-
دخول

عرض كامل الموضوع : الحكم العثماني للمدينة المنورة ...؟؟؟


راديا
04/01/2008, 14:19
بداية عهد الحكم العثماني في الحجاز تعود الى عام 920 هجرية حين قام السلطان سليم الأول بتجهيز حملة على مصر لتخليصها من حكم المماليك. وحتى ذلك الحين لم يكن السلطان العثماني يولي إهتماماً جاداً ببلاد الشام ومصر، ولكنه وجد في التحالف الصفوي ـ المملوكي مصدر تهديد جدي لتخوم الدولة العثمانية وعقبة كأداء في طريقها، فبدأ السلطان العثماني بنقل ثقله الى بلاد الشام ومصر، حيث مركز الخلافة الاسلامية والحجاز، مركز الحرمين الشريفين. وقد تمكّن السلطان سليم الأول من إحتلال بلاد الشام في معركة مرج دابق سنة 922هـ وأكمل مسيره نحو مصر بعد أن أحكم قبضته على سورية فدخل القاهرة في مطلع عام 923هـ وقضى على آخر حكام المماليك طومان باي ولكنه أبقى للمماليك الادارة الشكلية، كما أبقي على بعض إمتيازاتهم وممتلكاتهم وكان في القاهرة حينذاك آخر ملوك الخلفاء العباسيين المتوكل على الله محمد، فتنازل عن حقه في الخلافة الاسلامية وسلّمه الآثار النبوية الشريفة وهي الراية والسيف والبرده، وسلّمه أيضاً مفاتيح الحرمين الشريفين.


وفي خطوّة معبّرة توجّه وفد من أعيان الحجاز برئاسة إبن شريف مكة الى القاهرة لمقابلة السلطان سليم الأول حيث قدّموا له الطاعة وأقرّوا بما تم بينه وبين المتوكل على الله محمد، مما أثار البهجة والفرح لدى السلطان، وبذلك أسبغ على نفسه لقب خاقان البر والبحر وخادم الحرمين الشريفين. وقد أبقى السلطان ولاية الحجاز للاشراف فيما تقلّصت سلطة أمير المدينة المنورة حيث خضعت الأخيرة تدريجياً لسلطة شريف مكة، الذي اضطلع بإدارة شؤون المدينة بالاستعانة برهط من رجاله، وصولاً الى إلغاء إمارة الحسينيين في الربع الأخير من القرن العاشر الهجري. وفور خضوع المدينة المنورة تحت سلطة شريف مكة، بدأت المدينة تحظى بإهتمام واسع النطاق من قبل الدولة العثمانية حيث انتشعت الاوضاع الاقتصادية فيها بفعل الاموال والمساعدات العينية التي تدفقت اليها من بلدان عديدة داخل الديار العثمانية، إضافة الى الدور الذي لعبه التزايد الملحوظ في أعداد الزائرين الى القبر النبوي الشريف وبإنضمام مجاميع عديدة من أتباع الدولة العثمانية. فقد أولت الاخيرة إهتماماً خاصاً بالاماكن المقدسة في الحجاز، وبدأت في إدخال تنظيمات قانونية وبناء مؤسسات لادارة شؤون الحجاز.

وفي عام 939 أصدر السلطان العثماني سليمان القانوني أمراً سلطانياً ببناء سور جديد ومعه قلعة حصينة في المدينة المنورة لتكون موقعاً للحامية العثمانية، مما أتاح الفرصة أمام تدفق عدد كبير من المهاجرين والاستقرار في المدينة، وأحدث ذلك تبدّلات هامة في البنية الديمغرافية، بفعل المصاهرة العائلية واالاندماج بين مجاميع مختلفة لتشكل بنية مجتمعية متنوعة. في الوقت نفسه، بدأت الدولة العثمانية تعزز من إجراءاتها الادارية والتنظيمية في المدينة، فكانت تعيّن كبار الموظفين في الاجهزة القضائية والدينية والعسكرية من الاستانة، من بينهم تعيين شيخ الحرم والقاضي وخدام المسجد النبوي الذين كان يطلق عليهم بالأغوات، والقائد العسكري والضباط، فيما تعزز الوجود العسكري في المدينة حيث رابطت حامية مؤلفة من ثلاث فرق في القلعة. نشير هنا أيضاً الى انتشار اللغة التركية عبر الحضور الكثيف للمهاجرين من تركيا وإعتماد كثير من المؤسسات التنظيمية والقضائية على المراسيم العثمانية، اضافة الى الدور المؤثر الذي لعبته المدارس التي تم افتتاحها في الأربطة، وازدهار النشاط العلمي في القرن الحادي عشر الهجري.

