secular
13/02/2008, 20:58
العلاقة بين القرآن والتلمود ـ 1:
" نظر محمد إلى التوراة بعيون الأغاداه" ( غنزبرغ)
نبيـل فيـاض
مما لا شك فيه إن معرفة المسلمين باللاهوت عموماً، واللاهوت اليهودي بشكل خاص، أوهى من أن تذكر. لذلك لا مجال للدهشة من استغراب المسلمين الاستنكاري للإشارات المتواترة يهوديّاً إلى هذا النوع من التطابق غير العادي بين نصوص القرآن وكثير مما يقابلها من نصوص التلمود. - دون أن ننسى الموقف الإسلامي التقليدي اللاعقلاني بعدائيّته من التلمود والتراث اليهودي ما بعد التوراتي عموماً. مع ذلك، فالواقع العيني يقول، إن العلاقة بين القرآن والتراث الإسلامي ما بعد القرآني، خاصة التفاسير وما يسمى بالصحاح، من ناحية، والتلمود، من ناحية أخرى، أوضح من أن تنكر. وحده جهل المسلمين " المدقع " بهذا العمل الموسوعي الضخم، أي التلمود، هو سبب غيابهم عن حقيقة العلاقة القويّة تلك.
والحق يقال، لم نهتم كثيراً بالجانب التشريعي - الهالاخي، ضمن عملنا في الدين المقارن اليهودي الإسلامي؛ وكان لذلك أسبابه؛ منها أن الشرائع تتنافر عموماً مع إحساسنا الفطري بالحياة، كما أن المقارنات الهالاخيّة الشرائعيّة مغطاة كثيراً من قبل باحثين كثر، منهم على سبيل المثال لا الحصر، شاخت؛ من هنا، فقد كرّسنا كثيراً من الوقت والجهد لمسألة العلاقة بين الميثولوجيّات القرآنيّة وما يسمى بالعبريّة أغاداه أو هاغاداه، بمعنى قصة أو أسطورة.
لا ريب أن الباحثين اليهود الألمان، خاصة وقت انتشار المذهب الإصلاحي في ألمانيا، قبل الكارثة النازيّة، كانوا طلائع العاملين على العلاقة بين الأساطير الإسلاميّة والأغادوت العبرانيّة. من أوائل هؤلاء، كان الحاخام الإصلاحي البارز، أبراهام غايغر، صاحب الكتاب الهام للغاية، ماذا أخذ محمد عن اليهوديّة. ليس الكتاب بالتفصيلي في تناوله للمسألة، رغم عنوانه الموحي بالشموليّة، لكنه استثنائي جدّاً في إطاره الزماني. وقد أعيدت طباعته من جديد في ألمانيا، بمقدّمة هامة جديدة. في الإطار ذاته كانت جهود الباحث البارز يوسف هوروفيتس [ ترجمنا له عملاً حمل عنوان، رحلة محمد السماويّة ]. لكن الأبرز في هذا المجال، أي العلاقة بين القرآن وأساطير اليهود، خاصة تلك غير التوراتيّة، كان عمل الباحث هاينريش شباير، الحكايا الكتابيّة في القرآن. العمل، برأينا، في غاية التميّز، إضافة إلى أنه مكتوب بألمانيّة بسيطة، مع نصوص عبريّة ويونانيّة ولاتينيّة وعربيّة. وإذا ما أخذنا هذا النص الضخم، الذي ترجمنا معظمه ونشرناه، في إطاره الزماني مع أخذنا بعين الاعتبار لضعف الإمكانيّات البحثيّة آنذاك، يمكننا القول دون مبالغة إن ما بذله شباير من جهد في المقارنة القرآنيّة الأغاديّة لا يمكن غير الوقوف أمامه بإجلال غير مسبوق. مع ذلك، فما نشرناه من عمل شباير الضخم، ضمن سلسلتنا علم الدين المقارن الممنوعة في سوريّا [ قال لي المدير السابق لما يسمى بمكتب الإعلام القطري - هذا اسمه على ما أذكر - إن نشر هكذا أعمال يثبت دون ريب أن القرآن مأخوذ عن التلمود، الأمر الذي يمكنه أن يهز الوجدان الجمعي العربي... قل لي ولو كذباً، كلاماً ناعماً ]، لم نتوقف فيه عند فعل الترجمة فقط، بل أضفنا إليه من عندنا أشياء كثيرة ما بعد شبايريّة، أغنت برأينا النص الأصلي كثيراً. من تلك النصوص غير السهلة، نقدّم بعض مقتطفات، حاولنا ما بوسعنا تبسيطها، فالمقالة غير الكتاب. مع ملاحظة أننا أخذنا أيضاً نصوصاً غير أغاديّة. وهنا سنتوقف فقط عند أساطير خلق العالم والعائلة الأولى بين القرآن والنصوص التي سبقته. وحين يتطابق نصّان أسطوريّان لا عقلانيّان، فإن الأحدث أخذ قطعاً عن الأقدم.
