dot
02/02/2008, 03:44
حـــوار بـيـــن
جفري ميشلف و نك هربرت
جفري ميشلوف: مساء الخير ومرحبًا بكم. موضوعنا الليلة هو الوعي والواقع، وضيفي، د. نِكْ هربرت، هو مؤلِّف كتاب بعنوان الواقع الكوانتي. د. هربرت فيزيائي. نِكْ، أهلاً بك في البرنامج.
نك هربرت: شكرًا لك، جِفْري.
ميشلوف: يطيب لنا أن تكون بيننا هنا. أنت تعرف أني، بوصفي بارابسيكولوجيًّا، يبهرني أنه من بين المناهج الأكاديمية المهتمة بالظاهر النفسانية يبدو أن جلَّ الاهتمام آتٍ من الفيزيائيين الكوانتيين من أمثالك. أتساءل فيما إذا كنَّا نستطيع أن نبدأ البرنامج الليلة بأن نطلب منك أن تفسِّر لمشاهدينا ما هي بالدقة الفيزياء الكوانتية، ولماذا تجد ظاهرة الوعي على هذا القدر من الأهمية؟
هربرت: طيب، انطلقت الفيزياء الكوانتية في العشرينيات لتفسير تفاعل الضوء مع الذرات. وقد ركزت على ذلك الأمر، لكنها استطالت الآن لتفسير تفاعُل أيِّ شيء مع شيء آخر. وهي من حيث الأساس نظرية الفيزيائيين عن العالم في أيامنا هذه، ولقد تلاقي نجاحًا كبيرًا. هناك، إذن، سببان – أظن – لوجود ارتباط ما بين الفيزياء الكوانتية والوعي. أحدهما أن النظرية الكوانتية، كما بات يعرف غالبية الناس، غريبة جدًّا. إنها لها خصائص عجيبة للغاية.
ميشلوف: أنتم تتعاملون مع أضأل قُسَيْمات المادة الموجودة.
هربرت: أجل، هذا صحيح.
ميشلوف: القُسَيْمات ما تحت الذرية. نمطيًّا، نسمع أن هذا النوع من المادة [يطرق على المنضدة] لم يعد صلبًا؛ إنها في معظمها خواء بحسب الفيزياء الكوانتية.
هربرت: هي ليست غير صلبة وحسبن بل هي إنها في معظمها فضاء فارغ؛ لكنها أيضًا عبارة عن احتمالات – مُمَغْمَغة وحسب، وليس حتى واقعية تمامًا.
ميشلوف: بعبارة أخرى، القُسَيْمات لم تعد قُسَيْماتٍ حتى.
هربرت: القُسَيْمات لم تعد قُسَيْماتٍ حتى. وذلك واحد من الصلات بالوعي – أن صلابة المادة تذوب متلاشيةفي ضوء هذه النظريات، وتصير أكثر فأكثر أشبه بالمَغْمَغة الموجودة داخل رؤوسنا.
ميشلوف: تلك هي النظرية القاعدية، الأكثر أساسية في الفيزياء برمَّتها.
هربرت: أجل، ذلك هو أساس كلِّ ما نقوم به في الفيزياء على كلِّ حال، في الفيزياء الكوانتية.
ميشلوف: والفيزياء هي، في الواقع، العلم الأساسي لكلِّ العلوم. فالنظرية الأكثر أساسية في العلم برمَّته تفيد بأن أساس الواقع مُمَغْمَغ.
