ردود أفعال ولا تتعلق بقيمة حرية التعبير المدعاة في الغرب. أعرف أن ضرب هذا المثال أصبح فيه كثير من الإسفاف لبدهيته، ولكن لا أجد بدا من التذكير به. فباسم حرية التعبير من يجرؤ علي أن يشكك في المحارق النازية والهولوكوست!؟ إن أغلب الدول الأوروبية تحديدا، إن لم يكن كلها، تتوفر علي قوانين صارمة ورادعة لكل من يجرؤ علي أن يطرح المسألة من أي زاوية كانت، حتي ولو كانت تاريخية أو علمية. ومن ثمَّ فزعم حكومة الدنمارك الكاذب بأنها لا تستطيع التدخل في حرية التعبير المكفولة دستوريا هو كذب بواح يندرج في باب وإن الرجل ليكذب ويتحري الكذب حتي يكذب عند الله كذابا ، وهو بالمناسبة حديث نبوي شريف.
ولكن الأمر لا يتعلق ببعض شقه الغربي فحسب، فماذا عنا نحن!؟
هل نقدم نحن، العالم الإسلامي والمسلمين اليوم سببا لنحترم!؟ هل ثمة ما يدفع دويلة صغيرة الحجم والقدر مثل الدنمارك كي تحترم العالم الإسلامي ودوله!؟ إن دولة مثل الدنمارك (حوالي 16.600 ميل مربع)، والتي تبلغ مساحتها أقل من نصف مساحة دولة صغيرة كالإمارات (32.278 ميلا مربعا مثلا)، لا تجد غضاضة من أن تضع عودا في عيون المسلمين دون أن تخشي من دولهم المنتشرة كالفطر شيئا. لماذا؟ لأسباب كثيرة.
عفوا، لماذا ستحترم دولة مثل الدنمارك الإسلام ونبيه، وهما لا يجدان الاحترام المناسب لهما أصلا في أرضهما وبين أمتهما!؟ في جلِّ الدول العربية والإسلامية يشتم الله ودينه ورسوله دون أي عقوبات تترتب علي ذلك، اللهم إلا استثناءات قليلة في بعض الدول. في حين أن الحديث بلغة لا تليق حول رأس أي نظام في أي دولة عربية قد تعني أن تُغَيَبَ عن وجه البسيطة ولا يعرف لك الجن الأزرق طريقا. نعم، لماذا تحترم الدنمارك دين الإسلام ومشاعر أمته في حين تدنس شعائر هذا الدين في أرضه!؟ أوليس الحجاب في تونس ممنوعا!؟ أوليست تدور اليوم حرب في أروقة الحكم التركي لا لشيء إلا من أجل التوصل إلي معادلة تسمح للطالبات التركيات بأن يدرسن إن كن محجبات!؟ لماذا إذن نلوم فرنسا فقط!؟ أولم يفت لها شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي، بأن من حق السلطات الفرنسية تشريع الحجاب أو حظره علي المسلمات علي أرضها!؟ أولا تحارب التيارات الإسلامية في بلادها لا لشيء إلا لأنها تريد الدعوة سلميا وعلي بصيرة!؟ أوليست قنوات العري والعربدة مملوكة في كثير منها لمسلمين!؟ أوليست بعض الأنظمة العربية هي من حاصرت ليبيا أيام لوكربي، والعراق والسودان منذ مطلع التسعينيات، وقطاع غزة اليوم، رغم أن الله عز وجل يقرر لأمته في كتابه العزيز: إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء: 92)!؟ أوليس في بلاد الإسلام ينظر للِّحية التي هي من سنة الرسول الأعظم علي أنها شبهة!؟ أوليس في بعض بلاد الإسلام لا توظف المحجبة وتفصل من عملها، كما في تلفزة مصر!؟ نعم لم تعد الكفاءة في بلاد الإسلام هي المحدد وإنما القدرة علي التهتك و(المياصة). ثمَّّ أليس في بلاد الإسلام توجد سجلات خاصة لدي أجهزة المخابرات حول الشباب الذي يتردد علي المساجد!؟ وبعد ذلك أليس في بلادنا تغتصب الحقوق ويعتدي علي الحرمات وتنتهك حقوق المواطنة ويعامل الإنسان العربي والمسلم معاملة أقل من معاملة الحيوان في الدنمارك!؟ في بلادنا يعامل الإنسان علي أنه متاع أو جزء من قطيع يرثه الحاكم. كذلك أليست اقتصاديات دول عربية مجتمعة، بما فيها تلك التي تفوق مساحاتها مساحة الدنمارك بمرات ومرات أضعف من اقتصاد الدنمارك لوحدها!؟ أوليست كل هذه العيوب والتشوهات تلصق بالإسلام جراء ما كسبته أيدينا!؟