لقد أثبتنا في عملنا الأخير حول النبي المفترض للأديان الثلاث، إبراهيم، أن هذا الشخص كائن أسطوري بالمطلق. بل إن التناقضات حوله في العهد القديم - موجود أساساً في التكوين - أوضح من أن تتجاهل. ويشاركنا هذا الاعتقاد كوكبة من الباحثين العلمانيين الإسرائيليين، الذين قال أحدهم عن موسى، بنوع من التعزية الذاتية التي لا طائل منها: موسى مسألة أسطرة تاريخ، لا تاريخ أسطورة. مع الإشارة إلى هذا القول صدر عن المثقف العالمي الإسرائيلي، مارتن بوبر. فإذا كان الباحثون الإسرائيليّون يئسوا من اللعب في الحقل الموسوي، فكم بالحري أن يستسلموا في المنطقة الإبراهيميّة. ونحن في مقاربتنا لقصص الكتاب المقدّس، خاصّة سفر التكوين، نهتدي بنبراس المعلّم نيتشه، الذي قال بنبوئيّة لا يشق لها غبار قبل أكثر من مئة عام:
ما الذي يهمّني من تناقضات « التقليد »؟ كيف يمكن لخرافات القديسين أن تدعى « تقليداً » بأيّة حال! إن قصص القديسين هي أكثر أنواع الأدب غموضاً في الوجود: وتطبيق إجراءات علميّة عليها حين لا توجد وثائق أخرى هو بالنسبة لي خطأ مبدأي - مجرّد كسل مثقف...
من ناحية أخرى، فقد وضح لدينا، بما لا يقبل الشك، أن العلاقة بين الأساطير القرآنيّة وحكايا الحاخاميم ما بعد الكتابيّة، خاصّة في أساطير إبراهيم المزعوم، أوضح من أن تغطيها الأكف. ففي مجمل الأساطير القرآنيّة المتعلّقة بإبراهيم، مثل حرقه وإنقاذ الإله له، أو تحطيمه الأوثان وطلبه من الوثنيين أن يسألوا كبير الأوثان عمن حطّم االباقين، نجد أن التوراة، التي يعتقد المسلمون أنها كتاب مقدّس وبالتالي لا ضير برأيهم أن يكون ثمة تطابق بينها وبين القرآن، مستثناة بالكامل: التطابق هنا مع بعض التراث الحاخامي ما بعد التوراتي، خاصة سفر معاسه أبراهام. - كيف يمكن أن نفهم هذا؟ في البدء لا بد من التسليم جدلاً بأن معلوماتنا شبه نادرة حول شكل اليهوديّة زمن النبي محمد. لدينا معلومة بسيطة تقول إن يهود الحجاز في ذلك الوقت كانت لغتهم المتداولة هي العربيّة، دون أن ينفي ذلك وجود من يجيد بينهم العبريّة من أجل قراءة النصوص المقدّسة وبالتالي تعليمها. كذلك هنالك في التراث الإسلامي ما يثبت بوضوح وجود أكاديميات لتعليم الدين اليهودي في المدينة، ونقصد بذلك بيت ها مدراش، أو بيت المدراس. بالمقابل، في التراث الإسلامي ذاته ثمة نصوص أوردناها بمجملها في كتابنا المقبل، كمشة بدو، تظهر دون لبس أن النبي محمد وبعض صحابته كانوا يرتادون بيت المدراس، وإن كانت معلوماتنا في تواتر ذلك غير محددة. وربما أن سبب هذا التطابق المذهل بين نصوص قرآنيّة وبعض التراث الحاخامي ما بعد التوراتي هو أن تداول هذا التراث بين اليهود كان باللغة العربيّة، وبالتالي كان للنبي فرصة سماعه وفهمه في بيت المدراس، في حين أن التوراة كانت مقصورة لقداستها المفرطة آنذاك على الناطقين بالعبريّة. - دون أن ننسى هنا الإشارة إلى عدم الدقة المحمديّة في نقل ما سمعه من اليهود من أخبار الأولين، مثل دمجه بين مريم أخت موسى وهارون وابنة عمران، ومريم أم المسيح؛ أو نقله هامان إلى زمن فرعون؛ أو مزامنته بين موسى والسامري في خلط مريع بين سفري هوشع والخروج... إلخ!!! بالمقابل، ثمة إشارات قرآنيّة أيضاً إلى محاولات اليهود بيع آيات لمحمد، أو إسماعهم إياه لآيات مغلوطة.
الآن نقدّم بضع أمثلة على هذا التطابق، مع الوعد بأن نقدّم تباعاً أمثلة أخرى:
خلق السماء:
لقد أثبت العلم الحديث أن المعتقدات القديمة حول السماء وخلقها، لا علاقة لها بالواقع - أقلّه لأن السماء غير موجودة. وما هذا اللون المتكاثف غير نوع من الغلاف الجوي المحيط بالأرض. مع ذلك، فبحسب تعاليم القرآن (15: 6) (2مك)، جمّل الله السماء بمهارة بالغة: "ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيّناها للناظرين". قارن: (37: 6) (2مك): ["إنّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"]؛ (67: 5) (2مك): ["ولقد زينا السماء بمصابيح"]؛ (79: 29) (1مك): ["وأخرج ضحاها"]؛
بالمقابل، نجد في أيوب (26: 13)، الإشارة إلى الأجرام السماوية كزينة للسماء:["بنفسه كنس السموات"]؛ وفي سيراخ أيضاً (43: 9): "مجد النجوم بهاء السماء، وهي زينة نيّرة من عُلَى الرب".