هربرت: مُمَغْمَغ، ومتهافت، ومبهم – وتلك كلمة أحب أن أستعملها. هناك، على نحو ما، إبهام أساسي في مركز العالم – مركز عالم الجوامد، العالم غير الواعي. ذلك هو السبب الأول، إذن: أن هناك تشابهات شكلانية بين النظرية الكوانتية وما يبدو عليه العقل من الداخل. والسبب الثاني هو أن الفيزيائيين باتوا مفتقرين إلى المشكلات. فمن بعض النواحي، نحن ناجحون جدًّا. لكننا لمنتوصل إلى حلٍّ تام لجميع المشكلات التي في متناولنا، بل حللناها من حيث المبدأ. وبالتالي فنحن نسعى إلى تصيد المزيد فالمزيد من الأشياء لالتقاطها في هذه الشبكة. والناس الآن يحاولون تعليل حَدَثَ الخلق نفسه باستعمال الفيزياء الكوانتية، وها نحن على وشك الانتهاء من قَطْعِ رحلة القُسَيْمات حتى تخومها القصوى. المسألة مختزَلة اليوم إلى قضية مال – معجِّلات أكبر فأكبر، ذلك هو الطريق المفتوح أمامنا. لكن هذا يمكن أن يطول كثيرًا؛ من هنا فهناك عدد كبير من الفيزيائيين يتطلعون إلى إيجاد أسئلة جديدة لا بدَّ من طرحها.
ميشلوف: هناك مصطلح لا أفتأ أسمعه هو الترابط الكوانتي، ومفهوم أن الانفصالية غير موجودة – أي أن كلَّ شيء واحد، كما كان الصوفية يعبِّرون عن الأمر.
هربرت: أجل. هناك سمة خاصة في النظرية الكوانتية تُدعى "الترابُط الكوانتي"، وقد اكتُشِفَ بالضبط لدى اكتشاف النظرية الكوانتية. فلقد وُجِدَ أن التوصيف الكوانتي لغرضين، حين يتفاعل هذان الغرضان تفاعلاً وجيزًا، ثم يُفصَل فيما بينهما، فإنهما، في التوصيف على الأقل، لا ينفصلان؛ هناك نوع من الالتصاق الذي يربط فيما بينهما، بحيث إنهما يظلان مشدودين واحدهما إلى الآخر بحسب النظرية. إنهما لا ينفصلان أبدًا، مع أن التفاعل بينهم يكون قد توقف. فلقد اعتُقِدَ أن هذه مجرد مصنوعة نظرية؛ لم تكن شيئًا موجودًا في العالم الواقعي. ولقد لحظ الفيزيائيون ذلك، وقالوا إنه غريب للغاية، ثم سرعان ما نسوه مدة خمسين عامًا! إنما مؤخرًا، من جراء شيء يدعى نظرية بِلْ، نَشَبَ اهتمامٌ جديد في هذا الترابط؛ إذ إن نظرية بِلْ تبرهن على أن هذا الارتباط ليس مجرد مصنوعة نظرية، بل يوجد فعلاً في العالم الواقعي.
ميشلوف: لعلي يجب أن أذكر، لفائدة مشاهدينا، نِكْ، أنك ربما واحد من أبرز المرجعيات في نظرية بِلْ؛ فهذا ما أنت متخصص فيه. إن نظرية بِلْ تبدو أشبه، على نحو ما، بالشرخ في البيضة الكونية؛ إنها ذلك الجزء من الفيزياء الكوانتية الذي كاد أن يقلب كلَّ شيء رأسًا على عقب.
هربرت: إن الشهرة التي نلتها تعود، في جانب منها، إلى أنني توصلت إلى أقصر برهان موجود على نظرية بِلْ. إنه عبارة عن حوالى ثلاثة سطور.
ميشلوف: الآن، تعود نظرية بِلْ، كما أفهمها، إلى ما قبل بِلْ حتى – تعود إلى أينشتاين، وإلى خلاف أينشتاين مع الفيزياء الكوانتية، في أيامها الأولى. فقد جهر أينشتاين بتصريحه الكلاسيكي: "الله لا يلعب بالنرد مع الكون"، في وقت شعر فيه بعدم اتفاقه مع الفيزياء الكوانتية، كما أفهمها. لقد شعر بأنه لو كانت الفيزياء الكوانتية صحيحة فإنها لا بدَّ أن تنطوي على هذه النتائج المرعبة، التي يتبيَّن الآن أنها صحيحة.
