*Marwa*
26/12/2007, 15:26
الاملاءات الامريكية
عبد الباري عطوان
اصبحت الادارة الامريكية الحالية، ورغم الفشل الذريع لسياساتها في المنطقة العربية، تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، تختار الرؤساء، وتقترح كيف توزع الثروة بشكل عادل، ولم يبق الا ان تعين العمد و المخاتير وتختار ائمة المساجد.
الرئيس جورج دبليو بوش اصدر فتوي دستورية للبنانيين في الاسبوع الماضي يقول فيها انه لا بد من انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن، واذا تعذر ذلك بالوسائل المتبعة، فليكن هذا الانتخاب علي اساس النصف زائد واحد .
الآنسة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية زارت مدينة كركوك العراقية، والقت محاضرة علي العراقيين حول كيفية التوزيع العادل للثروة النفطــــية في البـــلاد علي جميع الملل والنحل والطوائف والمناطق.
حتي مصر الدولة الاقليمية العظمي في المنطقة والحليف الاوثق للادارات الامريكية المتعاقبة منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، لم تسلم هي بدورها من التدخلات الامريكية هذه، وشاهدنا الكونغرس الامريكي يتخذ قرارا بخصم جزء من المساعدات عقابا لها علي تأخير الاصلاحات الديمقراطية، ووقف انتهاكات حقوق الانسان، وعدم التعاون مع اسرائيل لمنع تهريب الاسلحة الي حركات المقاومة الاسلامية في قطاع غزة، وحركة حماس علي وجه التحديد.
ولعل التدخل الامريكي في الشؤون الداخلية المصرية له ما يبرره لدي بعض الاشخاص، خاصة ان مصر تتلقي مساعدات مالية امريكية سنوية مقدارها مليارا دولار معظمها عسكري الطابع، ومن يتلقي المساعدات عليه ان يطيع اولي الامر، ويمتثل لأوامرهم، ولكن المستغرب هو التدخل الامريكي في شأن سعودي داخلي هامشي، مثل استنكار الرئيس بوش لأحكام اصدرها القضاء السعودي بالسجن والجلد علي فتاة القطيف التي تعرضت للاغتصاب من قبل مجموعة من الشبان، وهو الاستنكار الذي دفع الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية لإلغاء هذه الاحكام فورا، واطلاق سراح الفتاة.
مصدر المفاجأة بالنسبة الينا ليس هذه الاملاءات، فهي ليست جديدة علي اي حال، وان كان الجديد فيها هو الانتقال من مرحلة القضايا الاساسية الكبري الي الامور الصغيرة جدا، وانما مصدر المفاجأة هو تقبل الحكومات العربية لها بصدر رحب، والعمل بها دون اي احتجاج وكأنها محميات امريكية، او جمهوريات موز في افضل الاحوال.
انتهاك الحكومات العربية لحقوق الانسان، وعدم اجرائها اصلاحات ديمقراطية، وتغييب القضاء العادل المستقل، كلها امور اساسية مدانة، لا يمكن الدفاع عن مرتكبيها، سواء كانوا عربا او غير عرب، ولو كانت هناك حكومات عربية منتخبة، تحتكم الي مؤسسات دستورية، وفصل كامل للسلطات لما تجرأ الرئيس بوش او غيره علي التدخل بشكل سافر في الشؤون العربية، الداخلية منها والخارجية.
نعلم جيدا، وقبل ان يجادلنا احد، بان الادارة الامريكية هي آخر من يهتم بمسائل الديمقراطية وحقوق الانسان في منطقتنا العربية، وتستخدمها كورقة ضغط علي الانظمة من اجل حماية مصالحها ومصالح اسرائيل، والدليل الابرز في هذا الخصوص هو فرشها، والدول الغربية الاخري التي تسير في فلك منظومتها، السجاد الاحمر للزعماء الديكتاتوريين الزائرين، بعد ان قررت تقديم الاستقرار علي الديمقراطية والحريات في المنطقة.
فعندما يتخذ الكونغرس قرارا بخصم جزء من المساعدات المصرية السنوية احتجاجا علي تأخر الاصلاحات الديمقراطية في مصر، ويعد الرئيس بوش بدراسة هذا القرار رغم انه غير ملزم له، فان هذه رسالة واضحة للحكومة المصرية بان تتحرك فورا وتتجاوب مع المطالب الاسرائيلية في احكام اغلاق معبر رفح مع قطاع غزة، وتجويع مليون ونصف مليون مواطن فلسطيني حتي الموت، والقبول بالمخططات الاسرائيلية لحفر قناة مائية علي طول شريط صلاح الدين الحدودي مع القطاع للقضاء علي ظاهرة الأنفاق، وكل ما يتفرع عنها من اعمال تهريب لبضائع تبدأ من السجائر والادوية وتنتهي بالاسلحة والمتفجرات.