وفي (85: 1) (1مك)؛ يقال: ["والسماء ذات البروج"]. وتحت كلمة "بروج"، يمكن أن نتلمّس صورة النجوم في دائرة البروج Zodiakus. لقد جاءت الكلمة من purgoz purkes , burgus، التي لا بد أنها تشير إلى أبواب المعبد القديمة عند البابليين، والتي تظهر في وقت لاحق بمعنى كواكب. في هذا السياق، لا بد أن نذكر عموس أيضاً (9: 6):["الباني في السماء علياته"].
في القرآن يطلق على السماء أيضاً اسم "سبع طرائق" (23: 17) (2مك). قارن: قض (5: 20): ["من السماء قاتلت الكواكب، ومن مدارها قاتلت سيسرا"] ومز (19: 2): ["السموات تحدّث بمجد الله، والجلد يخبر بما صنعت يداه"] أيضاً.وفي بيراخوت (85 ب)، يقدّم لنا المصطلح التلمودي:[سبيلي درقيع] معنى مشابهاً.
لقد رفع الله السماء بغير عمد. أنظر: (13: 2) (3مك): "رفع السموات بغير عمد...". في ذلك يقول أيوب (26: 11):["أعمدة السماء"]. كذلك فالسامريون يصفون خلق السموات بطريقة مشابه : شميه اسقف بلا عموديم ["سُقفت السماء بلا أعمدة"]. ويقدّم أفراهاط، في الترتيلة 14، تعاليماً مشابهة. قارن أيضاً: حاغيغاه (12 ب)، حيث بالإشارة إلى أيوب (8: 6): ["ويزعزع الأرض من مكانها، فترتجف أعمدتها"]، تجري هنالك مناقشة تفيد أن الأرض تستريح على أعمدة. وربما أُسيء فهم هذا النوع من النظريات.
السماء لا تسقط على الأرض فالله يمسكها (22: 65) (1مك): "ويمسك السماء أن تقع على الأرض". لقد رفع الله سقفها (79: 2 (1مك): "رفع سمكها ووسّعها" (51: 47) (1مك): "وإنّا لموسّعون". وتصفها (21: 32) (1مك) بأنها "سقفاً محفوظاً"، أما في (50: 6) (2مك) فتوصف بأنها "مالها من فروج".
الأنوار في السماء ونظامها
الآية (10: 5) (3مك): "وهو الذي جعل لكم الشمس ضياء والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب (حساب الزمن)". قارن (71: 16) (2مك)، حيث يقال: "جعل الشمس سراجاً". أنظر أيضاً: (78: 12 ـ 13) (1مك): "وبنينا فوقكم سبعاً شداداً. وجعلنا سراجاً وهاجاً".
قارن أيضاً: الآيتين (6: 96 ـ 97) (3مك): "وجعل.. الشمس والقمر حسباناً، ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر...".
في تك (1: 16): ["فصنع الله النيّرين العظيمين. النيّر الأكبر لحكم النهار، والنيّر الأصغر لحكم الليل"]، ثمة فرق بين وصف نور الشمس ووصف نور القمر، حيث يتم الحديث عن "النيّر الأكبر" للشمس، و"النيّر الأصغر" للقمر. لكن الشمس في القرآن لا توصف فقط "بالضياء"،بل سراج (سرغا) أيضاً، بعكس القمر الذي هو "نور" ليس إلا. لذلك فهي تمضي لأماكن استقرارها (36: 38): "تجري لمستقر لها". قارن بهذا الصدد: مز (104: 19): ["صنع القمر للأوقات، والشمس عرفت غروبها"]، وجا (1: 5): ["والشمس تشرق والشمس تغرب، ثم تسرع إلى مكانها ومنه تطلع"]. أمّا القمر فقد قُدّر منازل (36: 39 ـ 40)، "حتى عاد كالعرجون القديم"، "لتعلموا عدد السنين والحساب (حساب الزمن)".