هربرت: أجل، لم يكن يشعر أينشتاين قط بالارتياح إلى النظرية الكوانتية، وقد كانت له أساسًا ثلاثة مآخذ عليها. المأخذ الأول هو أن النظرية الكوانتية نظرية احتمالية. إنها تصف الأشياء وكأن العالم عشوائي جوهريًّا وغير محكوم إلا بقوانين عامة هي التي تفسح المجال للأشياء لكي تحدث، ولكن ضمن هذا المجال يمكن لأيِّ شيء أن يحدث – أن الله يلعب بالنرد فعلاً. لم يَرُقْ ذلك لأينشتاين، لكنه كان يستطيع أن يتعايش معه. والجانب الثاني الذي يَرُقْ لأينشتاين كان اللاشيئية، ذلك الإبهام المُمَغْمَغ – أن العالم ليس مصنوعًا من أشياء، ليس مصنوعًا من أغراض. لقد وضع بول ديفيز ذلك المفهوم – مفهوم أن الأشياء الكبيرة مصنوعة على نحو ما من أشياء صغيرة. فالنظرية الكوانتية لا تصف الأشياء على ذلك النحو. فالأشياء الكبيرة ليست مصنوعة من أشياء صغيرة، بل هي مصنوعة من كيانات تنعدم صفاتها عندما لا تنظر، لكنها تنوجد عندما تنظر أنت. إن لمسمع هذا مسمع غريب جدًّا جدًّا.
ميشلوف: مثل الوهم.
هربرت: أجل، مثل الوهم.
ميشلوف: أو مفهوم مايا الهندوسي، شيء من هذا القبيل.
هربرت: هذا صحيح. يوجد العالم، حين لا ننظر إليه، في حالة غريبة غير قابلة للوصف. ثم، حين تنظر إليه، يصير عاديًّا بإطلاق، وكأن أحدهم يحاول أن يسحب شيئًا أمام أعيننا – العالم وهم فعلاً. أينشتاين لم يَرُقْ له هذا. لقد كان يشعر بأن الأشياء الكبيرة مصنوعة من أشياء صغيرة، كما كانت تظن الفيزياء الكلاسيكية.
ميشلوف: النظرة النيوتنية لقُسَيْمات شبيهة بكرات البلياردو – بحيث إنك إذا كنت مطلعًا على عزم كلٍّ منها وموقعه فإنك تستطيع أن تتنبأ بكلِّ شيء في الكون.
هربرت: كل شيء في الكون، أجل: نوع مريح من النظرات.
ميشلوف: لقد ذكرت ثلاثة أشياء اعترض عليها أينشتاين؛ أي أن هناك شيئًا ثالثًا.
هربرت: طيب، الشيء الثالث هو الترابط. قال أينشتاين إن العالم لا يمكن له أن يكون على هذا النحو، لأن سرعة هذا الترابط أكبر من سرعة الضوء. فبوجود هذا الترابط الكوانتي، يمكن لغرضين أن يتقاربا، ويلتقيا، ثم يذهب كل منهما في أعماق الكون، لكنهما يظلان مرتبطين، بحيث إن واحدهما يعرف آنيًّا مصير الآخر. أما أينشتاين فقال إن هذا متعذر؛ فهذا أشبه بسحر الفودو – والواقع أنه استعمل هذه الكلمة – أشبه بالتخاطر، على حدِّ قوله؛ قال إنه شبحي، أشبه بالأشباح. كانت كلماته ما قبل الأخيرة في سيرته الذاتية: "هذا لا أساوم عليه مطلقًا: العالم ليس كذلك أبدًا." وقد توفي في العام 1955، وبعد ذلك بعشر سنين بيَّن بِلْ أن العالم لا بدَّ أنه كذلك. وفي هذا شيء من السخرية. وبِلْ نفسه قال: "نظريتي تجيب على بعض أسئلة أينشتاين بطريقة ما كان أينشتاين ليحبذها كثيرًا."
