-
دخول

عرض كامل الموضوع : بولونيا والعقدة... اليهودية


was616im
19/11/2007, 00:07
قبل كل شي رح حط المصدر مشان ما حدا يحكي أحمد إبراهيم*
صحيفة السفير 10/1/2004
و اليكم هذه المقالة :

من الأمور اللافتة للانتباه النفوذ اليهودي المتزايد في الدول التي استقلت حديثاً عن الاتحاد السوفياتي في شرق أوروبا ووسطها. وتبرز هذه الظاهرة أكثر ما تبرز في بولونيا، أكبر هذه الدول مساحة وسكاناً، رغم حرص اليهود وحذرهم الشديد من أن يكون نشاطهم مكشوفاً ونفوذهم ملموساً، لأن بولونيا بنظر معظمهم كانت جحيماً لهم، ولا يريدون أن يشربوا من الكأس نفسها. أو لا يرغبون في أن تتكرر التجربة نفسها، رغم تغير الظروف.. والحكام... فأنت تشعر بنفوذهم وقوتهم ولكنك لا تعرف عددهم، وقد اختلفت المصادر في تقدير هذا العدد بين بضعة آلاف وخمسين ألف.

ومن المعروف تاريخياً أن اليهود ارتبطوا لفترة طويلة في العصر الحديث بتاريخ بولونيا: فمنذ القرن السادس عشر شكلت بولونيا مركزاً هاماً للديانة اليهودية حيث استقروا فيها هرباً من الملاحقات والاضطهاد الديني الذي عانوا منه في الدول الأوروبية الأخرى. وتبين من المراجع التاريخية أن حكام بولونيا كانوا يستقبلونهم بترحاب لأنهم أرادوهم أن يصبحوا منافسين للألمان الذين أخذوا يستوطنون بكثرة في المدن البولونية.

وجد اليهود في بولونيا الأرض الخصبة والشروط الملائمة للتطور الاقتصادي والاجتماعي: فنظموا أنفسهم على أساس تجمعات منفصلة لها الحق في التسيير الذاتي ولها نظام قضائي خاص، ولها الحق في تنظيم ميليشيات للحماية. وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن الأمراء وزعماء الإقطاع أوكلوا إليهم جمع الضرائب من الفلاحين البولون، ومارسوا عليهم أعمال العنف والمضايقة الأمر الذي ولد الكراهية في بعض الأحيان بين الطرفين وقد زاد في الكراهية أن هذه الأقلية اليهودية بقيت غريبة عن محيطها منفصلة عنه وترفض الاندماج فيه. ومن هنا نشأت في معظم المدن البولونية أحياء خاصة بهم أطلق عليها اسم (الغيتو). وبمرور الزمن وبسبب الظروف التي ساعدتهم كثيراً كالتسامح الديني والحرية الاقتصادية، ولكونهم شكلوا أداة سلطة الملوك والأمراء، فقد أخذوا يلعبون دوراً هاماً في الاقتصاد ونشأت منهم بورجوازية بولونية يهودية، اكتسبت ثروة كبيرة لتصبح في مطلع القرن التاسع عشر مصدراً للعائلات الرأسمالية المشهورة في العالم(1).

تقدر بعض المصادر عدد اليهود المقيمين في بولونيا اليوم بعدة آلاف بعد أن دمر إبان الحرب العالمية الثانية المجتمع اليهودي وثقافتهم وهيكلهم الاجتماعي المميز الذي أنشئوه في بولونيا. ولم تبق لهم إلا ذكرى ذلك العالم المفقود وهي ذكرى تثقلهم بمشاعر موجعة. فبولونيا تشغل في ذاكرة اليهود مكاناً خاصاً حيث عاش قبل الحرب الأخيرة أكبر مجتمع يهودي في العالم: ففي لحظة نشوب الحرب كان في بولونيا 3 ملايين يهودي أي نسبة 10% من عدد سكانها. وفي نهاية هذه الحرب تقلص هذا العدد إلى حوالي 300 ألف شخص(2).


البقية بعد قليل لان الموضوع طويل شوية

was616im
19/11/2007, 00:07
ومن المعروف أن معظم معسكرات الاعتقال النازية أقيمت على الأراضي البولونية. ويروج بعض دعاة الصهيونية أن الألمان كانوا يأملون في موافقة البولون الضمنية على مشروع الإبادة الذي أعدوه.، غير أن هذا الادعاء لم يكن له أساس من الصحة وقد تم الرد عليه بشكل مقنع من قبل مؤرخين عديدين. والواضح أن معسكرات الاعتقال نشأت في بولونيا لاعتبارات لوجستية، ولأن معظم اليهود كانوا يقيمون فيها. هذا فضلاً عن أن هذه المعسكرات أقيمت في الأساس في أشويتز لوضع البولون المعتقلين فيها وذلك خلال الفترة من عام 1940 إلى عام 1942 ولم تبدأ الموجة الأولى من اعتقال اليهود إلا عام 1942(3).

