-
دخول

عرض كامل الموضوع : " هبط عليه ملاكان وأعطياه سيفا" فذبح زوجته !!


secular
20/01/2008, 20:34
طبيب نفسي : حالة مرضية في مجتمع مازال يبني مجداً وقداسة على تخوم الأوهام
" كلما ذابت الحدود بين الوهم والمقدّس تعلو درجة اليقينية , لتأخذ الأمور لمنحى المطلق والبعيد عن النسبية التي عادة ما تترك المساحة للآخر هنا تحديداً تنبت أفكار العنف والتطرف وقد يكون إلغاء الآخر ( قتله أو انتهاكه بكل الطرق مهما كانت وحشية) عملاً يكتسي ثوب القداسة وطريقاً مضموناً إلى جنات الخلد.."
بهذا التوصيف يقدم الطب النفسي قراءته للجريمة التي وقعت قبل حوالي الشهر وكان مسرحها مدينة حمص حيث أقدم شادي الشعبي على قتل زوجته بأعصاب باردة بعد أن " هبط عليه ملاكان وأخذاه من كتفيه وأعطياه سيفاً..".

هكذا تروى الحكاية :
تزوج شادي الشعبي (26) عاماً من ابنة عمه قبل حوالي الأربعة أشهر , ويعمل الشاب الذي لم يصل في تعليمه إلا إلى الصف السابع في ورشة لعزل الزفت.. لم تظهر على شادي أي علامات مرض قبل زواجه بحسب ما يقول عمه ووالد زوجته إبراهيم الشعبي لتبدأ تغيرات واضحة تظهر على سلوك الشاب في الأسابيع الأخيرة قبل وقوع الجريمة.
فبعد عدة أسابيع من زواجه حدثت لديه اهلاسات سمعية وبصرية ( أشياء تشاهد ولا وجود لها في الواقع ) حيث يقول شادي : " نزل نور من السماء على زوجته بينما كانت تصلي " ومن خلال النور رأى الأنبياء نوح ولوط وعيسى عليهم السلام وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم, حيث قال له الرسول : انك تستطيع أن تنشر الخير وتشفي الناس وان زوجتك التي تلبس الأصفر هي البقرة التي تشابهت على قوم موسى, ويجب ذبحها ليظهر الحق وينتصر..

اهلاسات آمرة :
فيما بعد استمرت الاهلاسات فصار الشاب يرى ألوانا الأزرق والأحمر والأصفر وكان يفسرها بأن الأزرق يعنيه هو بينما الأحمر لون الدم والأصفر يعني زوجته وهو ببساطة إشارة لذبح زوجته!!
يقول أهل المريض : إن سلوكيات شادي شهدت تغيرات واضحة بعد الزواج فمثلاً اقلع عن التدخين بعد أن كان يدخن "3" علب يومياً ويؤكد هؤلاء إن ابنهم استغرق في قراءة القرآن الكريم ومتابعة القنوات الإسلامية وصار يردد تمائم دينية ويرى حيوانات في البيت ( كلب , جرذ..)
ورغم ذلك لم يكن هناك ما يقلق الزوجة أو الأهل أو بيت العم الذين اعتبروا أن الأمر طبيعي ولا يستدعي الخوف ويؤكد العم : " لم تنقل لنا ابنتنا أي شيء يستدعي قلقنا أو خوفنا عليها" وقبل يوم واحد من حدوث الجريمة ذهب الشاب لصلاة الجمعة حيث صلى في جامع قريب من البيت , ويقول شهود عيان انه شوهد وهو يبكي أثناء الصلاة ويقول :" أنا رسول الله " !! ليعود إلى البيت ويتراءى له " نورٌ من السماء ويهبط عليه ملاكان فيأخذانه من كتفه ويعطيانه سيفاً ويسقيانه من حوض الكوثر " فيأخذ بعد ذلك زوجته إلى حديقة بعيدة عن البيت ومظلمة قائلاً لها : سأذبحك!! وأرادها على الأرض قتيلة.
فعل الرجل فعلته فلم يكن خائفاً أو مكترثاً بوجود الناس أو الأمن الجنائي الذي جاء إلى مكان الجريمة.. كان الزوج هادئاً تماماً ليبدأ بعد قليل بالصراخ : " الله أكبر .. الله أكبر!!"
الجميع يؤكد على أن الزوج القاتل هو مريض نفسياً وأهل الزوجة لا يخرجون عن هذا الإجماع حيث يقول والدها :" انه مريض الله يشفيه مضيفاً : لا اعترض على مشيئة الله ".

رأي الطب النفسي:
في الواقع هذه القصة المأساوية الباب واسعاً للحديث عن طبيعة الأمراض النفسية في مجتمعنا وعن علاقة هذه الأمراض بالثقافة والبيئة حيث العلاقة قوية بين أمراض المجتمعات وطبيعة ثقافتها وتركيبها..
يقول الدكتور محمد الدندل ( أخصائي أمراض نفسية ) تعليقاً على هذا الموضوع :" إن الوهم من حيث البناء والشكل هو فكرة لا تختلف عن مجمل الأفكار الأخرى , لكن الاختلاف يكون عادةً في محتوى هذه الفكرة مضيفاً : قد نستدل على بعض الأوهام أحياناً من غرابتها ولكن في أحيان أخرى لا يكون الأمر بهذه السهولة فقد تكون الفكرة ذات المحتوى التوهمي مقبولة وواردة ولكن ما يثبت كونها ذات محتوى توهمي هو طريقة الوصول إليها.

ويضرب د.دندل مثالاً على ذلك بقوله : عندما يتوهم شخص ما بأن زوجته تخونه في لحظة ما وهذا وارد وقد يثبت أن ذلك قد حصل في يوم من الأيام لكنه يستدل على واقعة الخيانة في هذه المرة من خلال قيام زوجته بالتزين والاستحمام أو النظر إلى ساعتها في لحظة معينة , يستنتج هو وبشكل قاطع ارتباط هذا السلوك بالخيانة ..

ولكن في بعض الأحيان تكون الغرابة التي قد تشير إلى المنحى التوهمي نسبية فما قد يعتبر غريباً جداً ووهماً في ثقافة ما , قد يكون مقبولا وشائعاً في ثقافة أخرى وهذا ما يجعل الأمر غالباً معقد وخاصة مع الأوهام ذات المحتوى الديني فالإنسان عموماً يستخدم ثقافته الخاصة وما يختزن في ذهنه من أفكار ومفاهيم ومعتقدات مادةً لبناء أفكاره أو أوهامه وفي مجتمعاتنا التي تنحو منحاً غيبياً في تفسير العالم كثيراً ما يخالط هذا التفسير اعتقاداً بالسحر والأرواح أو ما شابه ذلك...

وتكون هذه الأوهام مقبولة أحياناً بحيث يتم الدفاع عنها بقوة من قبل أشخاص لا ينطبق عليهم التوصيف المرضي من وجهة نظر نفسية بحته فمثلا في هذه الحادثة الشخص مرتكب هذا الجرم مريض حتماً , ولديه بالإضافة إلى الأوهام اهلاسات سمعية آمرة طلبت منه القيام بعملية القتل وهي ذات محتوى وشكل ديني , وقد نتجت بشكل ثانوي عن الأوهام وهذا ما يؤكد وبشكل جازم كونه مريضاً نفسياً وتحديداً ما يسمى " بمرض الفصام الزوراني " فالأمر بات بهذه الحالة تحديداً من اختصاص الطب النفسي وهذا ما يبعث الخيبة والإحباط في نفوس أرباب الغيب والقداسة ولكن كونه استخدم الفكر الديني السابق للمرض مادة البناء أوهامه المرضية جعل الأمر مثار لبس بالنسبة لأهله لأنهم من بيئة لديها اعتقادات لا تتناسب مع أوهام هذا الشخص من حيث البناء والشكل وقد تتماشى أحياناً معها من حيث المحتوى فالمريض نفسه لو كان من ثقافة أخرى لقام بنفس الجريمة ولكن بتفسير مختلف كلياً ( كأن يقول انه يتصرّف مثلاً بوحي أو أمر من كائن فضائي يتلبسه.. وهذا موجود فعلاً)

قلق وجودي يعالج بالأوهام
ويتابع الطبيب النفسي محمد الدندل في شرحه لهذه الحالة قائلاً : أن الإنسان عادة ما يتملكه نوع من القلق أمام ما يجهل خصوصاً إذا كان ما يجهله غريباً فنحن هنا أمام حاجة طبيعية لفهم ذاك الشيء الغريب لكي يستطيع تسكين حالة القلق وباعتبار مجتمعاتنا هي مجتمعات تمتاز ببعدها عن التفسير العلمي للظواهر وهي أقرب إلى التفاسير الغيبية والخرافية الطابع , فالناس لدينا في كثير من الأحيان قد يضيعون من رجل بائس مصاب بالفصام قديساً وهم بذلك يفوتون على ذلك المسكين فرصة العلاج الطبي الذي قد ينتشله من براثن المرض .
إن التفسير الديني للعالم هو رد فعل طبيعي للقلق الوجودي والظواهر المعقدة للكون , فكل لابد منا لابد أن يكون لديه إجابة ما على هذه الأسئلة الوجودية وهذه الإجابات قد تبدأ من التفسير العلمي والمادي انتهاء بالتفسير الغيبي والخرافي مروراً بالتفسير الديني..
وكلما ابتعدنا عن التفسير العلمي القائم على القوانين والتجارب كلما اقتربنا من الخرافة والوهم وكلما ذابت الحدود بين الوهم والمقدس..
ويخلص الدكتور محمد الدندل إلى اننا شعوب في كثير من الأحيان لازالت تبني مجداً وقداسة على تخوم الأوهام.

علي حسون - سيريانيوز