zen
07/11/2007, 11:29
كان لابد من بداية لحديثي مع الإمام علي بن أبي طالب، فاستأذنته بسؤالي الأول:
سيدي أمير المؤمنين. ما قولك عن الزمان الرديء الذي تعيشه أمتك؟
(يأتي على الناس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل. ولا يظرّف فيه إلاّ الفاجر، ولا يضعف فيه إلاّ المنصف. يعدون الصدقة فيه غُرما. وصلة الرحم مَنّا، والعبادة استطالة على الناس. فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء وإمارة الصبيان وتدبير الخصيان (...لكن) إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان).
لكن كيف يواجه المرء، يا أمير المؤمنين، آلة الحكم وسلطان الحاكم والوضع العربي كما نعرفه اليوم عاجز ومشلول ؟
(لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل ).
لم يعد الجور يا سيدي محصوراً فقط بشخص الحاكم، فالناس جميعهم يتسابقون إلى الاستبداد ببعضهم البعض!
(أفضلُ الولادة مَن بقي بالعدلِ ذِكره، واستمدَّه مَن يأتي بعده. (...و) السلطانُ الفاضلُ هو الذي يحرسُ الفضائل، ويجودُ بها لَمن دونَه، ويرعاها مِن خاصَّته وعامَّتِه، حتى تكثُر في أيامه، ويتحسَّن بها مَن لم تكن فيه. (...لكن ) زمانُ الجائِر من السلاطينِ والوُلاة أقصر من زمان العادل. لأن الجائرَ مُفسِد، والعادلَ مُصلِح، وإفسادُ الشيء أسرَع من إصلاحِه. (...إنما) عجباً للسلطان، كيفَ يُحسِن وهو إذا أساءَ وَجد مَن يُزكَّيه ويَمدحُه).
ما زلنا ـ بعد كل هذه الأعوام ـ رعايا في دول سلاطين بعكس ما هو مدون في الدساتير والقوانين.
فماذا ينصح خير السلف، الضحايا من الخلَف، خصوصاً أن الجامعات الحديثة لا تدرّس الرعايا أساليب التصرف مع السلاطين؟
(صاحب السلطان كراكب الأسد يغبَطُ بموقعه وهو أعلم بموضعه (...و) أضرُّ الأشياء عليك أن تُعلِمَ رئيسَك أنَّك أعرف بالرياسة منه. (... و)اصبر على سلطانك في حاجاتك، فلست أكبر شغله،ولا بكَ قِوامُ أمره.(..أما)
إذا قعدت عند سلطان فليكن بينك وبينه مقعدُ رجل، فلعلَّه أن يأتيه مَن هو آثرُ عنده منك، فيُريدَ أن تتنحَّى عن مجلسك، فيكون ذلك نقصاً عليك وشيناً. (...و) إذا خدمتَ رئيساً فلا تلبَس مثلَ ثوبه، ولا تركب مثلَ مركوبه،
ولا تستخدم كخدمه، فعساك تسلم منه. (...و) إذا زادك الملك تأنيساً، فزِدهُ إجلالاً).
ياأمير المؤمنين، الشعب العربي مبتلٍ بدوله وحكامه وإلى الآن لم تنفع كل العلاجات فما العمل؟
(صوابُ الرأي بالدول: يُقبلُ بإقبالها، ويذهب بذهابها. (...و) إزالةُ الجبال أسهل من إزالةِ دولةٍ أقبلت، فاستعينوا باللهِ يورثها من يشاء. (...لكن) أشرفُ الملوك مَن لم يُخالطه البَطَر، ولم يحُل عن الحق.(...و) أصحاب السلطانِ ـ في المَثَل ـ كقَوم رَقُوا جبلاً ثمَّ سقَطوا منه، فأقربُهُم إلى الهَلَكةً والتَّلفِ أبعدُهُم كان في المُرتَقَى).
يطالب السلطان بالعدل فيردُّ بضيق الصدر، فما هو الدواء؟
(آلة الرياسة سعة الصدر (...و) من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق).
ما هي يا سيدي أمير المؤمنين، المزايا التي على الحاكم أن يتجنبها؟
(لا ينبغي أن يكون الوالي (...) البخيل، فتكون في أموالهم نهمته. ولا الجاهل، فيضلهم بجهله، ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم. ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع).
