-
دخول

عرض كامل الموضوع : قصص لطالب ابراهيم


Nay
13/10/2007, 10:26
قناص

ربّى دود القز، فتركت زوجته المنزل، وعادت لذويها
قرفاً من الدود الأبيض بحبوب منقط سوداء ذي الرائحة الرّطبة.
انتهى ذاك الموسم، عندما غرز الدّود بالدّبابيس المعدنية،
ورشّ بها طرق المدينة، وأزقّتها، ومنزل زوجته التي تقرف..!!

ربّى أرنباً أبيض جميلاً، وعرف بطريق الصّدفة، أنّ جاره سيسرقه،
ويذبحه في عيد الميلاد…!!
أخذ أرنبه إلى حقل بعيد في أطراف المدينة، وأطلقة،
وقبل أن يغيب، رفع بندقيته…
ثبّتها في حفرة الكتف، وصوّب بأناة،وأطلق ثم أعاده ميّتاً،
وزرعه أمام منزل الجار في ليلة عيد الميلاد..

لم يبق واحدٌ من جيرانه إلاّ وأبدى استياءه من زرق الحمام ومن
صوته المزعج.حمل الحمام بأقفاص إلى آخر المدينة،
وأطلقه، ثم عاد منكسر الخاطر إلى منزله، لكنّ الحمام كان قد سبقه.
لم تغب ولا حمامة ولا واحدة.
كان يطعمه من يديه. يضع الحبّ في فمه، ويفتحه، فينقر
الحمام الحبّ من هناك.
أحياناً كان يتثاءب، فتتقدم حمامه، لتنقر الحبّ، لكنها تجده
كتلةً حمراء مجوّفة وفارغة، فتنقر اللّسان، وتفرّ هاربة،
ليغرق في ضحك، لا يقطعه إلا سعال مزمن، جافٌ ومؤلم.
يُطيِّر الحمام، ويحتفظ بواحدة في يديه، يدور الحمام عالياً فوق
أسطح المدينة، ولحظة يتعب الجناح، ويميل نحو الغروب، يلوّح،
بالحمامة المقيّدة، والتي ترفّ في يديه، فيهب السرِّب، ويحطّ على
سياج السطح، ثم يهدل، ويحبو كالأطفال إلى أعشاشه من
القصب والحشيش.
يومها كان الجو غائماً…
طيّر الحمام. كل الحمام. حلق عالياً. دار في حلقات واسعة الألوان.
راقب المشهد بخدر شديد. تهدّل رأسه على كتفه من ثقل الانتشاء،
ثم قرصته عيون البشر، فتذكّر!!
ثبّت بندقيته في حفرة كتفه، وصوّب بأناة، وأطلق.
واحدة.. اثنتان… ثلاث.. تمزّق حبل السِّرب،
وتهاوت واحدة.. اثنتان… ثلاث…
تهاوت مشبعة بالدّم والحرارة فوق أسطح المدينة.
تفرّق الحمام..
قبل المغيب..!! قبل المغيب بقليل، كان زوج حمام على سطح منزله،
يهدل جزعاً، ويبحث بعيون راعشةٍ عن عشّه بين القصب المكسور..!!

Nay
14/10/2007, 09:59
كان يجوع دائماً، عندما كان تلميذاً في الابتدائية. يومها كان يتمنّى
لو أن والده بواب المدرسة، فيأخذ منه نقوداً في كل فرصة،
ويشتري "سندويشة" فلافل، يُسكت بها عويل بطنه النّحيف.
وكبر مع جوعه، وليسكته، فقد عمل في حفر الأراضي فلاحاً مأجوراً.
تمنّى لو أنّ والده مراقب دوام فيضيف له ساعات عمل لم يعملها،
ويختار له الأعمال السّهلة.
كان يتمنى؛ وهو يراقب الشمّس من تحت أشعّتها اللاّهبة، ويحلم بغيمة تغطيها!!
سافر إلى المدينة بحثاً عن عمل أفضل.
عمل "جلّى صحون" في أحد المطاعم. تمنّى يومها لو أنّ والده،
يعرف صاحب المطعم، فيتوسط له عنده، حتى ينقله من المجلى إلى
مكان آخر، لا تتشقق فيه يداه.
وعندما كان يزاحم، حتى يحجز لنفسه مقعداً في سفرته، تمنّى لو
أن والده "جابي باص" فيريحه من عناء البحث عن مقعد
وعناء الوقوف وسط الباص.
وسجّل في الجامعة، ووقف في الطوابير الطويلة، ليجمع الأوراق المطلوبة،
وينتهي الدّوام قبل أن ينجزها، فينتظر لليوم الثاني.
يومها تمنّى لو أنّ والده موظّفاً في الجامعة، فيساعده، ويختصر تعبه.
ولو كان والده مهرّباً، لألبسه كما يلبس زملاءه، فلا يغدو
مميزاً بلباسه المحلّيّ.
وتمنّى لو أنّ والده موظفاً كبيراً، فيريحه من عناء البحث عن
وظيفة لشهادته المتواضعة.
حين زار السراديب المظلمة، وضرب بقسوة، ودُعست رقبته،
ورُكل آلاف المرّات، حين تشوّه جسده من البصاق والحاجة،
ثم حكم حكماً قاسياً بسبب أمنياته الكثيرة.
لم يتمنّ أبداً، أن يكون والده محقّقاً أو سجاناً أو قاضياً..‍‍!!
لقد كان راضياً، أنّ والده رقمٌ.. فقط رقم.. رقم غير مهمّ..
رقمٌ بسيط… بسيط… في هذا العالم البليد اللانهائي..!!!
هي القصة لطالب ابراهيم

Abu Guzef
14/10/2007, 10:52
شي حلو والله

والأهم من هيك اللي هوي الزبدة او المغزى

انو الواحد ما يعتمد ع أهلو \ متل ما انا مسوي \

:D

طفوله
15/10/2007, 08:56
ثم أعاده ميّتاً،
وزرعه أمام منزل الجار في ليلة عيد الميلاد






عاد منكسر الخاطر إلى منزله، لكنّ الحمام كان قد سبقه.
لم تغب ولا حمامة ولا واحدة.







تهدّل رأسه على كتفه من ثقل الانتشاء،
ثم قرصته عيون البشر، فتذكّر!!




تهاوت مشبعة بالدّم والحرارة فوق أسطح المدينة.
تفرّق الحمام..


.

