imad
07/07/2005, 15:15
الاستماع والاصغاء
قصة:
كان حارس منارة مسنّ يعيش وحيداً في منطقة ساحلية وبقي طوال ثلاثٍ وعشرين سنة يتحقق من أن الشعاع القوي المنبثق من المنارة كان يزيل ظلام البحر ليحمي المراكب، وأن الجرس الضخم ما أنكفّ عن الرنين كل ساعة بانتظام. كانت غرفته الصغيرة واقعة تحت الجرس بالذات، وطوال ثلاث وعشرين سنة كان صوت هذا الجرس الذي يزن طنين يدوّي في البحر كل ساعة ليل نهار, مالئاً غرفته دقات مصمّة! ومع ذلك ما ان أنقضى بضع سنوات حتى اعتاد سمعه على هذا الضجيج المتجدد كل ساعة فسهّل عليه أن ينام من غير أن يلاحظ شيئاً. وحدث ذات ليلة في الساعة الثالثة صباحاً أن تحطمت للمرة الاولى منذ ثلاث وعشرين سنة آلية الساعة الكبيرة الدقاقة وللحال توقف كل صوت وساد سكوت الموت فذعر الرجل العجوز ووثب من فراشه صارخاً: "ماذا يحدث"؟.
على مثال حارس المنارة قد يكون استماعنا واصغائنا مشروطين أو مشوهين نسسب عوائد قديمة ومتأصلة، وعلاقات ضعيفة ولربما أيضاً بسبب نمط حياة. وقد نسقط في فخ سمع سلبي مردّه الى أنه لا يكون لدينا ردة فعل إلاّ عندما يكدّرنا شيء ما.
كل اتصال حقيقي يبدأ بالاصغاء وهو على غرار المحبة بحاجة الى أن نتعلّمه، وفي ما يلي لائحة من شأنها أن تأتينا بالمساعدة ليكون اصغائنا سليماً:
1ـ أهدأ: دع مشاكل الحياة وجلبتها تصفوان في باطنك، وكما أنه من الصعب عليك أن ترى بوضوح من خلال ماء عكر كذلك يستحيل الاصغاء عملياً متى كان القلب والروح مشوش بسبب الصخب الداخلي.
2ـ تيقن أنك لست محوراً: أذ كنتُ أعدُّ نفسي محوراً لأي شيء كان، أصم أذني عن كل ما لا يجعلني محوراً فلا بد من مجهود واعٍ لنعترف بأن الآخر هو آخر.
3ـ ميز بين الشخص والفكرة: إذا تقدمت بفكرة ولاقت نقداً واستنتجت: "أن هذا الشخص لا يحبني"، فإني بذلك اُفسد مقدرتي على الاصغاء لأني سمعت: "اني لا أحبك" في حين أن الكلمة كانت تعني بالواقع: "لست على وفاق مع هذه الفكرة". فإذا ما هربت أو حردت مفكراً أني غير محبوب أو قليل القدر فحينئذ لا أعود أسمع ابداً.
4ـ اجتهد لتبقي ذهنك "منفتحاً": أعني حراً، من الذي يهددنا دائماً وهو متأتٍ عن الأحكام المسبقة والأفكار المتسلطة المقبولة والسمعة غير المحقق فيها، إنها لأمراض تمنعنا من الاصغاء الى الشخص الذي بازائنا. فأني اسمع بارتياح أوفر الى كلمة قد سبق لها أن تكونت في ذهني وتثبتت.
5ـ لتكن لك شجاعة الاستقامة: قد نسقط بسهولة في الاصغاء الانتقائي، أصغي فقد الى ما يلذّ لي أو الى ما أنا على وفاق معه. أسمع أحياناً حقائق مؤلمة لكنها صحيحة، فإذا ما أنتقيت منها ما يرضيني شوّهت سمعي.
6ـ ليس السمع أو الاصغاء تلقائياً: قد يكون الاصغاء عملاً شاقاً، فالمراجعة والتحقيق والأسئلة هي أمور تشكّل جزءاً من الطريق الحجِرة الموصلة الى العلاقة الحقيقية.