وماذا عن العدو؟
(إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه).
لم نقدر على إسرائيل يا سيدي الإمام، لكننا نعيش عصر التطبيع معها فهل نصالح؟
(لا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضى. فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك. ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن).
أين الوطن يا سيدي الإمام، وقد أصبحنا كلنا نعيش في غربة قاسية؟
(ليس بلد بأحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك. (...) الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة).
إنهم يزيّنون لنا الفقر يا أمير المؤمنين، في عصر الغنى العربي.
(ألم أقل لابني محمد بن الحنفية:يا بُني إني أخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل داعية للمقت (...) الفقر هو الموت الأكبر (...) ولو كان الفقر رجلاً لقتلته).
لقد شح عطاؤنا يا أمير المؤمنين، حتى يوم كثر مالنا.
(لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه.(...) ومن كثرت نِعَمُ الله عليه كثرت حوائج الناس إليه.(..)
إن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرّمه في الناس ويهينه عند الله. (...لكن) ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى.(...) فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له).
لكن الحاجة تدفع إلى الطلب أحياناً كثيرة يا سيدي الإمام؟
(إن حفظ ما في يديك أحب إليّ من طلب ما في يد غيرك. ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس).
نرى صاحب المال يطمع بالمزيد منه!
(الطمع رق مؤبد).
ما الفرق بين العاقل والأحمق يا أمير المؤمنين؟
(لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لساته).
ماذا عن الأحمق؟
(إنه إن ينفعك يضرك).
والفاجر؟
(فإنه يبيعك بالتافه).
والكذاب؟
(فإنه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويبعّد عليك القريب).
أليس من الصعب الحكم على النوايا يا سيدي الإمام؟
(ما أضمر أحد شيئاً إلاّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه).
لقد اختلط عندنا الحق بالباطل فكيف نميّز بينهما؟
(الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت(...و) الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل إثمان: إثم العمل به وإثم الرضى به. (...و) مَن صارع الحق صرعه).
الكلام عن الظلم كثير يا سيدنا، أين يبدأ وأين ينتهي؟
(أُذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قُدرة الله عليك).
لقد أصبح الظلم من معالم أمتك يا سيدي الإمام. فكيف المنتهى؟
(الظلم ثلاثة: ظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب. (...و) يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم. (...و) يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم).
الفوضى كبيرة يا مولاي، فالحر يُذلّ والأوغاد يرفع شأنهم وينالون الحظوة فأين العدل؟
(العدل أفضل من الشجاعة، لأن الناس لو استعملوا العدل ـ عموماً ـ في جميعهم، لاستغنوا عن الشجاعة. (...و) عاملوا الأحرار بالكرامة المحضة، والأوساط بالرغبة والرهبة، والسّفلة بالهوان).
يعيش العالم المتحضر يا أمير المؤمنين في عصر العلم، بينما نحن نعيش في عصر السحر والشعوذة المتستر بالدين فماذا تقول؟
(تعلَّموا العلمَ صغاراً، تسودوا به كباراً، تعلموا العلمَ ولو لغير الله، فإنه سيصير لله. (...و) تعلَّموا العلم، وإن لم تنالو به حظاً، فلئن يُذمَّ الزمان لكم.. أحسن مِن أن يُذمَّ بِكم. (...و) العالمُ مصباح الله في الأرض، فمن أراد الله به خيراً اقتبس منه).
ما الفرق بين العالم والجاهل؟
(أول رأي العاقل، آخر رأي الجاهل. (...و) الجاهل صغير وإن كان شيخاً، والعالم كبير وإن كان حدثاً. (...لكن) العالم من عرف أن ما يُعلَم في جنب ما لا يعلم قليل، فعدَّ نفسه بذلك جاهلاً، بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهاداً. والجاهل من عدَّ نفسه بما جهل في معرفة العلم عالماً، وكان برأيه مكتفياً).
أيهما يفضل على الآخر العلم أم المال يا سيدي؟
(العلم خير من المال. والعلم يحرسك وأنت تحرس المال. المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق.