Majood
15/10/2007, 09:53
يا ريت تقرا مرة تانية لتطلع الزبدة ... لأنك ما فهمت المغزى على ما يبدو

LiOnHeArT.3LA2
15/10/2007, 17:13
لك يا سيدي قصة رائعة بس انو المغزى ما واضح تماما صحي انو ما بدك تعتمد على اهلك بس يا اخي ما تتركون كمان لانو الواحد بهالبلد خلص بس اعتمد على حالو راح اخد كمشة مصاري وطلع لبرا وتجوز وصار يجي بالصيف مرة لك سيديييييييييييييييييييييي خليها على الله

قصة رائعة

butterfly
23/10/2007, 15:32
شكرا كتير كتير
روعة
:mimo:

Nay
25/10/2007, 12:24
مساءً.
أخرج بنطاله وقميصه النظيفين من كيس نايلون أسود كبير، وضع بينهما صابونة معطّرة، وطواهما بحذر لئلا تخرب " الكوية" .
بحث عن كيس صغير ، ليضع فيه "حلقاً" أمضى في صناعته ثلاثة أيّام ، و " بروشاً" عظميّاً ، أمضى في صناعته أربعة.
انتصب مفكّراً، رفع منديلاً ، لفّ القطع فيه ثم طواه، ودسّه في جيب بنطاله بحذر وهدوء ، ثم جلس في فراشه شارداً .
الذباب يطير حوله وعيون أصدقائه أيضاً :
- شو أخي ... باين عم تجهّز حالك من هلّق؟!!
- اتركوه.. بكرى عندو زيارة خاصة!!
نظر إليهم صامتاً. فكّر. إن بعض الأشياء لا تحتاج ردّاً.
عاد ينظر إلى سقف المهجع سارحاً بين خطوط اصفراره، وخطوط الحديد. أسبل عينيه، شبك كفيه خلف رأسه، واتكأ على الجدار، ثم فتحهما. فكّر. إذا لبس البنطال بسرعة فقد ينكسر "الحلق".
أخرج ورقة صغيرة, وكتب عليها "البس عَ مهلك.." ووضعها على البنطال، ليراها غداً قبل أن يلبسه.
حاول أن ينام مبكراً، ليستيقظ مرتاحاً. قلق. قلب عشرات المرّات في فراشه. اقترب صديقه. ربّت على كتفه، وسأله هامساً:
ـ بتشرب قهوة..؟!
فتل رأسه ساخراً
فأكد صديقه: يمكن تنام بعدها بسرعة!!
نهض صديقه، أدخل الغاز الصغير إلى الحمام، حتى لا يوقظ أحداً من النائمين بسبب الصوت أو الرائحة أو .. فيشرب معهم، والكمية قليلة. شرب فنجانه، ودخّن نصف " سيجاره" وانسلّ في فراشه لينام. قلب على الجهة الأخرى. رفرف الغطاء، وقلب فنجانه الفارغ، ولم يكسره. فكّر أن يقوم، لكن النعاس المفاجئ اجتاحه، فأجّل أعمال التنظيف إلى الغد.
صباحاً. أيقظه صديقه مربّتاً على قدمه، ففاق مرتعباً، وأرعب موقظه:
ـ قوم.. قوم جهز حالك!!
فرك عينيه، سأل كم الساعة، وهو يراقب فنجاناُ مقلوباً، وبضع قطرات قهوة بجواره. نهض. غسل وجهه. نظّف مكانه.
شرب قهوة، ودخن نصف "سيجارة" حلق ذقنه، دخل الحمام.
استحم. خرج متفتّحاً. سّرح شعره أمام مرآة صغيرة.
خرج يتمشى في الكّردور الطويل.
ـ إي لاه ... شو هـَ الحلاوة... شوهـ الترتيب..!!
ـ اتركوه.. اتركوه.. عنده خاصة اليوم..
صبّح على الجميع، ومشى منتظراً سماع اسمه!! اقترب شرطيّ، فاقترب منه، وانتظر أن يطلبه، لكنّ صاحب البدلة، طلب مسؤول الغازات، وشرطيّ آخر طلب مسؤول الجرائد. دخل إلى المهجع، وسّرّح شعره من جديد، وخرج يتمشّى، ثم دخل إلى "التواليت" وخرج. راقب وجهه في مرآة صغيرة. سمع قرقعة مفاتيح،فخرج مسرعاً.
صرخ شرطيّ تفقّد.. تفقّد.
دخل إلى المهجع، ولم ير الشرطيّ الذي اقترب راكضاً سائلاً عنه. رفع بنطاله، ولبسه بسرعة، فتهاوت قطعة ورق صغيرة.
لبس قميصه، وسرّح شعره. أحضر له صديقه حذاءً، وتهافتت الأصوات: سلِّم... سلِّم....
ـ شكراً ياشباب. اقترب من الشرطي الذي يحصي العدد في ورقة صغيرة, وقال له:
ـ عندي زيارة خاصة!!؟
ـ هلق منشوف.
سار خلفه. أغلق باب الجناح. انتظر في غرفة جانبية. اقترب شرطي, وسأله عن اسمه، فأجاب، واقترب آخر، فذكّره, أن عنده "خاصة" قال له الشرطيّ: الحقني..
تبعه, وعندما رآه ، يدخل إلى غرفة الزيارة العامة، عاد وذكّره ب "الخاصة" طلب منه الشرطيّ أن يدخل، فدخل.
خلف الشّباك. كانت زوجته لوحدها. ابتسمت له, وأشارت بيديها.فكّر.. ما أجملها.
اقترب. مدّت يديها من خلال القضبان، فعلق طرف كمَّها بسلك نابت، وتمزَّق. مدّ يديه. تعانقت الأيدي. شدَّ على يديها، ولامس طراوتها. اقترب أكثر, أوقفه صلب القضبان. ذكّرته زوجته, أن الزيارة خاصة.
أفلت يديها، وسأل الشرطيّ الواقف عن زيارته الخاصَّة، فقال له: طوِّل بالك. عاد وأمسك يديها، ولما اقترب شرطي آخر, ذكّره بـ "الخاصة" ذهب الشرطي حتى يبحث عن طلب الزيارة الخاصة.
رآه وهو ذاهب. تساءلت زوجته، ماذا قال، فقال لها:
ـ طولي بالك..!!
خافت ألا يزورا خاصه، وشرحت خوفها له.
فقال ثانية: طولي بالك..!!
أحاطها بعينيه، غافل الشرطي، وأرسل لها قبلةً عبر الهواء، وردّت عليها، ابتسما، وكان الوقت يمضي..
عاد الشرطيّ، وأخبره أن طلبه، لم يوقّع بعد.
سمعت الشرطيّ، طوت رأسها، وغطى شعرها القصير وجهها، شدّ يديها، هزهما. ارتعشت. ارتجفت، ثم غرقت في البكاء.
هزّ يديها من جديد. مازحها. تماسكت، شدَّ يديها، رفعت وجهها المزهر بالدموع، ارتجف قلبه. ابتسمت وسط الدموع، ابتسم منقبضاً.
قال لها: بسيطة.. بسيطة..
تذكّر. سحب يده، وبحث في جيبه عن الهديتين، فرحتْ، فرد المنديل، فوجد الحلق مكسوراً، وتذكّر أنه لبس البنطال بسرعة. أعطاها "البروش" وأجل "الحلق" حتى يصلحه.
ابتسمت. ابتسم. غصّتْ. غصّ شدّ يديه شدّت قُرع جرس جافٌ معلناً انتهاء الزيارة.
اقترب الشرطيّ, وقال: خلصت الزيارة.
سحب يديه. سحبت يديها. لوّح لها. لوّحت له.
قال الشرطيّ بانزعاج: خلصنا...
دار على عقبيه، ودخل عبر الباب الأسود الواسع.
لاحقته، حتى اختفى عن عينيها، دارت، ومضت.
اقترب من الأغراض التي أحضرتها له. فكّر. هزّ رأسه.
أغمض عينيه، فعبرت دمعه زاوية عينه، وتبعتها واحدة أخرى من الأخرى سقطتا،
وهو يحمل أغراضه، ويقطع الخطوات الباقية بين غرفة الزيارة، وباب الجناح الشاحب..!!

