اسبيرانزا
07/01/2008, 10:40
تطور الصراع الدرامي المسرحي
خالص عزمي
ظلت المسرحية لعقود في عصرنا الحاضر أسيرة الاقانيم الثلاثة والعائمة تبسيطا على سطح الصراع الدرامي الظاهر فوق خشبة المسرح ؛ ذلك ان بعض مؤلفينا كانوا ولم يزلوا يستسهلون ايصال الافكار المقتبس جلها عن المسرح الاوربي بعامة ؛ الى المشاهد المتلقي الذي لم يكن متكيفا ثقافيا على التعمق مع تقاليد المفاهيم المسرحية والخروج منها بمحصلة تعتمد اساسا لادراك مهمة التأليف الدرامي .
وعلى هذا فقد ظل الصراع الدرامي على قاعدة المؤلف العربي في اوائل القرن الماضي ؛ معناه معارك الخصومة ذات المظهر الواضح على الخشبة وكأنهاجاءت لاثبات عنصرين متشابكين متنافرين لايخرجان عن دائرة الخير والشر ؛ او الخلق الرضي والتردي المتناهي ؛ او الجبروت والضعف أو التشابك الاسري والقبلي ... الخ وكان المشاهد يدرك تماما( حسب تلك المقاييس ) ان الخير لابد ان ينتصر في نهاية المطاف وكان المؤلفون ـ من هذا النوع ــ لايرهقون انفسهم في الكشف عن صيغ ومفاهيم اخرى ؛ غير التي ترضي سذاجة المتلقي الذي باركوا هم ايضا تجمده في مواقع الاغتراف الميسور للنتاج المطروح .
ان تطور فن المسرح عالميا وفي مختلف عناصره ؛ قلب كثيرا من مقياس بناء النص ؛ وما صاحبه من المكونات الاساسية الاخرى مثل ( تفسير المحتوى و الاخراج ؛ الديكور ؛المؤثرات الالكترونية في النقل والضوء .... الخ ) قد خلق توعية جديدة مؤثرة في فهم المشاهد ؛ ومن هنا اصبح مهمة المؤلف ايسر في طرح افكاره الابداعية على اجنحة جديدة من الصراع الدرامي؛ ومن تلك الوسائل المعمقة انعاش الموحيات والرموز والتوتر والانفراج ؛ والتي كانت هي ذاتها من اهم شواخص تنشيط السيمفونيات للاحاسيس الذهنية وتوجيها لمعنى مشوق للصراع ؛ كما ان تنوع الصيغ المسرحية المستحدثة كـ ( التجريبي ؛ والارتجالي ؛ والرمزي ؛ والسوريالي .... الخ ) قد خلق نماذج فكرية ديناميكية في اسلوب ابراز الصراع الدرامي تجلت في صيغ من الايماءات والاشارات والصمت المعبروالتي عملت على تقوية ابرازها على المسرح؛ ثورة الآلكترونيات المتجددة يوميا و في مختلف مجالات الابداع المسرحي بشكل عام .
لم يكن هذا التطور الخلاق في المسرح وابتداع اساليب لاحصر لها في مفهوم الصراع ؛ محصورا في التأليف المسرحي ؛ فقد كانت له تأثيرات وأنعكاسات اخرى في فنون منوعة ؛ كالرسم والنحت والموسيقى والشعر والقصة والرواية ؛ حيث خرجت هي الاخرى عما كان مألوفا فيها من تكوين و صراع فني داخلي نمطي في الشكل والمضمون ؛ الى ساحات واسعة من ذلك التطور المتجدد النشط . فلو رجعنا الى الشعر المعاصر ــ على سبيل المثال ــ لوجدنا ان هناك مطولات اخضعت مفاهيمها للمحات واضحة من الصراع الدرامي ايضا مثل ( الحوادث الكبار ) لشوقي و( الحرب الروسية ) للبارودي ؛ و( نيرون ) لمطران ؛و( طرابلس ) للرصافي ؛ و( ايها الأرق ) للجواهري ؛ و( غلواء ) لأبي شبكة ؛ و ( عيد الغدير ) لبولس سلامة ... الخ ؛ بل ان بعضها مزج ما بين القصة والحوار وبتغليب العنصر الدرامي على العمل مثل ( أنيتا ) للجواهري ؛ و( المومس العمياء ) للسياب ؛ و( الشيخ والفتاة ) لرشيد أيوب ؛ و( الارملة المرضعة ) للرصافي . ناهيك عن المسرحيات الشعرية التي اعتنت بوضوح على هذا الجانب ؛ كما في اعمال (كليو بترا ) لشوقي ؛ و( العباسة ) لعزيز اباضة ؛ و ( الاسوار ) لخالد الشوف ؛ و( في ارض الجنتين ) لمحمد الشرفي . حيث تلامع بين سطورها وضوحا ؛ او رمزا ؛ او ايحاءا ... الصراع الدرامي الذي نتحدث عنه .