جفري ميشلف و نك هربرت
جفري ميشلوف: مساء الخير ومرحبًا بكم. موضوعنا الليلة هو الوعي والواقع، وضيفي، د. نِكْ هربرت، هو مؤلِّف كتاب بعنوان الواقع الكوانتي. د. هربرت فيزيائي. نِكْ، أهلاً بك في البرنامج.
نك هربرت: شكرًا لك، جِفْري.
ميشلوف: يطيب لنا أن تكون بيننا هنا. أنت تعرف أني، بوصفي بارابسيكولوجيًّا، يبهرني أنه من بين المناهج الأكاديمية المهتمة بالظاهر النفسانية يبدو أن جلَّ الاهتمام آتٍ من الفيزيائيين الكوانتيين من أمثالك. أتساءل فيما إذا كنَّا نستطيع أن نبدأ البرنامج الليلة بأن نطلب منك أن تفسِّر لمشاهدينا ما هي بالدقة الفيزياء الكوانتية، ولماذا تجد ظاهرة الوعي على هذا القدر من الأهمية؟
هربرت: طيب، انطلقت الفيزياء الكوانتية في العشرينيات لتفسير تفاعل الضوء مع الذرات. وقد ركزت على ذلك الأمر، لكنها استطالت الآن لتفسير تفاعُل أيِّ شيء مع شيء آخر. وهي من حيث الأساس نظرية الفيزيائيين عن العالم في أيامنا هذه، ولقد تلاقي نجاحًا كبيرًا. هناك، إذن، سببان – أظن – لوجود ارتباط ما بين الفيزياء الكوانتية والوعي. أحدهما أن النظرية الكوانتية، كما بات يعرف غالبية الناس، غريبة جدًّا. إنها لها خصائص عجيبة للغاية.
ميشلوف: أنتم تتعاملون مع أضأل قُسَيْمات المادة الموجودة.
هربرت: أجل، هذا صحيح.
ميشلوف: القُسَيْمات ما تحت الذرية. نمطيًّا، نسمع أن هذا النوع من المادة [يطرق على المنضدة] لم يعد صلبًا؛ إنها في معظمها خواء بحسب الفيزياء الكوانتية.
هربرت: هي ليست غير صلبة وحسبن بل هي إنها في معظمها فضاء فارغ؛ لكنها أيضًا عبارة عن احتمالات – مُمَغْمَغة وحسب، وليس حتى واقعية تمامًا.
ميشلوف: بعبارة أخرى، القُسَيْمات لم تعد قُسَيْماتٍ حتى.
هربرت: القُسَيْمات لم تعد قُسَيْماتٍ حتى. وذلك واحد من الصلات بالوعي – أن صلابة المادة تذوب متلاشيةفي ضوء هذه النظريات، وتصير أكثر فأكثر أشبه بالمَغْمَغة الموجودة داخل رؤوسنا.
ميشلوف: تلك هي النظرية القاعدية، الأكثر أساسية في الفيزياء برمَّتها.
هربرت: أجل، ذلك هو أساس كلِّ ما نقوم به في الفيزياء على كلِّ حال، في الفيزياء الكوانتية.
ميشلوف: والفيزياء هي، في الواقع، العلم الأساسي لكلِّ العلوم. فالنظرية الأكثر أساسية في العلم برمَّته تفيد بأن أساس الواقع مُمَغْمَغ.
