سوري2007
24/11/2007, 12:17
أحمد ابو مطر - ايلاف
الرفاق الذين عاشوا تجربة حزب البعث هم أفضل وأقدر من يكتب عن هذا الحزب في كافة المجالات، وأثناء بحثي عن المعلومات والوثائق التي تؤيد وتدعم ما ورد في مقالتي (بعثيون وخونة: من يصدق ذلك) خاصة ما يتعلق بالجرائم التي ارتكبها الحزب بحق عشرات من قياداته وكوادره بحجة أنهم خونة ومتآمرون، وجرائمه بحق دول عربية مجاورة، وصلتني هدية ثمينة جدا من المؤلف مباشرة هي الجزء الأول والثاني من كتاب القائد العسكري و السفير السوري المتقاعد اللواء عبدو الديري (أيام مع القدر) الصادر حديثا (طبعة أمريكا الشمالية 2007)، والكتاب عبارة عن سرد وتوثيق لتجربته الميدانية الطويلة في الحزب، كسياسي وعسكري في سورية أولا ثم في العراق، الجزء الأول بعنوان " السلطة الغاشمة " والجزء الثاني بعنوان "جمهورية الفساد والاستبداد ". ولمن لا يعرفه فهو (قائد عسكري وسفير عاصر الأحداث وشهد الحوادث) ومن بين العديد من المناصب التي شغلها: رئاسة الأركان البحرية السورية ومسؤول حزب البعث العسكري للبحرية والمنطقة الساحلية في سورية، وعضو في لجنة شؤون الضباط في وزارة الدفاع السورية عام 1964 بعد مشاركته في انقلاب 8 آذار 1963، وملحقا عسكريا في موسكو والأرجنتين، ورئيسا للبعثة الدبلوماسية السورية في إيران 1968، ثم التحق بالحزب في بغداد حيث أسس البحرية العراقية وتقاعد من خدمته العسكرية في العراق عام 1978 برتبة لواء، وعمل بعد ذلك سفيرا للعراق في سريلانكا، كندا، البرتغال، وسويسرا، وهو مقيم في واشنطن منذ عام 1991.
وهذا يعني أنه لم يكن عضوا عاديا في الحزب في البلدين، ولكنه تسلّم مواقع أهلته لأن يكون شاهد عيان على الأحداث من داخل الحزب، وليس شخصا يسمع من الآخرين أو يقرأ ما يكتبه معاصرون عن الحزب، لذلك فهو ينطبق على ما كتبه ما قلته في عنوان المقالة(وشهد شاهد من أهله).
وعلى الغلاف الأخير للكتاب في جزئيه يوضح الأسباب التي دعته لتأليف هذا الكتاب الذي سيصدر منه لاحقا أربعة أجزاء أخرى ليكون في مجموعه ستة أجزاء، يقول: (لا أكتب للتشفي أو الانتقام من فئة أو مجموعة، ولا لتجريم فئة أو مجموعة أو تبرئة أخرى، بل لأوضح أنّ ما حصل في سورية بعد الثامن من آذار 1963 وحتى اليوم، كان مسؤولية تضامنية للعديد من القيادات الحزبية الطائفية والانتهازيين الذين جيّروا الحزب لخدمة أهدافهم المريضة وإن اختلفت مستويات مساهماتها قي معاناة الشعب. وما ارتكب من أعمال القتل والنهب والوحشية، وزجّت الأبرياء من أبناء طوائفها في أتون الحقد الطائفي البغيض).
وفي مقدمة الجزء الأول يلخص المأسآة التي وضع فيها الحزب القطرين السوري والعراقي بقوله: (أكتب بقناعتي أنّ فكر حزب البعث، الفكر القومي التقدمي الوحدوي كان ضحية ممارسة خاطئة في 8 آذار 1963 في سورية وفي 17 تموز 1968 في العراق...انتهت في سورية بعد 23 شباط 1966 إلى حكم طائفي ثم إلى حكم فرد مستبد بعد سنة، وفي العراق بعد سنة 1979 إلى حكم العشيرة بل إلى حكم الفرد أيضا، وفي كلتا الحالتين ظلّت شعارات حزب البعث هي الغطاء والمظلة المخروقة التي استظل بها هؤلاء الحكام) ص 9.