ثمة مواضع لا حصر لها في الكتابين المقدّسين اليهودي والمسيحي والتي تتحدث عن نظام أنوار السماء. فمثلاً،في تك(1: 4)،تعرف بأنها ["علامات للمواسم والأيام والسنين"]. قارن أيضاً: "مزامير سليمان"، (18: 10 ـ 12): "كبير وعظيم إلهنا، الذي يقيم في الأعالي، الذي ينظم الأنوار في مساراتها لحساب الزمن، سنة تأتي وسنة تذهب، ولا تحيد عن طريقها الذي أمرت به لها. في الخوف من الله تبدّل نهاراً بنهار، منذ خلقها الله، وإلى الأبد. وما أخطأت، منذ أن خلقها الله، منذ الزمن الأزلي لم تحد عن دربها، إلا إذا أعطى الله الأمر لعبيده" أنظر أيضاً: تكوين راباه (6: 1): "لماذا خُلِق القمر؟ لأجل مواعيد الأعياد. ليقدّس حسابكم لبدايات الأقمار والسنوات". وفي شبّات (75 آ)، يعتبر من الخطأ، أن لا يُجرى حساب الزمن وفق دورات الأجرام السماوية. أما أفراهاط، فيقول في الترتيلة الثالثة والعشرين: "الشمس تنير من كلمتك، وبحسب إرادتك تدبر كامل خلقك. القمر يتبدّل بطريقة رائعة، فأنت أقمته من أجل تقسيم الزمن. أنوارك قسمتها إلى أعياد، وهي تزين كل الخلائق". وفي إحدى ملاحم الخلق المكتشفة في إحدى لقى نينوى، يقال: "هو يجعل القمر الجديد يشع، يخضع له الليل، يجعله يعرف كجسد الليل، يجعل الأيام معروفة، وشهرياً يغطيه باستمرار بتيجانه الملكية، قائلاً: حين تشرق عند بدايات الأشهر على الأرض، عليك أن تأمر الأبواق، كي تجعل أيام السنة معروفة" الخ. ويلفت نظرنا نيلسن إلى أنه في علم الفلك البابلي، تسمى دورة النجوم "سيراً" (ألكتو) والمجري "درباً" (حرّانو) ومستقراتها "مانزازو" أو "شوبتو". كذلك نجد هنالك أيضاً "منزلتو" = منازل.
النهار والليل
الآية (17: 12): "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم لتعلموا عدد السنين والحساب (حساب الزمن) وكل شيء فصّلناه تفصيلاً". قارن (25: 47) (2مك): ["وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً"]؛ (28: 73) (3مك): ["جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله"]؛ (6: 96) (3مك): ["وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً"].
تذكّرنا بداية الآية المستشهد بها آنفاً قليلاً بالجملة الختامية في أيام الخلق الكتابية: "كان مساء، وكان صباح". لكن الوظيفة التي تضفى على "الأنوار" في السماء، بحسب التكوين (1: 14): ["وقال الله: لتكن نيرات في جَلَد السماء، لتفصل بين النهار والليل، وتكون علامات للمواسم والأيام والسنين"]، أي، لجعل حساب الزمن ممكناً، تأخذ بحسبانها هنا النهار والليل، بيد أن القرآن يضفي هذه الوظيفة على "أنوار" السماء أيضاً (أنظر 10: 5) (3مك): ["هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"]؛ (78: 13) (1مك): ["وجعلنا سراجاً وهاجاً"].
لكن الليل والنهار مقرر لهما، أن يتناوبا أبد الدهر (25: 62) (2مك): "جعل الليل والنهار خلفةً". أنظر أيضاً: (2: 164).
يسبح اشعيا بحمد الله (45: 7) بوصفه خالقاً للنور والظلمة: ["أنا مبدع النور وخالق الظلام"]. قارن أيضاً: مز (104: 19): ["صنع القمر للأوقات، والشمس عرفت غروبها"]؛ مز (136: 8 ـ 9): [الشمس لحكم النهار.. والقمر والكواكب لحكم الليل"]؛ أي (38: 12): ["أنت في أيامكَ أمرت الصبح، وعرّفت الفجر مكانه"].
وتقدّم الليتورجيا اليهودية من جديد هذه الأفكار بوضوح في صلاة المغرب:
" هو الذي يجعل النهار يمرّ ويأتي بالليل، يولج النور دون انقطاع في الظلام والظلام في النور ويفرّق بين النهار والليل ". لكن مصدّر هذه العبارة في الصلاة هو بيراخوت ب 11.
لكن الليل، بحسب القرآن، مخلوق للراحة والنهار للبصر: " وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً " ( 10:67 ). وفي عروبين يقال: " لم يخلق الله الليل إلا من أجل السكينة " ( 65 آ ).
الأشهر:
في القرآن، ثمة رغبة بالقول، إن الله حدّد عدد الشهور عند الخلق: " إن عدّة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب " ( 9:3 ) ( مد ). بالمقابل، نجد أن المدراش يعرف أيضاً الرأي القائل، إن الله حدد عدد الشهور عند خلق العالم: " حين اختار الله عالمه، حدّد بدايات الشهور والسنوات " ( خروج راباه، 15:12 ). قارن أيضاً: أخنوخ السلافي، 78.
تسخير الله الأرض للبشر
الآية (31: 20) (3مك): "ألم ترَ أن الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض". قارن: (22: 65): ["ألم ترَ أن الله سخر لكم ما في الأرض"]؛ (45: 12) (3مك): ["وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض"]. وهنا لا بد من المقارنة مع تك (1: 2: ["وباركهم الله وقال لهم: انموا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها"]، ومع مز (9): ["الإنسان.. على صنع يديك ولّيته، وكل شيء تحت قدميه جعلته..."].