نعم لقد هنَّا في أعيننا فهنَّا في أعين الناس. ولله در الشاعر قوله:
من يهن يسهل الهوان عليه ****** مـا لجـرح بميّـت إيـلام
في الغرب، يصمون الإسلاميين اليوم بالأصولية والإرهاب، ولو أنك نظرت في مفردات قواميس أنظمتنا وبعض مثقفينا لوجدت أنها تستعير ذات المفردات معربة دون تمحيص ولا تغيير. يا تري، ماذا لو كان موضوع الرسوم المسيئة التي نشرت في صحف الدنمارك هو حاكم عربي، أكان اكتفت أنظمتنا بالاستنكار والتنديد واستدعاء سفراء تلك الدولة لإبداء الامتعاض!؟ أم لكانت العلاقات الدبلوماسية مهددة بالقطع، حتي ولو ترتب عليها ضرر اقتصادي لشعب تلك الدولة العربية!؟
إلا أن حدود البلية لا تقف هنا. فثمة كارثة أخري حلت بالأمة، تلكم هي بروز تيار فقهي إسلامي خاضع للابتزاز ومتشفع بالاستجداء. فلم يعد للأمة ثوابت. فبسبب من الضغوطات والتحديات وجدت تمييعا لدي فقهاء وعلماء الأصل فيهم أنهم خط الدفاع الأخير عن كينونية الدين والأمة. فالحجاب الشرعي أضحي مسألة مختلفا فيها، وفيها وجهات نظر. ومسألة صلب المسيح أضحت حقيقة تاريخية واقعة لا فائدة من نكرانها، حتي ولو كان صريح القرآن يقول غير ذلك. فحسب منطقهم: لماذا نضع القرآن في مواجهة حقائق تاريخية!؟ يقولون ذلك وكأن جثمان المسيح موجود وقد أجريت عليه تحليلات الحمض النووي والتحليلات الجنائية التي أثبتت تلك الحقيقة المزعومة!؟ أما مؤسسة الزواج فقد أصبحت ملهاة وأسطورة.. ويمكن التحايل عليها بـ بوي فرند و غيرل فرند إسلامي!؟ صدقوني أن هذه ليس مبالغات بل إن من علمائنا الواقعين تحت الابتزاز، خصوصا منهم من في الغرب، يتكلمون بهذه المعاني ويشيعونها بين المسلمين!. وفي ذات السياق، أصبح التشريع والتأصيل والتنظير والتقعيد من قبل علماء كثيرين للدكتاتورية والطغيان سمة غالبة، ولكن بإسم الإسلام. فبإسم الإسلام تغدو الطاعة العمياء، وعلي معصية، بل قل وعلي كبيرة ، حقا لولي الأمر يعتبر المخالف لها خارجيا، يطبق عليه حد الحرابة!
نعم، إن الإسلام اليوم يعاني من أمة هجين و علماء مروضون ... وهم كذلك مروضين ... وبعد ذلك كله لماذا نطالب العالم بأن يحترمنا ونحن لا نحترم أنفسنا ولا نحترم ديننا!؟.
تنقل الروايات عن الخليفة الراشدي الثاني عمرو بن الخطاب رضي الله عنه قوله: نحن أمة أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بدونه أذلنا الله . صدق ابن الخطاب... والدليل واقعنا اليوم.. والذي أضحي فيه الإسلام محاربا من أبنائه أكثر مما هو محارب من أعدائه.
إن الاعتذار للإسلام ولنبيه حق علينا، ولكن ليسا لأنهما هانا في عيني الدنمارك وغيرها من دول الغرب، ولكن لأنهما هانا عندنا أولا. وجب علينا الاعتذار لأننا اليوم أمة غثائية . يهان ديننا من خلالنا... ويجوع إخواننا بحصارنا لهم... وتحتل أراضينا بعمالتنا... وتداس كراماتنا بهواننا... ونسحق بصمتنا... ونحكم بخوفنا... الخ. أما أنت يا رسول الله فيكفيك قول مولاك وناصرك وحفيظك: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام: 33)... وقوله وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 67).