امريكا تريد من مصر ان تتحول الي حارس لاسرائيل وأمن مستوطنيها، وان ترضخ بالكامل لاوامرها، وان لا تتحداها مطلقا، بفتح المعبر لمرور الحجاج لأداء فريضة الحج في الاماكن المقدسة، والا فان المساعدات ستتوقف جزئيا الي ان تتوقف كليا، علي ان تبدأ بعد ذلك الحملات الاعلامية المكثفة لزعزعة النظام من الداخل، تماما مثلما حدث مع النظام العراقي.
مشكلتنا الاساسية اننا لا نستطيع ان ندافع عن انظمة ديكتاتورية قمعية فاسدة، حولت بلادها الي دول بوليسية، ولكننا في الوقت نفسه لا يمكن ان ننتقدها بطريقة يمكن ان يصب انتقادنا في مصلحة الاهداف الامريكية. والاخطر من هذا وذاك، ان الانظمة العربية الديكتاتورية الفاسدة تستفيد من اخطاء السياسة الخارجية الامريكية في المنطقة العربية وتوظفها لمصلحتها. فلا يمر يوم تقريبا دون ان يخرج علينا مسؤول عربي ليذكرنا بالعراق وما احدثه التدخل الامريكي فيه من كوارث، ويتهم المعارضات العربية بانها عميلة لامريكا مثلما كان حال المعارضة العراقية، وهي المعارضة التي دمرت بلدها، ومزقت نسيجه الاجتماعي، وحولته الي مقبرة جماعية، وكرّهت شعبها والعالم العربي بأسره بالديمقراطية، وفوق هذا وذاك فشلت في الحكم وتقديم النموذج البديل في هذا الصدد، بل قدمت نموذجا في الفساد وسرقة المال العام والمحسوبية الطائفية، واقامت دولة الميليشيات بدلا من دولة المؤسسات.
الرئيس بوش يستعد لشد الرحال الي المنطقة في مطلع العام الجديد، لزيارة محمياته العربية ولشرح ما هو مطلوب منها تنفيذه من سياسات ومواقف وربما حروب، ولن نستغرب اذا ما طلب الاطلاع علي ملفات الاحوال المدنية، والاحكام الشرعية، وتشجيع زواج المسيار والزواج السياحي، وتقصير اللحي وفق معايير معينة، اليس هو الذي طلب تغيير المناهج و اصلاح النظام التعليمي، والغاء معظم الجمعيات الخيرية، وطرد آلاف من ائمة المساجد؟
عبد الباري عطوان
اصبحت الادارة الامريكية الحالية، ورغم الفشل الذريع لسياساتها في المنطقة العربية، تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، تختار الرؤساء، وتقترح كيف توزع الثروة بشكل عادل، ولم يبق الا ان تعين العمد و المخاتير وتختار ائمة المساجد.
الرئيس جورج دبليو بوش اصدر فتوي دستورية للبنانيين في الاسبوع الماضي يقول فيها انه لا بد من انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن، واذا تعذر ذلك بالوسائل المتبعة، فليكن هذا الانتخاب علي اساس النصف زائد واحد .
الآنسة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية زارت مدينة كركوك العراقية، والقت محاضرة علي العراقيين حول كيفية التوزيع العادل للثروة النفطــــية في البـــلاد علي جميع الملل والنحل والطوائف والمناطق.
حتي مصر الدولة الاقليمية العظمي في المنطقة والحليف الاوثق للادارات الامريكية المتعاقبة منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، لم تسلم هي بدورها من التدخلات الامريكية هذه، وشاهدنا الكونغرس الامريكي يتخذ قرارا بخصم جزء من المساعدات عقابا لها علي تأخير الاصلاحات الديمقراطية، ووقف انتهاكات حقوق الانسان، وعدم التعاون مع اسرائيل لمنع تهريب الاسلحة الي حركات المقاومة الاسلامية في قطاع غزة، وحركة حماس علي وجه التحديد.
ولعل التدخل الامريكي في الشؤون الداخلية المصرية له ما يبرره لدي بعض الاشخاص، خاصة ان مصر تتلقي مساعدات مالية امريكية سنوية مقدارها مليارا دولار معظمها عسكري الطابع، ومن يتلقي المساعدات عليه ان يطيع اولي الامر، ويمتثل لأوامرهم، ولكن المستغرب هو التدخل الامريكي في شأن سعودي داخلي هامشي، مثل استنكار الرئيس بوش لأحكام اصدرها القضاء السعودي بالسجن والجلد علي فتاة القطيف التي تعرضت للاغتصاب من قبل مجموعة من الشبان، وهو الاستنكار الذي دفع الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية لإلغاء هذه الاحكام فورا، واطلاق سراح الفتاة.
