Fares
30/06/2004, 00:45
كان هناك بلد حيث كان الجميع لصوص.. في الليل كان كل منهم يغادر المنزل حاملاً مفاتيح هيكلية ومصابيح مكمومة، يمضي ويسطو على بيت جاره. وكان يعود محملاً عند الفجر ليكتشف أن منزله قد نُهب..
هكذا عاش الجميع سعداء مع بعضهم بعضاً. لا ينقص أحدهم شيئاً طالما أن كل واحد منهم كان يسرق من الآخر. وأنّ الآخر كان يسرق من آخر... وهلمّ جرا إلى أن تصل إلى الشخص الأخير الذي كان يسرق من الأول.
وكانت التجارة في هذا البلد تقتضي خداعاً من الشارين والبائعين. أما الحكومة فكانت منظمة إجرامية تسرق من رعاياها، بينما لم يكن ثمة همّ للرعايا سوى الاحتيال على الحكومة. وعلى هذا الأساس كانت الحياة تمضي بهدوء، لا أحد كان غنياً، ولا أحد كان فقيراً.
في أحد الأيام لا ندري كيف حدث أن جاء أحد الشرفاء لكي يعيش في المنطقة. وفي الليل عوضاً أن يخرج بكيسه ومصباحه كان يبقى في البيت يدخن ويقرأ الروايات. وكان اللصوص يأتون، يبصرون الضوء، فلا يدخلون...
جرى هذا الأمر لبعض الوقت، ومن ثمّ اضطروا أن يشرحوا له أنه حتى لو شاء له العيش من دون أن يفعل شيئاً، فإن ذلك ليس بالأمر الذي يبرر منعه الآخرين من القيام بأشياء. فكل ليلة كان يقضيها في البيت كانت تعني أن عائلة لن تجد ما تأكله في اليوم التالي..
لم يكن بوسع الرجل الشريف الاعتراض على مبدأ كهذا. فشرع يخرج كلّ مساء ويعود في الصباح التالي كما كانوا يفعلون، ولكن من دون أن يسرق. فقد كان رجلاً شريفاً ولم يكن من الممكن فعل شيء إزاءه. كان يذهب إلى الجسر ويراقب الماء يجري أسفله، وعندما كان يعود إلى البيت كان يكتشف أنه قد سُلب. وفي أقل من أسبوع وجد الرجل الشريف نفسه مفلساً، لم يكن لديه ما يأكله وكان بيته خاوياً. لكن هذه كانت بالكاد مشكلة طالما أنها كانت غلطته. لا فالمشكلة أنّ مسلكه قد أفسد كل شيء آخر. ذلك أنه أتاح للآخرين أن يسرقوا كلما يملك من دون أن يسرق هو نفسه أي شيء. ومن ثم كان هناك من يعود كل ليلة ليجد أن منزله لم يلمس، أي المنزل الذي كان يتعين على الرجل الشريف سرقته. في كل حال وجد الذين لم يكن يتعرضون للسرقة أنفسهم بعد وقت قصير أغنى من الآخرين، ولم يعودوا يريدون السرقة بعد ذلك. وما زاد الأمر سوءاً أنّ هؤلاء الذين كانوا يأتون للسرقة من بيت الرجل الشريف كانوا يجدون البيت فارغاً. فأصبحوا فقراء..
في ذلك الحين كان أولئك الذين باتوا أغنياء اعتادوا عادة الرجل الشريف في الذهاب كل ليلة إلى الجسر ومراقبة الماء يجري أسفله, وهذا فاقم من أمر التشوش، إذ أنه أدى إلى أن يصير هناك الكثير من الأغنياء والكثير من الفقراء. والآن أدرك الأغنياء أنهم إذا واظبوا على الذهاب إلى الجسر فإنهم سرعان ما سيصبحون فقراء، وعليه فقد فكروا:
" دعونا ندفع إلى بعض الفقراء كي يذهبوا ويسرقوا لنا"...
فوضعوا عقوداً ورواتب ثابتة ونسباً مئوية، كانوا لا يزالون لصوصاً بالطبع، وكانوا لا يزالون يحاولون خداع بعضهم بعضاً, ولكن كما يحدث عادة، فإن الأغنياء باتوا أغنى والفقراء أفقر. أصبح بعض الأغنياء من الغنى إلى درجة أنهم لم يحتاجوا إلى الآخرين كي يسرقوا لهم لكي يبقوا أغنياء. لكنهم خشيوا إذا كفوا أن يصبحوا فقراء، لأن الفقراء سيسرقون منهم. لذلك دفعوا إلى الفقراء لكي يدافعوا عن ممتلكاتهم ضد الفقراء الآخرين وذلك ما أدى إلى إقامة قوة شرطة وسجون.
وهكذا بعد أعوام قليلة على ظهور الرجل الشريف، كف الناس عن أن يسرقوا ويُسرقوا. لكنهم صاروا يتكلمون عن أغنياء وفقراء. إلا أنهم كانوا لا يزالون لصوصاً.