كما استعمل بعض كتاب المسرح صيغا اخرى غير هذه او تلك ؛ للتعبير عن الاحتدام في اطار من الدرما ؛ كالاستفادة من الاساطير الهامسة ؛ او الموروث الشعبي التضميني ؛ او لمحات صغيرة من حركة التاريخ ؛ باسلوب تتداخل فيه الاصوات بتشابك من الحبكة المحببة التي تحتاج هي الاخرى الى تفسيرات يساعد على ابراز مكوناتها الاخراج الواعي في جوانب الصراع الدرامي الذي هدفت النصوص الى ايصاله للمشاهد .
ومن امثلتها ( مأساة الحلاج ) و ( بعد ان يموت الملك ) لصلاح عبد الصبور ؛ و ( الفتى مهران ) و( وطني عكا ) لعبد الرحمن الشرقاوي ؛ و( العين السحرية ) و (سليمان الحلبي ) لالفريد فرج ؛ و ( حفلة سمر من اجل 5 حزيران ) و ( الملك هو الملك ) لسعد الله ونوس و( الطوفان ) لعادل كاظم .
كما يتجه المؤلفون في كثير من الاحيان ؛ الى استنطاق الامكنة والازمنة من خلال جمل شديدة الخصوبة والايحاء والاسقاطات في الحوار ؛ لكي يمنحو ا مسرحياتهم الصراع المتحرك الرامز المطلوب ؛ كما في مسرحيات ( محاكمة في نيسابور ) للبياتي ؛ و ( ملحمة كلكامش ) لسعدي يونس و ( سكة السلامة ) لسعد الدين وهبه و( الشريعة ) ليوسف العاني و ( ملك القطن ) ليوسف أدريس ..... وغيرها كثير .
و لقد حاولت بدوري ابراز مثل هذا الصراع الدرامي في اعمالي المسرحية المنشورة ؛ مستخدما التصريح تارة كما في ( قطار الشعر العربي ) حيث يدور حوار التجاذب الفكري المباشر موضحا الصراع الفكري ما بين الشعر العمودي ( شعر الشطرين ) و الشعر الحديث ( شعر التفعيلة ) ؛ اما في مسرحية ( المهجرون ) ؛ فقد كان الصراع ما بين قوى التهجير ؛ والمغتربين قسرا مستخدما صيغة التلميح تارة والتصريح اخرى في نسيج الحوار ؛وفي مسرحية ( عند الأمتحان ) كان الصراع ما بين المستشار الاجنبي والطالب العراقي المدافع عن وجود وحضار وطنه العراق ؛ ثقافيا ما بين مفهومين يمثل كل منهما حضارة لها شخصيتها وتأريخها ؛ في حين بلورت مسرحيتي ( المطاردة ) قمة صراعها الدرامي في تنافر موقف سلطات الاعلام المسيسة المتحكمة بشراسة في قمم الصحف والمواقع ... وغيرها وما بين الذين يدافعون عن قيم الحرية الذهنية الحقيقية وقدسية الكلمة . ويعطينا النموذج التوضيحي في اداناه ؛ الصيغة المستخدمة في ابراز مفهوم الصراع الدرامي في تلك ( المطاردة ) : ـ
من المشهد الاول : بداية الصراع ((
سمية ـ ولكن الغريب في الامر والسؤال المحير ؛ لماذا امتنعت ثلاث صحف عن النشرمرة واحدة .