" نظر محمد إلى التوراة بعيون الأغاداه" ( غنزبرغ)
نبيـل فيـاض
مما لا شك فيه إن معرفة المسلمين باللاهوت عموماً، واللاهوت اليهودي بشكل خاص، أوهى من أن تذكر. لذلك لا مجال للدهشة من استغراب المسلمين الاستنكاري للإشارات المتواترة يهوديّاً إلى هذا النوع من التطابق غير العادي بين نصوص القرآن وكثير مما يقابلها من نصوص التلمود. - دون أن ننسى الموقف الإسلامي التقليدي اللاعقلاني بعدائيّته من التلمود والتراث اليهودي ما بعد التوراتي عموماً. مع ذلك، فالواقع العيني يقول، إن العلاقة بين القرآن والتراث الإسلامي ما بعد القرآني، خاصة التفاسير وما يسمى بالصحاح، من ناحية، والتلمود، من ناحية أخرى، أوضح من أن تنكر. وحده جهل المسلمين " المدقع " بهذا العمل الموسوعي الضخم، أي التلمود، هو سبب غيابهم عن حقيقة العلاقة القويّة تلك.
والحق يقال، لم نهتم كثيراً بالجانب التشريعي - الهالاخي، ضمن عملنا في الدين المقارن اليهودي الإسلامي؛ وكان لذلك أسبابه؛ منها أن الشرائع تتنافر عموماً مع إحساسنا الفطري بالحياة، كما أن المقارنات الهالاخيّة الشرائعيّة مغطاة كثيراً من قبل باحثين كثر، منهم على سبيل المثال لا الحصر، شاخت؛ من هنا، فقد كرّسنا كثيراً من الوقت والجهد لمسألة العلاقة بين الميثولوجيّات القرآنيّة وما يسمى بالعبريّة أغاداه أو هاغاداه، بمعنى قصة أو أسطورة.
لا ريب أن الباحثين اليهود الألمان، خاصة وقت انتشار المذهب الإصلاحي في ألمانيا، قبل الكارثة النازيّة، كانوا طلائع العاملين على العلاقة بين الأساطير الإسلاميّة والأغادوت العبرانيّة. من أوائل هؤلاء، كان الحاخام الإصلاحي البارز، أبراهام غايغر، صاحب الكتاب الهام للغاية، ماذا أخذ محمد عن اليهوديّة. ليس الكتاب بالتفصيلي في تناوله للمسألة، رغم عنوانه الموحي بالشموليّة، لكنه استثنائي جدّاً في إطاره الزماني. وقد أعيدت طباعته من جديد في ألمانيا، بمقدّمة هامة جديدة. في الإطار ذاته كانت جهود الباحث البارز يوسف هوروفيتس [ ترجمنا له عملاً حمل عنوان، رحلة محمد السماويّة ]. لكن الأبرز في هذا المجال، أي العلاقة بين القرآن وأساطير اليهود، خاصة تلك غير التوراتيّة، كان عمل الباحث هاينريش شباير، الحكايا الكتابيّة في القرآن. العمل، برأينا، في غاية التميّز، إضافة إلى أنه مكتوب بألمانيّة بسيطة، مع نصوص عبريّة ويونانيّة ولاتينيّة وعربيّة. وإذا ما أخذنا هذا النص الضخم، الذي ترجمنا معظمه ونشرناه، في إطاره الزماني مع أخذنا بعين الاعتبار لضعف الإمكانيّات البحثيّة آنذاك، يمكننا القول دون مبالغة إن ما بذله شباير من جهد في المقارنة القرآنيّة الأغاديّة لا يمكن غير الوقوف أمامه بإجلال غير مسبوق. مع ذلك، فما نشرناه من عمل شباير الضخم، ضمن سلسلتنا علم الدين المقارن الممنوعة في سوريّا [ قال لي المدير السابق لما يسمى بمكتب الإعلام القطري - هذا اسمه على ما أذكر - إن نشر هكذا أعمال يثبت دون ريب أن القرآن مأخوذ عن التلمود، الأمر الذي يمكنه أن يهز الوجدان الجمعي العربي... قل لي ولو كذباً، كلاماً ناعماً ]، لم نتوقف فيه عند فعل الترجمة فقط، بل أضفنا إليه من عندنا أشياء كثيرة ما بعد شبايريّة، أغنت برأينا النص الأصلي كثيراً. من تلك النصوص غير السهلة، نقدّم بعض مقتطفات، حاولنا ما بوسعنا تبسيطها، فالمقالة غير الكتاب. مع ملاحظة أننا أخذنا أيضاً نصوصاً غير أغاديّة. وهنا سنتوقف فقط عند أساطير خلق العالم والعائلة الأولى بين القرآن والنصوص التي سبقته. وحين يتطابق نصّان أسطوريّان لا عقلانيّان، فإن الأحدث أخذ قطعاً عن الأقدم.