العلم حاكم والمال محكوم عليه. (...) إن المال من غير علم كالسائر على غير طريق).
ليس كل ما يحدث من ظواهر دينية في العالم العربي، ينطلق من الدين حقاً. هل تشاركني الرأي يا سيدي؟
(إن أخوف الأشياء على هذه الأمة من الدَّجّال، أئمة مضلون، وهم رؤساء أهل البدع. (...و) إن كلام الحُكماء إذا كان صواباً كان دواء، وإذا كان خطأ كان داء. (...) إحذر التَّلون في الدين).
أحوال العبادة في عالمنا قد ساءت يا سيدي الإمام. لم نعد ندري الصواب في عبادة الناس اليوم يا أمير المؤمنين، ووراء أي إمام نصلّي؟
(إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار. وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد. وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار).
أين حكمة أغنيائنا اليوم، ونحن نعيش في عصر هدر المال العربي؟
(إنما لم تجتمع الحكمة والمال، لعزة وجود الكمال. (...و) أنت مخيرٌ في الإحسان إلى من تُحسن إليه، ومرتهن بدوام الإحسان إلى مَن أحسنت إليه، لأنك إن قطعته فقد أهدرتَه، وإن أهدرتَه..فلم فعلته! (...لكن) شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزقُ، فإنه أخلقُ للغنى، وأجدر بإقبال الحظ عليه).
إن المال أفسد حياتنا، وقد تكالب الناس عليه، يا سيدي. فماذا ترى؟
(ثلاث يُؤثِرون المال على أنفسهم: تاجر البحر، وصاحب السلطان، والمُرتشي في الحكم. (...) إن الله ـ سبحانه ـ فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلاّ بما مُتِّع بع غني. والله تعالى سائلهم عن ذلك).
لقد مررنا يا خليفة رسول الله على مواضيع شتى ولكننا لم نتطرق من قريب أو بعيد على البخل والبخلاء.
لا شك أن لك آراء واضحة في هذا المجال؟
(إياك ومصادقه البخيل، فإنه يقعد بك عند أحوج ما تكون إليه. (...و) البخل جامع لمساوىء العيوب، وهو زمام يُقاد به إلى كل سوء. (...و) البخيل مستعجل الفقر: يعيش في الدنيا عيشَ الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء).
ما الفرق بين البخيل والسخي يا أمير المؤمنين؟
(البخيل يسخو من عِرضه بمقدار ما يبخَل به من ماله، والسَّخيُّ يبخَل من عِرضه بمقدار ما يسخو به من ماله. (...و) السَّخيُّ شجاع القلب، والبخيل شجاع الوجه. (...و) البُخل عار).
كيف نعرف الجاهل والمهان والذي تجوز عليه الرحمة يا أمير المؤمنين؟
(الجاهل يُعرف بست خصال: الغضب من غير شيء، والكلام في غير نفع، والعطيَّة في غير موضعها، وألاّ يعرف صديقه من عدوِّه، وإفشاء السِّرِّ، والثقة بكل أحد. (...و) ثمانية إذا أُهينوا فلا يلومون إلاّ أنفسهم: الآتي طعاماً لم يُدعَ إليه، والمتأمِّر على رب البيت في بيته، وطالب المعروف من غير أهله، والدَّاخل بين اثنين لم يُدخلاه، والمُستخِفُّ بالسلطان، والجالس مجلساً ليس له بأهل، والمُقبل بحديثه على من لا يسمعُه، ومَن جرَّب المُجرَّب. (...لكن) ثلاثة يُرحمون: عاقل يجري عليه حكم جاهل، وضعيف في يد ظالم قوي، وكريمُ قوم احتاج إلى لئيم).
هناك خيط رفيع بين الذل والكرامة. أليس كذلك يا إمام؟
(زهدُك في راغب فيك، نقصان حظٍّ، ورغبتُك في زاهد فيك ذلُّ نفس. (...و) التَّذلُّل مسكنة. (...لكن) التواضع إحدى مصايد الشَّرف).
