Espaniol
14/07/2005, 13:32
سر السعادة
السعادة ليست من معطيات المادة بل هي حالة القلب المطمئن والنفس المكتفية والضمير المستريح. وعبثاً يبحث الإنسان عن هذا السلام والاطمئنان وعن هذه السعادة بعيداً عن الله الذي من عنده خرج – فهو لن يجدها.
والسعادة سيف ذو حدين. فسعادة الإنسان في لقاء الله الذي منه خرج وإليه يحن، لا تقل عن سعادة الله في لقاء الإنسان الذي صنعه من العدم ونفخ فيه نسمة من حياته.
ويشبه هذا، في حالة الإنسان، حنين المهاجر إلى الوطن الذي تركه، وفي حالة الله، شوق الوالدين إلى لقاء الابن الذي ابتعد وطال به الغياب. وهذا ما جعل الإنسان يبحث عن الطريق الذي يوصله إلى الله وجعل الله يمهد لهذا اللقاء. وهناك في صليب الجلجثة التقي الاثنان: الله والإنسان، الفادي والمفتدي، الخالق والخليقة التي صنعها.
ولذلك فلا سعادة إلا في الصليب. ومن حاول غير ذلك كانت سعادته إما وهمية وإما وقتية سطحية.
صرح فيلسوف فرنسي بقوله: العالم بأجمعه يسعى سعياً جنونياً وراء الاطمئنان والسعادة. وقال رئيس جامعة هارفرد: العالم يفتش عن عقيدة يؤمن بها، وعن ترنيمة يرنمها!
وهذا أحد أصحاب الملايين في ولاية تكساس يقول: ظننت المال كفيلاً بأن يوفر لي السعادة، فإذا الواقع يسقط ما كان مجرد وهم! وتحطمت حياة إحدى نجوم السينما وهي تقول: لدي من المال والجمال والشهرة والفتنة ما يكفي ما يجعلني أسعد امرأة في العالم، ومع ذلك فإني تعسة! لماذا؟
وقال أحد القادة الاجتماعيين الشهيرين في بريطانيا: لقد فقدت كل رغبة في الحياة مع أن كل ما أستطيع أن أعيش لأجله متوفر لدي. فهل لي أن أعرف السبب يا ترى؟
وقال شخص متعب لطبيب نفساني: أنا أشعر بالوحدة واليأس والشقاء، فهل تستطيع مساعدتي يا طبيب؟ وما كان من الطبيب إلا أن أشار عليه بأن يذهب إلى السرك ويجتمع بمهرج اشتهر بإثارة الضحك في قلوب أشد الناس بؤساً وغماً، فيلازمه مدة من الزمن. فقال الرجل الذي قصد الطبيب النفساني للمعالجة: ليتك تعلم أني أنا هو ذلك المهرج بنفسه الذي تعنيه – وهو بعينه الذي يحتاج إلى مساعدة!
وقال أحد طلاب الصف المنتهي في إحدى الكليات: عمري 23 سنة فقط، ولكن الاختبارات القاسية التي تذوقت لوعتها جعلتني أشعر بالهرم مبكراً، وأسأمتني الحياة!
وصرح أحد الراقصين الإغريقيين القدماء قائلا: عندما أخلو بنفسي أجد يدي ترتجفان، وعيني تمتلئان بالدموع، وقلبي يتلوع شوقاً للحصول على السعادة والسلام.. ولكن من أين لي أن احظي بهما؟
وقال لي أحد رجال السياسة البارزين: أنا رجل مسن، والحياة في عيني عديمة المعنى. غير أنني الآن على أتم الاستعداد لإخاطر واقفز إلى ذلك المجهول الذي ينتظرني... أفليس لديك أيها الرجل الشاب شعاعة من الرجاء تقدمها لي؟
أجل ما أكثر ما نرى عالمنا المادي يسعى جاهداً للاهتداء إلى ينبوع السعادة! أنه مستمر في سعيه وراء هذا الغرض. لكن يظهر له أنه كلما حصل على معرفة أكثر قلت الحكمة التي يحظى بها... وأنه كلما ربح ضماناً واستقراراً اقتصادياً زاد ملله وضجره من الحياة.. وحالما يبدأ الإنسان يستمتع بأوقات الفراغ استمتاعاً وافياً وينغمس بمسرات واهية يشعر بأنه ليس راضياً عن أوضاع هذه الحياة.