صدق رب العزة جل وعلا، إن مشكلتهم ليست مع شخصك يا رسول الله... إن مشكلتهم مع هذا الدين الذي يقف شوكة في حلوقهم... وسدا منيعا في طريق مساعيهم لاسترقاق العالم ونهب ثرواته... إن مشكلتهم مع ثقافة الممانعة في مواجهة ثقافة الاستخذاء... كما أن مشكلتهم مع إيديولوجيا المقاومة التي ظنوا أنهم سحقوها مرات كثيرة فإذا هي تنبعث لهم في كل مرة من تحت ركام الرماد بعثا لابد أنه منتصر... وسينتصر.. لأنها خير البشرية ورحمة للعالمين. وصلي الله عليك وسلم يا أحب خلق الله إليه وإلينا استتباعا.
ہ كاتب من فلسطين يقيم في الولايات المتحدة
القدس العربي
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////رسوم%20الدنمارك%20ترج ة%20لهوان%20الإسلام%20في%20أرض fff&storytitleb=أسامة%20أبو%20ارشيد&storytitlec=
وبدون الالتفات إلي أي من الحجتين السابقتين، واللتين تندرجان في سياق عذر أقبح من ذنب ، فإن السبب الحقيقي لا يتمثل بهذا ولا بذاك. إنما الأمر أبعد من ذلك وأخطر، إنه الحقد علي الإسلام وقيمه ونبيه وأمته. وما المبررات التي تقدم في هذا السياق أو ذاك إلا محاولة لتغليف السم ببعض الدسم، وذلك لعلهم ينجحون مرة أخري في تحييد بعض الطيبين منا، كمن توجهوا (قبل عامين تقريبا) ـ بحسن نية ـ إلي العاصمة الدنماركية، كوبنهاغن، وذلك بعد أن فَتت المقاطعة الإسلامية لمنتجاتها في عضد اقتصادها.
أذكر أنني يومها كتبت مقالا نشر في القدس العربي حول ذلك المؤتمر، الذي قاد مركبه الداعية الإسلامي عمرو خالد. وكان عنوان المقال: مؤتمر كوبنهاغن: خطوة إجهاضية ولكن في الاتجاه المعاكس . يومها قصدت أن فعل خالد وصحبه ذاك، لم يفد صورة الإسلام بقدر ما أنه أجهض دينامكية فجائية دبت في ذلك الوقت في أوصال جسد أمة متهالك. يومها ذهب خالد ومن معه متحدين علماء ومفكرين وخبراء وسياسيين مسلمين كبار، ولم يكن لهم من نصيب إلا أن يخرج الدكتور طارق سويدان، والذي شارك في وفد خالد بالشكوي لقد خدعنا الدنماركيون . وذلك بعد أن تنصلت الحكومة من المؤتمر الذي ساهمت في ترتيبه مسبقا، زاعمة أنها ليست طرفا في الخلاف.
مشكلة العقلية التي تحرك أناسا مثل عمرو خالد، والذي لا زال يتفاخر باختياره ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة حول العالم في استفتاء مجلة التايم الأمريكية لعام 2007، أنهم يرون الدنيا من زاوية تبسيطية بلهاء. فعمرو خالد قَبِلَ أن يشارك في احتفال مجلة التايم الأمريكية ليكرم من قبلها، مع أنها أشارت بوضوح إلي أن سبب اختيارها وتكريمها له هو أنه تصدي للعلماء المسلمين في أزمة الرسوم المسيئة ورفض أن يخضع لضغوطهم بعدم الذهاب إلي الدنمارك. ولم يكتف خالد بذلك، بل إنه زعم مبررا لموقفه هذا، بأن الكلمة التي ألقاها في احتفال التايم، والمتكونة من بضع مائة كلمة أدهشت الكثير من الحضور، من أمثال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر!
