-
دخول

عرض كامل الموضوع : النظام السوري.. أوراق وثغرات


ayhamm26
01/12/2007, 01:59
بقلم: زهير سالم *

لم يتوقع السوريون عندما قفز حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة سنة 1963 أن يطول عمر حكم هذا الحزب أكثر من أشهر. ومع أنه قد تم العديد من الانقلابات الداخلية بين 1963 - 1970 إلا أن الأمر منذ 1970 وحتى اليوم (سبعة وثلاثون عاماً) ظل مستقراً في يد حافظ الأسد وابنه من بعده. ومع أن النظام السوري يمثل حالة شاذة في تاريخ بلاد الشام الطويل أو في تاريخ سورية الحديث، فإن استمرار هذا النظام هذه العقود الطوال يعود في مجمله لعوامل قوة (مادية) داخلية وخارجية.
الورقة الأولى لقوة النظام هي سيطرته على الجيش السوري بطريقة رياضية محسوبة بدقة، وغير قابلة للاختراق: لا ننسى أن الجيش السوري قد تأسس في أواخر عهد الاستعمار، وأنه ركب بطريقة خاصة منذ اليوم الأول ثم استمرت هذه السياسات في العهد الوطني باسم التسامح والمساواة. ثم ساعدت الفترة 1963 - 1970 على تنظيف الجيش من جميع القيادات ذات الصبغة الوطنية لتحويل قياداته ومفاصل القوة فيه إلى جيش طائفي موال للنظام بشكل مطلق.
يفكر الكثيرون بأن انقلاباً عسكرياً يقوم به جنرال نافذ قد يكون أحد طرق التغيير. ولكن روحاً غير وطنية تؤكد لهؤلاء أن أي مغامرة في هذا الطريق يعني مغامرة بواقع طائفي يحرصون عليه، حتى بعض المعارضين من أبناء الطائفة في الخارج يشترطون أن يبقى الجيش بيد القيادات الطائفية لحماية /الأقليات/ ضد طغيان الأكثرية على ما يزعمون!!
الانتقال من وضع شاذ إلى مثله لن يجلب الاستقرار والأمن إلى سورية. هذه حقيقة يبدو أنها تغيب عن الكثيرين.
الورقة الثانية لقوة النظام هي شبكة من الأجهزة الأمنية المسيطرة /المدنية والعسكرية/: يدور الحديث عن سبعة عشر جهازاً أمنياً بينها تنافس وتنازع اختصاصات تتجسس حتى على بعضها. وهذه الأجهزة تحصي على الناس أنفاسهم. (منذ أيام أطلق سراح معتقل سياسي جريمته أنه علق على غلاء الأسعار في أحد الحوانيت.. فالتقط تعليقه الرقيب..)!! لقد احتلت هذه الأجهزة مكانة الغول في الذهنية الشعبية العامة، حتى لا يجرؤ على الخروج على عينها مواطن سوري أو حفيد مواطن سوري هاجر جده في القرن التاسع إلى الأمريكيتين.
الورقة الثالثة من أوراق قوة النظام اعتماده على قاعدة طائفية مغلقة وضيقة: إن أقلية تشكل 8% من تعداد 20 مليون نسمة كفيلة بأن تقدم للنظام كوادر وقواعد تعينه على السيطرة على كل صغيرة وكبيرة في بنية الدولة. لا تخلو إدارة ولا سفارة، ولا وحدة عمل مهما كان شأنها من رقيب (علوي). وهذا الرقيب مهما كان شأنه وموقعه الإداري يتمتع بسلطة ونفوذ غير محدود. إنه صاحب القلمين الأحمر والأخضر في أي دائرة مدنية أو اقتصادية أو دبلوماسية. إن هذه الحقيقة لا تلغي وجود مظلومين من أبناء الطائفة، أو معارضين وطنيين شرفاء.
الورقة الرابعة من أوراق قوة النظام اصطناع طبقة من (المستفيدين) السياسيين وأدعياء الثقافة والفكر وحتى بعض العلماء المسلمين الذين يخوض بعضهم مع الخائضين، ويرى بعضهم أن في مصانعة هذا النظام احتمالاً لأهون الشرين، ودفعاً لأعظم الضررين. ويشكل هؤلاء وأولئك من حيث يريدون أو لا يريدون غطاء للنظام ومرتكزاً من مرتكزات قوته.