ما أشبه الحياة ببحر مضطرب، والإنسان فيه كالقارب تتقاذفه الأمواج! فإذا ما وجد أحد الناس بعض المسرة هنا وشعاعاً من نور السلام هناك، يدرك في النهاية أن لا شيء مما وجده يروي تعطشه ويشبع جوعه أو يبدد ظلمته.. ذلك لأن ما حصل عليه مؤقت وغير دائم. وهكذا يظل سعيه مستمراً ومتواصلاً.
ويبقى الناس يكذبون ويخدعون ويسرقون ويقتلون. وكثيراً ما يثيرون حروباً سعياً وراء القوة، وطلباً للمسرة والثروة، ظانين أنهم عن هذا الطريق سيحصلون على السلام المرغوب والسعادة المنشودة.
إنما هناك صوت خافت مازال يهمس في أعماقنا ويقول: ليس لمثل هذا وجدنا، وإنما وجدنا، وإنما وجدنا لأشياء أحسن من هذه الأمور الزائلة! وفي داخلنا شعور غريب ينبئنا أنه لابد من وجود ينبوع في مكان ما، يحوي على السعادة الحقة التي تجعل لحياتنا قيمة ومعنى.
إن اهتداءنا إلى سر ذلك الينبوع يعطينا ما تتوق إليه نفوسنا. نشعر، في بعض الأحيان، كأنما حصلنا عليه، ولكن سرعان ما ندرك أن الذي تخيلناه سعادة كان وهماً خادعاً وسراباً زائلاً. وهذا يتركنا تعسين، ومشدوهين، وشاعرين بالخيبة والفشل.
والسعادة الحقيقية في الحياة ليست سعادة سطحية ترتبط بالأحوال والظروف. لأن السعادة الحقة إنما تملأ شغاف القلب وتعمر أغوار النفس حتى في أشد الساعات حلكة وأصعب الظروف وأمر الحالات. ومثل هذه السعادة تجعل صاحبها أن يكشر عن أسنانه عندما يرى الأمور تسير سيراً معوجاً، كما أنها تحمله على الابتسام والإشراق حتى إذا كان سائراً وسط وادي الظلمات والدموع.
والسعادة التي تتوق إليها نفوسنا لا تحمل صاحبها على الزهو والافتخار عند النجاح، ولا على الاضطراب عند الفشل. إنها سعادة متأصلة في داخلنا، تعطينا سلاماً داخلياً وتوفر لنا رضى شاملاً، بقطع النظر عن المشكلات الخارجية. ولا تعتمد سعادة من هذا النوع على مؤثرات خارجية أو دوافع ترتبط بالظروف أو أمور تتعلق بالأحوال العرضية.
وتشبه هذه السعادة التي نحن في صددها ينبوعاً تتفجر مياهه على مدار السنة. ويقع مثل هذا الينبوع على مقربة من بيتي، وكنت أراه لا يتغير بالرغم من الفيضانات التي تحصل حوله، أو الجفاف الذي يصيب الأرض المجاورة له. فمياه هذا الينبوع تظل تتفجر باستمرار من أعماق الأرض – وهي تتدفق في كل الأوقات وبدون أدنى تغيير. والغريب في هذا الينبوع أنه يحافظ على قوة دفعه للماء على مدى الأيام. ومما لا ريب فيه أن الناس يتوقون إلى نوع من السعادة يشبه مياه هذا الينبوع الدائم التدفق والسيلان.
وتدفع طبيعة الإنسان الواعي صاحبها لأن يحصل على ثلاثة أمور، بدونها تبقى حياته غير سعيدة وغير كاملة، فاقدة الرضى والاطمئنان.
