verocchio
05/11/2007, 02:27
"... لم يكن قد أكمل الحادية والخمسين حين وقع صريع المرض وصار يبدو وكأنه شيخ في الثمانين يرزح تحت وطأة الأوجاع والصراع النفسي والجسدي الهائل. وقع ضحية تطرّف في كل شيء ولم يكن يرضى بأقل من حياة صاخبة تضج بالممنوعات وبالشغف الذي لا يعرف الحدود: انه الشاعر رلين الذي ألهب باريس بأشعاره وانطفأ باكراً...".
هذا الكلام مأخوذ من السيرة ـ الحكاية "آه، رلين" التي صدرت في فرنسا للمؤلف جان تولييه عن دار "جوييرار" وتروي الفصل الأخير من حياة رلين وكان يمكن أن يكون عنوانها "الأيام الأخيرة من حياة الشاعر رلين" وتكون وثيقة قيّمة لتؤرخ هذه المرحلة من حياته بجدية وبجمالية وهي تستند الى وثائق حقيقية وتروي بأمانة كل ما حدث مع الشاعر من لحظة اكتشافه لتطوّر مرضه الذي بدأ منذ أعوام إثر التهابات أصابت رجله وجعلته غير قادر على المشي بسهولة. بقي يتمالك أوجاعه ويسير في شوارع باريس ويكتب الشعر ويحب ويشرب الكحول الى حدّ أوصله الى الهلاك. لم يكن يرضى بالامتناع عن الكحول الأمر الذي جعل المرض يتفاقم: "... غرقت ذاكرته في النسيان وصارت كتاباته نادرة، ووقع أسير هلوساته وأسير أوجاع لا تطاق في رجله الملتهبة "بالسم الأخضر"...".
أمام سرير هذا المحتضر يضعنا الكاتب جان تولييه، لكنه في روايته يخرجه الى الشارع وكأنه بطل من شرفة المريض الى العالم الخارجي، فيصف باريس في نهاية القرن التاسع عشر منها فقط كل ما له صلة بالشاعر المحتضر. ويروي قصة مراهق شاب مغرم بالشعر ومولع برلين وبكتاباته، يصل المستشفى حيث يرقد بول رلين ويقرر البقاء لخدمته كحارس أمين يسهر على آلامه وأوجاعه ولحظات الصحو والصفاء النادرة.
استوحى الكاتب هذه الشخصية للفتى المراهق من حادثة وقعت فعلاً في حياة رلين: "... في خريف 1895، وصل شاب مراهق يرتدي قبعة وحذاء ضخمين وطرق باب الناشر انييه في شارع "سان ـ ميشال". انه هنري ـ ألبير الصغير القادم من منطقة بيزييه ليلتقي الشاعر الكبير رلين قبل رحيله لأنه من معجبيه الى حد كبير..." وجده أخيراً وبعد طول عناء في غرفته الصغيرة تخدمه مومس معروفة في المنطقة كانت عرفته سابقاً وأشفقت عليه في مرحلة المرض. كان يزوره العديد من الأصحاب والأعداء والفضوليين، وكان في وضع سيئ الى أقصى الدرجات. بقي معه هنري ـ ألبير وخدمه بمحبة لا توصف وانتقل معه الى "مستشفى بروسييه" في باريس حين دعت الحاجة الى ذلك.
ويصف الكاتب: "... استمع الى صراخه في الليل وعالجه بالمسكنات ورافق هدوءه في لحظات كثيرة واستمع إليه والتقى العديد من أصدقائه الشعراء حين كانوا يزورونه"...
هذا الشاب رافق رلين في رحلته الأخيرة وانتقل معه من دور المعجب الى دور الحاضن والمؤرخ إذ دوّن كل الملاحظات الأخيرة. في هذا القالب يروي جان تولييه الفصل الأخير من حياة رلين وبأسلوب مشوّق يدعو القارئ الى مشهدية متخيلة وكأن اللحظات تتجسد في إيقاع الرحيل البطيء والوداع الأخير.
المستقبل
السبت 28 شباط 2004
هذا الكلام مأخوذ من السيرة ـ الحكاية "آه، رلين" التي صدرت في فرنسا للمؤلف جان تولييه عن دار "جوييرار" وتروي الفصل الأخير من حياة رلين وكان يمكن أن يكون عنوانها "الأيام الأخيرة من حياة الشاعر رلين" وتكون وثيقة قيّمة لتؤرخ هذه المرحلة من حياته بجدية وبجمالية وهي تستند الى وثائق حقيقية وتروي بأمانة كل ما حدث مع الشاعر من لحظة اكتشافه لتطوّر مرضه الذي بدأ منذ أعوام إثر التهابات أصابت رجله وجعلته غير قادر على المشي بسهولة. بقي يتمالك أوجاعه ويسير في شوارع باريس ويكتب الشعر ويحب ويشرب الكحول الى حدّ أوصله الى الهلاك. لم يكن يرضى بالامتناع عن الكحول الأمر الذي جعل المرض يتفاقم: "... غرقت ذاكرته في النسيان وصارت كتاباته نادرة، ووقع أسير هلوساته وأسير أوجاع لا تطاق في رجله الملتهبة "بالسم الأخضر"...".
أمام سرير هذا المحتضر يضعنا الكاتب جان تولييه، لكنه في روايته يخرجه الى الشارع وكأنه بطل من شرفة المريض الى العالم الخارجي، فيصف باريس في نهاية القرن التاسع عشر منها فقط كل ما له صلة بالشاعر المحتضر. ويروي قصة مراهق شاب مغرم بالشعر ومولع برلين وبكتاباته، يصل المستشفى حيث يرقد بول رلين ويقرر البقاء لخدمته كحارس أمين يسهر على آلامه وأوجاعه ولحظات الصحو والصفاء النادرة.
استوحى الكاتب هذه الشخصية للفتى المراهق من حادثة وقعت فعلاً في حياة رلين: "... في خريف 1895، وصل شاب مراهق يرتدي قبعة وحذاء ضخمين وطرق باب الناشر انييه في شارع "سان ـ ميشال". انه هنري ـ ألبير الصغير القادم من منطقة بيزييه ليلتقي الشاعر الكبير رلين قبل رحيله لأنه من معجبيه الى حد كبير..." وجده أخيراً وبعد طول عناء في غرفته الصغيرة تخدمه مومس معروفة في المنطقة كانت عرفته سابقاً وأشفقت عليه في مرحلة المرض. كان يزوره العديد من الأصحاب والأعداء والفضوليين، وكان في وضع سيئ الى أقصى الدرجات. بقي معه هنري ـ ألبير وخدمه بمحبة لا توصف وانتقل معه الى "مستشفى بروسييه" في باريس حين دعت الحاجة الى ذلك.
ويصف الكاتب: "... استمع الى صراخه في الليل وعالجه بالمسكنات ورافق هدوءه في لحظات كثيرة واستمع إليه والتقى العديد من أصدقائه الشعراء حين كانوا يزورونه"...
هذا الشاب رافق رلين في رحلته الأخيرة وانتقل معه من دور المعجب الى دور الحاضن والمؤرخ إذ دوّن كل الملاحظات الأخيرة. في هذا القالب يروي جان تولييه الفصل الأخير من حياة رلين وبأسلوب مشوّق يدعو القارئ الى مشهدية متخيلة وكأن اللحظات تتجسد في إيقاع الرحيل البطيء والوداع الأخير.
المستقبل
السبت 28 شباط 2004