الكآبة سمة من سمات هذا العصر، فما هي أسبابها؟
(ستة لا تُخطئُهم الكآبة: فقير حديثُ عهد بغنى، ومكثرٌ يخاف على ماله، وطالب مرتبة فوق قدره، والحسود، والحقود، ومخالط أهل الأدب، وليس بأديب).
ماذا عن إقبال الدنيا وإدبارها يا سيدي الإمام؟
(إذا أقبلت الدنيا على أحد، أعارته محاسن غيره، وإذا ادبرت عنه سلبته محاسن نفسه. (... و) وإذا أيسرتَ فكل الرجال رجالك، وإذا أعسرتَ أنكركَ أهلك (...و) إن كنت جازعاً على ما يفلتُ من يديك، فاجزع على ما لم يصل إلين. (...و) إذا أراد الله أن يسلط على عبد عدواً لا يرحمه سلَّط عليه حاسداً).
لقد صَعُبَت الكتابة علينا هذه الأيام، يا إمام؟
(تأمَّل ما تتحدَّث به، فإنما تُملي على كاتبيك صحيفة يُوَصِّلانها إلى ربك، فانظر: على من تُملي، وإلى من تكتب؟
ما هو الدليل إلى العمل الصالح في عهود الفساد؟
(إحذر كل عمل يعمل به في السر ويستحى منه في العلانية. واحذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه).
إننا نعيش زمن الهزائم المّرة والمتكررة، فما العمل؟
(الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر).
الجميع بات يعتقد أن التردي الحالي عائد إلى خلل في التكوين العربي؟
(من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن).
في صراعاتنا العربية عدنا إلى العصبية الجاهلية وداحس والغبراء فهل من نصيحة؟
(من كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق).
لقد أصبحنا اليوم كأمة من غير أصدقاء؟
(أعجزُ الناس من عجز عن اكتساب الأخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم. (...لكن) لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك).
هل ثمة أمل بعد كل هذا يا أمير المؤمنين؟
(من وثق بماء لم يظمأ).
ألا من مسك ختام لحديثنا هذا يا سيدي أمير المؤمنين؟
(ما أكثر العبر وأقل الاعتبار)
للأديب رياض نجيب الريس
بس يعني تحفة
بس ع الله ما تعتبرو نصائح دينية
:lol::lol::lol::lol:
سيدي أمير المؤمنين. ما قولك عن الزمان الرديء الذي تعيشه أمتك؟
(يأتي على الناس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل. ولا يظرّف فيه إلاّ الفاجر، ولا يضعف فيه إلاّ المنصف. يعدون الصدقة فيه غُرما. وصلة الرحم مَنّا، والعبادة استطالة على الناس. فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء وإمارة الصبيان وتدبير الخصيان (...لكن) إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان).
لكن كيف يواجه المرء، يا أمير المؤمنين، آلة الحكم وسلطان الحاكم والوضع العربي كما نعرفه اليوم عاجز ومشلول ؟
(لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل ).
لم يعد الجور يا سيدي محصوراً فقط بشخص الحاكم، فالناس جميعهم يتسابقون إلى الاستبداد ببعضهم البعض!
(أفضلُ الولادة مَن بقي بالعدلِ ذِكره، واستمدَّه مَن يأتي بعده. (...و) السلطانُ الفاضلُ هو الذي يحرسُ الفضائل، ويجودُ بها لَمن دونَه، ويرعاها مِن خاصَّته وعامَّتِه، حتى تكثُر في أيامه، ويتحسَّن بها مَن لم تكن فيه. (...لكن ) زمانُ الجائِر من السلاطينِ والوُلاة أقصر من زمان العادل. لأن الجائرَ مُفسِد، والعادلَ مُصلِح، وإفسادُ الشيء أسرَع من إصلاحِه. (...إنما) عجباً للسلطان، كيفَ يُحسِن وهو إذا أساءَ وَجد مَن يُزكَّيه ويَمدحُه).
ما زلنا ـ بعد كل هذه الأعوام ـ رعايا في دول سلاطين بعكس ما هو مدون في الدساتير والقوانين.