الأمر الأول
إن هذا الإنسان الذي خلق على صورة الله ومثاله يظل ضالاً ووحيداً في هذه الدنيا، إن لم تكن له شركة مع الإله الذي خلقه وزوده بالمواهب والقوى على اختلاف أنواعها. ولا يكفي الإنسان أن يعرف أن الله موجود. ولا يجب أن تكون معرفته به سطحية، بل من الضروري أن يذهب إلى الأعماق ويعرف الله معرفة حقة. ومثل هذا الإنسان يجب أن يتأكد أنه ليس وحيداً في هذا العالم، بل أن ذكاء أسمى من ذكائه، وقوة أعلى من قوته هي التي تسيره في هذا الكون تقرر مصيره.
الأمر الثاني
إن هذا الإنسان يظل متحيراً ومضطرباً إذا لم يحصل على الحقيقة. فهو بصفته إنساناً واعياً يحتاج إلى معرفة الحق. ومثل هذا لا تحتاج إليه باقي الحيوانات. ولا تقتصر حاجة الإنسان على معرفة العلوم الطبيعية أو الرياضية بل ما يحتاج إليه هذا الإنسان هو معرفة حقيقة ذاته. فهو يتوق دوماً لأن يعرف لغز حياته وسر وجوده، أنه يرغب أن يتفهم أمر بدايته وغايته من الحياة، وتراه يستفهم دوماً عن مصيره!
الأمر الثالث
ويحتاج الإنسان إلى سلام – ليس إلى ذلك السلام الخارجي الذي يهبه العالم لابنائه، بل إلى سالم داخلي فيه، يتحرر به من كل مشكلاته وارتباكاته وحيرته وقلقه. أنه يريد الحصول على سكينة النفس التي تملأ كل كيانه. فهو يسعى لينعم بسلام يعمل فيه ويؤثر عليه وسط تجارب الحياة وفي غمرة الأثقال والأحمال.
استعمل المسيح كلمة "طوبى" ثماني مرات في تلك القطعة المشهورة من العظة على الجبل التي تعرف عادة "بالتطويبات". وكانت كلماته الأولى "طوبى لكم" ولكنه أعقبها بمعادلته للسعادة. وليس في مقدور أحد أن يتذوق السعادة الكاملة سوى شخص المسيح. فهو وحده سبر غورها وعرف سرها. ولذلك نجده في هذه التطويبات يحاول أن يكشفها لنا.
.
السعادة ليست من معطيات المادة بل هي حالة القلب المطمئن والنفس المكتفية والضمير المستريح. وعبثاً يبحث الإنسان عن هذا السلام والاطمئنان وعن هذه السعادة بعيداً عن الله الذي من عنده خرج – فهو لن يجدها.
والسعادة سيف ذو حدين. فسعادة الإنسان في لقاء الله الذي منه خرج وإليه يحن، لا تقل عن سعادة الله في لقاء الإنسان الذي صنعه من العدم ونفخ فيه نسمة من حياته.
ويشبه هذا، في حالة الإنسان، حنين المهاجر إلى الوطن الذي تركه، وفي حالة الله، شوق الوالدين إلى لقاء الابن الذي ابتعد وطال به الغياب. وهذا ما جعل الإنسان يبحث عن الطريق الذي يوصله إلى الله وجعل الله يمهد لهذا اللقاء. وهناك في صليب الجلجثة التقي الاثنان: الله والإنسان، الفادي والمفتدي، الخالق والخليقة التي صنعها.
ولذلك فلا سعادة إلا في الصليب. ومن حاول غير ذلك كانت سعادته إما وهمية وإما وقتية سطحية.
صرح فيلسوف فرنسي بقوله: العالم بأجمعه يسعى سعياً جنونياً وراء الاطمئنان والسعادة. وقال رئيس جامعة هارفرد: العالم يفتش عن عقيدة يؤمن بها، وعن ترنيمة يرنمها!