هربرت: مُمَغْمَغ، ومتهافت، ومبهم – وتلك كلمة أحب أن أستعملها. هناك، على نحو ما، إبهام أساسي في مركز العالم – مركز عالم الجوامد، العالم غير الواعي. ذلك هو السبب الأول، إذن: أن هناك تشابهات شكلانية بين النظرية الكوانتية وما يبدو عليه العقل من الداخل. والسبب الثاني هو أن الفيزيائيين باتوا مفتقرين إلى المشكلات. فمن بعض النواحي، نحن ناجحون جدًّا. لكننا لمنتوصل إلى حلٍّ تام لجميع المشكلات التي في متناولنا، بل حللناها من حيث المبدأ. وبالتالي فنحن نسعى إلى تصيد المزيد فالمزيد من الأشياء لالتقاطها في هذه الشبكة. والناس الآن يحاولون تعليل حَدَثَ الخلق نفسه باستعمال الفيزياء الكوانتية، وها نحن على وشك الانتهاء من قَطْعِ رحلة القُسَيْمات حتى تخومها القصوى. المسألة مختزَلة اليوم إلى قضية مال – معجِّلات أكبر فأكبر، ذلك هو الطريق المفتوح أمامنا. لكن هذا يمكن أن يطول كثيرًا؛ من هنا فهناك عدد كبير من الفيزيائيين يتطلعون إلى إيجاد أسئلة جديدة لا بدَّ من طرحها.
ميشلوف: هناك مصطلح لا أفتأ أسمعه هو الترابط الكوانتي، ومفهوم أن الانفصالية غير موجودة – أي أن كلَّ شيء واحد، كما كان الصوفية يعبِّرون عن الأمر.
هربرت: أجل. هناك سمة خاصة في النظرية الكوانتية تُدعى "الترابُط الكوانتي"، وقد اكتُشِفَ بالضبط لدى اكتشاف النظرية الكوانتية. فلقد وُجِدَ أن التوصيف الكوانتي لغرضين، حين يتفاعل هذان الغرضان تفاعلاً وجيزًا، ثم يُفصَل فيما بينهما، فإنهما، في التوصيف على الأقل، لا ينفصلان؛ هناك نوع من الالتصاق الذي يربط فيما بينهما، بحيث إنهما يظلان مشدودين واحدهما إلى الآخر بحسب النظرية. إنهما لا ينفصلان أبدًا، مع أن التفاعل بينهم يكون قد توقف. فلقد اعتُقِدَ أن هذه مجرد مصنوعة نظرية؛ لم تكن شيئًا موجودًا في العالم الواقعي. ولقد لحظ الفيزيائيون ذلك، وقالوا إنه غريب للغاية، ثم سرعان ما نسوه مدة خمسين عامًا! إنما مؤخرًا، من جراء شيء يدعى نظرية بِلْ، نَشَبَ اهتمامٌ جديد في هذا الترابط؛ إذ إن نظرية بِلْ تبرهن على أن هذا الارتباط ليس مجرد مصنوعة نظرية، بل يوجد فعلاً في العالم الواقعي.
ميشلوف: لعلي يجب أن أذكر، لفائدة مشاهدينا، نِكْ، أنك ربما واحد من أبرز المرجعيات في نظرية بِلْ؛ فهذا ما أنت متخصص فيه. إن نظرية بِلْ تبدو أشبه، على نحو ما، بالشرخ في البيضة الكونية؛ إنها ذلك الجزء من الفيزياء الكوانتية الذي كاد أن يقلب كلَّ شيء رأسًا على عقب.
هربرت: إن الشهرة التي نلتها تعود، في جانب منها، إلى أنني توصلت إلى أقصر برهان موجود على نظرية بِلْ. إنه عبارة عن حوالى ثلاثة سطور.
ميشلوف: الآن، تعود نظرية بِلْ، كما أفهمها، إلى ما قبل بِلْ حتى – تعود إلى أينشتاين، وإلى خلاف أينشتاين مع الفيزياء الكوانتية، في أيامها الأولى. فقد جهر أينشتاين بتصريحه الكلاسيكي: "الله لا يلعب بالنرد مع الكون"، في وقت شعر فيه بعدم اتفاقه مع الفيزياء الكوانتية، كما أفهمها. لقد شعر بأنه لو كانت الفيزياء الكوانتية صحيحة فإنها لا بدَّ أن تنطوي على هذه النتائج المرعبة، التي يتبيَّن الآن أنها صحيحة.
