*Marwa*
13/12/2007, 17:23
عِناد أم كبرياء ؟
كم فقَدتَ من أشياء وأشياء.. مجرّد أن نطقتَ بكلمة.. رمَيتَها من طرف لسانك قبل تذوّقها.. لم تكن تدري كم مريرةً كانت. لم تشعر بإبَرِها التي وخزتْ أحشائي.. ليت لسانك في تلك اللحظة بقي في مغارته الحنجرية.. وخنق صوتكَ.. وبقيت صامتًا..لا تقذِف كلاما.. لمجرد أنك تريد الكلام وتسمعني صوتك.. ذق حروفكَ قبل أن تقدّمها لي..
هدأت قليلا تكبتُ كلامها الغنيّ بالعتابِ.. فاستفزّها صمتُه على المتابعة:
- لو أنك تدرس كل كلمة قبل أن تنطقها.. لو تخيّلتَ وقعَها وفحصتَ صلاحيتها.. لما خسرتَ ولما كانت خسارتك مستمرّة.. لكان انهيارك قد ارتطم عند جدار واقف على الأقل.. أو ارض مستوية.. تقوّمك!..
بقي صامتا.. مما جعل الدماء ترتفع الى رأسها: لماذا لا تتكلم الآن؟!
أجابها بهدوء :
- حسنا. إني ادرسُ كلماتي قبل أن.. أنطق.
- خطوةٌ جيّدة!
ساد صمتٌ قصير, ثم أردفت: لقد تغيرتَ كثيرًا.. مُلفتٌ صمتكَ الزائد كان.. كانَ أبهى سِماتك!. لكنك لم تعُد تقيسُ الأمورَ بالمقاديرِ الصحيحة!
- ما قصدكِ ؟
- عند حاجتي لدعم صوتكَ.. تبقى صامتا. وحين أتمنى في صميمي أن تبقى صامتا.. تتكلم!
- إذا الأمر يتطلب خبرة نفسية.. لقد أوقعتني في حيرة الآن.. ألا يُعدّ هذا في الأيام القادمة حُكمًا ؟!
- لا أقصد إطلاق حكم مني عليك.. فلتكن أنت حاكم نفسك..و.. حاكم لسانك!
- حسنا. ماذا تريدين مني أن أقول لكِ الآن ؟؟
رمقتْهُ بنظرة غريبة : لا أدري!
سمعها تتنهد وقد قصدت أن يسمعها, فأردفتْ:
- لقد أُعجبتُ بصمتكَ في السابق.. فظننت أن كلامك سيكون.. أعْجَب!
- ثمّ؟..
- ثم.. خــاب ظني !
- من كلمة؟!
- من كلمة..
بانت الحيرة عليه.. لم يعرف جلوسا.. أو كيف يدير وجهه.. فاستقرّت نظراته على الأرض أخيرا..
تركته يفكّر.. هَمَّت بالمغادرة, لكن سؤاله استوقفها:
- ألستِ تبالغين قليلا ؟
- بماذا أبالغ ؟
رفع نظره إليها:
- لا أظن أن كلمة واحدة فقط.. كفيلة بخيبة أملك بي!
- أتعرف؟.. وبما أنك لجأت الى هذا الاتجاه.. بالإضافة الى الكلمة التي قلتها وخيّبت أملي.. فاعلم أن بالمقابل.. هناك كلمة لم تقلها بعد.. وقد خيبتَ أملي الآن أيضًا. واعلم أن الأمر لا يتعلق بالكلمة أو بالثلاث.. بل بفحواها ولحنها!! وربما كان من الأسهل علي تقبّل جملة بدل تلك الكلمة الواحدة.. فالجملة تحوي عدة كلمات.. إن جرحتْ واحدة.. تضمدها الأخرى.. أما كلمتك.. فما زالت تنزف.. وحيدة!!
وعندما وصلت الى آخر كلامها كانت أعصابها الذروة.. فتنهد بقوة وابتعد مسرعًا..
- الى أين؟.. لماذا تهرُب؟.. تحدث معي.. أكاد لا اصدّق أنك الشاب ذاته الذي أعرفه!
التفت إليها بعصبية:
- لم يتغيّر شيء.. أنتِ التي لم تعُد ترى الأمور بوضوح!