لا أريد أن أحول الموضوع إلي عمرو خالد، فللرجل إيجابيات وفضائل تذكر له أكثر من سلبية أو سلبيات هناك وهناك. ولو أنه يبقي نفسه ضمن إطار ما يتقن وما يجيد ولا يتعدي ذلك لمحاولة تنصيب نفسه في موقع مرجعي هو ليس له بأهل، لكان أكثر إفادة وتأثيرا. خصوصا وأن الرجل يتحاشي الدخول في السياسة، فالأفضل له أن يلزم طريقه، فلا ينفعه ولا ينفع سمعته أن يدلي بدلوه فيها فيما يرفع أسهمه عند أصحاب الشأن ويتجنبها فيما يمكن أن يعود عليه بأوجاع الرأس منهم. علي أي حال، المقصود من طرح مسألة عمرو خالد في هذا السياق هو التنبيه إلي ذلك التبسيط الأخرق للأمور من أن ثمة سوء فهم لدي كل القطاعات الغربية عن الإسلام والمسلمين. فضلا عن التحذير من عقلية تتبلور داخل التيار الإسلامي بشقيه التقليدي والحركي تميل إلي الاستجداء والاستخذاء والمهادنة والمداهنة. وهو أمر سنعود له بعد قليل.
إن ثمة تيارات دينية وفكرية وبحثية وسياسية وأمنية وإعلامية في الغرب تدفع باتجاه التصعيد مع الإسلام والمسلمين. وهذه التيارات والاتجاهات لا تقبع علي هامش القرار الغربي كما يحاول البعض منا الإيهام بذلك. وإلا لماذا تحظي رموز سيئة ومسيئة للإسلام بحماية ودعم مستويات القرار السياسي في الغرب!؟ من منا لا يعرف أن الهندي سلمان رشدي صاحب الرواية المسيئة آيات شيطانية كان محميا من حكومة بريطانيا والآن في الولايات المتحدة!؟ ونفس الأمر ينطبق علي عضو البرلمان الهولندي السابقة من أصل صومالي هرسي علي، والتي شاركت بفيلم هولندي منحط في إساءته للإسلام، وذلك عندما صور جسد فتاة عاريا ومكتوبا عليه آيات من القرآن الكريم. هرسي هذه أضحت نائبة في البرلمان الهولندي، ثمّ كشف النقاب عن أنها زورت المعلومات في طلب الحصول علي الجنسية الهولندية، ومع ذلك لم يتعرض لها أحد في هولندا، فهي في عيون متطرفي هولندا بطلة لأنها قادت الحملة علي الإسلام. ومع ذلك، عضت علي يد هولندا التي أكرمتها، وتلقفها تيار المحافظون الجدد في أمريكا، حيث أصبحت باحثة في أحد معاقلهم البحثية في واشنطن أمريكان إنتربرايز . ولو أنك سألت ما هي مؤهلات علي هذه حتي تصبح باحثة في احدي أرقي المؤسسات البحثية اليمينية في واشنطن، لما وجدت من إجابة غير كرهها للإسلام.
وها نحن نري اليوم حملة في فرنسا من قبل متطرفين مثلها مطالبين بمنحها الجنسية الفرنسية مكافأة لها علي جهودها في تعرية الإسلام . وقس علي هذين الأنموذجين نماذج أخري كثيرة لا تقل دونية ووضاعة عنهما.
نعم، الحملة علي الإسلام حملة ممنهجة ومدروسة ومحكمة، وهي ليست ردود أفعال ولا تتعلق بقيمة حرية التعبير المدعاة في الغرب. أعرف أن ضرب هذا المثال أصبح فيه كثير من الإسفاف لبدهيته، ولكن لا أجد بدا من التذكير به. فباسم حرية التعبير من يجرؤ علي أن يشكك في المحارق النازية والهولوكوست!؟ إن أغلب الدول الأوروبية تحديدا، إن لم يكن كلها، تتوفر علي قوانين صارمة ورادعة لكل من يجرؤ علي أن يطرح المسألة من أي زاوية كانت، حتي ولو كانت تاريخية أو علمية. ومن ثمَّ فزعم حكومة الدنمارك الكاذب بأنها لا تستطيع التدخل في حرية التعبير المكفولة دستوريا هو كذب بواح يندرج في باب وإن الرجل ليكذب ويتحري الكذب حتي يكذب عند الله كذابا ، وهو بالمناسبة حديث نبوي شريف.