هربرت: أجل، لم يكن يشعر أينشتاين قط بالارتياح إلى النظرية الكوانتية، وقد كانت له أساسًا ثلاثة مآخذ عليها. المأخذ الأول هو أن النظرية الكوانتية نظرية احتمالية. إنها تصف الأشياء وكأن العالم عشوائي جوهريًّا وغير محكوم إلا بقوانين عامة هي التي تفسح المجال للأشياء لكي تحدث، ولكن ضمن هذا المجال يمكن لأيِّ شيء أن يحدث – أن الله يلعب بالنرد فعلاً. لم يَرُقْ ذلك لأينشتاين، لكنه كان يستطيع أن يتعايش معه. والجانب الثاني الذي يَرُقْ لأينشتاين كان اللاشيئية، ذلك الإبهام المُمَغْمَغ – أن العالم ليس مصنوعًا من أشياء، ليس مصنوعًا من أغراض. لقد وضع بول ديفيز ذلك المفهوم – مفهوم أن الأشياء الكبيرة مصنوعة على نحو ما من أشياء صغيرة. فالنظرية الكوانتية لا تصف الأشياء على ذلك النحو. فالأشياء الكبيرة ليست مصنوعة من أشياء صغيرة، بل هي مصنوعة من كيانات تنعدم صفاتها عندما لا تنظر، لكنها تنوجد عندما تنظر أنت. إن لمسمع هذا مسمع غريب جدًّا جدًّا.
ميشلوف: مثل الوهم.
هربرت: أجل، مثل الوهم.
ميشلوف: أو مفهوم مايا الهندوسي، شيء من هذا القبيل.
هربرت: هذا صحيح. يوجد العالم، حين لا ننظر إليه، في حالة غريبة غير قابلة للوصف. ثم، حين تنظر إليه، يصير عاديًّا بإطلاق، وكأن أحدهم يحاول أن يسحب شيئًا أمام أعيننا – العالم وهم فعلاً. أينشتاين لم يَرُقْ له هذا. لقد كان يشعر بأن الأشياء الكبيرة مصنوعة من أشياء صغيرة، كما كانت تظن الفيزياء الكلاسيكية.
ميشلوف: النظرة النيوتنية لقُسَيْمات شبيهة بكرات البلياردو – بحيث إنك إذا كنت مطلعًا على عزم كلٍّ منها وموقعه فإنك تستطيع أن تتنبأ بكلِّ شيء في الكون.
هربرت: كل شيء في الكون، أجل: نوع مريح من النظرات.
ميشلوف: لقد ذكرت ثلاثة أشياء اعترض عليها أينشتاين؛ أي أن هناك شيئًا ثالثًا.
هربرت: طيب، الشيء الثالث هو الترابط. قال أينشتاين إن العالم لا يمكن له أن يكون على هذا النحو، لأن سرعة هذا الترابط أكبر من سرعة الضوء. فبوجود هذا الترابط الكوانتي، يمكن لغرضين أن يتقاربا، ويلتقيا، ثم يذهب كل منهما في أعماق الكون، لكنهما يظلان مرتبطين، بحيث إن واحدهما يعرف آنيًّا مصير الآخر. أما أينشتاين فقال إن هذا متعذر؛ فهذا أشبه بسحر الفودو – والواقع أنه استعمل هذه الكلمة – أشبه بالتخاطر، على حدِّ قوله؛ قال إنه شبحي، أشبه بالأشباح. كانت كلماته ما قبل الأخيرة في سيرته الذاتية: "هذا لا أساوم عليه مطلقًا: العالم ليس كذلك أبدًا." وقد توفي في العام 1955، وبعد ذلك بعشر سنين بيَّن بِلْ أن العالم لا بدَّ أنه كذلك. وفي هذا شيء من السخرية. وبِلْ نفسه قال: "نظريتي تجيب على بعض أسئلة أينشتاين بطريقة ما كان أينشتاين ليحبذها كثيرًا."