وقفت مشدوهة. فأردفَ:
- وإن كنتِ قد أعجبت بصمتي.. ها أنا ذا صامت من الآن الى الأبد!
قالت منهارة:
- وما نفع صمتك الآن؟.. أنا الآن بالذات احتاج صوتك.. أن تتكلم وتفصح.. أن تُسمعني تلك الكلمة التي يظنها كل آدم أنها تقلل من شأنه!!
- ماذا تريديني أن أقول؟؟ ماذا تريدين مني؟
فقالت بهدوء وقد لمعت عبرة في عينها:
- أريد فقط.. أن تفهمني!
غادرت الغرفة.. وقد أحنى ظهره ضاما رأسه بين راحتيه هامسا مع نفسه:
- ليتني.. أفهمك..
سادت لحظات من الهدوء.. استرسل كل منهما في مناجاة نفسه.. وفي قطعة من أحاسيس كل منهما كانت هناك رغبة في مبادرة الطرف الآخر, الحديث من جديد. كانت تجلس على طرف السرير تفكّر وتبكي بصمت.. حبستْ أنفاسها فجأة حينما وصل الى مسامعها صوت الباب يُغلق!..
لقد خرج!.. أخذت تسترجع حديثهما منذ بدايته.. لماذا يحاول دائمًا أن يحسسها بالذنب.. وبأي أسلوب كان.. لماذا يصرّ على طريقة واحدة لحل مشاكله؟ الهرب؟
لماذا لا يأتي معتذرًا معترفًا؟!.. أحقا لا يفهمها أم كان هذا تغاضيًا عن تقصيره ؟
أهي بحاجة كل مرة الى أن تعطيه خطابا مفصلا عن حالتها كي تشحذ اهتمامه ؟!
أيظن أن الرجولة مرادفا للقسوة واللامبالاة؟!
ربما هو بحاجة لتنقيح قاموسه الذهني..
كانت هذه تساؤلاتها.. حتى غلب النعاس أفكارها فاستسلمت لقيلولة صغيرة على رطوبة وسادتها.
بينما.. في مثل هذا الوقت.. كانت سيارة تقف الى جانب الطريق.. كان هو بداخلها.. عندما استوقفته كلماتها.. أخذ يستعيد أشلاءها.. وكم حاولت أن تحبس تلك الدموع الى أن فاضت رغما عنها أمامه..
تذكر أنها تتنشق حروفه استنشاقا.. فكيف سمح لنفسه أن يمدّها بهواء مسموم؟
جاءت صورتها أمامه وهي تعاتبه وقد ارتجفت أوصالها ألما.. فارتجف متأثرًا..
ما الذي أصابني.. أتراها لا تزال تنزف من كلماتي الطائشة.. كيف أسعفها..
شغل محرك السيارة وعاد الى طريق داره..
وما زالت أصداء حديثها تراوده..
كيف لا يعرف ما تحتاج إليه؟!..
كانت لا تزال مستلقية على السرير.. وتجاوز الليل منتصفه.. كانت تتدثّر تحت الغطاء.. لتشعر بأنفاس دافئة متقطعة أخذت تلّف عنقها وتهبّ على أنفها وفمها..
تنبهت لراحته التي غفت على خمائلها..
كان ينظر إليها بحنان ٍ نادم.. بقيت صامتة, خافت أن تنطق فتضيع اللحظة المنتظرة..
وخوف آخر من أن ينطق هو.. فيكسّر آمالها..
اختلفت نظرته.. لمعت عيناه ببريق خفيف, مما جعل العدوى تنتقل إليها.. فبكت.
- آسف..
قالها أخيرًا.. قال كل ما كانت ترجوه وتنتظره. كلمة واحدة تضمد نزيفها.. لم تكن كلمه قالها هي سبب المشكلة.. بل كلمة لم يقلها!!
شعرت بقلبها يفيض بحبه, باحترامه..
زاد شعور الغبطة في صدرها.. عانقته تأثرًا.. فشعر بأن الأمر لم يكن يستحق منه العناد والتكبر.. فلا كبرياء في الحب..
تلبدت مخاوفه.. بأن الأسف.. نوع من الذل أو نقصان النفس والقيمة.. بالعكس..
ليته فهم مسبقًا.. أن الأسف مفتاحٌ لدرجة عليا في قلبها.. فاختصر الطريق!!