الر جل الشريف وحده مات في وقت قصير... جائعاً...
هكذا عاش الجميع سعداء مع بعضهم بعضاً. لا ينقص أحدهم شيئاً طالما أن كل واحد منهم كان يسرق من الآخر. وأنّ الآخر كان يسرق من آخر... وهلمّ جرا إلى أن تصل إلى الشخص الأخير الذي كان يسرق من الأول.
وكانت التجارة في هذا البلد تقتضي خداعاً من الشارين والبائعين. أما الحكومة فكانت منظمة إجرامية تسرق من رعاياها، بينما لم يكن ثمة همّ للرعايا سوى الاحتيال على الحكومة. وعلى هذا الأساس كانت الحياة تمضي بهدوء، لا أحد كان غنياً، ولا أحد كان فقيراً.
في أحد الأيام لا ندري كيف حدث أن جاء أحد الشرفاء لكي يعيش في المنطقة. وفي الليل عوضاً أن يخرج بكيسه ومصباحه كان يبقى في البيت يدخن ويقرأ الروايات. وكان اللصوص يأتون، يبصرون الضوء، فلا يدخلون...
جرى هذا الأمر لبعض الوقت، ومن ثمّ اضطروا أن يشرحوا له أنه حتى لو شاء له العيش من دون أن يفعل شيئاً، فإن ذلك ليس بالأمر الذي يبرر منعه الآخرين من القيام بأشياء. فكل ليلة كان يقضيها في البيت كانت تعني أن عائلة لن تجد ما تأكله في اليوم التالي..
لم يكن بوسع الرجل الشريف الاعتراض على مبدأ كهذا. فشرع يخرج كلّ مساء ويعود في الصباح التالي كما كانوا يفعلون، ولكن من دون أن يسرق. فقد كان رجلاً شريفاً ولم يكن من الممكن فعل شيء إزاءه. كان يذهب إلى الجسر ويراقب الماء يجري أسفله، وعندما كان يعود إلى البيت كان يكتشف أنه قد سُلب. وفي أقل من أسبوع وجد الرجل الشريف نفسه مفلساً، لم يكن لديه ما يأكله وكان بيته خاوياً. لكن هذه كانت بالكاد مشكلة طالما أنها كانت غلطته. لا فالمشكلة أنّ مسلكه قد أفسد كل شيء آخر. ذلك أنه أتاح للآخرين أن يسرقوا كلما يملك من دون أن يسرق هو نفسه أي شيء. ومن ثم كان هناك من يعود كل ليلة ليجد أن منزله لم يلمس، أي المنزل الذي كان يتعين على الرجل الشريف سرقته. في كل حال وجد الذين لم يكن يتعرضون للسرقة أنفسهم بعد وقت قصير أغنى من الآخرين، ولم يعودوا يريدون السرقة بعد ذلك. وما زاد الأمر سوءاً أنّ هؤلاء الذين كانوا يأتون للسرقة من بيت الرجل الشريف كانوا يجدون البيت فارغاً. فأصبحوا فقراء..
في ذلك الحين كان أولئك الذين باتوا أغنياء اعتادوا عادة الرجل الشريف في الذهاب كل ليلة إلى الجسر ومراقبة الماء يجري أسفله, وهذا فاقم من أمر التشوش، إذ أنه أدى إلى أن يصير هناك الكثير من الأغنياء والكثير من الفقراء. والآن أدرك الأغنياء أنهم إذا واظبوا على الذهاب إلى الجسر فإنهم سرعان ما سيصبحون فقراء، وعليه فقد فكروا:
" دعونا ندفع إلى بعض الفقراء كي يذهبوا ويسرقوا لنا"...
فوضعوا عقوداً ورواتب ثابتة ونسباً مئوية، كانوا لا يزالون لصوصاً بالطبع، وكانوا لا يزالون يحاولون خداع بعضهم بعضاً, ولكن كما يحدث عادة، فإن الأغنياء باتوا أغنى والفقراء أفقر. أصبح بعض الأغنياء من الغنى إلى درجة أنهم لم يحتاجوا إلى الآخرين كي يسرقوا لهم لكي يبقوا أغنياء. لكنهم خشيوا إذا كفوا أن يصبحوا فقراء، لأن الفقراء سيسرقون منهم. لذلك دفعوا إلى الفقراء لكي يدافعوا عن ممتلكاتهم ضد الفقراء الآخرين وذلك ما أدى إلى إقامة قوة شرطة وسجون.
وهكذا بعد أعوام قليلة على ظهور الرجل الشريف، كف الناس عن أن يسرقوا ويُسرقوا. لكنهم صاروا يتكلمون عن أغنياء وفقراء. إلا أنهم كانوا لا يزالون لصوصاً.
الر جل الشريف وحده مات في وقت قصير... جائعاً...