فاوست
23/12/2007, 16:13
وأتى الرد السوري...ـ
حسان شمس - خاص "ثروة"
كتب هذا المقال استجابة لدعوة "النداء" للدفاع عن حملة النظام السوري الإعلامية المكرسة لتشويه سمعة من اعتقلهم من أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق.
قبل انجلاء غبار قصف العدو منشأة الحسكة السورية، وما رافقها من ردة فعل، أقل ما يمكن وصفها بـ "الحكيمة!"، باغت النظام السوري"أعداء الأمة" برد عنيف مزلزل، ليس على مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي أو ثكنة جبل الجرمق؛ ولا في مرصد جبل الشيخ وتل أبو الندى؛ وإنما بحق كوكبة من أحرار البلاد، الداعين إلى لم شملها وتحسين أحوال أهلها! "الموهنون لعزيمة الأمة ومُضعفو شعورها القومي!"، فبئس تلكم الأصناف مِن العروبة وعزيمة الأمة، والشعور القومي معهما.
فلم يكد حبر مقررات بيان إعلان دمشق، التي وضعت الإصبع على الجرح يجفّ، حتى شنت سلطات دمشق حملة اعتقالات واسعة طاولت العشرات من أعضائه، وما زالت تداعياتها مستمرة حتى الآن. هل هي الأزمة التي تحدّث عنها وريث الجمهورية قبل حوالي عامين، منذراً الأصوات المعارضة، التي "تُحدِثُ تشويشاً وقت الأزمات"، ومتوعدا إياها بالويل والثبور، وعظائم الأمور؟ إنها بالفعل كذلك؛ وعوض أن يخجل النظام من نفسه فيما هدير الطائرات العدوّة لم يبرح الأجواء السورية؛ وبدل تصدّيه للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أرضه وسيادته الوطنية، والاعتذار من الشعب السوري؛ انفلتَ مِن عقاله في حملة مسعورة، طاولت نخبة من ألمع مفكري الوطن وكتابه ومبدعيه!
صح قول العرب، "إذا لم تستح افعل ما شئت"، وأن "الذين استحوا ماتوا"... لا بل، لم يبقَ مَن يخبر عنهم؛ فتخبيصات النظام السوري جاوزت كل حد معقول أو منطقي؛ وما يقوم به، ليس فقط لا يفعله إلا عدوّ، كما قال طيّب الذكر عارف دليلة، بل أن العدو يخجل أن يأتي بربع أرباعه! فأية لعنة تلك التي حلت في ديار السوريين؟ وأي قدر أرعن كان من نصيبهم؟ وأية عيدية هذه التي يقدّمها هذا النظام المسخ للسوريين في اليوم العالمي لحقوق الإنسان والأعياد المباركة والمجيدة؟
إنَّ ما تقوم به الطغمة الحاكمة في دمشق، ليس معناه إلا أنَّ هذا النظام حدّد الشعب السوري ونخبه عدوّا له. إنه، يحارب كل بصيص أمل في الداخل السوري. شغله الشاغل تأبيد نفسه، واستمرار الجثوم كابوساً فوق صدور السوريين، وإعدام سبل معيشتهم، وقتل واعتقال ونفي وتشريد أخيارهم، وتفليس دولتهم.
وفوق هذا وذاك، يطل علينا بتبجحاته أن هؤلاء المعتقلين عملاء للخارج ولأميركا، وأن النظام لم يعتقل الوطنيين، بدليل عدم مَسِّ مَن عُقد الاجتماع في منزله (رياض سيف)، وإنما الأمر يتعلق بالمرتبطين بالخارج فقط؛ ثم يأتي دور "غوبلز النظام" لإكمال تلك المهمة القذرة!
فبالأمس ليس البعيد، جاء جواب شيخ المظللين، عماد فوزي الشعيبي على سؤال قناة "الجزيرة" عن مصافحة الأسد – كتساف في الفاتيكان: "إنّ دمشق تقهقه ضحكاً على هذه النكتة"، ثم أتى تصريح وكالة "سانا" مساءً مؤكداً الخبر. وقبلها، كان حمّل تنظيم "القاعدة" بعد أقل من ساعتين على تفجير المزّة المسؤولية، للدلالة أنّ النظام مُستهدَف بالإرهاب أيضاً، فاتضح لاحقاً أن "القاعدة" بريئة كبراءة الحقيقة منه ومن تصريحاته وتحليلاته.