و يقول: (...إن شعب سورية الوطن الأم عانى خلال أربعين سنة قسوة أعتى الأنظمة الشمولية والاستبدادية وظلمها بعد حركة23 شباط 1966 بقيادة صلاح جديد ومشاركة الفريق حافظ الأسد، وارتداد اللجنة العسكرية والجنرالات غلاة أبناء الطوائف - وباسم حزب البعث - على مبادىء الحزب والشرعية وتكريس الطائفية. فبدلا من الوحدة العربية كرّسوا القطرية وأقاموا دولة الطوائف، وما أصبح يردده الشارع " عدس " كناية عن مختصرات كلمات - علوي، درزي، إسماعيلي-.
أما عن الحرية في عهد الأسد وبعد 23 شباط 1966، فقد اعتقلت في زنزانات السجون والمعتقلات، وعلّقت على منصّات الإعدام بموجب قوانين الطوارىء والأحكام العرفية وتعطيل القضاء.
أما الاشتراكية فكانت الأسوأ حظا في شعارات الحزب، فقد مسخوها بفساد الاقتصاد وفساد المجتمع بعد أن استشرت ظاهرة الرشاوي وجني العملات والمصادرات والأتاوات في كوادر السلطة وجنرالات النظام، وتفاقمت ظاهرة الفقر والبطالة، وبروز لوردات المال من أبناء الكادحين ممن ادّعوا الثورية و العفة وكانوا قبل ذلك من ذوي الدخل المحدود) ص 10 – 11.
وخير مثال على هذا ما يسمى إمبراطورية آل مخلوف - أخوال الرئيس بشار – المالية التي تقدرها العديد من المصادر والبنوك بما يزيد عن خمسة وعشرين مليارا، ويديرها رامي مخلوف ابن خال الرئيس، وهي في الأساس عائلة فقيرة للغاية عند قدومها لدمشق من قرية القرداحة في نوفمبرعام 1970 عقب استيلاء حافظ الأسد الكامل على السلطة والجيش والبلاد والعباد في انقلابه المشهور على رفاق الحزب " حيث وضع صلاح جديد والأتاسي وقيادته في السجن، وانفرد بالسلطة التي حماها بالحديد والنار وقوى الأمن والمخابرات، وانتصر على الشعب السوري بسوط الإرهاب " ص 133.
حافظ الأسد عميل بريطاني أمريكي
وضمن الصراع المعروف للقوى العالمية في المنطقة فقد تم استخدام وتوظيف كبار القادة البعثيين عملاء لتلك القوى، يقول المؤلف صراحة: (أما صلاح جديد وحافظ الأسد أبرز قادة اللجنة العسكرية، فقد ركبا أيضا زورق العمالة والتعاون مع الأجنبي، فصلاح جديد كان رجل أمريكا في سورية، وكما أورد ذلك النائب نوفل إلياس وعلي صالح السعدي في تعليقهما على حركة 23 شباط 1966، وحافظ الأسد كان رجل بريطانيا وله علاقات متميزة وخاصة بها، ومع خلاف صلاح جديد والأسد غير المعلن فقد اتفقا على الخطوة الأولى في خدمة استراتيجية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، المتمثلة بالإطاحة بالقيادة الشرعية للحزب والسلطة وتمزيق الحزب والوحدة الوطنية، وفرض نظام طائفي شمولي في قيادتيهما المشتركة لحركة شباط 1966. ومع أن لقاءهما وتعاونهما لم يدوما طويلا، فقد أطاح الأسد بحركته في 16 نوفمبر 1970 بنظام صلاح جديد وزمرته وانفرد بالسلطة.
