-
دخول

عرض كامل الموضوع : اسرائيل..يهودية أم ديموقراطية...؟


*Marwa*
27/11/2007, 13:04
"اسرائيل"..يهودية أم ديموقراطية...؟



يقول المثل الروسي "ويل للخزف إذا وقع على الصخر، وويل له إذا وقع الصخر عليه"...! نتيجة لقسوة التاريخ, قسم الشعب الفلسطيني الى ثلاثة اجزاء, فأصبح كالمثلث باضلاعه الثلاثة: قاعدته سكان الضفة الغربية وغزة. وضلعه الأول هم فلسطينيو الشتات، بينما يشكل مواطنو" إسرائيل" الفلسطينيون، الضلع الثالث، الضلع الأقصر...وهم "المكوِّن" الأصغر، لكن ما من مثلث بدونهم. كما أنهم مختلفون لأنهم مواطنون في "إسرائيل"، مع كل المعاني الإيجابية والسلبية لذلك.
ألتسميات:
ان التسميات معقدة، فذلك يقول "فلسطينيي 48" وآخر "عرب 48" أو "عرب الداخل"، أو "الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل"، أو "الأقلية الفلسطينية في إسرائيل" رغم مأساوية تسمية أهل الوطن بـ "الأقلية"،أو فلسطينيي الاحتلال الأول(حسب رأيي الشخصي اعتبرها افضل تسمية) ولكن بالإمكان التعايش مع هذه المصطلحات، أما "عرب إسرائيل"، فحقا انها تسمية قاسية ولا ترحم، فقد يكون لإسرائيل عرب، ولكنهم قلّة، وقلّة جدا جدا.
ان أية محاولة للتحليل العلمي للظروف الموضوعية لفلسطينيي الداخل، بحكم كونهم مواطنين في دولة "اسرائيل"، لا بد ان تنطلق من بديهية كونهم لم يناضلوا يوماً ما من اجل قيام هذه الدولة اسرائيل، لم يهاجروا الى الدولة الجديدة كمعظم الأقليات القومية والاثنية في العالم، ولم يتنازلوا يوماً ما عن انتمائهم القومي لشعبهم الفلسطيني وامتهم العربية ولا عن حقهم الشرعي في وطنهم بدل الالتحاق بكيان استعماري عنصري اقيم على انقاض شعبهم.
مفهوم الأقلية القومية:
يجب ان نميز بين نوعين من الأقليات القومية "او الاثنية" في العالم. اولا، هنالك الاقليات الارادية التي هاجرت من محض ارادتها، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعتها للهجرة الى بلد جديد تاركة البلد الاصلي والوطن وراءها بهدف الاندماج والتعايش في المجتمع الجديد الذي هاجرت اليه. فهذا النوع من الاقليات الاثنية يتخذ من مفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق المدنية في الدولة الجديدة التي اختارها المرجعية الاساسية لحقوقه الجماعية. اما النوع الثاني من الاقليات القومية فهو الاقليات غير الارادية والتي فرض عليها الواقع الاستعماري والهيمنة الخارجية بالقوة. فهذه الاقليات القومية تمتد قضيتها الى ابعد من حدود المواطنة في الكيان الاستعماري المفروض عليها رغم كل محاولات الهيمنة والترويض التي تُمارس ضدها لأن وجودها يتنافى اساساً مع وجود الاستعمار.
لقد شغل هاجس جدلية العلاقة بين الانتماء والهوية القومية لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني ودورهم في مسيرة التحرر الوطني من جهة، وبين مطالب الناس وحقوقهم المدنية اليومية في ظل الظروف الموضوعية التي يعيشونها من جهة اخرى، معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية النشطة داخل فلسطين 1948 ففي حين غلب الطابع المطلبي البراغماتي على برامج احزاب التعايش والتكييف مع واقع الكيان الصهيوني الى حد تغييب الدور المناط بفلسطينيي الداخل في حركة التحرر الوطني (جميع احزاب البرلمان رغم التفاوت الشكلي بينها حول بعض القضايا الثانوية)، فقد تمسك التيار القومي والاسلامي الذي يرفض التعايش والاقرار بشرعية الكيان الصهيوني بالبعد الاستراتيجي للقضية الفلسطينية دون ان يتمكن من صياغة برنامج عملي يهتم بقضايا الناس المطلبية والحياتية "حركة الأرض ومن ثم حركة ابناء البلد والحركة الاسلامية".
ان فلسطينيي 48 أكثر الجماعات اهتماماً في وضع نهاية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لأنهم يؤمنون من حيث المبدأ بوضع نهاية للاحتلال وبتقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولأنهم يعتقدون، من زاوية موقعهم كمواطنين، أيضاً أن إنهاء الاحتلال سيحسن العلاقات اليهودية-العربية. إلا أن هذه العلاقات ستشهد توتراً ما أن تظهر دولة فلسطينية إلى الوجود، مع صعود قضايا المساواة والتمييز وموقع الأقلية القومية وما سواها إلى المقدمة في إسرائيل...!