وهنا، يتساءل المراقب بكثير من الريبة والدهشة، عن السبب الذي يدفع المرء إلى الانحدار بنفسه وسمعته وأخلاقه إلى هذا الحضيض وهذا الدرَك الذي وصل إليه الشعيبي ومَن معه، مِن ماركة محمد حبش ومشتقاتهم؟ ألم يشبع هؤلاء مِن لعب دور "المجَحّش"، على حد وصف حكم البابا، الذي ليس له شغلة ومشغلة إلا تلميع وجه السلطة وغسل أوساخها؟
إن المُطالَب بتقديم صك بالوطنية وحسن السلوك هو النظام السوري وليسَ غيره؛ وعليه قبل التطاول على أسيادة في العمل الوطني أن يجيب على ألف سؤال وسؤال، بدءا بتفريطه بالجولان وحذف لواء إسكندرون مِن الخرائط المدرسية، وجعل إسرائيل تنعم بهدوء لم توفره لها كل اتفاقيات الصلح المنفردة مع بعض البلدان العربية، والتفاهمات مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن لبنان، والمحاربة تحت العلم الأميركي عام 1990 ضد دولة عربية، والخدمات غير المأجورة للاستخبارات الأميركية في العراق عبر تفريخ الإرهابيين ومساومة الولايات المتحدة على سعرهم؛ إضافة إلى التخريب والهلاك اليومي الذي يلحقه بالشعب السوري منذ اغتصابه الحكم، وإعدامه كل مناحي الحياة في سوريا، وما يمارسه من تخريب على المستوى العربي، لا سيما في لبنان وفلسطين والعراق، وتوريط الدولة بإلحاقها بسياسات دولة أجنبية تحتل أراض عربية في دولة الإمارات هي إيران، إضافة إلى عشرات التقارير التي تتحدث عن تسليمه سلطات طهران أفرادا مِن عرب الأحواز....، والقائمة تطول؟ وعليه قبل كل شيء لملمة أشلاء شهداء الجيش السوري من سفوح جبل الشيخ، الذين ظل الرعاة يتعثرون بهياكلهم العظمية حتى وقت قريب! فمَن هو والحالة هذه المتآمر مع الولايات المتحدة والخارج؟
إنَّ أكثر ما ميَّز بيان إعلان دمشق الأخير، هو إقراره بضرورة الانفتاح على الخارج. ورغم أن البيان حصر هذا الخارج بالمنظمات الدولية والإنسانية، فإن المنطق يقتضي الاعتراف والتوضيح أن ما بين التعامل مع الأميركان والتآمر معهم، وبين حوارهم لرفع غطائهم عن النظام فرقا كالذي يفصل النظام بالضبط عن كل ما له علاقة بالعروبة والوطنية والقومية والديموقراطية والوحدوية والاشتراكية! بل أنَّ التحاور مع أميركا وغيرها مِن الدول الغربية الفاعلة وإقناعهم بسحب وكالتهم من النظام السوري بات ضرورة وطنية أكثر مِن مُلحة، نعم ضرورة وطنية ينبغي البدء فيها اليوم قبل الغد. فهذه النخب، التي أودعتها سلطات دمشق في المعتقلات، توزِّع أوسمة وشهادات في الوطنية على الكرة الأرضية بطولها وعرضها، وليس فقط على هذا النظام المهزوز والفاقد لأي نوع من الشرعية! فإلى حين يصبح لدى الشعب السوري دولة كباقي خلق الله، تحدِّد صناديق الاقتراع قياداته ومَن يحكم باسمه، ليس هناك أجدر مِن هذه القوى وأكثر منها وطنية ونظافة واستقامة يمكن الركون إليها، أو يمكن أن تكون حريصة على السيادة الوطنية، والتفاوض باسم الشعب السوري، مع الولايات المتحدة أم سواها.
الأمم المتحدة وهولندا وقّعتا اتفاقية إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان. وعلى هذا، فإن النظام السوري لا يعيش في أزمة وحسب، وإنما في محنة حقيقية، فرائحته تفوح من كل موقع تمت فيه عملية اغتيال في بيروت؛ ردود أفعاله والتخريب الذي يفتعله أيتامه في لبنان تقطع كل الشك بكل اليقين بتورّطه؛ وعلى هذا، فإن بانتظار السوريين عاما قاسيا ووجبات قمع إضافية يمكن استقراؤها واستشرافها بلا جهد، فتاريخ النظام ينبئ أنه سيعمد إلى رسم صورة جهنمية للمستقبل مِن دونه، سواء على مستوى الداخلين السوري واللبناني بصورة خاصة، أو الإقليمي والعالمي بشكل أعمّ. وهذا يحتم على المعارضة، وإعلان دمشق على وجه التحديد، التقاط أي مؤشر قد يلوح في الأفق، واستثمار كل ما يساعد في التخلص مِن هذا الفالج، بشكل يحصر الأضرار إلى أدنى مستوياتها.