أكرم ـ لابد من ان يكون هناك ايعاز ؛ او توجيه مباشر من المختصين
وجيه ـ لعل الاتفاق قد جرى بين رؤساء التحرير أنفسهم !
خالد ـ ( يلتفت الى أكرم ) انا اؤيد ما ذهبت اليه ؛ هناك توجيه صارم بعدم نشر اية مادة لي ؛ ومن يدري فربما يعمم هذا الايعاز على صحف أخرى ؛ بل وربما تمنع احاديثي الاذاعية ايضا ))
من المشهد الثاني : حقيقة الصراع ((
أحمد ــ ان صحيفتنا كما تعلم صحيفة دولية واسعة الانتشار ؛ وهي ممولة لان تكون محايدة وديمقراطية ومتحررة ذهنيا :
ولذلك يصعب علينا كمحررين نعمل في هذا الاطار العام ؛ ان ننشر بعض مقالاتك التي تتعرض فيها الى قضايا هي حساسة جدا وتشكل لنا صعوبات امام العديد من الجهات ؟ ( يشير الى بديع) والان سيكمل الاستاذ بديع الموضوع .
بديع ـ هناك قسم من المقالات نشرناها ....
خالد ــ ( مبتسما ) أي قبل ان تصدر تعليمات المنع !
بديع ـ ليس كذلك ؛ وانما المقالات التالية لما نشرناه كان قاسيا ومباشرا وشديد المجابهة
خالد ــ وماذا تريد من كاتب ان يقول ؛ ويرى بلاده محتلة ؛ ودولته مدمرة ؛ وشعبه مداهما ؛ ومسروقا ؛ ومعذبا ؛ هل هناك شعب يقبل بهذا الهوان ؟ انه شعب يؤخذ عنوة نحو مجاهل العصور لحجرية ))
من المشهد الثالث : ذروة الصراع ونتيجته المأسوية ((
هيلما ـ ( بارتياح ) اذن انت مقتنع بان استمرارك في النشر يحقق لك ما تريد ؟
خالد ـ ( مقهقها ) لاسيدتي ... لم اكمل حديثي بعد للوصول الى نتيجة اخرى من المطاردة !!
كونك ــ يا لسخرية القدر ان كان هناك مزيد من المطاردة ؟!
خالد ـ ( يهز رأسه بحسرة وألم ) سأكمل حديثي ... لكي اسدد بعض النفقات المادية ؛ فقد لجأت الى المساعدة في حملات قطع الكروم مع اصدقائي الفلاحين كما ترون والذي تطلقون عليه انتم ( واين ليزه) ؛ اما النشر فقد اخذ يتقلص تدريجيا ؟
هيلما ـ ( باستغراب ) يتقلص ؟ ومجانا ! ؛ وبشهرتك ومكانتك !؛ ومع ذلك يتقلص ؟!
خالد ـ الاعذار شتى ؛ واغلبها مضحك وغير مقتع لاصحاب بعض المواقع انفسهم ! لقد لاحظت بأن ذلك التقلص يتناسب طرديا كلما عقد مؤتمر او مهرجان او اجتماع مسّيس ؛ هنا اوهناك ؛ حيث تشترى مواقع وصحف و ذمم ؛ بصيغ ومسببات لا حصر لها ؛.وكنت دائما من بين عدد من الكتاب الافاضل الذين تشملهم ( مكرمة ) المطاردة ؛ ولكن اصراري على ايجاد البدائل للنشر ما زال قائما ومتماسكا ))
لقد ارادت هذه المسرحية ان تؤكدايضا على مبدأ حضاري هو وجوب الموازنة الدقيقة في العلاقة بين ما هو شخصي وآخر عام حيث لايجوز المزج بينهما ؛ كعلاقة الدكتور خالد وصديقه الحميم أحمد سكرتير تحرير الصحيفة البارزة ؛ والذي لم يستطع ان يقدم العون تحت وطأة قرارات عليا لم يكن بمقدوره تجاوزها ؛ فاوضحت المسرحية بعدها عن التوفيقية ؛ واستلهامها ذلك المبدأ الذي لا مناص منه في اطار الصداقة ألا وهو التفريق في العمل .. ما بين ما هو عام وآخر خاص .