ولكن الأمر لا يتعلق ببعض شقه الغربي فحسب، فماذا عنا نحن!؟
هل نقدم نحن، العالم الإسلامي والمسلمين اليوم سببا لنحترم!؟ هل ثمة ما يدفع دويلة صغيرة الحجم والقدر مثل الدنمارك كي تحترم العالم الإسلامي ودوله!؟ إن دولة مثل الدنمارك (حوالي 16.600 ميل مربع)، والتي تبلغ مساحتها أقل من نصف مساحة دولة صغيرة كالإمارات (32.278 ميلا مربعا مثلا)، لا تجد غضاضة من أن تضع عودا في عيون المسلمين دون أن تخشي من دولهم المنتشرة كالفطر شيئا. لماذا؟ لأسباب كثيرة.
عفوا، لماذا ستحترم دولة مثل الدنمارك الإسلام ونبيه، وهما لا يجدان الاحترام المناسب لهما أصلا في أرضهما وبين أمتهما!؟ في جلِّ الدول العربية والإسلامية يشتم الله ودينه ورسوله دون أي عقوبات تترتب علي ذلك، اللهم إلا استثناءات قليلة في بعض الدول. في حين أن الحديث بلغة لا تليق حول رأس أي نظام في أي دولة عربية قد تعني أن تُغَيَبَ عن وجه البسيطة ولا يعرف لك الجن الأزرق طريقا. نعم، لماذا تحترم الدنمارك دين الإسلام ومشاعر أمته في حين تدنس شعائر هذا الدين في أرضه!؟ أوليس الحجاب في تونس ممنوعا!؟ أوليست تدور اليوم حرب في أروقة الحكم التركي لا لشيء إلا من أجل التوصل إلي معادلة تسمح للطالبات التركيات بأن يدرسن إن كن محجبات!؟ لماذا إذن نلوم فرنسا فقط!؟ أولم يفت لها شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي، بأن من حق السلطات الفرنسية تشريع الحجاب أو حظره علي المسلمات علي أرضها!؟ أولا تحارب التيارات الإسلامية في بلادها لا لشيء إلا لأنها تريد الدعوة سلميا وعلي بصيرة!؟ أوليست قنوات العري والعربدة مملوكة في كثير منها لمسلمين!؟ أوليست بعض الأنظمة العربية هي من حاصرت ليبيا أيام لوكربي، والعراق والسودان منذ مطلع التسعينيات، وقطاع غزة اليوم، رغم أن الله عز وجل يقرر لأمته في كتابه العزيز: إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء: 92)!؟ أوليس في بلاد الإسلام ينظر للِّحية التي هي من سنة الرسول الأعظم علي أنها شبهة!؟ أوليس في بعض بلاد الإسلام لا توظف المحجبة وتفصل من عملها، كما في تلفزة مصر!؟ نعم لم تعد الكفاءة في بلاد الإسلام هي المحدد وإنما القدرة علي التهتك و(المياصة). ثمَّّ أليس في بلاد الإسلام توجد سجلات خاصة لدي أجهزة المخابرات حول الشباب الذي يتردد علي المساجد!؟ وبعد ذلك أليس في بلادنا تغتصب الحقوق ويعتدي علي الحرمات وتنتهك حقوق المواطنة ويعامل الإنسان العربي والمسلم معاملة أقل من معاملة الحيوان في الدنمارك!؟ في بلادنا يعامل الإنسان علي أنه متاع أو جزء من قطيع يرثه الحاكم. كذلك أليست اقتصاديات دول عربية مجتمعة، بما فيها تلك التي تفوق مساحاتها مساحة الدنمارك بمرات ومرات أضعف من اقتصاد الدنمارك لوحدها!؟ أوليست كل هذه العيوب والتشوهات تلصق بالإسلام جراء ما كسبته أيدينا!؟
نعم لقد هنَّا في أعيننا فهنَّا في أعين الناس. ولله در الشاعر قوله:
من يهن يسهل الهوان عليه ****** مـا لجـرح بميّـت إيـلام
في الغرب، يصمون الإسلاميين اليوم بالأصولية والإرهاب، ولو أنك نظرت في مفردات قواميس أنظمتنا وبعض مثقفينا لوجدت أنها تستعير ذات المفردات معربة دون تمحيص ولا تغيير. يا تري، ماذا لو كان موضوع الرسوم المسيئة التي نشرت في صحف الدنمارك هو حاكم عربي، أكان اكتفت أنظمتنا بالاستنكار والتنديد واستدعاء سفراء تلك الدولة لإبداء الامتعاض!؟ أم لكانت العلاقات الدبلوماسية مهددة بالقطع، حتي ولو ترتب عليها ضرر اقتصادي لشعب تلك الدولة العربية!؟
