-
دخول

عرض كامل الموضوع : يوم في قصر العدل


brave heart2
03/02/2008, 15:29
رزان زيتونة: محامية وناشطة سورية

في مساء ذلك اليوم الماطر القارس في برودته، كان الإنهاك يعم جميع من حضر وقائعه، عشرة معتقلين سياسيين، حضيض ما وصل إليه وطن تساق نخبه بالقيود وسط حشود رجال الأمن والشرطة، ولم تكد الذاكرة تسترجع أحداثه حتى آخرها، حتى انكشفت لها «آخرة» جديدة. اعتقل المعارض السياسي البرلماني السابق رياض سيف.
كنا بانتظار الدكتورة فداء، وهي سيدة جميلة ولطيفة، صاحبة ابتسامة ساحرة. هي طبيبة معروفة، زوجة، وأم لشاب في العشرينيات من عمره، هي ابنة السياسي السوري الراحل أكرم الحوراني، هي ناشطة سياسية، انتخبت أخيراً لرئاسة المجلس الوطني لإعلان دمشق، وهي أول سيدة في الحراك الديموقراطي السوري، تعتقل وتحال إلى القضاء في «العهد الجديد»، أي منذ سنوات سبع. بعد ذلك، لن يكون من الصعب إدراك، لماذا كان الجميع يشعرون بخفقان سريع في القلب وتوتر، بانتظار أن تظهر بالقرب من غرفة قاضي التحقيق. وأخيراً، عناصر الشرطة يحيطون بسيدة جميلة ولطيفة ذات ابتسامة ساحرة، اسمها فداء الحوراني.
وعلى الرغم من شوق الجميع، الأهل والأصدقاء، للقاء المعتقلين العشرة، وبعد اختفاء دام أكثر من شهر ونصف لدى فرع أمن الدولة، كانت اللحظات عجيبة في ما حملت من تناقضات.
العين تلمح فداء، وكانت أول من حضر أمام القاضي، والعين ترغب لو تنغلق أبدا، فتمّحي عبر «غض النظر»، حضيض ما وصل إليه وطن تساق نخبه بالقيود وسط حشود رجال الأمن والشرطة، والعين ترغب لو تنفتح أبداً، فتحتفظ حتى النهاية، بابتسامة قوة وفيض أمل ومحبة، وهدوء واثق من نفسه وساخر من جيش «رجال» يطوقون ابتسامة.
ليست السيدات كثيرات في حراكنا العام السوري، لكن الواحدة منهن تساوي قمراً وحقل نجوم.
جرى استجواب فداء وكذا التسعة الآخرون المعتقلون على ذمة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي، جميعهم نالوا من هيبة الدولة ونشروا الأخبار الكاذبة وأثاروا النعرات العنصرية والطائفية! كانوا يمرون واحداً إثر آخر إلى غرفة التحقيق بلمح البصر، وجوه متعبة وأجساد ناحلة، ويبتسمون ونفعل مثلهم، بصعوبة نحافظ نحن على عضلات وجهنا في شكل ابتسام.
الصحافي والناشط علي العبد الله، عُرِض عقب التحقيق معه على الطبيب الشرعي لإصابته في أذنه نتيجة التعذيب. تسأل زوجته وابنته، لماذا هو في غرفة الطبيب؟ ونجيب، لتوقيع بعض الأوراق. تنسل الابنة بيننا تحاول استراق الحديث، وتقول، لا تخبروا أمي. وأمها تقول، لا تخبروا ابني، والابن يتصل من غربته ليقول، لا تخبروا أمي. حسناً، لن نخبر أحداً!
يتمشى عناصر الأمن على كثرتهم بيننا، يراقبون الهمسات، أعقاب السجائر ترمى من الأصابع النزقة، محاولات تسلل الأهالي إلى مكان قريب لاستراق النظر لأحبتهم، التهليل للمعتقلين حين يمرون مسرعين مقيدين، ويدونون بنظراتهم الثاقبة ذلك كله... بالعربي!
قبيل الغروب، كان تسعة من المثقفين والصحافيين يساقون إلى سيارة السجن الكبيرة الأشبه ببراد نقل الأطعمة، إلى جانب سجناء جنائيين آخرين، قريب أحد هؤلاء السجناء الجنائيين كان يصرخ تجاهه عبر الباب الخارجي المطل على شارع النصر، «لا تخف، أيام وتخرج من السجن، «دبرت» كل شيء، إخلاء السبيل أصبح في جيبنا»!
يتحرك «البراد» الكبير، ينقسم المجتمعون على جانبي الطريق، تلوّح الأيدي لمن لا نراهم داخل «البراد»، وتصفق أخرى بحماس، يسألني أحد أقرباء السجناء الجنائيين من خلف ظهري، لماذا تصفقون لهم؟ أقول، لأنهم معتقلون سياسيون، يجيب: شبعنا حكي جرايد! ألتفت إليه بانزعاج، لأرى شخصاً رث الثياب لحيته طويلة عيناه منتفختان كخوختين، أقول له: نحن أيضاً!
ثم يأتي دور سيارة سجن النساء. تصعد السيدة الجميلة إلى الباص مع زميلات السجن! يندفع ابنها الشاب باتجاهها فتعترضه عناصر الشرطة، نزق الشباب يدفعهم للاندفاع نحو أمهاتهم، السيدات العنيدات المعتقلات، لخطف نظرة، من دون أي مراعاة للقانون!
في المساء، كان الإنهاك يعم من كل بد، جميع من حضر وقائع ذلك اليوم الماطر القارس في برودته. ولم تكد الذاكرة تسترجع أحداثه حتى آخرها، حتى انكشفت لها «آخرة» جديدة. اعتقل المعارض السياسي البرلماني السابق رياض سيف. يجدر تعريفه هنا، ليس بأنه معتقل سابق في إطار ما بات يعرف بربيع دمشق لمدة خمس سنوات، وأنه رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، وأنه مصاب بالسرطان وبحاجة ماسة للعلاج ومع ذلك ممنوع من المغادرة، بل وببساطة، بأنه كان أحد المتضامنين الذين حضروا مع آخرين وقائع هذا اليوم الحافل.
في مساء اليوم نفسه، كانت فيروز تدفئ برد دمشق، في حفلتها الأولى هنا بعد غياب طويل، كانت تؤدي مع فرقتها مسرحية «صح النوم»، ولعلها لم تسمع بالأصدقاء الذين كنا نتحدث عنهم أو عن غيرهم، وليس ذلك بذي أهمية على أي حال، لأنها كانت تشاكس الوالي الظالم على المسرح. قرنفل (فيروز)، استطاعت أن تنتزع ختم الوالي وتسيّر أمور البلاد والعباد المعطلة بسبب نوم الوالي المديد. قرنفل شجاعة وحرة وجميلة. تذكرني في بعض ملامحها إلى حد بعيد، بقرنفل أخرى تقيم حالياً في سجن دوما للنساء.

yass
03/02/2008, 15:35
الحرية لكل أسرى الضمير في السجون السورية!