*Marwa*
28/01/2008, 23:05
:hart: قصة الغار:hart:
إن المتأمل في حال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار يرى عجباً، شاب في سن الأربعين، يعيش داخل غار وفوق جبل وحده، وليل مكة يسدل ظلامه على جميع أرجائها، والجو ساكن هادئ، وجبل النور يتلألأ ضياء ونوراً، وغار حراء ينتظر حدثاً عظيماً، ليدخل به التاريخ من أوسع أبوابه، وليصبح بعدها أشهر غار عرفه بنو الإنسان.
إنها أعظم لحظات عاشتها الدنيا، تنزل فيها الأمين جبريل عليه السلام على الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ليقول له: اقرأ، “اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم”.
خوف فطري
إنها أول كلمات نزلت وحياً من السماء، في ليلة القدر، على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، قرأها عليه جبريل بعد أن طلب منه القراءة، وبعد اعتذاره مرة ومرتين بأنه أميٌ لا يُحسن القراءة، وبعد أن ضمه إليه ضمة شديدة مرة ومرتين، حتى بلغ منه الجهد، إشارة إلى عظمة الرسالة ومكانة المُرْسَل ورفعة المُرسَل إليه.
ويتلقى الحبيب صلى الله عليه وسلم الوحي، وترتعد فرائصه من عجيب ما رأى وسمع، لكنه لم يفكر حتى في الانتحار كما زعموا، ولا في إلقاء نفسه من فوق الجبل كما وهموا، وإنما كان ثابتاً مؤيداً من السماء، وما أصابه إلا ما يصيب البشر من الخوف الفطري، الذي لا ينفك عن الإنسان خاصة في مثل هذه المواقف العظيمة المفاجئة، والتي تعرض لمثلها سابقاً إخوانه من الأنبياء والمرسلين.
فموسى عليه السلام لما رأى العصا تحولت إلى ثعبان مبين خاف وهَمَّ بالفرار لولا تثبيت الله وتأييده له، وقوله سبحانه: “يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون”، كما قال سبحانه وتعالى: “فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى”.
ذلكم الخوف الذي أصاب إبراهيم عليه السلام لما رأى ضيوفه لا تصل أيديهم إلى طعامه.
لم يزد صلى الله عليه وسلم على أن أصابه هذا الخوف الفطري، ثم انطلق إلى زوجته الحنون خديجة بنت خويلد رضي الله عنها يقول: “زملوني زملوني”، فأخذت تواسيه بكلماتها العذبة الرقراقة التي نزلت على قلبه كالبلسم الرقيق: “كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق”.
بشارة ورقة
ولقد صدقت والله في وصفها، فقد عُرف صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بهذه الصفات وأزيد منها، فلم تجامله، ولم تداهنه، وإنما وصفته بما هو فيه لتخفف بفضل الله عز وجل ما به من خوف وقلق.
ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل رضي الله عنه، وهو أحد الحنفاء الأربعة في أرض الجزيرة، الذي تنصر في الجاهلية وكان على دين عيسى، عليه السلام، الحق، وكان عنده علم أهل الكتاب، وكان رجلاً كبيراً قد عمي بصره، لكن بصيرته كانت حية منورة.
إنه ورقة الخير، والمُبشِر بالخير، فكان جزاؤه من جنس عمله، فلقد بشره صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو على قيد الحياة، ووصفه كما وصف القرآن جده الخليل إبراهيم عليه السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا ورقة فإنه يأتي يوم القيامة أمَّة وحده”.
استمع ورقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قصة الغار، فانتفض قائلاً: “الله أكبر، والله إنه الناموس الذي أنزل على موسى عليه السلام، يا ليتني فيها جذعاً حين يخرجك قومك”، فقال صلى الله عليه وسلم: “أو مخرجيَّ هم”؟ قال ورقة: “نعم، ما أتى نبي بمثل ما جئت به إلا أوذي في قومه وعُودي، ولئن كنت حياً لأنصرنك نصراً مؤزراً”.
فكيف يستوي أن يكون ورقة من أوائل من صدقوا بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتصديق الوحي الذي أنزل عليه، ويكون في الوقت ذاته كما زعم الزاعمون هو من علَّم النبي صلى الله عليه وسلم الوحي؟! هل يُعقل هذا؟!
بداية الدعوة
لقد أيد الله نبيه صلى الله عليه وسلم وثبته بداية بكلمات خديجة رضي الله عنها، ثم بعبارات ورقة بن نوفل رضي الله عنه وبشارته الغالية.
ولكن يا ترى، هل نام النبي صلى الله عليه وسلم بعدها أو جلس من دون تحرك لنشر هذا الدين، وتبليغ اقرأ إلى الناس أجمعين؟
كلا والله، بل قام يدعو لهذا الدين، فبدأ بالأقربين فالأقربين، فكان إسلام علي ثم زيد ثم أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ليكونوا النواة الأولى لنشر هذا الدين.
وانتظر النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً أو أكثر متسائلاً: أين أمين السماء جبريل؟ أين الوحي المنزل من قِبل رب العالمين؟
لقد انقطع الوحي فترة من الزمان فكان هذا دليلاً مباشراً على أنه من قِبل الله العلي الكبير، ولم يكن أبداً من عند جبريل، كما ادعى أهل الزيغ والأباطيل ولم يكن كذلك من نسج خيال سيد المرسلين، لأنه لو كان من عنده لما انقطع عنه هذه الفترة الطويلة.
ولكن سرعان ما عاد الوحي مرة أخرى ليبدأ مرحلة جديدة عنوانها: “قم فأنذر”.