دنيا كمال مجدوب
كم فقَدتَ من أشياء وأشياء.. مجرّد أن نطقتَ بكلمة.. رمَيتَها من طرف لسانك قبل تذوّقها.. لم تكن تدري كم مريرةً كانت. لم تشعر بإبَرِها التي وخزتْ أحشائي.. ليت لسانك في تلك اللحظة بقي في مغارته الحنجرية.. وخنق صوتكَ.. وبقيت صامتًا..لا تقذِف كلاما.. لمجرد أنك تريد الكلام وتسمعني صوتك.. ذق حروفكَ قبل أن تقدّمها لي..
هدأت قليلا تكبتُ كلامها الغنيّ بالعتابِ.. فاستفزّها صمتُه على المتابعة:
- لو أنك تدرس كل كلمة قبل أن تنطقها.. لو تخيّلتَ وقعَها وفحصتَ صلاحيتها.. لما خسرتَ ولما كانت خسارتك مستمرّة.. لكان انهيارك قد ارتطم عند جدار واقف على الأقل.. أو ارض مستوية.. تقوّمك!..
بقي صامتا.. مما جعل الدماء ترتفع الى رأسها: لماذا لا تتكلم الآن؟!
أجابها بهدوء :
- حسنا. إني ادرسُ كلماتي قبل أن.. أنطق.
- خطوةٌ جيّدة!
ساد صمتٌ قصير, ثم أردفت: لقد تغيرتَ كثيرًا.. مُلفتٌ صمتكَ الزائد كان.. كانَ أبهى سِماتك!. لكنك لم تعُد تقيسُ الأمورَ بالمقاديرِ الصحيحة!
- ما قصدكِ ؟
- عند حاجتي لدعم صوتكَ.. تبقى صامتا. وحين أتمنى في صميمي أن تبقى صامتا.. تتكلم!
- إذا الأمر يتطلب خبرة نفسية.. لقد أوقعتني في حيرة الآن.. ألا يُعدّ هذا في الأيام القادمة حُكمًا ؟!
- لا أقصد إطلاق حكم مني عليك.. فلتكن أنت حاكم نفسك..و.. حاكم لسانك!
- حسنا. ماذا تريدين مني أن أقول لكِ الآن ؟؟
رمقتْهُ بنظرة غريبة : لا أدري!
سمعها تتنهد وقد قصدت أن يسمعها, فأردفتْ:
- لقد أُعجبتُ بصمتكَ في السابق.. فظننت أن كلامك سيكون.. أعْجَب!
- ثمّ؟..
- ثم.. خــاب ظني !
- من كلمة؟!
- من كلمة..
بانت الحيرة عليه.. لم يعرف جلوسا.. أو كيف يدير وجهه.. فاستقرّت نظراته على الأرض أخيرا..
تركته يفكّر.. هَمَّت بالمغادرة, لكن سؤاله استوقفها:
- ألستِ تبالغين قليلا ؟
- بماذا أبالغ ؟
رفع نظره إليها:
- لا أظن أن كلمة واحدة فقط.. كفيلة بخيبة أملك بي!
- أتعرف؟.. وبما أنك لجأت الى هذا الاتجاه.. بالإضافة الى الكلمة التي قلتها وخيّبت أملي.. فاعلم أن بالمقابل.. هناك كلمة لم تقلها بعد.. وقد خيبتَ أملي الآن أيضًا. واعلم أن الأمر لا يتعلق بالكلمة أو بالثلاث.. بل بفحواها ولحنها!! وربما كان من الأسهل علي تقبّل جملة بدل تلك الكلمة الواحدة.. فالجملة تحوي عدة كلمات.. إن جرحتْ واحدة.. تضمدها الأخرى.. أما كلمتك.. فما زالت تنزف.. وحيدة!!
وعندما وصلت الى آخر كلامها كانت أعصابها الذروة.. فتنهد بقوة وابتعد مسرعًا..
- الى أين؟.. لماذا تهرُب؟.. تحدث معي.. أكاد لا اصدّق أنك الشاب ذاته الذي أعرفه!
التفت إليها بعصبية:
- لم يتغيّر شيء.. أنتِ التي لم تعُد ترى الأمور بوضوح!