ولا يعني فوز الأسد بالسلطة أن الغلبة في احتواء سورية أصبحت للإستراتيجية البريطانية على حساب استراتيجية الولايات المتحدة، لأن الأسد بعد أن خرجت بريطانيا عسكريا من منطقة الخليج العربي، وحدوث ما سمّي الفراغ في شرق قناة السويس، كان أحد عملاء بريطانيا الذين ورثتهم الولايات المتحدة في المنطقة بصفتها الوارث الشرعي للاستعمار البريطاني)ص 245، 246.
وقد كان هذا العميل: (ابن نظام طائفي لا يمثل إلا شريحة أقلية من شرائح المجتمع، حكم سورية بالحديد والنار طوال 37 سنة بجهاز أمن ومخابرات وقوات مسلحة بالغت في ولائها للطائفية وحصرته في مصالحها الخاصة. وعلى الرغم من فضح النظام وانتهاكات حقوق الإنسان المرّوعة، كان يلقى الدعم المباشر وغير المباشر من الصهيونية والغرب عموما، بعد أن سكت على احتلال الجولان وأغلق حدوده أمام العمل الفدائي والرسمي وجعلها حدودا آمنة لدولة إسرائيل، وتخلى عن دعم القضية الفلسطينية باستثناء الشعارات والخطب والتصريحات الجوفاء) الجزء الثاني، ص 223.
اغتيال الأسد لصلاح الدين البيطار
هكذا هي ممارسات القادة البعثيين العملاء(بطيخ يكسّر بعضو) فهم لا يقبلون اقتسام العمالة بل كل واحد يريد الاستفراد بها ليكون العميل الأوحد، وعبر استعراض المؤلف للعديد من الدسائس والمؤامرات بين أعضاء قيادة الحزب ضد بعضهم، انحصر صراع مؤامراتي طويل بين حافظ الأسد وصلاح الدين البيطار أحد مؤسسي حزب البعث مع ميشيل عفلق الذي كان أيضا شريكا في تلك الدسائس، لذلك (حكم على البيطار غيابيا بالموت عام 1969، ومع أن الأسد بعد تسلمه السلطة قد أصدر عفوا عنه وعن المحكومين الآخرين عام 1970، فقد اغتالته أجهزة أمنه ومخابراته في باريس في 21 تموز عام 1980، بعد أن فشل في محاولة المصالحة التي سعى إليها في لقائهما في يناير 1978 في دمشق الذي دام لأكثر من خمس ساعات على أمل أن يقاسم البيطار السلطة أو جزءا منها)الجزء الثاني، ص 212.
وفي القطر العراقي وضمن مسلسل التصفيات والمؤامرات ذاته وضع صدام الدكتور منيف الرزاز القيادي البعثي المعروف صاحب كتاب " التجربة المرّة " قيد الإقامة الجبرية في منزله لاتهامه بالمشاركة في مؤامرة لصالح البعث السوري فيما عرف ب (ميثاق العمل القومي المشرك) عام 1979، وظلّ قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته.
ويصف المؤلف من خلال معرفته الوثيقة بتجربة حزب البعث سنوات حكم الحزب للشعب السوري، فيقول: " تمثل سنوات الحزن العميق للشعب السوري، سنوات المجازر الوحشية التي نفذتها قوات النظام المسلحة، مدفعية ودبابات وقوى الأمن والمخابرات في العديد من المدن السورية، ضمن استراتيجية النظام للدفاع عن دولة البعث بالدم، وحماية أهداف الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية، بعد أن مزقوا المجتمع إلى طوائف بدلا من الوحدة الوطنية نواة الوحدة القومية، ومزّقوا حتى الأسرة الواحدة وجعلوا من الأخ مخبرا على أخيه، ومن الابن مخبرا على أبيه، والجندي مخبرا على الضابط، والطالب مخبرا على المعلم، والمريض مخبرا على الطبيب، وأحلّوا محل الحرية سلطة القهر والتعسف ونظام قوى الأمن والمخابرات، وحوّلوا سورية إلى سجن للشعب باسم الاستقرار بل الاستبداد، وبدلا من الاشتراكية أحلّوا الفقر والرشوة والعمولات والفساد الاقتصادي والاجتماعي)، الجزء الثاني ص 220 - 221.