Nay
25/10/2007, 12:37
شكرا كتير كتير
روعة
:mimo:
شكرا
هادا من زوقك

Nay
25/10/2007, 13:09
بكل انو اع الفنون الحديثة المغزى ماعاد الو اي معنى يا شباب
لأن جميع القيم صارت معروفة .. والانسانية كلها صارت متفقة على المبادئ والاخلاقيات
بمعنى آخر الانسان ما عاد يقرا قصة لحتى يعرف انو الكذب شي مو منيح
ولا عاد يحضر مسرحية مشان يتوصل الى انو الحب جميل
ولكن طريقة عرض هذه القيم هي المهمة.. وكيف ممكن تعرضها بطريقة مميزة وتحليك تحس كمشاهد او كقارئ انك اول مرة عم تتعرف على هي القيم
سلام

Nay
26/10/2007, 09:28
كوثر أمست فرداً منّا. لا نتصور أنفسنا بدونها.
يقلقنا غيابها، وعندما تحضر، نلتفُ حولها، تمارس دور الزعيم علينا, ونمارس دور الأتباع المخلصين، كبُرت اللعبة، كبرت على أعتاب طفولتنا، ونحن نلاقي التي تمرّدت على العادة.
نتسابق، وتشاركنا السباق، نسبح، وتشاركنا السباحة، أتقنت لعبة "الدحاحل"،تربح، فنبتهج، تخسر، فنلعن سوء الحظ.
أدمنت كوثر الشتائم كإدماننا لها، بلا اختصارات وبلا رقابة، لا تحذف كلمة من الشتيمة رغم أنها أنثى، ونحن نعلم ذلك، وهي تعلم، لكنها مثلنا، مثلنا تماماً.
نتصارع، فنخشى قبضتها، ونختلف على من يقف في صفِّها، وكانت تضحك، لأنها تدرك أن المشكلة ليست فقط خشية من قبضتها.
كوثر هي الفتاة الوحيدة في القرية التي تلعب معنا الكرة، رغم اعتراض أهل الحارة وسخريتهم،
وتعلمت التدخين مثلنا تماماً...
كانت تسرق التبغ من كيس والدها والورق أيضاً، وإذا لم تحصل على الورق كانت تدرج التبغ بورق الكتب والدفاتر.
أيام القحط، أو أيام"القًَََََطْعة" كما اعتدنا تسميتها، نجمع أعقاب السجائر من أزقة الحارة، وندخِّنها مستمتعين.
ونحن نجلس بجوار مفرق الضيعة...
"أبو حميد.. تعا لشوف" ناداه أخوه. محمد كان يدخن ويسعل، رمى السيجارة من يده ومضى.
في تلك الجلسة سمى معدٌ نفسه " أبو معيد" وحسن "أبو حسين" ومصعب "أبو صعيب" وأسميت نفسي "أبو علي".
صمتَتْ كوثر وارتبكت، موجة حزن خاطف ضربت شاطئ وجهها، وقفت، وذهبت، تقطع أحجار الطريق متعثرةً، لقد أخطأنا، نعم لقد أخطأنا،وها هي الخاتمة غادرتنا كل الفتيات مصاباتٍ بالاختلاف، وكوثر تغادر الآنمصابة بالأنوثة.
في اليوم التالي، التقينا، انتظرنا أن تأتي كوثر, لكنها لم تأتِ.
شتمنا، اختلفنا في تحميل المسؤولية ثم واسينا بعضنا وقبل أن نفترق، اقترب ظلٌُّ من بعيد، لم نشك أبداً أنه كوثر، كانت تسعل، ركضنا نحوها..
ـ كوثر.. كوثر..
اقتربنا منها، نشدّ على يديها وكتفيها.
أخذت كوثر نفساً عميقاً:
ـ "ما حدا ينادي لي كوثر بعد اليوم.. أنا اسمي أبو علي كاسر"!!
فما كان مني إلا أن غيّرتُ اسمي ليصبح " أبو عبدو" ولأني فشلت في تعلم فن "السقاية" الذي يسِم كل فتيان القرى، بتُّ موضع سخرية أصدقائي, قالت "أبو علي كاسر":
ـ "حتى أبو عبدو وسيع عليك"!!
ونادتني باسمي مجرّداً, وقلدها الجميع، ناديتها من أمام منزلها، فخرجت، وسألتني، ماذا أريد؟!
فأخبرتها أننا سنذهب لنلعب في حقلٍ بعيد، اعتذرت لأنها ستسقي أرضهم، ثم خرجت تحمل على كتفها" مجرفة":
ـ "كنت باخدك معي.. بس إنت ما بتعرف تسقي.."
ثم أكدت، أنها إذا انتهت قبل المغيب فستلحق بنا.
"لم تنته. عدت مساءً, فرأيتها تجلس على عتبة دارهم متعبةً، تتكئ على مجرفتها، وتشرد في الوحل العالق على جزمتها..المطاطية السوداء.
ابتسمتُ، فابتسمتْ، وفركت عينيها، وسألتني بصوت مجروح الخطا:
ـ"خلصتو لعب.."؟!
حركت رأسي، ولم يقطع صوتي عتبة فمي.