لم تكل دولة إسرائيل ومؤيدوها من التبجح بادعاء أن إسرائيل ديمقراطية ومتسامحة وكافلة، في مقابل (هذا ما يضيفونه عموماً)الطغاة الشوفينيين والمتعصبين المحيطين بها في الشرق الأوسط. والدليل الأول في هذا الخداع الدعائي هو مواطنو إسرائيل الفلسطينيون، الذين يُقدمون على أنهم مواطنون يتمتعون بحقوق كاملة ومساوية في الدولة اليهودية والديمقراطية. ولكن كيف تتعامل الأقلية العربية في إسرائيل مع تعريف إسرائيل لنفسها على أنها دولة يهودية وديمقراطية؟ان إسرائيل تعرف نفسها على أنها يهودية وديمقراطية، إلا أن المساواة منعدمة بين اليهود والعرب في مجالات الحياة كافة. ومعظم الفلسطينيين في اسرائيل لا يقبلون هذا التعريف؛ فهو يعمق اللامساواة. وثمة تناقض بين الديمقراطية وتعريف إثني لدولة يهودية. وفي المحصلة، فإن إسرائيل وفي كلا الأمرين "ديمقراطية ويهودية" بالفعل، لكنها ديمقراطية تجاه اليهود ويهودية تجاه العرب. تتغافل هذه الحيلة المبتذلة عن نقاط حاسمة، أكثرها وضوحاً هي حقيقة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي يعانون من تفرقة عنصرية رسمية وصريحة يعززها احتلال عسكري في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة. وبطبيعة الحال، تتناسى أيضاً التمييز الخطر الذي يواجهه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، بحكم القوانين وبحكم الأمر الواقع. فواقع الحال أن المجتمع الفلسطيني داخل الحدود الإسرائيلية المعترف بها دولياًً أثبت مناعة كلية على الهضم من قبل الدولة اليهودية، وهو يشكل مصدر قلق عميق ومتنامٍ للأكثرية.
ويظهر هذا القلق في أسطع صوره في الخطاب حول الديموغرافيا والسكان في إسرائيل، حيث تجري العادة على الإشارة إلى المواطنين الفلسطينيين بوصفهم "قنبلة سكانية موقوتة" أو "تهديداً ديموغرافياً"، وليس على أنهم بشراً.
وقد تم عرض هذه المخاوف كاملة في مؤتمر هرزليا الذي انعقد في كانون الأول من العام 2003، عندها قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ورئيس حزب الليكود الحالي" بينيامين نتنياهو" إن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يمثلون "التهديد الديموغرافي" الحقيقي للدولة اليهودية، فإذا تنامى عددهم من نسبة 20% الحالية إلى "ما بين 35-40%"، فإن إسرائيل ستصبح- مصيبة المصائب-"بلداً ثنائي القومية..!
وذهب د. إسحاق رافيد، وهو باحث متمرس يعمل في سلطة تطوير الأسلحة التابعة للحكومة الإسرائيلية، إلى أبعد من ذلك فطالب إسرائيل في المؤتمر بأن "تنفذ سياسة صارمة في مجال تخطيط العائلة فيما يتعلق بسكانها من المسلمين". ونبه إلى أن "غرف التوليد في مشفى سوروكا في( الموجود في مدينة بئر السبع) قد تحولت إلى معمل لإنتاج سكان متخلفين".
وبينما لم تنفذ سياسيات من هذا النوع بعد، فإن إجراءات تمييزية تحول دون ازدياد عدد المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين كانت قد نُفذت. ففي تموز من العام 2003، استحدث الكنيست قانون القومية والدخول إلى إسرائيل، مانعاً المواطنين الإسرائيليين المتزوجين من قاطني الأراضي المحتلة من العيش في إسرائيل مع أزواجهم. وقد صمم القانون خصوصاً لمنع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من توسيع نطاق منفعة وضعهم كمواطنين ليشمل فلسطينيين من الأراضي المحتلة عبر وسيلة الزواج. وبطبيعة الحال، فإن كل الآخرين ممن تزوجوا بإسرائيليين يمكنهم السفر إلى إسرائيل والعيش مع عائلاتهم.
وما يكمن في قلب هذه المشاغل ليس الخوف من أن يقوض المواطنون الفلسطينيون في المستقبل مكانة الغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين وحسب، بل والشك في أنهم سيشكلون طابوراً خامساً غير موالٍ أيضاً. فحضورهم هو تذكير دائم بالسكان العرب المهجرين، وبالخطيئة الأصلية للتطهير العرقي وطرد السكان، التي كانت عنصراً ضرورياً في اختلاق دولة يهودية في فلسطين. وبينما تنامى لدى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الاقتناع وتعلموا التعامل مع مفارقة هويتهم القومية، فقد كُثفت الجهود لقمع تعبيراتهم السياسية عن الذات.
