ما بعرف
26/10/2007, 10:45
لو كان في لبنان «دولة» لكان السفير الأميركي في بيروت السيد جيفري فيلتمان قد «أُعيد» إلى دولته، مع أطيب التمنيات.
فلم يحدث في تاريخ العلاقات بين الدول ان أعطى سفير أجنبي لنفسه حق التدخل المباشر عبر الاتصالات الشخصية المعلن منها والمغلق، المفتوح منها والسري، أو عبر التصريحات اليومية المتلفزة، وأخيراً عبر المقالات الصحافية التي تتناول أدق الشؤون الداخلية لـ«الدولة» المعتمد لديها، بحيث انه بات ينافس، إضافة إلى السياسيين المحترفين، مقدمي البرامج التلفزيونية ومذيعي نشرات الأخبار بمقدماتها الطريفة التي لا شبيه لها ولا مثيل!
إن سعادة السفير الذي قدم أوراق اعتماده إلى رئيس الجمهورية «لا يعترف» الآن بهذا الرئيس، بل انه يتحداه، شخصياً، بأسلوب فج لا يقبله حتى خصومه المحليون... وإذا كان للخصوم حق معارضة «الحاكم» حتى لو كان رئيساً للجمهورية، فلم نعرف سابقة دولية تتيح لسفير معتمد من هذا الرئيس، ويستطيع اعتباره «شخصاً غير مرغوب فيه» والمطالبة بسحبه، ان يشن عليه حملات اعلامية يومية وتمس ـ بمعنى ما ـ رمزيته بوصفه، حتى آخر يوم من ولايته، وبغض النظر عن الرأي فيه، «رئيس البلاد».
ثم ان لسعادة السفير رأيه في المؤسسات الدستورية، بل وفي الدستور ذاته وموجبات تعديله أو موانع هذا التعديل، فضلاً عن الحكومة وشرعيتها (بوصفها منتخبة ديموقراطياً!!) والمجلس النيابي ودوره ومواعيد فتح أبوابه أو إقفالها (حفاظاً على دوره الحيوي)... أما المعارضة فهو لا يفتأ يشهّر بها، جملة، ويجرّح بهيئاتها السياسية وأركانها وشخصياتها، وكأنه «ابن البلد» أو أحد «مرجعياته» الكبار، بالمعنى الدستوري والقانوني والشعبي أيضاً..
... بل ان سعادته يتجاوز الحدود جميعاً وهو لا يكتفي بتبرئة إسرائيل من جريمة شنها الحرب على لبنان، بذريعة من قش، بل انه يزوّر الحقائق فيقلب الوقائع ليقرر ـ من بعد ـ ان يدين «حزب الله» ويحمله مسؤولية ما نجم عن هذه الحرب من خسائر فادحة في العمران والإنسان، وكل العالم يعرف ان إدارته في واشنطن هي التي قررت وفرضت على حليفها الأبدي ايهود أولمرت تحويل «الاشتباك»، المتكرر والمألوف، إلى «حرب» لم يكن مستعداً لها، وهي التي أجبرته على مد أجلها لإلحاق أفدح الخسائر بلبنان، دولة وشعباً، مؤسسات ومرافق، حتى لو لحق بإسرائيل ما لا تطيق من الخسائر المادية والمعنوية، ولا سيما ما يتصل بهيبة جيشها الذي كان لا يقهر فقهر..
... حتى انه لم يتوقف لحظة أمام شهداء الجيش الذين «اغتالت» إسرائيل معظمهم وهم نيام في مهاجعهم على بعد أمتار من مبنى وزارة الدفاع،
وهو هو الجيش الذي يتبجح الآن سعادة السفير بأن المساعدات الأميركية له قد قفزت من «الصفر» إلى ربع مليار دولار، مع وعد بزيادتها إلى نصف مليار، قريباً... مع تناسي ان هذا «الكرم» المفاجئ قد جاء مواكباً لطلب صريح بتعديل في العقيدة القتالية للجيش بحيث تصبح سوريا هي «العدو» بدلاً من إسرائيل، فضلاً عن مطالبة معلنة «بشراكة استراتيجية» تتمثل في السماح لـ«الخبراء العسكريين» الأميركيين بأن يكونوا «إلى جانب» الجنود اللبنانيين في بعض «المراكز»، وبينها مواقع الرادار فوق قمم الجبال، وبعض المرافئ المطلة على الشاطئ السوري، أو التي تفيد منها إسرائيل في رصد تحركات المقاومة على الساحل الجنوبي.