* * *

وقفنا حول الساقية, أنزلنا سراويلنا، فزاد الماء في الساقية ونحن نضحك..
استغربت "أبو علي كاسر" فكّرت، ثم اقتربت من حافة الساقية مترددةً، ثم بصقت فيها، وضحكت وضحكنا..
صرعت "أبو مْعيد" مرّتين متتاليتين،" أبو مْعيد" القوي، الذي يتباهى على مرأى الجميع بجبروته، هزمته مرتين، وقف أحمر الوجه، مرتجف الجفون، منكسر الخاطر، مضى نحو الساقية، أنزل سرواله، أطلق شلاله على شكل قنطرة، وهو يمسح مزراب أنفه الأحمر بكفه، وتحدّاها أن تفعل فعله.
انسحبت تضحك، وتبعناها، قطع "أبو معيد" شلاله, وتبعنا صارخاً كي ننتظره وهو يغلق باب سرواله.
ضربها صبيٌ داخل سور المدرسة, حاولت أن أتدخل، لكنها دفعتني، وأكدت محذرة أن لا علاقة لي لأنها قادرة على الرد، ولما انتهى دوام المدرسة، انتظرته في زاوية أحد الأزقة, وهناك لقنته درساً، وكنت شاهداً، ضَرَبَنا المدرس في اليوم التالي أنا وهي, حتى لا نعيدها وقطّع لها "النقيفة" التي كانت تعلقها في رقبتها ورماها في سلّة المهملات، ومن يومها صارت تخفي "النقيفة" الجديدة تحت "المريلة".
رفضت أن ترتدي المريلة التي خاطتها لها أمها لأنها تشبه ما ترتديه البنات، وارتدت مريلة تشبه مريلتي, واعتادت أن تقص شعرها عند حلاّقنا كما نقصه نحن.
جحظت ثمرتان تحت قميصها، ثمرتان جميلتان، أجبرتاها أن تخجل عندما ترى عيوننا تسقط فوقهما، فارتدت قميصاً فضفاضاً، ليغطيهما.
سبحت ذاك الصيف "أبو علي كاسر" بقميصها الواسع، وحين نهضت من الماء, التصق القميص بصدرها.
رأيت جمال ثمرتيها، ورأتني أراها، خجلتْ, وحافظتْ على بقاء صدرها تحت الماء, وكان الماء حلواً ذاك الصيف، حلواً ولذيذاً.
غادرت أسرتي القرية، ركبت طريق الرحيل لسنوات طويلة، ودّعني أصدقائي كلهم، قبلتهم، وشددت على أيديهم، ولم أقل كلمة واحدة، طوقتني "أبو علي كاسر" وقبلتني مثل أصدقائي، ولما اشتعلت بالدموع قالت مؤنبة:
ـ" ياحيف.. ياحيف عَ الشباب"!!


* * *

غبت كثيراً!! وكبرتُ بغيابي!! خسرتُ دفء القريةونبضها، أعاد الصيف الطيور المهاجرة, والشاة الشاردة أعادها القطيع، كيس السفر خلص عند حافة الجوع المدنيّ المقنع، زرعت خطواتي في طريق العودة كي لا تقتلني المدينة حتى آخري.
عدت لدارنا القديمة للساقية، للحقول، لطريق المدرسة, عدت لأعرف، كم تغيرت ذاكرتي، كم تغيرت مواطن الطفولة في داخلي، أمضيت تلك الليلة مع الرطوبة والغبار، خشيت الخروج إلى الأزقة، وخجلت نهار اليوم التالي أيضاً.
مساءً انتشر الهدوء مع النسيم تحت نجوم سمائنا القروية، سحبت كرسياً وصعدت، وجلست، على سطح الدار، أراقب أضواء منازل أصدقائي المتناثرة وأتساءل:
ياالله، كأنه أمس.. نفس الدوالي تعرِّش على الأسطحة، نفس شجر التوت ينحني على الشرفات، نفس اللهاث ينطلق من أعالي الجبال، ويخيف دجاج القرية وصيصانها، طرقٌ خفيف على خشب الباب القديم، قمتُ لأفتح، ثم ترددت وتراجعتُ، من هذا الطارق؟!
اقتربت، ورأيت الأخيلة تتماوج خلف انثناءات الباب، تراجعتُ، الطرق الناعم يتوالى، كأنه يعرف أني موجودٌ!!
اقتربتُ، فتحتُ الباب، لأتفاجأ بشبحين يتغطيان بالعتمة، وبابتسامات كالندى، تفاجأا، تفاجأت. ابتسما، ابتسمتُ، عرفاني، عرفتهما.
سلّما بهدوء، سلمتُ، قبلني صديقي بحرارة، وهي سعلت، دخلا الدار التي يعرفانها، مشيا على أرضها التي يحفظانها، دخلا الغرفة التي دخلاها كثيراً، جلسا فوق كراسي القش نفسها.
اقترب منها، وشوشته صاحبة الشعر الطويل، والثوب الواسع الذي ترتديه الحوامل في العادة، قتلتني ببطئها، بنعومتها، بابتسامتها، بشفاهها الملونة، بكحل عينيها الجميلتين، بيديها تطوقان ذراع زوجها، بسعالها الناعم المتقطع، قتلتني "أم علي كوثر"، نعم "أم علي" فقد اتفقا أن يسميا ولدهما القادم "عليَّاً"!!

butterfly
30/10/2007, 11:55
رااااااااااائعة ..

بانتظار كمان وكمان وكمان

وانقلي تحياتي لكاتب .. هالقصص .. أكتر من رائعة

:D

Syrian__Angel
30/10/2007, 16:39
بالفعل بتجنن ...

:D

Abu Guzef
01/11/2007, 05:28
يا ريت تقرا مرة تانية لتطلع الزبدة ... لأنك ما فهمت المغزى على ما يبدو



هاتي المغزى اللذي يبدو :?