إنَّ وظيفة الشعب السوري، بمعارضته وقواه الحية في الفترة المقبلة تكمن في الحد من الخسائر أكثر من جني الأرباح. التدخل العسكري من أية جهة، أميركية كانت أم غير ذلك، هو بمثابة خيانة وطنية وخط أحمر مرفوض من كافة قطاعات الشعب وقواه. لكن في المقابل، مطلوب مِن كل القوى الفاعلة في الداخل والخارج الاستفادة من كل إشارة أو بادرة توحي بدنوّ أجل النظام، أو تسهم في زيادة ضغط المجتمع الدولي عليه، على أن يرفق ذلك حملة مركزة في الداخل السوري، تعرّي مزاعم النظام في دمجه الصوَري بين منافعه الشخصية والخاصة وبين المصلحة الوطنية. وفي الوقت نفسه، ينبغي الإسراع إلى نزع المشروعية عنه في حال لاحت في الأفق بوادر صفقة تطيل عمره، وتفاقم مأساة الشعب السوري. لقاء بعض أقطاب المعارضة بداية الشهر الجاري (مأمون الحمصي، عمار عبد الحميد وجنكيزخان حسو) مع الرئيس بوش، يُعتَبر خطوة صحيحة على هذا المسار.
في مطلق الأحوال، بيان إعلان دمشق الأخير حضّ الشعب السوري على الجهر برفضه سياسات النظام وممارساته، وحرص على عدم احتكار قوى الإعلان العمل المعارض، تاركا حرية الحركة والعمل للقوى الأخرى المنتشرة في باقي بقاع الأرض. وذلك، يعدّ مِن أكثر الأسباب التي جعلت مقررات المؤتمر تخرج ناجحة إلى هذا الحد. وربما هذا، ما دفع النظام إلى التعامل مع أعضائه بهذا القدر من الرعونة والوحشية.
حسان شمس - خاص "ثروة"
كتب هذا المقال استجابة لدعوة "النداء" للدفاع عن حملة النظام السوري الإعلامية المكرسة لتشويه سمعة من اعتقلهم من أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق.
قبل انجلاء غبار قصف العدو منشأة الحسكة السورية، وما رافقها من ردة فعل، أقل ما يمكن وصفها بـ "الحكيمة!"، باغت النظام السوري"أعداء الأمة" برد عنيف مزلزل، ليس على مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي أو ثكنة جبل الجرمق؛ ولا في مرصد جبل الشيخ وتل أبو الندى؛ وإنما بحق كوكبة من أحرار البلاد، الداعين إلى لم شملها وتحسين أحوال أهلها! "الموهنون لعزيمة الأمة ومُضعفو شعورها القومي!"، فبئس تلكم الأصناف مِن العروبة وعزيمة الأمة، والشعور القومي معهما.
فلم يكد حبر مقررات بيان إعلان دمشق، التي وضعت الإصبع على الجرح يجفّ، حتى شنت سلطات دمشق حملة اعتقالات واسعة طاولت العشرات من أعضائه، وما زالت تداعياتها مستمرة حتى الآن. هل هي الأزمة التي تحدّث عنها وريث الجمهورية قبل حوالي عامين، منذراً الأصوات المعارضة، التي "تُحدِثُ تشويشاً وقت الأزمات"، ومتوعدا إياها بالويل والثبور، وعظائم الأمور؟ إنها بالفعل كذلك؛ وعوض أن يخجل النظام من نفسه فيما هدير الطائرات العدوّة لم يبرح الأجواء السورية؛ وبدل تصدّيه للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أرضه وسيادته الوطنية، والاعتذار من الشعب السوري؛ انفلتَ مِن عقاله في حملة مسعورة، طاولت نخبة من ألمع مفكري الوطن وكتابه ومبدعيه!