للأمانة..السيد البشبيشي.
إن المتأمل في حال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار يرى عجباً، شاب في سن الأربعين، يعيش داخل غار وفوق جبل وحده، وليل مكة يسدل ظلامه على جميع أرجائها، والجو ساكن هادئ، وجبل النور يتلألأ ضياء ونوراً، وغار حراء ينتظر حدثاً عظيماً، ليدخل به التاريخ من أوسع أبوابه، وليصبح بعدها أشهر غار عرفه بنو الإنسان.
إنها أعظم لحظات عاشتها الدنيا، تنزل فيها الأمين جبريل عليه السلام على الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ليقول له: اقرأ، “اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم”.
خوف فطري
إنها أول كلمات نزلت وحياً من السماء، في ليلة القدر، على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، قرأها عليه جبريل بعد أن طلب منه القراءة، وبعد اعتذاره مرة ومرتين بأنه أميٌ لا يُحسن القراءة، وبعد أن ضمه إليه ضمة شديدة مرة ومرتين، حتى بلغ منه الجهد، إشارة إلى عظمة الرسالة ومكانة المُرْسَل ورفعة المُرسَل إليه.
ويتلقى الحبيب صلى الله عليه وسلم الوحي، وترتعد فرائصه من عجيب ما رأى وسمع، لكنه لم يفكر حتى في الانتحار كما زعموا، ولا في إلقاء نفسه من فوق الجبل كما وهموا، وإنما كان ثابتاً مؤيداً من السماء، وما أصابه إلا ما يصيب البشر من الخوف الفطري، الذي لا ينفك عن الإنسان خاصة في مثل هذه المواقف العظيمة المفاجئة، والتي تعرض لمثلها سابقاً إخوانه من الأنبياء والمرسلين.
فموسى عليه السلام لما رأى العصا تحولت إلى ثعبان مبين خاف وهَمَّ بالفرار لولا تثبيت الله وتأييده له، وقوله سبحانه: “يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون”، كما قال سبحانه وتعالى: “فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى”.
ذلكم الخوف الذي أصاب إبراهيم عليه السلام لما رأى ضيوفه لا تصل أيديهم إلى طعامه.
لم يزد صلى الله عليه وسلم على أن أصابه هذا الخوف الفطري، ثم انطلق إلى زوجته الحنون خديجة بنت خويلد رضي الله عنها يقول: “زملوني زملوني”، فأخذت تواسيه بكلماتها العذبة الرقراقة التي نزلت على قلبه كالبلسم الرقيق: “كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق”.
بشارة ورقة
ولقد صدقت والله في وصفها، فقد عُرف صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بهذه الصفات وأزيد منها، فلم تجامله، ولم تداهنه، وإنما وصفته بما هو فيه لتخفف بفضل الله عز وجل ما به من خوف وقلق.
ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل رضي الله عنه، وهو أحد الحنفاء الأربعة في أرض الجزيرة، الذي تنصر في الجاهلية وكان على دين عيسى، عليه السلام، الحق، وكان عنده علم أهل الكتاب، وكان رجلاً كبيراً قد عمي بصره، لكن بصيرته كانت حية منورة.
إنه ورقة الخير، والمُبشِر بالخير، فكان جزاؤه من جنس عمله، فلقد بشره صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو على قيد الحياة، ووصفه كما وصف القرآن جده الخليل إبراهيم عليه السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا ورقة فإنه يأتي يوم القيامة أمَّة وحده”.
استمع ورقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قصة الغار، فانتفض قائلاً: “الله أكبر، والله إنه الناموس الذي أنزل على موسى عليه السلام، يا ليتني فيها جذعاً حين يخرجك قومك”، فقال صلى الله عليه وسلم: “أو مخرجيَّ هم”؟ قال ورقة: “نعم، ما أتى نبي بمثل ما جئت به إلا أوذي في قومه وعُودي، ولئن كنت حياً لأنصرنك نصراً مؤزراً”.
فكيف يستوي أن يكون ورقة من أوائل من صدقوا بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتصديق الوحي الذي أنزل عليه، ويكون في الوقت ذاته كما زعم الزاعمون هو من علَّم النبي صلى الله عليه وسلم الوحي؟! هل يُعقل هذا؟!
بداية الدعوة
لقد أيد الله نبيه صلى الله عليه وسلم وثبته بداية بكلمات خديجة رضي الله عنها، ثم بعبارات ورقة بن نوفل رضي الله عنه وبشارته الغالية.
ولكن يا ترى، هل نام النبي صلى الله عليه وسلم بعدها أو جلس من دون تحرك لنشر هذا الدين، وتبليغ اقرأ إلى الناس أجمعين؟
كلا والله، بل قام يدعو لهذا الدين، فبدأ بالأقربين فالأقربين، فكان إسلام علي ثم زيد ثم أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ليكونوا النواة الأولى لنشر هذا الدين.
وانتظر النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً أو أكثر متسائلاً: أين أمين السماء جبريل؟ أين الوحي المنزل من قِبل رب العالمين؟
لقد انقطع الوحي فترة من الزمان فكان هذا دليلاً مباشراً على أنه من قِبل الله العلي الكبير، ولم يكن أبداً من عند جبريل، كما ادعى أهل الزيغ والأباطيل ولم يكن كذلك من نسج خيال سيد المرسلين، لأنه لو كان من عنده لما انقطع عنه هذه الفترة الطويلة.
ولكن سرعان ما عاد الوحي مرة أخرى ليبدأ مرحلة جديدة عنوانها: “قم فأنذر”.
للأمانة..السيد البشبيشي.