لقد أثبتنا في عملنا الأخير حول النبي المفترض للأديان الثلاث، إبراهيم، أن هذا الشخص كائن أسطوري بالمطلق. بل إن التناقضات حوله في العهد القديم - موجود أساساً في التكوين - أوضح من أن تتجاهل. ويشاركنا هذا الاعتقاد كوكبة من الباحثين العلمانيين الإسرائيليين، الذين قال أحدهم عن موسى، بنوع من التعزية الذاتية التي لا طائل منها: موسى مسألة أسطرة تاريخ، لا تاريخ أسطورة. مع الإشارة إلى هذا القول صدر عن المثقف العالمي الإسرائيلي، مارتن بوبر. فإذا كان الباحثون الإسرائيليّون يئسوا من اللعب في الحقل الموسوي، فكم بالحري أن يستسلموا في المنطقة الإبراهيميّة. ونحن في مقاربتنا لقصص الكتاب المقدّس، خاصّة سفر التكوين، نهتدي بنبراس المعلّم نيتشه، الذي قال بنبوئيّة لا يشق لها غبار قبل أكثر من مئة عام:
ما الذي يهمّني من تناقضات « التقليد »؟ كيف يمكن لخرافات القديسين أن تدعى « تقليداً » بأيّة حال! إن قصص القديسين هي أكثر أنواع الأدب غموضاً في الوجود: وتطبيق إجراءات علميّة عليها حين لا توجد وثائق أخرى هو بالنسبة لي خطأ مبدأي - مجرّد كسل مثقف...
من ناحية أخرى، فقد وضح لدينا، بما لا يقبل الشك، أن العلاقة بين الأساطير القرآنيّة وحكايا الحاخاميم ما بعد الكتابيّة، خاصّة في أساطير إبراهيم المزعوم، أوضح من أن تغطيها الأكف. ففي مجمل الأساطير القرآنيّة المتعلّقة بإبراهيم، مثل حرقه وإنقاذ الإله له، أو تحطيمه الأوثان وطلبه من الوثنيين أن يسألوا كبير الأوثان عمن حطّم االباقين، نجد أن التوراة، التي يعتقد المسلمون أنها كتاب مقدّس وبالتالي لا ضير برأيهم أن يكون ثمة تطابق بينها وبين القرآن، مستثناة بالكامل: التطابق هنا مع بعض التراث الحاخامي ما بعد التوراتي، خاصة سفر معاسه أبراهام. - كيف يمكن أن نفهم هذا؟ في البدء لا بد من التسليم جدلاً بأن معلوماتنا شبه نادرة حول شكل اليهوديّة زمن النبي محمد. لدينا معلومة بسيطة تقول إن يهود الحجاز في ذلك الوقت كانت لغتهم المتداولة هي العربيّة، دون أن ينفي ذلك وجود من يجيد بينهم العبريّة من أجل قراءة النصوص المقدّسة وبالتالي تعليمها. كذلك هنالك في التراث الإسلامي ما يثبت بوضوح وجود أكاديميات لتعليم الدين اليهودي في المدينة، ونقصد بذلك بيت ها مدراش، أو بيت المدراس. بالمقابل، في التراث الإسلامي ذاته ثمة نصوص أوردناها بمجملها في كتابنا المقبل، كمشة بدو، تظهر دون لبس أن النبي محمد وبعض صحابته كانوا يرتادون بيت المدراس، وإن كانت معلوماتنا في تواتر ذلك غير محددة. وربما أن سبب هذا التطابق المذهل بين نصوص قرآنيّة وبعض التراث الحاخامي ما بعد التوراتي هو أن تداول هذا التراث بين اليهود كان باللغة العربيّة، وبالتالي كان للنبي فرصة سماعه وفهمه في بيت المدراس، في حين أن التوراة كانت مقصورة لقداستها المفرطة آنذاك على الناطقين بالعبريّة. - دون أن ننسى هنا الإشارة إلى عدم الدقة المحمديّة في نقل ما سمعه من اليهود من أخبار الأولين، مثل دمجه بين مريم أخت موسى وهارون وابنة عمران، ومريم أم المسيح؛ أو نقله هامان إلى زمن فرعون؛ أو مزامنته بين موسى والسامري في خلط مريع بين سفري هوشع والخروج... إلخ!!! بالمقابل، ثمة إشارات قرآنيّة أيضاً إلى محاولات اليهود بيع آيات لمحمد، أو إسماعهم إياه لآيات مغلوطة.
الآن نقدّم بضع أمثلة على هذا التطابق، مع الوعد بأن نقدّم تباعاً أمثلة أخرى:
خلق السماء:
لقد أثبت العلم الحديث أن المعتقدات القديمة حول السماء وخلقها، لا علاقة لها بالواقع - أقلّه لأن السماء غير موجودة. وما هذا اللون المتكاثف غير نوع من الغلاف الجوي المحيط بالأرض. مع ذلك، فبحسب تعاليم القرآن (15: 6) (2مك)، جمّل الله السماء بمهارة بالغة: "ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيّناها للناظرين". قارن: (37: 6) (2مك): ["إنّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"]؛ (67: 5) (2مك): ["ولقد زينا السماء بمصابيح"]؛ (79: 29) (1مك): ["وأخرج ضحاها"]؛
بالمقابل، نجد في أيوب (26: 13)، الإشارة إلى الأجرام السماوية كزينة للسماء:["بنفسه كنس السموات"]؛ وفي سيراخ أيضاً (43: 9): "مجد النجوم بهاء السماء، وهي زينة نيّرة من عُلَى الرب".
وفي (85: 1) (1مك)؛ يقال: ["والسماء ذات البروج"]. وتحت كلمة "بروج"، يمكن أن نتلمّس صورة النجوم في دائرة البروج Zodiakus. لقد جاءت الكلمة من purgoz purkes , burgus، التي لا بد أنها تشير إلى أبواب المعبد القديمة عند البابليين، والتي تظهر في وقت لاحق بمعنى كواكب. في هذا السياق، لا بد أن نذكر عموس أيضاً (9: 6):["الباني في السماء علياته"].
في القرآن يطلق على السماء أيضاً اسم "سبع طرائق" (23: 17) (2مك). قارن: قض (5: 20): ["من السماء قاتلت الكواكب، ومن مدارها قاتلت سيسرا"] ومز (19: 2): ["السموات تحدّث بمجد الله، والجلد يخبر بما صنعت يداه"] أيضاً.وفي بيراخوت (85 ب)، يقدّم لنا المصطلح التلمودي:[سبيلي درقيع] معنى مشابهاً.
لقد رفع الله السماء بغير عمد. أنظر: (13: 2) (3مك): "رفع السموات بغير عمد...". في ذلك يقول أيوب (26: 11):["أعمدة السماء"]. كذلك فالسامريون يصفون خلق السموات بطريقة مشابه : شميه اسقف بلا عموديم ["سُقفت السماء بلا أعمدة"]. ويقدّم أفراهاط، في الترتيلة 14، تعاليماً مشابهة. قارن أيضاً: حاغيغاه (12 ب)، حيث بالإشارة إلى أيوب (8: 6): ["ويزعزع الأرض من مكانها، فترتجف أعمدتها"]، تجري هنالك مناقشة تفيد أن الأرض تستريح على أعمدة. وربما أُسيء فهم هذا النوع من النظريات.
السماء لا تسقط على الأرض فالله يمسكها (22: 65) (1مك): "ويمسك السماء أن تقع على الأرض". لقد رفع الله سقفها (79: 2 (1مك): "رفع سمكها ووسّعها" (51: 47) (1مك): "وإنّا لموسّعون". وتصفها (21: 32) (1مك) بأنها "سقفاً محفوظاً"، أما في (50: 6) (2مك) فتوصف بأنها "مالها من فروج".
الأنوار في السماء ونظامها
الآية (10: 5) (3مك): "وهو الذي جعل لكم الشمس ضياء والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب (حساب الزمن)". قارن (71: 16) (2مك)، حيث يقال: "جعل الشمس سراجاً". أنظر أيضاً: (78: 12 ـ 13) (1مك): "وبنينا فوقكم سبعاً شداداً. وجعلنا سراجاً وهاجاً".
قارن أيضاً: الآيتين (6: 96 ـ 97) (3مك): "وجعل.. الشمس والقمر حسباناً، ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر...".
في تك (1: 16): ["فصنع الله النيّرين العظيمين. النيّر الأكبر لحكم النهار، والنيّر الأصغر لحكم الليل"]، ثمة فرق بين وصف نور الشمس ووصف نور القمر، حيث يتم الحديث عن "النيّر الأكبر" للشمس، و"النيّر الأصغر" للقمر. لكن الشمس في القرآن لا توصف فقط "بالضياء"،بل سراج (سرغا) أيضاً، بعكس القمر الذي هو "نور" ليس إلا. لذلك فهي تمضي لأماكن استقرارها (36: 38): "تجري لمستقر لها". قارن بهذا الصدد: مز (104: 19): ["صنع القمر للأوقات، والشمس عرفت غروبها"]، وجا (1: 5): ["والشمس تشرق والشمس تغرب، ثم تسرع إلى مكانها ومنه تطلع"]. أمّا القمر فقد قُدّر منازل (36: 39 ـ 40)، "حتى عاد كالعرجون القديم"، "لتعلموا عدد السنين والحساب (حساب الزمن)".