Nay
09/09/2008, 21:06
موقف الباص لا يبعد عن منزله كثيراً.. إلا أنه كان يشعر أن المسافة طويلة.. وكان يقطعها بملل وضجر كبيرين.
تحت سقفه، كان ينتظر الحافلة، التّي تقلّه إلى المعمل، صوتها مملٌّ كحركتها، شاحبٌ كوجوه ركّابها العمال، يميل إلى جدار النافذة، وتلتقط عيناه صور الطّريق الكئيب، ثم يشرد عن كل شيء.
مساءً، أدار اسطوانة، وعلى وقع موسيقاها، أكمل طبخة الغد، قرن ساعته على السّادسة، وانتظر هبوب أول موجة نعاس على جفنيه، لينام، ونام.
رنّت السّاعة، فضّل أن يتأخر في السّرير قليلاً، ويضحّي بفنجان قهوته، وظلَّ يتأخّر، فضحّى بنشرة الأخبار حتى داهمته صورة اقتطاع أجرة يوم من راتبه.. فقفز اغتسل ولبس وخرج مسرعاً.
تحت الموقف كانت صبيّةٌ تنتظر شيئاً ما... ربما حافلة!!
على خدّها الشّاحب، علامة جرح قديم كبير ومقرف!!!
شعر بالقرف من منظره وقبل أن يقرف حتى التّخمة.. جاءت حافلته.. وطغتْ - لحسن الحظ - بدخان محرّكها على أول صورة صباحيّة مُقرفة...
صباح اليوم التّالي.. كانت هناك أيضاً تنتظر.
فتساءل.. من تكون؟!
ثم فكّر.. هذا صباح آخر سيمرّ ساخراً عبر فم جرح قديم ملتئم كانت ترتدي قميصاً أبيض خفيفاً وتنورة سوداء ضيّقة تصل حتى الرّكبتين اقترب من زاوية الموقف البعيدة عندما كانت رفوف السّيّارات تصرخ وتفرقع وتتهادى بعيداً في محيط المدينة كان يعرف أن الجرح القديم يراقبه بحياد.
مساءً جرح يده وهو يقطّع أصابع الفاصولياء..
اسطوانته التي كان يسمعها كل يوم فلم تستطع أن تطفئ قلقاً بدأ ينمو في مفاصل أمانه الفطري...
صباحاً تذكر أنه يملك قنينة عطر صغيرة.. مسح رقيته وكفيّه وخرج مزهوّاً تحت جناحي رائحة زكيّة.
كانت تعقد شعرها الطّويل الأسود كالليل بشريطة بيضاء خفيفة كالفراشة وقميصها الخفيف كورق الورد يُغطّي عصفورين يحاولان الطيران...!!
أما خدّها فقد أشرق وعلامته كانت توقظ بحنان واستغرب كيف رآها مزعجةً... قبل ئذٍ...
في صباح آخر كانت ذات العلامة قد خطت طرفي عينيها اللّوزيتين بكحل أسود خفيف وكان جرحها القديم يتكئ على خدّها كملاك خفيف فوق غيمة خفيفة...
نام تلك اللّيلة ممتلئاً غمرت كيانه أحلاماً ناعمةً وصحا قبل أن ترنَّ السّاعة صحا دافئاً خفيفاً كالشعاع اختصر قهوته واختصر صباحه واختصر خطواته ليصل إلى زاويته تحت الموقف الحنون وكانت تنتظر هناك طوت نظرتها فعرف أنّها رأتْه..
قال: صباح الخير مختصرةً .. مترددةً.
وهزّت رأسها وفتحت فمها وقطع صوتها هدير حافلة قروية لكنه سمع رغم أن صوتها لم يصل أطراف أذنيه...
انحرف إلى السوق مساءً.. واشترى من أحد حوانيت الورد وردةً بيضاء..
تلك الليلة لم يقرن ساعته على السادسة استرخى في سريره لم يجهّز طبخة الغد ولم يسمع موسيقاه المفضّلة لأن صوت ذات العلامة كان يتردد شجيّاً فيتوقّد بفواصل موسيقاه ويميل خجولاً على أطراف أطراف أنامله المتجمرِّة ويتجمّر .
وفاجأته آخر الليل _قبل أن ينام بقليل _ صورة متلبّسة بصوتها وبرحيق جرح قديم خفيف ورقيق كقطرة ماء على جدار جرّة أملس كالصباح ثم نام في أحضان الورود.
صحا قبل الشمس، شرب فيروز مع قهوته قلبه كان يرقص مع رائحة أنثى غريبة وبعيدة ترسم بصمتها مكاناً يعبره الثّلج والصّبح والأطفال.
- صباح الخير.
- صباح الخير.
وكانت السماء تفتح صدرها، وتطوّق بذراعيها لفافة موقف صغير يحمل كائنين ناعمين خفيفين، ووردة سيفترقان بعد قليل مع هدير حافلتين قاسيتين وتسابقت السّاعات ليمضي نهارٌ آخر ومرت الثّواني واخزةً تحت أظافره بشوك طولها.
ومساءً كان عليه أن يسمع موسيقاه مرّات عدّة قبل أن ينفذ ليلٌ آخر من عمره ويتركه مشحوناً كندف الصّوف..
صباحاً.. لم يجدها ولا صباح اليوم التالي..
وتوالت أيامه مثقلةً برائحة المدينة بألم زفير ثقيل وحار بغرابة مفاصل معدنية تطوّقه وتخرج روحه ببطء، فقد اختفت فتاة الصبح.. غابت إلى الأبد ذات العلامة..

Nay
09/09/2008, 21:07
هي قصة لطالب ابراهيم

SelavI
09/09/2008, 22:38
قصة رائعة

ولكن حزينة

الكاتب لديه قدرة كبيرة على ايصال الاحاسيس من وراء الحروف

شكرا لك

MadMax
10/09/2008, 00:14
بالفعل ....
احساس كتير حلو
بذكرنا بالحب عالطريقة الكلاسيكية

Nay
10/09/2008, 01:50
شكرا على المرور اللطيف...

yass
10/09/2008, 02:19
بالفعل ....
احساس كتير حلو
بذكرنا بالحب عالطريقة الكلاسيكية

بعتقد مزبوط هالحكي

شكرا كتير عالقصة :D

butterfly
10/09/2008, 11:40
شكرا ً ألك كتير
رائعة القصة بالفعل


اللي بيحب في بأخوية .. لـ طالب ابراهيم :
طالب ابراهيم
قصة لطالب ابراهيم إهداء لحسام ملحم

:mimo:

ارسلان
10/09/2008, 12:30
ثم قرصته عيون البشر، فتذكّر!!