7ـ أصغ الى نفسك: يمطرنا العالم عادةً بوابل من الكلام والصور والبلاغات التي تتطلّب كلها انتباهنا، فقد تأسرني هذه كلها الى حد أنني اهمل الاصغاء الى تلك الارشادات الاخرى الآتية من داخلي بالرغم من أهميتها، وهي دلالة على ما فيَّ من أنانية مرهفة، أو قساوة أو تعب، ومن رغبات عميقة تدعوني الى الابداعية والمبادرة ومن حقد ذليل، أو رغية في السيطرة … فعندما أفقد الايصال مع ذاتي في الداخل فمن الممكن أن أنقطع عن الحياة بقدر ما أنقطع عن الاصفاء.
8ـ تعلم أن تصغي الى ما لا يقوله الآخرون: أصغ بانتباه وحاول أن تسمع ما لا يقوله الآخر، ما يود أن يتمكن من قوله ولا يستطيع. في الواقع، كثيرون من الناس يتكلمون بسهولة عن السياسة والألعاب الرياضية وعن الشخصيات… أما ما يحاول الكثيرون أن يقولوه في الغالب هو: "اني منعزل، اني أرغب بشكل من أشكال العلاقات الشخصية والعميقة. أريد أن أكون أنا ذاتي". فمن شأن الاصغاء بالأذن الثالثة أن يساعد على أن تميز اشارات قلب يتألم فاحدى أهم حاجات زماننا هي أذن لها قلب.
9ـ تعلم أن تصغي على مهل: بامكان الادراك أن يتغير مع السن والخبرة. قال شاب من سن العشرين: "لما كان لي من العمر ست عشرة سنة، كنت على يقين أن أبي لا يعرف شيئاً. أما الآن وقد صرت في العشرين فإني متعجب من أن أرى كم أنه تعلّم بأربع سنوات! أثناء الرياضات الروحية يُسمع من كثيرين يقولون بالنسبة الى أحد مقاطع الأنجيل: "إني كمن يرى هذا النص للمرة الأولى!". وما ذلك إلاّ لأن سمعهم الباطني قد أزداد نمواً مع الزمن والخبرة.
"لا تجاوب قبل أن تسمع ولا تعترض حديث آخر قبل تمامه" (ابن سيراخ 11/8)
قصة:
كان حارس منارة مسنّ يعيش وحيداً في منطقة ساحلية وبقي طوال ثلاثٍ وعشرين سنة يتحقق من أن الشعاع القوي المنبثق من المنارة كان يزيل ظلام البحر ليحمي المراكب، وأن الجرس الضخم ما أنكفّ عن الرنين كل ساعة بانتظام. كانت غرفته الصغيرة واقعة تحت الجرس بالذات، وطوال ثلاث وعشرين سنة كان صوت هذا الجرس الذي يزن طنين يدوّي في البحر كل ساعة ليل نهار, مالئاً غرفته دقات مصمّة! ومع ذلك ما ان أنقضى بضع سنوات حتى اعتاد سمعه على هذا الضجيج المتجدد كل ساعة فسهّل عليه أن ينام من غير أن يلاحظ شيئاً. وحدث ذات ليلة في الساعة الثالثة صباحاً أن تحطمت للمرة الاولى منذ ثلاث وعشرين سنة آلية الساعة الكبيرة الدقاقة وللحال توقف كل صوت وساد سكوت الموت فذعر الرجل العجوز ووثب من فراشه صارخاً: "ماذا يحدث"؟.
على مثال حارس المنارة قد يكون استماعنا واصغائنا مشروطين أو مشوهين نسسب عوائد قديمة ومتأصلة، وعلاقات ضعيفة ولربما أيضاً بسبب نمط حياة. وقد نسقط في فخ سمع سلبي مردّه الى أنه لا يكون لدينا ردة فعل إلاّ عندما يكدّرنا شيء ما.
كل اتصال حقيقي يبدأ بالاصغاء وهو على غرار المحبة بحاجة الى أن نتعلّمه، وفي ما يلي لائحة من شأنها أن تأتينا بالمساعدة ليكون اصغائنا سليماً:
1ـ أهدأ: دع مشاكل الحياة وجلبتها تصفوان في باطنك، وكما أنه من الصعب عليك أن ترى بوضوح من خلال ماء عكر كذلك يستحيل الاصغاء عملياً متى كان القلب والروح مشوش بسبب الصخب الداخلي.