في تشرين الأول من العام 2000، انطلق الفلسطينيون داخل إسرائيل في عدد من المظاهرات دعماً للانتفاضة التي كانت قد بدأت قبل ذلك بأسابيع قليلة في الأراضي المحتلة"انتفاضة الأقصى" والتي كانت زيارة"شارون" الى الأقصى المسبب الرئيس لاندلاعها, وقد حدث ذلك عندما كان "ايهود باراك" زعيم حزب العمل الحالي رئيسا للوزراء الاسرائيلي. فقامت القوات الإسرائيلية بقمع هذه المظاهرات بوحشية ما كانت لتستخدمها ضد متظاهرين يهود، فقتلت 13 مواطناً فلسطينياً إسرائيلياً وجرحت المئات. هذه الحوادث هي برهان على الشقاق السياسي بين السكان الفلسطينيين واليهود في إسرائيل، وعلى الموقف العدائي أساساً لدولة إسرائيل تجاه مواطنيها العرب. وحكاية شبيهة بهذه هي قصة العمل السياسي لعزمي بشارة، الشخصية السياسية القيادية الفلسطينية في إسرائيل. فقد كان بشارة هو عضو الكنيست الوحيد الذي يتعرض لإطلاق النار من قبل الجنود الإسرائيليين، كما واجه تهماً بالخيانة بسبب تأييده لحق اللبنانيين والفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي في المقاومة.
ولا يتفوق على عداء الدولة الإسرائيلية لأقليتها العربية، برغم كل شيء، إلا عداء الجمهور اليهودي لها. فقد أظهر استطلاع للرأي جرى في حزيران من العام 2004 أن 64% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يعتقون أن على الحكومة أن تشجع المواطنين الفلسطينيين على الرحيل عن البلاد. وفوق ذلك، قال 55.3% من الإسرائيليين اليهود إن المواطنين الفلسطينيين يشكلون خطراً على الأمن القومي، وقال 45.3% أنه يتوجب منعهم من التصويت أو من الوصول إلى المناصب السياسية.وعلى هؤلاء ارد بما قاله الراحل المناضل توفيق زياد:"يا جذرنا الحي تشبث..واضربي في القاع يا اصول"..!
وحقيقة الأمر أن تعريف إسرائيل القلق لذاتها كدولة "يهودية وديمقراطية" هو تعريف متنافر الحدود، ذلك أن تجربة أقليتها الفلسطينية الكبيرة والمتنامية- ناهيك عن ملايين المحرومين ممن يعيشون تحت وطأة الاحتلال العسكري- تشهد بوضوح على ذلك. بالفعل، فالمؤشرات الحالية تشير إلى أن إسرائيل تصبح أقل يهودية، بالمعنى الديموغرافي، كما تصبح أقل ديمقراطية.
على "اسرائيل" ان تقرر هل هي ديموقراطية أم يهودية؟
تثبيت مكانة الفلسطينيين في الداخل كمواطنين درجة ثانية وسلب حقوقهم المدنية والقومية.
أن "اولمرت ووزيرة خارجيته" ليفني"، ومن خلال الدعوة إلى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، تمنح الامتيازات لليهود وتميز ضد المواطنين الفلسطينيين في الداخل وتحاصر وجودهم.واذا ترجمنا هذه المطابة وقمنا بتفسيرها فانها تهدف الى ترحيل الحقوق القومية لفلسطينيي الداخل إلى الدولة الفلسطينية، فالعرب في نظرهم هم رعايا لا يستحقون المواطنة الكاملة والحقوق القومية. هم لا تستطيعون أن يمسكوا بالعصا من طرفيها، ويدعوا أن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية أيضا، وأن يسلبوا حقوق المواطنين العرب وسسوفوا إسرائيل على أنها الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وهم بكلامهم هذا قاموا بوضع علامات استفهام ليس على شرعية حقوق المواطنين العرب فحسب، بل على شرعية مجرد وجودهم على أرض وطنهم. وفي هذا الكلام أكثر من تشجيع على دعوات سلب مواطنة العرب ودعوات الترانسفير.
إذا كان اولمرت ووزيرته غاضبين لأن فلسطينيي الداخل يرفضون يهودية الدولة، ويطالبون بدولة لجميع مواطنيها، ووضع حد لخدمة "الدولة اليهودية الديموقراطية"، فهذا يعود إلى موقفهم الشوفيني المعادي للديموقراطية، وهذا ليس موقفهما الشخصي فحسب، وإنما موقف المجتمع الإسرائيلي السياسي بأسره الذي يفقد صوابه كلما واجه مطلب تغيير طبيعة الدولة من يهودية إلى ديموقراطية. فعلى "إسرائيل" أن تقرر هل هي ديموقراطية أم يهودية؟


**تم الرجوع لبعض المصادر.
د. صلاح عودة الله
القدس المحتلة