... وهو هو الجيش الذي يتفجع السفير فيلتمان على شهدائه في المواجهة التي فرضت عليه، زماناً ومكاناً، مع عصابة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد،
كأنما من سقط من ضباط الجيش وجنوده في مواجهة لم يستعد لها، وفرضتها عملياً الإدارة الأميركية عبر جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا يستحقون من سعادته أية إشارة، لأن القاتل هو حليفه الإسرائيلي،
... والسفير فيلتمان (للمناسبة) أمضى دورات تدريبية طويلة في فلسطين المحتلة، وله في إسرائيل من الصداقات والعلاقات أكثر بكثير مما له في قيادة «ثورة الأرز» من اللبنانيين، لكنه هناك كان يعرف حدوده ـ برغم انه الصديق الصدوق!! ـ فيلتزم بها، بينما هو هنا حر طليق يقول ما يخطر بباله، يهاجم من شاء، ويوجه الاهانات إلى من لا يلتزم «بالتحالف الاستراتيجي» مع شريك الإسرائيلي في توطيد احتلاله فلسطين، ومن لا يدافع عن جريمة احتلال العراق وتمزيق الروابط بين شعبه الواحد والسعي لتمزيق كيانه بالفتن الطائفية والمذهبية والعنصرية.
... أما في أوقات الفراغ فيمكن لسعادة السفير ان يقصد أعالي الجبال لكي يشارك «أصدقاءه» الفلاحين في جني موسمهم من التفاح. والتفاح كما تعلمون «سلاح» الغواية!
أقصى الطموح، لبنانياً، الآن، ان يغادرنا سعادة السفير قبل ان تأتي النار التي يحرص على النفخ فيها كل يوم، فتحرق آخر ما تبقى من «لبنان الأخضر»، مؤسسات ودستوراً ورئاسات... وأشجاراً مثمرة!
فلم يحدث في تاريخ العلاقات بين الدول ان أعطى سفير أجنبي لنفسه حق التدخل المباشر عبر الاتصالات الشخصية المعلن منها والمغلق، المفتوح منها والسري، أو عبر التصريحات اليومية المتلفزة، وأخيراً عبر المقالات الصحافية التي تتناول أدق الشؤون الداخلية لـ«الدولة» المعتمد لديها، بحيث انه بات ينافس، إضافة إلى السياسيين المحترفين، مقدمي البرامج التلفزيونية ومذيعي نشرات الأخبار بمقدماتها الطريفة التي لا شبيه لها ولا مثيل!
إن سعادة السفير الذي قدم أوراق اعتماده إلى رئيس الجمهورية «لا يعترف» الآن بهذا الرئيس، بل انه يتحداه، شخصياً، بأسلوب فج لا يقبله حتى خصومه المحليون... وإذا كان للخصوم حق معارضة «الحاكم» حتى لو كان رئيساً للجمهورية، فلم نعرف سابقة دولية تتيح لسفير معتمد من هذا الرئيس، ويستطيع اعتباره «شخصاً غير مرغوب فيه» والمطالبة بسحبه، ان يشن عليه حملات اعلامية يومية وتمس ـ بمعنى ما ـ رمزيته بوصفه، حتى آخر يوم من ولايته، وبغض النظر عن الرأي فيه، «رئيس البلاد».
ثم ان لسعادة السفير رأيه في المؤسسات الدستورية، بل وفي الدستور ذاته وموجبات تعديله أو موانع هذا التعديل، فضلاً عن الحكومة وشرعيتها (بوصفها منتخبة ديموقراطياً!!) والمجلس النيابي ودوره ومواعيد فتح أبوابه أو إقفالها (حفاظاً على دوره الحيوي)... أما المعارضة فهو لا يفتأ يشهّر بها، جملة، ويجرّح بهيئاتها السياسية وأركانها وشخصياتها، وكأنه «ابن البلد» أو أحد «مرجعياته» الكبار، بالمعنى الدستوري والقانوني والشعبي أيضاً..