في المقابل، فرضت الاوضاع الجديدة واقعاً مختلفاً أملى على حكام المدينة السابقين الانسحاب من الحياة السياسية في المدينة المنورة، فقد انتقل كثير من أمراء آل مهنا الحسينية الى القرى والمزارع فيما انخرط بعضهم الآخر في تحصيل العلم والتجارة، وبهذا فقد أسدل الستار لفترة من الوقت على الصراع السياسي داخل المدينة التي نأت عن الصراع على السلطة في مكة المكرمة، رغم أنها كانت من الناحية الاسمية تابعة لها. ولكن الصراع على إمارة مكة المكرمة تجدد عام 1040هـ حيث لجأ الشريف زيد بن محسن الى المدينة وبعث من هناك برسالة الى والي مصر طلباً للنصرة على منافسه الشريف نامي، الذي حظي بمكانة مرموقة لدى العلماء والاعيان في مكة المكرمة، فبعث والي مصر ثلاثة آلاف جندي لنصرته وإعادته الى الإمارة، كما خرج من المدينة بعض المناصرين للشريف زيد، وتمكن من عزل الشريف نامي عن إمارة مكة وتنصيب نفسه أميراً عليها. وقد أحسن الشريف زيد الى أهل المدينة وبخاصة المناصرين له، فقام بإصلاحات ادارية وقانونية، كما تعزز في عهده الهدوء والاستقرار في المدينة المنورة. ثم تولى من بعده إبنه الشريف سعد عام 1077هـ، وعيّن نائباً له في المدينة المنورة الذي لم يحسن إدارتها، مما أثار سخطاً واسعاً لدى سكانها، الذين لجأوا في شكاوى متواترة الى السلطان العثماني يبلغونه ما حدث على يد النائب من تدهور في أوضاع الاهالي ومن سوء في ادارة شؤون المدينة، فقام بعزله وإعتقاله.

يلفت ذلك الى أن الدولة العثمانية أصبحت قوة توازن وعامل حسم في الصراعات الدائرة في منطقة الحجاز، فقد تحوّلت الى مرجعية عليا لدى السكان الذين وجدوا فيها مصدر رعاية وحماية إزاء ما يستجد من اضطرابات سياسية، على أن سلطة الاشراف المباشرة ظلت مورد توافق واجماع بين السكان، رغم ما يعترضها من اختلالات متقطعة نتيجة التنافس على السلطة بين أبناء البيت الهاشمي. في مثل هذه الحالات، كانت الدولة العثمانية تقوم بالتدخل لاعادة الأمور الى نصابها، كما حدث في مشكلة نائب المدينة حين قامت بعزله وتولية آخر مكانه، والذي كان تابعاً لسلطة شريف مكة. وغالباً ما يتم اختيار النائب من أبناء الشريف أو أقاربه، وقد تقع بعض التجاوزات الى حد التعارض بين السلطة المحلية والادارة العثمانية، كما حدث عام 1090هـ حيث أقدم رجال الحامية العثمانية في المدينة المنورة على قتل نائب الشريف فيها بحجة أنه قام بشتم الخليفة العثماني، ولكن تم تدارك المشكلة فيما بعد، ومع تصّرم القرن الحادي اعشر إندلعت صدامات مع أفخاذ من قبيلة حرب في موسم الرجبية، وقد تزامنت مع هطول أمطار غزيرة غمرت المدينة المنورة حينذاك وأدت الى سيول عارمة تسببت في إغراق المزارع ووصلت الى الاحياء السكنية حتى خشي عليها من الخراب.

وقد شهد القرن الثاني عشر الهجري تحوّلاً دراماتيكياً في أوضاع المدينة المنورة، وذلك عائد لأسباب عديدة أبرزها تراخي قبضة الادارة العثمانية بفعل انشغالها بالحروب في أماكن عديدة، وهذا بدوره سمح بتجدد الصراعات الداخلية بين القوى المتنافسة على السلطة في المدينة المنورة، كما نشب صراع بين القيادات العسكرية في الحامية العثمانية، إضافة الى الصراعات الجانبية بين رجال الحامية وقبيلة بني علي، وقد تكبّد الطرفان خسائر عديدة، الأمر الذي فتح المسرح السياسي المحلي على إضطرابات شديدة، وإختل ميزان العدل فكثر الفساد، وشمل ذلك حتى بعض خدّام الحرم النبوي الذين وجدوا أنفسهم داخل دوامة الظروف الصعبة التي شهدتها المدينة. في ظل ذلك، تدخّل بعض الاعيان والعلماء من أهل المدينة لتطويق التدهور الحاصل في أوضاع السكان، وتجمّع هؤلاء المصلحون من العلماء والاعيان للاتفاق على مواجهة الأزمة تلك ومحاربة الفساد، وأطلقوا على أنفسهم جماعة العهد، وقاموا بتنفيذ ما اتفقوا عليه. في غضون ذلك، وقع صدام بين مجموعة من خدام الحرم النبوي وعساكر القلعة العثمانية، ثم تطوّر سريعاً الى قتال فتحصّن الأغوات بالمسجد النبوي وأغلقوا أبوابه أمام عساكر القلعة وحملوا السلاح، الامر الذي إضطر جماعة العهد للتوسط من أجل إنهاء القتال وتسوية الأزمة بصورة سلمية، ولكن الاغوات رفضوا الوساطة وقرروا مواصلة القتال، فأصدر القاضي أمراً بإعتقال الاغوات المشاركين في القتال كما أمر بفتح المسجد النبوي، وقد تم ذلك بالفعل، ولكن بقي الاغوات ناقمين على جماعة العهد وإتهامهم بأنهم وراء استصدار أمر القاضي وإحباط خطتهم في مواجهة رجال القلعة، فقاموا بإيغار صدر السلطان العثماني ضدهم، فاستصدروا قراراً من السلطان العثماني بقتلهم، وقد قتل بعضهم بالفعل فيما هرب بعضهم الآخر مما أدى الى تبدد شمل الجماعة ونهايتها.

وتجددت الاضطرابات بصورة خطيرة عام 1184، حيث كثرت الصدامات المسلحة، وتزايدت الفتن بين عساكر القلعة، واستغل بنو علي اضطراب الاوضاع فقاموا بمهاجمة المدينة واسترداد مواقعهم التي خسروها في السابق، فكثرت الاضطرابات وازداد الفساد في الجهاز الإداري. في غضون ذلك، إنبرى موظف صغير في الفرقة العسكرية يدعى حسن كابوس لتحريض السكان ضد المفسدين من كبار الموظفين والضباط، الذين استولوا على شحنات الحبوب المرسلة للمدينة، فأشعل بذلك حماسة العامة الذين قاموا بالتجمع حول القلعة وضربوا طوقاً كاملاً حولها، ثم اقتحموها وأخرجوا من فيها من المتورطين في عملية شحنات الحبوب، لكن عساكر القلعة انتقموا من حسن كابوس بعد مدة وقاموا باغتياله.

وظلت الاوضاع المضطربة تتفاوت في هدوئها واشتدادها، وقد لعب قادة الفرق العسكرية المتنافسين على النفوذ دوراً محورياً في إستقرار أو إختلال الأمن، ولكن ما إن يشعر القادة بأنهم يواجهون خطراً جماعياً يهدد نفوذهم فإنهم كانوا يتناسون خلافاتهم من أجل مواجهة خطر مشترك، سيما تلك الاخطار الواردة من خارج المدينة، وتحديداً من الاعراب. ولكن الشريف سرور حاكم مكة المكرمة في أواخر القرن الثاني عشر تمكّن من إضعاف شوكة قادة الفرق العسكرية وقبض على عدد منهم وسجنهم في مكة فاستراحت المدينة منهم وعاد إليها الهدوء والسكينة، وعاشت العقد الأول من القرن الثالث عشر الهجري في أمن وطمأنينة.

وقد إستغلت الحركة الوهابية التي انطلقت من نجد هدوء الاوضاع في الحجاز، وأغرت بعض القبائل للانخراط في الحركة وأرادت بذلك الغارة على المدينة وفرض السيطرة عليها، فقامت بعض القبائل بالتعاون مع قادة الحركة الوهابية بالتجع في عوالي المدينة وبنوا حصناً كبيراً جعلوه مقراً عسكرياً. وقد قام الشريف غالب، شريف مكة بتجهيز جيش لمحاربة القوات السعودية الغازية، التي نجحت في فرض حصار حول المدينة وخيّرت أعيانها بين الاستسلام أو القتل أو مبايعة الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود حاكماً عليها.

وبسبب ضراوة القتال وشراسة الهجمة السعودية على المدينة المنورة، إضطر الاعيان للقبول بخيار السلم حفاظاً على حياة السكان ودرءا لاخطار عظيمة محدقة بالمدينة، وبذلك انتهت المرحلة الأولى من العهد العثماني وبدأت مرحلة عهد الدولة السعودية الأولى وذلك في عام 1220 هـ ودخل السعوديون المدينة وأخذوا يحدثون فيها تغييرات عديدة، وتطاولوا على حوزة الحرم النبوي الشريف، وهدموا بيوت وقبور الاولياء والصالحين وصادروا مافي الحجرة النبوية من آثار وأزالوا كثيراً من المعالم التاريخية والدينية المتصلة بالعهود السابقة إعتقاداً منهم بأنها من مظاهر الشرك والبدع.

basilsam
22/02/2008, 23:57
شكرا للمعلومات...

adulis
08/03/2008, 04:03
شكرا اااااااااااااا