وتدحض هذه المقولة أيضاً، مقولة إن البولون ساعدوا النازيين بل إن عدد كبيراً من البولون قاموا بتقديم المساعدات لليهود بإيواء الهاربين منهم أو إنقاذ حياتهم بتزويدهم بأوراق مزورة لإثبات أصلهم الآري. رغم أن الألمان جعلوا عقوبة الإعدام جزاء من يقدم المساعدة لهم ولم يتوان النازيون عن تنفيذ عقاب جماعي بحق كل أسرة بولونية خبأ بعض أفرادها يهودياً(4).

أما الكنيسة البولونية فكانت أول مؤسسة قامت بتقديم المساعدات للسكان اليهود رغم الظروف الصعبة وذلك عن طريق الأديرة التي آوت مجموعات من اليهود(5).

أما في فترة الحكم الشيوعي فقد فضل عدد كبير من اليهود البولون التخلي عن انتمائهم الديني واستبدلوا أسماءهم بأسماء أخرى لإخفاء شخصياتهم. وقد صدرت في المدة الأخيرة نشرات وبيانات عدة لا يعرف مصدرها، بأسماء شخصيات سياسية ورسمية حالية ترجع أصلها إلى اليهودية وتذكر الأسماء الحقيقية لهذه الشخصيات. وفي موعظة أحد الآباء في كنيسة غدانسك عام 1995 ذكر أن البولون لا يعرفون من يحكمهم الآن هل اليهود القادمون من الاتحاد السوفياتي السابق أم اليهود القادمون من "إسرائيل". وقد ثارت ثائرة اليهود عليه وطلبوا من رئيس الجمهورية فاليسا الذي كان حاضراً في الكنيسة أن يعتذر لهم لأنه لم يرد على هذا القس.

ومنذ استقلال بولونيا عن الاتحاد السوفياتي واليهود يركزون اهتمامهم على استعادة نفوذهم فيها: تارة بالمطالبة باستعادة أملاكهم وتارة أخرى باعتبار الهولوكوست (معسكرات الاعتقال النازية في بولونيا) أرضاً تخص اليهود ويجب أن تكون خارج السيادة البولونية. لادعائهم بأنهم وحدهم كانوا ضحايا هذه المعسكرات والقتل الجماعي. وهو أمر مشكوك فيه وتدحضه الدراسات الحديثة. فالمصادر تختلف في ما بينها في عدد وجنسية ضحايا معسكرات الاعتقال النازية: فاللجنة السوفياتية أكدت أن عددهم بلغ 4 ملايين ضحية. ثم أصبح هذا العدد موضع شك بعد أن أجرى المؤرخون البولون أبحاثهم مستندين إلى إحصاءات دقيقة. وبحسب إحدى الدراسات التي أجراها متحف (أشويتز) في كراكوف بالتعاون مع معهد (ياد فاشيم) اليهودي في القدس والتي نشرت نتائجها عام 1991 فإن عدد المعتقلين بلغ مليونين وخمسمئة ألف معتقل. قضى منهم مليون ومئة ألف ضحية بينهم 960 ألف يهودي و75 ألف بولوني و21 ألف غجري والباقي من جنسيات أخرى(6). أما عدد الذين بقوا في بولونيا من اليهود أثناء الحرب فقد غادر قسم كبير منهم بعد الحرب في عامي 46 و47 إلى فلسطين (حوالي 50 ألف يهودي). أما من بقي منهم في بولونيا فأخذوا يرتبطون بالنظام الشيوعي وبزعيمه الأعلى ستالين وجرى تعيينهم في مناصب هامة في جهاز الأمن والإدارة وفي وسائل الإعلام، وفي عام 1968 نشأت موجة عداء نحوهم بسبب ممارساتهم وتسلطهم وقد تبعتها عملية تصفية لهم في أجهزة الأمن والجيش وفي بعض الإدارات الحكومية. وكان من نتيجة حملة التصفية هذه مغادرة أكثر من ثلاثين ألف شخص من الضباط والكادرات الإدارية والفنية إلى فلسطين.

was616im
19/11/2007, 00:08
من هنا نتبين أهمية الصلة بين ما كان يحدث في بولونيا وبين ما كان يحدث في فلسطين من تسلل وهجرات يهودية إليها ثم السيطرة عليها. وقد عبر عن هذه العلاقة أبلغ تعبير شيمون بيريس في إحدى زياراته إلى بولونيا عندما قال (إن الصهيونية ولدت في بولونيا) وهو قصد بذلك الهجرات من بولونيا إلى فلسطين وأن بولونيا أصل معظم قادة "إسرائيل" التاريخي مثل بن غوريون وشامير وبيريس وغولدا مائير الأوكرانية الأصل وكان قسم من أوكرانيا تابعا لبولونيا.

ولإدراك مدى أهمية النفوذ اليهودي في العالم نشرت مجلة بولتيكا البولونية اليسارية في عددها الصادر بتاريخ 16/6/2001 بعنوان الشعب المشتت، أن عدد اليهود تطور في العالم كالتالي:

عام 1939 عدد اليهود 17 مليوناً.
عام 1945 عدد اليهود 11 مليوناً.
عام 2000 عدد اليهود 13,200 مليوناً.