... بل ان سعادته يتجاوز الحدود جميعاً وهو لا يكتفي بتبرئة إسرائيل من جريمة شنها الحرب على لبنان، بذريعة من قش، بل انه يزوّر الحقائق فيقلب الوقائع ليقرر ـ من بعد ـ ان يدين «حزب الله» ويحمله مسؤولية ما نجم عن هذه الحرب من خسائر فادحة في العمران والإنسان، وكل العالم يعرف ان إدارته في واشنطن هي التي قررت وفرضت على حليفها الأبدي ايهود أولمرت تحويل «الاشتباك»، المتكرر والمألوف، إلى «حرب» لم يكن مستعداً لها، وهي التي أجبرته على مد أجلها لإلحاق أفدح الخسائر بلبنان، دولة وشعباً، مؤسسات ومرافق، حتى لو لحق بإسرائيل ما لا تطيق من الخسائر المادية والمعنوية، ولا سيما ما يتصل بهيبة جيشها الذي كان لا يقهر فقهر..
... حتى انه لم يتوقف لحظة أمام شهداء الجيش الذين «اغتالت» إسرائيل معظمهم وهم نيام في مهاجعهم على بعد أمتار من مبنى وزارة الدفاع،
وهو هو الجيش الذي يتبجح الآن سعادة السفير بأن المساعدات الأميركية له قد قفزت من «الصفر» إلى ربع مليار دولار، مع وعد بزيادتها إلى نصف مليار، قريباً... مع تناسي ان هذا «الكرم» المفاجئ قد جاء مواكباً لطلب صريح بتعديل في العقيدة القتالية للجيش بحيث تصبح سوريا هي «العدو» بدلاً من إسرائيل، فضلاً عن مطالبة معلنة «بشراكة استراتيجية» تتمثل في السماح لـ«الخبراء العسكريين» الأميركيين بأن يكونوا «إلى جانب» الجنود اللبنانيين في بعض «المراكز»، وبينها مواقع الرادار فوق قمم الجبال، وبعض المرافئ المطلة على الشاطئ السوري، أو التي تفيد منها إسرائيل في رصد تحركات المقاومة على الساحل الجنوبي.
... وهو هو الجيش الذي يتفجع السفير فيلتمان على شهدائه في المواجهة التي فرضت عليه، زماناً ومكاناً، مع عصابة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد،
كأنما من سقط من ضباط الجيش وجنوده في مواجهة لم يستعد لها، وفرضتها عملياً الإدارة الأميركية عبر جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا يستحقون من سعادته أية إشارة، لأن القاتل هو حليفه الإسرائيلي،
... والسفير فيلتمان (للمناسبة) أمضى دورات تدريبية طويلة في فلسطين المحتلة، وله في إسرائيل من الصداقات والعلاقات أكثر بكثير مما له في قيادة «ثورة الأرز» من اللبنانيين، لكنه هناك كان يعرف حدوده ـ برغم انه الصديق الصدوق!! ـ فيلتزم بها، بينما هو هنا حر طليق يقول ما يخطر بباله، يهاجم من شاء، ويوجه الاهانات إلى من لا يلتزم «بالتحالف الاستراتيجي» مع شريك الإسرائيلي في توطيد احتلاله فلسطين، ومن لا يدافع عن جريمة احتلال العراق وتمزيق الروابط بين شعبه الواحد والسعي لتمزيق كيانه بالفتن الطائفية والمذهبية والعنصرية.
... أما في أوقات الفراغ فيمكن لسعادة السفير ان يقصد أعالي الجبال لكي يشارك «أصدقاءه» الفلاحين في جني موسمهم من التفاح. والتفاح كما تعلمون «سلاح» الغواية!
أقصى الطموح، لبنانياً، الآن، ان يغادرنا سعادة السفير قبل ان تأتي النار التي يحرص على النفخ فيها كل يوم، فتحرق آخر ما تبقى من «لبنان الأخضر»، مؤسسات ودستوراً ورئاسات... وأشجاراً مثمرة!