فورثّهُ البشر عيونهم
فـ مات من شدة القرص

*

سرد قصصي ثلاثي الابعاد
وحبكة لا تتقنها سوى جدتي
وعزفٌ متقن تنتشي له العين بالفرح أحياناً وبالدمع أطناناً

MadMax
10/09/2008, 13:31
قناص

ربّى دود القز، فتركت زوجته المنزل، وعادت لذويها
قرفاً من الدود الأبيض بحبوب منقط سوداء ذي الرائحة الرّطبة.
انتهى ذاك الموسم، عندما غرز الدّود بالدّبابيس المعدنية،
ورشّ بها طرق المدينة، وأزقّتها، ومنزل زوجته التي تقرف..!!

ربّى أرنباً أبيض جميلاً، وعرف بطريق الصّدفة، أنّ جاره سيسرقه،
ويذبحه في عيد الميلاد…!!
أخذ أرنبه إلى حقل بعيد في أطراف المدينة، وأطلقة،
وقبل أن يغيب، رفع بندقيته…
ثبّتها في حفرة الكتف، وصوّب بأناة،وأطلق ثم أعاده ميّتاً،
وزرعه أمام منزل الجار في ليلة عيد الميلاد..

لم يبق واحدٌ من جيرانه إلاّ وأبدى استياءه من زرق الحمام ومن
صوته المزعج.حمل الحمام بأقفاص إلى آخر المدينة،
وأطلقه، ثم عاد منكسر الخاطر إلى منزله، لكنّ الحمام كان قد سبقه.
لم تغب ولا حمامة ولا واحدة.
كان يطعمه من يديه. يضع الحبّ في فمه، ويفتحه، فينقر
الحمام الحبّ من هناك.
أحياناً كان يتثاءب، فتتقدم حمامه، لتنقر الحبّ، لكنها تجده
كتلةً حمراء مجوّفة وفارغة، فتنقر اللّسان، وتفرّ هاربة،
ليغرق في ضحك، لا يقطعه إلا سعال مزمن، جافٌ ومؤلم.
يُطيِّر الحمام، ويحتفظ بواحدة في يديه، يدور الحمام عالياً فوق
أسطح المدينة، ولحظة يتعب الجناح، ويميل نحو الغروب، يلوّح،
بالحمامة المقيّدة، والتي ترفّ في يديه، فيهب السرِّب، ويحطّ على
سياج السطح، ثم يهدل، ويحبو كالأطفال إلى أعشاشه من
القصب والحشيش.
يومها كان الجو غائماً…
طيّر الحمام. كل الحمام. حلق عالياً. دار في حلقات واسعة الألوان.
راقب المشهد بخدر شديد. تهدّل رأسه على كتفه من ثقل الانتشاء،
ثم قرصته عيون البشر، فتذكّر!!
ثبّت بندقيته في حفرة كتفه، وصوّب بأناة، وأطلق.
واحدة.. اثنتان… ثلاث.. تمزّق حبل السِّرب،
وتهاوت واحدة.. اثنتان… ثلاث…
تهاوت مشبعة بالدّم والحرارة فوق أسطح المدينة.
تفرّق الحمام..
قبل المغيب..!! قبل المغيب بقليل، كان زوج حمام على سطح منزله،
يهدل جزعاً، ويبحث بعيون راعشةٍ عن عشّه بين القصب المكسور..!!

رائعة جداً


بصراحة ... حسيت حالي عم اقرا قصيدة .... أكتر منها قصة

Nay
10/09/2008, 19:07
'يسلمو يا شباب..
طالب ابراهيم شب دفع من عمرو اكتر من سبع سنين مشان الحرية..
الو 3 مجموعات قصصية وديوان شعر واحد
بيكتب بعدد من المجلات

Nay
25/01/2009, 14:49
مهنـــة

اختصرته الآلام، فأمسى
طيفاً
هطل جميلاً كالمطر.
مجروحاً
تفجّر بين الصخور،
مُتقناً..
مهنة..
الصمت

ميلاد
أوقدني بالتعب
أطفئ غيابي بالتراب
برفيف برق عار
امسح ظل المطر الشّارد
بقطرة شمس.
حبيبي..
ولنختصر ميلادنا
قزحاً ذائباً.



النّشوة

بعثره..
يرسمها صغير ببوله
على اسفلت..
الكلمات..!!
المرار:
طعم الكلمات
في..
مجرور السياسة.

Nay
25/01/2009, 14:56
اللّذة:
رضيعٌ..
يثيره دفء الحليب،
فيعضّ..
ثدي أمّه

اللهفة:
تحبو،
وتحكّ لثتها الطّرية.
التّوهّج:
رائحة الطّلاء..
بين أصابع ماسح أحذية.

الحصر:
صمت عجوز في مملكة..
الحذاء العسكري.

الإهانة:
عادة الكائن.
أقصد..
الكائن البشري.

الأصل:
خروج عن القواعد.
أقصد..
كل القواعد.

Nay
25/01/2009, 15:02
اللّغة:
ساحات الجمل،
لا سياج الكلمات.

النّزيف:
عناكب
تنسج مينا
ومينا..
يمتصّ وطن.

القرية:
نبعٌ..
تعفّرت عيناه بالتّراب
وطفلٌ..
نسي جرس المدرسة
في
عصا الأستاذ.

المستقبل:
قطعان..
من الرّجال والنساء.
سربٌ..
من الحديد.
باقاتٌ..
من الذّئاب.
و..
وردة.

طوروس
17/04/2009, 14:53
دخلت مدعوا

تصفحت مستطلعا

قرأت خاشعا

اقرأ مرات اخرى

لااستطيع الخروج

شكرا ناي شكرا طالب ابراهيم

:D:D:D:D

الله يحميكي ياشام

مجنون يحكي وعاقل يسمع
20/04/2009, 07:14
بكل انو اع الفنون الحديثة المغزى ماعاد الو اي معنى يا شباب
لأن جميع القيم صارت معروفة .. والانسانية كلها صارت متفقة على المبادئ والاخلاقيات
بمعنى آخر الانسان ما عاد يقرا قصة لحتى يعرف انو الكذب شي مو منيح
ولا عاد يحضر مسرحية مشان يتوصل الى انو الحب جميل
ولكن طريقة عرض هذه القيم هي المهمة.. وكيف ممكن تعرضها بطريقة مميزة وتحليك تحس كمشاهد او كقارئ انك اول مرة عم تتعرف على هي القيم
سلام
الفن ياعزيزتي هو معنى بل معاني ودلالات بحد ذاته , ألا يكفينا أن نستمتع بعازف العود ونهتز طرباَ مع كل لمسة خفيفة من أصابعة تحرك أوتار العود فتوقظ الروح من ثباتها
فناننا ياسيدي ينفخ في نايه الحساس فيحول الأوجاع والآهات إلى ابتهالات
ألا يكفي أن يغمرنا إحساس ما بشيء ما ونحن في حضرة الأدب والفن
لقد داهمتني وغمرتني أحاديث شتى وأنا في حضرة هذا الفنان المبدع
شكراً ناي على إختيارات الرائعة وأنا أزذاد عطشا كلما تناولت كأسا منها
احترامي وتقديري لك ولعازف هذه الألحان

Nay
21/04/2009, 12:15
الفن ياعزيزتي هو معنى بل معاني ودلالات بحد ذاته , ألا يكفينا أن نستمتع بعازف العود ونهتز طرباَ مع كل لمسة خفيفة من أصابعة تحرك أوتار العود فتوقظ الروح من ثباتها
فناننا ياسيدي ينفخ في نايه الحساس فيحول الأوجاع والآهات إلى ابتهالات
ألا يكفي أن يغمرنا إحساس ما بشيء ما ونحن في حضرة الأدب والفن
لقد داهمتني وغمرتني أحاديث شتى وأنا في حضرة هذا الفنان المبدع
شكراً ناي على إختيارات الرائعة وأنا أزذاد عطشا كلما تناولت كأسا منها
احترامي وتقديري لك ولعازف هذه الألحان


هلا..
ربما عبرت تماما عما اريد قوله.. احساسنا اثناء القراءة هو المهم.. فالقصة ليست سردا فقط..
شكرا مجنون..:D:D

Nay
09/05/2009, 00:03
توق
عندما تأكّدّتُ أنّي جلستُ. أنّي انتزعت من طابور الوقوف خلف التّماثيل، تقتُ الانتظار في موقف الباص.

مواسم
تعالي لنزرع شفاهنا بالدّفلى، ونحفر في قلوبنا المنعطفات. تعالي لنغرس هذا الشّوك التّائه في.. عيوننا. ثم تعالي ليبللّنا المطر، وننتظر مواسم الجروح الخصبة.


زيارة خاصة
خطوتان، قبل الغرفة المعدنية خطوة في متاهة الضوء، وخطوة في المتاهة..!!

أمنية
ييبني الشّاطئ قفصاً للماء. تشوي السّماء شمساً قاسية. يختفي البحر وسط الزّرقة المالحة. تلثغ طفولة خائفةً رغبتها القاتلة. لو يغرق ويموت هذا البحر. سالت الشمس كالزيت تفتّح قارب أعمى في صحن الزّبد. خرج بحر على كتف البحر. انطوت لهفتها، وفاضت عيناها بالرمل، وأغرقت باب القفص.. بالدّموع.

مسلمة
ماذا يمكن أن يكون اسمها فتاة موشّحة بالسّواد؟! تسرح بين الخطا، وتسرق الزّقاق. ولمّا تنعس الشّرفات، تطلُّ خلسةً. وترفع الوشاح.. يا الله..!!

Nay
09/05/2009, 00:08
موقف..!!


مرت السنون.

مرّ شبابي. مرّت المدينة عبر جسدي.

سحابٌ يغطي بقعة واسعة من حياتي الماضية. وها أنا خرجتُ الآن طافحاً بالإهانات.

لحست إبهامي. فركته بثيابي، فربما تُمحى البصمات، ربما تغيب.

هل خرجتُ؟! هل حقّاً خرجتُ؟!!

وإذا كنتُ خرجتُ فأين أنا الآن ؟!

ترصدني الأضواء الشاردة، وتقطعني خطا السيارات السريعة.

شتمني الرصيف، وسخر مني اسفلت الطريق اللزج.

لمن هذه المدينة؟! لمن كل الكلمات؟!

أتراوغ الذاكرة؟!! أم أنّها تنسى؟!

على كل حالٍ ليست لي. هذه المدينة ليست لي، ولم تكن قط لي.

تأخرت حتى عرفتُ.

أمسح دموعي العالقة بين جفنيّ، وسنين بعيدة بُعد الأمكنة التي تقطعني.

عمّ كنت أبحث؟! لا أعرف. لكني وجدت نفسي في حماية موقف باص، أعانق أعمدته، تلثمني البرودة القديمة، فأتوهج من جديد، وتمر قوافلي الجائعة، فتراني مُساقاً في سيارة رمادية لأتهجى الوجع في الدهاليز الصفراء المقيّحة.

ثم أُربط على جدار عربة كاللحم المسلوخ، وروحي تُلاحقني تائهةً في أزقة الدّوار.

وقفتُ في أرض المحكمة أمام القاضي، لا أتنفّس، فقذفني بالثمانية، أتجرعها سنة بعد سنة وجيلاً بعد جيل.

قُيدت فيها من قلبي على الحديد الشائك بين جدران الحنين والرطوبة السابحة فوق بساط النباح والعيون اليابسة.

ويمر شبابي على زيارات تبتعد كلما انتظرتها. على قسوة اجتاحتني، وتركتني ضائعاً. على شفقة أهلي لم يتركوني، رغم قناعتي أني لا أساوي شيئاً، على فراق خلاياي عن بعضي!!

على البعد، على النسيان، يمحو أمواجاً، كانت تحطم صخور الذبول، على رسالة هُرِّبت لي تقول فيها صديقتي.. عفواً..عفواً.. حبيبتي:

"اعذرني لم أعد أحتمل انتظارك.. كما وعدتك".

كالصدى أرجع على متن سيارة مسيّجة بالمعادن والحراب وروائح النفط اللئيمة، فأصحو في معسكرات جديدة، على الغفلة، على الصياح في كأس الأذن، على الصوت يخيّرني بين الحبس أو انحباس الصوت..!!