فماذا ينصح خير السلف، الضحايا من الخلَف، خصوصاً أن الجامعات الحديثة لا تدرّس الرعايا أساليب التصرف مع السلاطين؟
(صاحب السلطان كراكب الأسد يغبَطُ بموقعه وهو أعلم بموضعه (...و) أضرُّ الأشياء عليك أن تُعلِمَ رئيسَك أنَّك أعرف بالرياسة منه. (... و)اصبر على سلطانك في حاجاتك، فلست أكبر شغله،ولا بكَ قِوامُ أمره.(..أما)
إذا قعدت عند سلطان فليكن بينك وبينه مقعدُ رجل، فلعلَّه أن يأتيه مَن هو آثرُ عنده منك، فيُريدَ أن تتنحَّى عن مجلسك، فيكون ذلك نقصاً عليك وشيناً. (...و) إذا خدمتَ رئيساً فلا تلبَس مثلَ ثوبه، ولا تركب مثلَ مركوبه،
ولا تستخدم كخدمه، فعساك تسلم منه. (...و) إذا زادك الملك تأنيساً، فزِدهُ إجلالاً).
ياأمير المؤمنين، الشعب العربي مبتلٍ بدوله وحكامه وإلى الآن لم تنفع كل العلاجات فما العمل؟
(صوابُ الرأي بالدول: يُقبلُ بإقبالها، ويذهب بذهابها. (...و) إزالةُ الجبال أسهل من إزالةِ دولةٍ أقبلت، فاستعينوا باللهِ يورثها من يشاء. (...لكن) أشرفُ الملوك مَن لم يُخالطه البَطَر، ولم يحُل عن الحق.(...و) أصحاب السلطانِ ـ في المَثَل ـ كقَوم رَقُوا جبلاً ثمَّ سقَطوا منه، فأقربُهُم إلى الهَلَكةً والتَّلفِ أبعدُهُم كان في المُرتَقَى).
يطالب السلطان بالعدل فيردُّ بضيق الصدر، فما هو الدواء؟
(آلة الرياسة سعة الصدر (...و) من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق).
ما هي يا سيدي أمير المؤمنين، المزايا التي على الحاكم أن يتجنبها؟
(لا ينبغي أن يكون الوالي (...) البخيل، فتكون في أموالهم نهمته. ولا الجاهل، فيضلهم بجهله، ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم. ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع).
وماذا عن العدو؟
(إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه).
لم نقدر على إسرائيل يا سيدي الإمام، لكننا نعيش عصر التطبيع معها فهل نصالح؟
(لا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضى. فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك. ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن).
أين الوطن يا سيدي الإمام، وقد أصبحنا كلنا نعيش في غربة قاسية؟
(ليس بلد بأحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك. (...) الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة).
إنهم يزيّنون لنا الفقر يا أمير المؤمنين، في عصر الغنى العربي.
(ألم أقل لابني محمد بن الحنفية:يا بُني إني أخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل داعية للمقت (...) الفقر هو الموت الأكبر (...) ولو كان الفقر رجلاً لقتلته).
لقد شح عطاؤنا يا أمير المؤمنين، حتى يوم كثر مالنا.
(لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه.(...) ومن كثرت نِعَمُ الله عليه كثرت حوائج الناس إليه.(..)
إن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرّمه في الناس ويهينه عند الله. (...لكن) ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى.(...) فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له).
لكن الحاجة تدفع إلى الطلب أحياناً كثيرة يا سيدي الإمام؟
(إن حفظ ما في يديك أحب إليّ من طلب ما في يد غيرك. ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس).
نرى صاحب المال يطمع بالمزيد منه!
(الطمع رق مؤبد).
ما الفرق بين العاقل والأحمق يا أمير المؤمنين؟
(لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لساته).
ماذا عن الأحمق؟
(إنه إن ينفعك يضرك).
والفاجر؟
(فإنه يبيعك بالتافه).
والكذاب؟
(فإنه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويبعّد عليك القريب).
أليس من الصعب الحكم على النوايا يا سيدي الإمام؟
(ما أضمر أحد شيئاً إلاّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه).
لقد اختلط عندنا الحق بالباطل فكيف نميّز بينهما؟
(الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت(...و) الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل إثمان: إثم العمل به وإثم الرضى به. (...و) مَن صارع الحق صرعه).