في الختام ؛ ارى ان لايكتفي نقاد المسرح بالاعتماد على النص المكتوب وحسب في نقدهم ما دام النص معدا اساسا للاخراج المسرحي ؛ذلك ان التغيرات التي تحدث عند اخراجه وابراز سماته العميقة عند التفسير الفني له ؛ سيحول لغته الدرامية المكبوته ؛ الى صيغة تشع دلالات وأيحاءات ورموزا للمشاهدين . وليس أدل على ذلك من تنوع اخراج مسرحية ما من قبل مخرجين افذاذ عبر اجيال كثيرة أعطوها نكهة تختلف من واحد الى آخر ؛ في حين ان النص كان ولم يزل ذاته . وأكثر من ذلك ؛ فان تحويل بعض المسرحيات الى صيغ من الاوبرا او البالية او الاوبريت او العرائس كما حدث مثلا ؛ مع كسارة البندق ـ تأليف المبدع الالماني هوفمان ومن موسيقى والحان العبقري تشايكوفيسكي ؛ حيث منحها دما جديدا دفاقا ؛ واضاف اليها تفسيرات شديدة الخصوبة وابعادا لم يلتفت اليها الكثيرون عند قراءتهم للنص وهو مكتوب على الورق وحسب .
وعليه فان نمطية الصراع الدرامي المسرحي قد تغير كثيرا في منهاجه عن مفهوم الخصومة والمنازلة او الهجوم والدفاع الذي تعارف عليه القاريء او المشاهد ؛ حيث توجه وبالتطور والتدريج ـ نحو مجاله الاعمق في التعبير عن ذروة فلسفية تعنى بالصدمة والتأزم والتوتر للوصول الى قمة الحدث الاهم في البناء المسرحي وهو الهدف الذي يسعى اليه أي مؤلف ؛ ينشد ابراز عمق المعنى الجوهري في بساطة لغوية ( هي من السهل الممتنع ) ؛ بحيث تصل الى القاريء او المشاهد او المستمع بكل يسرووضوح .
خالص عزمي
ظلت المسرحية لعقود في عصرنا الحاضر أسيرة الاقانيم الثلاثة والعائمة تبسيطا على سطح الصراع الدرامي الظاهر فوق خشبة المسرح ؛ ذلك ان بعض مؤلفينا كانوا ولم يزلوا يستسهلون ايصال الافكار المقتبس جلها عن المسرح الاوربي بعامة ؛ الى المشاهد المتلقي الذي لم يكن متكيفا ثقافيا على التعمق مع تقاليد المفاهيم المسرحية والخروج منها بمحصلة تعتمد اساسا لادراك مهمة التأليف الدرامي .
وعلى هذا فقد ظل الصراع الدرامي على قاعدة المؤلف العربي في اوائل القرن الماضي ؛ معناه معارك الخصومة ذات المظهر الواضح على الخشبة وكأنهاجاءت لاثبات عنصرين متشابكين متنافرين لايخرجان عن دائرة الخير والشر ؛ او الخلق الرضي والتردي المتناهي ؛ او الجبروت والضعف أو التشابك الاسري والقبلي ... الخ وكان المشاهد يدرك تماما( حسب تلك المقاييس ) ان الخير لابد ان ينتصر في نهاية المطاف وكان المؤلفون ـ من هذا النوع ــ لايرهقون انفسهم في الكشف عن صيغ ومفاهيم اخرى ؛ غير التي ترضي سذاجة المتلقي الذي باركوا هم ايضا تجمده في مواقع الاغتراف الميسور للنتاج المطروح .
ان تطور فن المسرح عالميا وفي مختلف عناصره ؛ قلب كثيرا من مقياس بناء النص ؛ وما صاحبه من المكونات الاساسية الاخرى مثل ( تفسير المحتوى و الاخراج ؛ الديكور ؛المؤثرات الالكترونية في النقل والضوء .... الخ ) قد خلق توعية جديدة مؤثرة في فهم المشاهد ؛ ومن هنا اصبح مهمة المؤلف ايسر في طرح افكاره الابداعية على اجنحة جديدة من الصراع الدرامي؛ ومن تلك الوسائل المعمقة انعاش الموحيات والرموز والتوتر والانفراج ؛ والتي كانت هي ذاتها من اهم شواخص تنشيط السيمفونيات للاحاسيس الذهنية وتوجيها لمعنى مشوق للصراع ؛ كما ان تنوع الصيغ المسرحية المستحدثة كـ ( التجريبي ؛ والارتجالي ؛ والرمزي ؛ والسوريالي .... الخ ) قد خلق نماذج فكرية ديناميكية في اسلوب ابراز الصراع الدرامي تجلت في صيغ من الايماءات والاشارات والصمت المعبروالتي عملت على تقوية ابرازها على المسرح؛ ثورة الآلكترونيات المتجددة يوميا و في مختلف مجالات الابداع المسرحي بشكل عام .
لم يكن هذا التطور الخلاق في المسرح وابتداع اساليب لاحصر لها في مفهوم الصراع ؛ محصورا في التأليف المسرحي ؛ فقد كانت له تأثيرات وأنعكاسات اخرى في فنون منوعة ؛ كالرسم والنحت والموسيقى والشعر والقصة والرواية ؛ حيث خرجت هي الاخرى عما كان مألوفا فيها من تكوين و صراع فني داخلي نمطي في الشكل والمضمون ؛ الى ساحات واسعة من ذلك التطور المتجدد النشط . فلو رجعنا الى الشعر المعاصر ــ على سبيل المثال ــ لوجدنا ان هناك مطولات اخضعت مفاهيمها للمحات واضحة من الصراع الدرامي ايضا مثل ( الحوادث الكبار ) لشوقي و( الحرب الروسية ) للبارودي ؛ و( نيرون ) لمطران ؛و( طرابلس ) للرصافي ؛ و( ايها الأرق ) للجواهري ؛ و( غلواء ) لأبي شبكة ؛ و ( عيد الغدير ) لبولس سلامة ... الخ ؛ بل ان بعضها مزج ما بين القصة والحوار وبتغليب العنصر الدرامي على العمل مثل ( أنيتا ) للجواهري ؛ و( المومس العمياء ) للسياب ؛ و( الشيخ والفتاة ) لرشيد أيوب ؛ و( الارملة المرضعة ) للرصافي . ناهيك عن المسرحيات الشعرية التي اعتنت بوضوح على هذا الجانب ؛ كما في اعمال (كليو بترا ) لشوقي ؛ و( العباسة ) لعزيز اباضة ؛ و ( الاسوار ) لخالد الشوف ؛ و( في ارض الجنتين ) لمحمد الشرفي . حيث تلامع بين سطورها وضوحا ؛ او رمزا ؛ او ايحاءا ... الصراع الدرامي الذي نتحدث عنه .
كما استعمل بعض كتاب المسرح صيغا اخرى غير هذه او تلك ؛ للتعبير عن الاحتدام في اطار من الدرما ؛ كالاستفادة من الاساطير الهامسة ؛ او الموروث الشعبي التضميني ؛ او لمحات صغيرة من حركة التاريخ ؛ باسلوب تتداخل فيه الاصوات بتشابك من الحبكة المحببة التي تحتاج هي الاخرى الى تفسيرات يساعد على ابراز مكوناتها الاخراج الواعي في جوانب الصراع الدرامي الذي هدفت النصوص الى ايصاله للمشاهد .
ومن امثلتها ( مأساة الحلاج ) و ( بعد ان يموت الملك ) لصلاح عبد الصبور ؛ و ( الفتى مهران ) و( وطني عكا ) لعبد الرحمن الشرقاوي ؛ و( العين السحرية ) و (سليمان الحلبي ) لالفريد فرج ؛ و ( حفلة سمر من اجل 5 حزيران ) و ( الملك هو الملك ) لسعد الله ونوس و( الطوفان ) لعادل كاظم .
كما يتجه المؤلفون في كثير من الاحيان ؛ الى استنطاق الامكنة والازمنة من خلال جمل شديدة الخصوبة والايحاء والاسقاطات في الحوار ؛ لكي يمنحو ا مسرحياتهم الصراع المتحرك الرامز المطلوب ؛ كما في مسرحيات ( محاكمة في نيسابور ) للبياتي ؛ و ( ملحمة كلكامش ) لسعدي يونس و ( سكة السلامة ) لسعد الدين وهبه و( الشريعة ) ليوسف العاني و ( ملك القطن ) ليوسف أدريس ..... وغيرها كثير .
و لقد حاولت بدوري ابراز مثل هذا الصراع الدرامي في اعمالي المسرحية المنشورة ؛ مستخدما التصريح تارة كما في ( قطار الشعر العربي ) حيث يدور حوار التجاذب الفكري المباشر موضحا الصراع الفكري ما بين الشعر العمودي ( شعر الشطرين ) و الشعر الحديث ( شعر التفعيلة ) ؛ اما في مسرحية ( المهجرون ) ؛ فقد كان الصراع ما بين قوى التهجير ؛ والمغتربين قسرا مستخدما صيغة التلميح تارة والتصريح اخرى في نسيج الحوار ؛وفي مسرحية ( عند الأمتحان ) كان الصراع ما بين المستشار الاجنبي والطالب العراقي المدافع عن وجود وحضار وطنه العراق ؛ ثقافيا ما بين مفهومين يمثل كل منهما حضارة لها شخصيتها وتأريخها ؛ في حين بلورت مسرحيتي ( المطاردة ) قمة صراعها الدرامي في تنافر موقف سلطات الاعلام المسيسة المتحكمة بشراسة في قمم الصحف والمواقع ... وغيرها وما بين الذين يدافعون عن قيم الحرية الذهنية الحقيقية وقدسية الكلمة . ويعطينا النموذج التوضيحي في اداناه ؛ الصيغة المستخدمة في ابراز مفهوم الصراع الدرامي في تلك ( المطاردة ) : ـ
من المشهد الاول : بداية الصراع ((
سمية ـ ولكن الغريب في الامر والسؤال المحير ؛ لماذا امتنعت ثلاث صحف عن النشرمرة واحدة .
أكرم ـ لابد من ان يكون هناك ايعاز ؛ او توجيه مباشر من المختصين
وجيه ـ لعل الاتفاق قد جرى بين رؤساء التحرير أنفسهم !
خالد ـ ( يلتفت الى أكرم ) انا اؤيد ما ذهبت اليه ؛ هناك توجيه صارم بعدم نشر اية مادة لي ؛ ومن يدري فربما يعمم هذا الايعاز على صحف أخرى ؛ بل وربما تمنع احاديثي الاذاعية ايضا ))
من المشهد الثاني : حقيقة الصراع ((
أحمد ــ ان صحيفتنا كما تعلم صحيفة دولية واسعة الانتشار ؛ وهي ممولة لان تكون محايدة وديمقراطية ومتحررة ذهنيا :
ولذلك يصعب علينا كمحررين نعمل في هذا الاطار العام ؛ ان ننشر بعض مقالاتك التي تتعرض فيها الى قضايا هي حساسة جدا وتشكل لنا صعوبات امام العديد من الجهات ؟ ( يشير الى بديع) والان سيكمل الاستاذ بديع الموضوع .
بديع ـ هناك قسم من المقالات نشرناها ....
خالد ــ ( مبتسما ) أي قبل ان تصدر تعليمات المنع !
بديع ـ ليس كذلك ؛ وانما المقالات التالية لما نشرناه كان قاسيا ومباشرا وشديد المجابهة
خالد ــ وماذا تريد من كاتب ان يقول ؛ ويرى بلاده محتلة ؛ ودولته مدمرة ؛ وشعبه مداهما ؛ ومسروقا ؛ ومعذبا ؛ هل هناك شعب يقبل بهذا الهوان ؟ انه شعب يؤخذ عنوة نحو مجاهل العصور لحجرية ))
من المشهد الثالث : ذروة الصراع ونتيجته المأسوية ((
هيلما ـ ( بارتياح ) اذن انت مقتنع بان استمرارك في النشر يحقق لك ما تريد ؟
خالد ـ ( مقهقها ) لاسيدتي ... لم اكمل حديثي بعد للوصول الى نتيجة اخرى من المطاردة !!
كونك ــ يا لسخرية القدر ان كان هناك مزيد من المطاردة ؟!
خالد ـ ( يهز رأسه بحسرة وألم ) سأكمل حديثي ... لكي اسدد بعض النفقات المادية ؛ فقد لجأت الى المساعدة في حملات قطع الكروم مع اصدقائي الفلاحين كما ترون والذي تطلقون عليه انتم ( واين ليزه) ؛ اما النشر فقد اخذ يتقلص تدريجيا ؟
هيلما ـ ( باستغراب ) يتقلص ؟ ومجانا ! ؛ وبشهرتك ومكانتك !؛ ومع ذلك يتقلص ؟!
خالد ـ الاعذار شتى ؛ واغلبها مضحك وغير مقتع لاصحاب بعض المواقع انفسهم ! لقد لاحظت بأن ذلك التقلص يتناسب طرديا كلما عقد مؤتمر او مهرجان او اجتماع مسّيس ؛ هنا اوهناك ؛ حيث تشترى مواقع وصحف و ذمم ؛ بصيغ ومسببات لا حصر لها ؛.وكنت دائما من بين عدد من الكتاب الافاضل الذين تشملهم ( مكرمة ) المطاردة ؛ ولكن اصراري على ايجاد البدائل للنشر ما زال قائما ومتماسكا ))
لقد ارادت هذه المسرحية ان تؤكدايضا على مبدأ حضاري هو وجوب الموازنة الدقيقة في العلاقة بين ما هو شخصي وآخر عام حيث لايجوز المزج بينهما ؛ كعلاقة الدكتور خالد وصديقه الحميم أحمد سكرتير تحرير الصحيفة البارزة ؛ والذي لم يستطع ان يقدم العون تحت وطأة قرارات عليا لم يكن بمقدوره تجاوزها ؛ فاوضحت المسرحية بعدها عن التوفيقية ؛ واستلهامها ذلك المبدأ الذي لا مناص منه في اطار الصداقة ألا وهو التفريق في العمل .. ما بين ما هو عام وآخر خاص .
في الختام ؛ ارى ان لايكتفي نقاد المسرح بالاعتماد على النص المكتوب وحسب في نقدهم ما دام النص معدا اساسا للاخراج المسرحي ؛ذلك ان التغيرات التي تحدث عند اخراجه وابراز سماته العميقة عند التفسير الفني له ؛ سيحول لغته الدرامية المكبوته ؛ الى صيغة تشع دلالات وأيحاءات ورموزا للمشاهدين . وليس أدل على ذلك من تنوع اخراج مسرحية ما من قبل مخرجين افذاذ عبر اجيال كثيرة أعطوها نكهة تختلف من واحد الى آخر ؛ في حين ان النص كان ولم يزل ذاته . وأكثر من ذلك ؛ فان تحويل بعض المسرحيات الى صيغ من الاوبرا او البالية او الاوبريت او العرائس كما حدث مثلا ؛ مع كسارة البندق ـ تأليف المبدع الالماني هوفمان ومن موسيقى والحان العبقري تشايكوفيسكي ؛ حيث منحها دما جديدا دفاقا ؛ واضاف اليها تفسيرات شديدة الخصوبة وابعادا لم يلتفت اليها الكثيرون عند قراءتهم للنص وهو مكتوب على الورق وحسب .
وعليه فان نمطية الصراع الدرامي المسرحي قد تغير كثيرا في منهاجه عن مفهوم الخصومة والمنازلة او الهجوم والدفاع الذي تعارف عليه القاريء او المشاهد ؛ حيث توجه وبالتطور والتدريج ـ نحو مجاله الاعمق في التعبير عن ذروة فلسفية تعنى بالصدمة والتأزم والتوتر للوصول الى قمة الحدث الاهم في البناء المسرحي وهو الهدف الذي يسعى اليه أي مؤلف ؛ ينشد ابراز عمق المعنى الجوهري في بساطة لغوية ( هي من السهل الممتنع ) ؛ بحيث تصل الى القاريء او المشاهد او المستمع بكل يسرووضوح .