وهذا أحد أصحاب الملايين في ولاية تكساس يقول: ظننت المال كفيلاً بأن يوفر لي السعادة، فإذا الواقع يسقط ما كان مجرد وهم! وتحطمت حياة إحدى نجوم السينما وهي تقول: لدي من المال والجمال والشهرة والفتنة ما يكفي ما يجعلني أسعد امرأة في العالم، ومع ذلك فإني تعسة! لماذا؟
وقال أحد القادة الاجتماعيين الشهيرين في بريطانيا: لقد فقدت كل رغبة في الحياة مع أن كل ما أستطيع أن أعيش لأجله متوفر لدي. فهل لي أن أعرف السبب يا ترى؟
وقال شخص متعب لطبيب نفساني: أنا أشعر بالوحدة واليأس والشقاء، فهل تستطيع مساعدتي يا طبيب؟ وما كان من الطبيب إلا أن أشار عليه بأن يذهب إلى السرك ويجتمع بمهرج اشتهر بإثارة الضحك في قلوب أشد الناس بؤساً وغماً، فيلازمه مدة من الزمن. فقال الرجل الذي قصد الطبيب النفساني للمعالجة: ليتك تعلم أني أنا هو ذلك المهرج بنفسه الذي تعنيه – وهو بعينه الذي يحتاج إلى مساعدة!
وقال أحد طلاب الصف المنتهي في إحدى الكليات: عمري 23 سنة فقط، ولكن الاختبارات القاسية التي تذوقت لوعتها جعلتني أشعر بالهرم مبكراً، وأسأمتني الحياة!
وصرح أحد الراقصين الإغريقيين القدماء قائلا: عندما أخلو بنفسي أجد يدي ترتجفان، وعيني تمتلئان بالدموع، وقلبي يتلوع شوقاً للحصول على السعادة والسلام.. ولكن من أين لي أن احظي بهما؟
وقال لي أحد رجال السياسة البارزين: أنا رجل مسن، والحياة في عيني عديمة المعنى. غير أنني الآن على أتم الاستعداد لإخاطر واقفز إلى ذلك المجهول الذي ينتظرني... أفليس لديك أيها الرجل الشاب شعاعة من الرجاء تقدمها لي؟
أجل ما أكثر ما نرى عالمنا المادي يسعى جاهداً للاهتداء إلى ينبوع السعادة! أنه مستمر في سعيه وراء هذا الغرض. لكن يظهر له أنه كلما حصل على معرفة أكثر قلت الحكمة التي يحظى بها... وأنه كلما ربح ضماناً واستقراراً اقتصادياً زاد ملله وضجره من الحياة.. وحالما يبدأ الإنسان يستمتع بأوقات الفراغ استمتاعاً وافياً وينغمس بمسرات واهية يشعر بأنه ليس راضياً عن أوضاع هذه الحياة.
ما أشبه الحياة ببحر مضطرب، والإنسان فيه كالقارب تتقاذفه الأمواج! فإذا ما وجد أحد الناس بعض المسرة هنا وشعاعاً من نور السلام هناك، يدرك في النهاية أن لا شيء مما وجده يروي تعطشه ويشبع جوعه أو يبدد ظلمته.. ذلك لأن ما حصل عليه مؤقت وغير دائم. وهكذا يظل سعيه مستمراً ومتواصلاً.
ويبقى الناس يكذبون ويخدعون ويسرقون ويقتلون. وكثيراً ما يثيرون حروباً سعياً وراء القوة، وطلباً للمسرة والثروة، ظانين أنهم عن هذا الطريق سيحصلون على السلام المرغوب والسعادة المنشودة.
إنما هناك صوت خافت مازال يهمس في أعماقنا ويقول: ليس لمثل هذا وجدنا، وإنما وجدنا، وإنما وجدنا لأشياء أحسن من هذه الأمور الزائلة! وفي داخلنا شعور غريب ينبئنا أنه لابد من وجود ينبوع في مكان ما، يحوي على السعادة الحقة التي تجعل لحياتنا قيمة ومعنى.
إن اهتداءنا إلى سر ذلك الينبوع يعطينا ما تتوق إليه نفوسنا. نشعر، في بعض الأحيان، كأنما حصلنا عليه، ولكن سرعان ما ندرك أن الذي تخيلناه سعادة كان وهماً خادعاً وسراباً زائلاً. وهذا يتركنا تعسين، ومشدوهين، وشاعرين بالخيبة والفشل.
والسعادة الحقيقية في الحياة ليست سعادة سطحية ترتبط بالأحوال والظروف. لأن السعادة الحقة إنما تملأ شغاف القلب وتعمر أغوار النفس حتى في أشد الساعات حلكة وأصعب الظروف وأمر الحالات. ومثل هذه السعادة تجعل صاحبها أن يكشر عن أسنانه عندما يرى الأمور تسير سيراً معوجاً، كما أنها تحمله على الابتسام والإشراق حتى إذا كان سائراً وسط وادي الظلمات والدموع.