الكلام عن الظلم كثير يا سيدنا، أين يبدأ وأين ينتهي؟
(أُذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قُدرة الله عليك).
لقد أصبح الظلم من معالم أمتك يا سيدي الإمام. فكيف المنتهى؟
(الظلم ثلاثة: ظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب. (...و) يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم. (...و) يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم).
الفوضى كبيرة يا مولاي، فالحر يُذلّ والأوغاد يرفع شأنهم وينالون الحظوة فأين العدل؟
(العدل أفضل من الشجاعة، لأن الناس لو استعملوا العدل ـ عموماً ـ في جميعهم، لاستغنوا عن الشجاعة. (...و) عاملوا الأحرار بالكرامة المحضة، والأوساط بالرغبة والرهبة، والسّفلة بالهوان).
يعيش العالم المتحضر يا أمير المؤمنين في عصر العلم، بينما نحن نعيش في عصر السحر والشعوذة المتستر بالدين فماذا تقول؟
(تعلَّموا العلمَ صغاراً، تسودوا به كباراً، تعلموا العلمَ ولو لغير الله، فإنه سيصير لله. (...و) تعلَّموا العلم، وإن لم تنالو به حظاً، فلئن يُذمَّ الزمان لكم.. أحسن مِن أن يُذمَّ بِكم. (...و) العالمُ مصباح الله في الأرض، فمن أراد الله به خيراً اقتبس منه).
ما الفرق بين العالم والجاهل؟
(أول رأي العاقل، آخر رأي الجاهل. (...و) الجاهل صغير وإن كان شيخاً، والعالم كبير وإن كان حدثاً. (...لكن) العالم من عرف أن ما يُعلَم في جنب ما لا يعلم قليل، فعدَّ نفسه بذلك جاهلاً، بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهاداً. والجاهل من عدَّ نفسه بما جهل في معرفة العلم عالماً، وكان برأيه مكتفياً).
أيهما يفضل على الآخر العلم أم المال يا سيدي؟
(العلم خير من المال. والعلم يحرسك وأنت تحرس المال. المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق.
العلم حاكم والمال محكوم عليه. (...) إن المال من غير علم كالسائر على غير طريق).
ليس كل ما يحدث من ظواهر دينية في العالم العربي، ينطلق من الدين حقاً. هل تشاركني الرأي يا سيدي؟
(إن أخوف الأشياء على هذه الأمة من الدَّجّال، أئمة مضلون، وهم رؤساء أهل البدع. (...و) إن كلام الحُكماء إذا كان صواباً كان دواء، وإذا كان خطأ كان داء. (...) إحذر التَّلون في الدين).
أحوال العبادة في عالمنا قد ساءت يا سيدي الإمام. لم نعد ندري الصواب في عبادة الناس اليوم يا أمير المؤمنين، ووراء أي إمام نصلّي؟
(إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار. وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد. وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار).
أين حكمة أغنيائنا اليوم، ونحن نعيش في عصر هدر المال العربي؟
(إنما لم تجتمع الحكمة والمال، لعزة وجود الكمال. (...و) أنت مخيرٌ في الإحسان إلى من تُحسن إليه، ومرتهن بدوام الإحسان إلى مَن أحسنت إليه، لأنك إن قطعته فقد أهدرتَه، وإن أهدرتَه..فلم فعلته! (...لكن) شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزقُ، فإنه أخلقُ للغنى، وأجدر بإقبال الحظ عليه).
إن المال أفسد حياتنا، وقد تكالب الناس عليه، يا سيدي. فماذا ترى؟
(ثلاث يُؤثِرون المال على أنفسهم: تاجر البحر، وصاحب السلطان، والمُرتشي في الحكم. (...) إن الله ـ سبحانه ـ فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلاّ بما مُتِّع بع غني. والله تعالى سائلهم عن ذلك).
لقد مررنا يا خليفة رسول الله على مواضيع شتى ولكننا لم نتطرق من قريب أو بعيد على البخل والبخلاء.
لا شك أن لك آراء واضحة في هذا المجال؟
(إياك ومصادقه البخيل، فإنه يقعد بك عند أحوج ما تكون إليه. (...و) البخل جامع لمساوىء العيوب، وهو زمام يُقاد به إلى كل سوء. (...و) البخيل مستعجل الفقر: يعيش في الدنيا عيشَ الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء).