2ـ تيقن أنك لست محوراً: أذ كنتُ أعدُّ نفسي محوراً لأي شيء كان، أصم أذني عن كل ما لا يجعلني محوراً فلا بد من مجهود واعٍ لنعترف بأن الآخر هو آخر.
3ـ ميز بين الشخص والفكرة: إذا تقدمت بفكرة ولاقت نقداً واستنتجت: "أن هذا الشخص لا يحبني"، فإني بذلك اُفسد مقدرتي على الاصغاء لأني سمعت: "اني لا أحبك" في حين أن الكلمة كانت تعني بالواقع: "لست على وفاق مع هذه الفكرة". فإذا ما هربت أو حردت مفكراً أني غير محبوب أو قليل القدر فحينئذ لا أعود أسمع ابداً.
4ـ اجتهد لتبقي ذهنك "منفتحاً": أعني حراً، من الذي يهددنا دائماً وهو متأتٍ عن الأحكام المسبقة والأفكار المتسلطة المقبولة والسمعة غير المحقق فيها، إنها لأمراض تمنعنا من الاصغاء الى الشخص الذي بازائنا. فأني اسمع بارتياح أوفر الى كلمة قد سبق لها أن تكونت في ذهني وتثبتت.
5ـ لتكن لك شجاعة الاستقامة: قد نسقط بسهولة في الاصغاء الانتقائي، أصغي فقد الى ما يلذّ لي أو الى ما أنا على وفاق معه. أسمع أحياناً حقائق مؤلمة لكنها صحيحة، فإذا ما أنتقيت منها ما يرضيني شوّهت سمعي.
6ـ ليس السمع أو الاصغاء تلقائياً: قد يكون الاصغاء عملاً شاقاً، فالمراجعة والتحقيق والأسئلة هي أمور تشكّل جزءاً من الطريق الحجِرة الموصلة الى العلاقة الحقيقية.
7ـ أصغ الى نفسك: يمطرنا العالم عادةً بوابل من الكلام والصور والبلاغات التي تتطلّب كلها انتباهنا، فقد تأسرني هذه كلها الى حد أنني اهمل الاصغاء الى تلك الارشادات الاخرى الآتية من داخلي بالرغم من أهميتها، وهي دلالة على ما فيَّ من أنانية مرهفة، أو قساوة أو تعب، ومن رغبات عميقة تدعوني الى الابداعية والمبادرة ومن حقد ذليل، أو رغية في السيطرة … فعندما أفقد الايصال مع ذاتي في الداخل فمن الممكن أن أنقطع عن الحياة بقدر ما أنقطع عن الاصفاء.
8ـ تعلم أن تصغي الى ما لا يقوله الآخرون: أصغ بانتباه وحاول أن تسمع ما لا يقوله الآخر، ما يود أن يتمكن من قوله ولا يستطيع. في الواقع، كثيرون من الناس يتكلمون بسهولة عن السياسة والألعاب الرياضية وعن الشخصيات… أما ما يحاول الكثيرون أن يقولوه في الغالب هو: "اني منعزل، اني أرغب بشكل من أشكال العلاقات الشخصية والعميقة. أريد أن أكون أنا ذاتي". فمن شأن الاصغاء بالأذن الثالثة أن يساعد على أن تميز اشارات قلب يتألم فاحدى أهم حاجات زماننا هي أذن لها قلب.
9ـ تعلم أن تصغي على مهل: بامكان الادراك أن يتغير مع السن والخبرة. قال شاب من سن العشرين: "لما كان لي من العمر ست عشرة سنة، كنت على يقين أن أبي لا يعرف شيئاً. أما الآن وقد صرت في العشرين فإني متعجب من أن أرى كم أنه تعلّم بأربع سنوات! أثناء الرياضات الروحية يُسمع من كثيرين يقولون بالنسبة الى أحد مقاطع الأنجيل: "إني كمن يرى هذا النص للمرة الأولى!". وما ذلك إلاّ لأن سمعهم الباطني قد أزداد نمواً مع الزمن والخبرة.
"لا تجاوب قبل أن تسمع ولا تعترض حديث آخر قبل تمامه" (ابن سيراخ 11/8)