والسعادة التي تتوق إليها نفوسنا لا تحمل صاحبها على الزهو والافتخار عند النجاح، ولا على الاضطراب عند الفشل. إنها سعادة متأصلة في داخلنا، تعطينا سلاماً داخلياً وتوفر لنا رضى شاملاً، بقطع النظر عن المشكلات الخارجية. ولا تعتمد سعادة من هذا النوع على مؤثرات خارجية أو دوافع ترتبط بالظروف أو أمور تتعلق بالأحوال العرضية.
وتشبه هذه السعادة التي نحن في صددها ينبوعاً تتفجر مياهه على مدار السنة. ويقع مثل هذا الينبوع على مقربة من بيتي، وكنت أراه لا يتغير بالرغم من الفيضانات التي تحصل حوله، أو الجفاف الذي يصيب الأرض المجاورة له. فمياه هذا الينبوع تظل تتفجر باستمرار من أعماق الأرض – وهي تتدفق في كل الأوقات وبدون أدنى تغيير. والغريب في هذا الينبوع أنه يحافظ على قوة دفعه للماء على مدى الأيام. ومما لا ريب فيه أن الناس يتوقون إلى نوع من السعادة يشبه مياه هذا الينبوع الدائم التدفق والسيلان.
وتدفع طبيعة الإنسان الواعي صاحبها لأن يحصل على ثلاثة أمور، بدونها تبقى حياته غير سعيدة وغير كاملة، فاقدة الرضى والاطمئنان.
الأمر الأول
إن هذا الإنسان الذي خلق على صورة الله ومثاله يظل ضالاً ووحيداً في هذه الدنيا، إن لم تكن له شركة مع الإله الذي خلقه وزوده بالمواهب والقوى على اختلاف أنواعها. ولا يكفي الإنسان أن يعرف أن الله موجود. ولا يجب أن تكون معرفته به سطحية، بل من الضروري أن يذهب إلى الأعماق ويعرف الله معرفة حقة. ومثل هذا الإنسان يجب أن يتأكد أنه ليس وحيداً في هذا العالم، بل أن ذكاء أسمى من ذكائه، وقوة أعلى من قوته هي التي تسيره في هذا الكون تقرر مصيره.
الأمر الثاني
إن هذا الإنسان يظل متحيراً ومضطرباً إذا لم يحصل على الحقيقة. فهو بصفته إنساناً واعياً يحتاج إلى معرفة الحق. ومثل هذا لا تحتاج إليه باقي الحيوانات. ولا تقتصر حاجة الإنسان على معرفة العلوم الطبيعية أو الرياضية بل ما يحتاج إليه هذا الإنسان هو معرفة حقيقة ذاته. فهو يتوق دوماً لأن يعرف لغز حياته وسر وجوده، أنه يرغب أن يتفهم أمر بدايته وغايته من الحياة، وتراه يستفهم دوماً عن مصيره!
الأمر الثالث
ويحتاج الإنسان إلى سلام – ليس إلى ذلك السلام الخارجي الذي يهبه العالم لابنائه، بل إلى سالم داخلي فيه، يتحرر به من كل مشكلاته وارتباكاته وحيرته وقلقه. أنه يريد الحصول على سكينة النفس التي تملأ كل كيانه. فهو يسعى لينعم بسلام يعمل فيه ويؤثر عليه وسط تجارب الحياة وفي غمرة الأثقال والأحمال.
استعمل المسيح كلمة "طوبى" ثماني مرات في تلك القطعة المشهورة من العظة على الجبل التي تعرف عادة "بالتطويبات". وكانت كلماته الأولى "طوبى لكم" ولكنه أعقبها بمعادلته للسعادة. وليس في مقدور أحد أن يتذوق السعادة الكاملة سوى شخص المسيح. فهو وحده سبر غورها وعرف سرها. ولذلك نجده في هذه التطويبات يحاول أن يكشفها لنا.
.