وقفت مشدوهة. فأردفَ:
- وإن كنتِ قد أعجبت بصمتي.. ها أنا ذا صامت من الآن الى الأبد!
قالت منهارة:
- وما نفع صمتك الآن؟.. أنا الآن بالذات احتاج صوتك.. أن تتكلم وتفصح.. أن تُسمعني تلك الكلمة التي يظنها كل آدم أنها تقلل من شأنه!!
- ماذا تريديني أن أقول؟؟ ماذا تريدين مني؟
فقالت بهدوء وقد لمعت عبرة في عينها:
- أريد فقط.. أن تفهمني!
غادرت الغرفة.. وقد أحنى ظهره ضاما رأسه بين راحتيه هامسا مع نفسه:
- ليتني.. أفهمك..
سادت لحظات من الهدوء.. استرسل كل منهما في مناجاة نفسه.. وفي قطعة من أحاسيس كل منهما كانت هناك رغبة في مبادرة الطرف الآخر, الحديث من جديد. كانت تجلس على طرف السرير تفكّر وتبكي بصمت.. حبستْ أنفاسها فجأة حينما وصل الى مسامعها صوت الباب يُغلق!..
لقد خرج!.. أخذت تسترجع حديثهما منذ بدايته.. لماذا يحاول دائمًا أن يحسسها بالذنب.. وبأي أسلوب كان.. لماذا يصرّ على طريقة واحدة لحل مشاكله؟ الهرب؟
لماذا لا يأتي معتذرًا معترفًا؟!.. أحقا لا يفهمها أم كان هذا تغاضيًا عن تقصيره ؟
أهي بحاجة كل مرة الى أن تعطيه خطابا مفصلا عن حالتها كي تشحذ اهتمامه ؟!
أيظن أن الرجولة مرادفا للقسوة واللامبالاة؟!
ربما هو بحاجة لتنقيح قاموسه الذهني..
كانت هذه تساؤلاتها.. حتى غلب النعاس أفكارها فاستسلمت لقيلولة صغيرة على رطوبة وسادتها.
بينما.. في مثل هذا الوقت.. كانت سيارة تقف الى جانب الطريق.. كان هو بداخلها.. عندما استوقفته كلماتها.. أخذ يستعيد أشلاءها.. وكم حاولت أن تحبس تلك الدموع الى أن فاضت رغما عنها أمامه..
تذكر أنها تتنشق حروفه استنشاقا.. فكيف سمح لنفسه أن يمدّها بهواء مسموم؟
جاءت صورتها أمامه وهي تعاتبه وقد ارتجفت أوصالها ألما.. فارتجف متأثرًا..
ما الذي أصابني.. أتراها لا تزال تنزف من كلماتي الطائشة.. كيف أسعفها..
شغل محرك السيارة وعاد الى طريق داره..
وما زالت أصداء حديثها تراوده..
كيف لا يعرف ما تحتاج إليه؟!..
كانت لا تزال مستلقية على السرير.. وتجاوز الليل منتصفه.. كانت تتدثّر تحت الغطاء.. لتشعر بأنفاس دافئة متقطعة أخذت تلّف عنقها وتهبّ على أنفها وفمها..
تنبهت لراحته التي غفت على خمائلها..
كان ينظر إليها بحنان ٍ نادم.. بقيت صامتة, خافت أن تنطق فتضيع اللحظة المنتظرة..
وخوف آخر من أن ينطق هو.. فيكسّر آمالها..
اختلفت نظرته.. لمعت عيناه ببريق خفيف, مما جعل العدوى تنتقل إليها.. فبكت.
- آسف..
قالها أخيرًا.. قال كل ما كانت ترجوه وتنتظره. كلمة واحدة تضمد نزيفها.. لم تكن كلمه قالها هي سبب المشكلة.. بل كلمة لم يقلها!!
شعرت بقلبها يفيض بحبه, باحترامه..
زاد شعور الغبطة في صدرها.. عانقته تأثرًا.. فشعر بأن الأمر لم يكن يستحق منه العناد والتكبر.. فلا كبرياء في الحب..
تلبدت مخاوفه.. بأن الأسف.. نوع من الذل أو نقصان النفس والقيمة.. بالعكس..
ليته فهم مسبقًا.. أن الأسف مفتاحٌ لدرجة عليا في قلبها.. فاختصر الطريق!!
دنيا كمال مجدوب