مصدر المفاجأة بالنسبة الينا ليس هذه الاملاءات، فهي ليست جديدة علي اي حال، وان كان الجديد فيها هو الانتقال من مرحلة القضايا الاساسية الكبري الي الامور الصغيرة جدا، وانما مصدر المفاجأة هو تقبل الحكومات العربية لها بصدر رحب، والعمل بها دون اي احتجاج وكأنها محميات امريكية، او جمهوريات موز في افضل الاحوال.
انتهاك الحكومات العربية لحقوق الانسان، وعدم اجرائها اصلاحات ديمقراطية، وتغييب القضاء العادل المستقل، كلها امور اساسية مدانة، لا يمكن الدفاع عن مرتكبيها، سواء كانوا عربا او غير عرب، ولو كانت هناك حكومات عربية منتخبة، تحتكم الي مؤسسات دستورية، وفصل كامل للسلطات لما تجرأ الرئيس بوش او غيره علي التدخل بشكل سافر في الشؤون العربية، الداخلية منها والخارجية.
نعلم جيدا، وقبل ان يجادلنا احد، بان الادارة الامريكية هي آخر من يهتم بمسائل الديمقراطية وحقوق الانسان في منطقتنا العربية، وتستخدمها كورقة ضغط علي الانظمة من اجل حماية مصالحها ومصالح اسرائيل، والدليل الابرز في هذا الخصوص هو فرشها، والدول الغربية الاخري التي تسير في فلك منظومتها، السجاد الاحمر للزعماء الديكتاتوريين الزائرين، بعد ان قررت تقديم الاستقرار علي الديمقراطية والحريات في المنطقة.
فعندما يتخذ الكونغرس قرارا بخصم جزء من المساعدات المصرية السنوية احتجاجا علي تأخر الاصلاحات الديمقراطية في مصر، ويعد الرئيس بوش بدراسة هذا القرار رغم انه غير ملزم له، فان هذه رسالة واضحة للحكومة المصرية بان تتحرك فورا وتتجاوب مع المطالب الاسرائيلية في احكام اغلاق معبر رفح مع قطاع غزة، وتجويع مليون ونصف مليون مواطن فلسطيني حتي الموت، والقبول بالمخططات الاسرائيلية لحفر قناة مائية علي طول شريط صلاح الدين الحدودي مع القطاع للقضاء علي ظاهرة الأنفاق، وكل ما يتفرع عنها من اعمال تهريب لبضائع تبدأ من السجائر والادوية وتنتهي بالاسلحة والمتفجرات.
امريكا تريد من مصر ان تتحول الي حارس لاسرائيل وأمن مستوطنيها، وان ترضخ بالكامل لاوامرها، وان لا تتحداها مطلقا، بفتح المعبر لمرور الحجاج لأداء فريضة الحج في الاماكن المقدسة، والا فان المساعدات ستتوقف جزئيا الي ان تتوقف كليا، علي ان تبدأ بعد ذلك الحملات الاعلامية المكثفة لزعزعة النظام من الداخل، تماما مثلما حدث مع النظام العراقي.
مشكلتنا الاساسية اننا لا نستطيع ان ندافع عن انظمة ديكتاتورية قمعية فاسدة، حولت بلادها الي دول بوليسية، ولكننا في الوقت نفسه لا يمكن ان ننتقدها بطريقة يمكن ان يصب انتقادنا في مصلحة الاهداف الامريكية. والاخطر من هذا وذاك، ان الانظمة العربية الديكتاتورية الفاسدة تستفيد من اخطاء السياسة الخارجية الامريكية في المنطقة العربية وتوظفها لمصلحتها. فلا يمر يوم تقريبا دون ان يخرج علينا مسؤول عربي ليذكرنا بالعراق وما احدثه التدخل الامريكي فيه من كوارث، ويتهم المعارضات العربية بانها عميلة لامريكا مثلما كان حال المعارضة العراقية، وهي المعارضة التي دمرت بلدها، ومزقت نسيجه الاجتماعي، وحولته الي مقبرة جماعية، وكرّهت شعبها والعالم العربي بأسره بالديمقراطية، وفوق هذا وذاك فشلت في الحكم وتقديم النموذج البديل في هذا الصدد، بل قدمت نموذجا في الفساد وسرقة المال العام والمحسوبية الطائفية، واقامت دولة الميليشيات بدلا من دولة المؤسسات.
الرئيس بوش يستعد لشد الرحال الي المنطقة في مطلع العام الجديد، لزيارة محمياته العربية ولشرح ما هو مطلوب منها تنفيذه من سياسات ومواقف وربما حروب، ولن نستغرب اذا ما طلب الاطلاع علي ملفات الاحوال المدنية، والاحكام الشرعية، وتشجيع زواج المسيار والزواج السياحي، وتقصير اللحي وفق معايير معينة، اليس هو الذي طلب تغيير المناهج و اصلاح النظام التعليمي، والغاء معظم الجمعيات الخيرية، وطرد آلاف من ائمة المساجد؟