الرفاق الذين عاشوا تجربة حزب البعث هم أفضل وأقدر من يكتب عن هذا الحزب في كافة المجالات، وأثناء بحثي عن المعلومات والوثائق التي تؤيد وتدعم ما ورد في مقالتي (بعثيون وخونة: من يصدق ذلك) خاصة ما يتعلق بالجرائم التي ارتكبها الحزب بحق عشرات من قياداته وكوادره بحجة أنهم خونة ومتآمرون، وجرائمه بحق دول عربية مجاورة، وصلتني هدية ثمينة جدا من المؤلف مباشرة هي الجزء الأول والثاني من كتاب القائد العسكري و السفير السوري المتقاعد اللواء عبدو الديري (أيام مع القدر) الصادر حديثا (طبعة أمريكا الشمالية 2007)، والكتاب عبارة عن سرد وتوثيق لتجربته الميدانية الطويلة في الحزب، كسياسي وعسكري في سورية أولا ثم في العراق، الجزء الأول بعنوان " السلطة الغاشمة " والجزء الثاني بعنوان "جمهورية الفساد والاستبداد ". ولمن لا يعرفه فهو (قائد عسكري وسفير عاصر الأحداث وشهد الحوادث) ومن بين العديد من المناصب التي شغلها: رئاسة الأركان البحرية السورية ومسؤول حزب البعث العسكري للبحرية والمنطقة الساحلية في سورية، وعضو في لجنة شؤون الضباط في وزارة الدفاع السورية عام 1964 بعد مشاركته في انقلاب 8 آذار 1963، وملحقا عسكريا في موسكو والأرجنتين، ورئيسا للبعثة الدبلوماسية السورية في إيران 1968، ثم التحق بالحزب في بغداد حيث أسس البحرية العراقية وتقاعد من خدمته العسكرية في العراق عام 1978 برتبة لواء، وعمل بعد ذلك سفيرا للعراق في سريلانكا، كندا، البرتغال، وسويسرا، وهو مقيم في واشنطن منذ عام 1991.
وهذا يعني أنه لم يكن عضوا عاديا في الحزب في البلدين، ولكنه تسلّم مواقع أهلته لأن يكون شاهد عيان على الأحداث من داخل الحزب، وليس شخصا يسمع من الآخرين أو يقرأ ما يكتبه معاصرون عن الحزب، لذلك فهو ينطبق على ما كتبه ما قلته في عنوان المقالة(وشهد شاهد من أهله).
وعلى الغلاف الأخير للكتاب في جزئيه يوضح الأسباب التي دعته لتأليف هذا الكتاب الذي سيصدر منه لاحقا أربعة أجزاء أخرى ليكون في مجموعه ستة أجزاء، يقول: (لا أكتب للتشفي أو الانتقام من فئة أو مجموعة، ولا لتجريم فئة أو مجموعة أو تبرئة أخرى، بل لأوضح أنّ ما حصل في سورية بعد الثامن من آذار 1963 وحتى اليوم، كان مسؤولية تضامنية للعديد من القيادات الحزبية الطائفية والانتهازيين الذين جيّروا الحزب لخدمة أهدافهم المريضة وإن اختلفت مستويات مساهماتها قي معاناة الشعب. وما ارتكب من أعمال القتل والنهب والوحشية، وزجّت الأبرياء من أبناء طوائفها في أتون الحقد الطائفي البغيض).
وفي مقدمة الجزء الأول يلخص المأسآة التي وضع فيها الحزب القطرين السوري والعراقي بقوله: (أكتب بقناعتي أنّ فكر حزب البعث، الفكر القومي التقدمي الوحدوي كان ضحية ممارسة خاطئة في 8 آذار 1963 في سورية وفي 17 تموز 1968 في العراق...انتهت في سورية بعد 23 شباط 1966 إلى حكم طائفي ثم إلى حكم فرد مستبد بعد سنة، وفي العراق بعد سنة 1979 إلى حكم العشيرة بل إلى حكم الفرد أيضا، وفي كلتا الحالتين ظلّت شعارات حزب البعث هي الغطاء والمظلة المخروقة التي استظل بها هؤلاء الحكام) ص 9.