ثمة مواضع لا حصر لها في الكتابين المقدّسين اليهودي والمسيحي والتي تتحدث عن نظام أنوار السماء. فمثلاً،في تك(1: 4)،تعرف بأنها ["علامات للمواسم والأيام والسنين"]. قارن أيضاً: "مزامير سليمان"، (18: 10 ـ 12): "كبير وعظيم إلهنا، الذي يقيم في الأعالي، الذي ينظم الأنوار في مساراتها لحساب الزمن، سنة تأتي وسنة تذهب، ولا تحيد عن طريقها الذي أمرت به لها. في الخوف من الله تبدّل نهاراً بنهار، منذ خلقها الله، وإلى الأبد. وما أخطأت، منذ أن خلقها الله، منذ الزمن الأزلي لم تحد عن دربها، إلا إذا أعطى الله الأمر لعبيده" أنظر أيضاً: تكوين راباه (6: 1): "لماذا خُلِق القمر؟ لأجل مواعيد الأعياد. ليقدّس حسابكم لبدايات الأقمار والسنوات". وفي شبّات (75 آ)، يعتبر من الخطأ، أن لا يُجرى حساب الزمن وفق دورات الأجرام السماوية. أما أفراهاط، فيقول في الترتيلة الثالثة والعشرين: "الشمس تنير من كلمتك، وبحسب إرادتك تدبر كامل خلقك. القمر يتبدّل بطريقة رائعة، فأنت أقمته من أجل تقسيم الزمن. أنوارك قسمتها إلى أعياد، وهي تزين كل الخلائق". وفي إحدى ملاحم الخلق المكتشفة في إحدى لقى نينوى، يقال: "هو يجعل القمر الجديد يشع، يخضع له الليل، يجعله يعرف كجسد الليل، يجعل الأيام معروفة، وشهرياً يغطيه باستمرار بتيجانه الملكية، قائلاً: حين تشرق عند بدايات الأشهر على الأرض، عليك أن تأمر الأبواق، كي تجعل أيام السنة معروفة" الخ. ويلفت نظرنا نيلسن إلى أنه في علم الفلك البابلي، تسمى دورة النجوم "سيراً" (ألكتو) والمجري "درباً" (حرّانو) ومستقراتها "مانزازو" أو "شوبتو". كذلك نجد هنالك أيضاً "منزلتو" = منازل.
النهار والليل
الآية (17: 12): "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم لتعلموا عدد السنين والحساب (حساب الزمن) وكل شيء فصّلناه تفصيلاً". قارن (25: 47) (2مك): ["وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً"]؛ (28: 73) (3مك): ["جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله"]؛ (6: 96) (3مك): ["وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً"].
تذكّرنا بداية الآية المستشهد بها آنفاً قليلاً بالجملة الختامية في أيام الخلق الكتابية: "كان مساء، وكان صباح". لكن الوظيفة التي تضفى على "الأنوار" في السماء، بحسب التكوين (1: 14): ["وقال الله: لتكن نيرات في جَلَد السماء، لتفصل بين النهار والليل، وتكون علامات للمواسم والأيام والسنين"]، أي، لجعل حساب الزمن ممكناً، تأخذ بحسبانها هنا النهار والليل، بيد أن القرآن يضفي هذه الوظيفة على "أنوار" السماء أيضاً (أنظر 10: 5) (3مك): ["هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"]؛ (78: 13) (1مك): ["وجعلنا سراجاً وهاجاً"].
لكن الليل والنهار مقرر لهما، أن يتناوبا أبد الدهر (25: 62) (2مك): "جعل الليل والنهار خلفةً". أنظر أيضاً: (2: 164).
يسبح اشعيا بحمد الله (45: 7) بوصفه خالقاً للنور والظلمة: ["أنا مبدع النور وخالق الظلام"]. قارن أيضاً: مز (104: 19): ["صنع القمر للأوقات، والشمس عرفت غروبها"]؛ مز (136: 8 ـ 9): [الشمس لحكم النهار.. والقمر والكواكب لحكم الليل"]؛ أي (38: 12): ["أنت في أيامكَ أمرت الصبح، وعرّفت الفجر مكانه"].
وتقدّم الليتورجيا اليهودية من جديد هذه الأفكار بوضوح في صلاة المغرب:
" هو الذي يجعل النهار يمرّ ويأتي بالليل، يولج النور دون انقطاع في الظلام والظلام في النور ويفرّق بين النهار والليل ". لكن مصدّر هذه العبارة في الصلاة هو بيراخوت ب 11.
لكن الليل، بحسب القرآن، مخلوق للراحة والنهار للبصر: " وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً " ( 10:67 ). وفي عروبين يقال: " لم يخلق الله الليل إلا من أجل السكينة " ( 65 آ ).
الأشهر:
في القرآن، ثمة رغبة بالقول، إن الله حدّد عدد الشهور عند الخلق: " إن عدّة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب " ( 9:3 ) ( مد ). بالمقابل، نجد أن المدراش يعرف أيضاً الرأي القائل، إن الله حدد عدد الشهور عند خلق العالم: " حين اختار الله عالمه، حدّد بدايات الشهور والسنوات " ( خروج راباه، 15:12 ). قارن أيضاً: أخنوخ السلافي، 78.
تسخير الله الأرض للبشر
الآية (31: 20) (3مك): "ألم ترَ أن الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض". قارن: (22: 65): ["ألم ترَ أن الله سخر لكم ما في الأرض"]؛ (45: 12) (3مك): ["وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض"]. وهنا لا بد من المقارنة مع تك (1: 2: ["وباركهم الله وقال لهم: انموا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها"]، ومع مز (9): ["الإنسان.. على صنع يديك ولّيته، وكل شيء تحت قدميه جعلته..."].