صح قول العرب، "إذا لم تستح افعل ما شئت"، وأن "الذين استحوا ماتوا"... لا بل، لم يبقَ مَن يخبر عنهم؛ فتخبيصات النظام السوري جاوزت كل حد معقول أو منطقي؛ وما يقوم به، ليس فقط لا يفعله إلا عدوّ، كما قال طيّب الذكر عارف دليلة، بل أن العدو يخجل أن يأتي بربع أرباعه! فأية لعنة تلك التي حلت في ديار السوريين؟ وأي قدر أرعن كان من نصيبهم؟ وأية عيدية هذه التي يقدّمها هذا النظام المسخ للسوريين في اليوم العالمي لحقوق الإنسان والأعياد المباركة والمجيدة؟
إنَّ ما تقوم به الطغمة الحاكمة في دمشق، ليس معناه إلا أنَّ هذا النظام حدّد الشعب السوري ونخبه عدوّا له. إنه، يحارب كل بصيص أمل في الداخل السوري. شغله الشاغل تأبيد نفسه، واستمرار الجثوم كابوساً فوق صدور السوريين، وإعدام سبل معيشتهم، وقتل واعتقال ونفي وتشريد أخيارهم، وتفليس دولتهم.
وفوق هذا وذاك، يطل علينا بتبجحاته أن هؤلاء المعتقلين عملاء للخارج ولأميركا، وأن النظام لم يعتقل الوطنيين، بدليل عدم مَسِّ مَن عُقد الاجتماع في منزله (رياض سيف)، وإنما الأمر يتعلق بالمرتبطين بالخارج فقط؛ ثم يأتي دور "غوبلز النظام" لإكمال تلك المهمة القذرة!
فبالأمس ليس البعيد، جاء جواب شيخ المظللين، عماد فوزي الشعيبي على سؤال قناة "الجزيرة" عن مصافحة الأسد – كتساف في الفاتيكان: "إنّ دمشق تقهقه ضحكاً على هذه النكتة"، ثم أتى تصريح وكالة "سانا" مساءً مؤكداً الخبر. وقبلها، كان حمّل تنظيم "القاعدة" بعد أقل من ساعتين على تفجير المزّة المسؤولية، للدلالة أنّ النظام مُستهدَف بالإرهاب أيضاً، فاتضح لاحقاً أن "القاعدة" بريئة كبراءة الحقيقة منه ومن تصريحاته وتحليلاته.
وهنا، يتساءل المراقب بكثير من الريبة والدهشة، عن السبب الذي يدفع المرء إلى الانحدار بنفسه وسمعته وأخلاقه إلى هذا الحضيض وهذا الدرَك الذي وصل إليه الشعيبي ومَن معه، مِن ماركة محمد حبش ومشتقاتهم؟ ألم يشبع هؤلاء مِن لعب دور "المجَحّش"، على حد وصف حكم البابا، الذي ليس له شغلة ومشغلة إلا تلميع وجه السلطة وغسل أوساخها؟
إن المُطالَب بتقديم صك بالوطنية وحسن السلوك هو النظام السوري وليسَ غيره؛ وعليه قبل التطاول على أسيادة في العمل الوطني أن يجيب على ألف سؤال وسؤال، بدءا بتفريطه بالجولان وحذف لواء إسكندرون مِن الخرائط المدرسية، وجعل إسرائيل تنعم بهدوء لم توفره لها كل اتفاقيات الصلح المنفردة مع بعض البلدان العربية، والتفاهمات مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن لبنان، والمحاربة تحت العلم الأميركي عام 1990 ضد دولة عربية، والخدمات غير المأجورة للاستخبارات الأميركية في العراق عبر تفريخ الإرهابيين ومساومة الولايات المتحدة على سعرهم؛ إضافة إلى التخريب والهلاك اليومي الذي يلحقه بالشعب السوري منذ اغتصابه الحكم، وإعدامه كل مناحي الحياة في سوريا، وما يمارسه من تخريب على المستوى العربي، لا سيما في لبنان وفلسطين والعراق، وتوريط الدولة بإلحاقها بسياسات دولة أجنبية تحتل أراض عربية في دولة الإمارات هي إيران، إضافة إلى عشرات التقارير التي تتحدث عن تسليمه سلطات طهران أفرادا مِن عرب الأحواز....، والقائمة تطول؟ وعليه قبل كل شيء لملمة أشلاء شهداء الجيش السوري من سفوح جبل الشيخ، الذين ظل الرعاة يتعثرون بهياكلهم العظمية حتى وقت قريب! فمَن هو والحالة هذه المتآمر مع الولايات المتحدة والخارج؟
إنَّ أكثر ما ميَّز بيان إعلان دمشق الأخير، هو إقراره بضرورة الانفتاح على الخارج. ورغم أن البيان حصر هذا الخارج بالمنظمات الدولية والإنسانية، فإن المنطق يقتضي الاعتراف والتوضيح أن ما بين التعامل مع الأميركان والتآمر معهم، وبين حوارهم لرفع غطائهم عن النظام فرقا كالذي يفصل النظام بالضبط عن كل ما له علاقة بالعروبة والوطنية والقومية والديموقراطية والوحدوية والاشتراكية! بل أنَّ التحاور مع أميركا وغيرها مِن الدول الغربية الفاعلة وإقناعهم بسحب وكالتهم من النظام السوري بات ضرورة وطنية أكثر مِن مُلحة، نعم ضرورة وطنية ينبغي البدء فيها اليوم قبل الغد. فهذه النخب، التي أودعتها سلطات دمشق في المعتقلات، توزِّع أوسمة وشهادات في الوطنية على الكرة الأرضية بطولها وعرضها، وليس فقط على هذا النظام المهزوز والفاقد لأي نوع من الشرعية! فإلى حين يصبح لدى الشعب السوري دولة كباقي خلق الله، تحدِّد صناديق الاقتراع قياداته ومَن يحكم باسمه، ليس هناك أجدر مِن هذه القوى وأكثر منها وطنية ونظافة واستقامة يمكن الركون إليها، أو يمكن أن تكون حريصة على السيادة الوطنية، والتفاوض باسم الشعب السوري، مع الولايات المتحدة أم سواها.
الأمم المتحدة وهولندا وقّعتا اتفاقية إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان. وعلى هذا، فإن النظام السوري لا يعيش في أزمة وحسب، وإنما في محنة حقيقية، فرائحته تفوح من كل موقع تمت فيه عملية اغتيال في بيروت؛ ردود أفعاله والتخريب الذي يفتعله أيتامه في لبنان تقطع كل الشك بكل اليقين بتورّطه؛ وعلى هذا، فإن بانتظار السوريين عاما قاسيا ووجبات قمع إضافية يمكن استقراؤها واستشرافها بلا جهد، فتاريخ النظام ينبئ أنه سيعمد إلى رسم صورة جهنمية للمستقبل مِن دونه، سواء على مستوى الداخلين السوري واللبناني بصورة خاصة، أو الإقليمي والعالمي بشكل أعمّ. وهذا يحتم على المعارضة، وإعلان دمشق على وجه التحديد، التقاط أي مؤشر قد يلوح في الأفق، واستثمار كل ما يساعد في التخلص مِن هذا الفالج، بشكل يحصر الأضرار إلى أدنى مستوياتها.
إنَّ وظيفة الشعب السوري، بمعارضته وقواه الحية في الفترة المقبلة تكمن في الحد من الخسائر أكثر من جني الأرباح. التدخل العسكري من أية جهة، أميركية كانت أم غير ذلك، هو بمثابة خيانة وطنية وخط أحمر مرفوض من كافة قطاعات الشعب وقواه. لكن في المقابل، مطلوب مِن كل القوى الفاعلة في الداخل والخارج الاستفادة من كل إشارة أو بادرة توحي بدنوّ أجل النظام، أو تسهم في زيادة ضغط المجتمع الدولي عليه، على أن يرفق ذلك حملة مركزة في الداخل السوري، تعرّي مزاعم النظام في دمجه الصوَري بين منافعه الشخصية والخاصة وبين المصلحة الوطنية. وفي الوقت نفسه، ينبغي الإسراع إلى نزع المشروعية عنه في حال لاحت في الأفق بوادر صفقة تطيل عمره، وتفاقم مأساة الشعب السوري. لقاء بعض أقطاب المعارضة بداية الشهر الجاري (مأمون الحمصي، عمار عبد الحميد وجنكيزخان حسو) مع الرئيس بوش، يُعتَبر خطوة صحيحة على هذا المسار.
في مطلق الأحوال، بيان إعلان دمشق الأخير حضّ الشعب السوري على الجهر برفضه سياسات النظام وممارساته، وحرص على عدم احتكار قوى الإعلان العمل المعارض، تاركا حرية الحركة والعمل للقوى الأخرى المنتشرة في باقي بقاع الأرض. وذلك، يعدّ مِن أكثر الأسباب التي جعلت مقررات المؤتمر تخرج ناجحة إلى هذا الحد. وربما هذا، ما دفع النظام إلى التعامل مع أعضائه بهذا القدر من الرعونة والوحشية.