ما الفرق بين البخيل والسخي يا أمير المؤمنين؟
(البخيل يسخو من عِرضه بمقدار ما يبخَل به من ماله، والسَّخيُّ يبخَل من عِرضه بمقدار ما يسخو به من ماله. (...و) السَّخيُّ شجاع القلب، والبخيل شجاع الوجه. (...و) البُخل عار).
كيف نعرف الجاهل والمهان والذي تجوز عليه الرحمة يا أمير المؤمنين؟
(الجاهل يُعرف بست خصال: الغضب من غير شيء، والكلام في غير نفع، والعطيَّة في غير موضعها، وألاّ يعرف صديقه من عدوِّه، وإفشاء السِّرِّ، والثقة بكل أحد. (...و) ثمانية إذا أُهينوا فلا يلومون إلاّ أنفسهم: الآتي طعاماً لم يُدعَ إليه، والمتأمِّر على رب البيت في بيته، وطالب المعروف من غير أهله، والدَّاخل بين اثنين لم يُدخلاه، والمُستخِفُّ بالسلطان، والجالس مجلساً ليس له بأهل، والمُقبل بحديثه على من لا يسمعُه، ومَن جرَّب المُجرَّب. (...لكن) ثلاثة يُرحمون: عاقل يجري عليه حكم جاهل، وضعيف في يد ظالم قوي، وكريمُ قوم احتاج إلى لئيم).
هناك خيط رفيع بين الذل والكرامة. أليس كذلك يا إمام؟
(زهدُك في راغب فيك، نقصان حظٍّ، ورغبتُك في زاهد فيك ذلُّ نفس. (...و) التَّذلُّل مسكنة. (...لكن) التواضع إحدى مصايد الشَّرف).
الكآبة سمة من سمات هذا العصر، فما هي أسبابها؟
(ستة لا تُخطئُهم الكآبة: فقير حديثُ عهد بغنى، ومكثرٌ يخاف على ماله، وطالب مرتبة فوق قدره، والحسود، والحقود، ومخالط أهل الأدب، وليس بأديب).
ماذا عن إقبال الدنيا وإدبارها يا سيدي الإمام؟
(إذا أقبلت الدنيا على أحد، أعارته محاسن غيره، وإذا ادبرت عنه سلبته محاسن نفسه. (... و) وإذا أيسرتَ فكل الرجال رجالك، وإذا أعسرتَ أنكركَ أهلك (...و) إن كنت جازعاً على ما يفلتُ من يديك، فاجزع على ما لم يصل إلين. (...و) إذا أراد الله أن يسلط على عبد عدواً لا يرحمه سلَّط عليه حاسداً).
لقد صَعُبَت الكتابة علينا هذه الأيام، يا إمام؟
(تأمَّل ما تتحدَّث به، فإنما تُملي على كاتبيك صحيفة يُوَصِّلانها إلى ربك، فانظر: على من تُملي، وإلى من تكتب؟
ما هو الدليل إلى العمل الصالح في عهود الفساد؟
(إحذر كل عمل يعمل به في السر ويستحى منه في العلانية. واحذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه).
إننا نعيش زمن الهزائم المّرة والمتكررة، فما العمل؟
(الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر).
الجميع بات يعتقد أن التردي الحالي عائد إلى خلل في التكوين العربي؟
(من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن).
في صراعاتنا العربية عدنا إلى العصبية الجاهلية وداحس والغبراء فهل من نصيحة؟
(من كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق).
لقد أصبحنا اليوم كأمة من غير أصدقاء؟
(أعجزُ الناس من عجز عن اكتساب الأخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم. (...لكن) لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك).
هل ثمة أمل بعد كل هذا يا أمير المؤمنين؟
(من وثق بماء لم يظمأ).
ألا من مسك ختام لحديثنا هذا يا سيدي أمير المؤمنين؟
(ما أكثر العبر وأقل الاعتبار)
للأديب رياض نجيب الريس
بس يعني تحفة
بس ع الله ما تعتبرو نصائح دينية
:lol::lol::lol::lol: