-
دخول

عرض كامل الموضوع : خبز يابس - عمل مسرحي لم يكتمل


verocchio
03/01/2008, 13:32
خبز يابس هو اسم للمسرحية الثانية التي يخرجها بسام جنيد وقد عرضت على خشبة المسرح القومي في اللاذقية . واللافت في الأمر أن كلمة المخرج في مسرحيته الأولى كانت ( شجرة ) أما في المسرحية الثانية وهي خبز يابس كانت ( ثمرة ) وأنا هنا بصدد الكشف والاكتشاف لماهية هذه الثمرة .
مسرحية خبز يابس مأخوذة عن مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر للمبدع سعد الله ونوس , وإخراج بسام جنيد وتمثيل بسام جنيد وعدد من الشبان الذين استهووا المسرح , ولن أغوص في عوالم الإعداد لأسباب تتعلق بي شخصيا .
يقول ونوس ( عثرت على حدوتة ( المملوك جابر ) عندما كنت أقلب بالسيرة الشعبية للظاهر بيبرس فهالتني دلالاتها وبدأت أفكر في عمل مسرحي , وبدأت الشخصيات تنموا كحقائق تاريخية لكنها شخصيات حية تعيش في الواقع وتطرح مشكلاته . وبعد كتابتها أدركت أنني كتبت مسرحية معاصرة لا مسرحية تاريخية ) .
إذن مسرحية المملوك جابر هي صورة واضحة عن تحلل الحكام وانحطاطهم واستعدادهم للخيانة من أجل الحفاظ على عروشهم فمسرحية ونوس تدين الحكام وتحاكمهم لخياناتهم وقمعهم وعزلتهم عن الناس , كما تدين الناس لسلبيتهم وقبولهم الاستلاب , وتدين الانتهازيين فتقطع رؤوسهم . رغم أن شخصية منصور تحذر الناس
من إهمالهم للسياسة إذ يشهَر بالحكام دون خوف ولا حذر لأنه يمثل وعيا سياسيا لا عملا سياسيا فهو فرد متمرد لا جماعة ثورية وهذا يعني أن الطريق مسدود أمام التمرد الفردي . فأول ما قام به المخرج حذف شخصية منصور .. لماذا ؟ يبدو لعدم وجود ممثل !!! وبعزل هذه الشخصية أتيح للمخرج أن يخلع باقي الشخصيات من بناها الداخلية ويقدمها بشكل كاريكاتوري بلا أي تبرير درامي معتمدا على المفارقات الكلامية للإضحاك فقط تحت تسميات مصطلحية كبيرة – الغروستك – فلم يصل إلى هدفه إذ أن العرض أقرب إلى الغوستوس من الغروستك .
فالغروستك معناه في اللغة الإيطالية المغارة أما العربية فلا تحمل ترجمة إنما يحمل دلالة , ودلالته بالعربية هو الهزء والقبح أما المخرج فقد تعامل مع المعنيين بالشكل السطحي والبسيط حيث أن المكان كان يشبه المغارة وهو ليس بمغارة أو أي شيء وجسد الدلالة العربية عبر الممثلين فبدوا قبيحين فعلا ومقرفين أحيانا وخاصة شخصية المقيد .
أن الغروستك هو تشويه الواقع بالبنية لا بالشكل وهو حالة مسرحية تبرز الأسلوب الفني عبر شرطية الفرجة والتي تؤدي إلى المفهوم الدلالي لماهية الغرض من خلال شخصيات مدروسة بشكل دقيق جدا , فهناك شعرة بين الغروستك و ( المسخرة ) فلم يدرك المخرج هذه الشعرة إطلاقا .
أما الغوستوس هو الأفعال الحركية الفردية ذات البعد الجمعي إذ جاءت الأفعال الحركية عند الممثلين أفعالا حركية فردية منفصلة عن البنية الجمعية وقد استثني شخصية ( الشيخ ) التي أداها بسام سلكان حيث جاءت تكرس ظاهرة جمعية فعلا , والغوستوس يعتمد على اللغة التي توازي الحركة لكن المخرج لم يدرك قطعا الفرق بين اللغة والكلام فجاء الكلام أيضا مفرغا من محتواه ومعتمدا على مفارقات المعنى فجاء مكرسا المسخرة والتي تختلف كليا عن السخرية .

verocchio
03/01/2008, 13:33
فالمسرحيات التي تعالج قضايا تاريخية وتستلهم هذا التاريخ هي أقل علاقة مع البنية الإنسانية الفردية والتي شاهدناها في ( خبز يابس ) مع أن الوجع الآدمي هو وجع عام وجمعي إذ شاهدنا شخصيات العرض قبل الدخول في المملوك جابر شخصيات منفصلة عن سياقها التاريخي انفصالا كليا ما عدا الشيخ . فمن هو الشخص الذي قام بتجسيد شخصية المخرج ( أحمد عاشور ) وكيف هو في هذا المكان ؟ وما هو هذا المكان ؟ ولماذا اختار هذه المسرحية بالذات ؟ كما أن الممثل الذي أدى شخصية جابر ( بسام جنيد ) ولو اعتبرنا المكان أي شيء فلماذا هو في هذا المكان وأي تطابق بين بنيته النفسية وبنية جابر من حيث الدلالة أو العمق
وهذا المعتوه المقيد ( سموئل ) لماذا هو هنا ولماذا أتى من الصالة إلى المنصة وحتى الشيخ لماذا أعمى وماذا كان يغير في بنيته النفسية لو كان يرى ؟ ولما هو معهم وأي رابط اجتماعي يربط هؤلاء المجموعة المتناقضة والتي تواجدت مع بعضها دون أي تبرير درامي وسينوغرافي وحتى جغرافي مع الفتاة ( باسلة علي ) والتي من الواضح ( ملزوقة لزقا ) كي تمثل دور زمرد , أليس هذا عزل تام للشخصيات عن سياقها الاجتماعي والتاريخي , فكيف يمكن لهذه الشخصيات المنفردة والتي لا تمثل سوى ذواتها أن تقوم بتجسيد شخصيات رأس المملوك جابر والتي هي بالأساس ملتصقة ومتماهية مع ظرفها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتاريخي إذ أن شخوص سعد الله ( النص الأصلي ) في هذه المسرحية هم أبناء شرعيين لمجتمعهم إن كانوا في المقهى مع الحكواتي أو في تجسيد الشخوص التاريخية للملوك جابر , فالمسرحيات التي ترتكز على التاريخي في بنائها هي بالضرورة يجب أن تعبر عن الهم البشري وفضح السخافات والسخرية منها لا تفريغها من محتواها كما رأينا في عرض خبز يابس حيث أن المخرج لم يستطع أن ينفذ إلى العلة البشرية ولم يتمكن من الولوج إلى التراكمات القهرية لإنسان هذا العصر كي يدخل في القهر الإنساني عبر التاريخ .

verocchio
03/01/2008, 13:34
وهنا أريد أن أعرف وبعد أن حضرت العرض مرتين لماذا ( خبز يابس ) ولو سمينا المسرحية ( باقة بقدونس) فماذا كان يتغير في الموضوع ؟ هو سؤال برسم المعرفة !!!!
أما بالنسبة للديكور ودراسة المكان عبر مفهوم سينوغرافيا اللحظة المكانية والتي لابد أن تكرس مفهوم الدلالة العامة للبعد النفسي للشخصيات المتواجدة عبر اللحظة وفي هذا المكان كانت أبعد من أن تكون شارعا لمتسولين أو ساحة للمتشردين , وهذا القنب المفروش في كل مكان ماذا يريد أن يقول ومن البديهي أن السينوغرافيا تتكلم بدل الممثل بلحظات الصمت المدروسة وتتحاور معه ا بلحظات الانفعال الوجداني , فقد جاء الديكور محايدا ولا ينتمي للعرض رغم الفبركة التي صنعت خارطة على النمط ( الطلائعي ) والموسيقى التي رافقت هذه الخارطة على البنية ( الغوارية ) نسبة إلى غوار الطوشة رغم انكسار الخارطة وتفتتها فوق رقابنا فنحن لا نستطيع أن نحمل الوطن لكن الوطن استطاع أن يحملنا رغم غلاظتنا وثقل دمنا .
أما الإضاءة جاءت معبرة عن العرض بدقة حيث كان المسرح مضاء بشكل متواضع جدا .
وأخيرا أريد أن أقول لبسام جنيد المخرج بأن عرضك الأول ( بكرة ع بكرة ) شجرة سامقة جميلة وعرضك (خبز يابس ) كان ثمرة لم تنضج بعد , وهنا أسأل هل يكون العرض الثالث بذرة ؟ !!!!... شكرا بسام .

فرحان الخليل