وأشارت هذه المجلة إلى أنه قبل الحرب العالمية الثانية شكلت كل من ألمانيا وبولونيا والولايات المتحدة أكبر التجمعات اليهودية في العالم وأن "إسرائيل" استقبلت ما بين عامي 48 96 حوالي 84% من اليهود المهاجرين وأنه من بين كل ستة يهود يقيم خمسة في "إسرائيل" وفي الولايات المتحدة. وأضافت أن في الولايات المتحدة دولة يهودية أكبر من "إسرائيل". وأن اليهود الأميركيين جمعوا في أوائل التسعينيات مبلغ مليار دولار لتوطين اليهود السوفيات في فلسطين. ويشبه البعض وضع اليهود في أميركا بوضعهم في الأندلس إبان العهد الذهبي الإسلامي.

وإذا كان اليهود قد عانوا من النازيين وتعرضوا للإبادة فإن البولون عانوا من النازيين ومن الروس بعد تقسيم بولونيا بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي بموجب معاهدة روبتروب لولوتوف السرية عام 1939 حيث سيطر الألمان على القسم الغربي من بولونيا بينما سيطر السوفيات على القسم الشرقي، لقد قامت النازية بالقضاء على كافة المؤسسات بما في ذلك الاقتصاد والتربية وأرسلت كثيراً من رجال الدين إلى معسكرات الاعتقال وأخذت تسجل البولون على قائمة القومية الألمانية وصار بعضهم مرشحاً "للجرمنة" وبعضهم الآخر وقوداً للحرب في الجيش الألماني. وحسب تقديرات المؤرخ البولوني "فيسواف مادايتشك" فقد سرق المحتلون من الأسر البولونية أكثر من 150 ألف طفل بهدف تسليمهم إلى الأسر الألمانية لجرمنتهم. كما اعتقل الألمان عدداً كبيراً من رجال الفكر وأساتذة الجامعات وأرسلوهم إلى معسكرات الاعتقال.

was616im
19/11/2007, 00:09
أما من جهة الروس فبعد أن قضوا على الجيش البولوني الذي قاومهم ارتكبوا به مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 7 آلاف (سبعة آلاف) جندي وضابط وهي المذبحة المعروفة بمجزرة كاتين، التي تقع اليوم داخل أوكرانيا. وأثناء سيطرة الاتحاد السوفياتي على بولونيا تركزت الدعاية على أن النازيين هم الذين ارتكبوا هذه الجريمة. غير أن السلطات السوفياتية اعترفت في نيسان عام 1990 بمسؤوليتها عنها وسلم الزعيم السوفياتي في حينه ميخائيل غورباتشوف إلى الرئيس البولوني ياروزلسكي قائمة بأسماء ضحاياها.

إن ما عاناه الشعب البولوني من النازية ومن الشيوعية على السواء جعل من هذا الشعب ضحية جيران أقوى منه، وهذا قدر الدول الصغيرة المجاورة لدول أكبر وأقوى منها، ولكن هذا الشعب تغلب على مآسيه ومصائبه بعد أن تيسرت له القيادة الحكيمة والمخلصة. وها هي بولونيا اليوم تأخذ دورها إلى جانب الدول العظمى: فلها مواقفها المستقلة وسياستها الخاصة القائمة على تحقيق سيادتها ومصلحة شعبها. وأوضح مثل على ذلك موقفها من الحرب في العراق وموقفها المميز من مشروع دستور الاتحاد الأوروبي بمطالبتها بأن يكون لها ما للدول الكبرى من الأصوات في مؤسسات هذا الاتحاد.

لا شك في أن وعي الشعب البولوني وممارسته للحياة الديموقراطية والتي تم على أساسها تبادل السلطة بين اليمين واليسار يجعل من الصعب على النفوذ اليهودي التحكم بمصير هذا البلد.

أما بالنسبة للنفوذ اليهودي المتزايد فيها فهو ليس حديث العهد في أوروبا وهو غير مقبول من شعوبها، ففي أواخر القرن التاسع عشر برز في بولونيا عدد من الأحزاب نادت في برامجها بمعاداة اليهود وكان شعارها "إن شبكة سرية يهودية تحكم العالم" وكان تفسير ذلك ردود فعل على نفوذهم وممارساتهم. ولم يكن بسبب معاداة السامية، وهي التهمة التي سلطها اليهود على كل من ينتقد أفعالهم ويدين تصرفاتهم. وما قاله مؤخراً مهاتير محمد، الرئيس الماليزي، ليس جديداً. ومن هنا تبين أن الأسباب الاقتصادية والنفسية والذاكرة الجماعية لشعب من الشعوب تحدد موقفه تجاه شعب آخر أو جماعة معينة وهو الأمر الذي ينطبق على الحالة اليهودية في الماضي والحاضر.