و يقول: (...إن شعب سورية الوطن الأم عانى خلال أربعين سنة قسوة أعتى الأنظمة الشمولية والاستبدادية وظلمها بعد حركة23 شباط 1966 بقيادة صلاح جديد ومشاركة الفريق حافظ الأسد، وارتداد اللجنة العسكرية والجنرالات غلاة أبناء الطوائف - وباسم حزب البعث - على مبادىء الحزب والشرعية وتكريس الطائفية. فبدلا من الوحدة العربية كرّسوا القطرية وأقاموا دولة الطوائف، وما أصبح يردده الشارع " عدس " كناية عن مختصرات كلمات - علوي، درزي، إسماعيلي-.
أما عن الحرية في عهد الأسد وبعد 23 شباط 1966، فقد اعتقلت في زنزانات السجون والمعتقلات، وعلّقت على منصّات الإعدام بموجب قوانين الطوارىء والأحكام العرفية وتعطيل القضاء.
أما الاشتراكية فكانت الأسوأ حظا في شعارات الحزب، فقد مسخوها بفساد الاقتصاد وفساد المجتمع بعد أن استشرت ظاهرة الرشاوي وجني العملات والمصادرات والأتاوات في كوادر السلطة وجنرالات النظام، وتفاقمت ظاهرة الفقر والبطالة، وبروز لوردات المال من أبناء الكادحين ممن ادّعوا الثورية و العفة وكانوا قبل ذلك من ذوي الدخل المحدود) ص 10 – 11.
وخير مثال على هذا ما يسمى إمبراطورية آل مخلوف - أخوال الرئيس بشار – المالية التي تقدرها العديد من المصادر والبنوك بما يزيد عن خمسة وعشرين مليارا، ويديرها رامي مخلوف ابن خال الرئيس، وهي في الأساس عائلة فقيرة للغاية عند قدومها لدمشق من قرية القرداحة في نوفمبرعام 1970 عقب استيلاء حافظ الأسد الكامل على السلطة والجيش والبلاد والعباد في انقلابه المشهور على رفاق الحزب " حيث وضع صلاح جديد والأتاسي وقيادته في السجن، وانفرد بالسلطة التي حماها بالحديد والنار وقوى الأمن والمخابرات، وانتصر على الشعب السوري بسوط الإرهاب " ص 133.
حافظ الأسد عميل بريطاني أمريكي
وضمن الصراع المعروف للقوى العالمية في المنطقة فقد تم استخدام وتوظيف كبار القادة البعثيين عملاء لتلك القوى، يقول المؤلف صراحة: (أما صلاح جديد وحافظ الأسد أبرز قادة اللجنة العسكرية، فقد ركبا أيضا زورق العمالة والتعاون مع الأجنبي، فصلاح جديد كان رجل أمريكا في سورية، وكما أورد ذلك النائب نوفل إلياس وعلي صالح السعدي في تعليقهما على حركة 23 شباط 1966، وحافظ الأسد كان رجل بريطانيا وله علاقات متميزة وخاصة بها، ومع خلاف صلاح جديد والأسد غير المعلن فقد اتفقا على الخطوة الأولى في خدمة استراتيجية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، المتمثلة بالإطاحة بالقيادة الشرعية للحزب والسلطة وتمزيق الحزب والوحدة الوطنية، وفرض نظام طائفي شمولي في قيادتيهما المشتركة لحركة شباط 1966. ومع أن لقاءهما وتعاونهما لم يدوما طويلا، فقد أطاح الأسد بحركته في 16 نوفمبر 1970 بنظام صلاح جديد وزمرته وانفرد بالسلطة.