إلا أن حدود البلية لا تقف هنا. فثمة كارثة أخري حلت بالأمة، تلكم هي بروز تيار فقهي إسلامي خاضع للابتزاز ومتشفع بالاستجداء. فلم يعد للأمة ثوابت. فبسبب من الضغوطات والتحديات وجدت تمييعا لدي فقهاء وعلماء الأصل فيهم أنهم خط الدفاع الأخير عن كينونية الدين والأمة. فالحجاب الشرعي أضحي مسألة مختلفا فيها، وفيها وجهات نظر. ومسألة صلب المسيح أضحت حقيقة تاريخية واقعة لا فائدة من نكرانها، حتي ولو كان صريح القرآن يقول غير ذلك. فحسب منطقهم: لماذا نضع القرآن في مواجهة حقائق تاريخية!؟ يقولون ذلك وكأن جثمان المسيح موجود وقد أجريت عليه تحليلات الحمض النووي والتحليلات الجنائية التي أثبتت تلك الحقيقة المزعومة!؟ أما مؤسسة الزواج فقد أصبحت ملهاة وأسطورة.. ويمكن التحايل عليها بـ بوي فرند و غيرل فرند إسلامي!؟ صدقوني أن هذه ليس مبالغات بل إن من علمائنا الواقعين تحت الابتزاز، خصوصا منهم من في الغرب، يتكلمون بهذه المعاني ويشيعونها بين المسلمين!. وفي ذات السياق، أصبح التشريع والتأصيل والتنظير والتقعيد من قبل علماء كثيرين للدكتاتورية والطغيان سمة غالبة، ولكن بإسم الإسلام. فبإسم الإسلام تغدو الطاعة العمياء، وعلي معصية، بل قل وعلي كبيرة ، حقا لولي الأمر يعتبر المخالف لها خارجيا، يطبق عليه حد الحرابة!
نعم، إن الإسلام اليوم يعاني من أمة هجين و علماء مروضون ... وهم كذلك مروضين ... وبعد ذلك كله لماذا نطالب العالم بأن يحترمنا ونحن لا نحترم أنفسنا ولا نحترم ديننا!؟.
تنقل الروايات عن الخليفة الراشدي الثاني عمرو بن الخطاب رضي الله عنه قوله: نحن أمة أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بدونه أذلنا الله . صدق ابن الخطاب... والدليل واقعنا اليوم.. والذي أضحي فيه الإسلام محاربا من أبنائه أكثر مما هو محارب من أعدائه.
إن الاعتذار للإسلام ولنبيه حق علينا، ولكن ليسا لأنهما هانا في عيني الدنمارك وغيرها من دول الغرب، ولكن لأنهما هانا عندنا أولا. وجب علينا الاعتذار لأننا اليوم أمة غثائية . يهان ديننا من خلالنا... ويجوع إخواننا بحصارنا لهم... وتحتل أراضينا بعمالتنا... وتداس كراماتنا بهواننا... ونسحق بصمتنا... ونحكم بخوفنا... الخ. أما أنت يا رسول الله فيكفيك قول مولاك وناصرك وحفيظك: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام: 33)... وقوله وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 67).
صدق رب العزة جل وعلا، إن مشكلتهم ليست مع شخصك يا رسول الله... إن مشكلتهم مع هذا الدين الذي يقف شوكة في حلوقهم... وسدا منيعا في طريق مساعيهم لاسترقاق العالم ونهب ثرواته... إن مشكلتهم مع ثقافة الممانعة في مواجهة ثقافة الاستخذاء... كما أن مشكلتهم مع إيديولوجيا المقاومة التي ظنوا أنهم سحقوها مرات كثيرة فإذا هي تنبعث لهم في كل مرة من تحت ركام الرماد بعثا لابد أنه منتصر... وسينتصر.. لأنها خير البشرية ورحمة للعالمين. وصلي الله عليك وسلم يا أحب خلق الله إليه وإلينا استتباعا.
ہ كاتب من فلسطين يقيم في الولايات المتحدة
القدس العربي
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////رسوم%20الدنمارك%20ترج ة%20لهوان%20الإسلام%20في%20أرض fff&storytitleb=أسامة%20أبو%20ارشيد&storytitlec=