الورقة الخامسة تحالف ظاهر مع طبقة من رجال الأعمال والاقتصاديين ولا سيما من طبقة محدثي النعمة، بعد أن تم تحويل الثروة في العقود الاشتراكية الأولى من أيدي طبقة إلى طبقة أخرى. رجال الأعمال والشركاء الأمنيون الطائفيون أصبحوا يشكلون ظاهرة تشبه إلى حد كبير المافيا الإيطالية بكل شراستها ونفوذها. وهي طبقة تساند النظام استدامة لمصالحها.
لا ننسى في هذا السياق دخول رأس المال الشيعي وليس الإيراني فقط، إلى السوق السورية حيث يندفع شيعة الخليج بطريقة منظمة إلى الاستثمار في سورية كمكافأة لها على مواقفها من الجمهورية الإيرانية.
الورقة السادسة هي حالة القهر والخوف التي يعيشها المواطن السوري نتيجة الممارسات بالغة العنف والقسوة التي أقدم عليها النظام في الثمانينات. إن المذابح الكبرى في مدن مثل حماة وحلب وإدلب، وما جرى في السجون السورية إلى جانب القانون 49/1980 وتطبيقاته كل ذلك أدى إلى خروج المجتمع السوري من السياسة. لقد شارك صمت العالم، وما يزال، في تكريس حالة الخوف والتوجس الشعبيين. إن أي مقارنة بين الموقف الأمريكي من قضية سعد الدين إبراهيم في مصر وقضية كمال اللبواني أو ميشيل كيلو في سورية تلخص بإيجاز مكثف المفارقة في الموقف الدولي من الحالة السورية. إن شعور المواطن السوري أنه سيترك دولياً وعربياً لمواجهة آلة عسكرية وقسوة بالغة التطرف تجعله يتهيب حتى الآن أن يأخذ دوره للاحتجاج ولو على غلاء المحروقات. حالة التخوف المبررة هذه تشكل مرتكز قوة ولو عارضاً للنظام.
إن هدف المعارضة هو إعادة زج المجتمع السوري، وهو مجتمع حيوي، في السياسة. ولكن هذه المعارضة نفسها لا تملك الأدوات الأساسية للقيام بواجبها.
الورقة السابعة جرأة النظام واستهتاره بكل المواضعات السياسية الدولية والإقليمية. يستفيد النظام من تشابكات السياسة الدولية والإقليمية لفرض نفسه، ويترك الآخرين أن يتدبروا أمورهم بالتعامل مع الأمر الواقع. نلاحظ إقدامه على اغتيال الحريري، ثم إصراره على استمرار مسلسل الاغتيال، ثم تعامله السافر مع وحدات القتل في العراق من كل المذاهب، ثم زجه لجماعة فتح الإسلام في لبنان، ثم هجومه السافر على الزعماء العرب /أنصاف الرجال/ وتركه للآخرين أن يتدبروا أمرهم مع ما يفرضه من واقع!!
الورقة الثامنة خطاب سياسي جماهيري، يتناسب مع تطلعات الجماهير العربية، وإن كان الخطاب جعجعة بلا طحن، فعلم نفس الجماهير ومنها الكثير من النخب العربية مع الأسف أنها تنتشي في اللحظة وتعجز عن متابعة الحصاد أو النتائج.
قليل من المفكرين العرب يتوقفون عند طريقة تعامل النظام السوري مع الجولان المحتل أو مع الاعتداء الإسرائيلي الأخير. ولكنهم يصفقون طويلاً لشعارات عنترية يطلقها بشار الأسد أو رجال إعلامه.
الورقة التاسعة مبادرته لالتقاط الأوراق، وتوظيفها في مشروعه ولخدمة أهدافه. حزب الله ورقة، وحركة حماس أخرى، والساحة العراقية ورقة ثالثة، والمشكلة بين تركية والعراق اليوم ورقة رابعة، والتحالف مع إيران كان ورقة رابحة أيام حرب الخليج، فقد جعل حافظ الأسد من نفسه وسيطاً بين دول الخليج وإيران فربح من هنا وربح من هناك، وهذه سياسة مرد النظام عليها ومهر باستخدامه.
الورقة العاشرة تحالفه الاستراتيجي /المذهبي والسياسي/ مع إيران تحالف انتهى أخيراً إلى جعل سورية تابعاً مباشراً للدولة الإيرانية والتي أخذت دور الظهير العربي في تقديم الغطاء والدعم العسكري والاقتصادي. إن المشروع الإيراني في سورية بقدر ما يسبب إشكالية مستقبلية، إلا أن له ثمناً يستلمه النظام السوري بأشكال متعددة.
الورقة الحادية عشرة تمثيل النظام للدور التاريخي (لشيخ الجبل) الذي يفرض على طريقة القرصنة والاغتيال والسياسيات الحمقاء على الجميع أن يتجنبوه ويهادنوه اتقاء لشره. فيتجنب رجال الإعلام كما رجال السياسة ذكر النظام بسوء، أو الإشارة إلى بعض جناياته في مجال حقوق الإنسان. حتى ذكر بعض المعلقين الأردنيين مرة أن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان تتفحص نوع العدس الذي يقدم للمسجون الأردني، بينما تتغاضى عن واقع عشرات الألوف من المفقودين في السجون السورية.
الورقة الثانية عشرة وهو المعادل لكل ما سبق، ما يحظى به النظام السوري من دعم وغطاء دوليين. لا يزال النظام السوري حتى هذه اللحظة، على الرغم من كل الضجيج حوله، هو الخيار الأقل سوءاً بالنسبة لكل من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
إن كل ما يطلبه هؤلاء من النظام هو تغيير السلوك بالنسبة لقضايا لا تمس حياة المواطن السوري ولا تؤثر في مستقبله. وحتى عندما تفكر هذه الدول بالتغيير فهي تفكر بتغيير الشخص لا تغيير النظام!!
إن قضايا الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان لا تشكل مادة جادة على أجندة المجتمع الدولي الذي يدعي التبشير بالديموقراطية وبإعلاء شأن حقوق الإنسان.
ثغرات ضعف النظام
الثغرة الأولى نظام فاقد الشرعية: إن نقطة الضعف الأساسية وهي حقيقة بنيوية أن هذا النظام فاقد الشرعية، الشرعية الشعبية، والشرعية الدستورية. حافظ الأسد وصل إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري. وبشار الأسد وصل عن طريق الوراثة في نظام جمهوري. وتم تعديل الدستور على مقاسه. كل البناء الدستوري أو القانوني الذي قام على الأساس الانقلابي هو أساس غير شرعي. حافظ الأسد، وابنه بشار، والمجموعة الحاكمة معهما تدرك هذه الحقيقة جيداً. وهم يدركون أن أي تفكير في تصويب الوضع القانوني للدولة ومؤسساتها العليا يعني السير نحو نهايتهم.
الثغرة الثانية لضعف النظام: نظام أقلية.. وهي حقيقة أخرى تلازم النظام وتلاحقه. وهو يدرك أن لا حظ له للبقاء في السلطة من خلال أي تغيير ديموقراطي حقيقي. إن سيطرة أقلية محدودة 8% من سكان البلد على مقاليد الأمور ومفاصل السلطة والثروة تشكل حالة شاذة. لا تتمثل الطائفية في هوية رأس النظام، كما يحاول البعض أن يزورها، وإنما في سيطرة طائفية على بنية الدولة ومفاصل القوة والقرار فيها. وهذا يجعل السواد الأعظم من المواطنين يرفضون الاعتراف بشرعية هذا النظام، وإن أبدوا ضروباً من المصانعة تحت ضغط القهر والتخويف أو الحاجة.
الثغرة الثالثة لضعف النظام: الصراع بين مراكز القوى، ويبدو هذا الصراع ضمن بيت الأسد نفسه محور بشارـ رفعت. أو بشرى ـ أسماء. أو ماهر ـ آصف، ثم يمتد نازلاً ليشمل كل قيادات الأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية. والكل ينظر إلى هذه الحقيقة على أنها أكثر نقاط الضعف تأثيراً في مستقبل النظام. حيث يراهن الكثيرون على انشقاق ذي بال تقوم به شخصية من بنية الحاكمين تقود من خلاله انقلاباً يغير وجه النظام.
شخصية بشار الثغرة الرابعة لضعف النظام: رئيس غير ذي جدارة ولا مصداقية، لقد استقبل بشار الأسد كشاب واعد تلقى دعماً غير محدود من كثير من الدول العربية والأجنبية. لقد أثبت بشار الأسد أنه رئيس ليس بذي جدارة ولا مصداقية، وأن المقعد الذي احتله أكبر منه. حتى على الصعيد الداخلي. لقد أهدر بشار الأسد فرصاً ذهبية للدخول بسورية إلى سياق مدني عصري. واهتزت صورته أكثر بكثرة الوعود التي أطلقها وسحبها. حتى على الصعيد الخارجي لم يحتفظ بشار الأسد بسمعة والده (رئيس صعب المراس ولكن ذو مصداقية) فقد سحب بشار الأسد الكثير من الوعود التي أطلقها، والمراسيم التي أصدرها. إن أخطر شيء يهدد النظام من داخله هو خطوة حمقاء غير محسوبة يخطوها بشار الأسد نفسه.
الثغرة الخامسة لضعف النظام: نظام سيئ السمعة، يعد سجل النظام في ميدان حقوق الإنسان من سجلات الدول الأكثر سوءاً في العالم. إن اتهامات بالجرائم ضد الإنسانية، ومجازر الإبادة والمقابر الجماعية وعشرات الألوف من المفقودين والمهجرين وأساليب التعذيب الوحشية كل تلك الحقائق تلاحق النظام وتدمغه. إنه من بين كل عشر أسر سورية سنية هناك أسرة مكلومة بشهيد أو معتقل أو مشرد، وإذا عكسنا النسبة على سكان مناطق محددة مثل حماة وحلب إدلب فقط، فإننا نستطيع أن نقول إنه لا تخلو أسرة بمفهوم الأسرة الشعبي الممتد من إصابة أو أكثر. يستتبع هذا حالة من الاحتقان الشعبي يتهدد المستقبلي الوطني أجمع، ويستدعي بشكل ملح وعاجل معالجات وطنية يبادر إليها العقلاء والحكماء.
الثغرة السادسة لضعف النظام: نظام سيء السلوك، وهذا في إطار التقويم الدولي، بارتياب كبير ينظر إلى سلوك النظام على صعيد دول الجوار العربي والإسلامي؛ سلوكه في العراق وفي لبنان، وعمليات الاغتيال كل هذا يجعل الآخرين يلحقون النظام بنظام إرهابي.
إن المحكمة الدولية المرتقبة تشكل عامل قلق حقيقي بالنسبة لبشار الأسد. يبدو أن محاولات الترويض التي يبذلها الأقوياء مع النظام قد باءت بالفشل، وهذا سيشكل مدخلاً حقيقياً لإضعاف النظام أو لإعطاء فرصة للإجهاز عليه.
الثغرة السابعة لضعف النظام: نظام يعشعش فيه الفساد، إن الفساد يشكل بنية النظام السوري حيث يمكن أن يقال عما يجري في سورية إنه ليس فساد دولة وإنما هو دولة للفساد. وهذا الفساد ينعكس على واقع الحياة الاجتماعية المزيد من الفقر والمعاناة. إن اضمحلال الطبقة الوسطى وهي عموماً طبقة مدينية سيزيد من عوامل الاحتقان العقائدية والسياسية، ويتدخل بشكل مباشر في تعجيل نهاية النظام.
الثغرة الثامنة: الاقتصاد المهدد، يسير الاحتياطي النفطي السوري نحو النفاد، وهذا بالتالي سيجعل المستقبل الاقتصادي أكثر سوداوية، ولا سيما مع فتح الأبواب أمام قوى الفساد، والمستثمرين الشيعة الذين يدخلون السوق السورية لأهداف غير اقتصادية. إن محاولات الإصلاح الاقتصادي في سورية لا تبشر بالخير. إن العوز الاقتصادي سيجعل النظام أكثر عرضة لمساومات الآخرين وسيدفعه أكثر لتقديم تنازلات.
الثغرة التاسعة: التركيب الديموغرافي (السكاني) تتمثل في المجتمع السوري كتل سكانية بشرية، تتمركز في مناطق جغرافية محددة، وكل هذه الكتل، ليست على وفاق مع النظام، الأكثرية المدنية في المدن الكبرى مسلمون ومسيحيون يواجهون بمعنى ما (الحطاب الهابط ببلطته من الجبل) ثم (الأكراد) في الشمال الشرقي، والدروز في الجنوب يشكل هذا التركيب الديموغرافي نقيضاً حيوياً لوجود النظام وطبيعته.
وعاشراً وأخيراً: المعارضة السورية
الحقيقة تقتضي أن نقول إن تهديد المعارضة لنظام بشار الأسد هو تهديد مستقبلي إنه في ظل السطوة الأمنية القائمة سيصعب على المواطن السوري الاستجابة المباشرة لأي دعوة تتقدم بها المعارضة. المعارضة الإسلامية والمعارضة العلمانية بتحالفاتها المتعددة /إعلان دمشق/ وجبهة الخلاص الوطني. إن هذه المعارضة التي تمتلك الأرضية القوية لقيادة حراك وطني، تشكل التهديد الأكثر إقلاقاً لبشار الأسد ولكن...
تحتاج (المعارضة السورية) تشكيلاتها ومرتكزاتها قوتها وضعفها إلى ورقة مستقلة ربما تردف هذه الورقة قريباً