ولا يعني فوز الأسد بالسلطة أن الغلبة في احتواء سورية أصبحت للإستراتيجية البريطانية على حساب استراتيجية الولايات المتحدة، لأن الأسد بعد أن خرجت بريطانيا عسكريا من منطقة الخليج العربي، وحدوث ما سمّي الفراغ في شرق قناة السويس، كان أحد عملاء بريطانيا الذين ورثتهم الولايات المتحدة في المنطقة بصفتها الوارث الشرعي للاستعمار البريطاني)ص 245، 246.
وقد كان هذا العميل: (ابن نظام طائفي لا يمثل إلا شريحة أقلية من شرائح المجتمع، حكم سورية بالحديد والنار طوال 37 سنة بجهاز أمن ومخابرات وقوات مسلحة بالغت في ولائها للطائفية وحصرته في مصالحها الخاصة. وعلى الرغم من فضح النظام وانتهاكات حقوق الإنسان المرّوعة، كان يلقى الدعم المباشر وغير المباشر من الصهيونية والغرب عموما، بعد أن سكت على احتلال الجولان وأغلق حدوده أمام العمل الفدائي والرسمي وجعلها حدودا آمنة لدولة إسرائيل، وتخلى عن دعم القضية الفلسطينية باستثناء الشعارات والخطب والتصريحات الجوفاء) الجزء الثاني، ص 223.
اغتيال الأسد لصلاح الدين البيطار
هكذا هي ممارسات القادة البعثيين العملاء(بطيخ يكسّر بعضو) فهم لا يقبلون اقتسام العمالة بل كل واحد يريد الاستفراد بها ليكون العميل الأوحد، وعبر استعراض المؤلف للعديد من الدسائس والمؤامرات بين أعضاء قيادة الحزب ضد بعضهم، انحصر صراع مؤامراتي طويل بين حافظ الأسد وصلاح الدين البيطار أحد مؤسسي حزب البعث مع ميشيل عفلق الذي كان أيضا شريكا في تلك الدسائس، لذلك (حكم على البيطار غيابيا بالموت عام 1969، ومع أن الأسد بعد تسلمه السلطة قد أصدر عفوا عنه وعن المحكومين الآخرين عام 1970، فقد اغتالته أجهزة أمنه ومخابراته في باريس في 21 تموز عام 1980، بعد أن فشل في محاولة المصالحة التي سعى إليها في لقائهما في يناير 1978 في دمشق الذي دام لأكثر من خمس ساعات على أمل أن يقاسم البيطار السلطة أو جزءا منها)الجزء الثاني، ص 212.
وفي القطر العراقي وضمن مسلسل التصفيات والمؤامرات ذاته وضع صدام الدكتور منيف الرزاز القيادي البعثي المعروف صاحب كتاب " التجربة المرّة " قيد الإقامة الجبرية في منزله لاتهامه بالمشاركة في مؤامرة لصالح البعث السوري فيما عرف ب (ميثاق العمل القومي المشرك) عام 1979، وظلّ قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته.
ويصف المؤلف من خلال معرفته الوثيقة بتجربة حزب البعث سنوات حكم الحزب للشعب السوري، فيقول: " تمثل سنوات الحزن العميق للشعب السوري، سنوات المجازر الوحشية التي نفذتها قوات النظام المسلحة، مدفعية ودبابات وقوى الأمن والمخابرات في العديد من المدن السورية، ضمن استراتيجية النظام للدفاع عن دولة البعث بالدم، وحماية أهداف الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية، بعد أن مزقوا المجتمع إلى طوائف بدلا من الوحدة الوطنية نواة الوحدة القومية، ومزّقوا حتى الأسرة الواحدة وجعلوا من الأخ مخبرا على أخيه، ومن الابن مخبرا على أبيه، والجندي مخبرا على الضابط، والطالب مخبرا على المعلم، والمريض مخبرا على الطبيب، وأحلّوا محل الحرية سلطة القهر والتعسف ونظام قوى الأمن والمخابرات، وحوّلوا سورية إلى سجن للشعب باسم الاستقرار بل الاستبداد، وبدلا من الاشتراكية أحلّوا الفقر والرشوة والعمولات والفساد الاقتصادي والاجتماعي)، الجزء الثاني ص 220 - 221.