وأختار الانحباس!! اتركوا المطر لا يهطل، فلن أعطش أكثر من عطشي الآن.

ألصقت بصمتي في الورق. بصمتين اثنتين:

لا لأمثالي.

نعم لكم وحدكم.

وحبستْ بصمتي صوتي. أراقب بصمتي. أخاف، وأنا أتساءل هل خرجتُ؟!أم خرجت من نفسي، وبقيت عالقاً بالبصمات ؟!

هذا شارعٌ. هذا مقهى. تلك مصابيح كهربائية.

الناس يمرون. يمشون بهدوء وكثافة..!!

وأنا..!! أنا أين كنتُ؟! وهم أين كانوا؟!

كانوا في داخلي وقد خرجوا.. ومن الآن!!

الخطوط البيضاء تقطع الطريق، والبؤر المشعة تتوهج، فيلكزني صوت الشحار.

يلكزني في خاصرتي، لأفيق. أمسك خاصرتي.

لا..لا..لن أصحو. لن أغادر هذا الحلم المدني، ولماذا أصحو؟!

ليراني صاحب البدلة الخاكية، ويدون رقمي في دفتره؟!

لأستطلع تفاصيل المهجع، وأنا أحفظه فتراً، فتراً؟!

ليمضي الوقت، وأنسى أن أقول لأصحابي صباح الخير، هذا صباح آخر يُقلع في مهاجعنا الذابلة؟!

لا لن أفيق، ليضربني أبو البدلة الخاكية.

ليضربني ما شاء، وكيفما شاء!!

يوجعني اللكز، ويتطاول إلى صدري، ينخر، ويخنقني،فأتذكر السِّل الذي أصبتُ به.

فتحت عينيّ المفتوحة، وعرفتُ أني لست في حلم.

لا يوجد تفقد. لست في فراشي، وإنما يحتويني موقف باص..

طفله صغيره هجرتها الطفولة. رائحتها كريهة، وجهها جاف.

عيناها تُمثلان الفقر في لوحة من الخُبث الهجين.

قالت راجية بِنَفَس آمر:
ـ "من مال الله... عمّو الله يخلّيك..!!"

Nay
09/05/2009, 00:18
الجريدة


كان يجلس خلف مكتبه الكبير فاتحا الجريدة، متفحصاً كلماتها الضيقة، غائباً خلف خطوطها الطويلة.
في البدء. لم أر إلا أصابع يديه، تقبض على طرفيها، ولما اقتربتُ بانت رأسه كتلة من اللحم المسلوق.
وقف حليق الذقن، مسرّح الشعر وقلت:
ـ صباح الخير.
لكنه لم يرد ولم يتحرك. فصبّحتُ عليه ثانيةً بصوت أقوى.
قام من كرسيه الدّوّارة، وصفعني على وجهي بقوة يده المهترئة، وقال: سمعتك... اخرس.
دخل رجل قصير، منتفخ الحواف كفنجان، ناولته بطاقتي، فسحبني من قميصي، وأدخلني في صندوق حجري. أعطاني عصابة، نسيت أن أضعها على عينيّ، فصفعني بقوة.
وضعتها ووقفت أرتجف، وأنتظر الصفعات.
سمعت أصواتاً. كانت خليطاً من الصراخ والأنين والبكاء، والغناء.
كانت تقلع معاً، وتنطفئ معاً. لكن ما أثار دهشتي أنّي سمعت صوتي رغم أني كنت صامتاً...!! سمعت صراخي، وأنيني وبكائي رغم أني ... غيّرت وقفتي، واتكأت على الجدار، فعدتُ لأقف كما كنتُ!! ثم رفعت يدي لأتحسس النّطحة، فتلقيتُ صفعة أخرى ألهبتْ فؤادي، وصرخت, عند ذلك انهالت عليّ الصفعات من كل جهة حتى خبوت في مكاني كومة من اللحم المهروس.
لكزني بقدمه في بطني، فنهضتُ، ووقفتُ كالخشبة كعمود في الجدار.
"تعال" قال صوت بعيد. وقد كان لطيفاً.
"تعال" لكني لم أتحرك. "تعال". لم أتحرك . تلقيت صفعة وعرفتُ أني المقصود، تقدّمت خائفاً. لم أسمع نفساً ولا حركة، لكن الصفعات كانت تأتيني من كل صوب.
"تعال" تقدمت واصطدمت بجدار فتوقفت. صُفعتُ مرتين.
نزعت العصابة عن عينيّ. صُفعتُ. ناولته العصابة. يدٌ أخذتها واختفت دون أن أرى صاحبها.
كان "الجريدة" على قعدته. قال: "تعال". بلطف
ـ إلى أين سآتي ومن أين؟ تلقيت صفعة، التفتُ فلم أجد أحداً فمن يضربني إذن؟!!
سقط قلم فوق ورقة على طاولة مكتب الجريدة. ورقة تشبه الورقة التي استدعوني بها إلى هذا المكان.
رفعتُ القلم، ووقّعتُ تحت اسمي فقال "روح" لم أصدق.
تلقيت صفعةً. دُرتُ، ومضيتُ، وقبل أن أقطع العتبة، قال "تعال" بهدوء ولطافة. وقفتُ، فتلقيتُ صفعة. عدتُ، واكتشفتُ أني أخذت القلم معي. وضعته فوق الورقة.
قال "الجريدة" "روح" قالها بعنف كالصفعة. لم أتحرك، فتلقيتُ صفعة، مضيت مشرشر العقل، متلبد الحواس، أنتظر "تعال" قطعتُ العتبة، ثم وقفتُ أنتظر "تعال" سرت خطوتين، وانتظرتُ.
التفتُ. كان "الجريدة" يقرأ. قطعت شوطاً آخر، والتفتُ ولم أسمع "تعال". غاب المكتب عن عينيّ، غابت الغرفة، ثم دارت ساقاي كعجلة. ركضت بأقصى طاقتي.
ضحك الحارس، أسند خاصرتيه بيديه من شدة الضحك.
التفتُ لأعرف كم قطعتُ، سقطت. سيارة سوداء مخيفة، كانت تتبعني. توقفت بجانب رأسي.
انفتح الباب. خلف المقود كان "الجريدة" قال "تعال"
وقفت منوَّماً، صعدتُ، وجلستُ إلى جواره، وأنا أحاول أن أبلع قلبي الذي حاول أن يخرج من فمي.
قوة عظيمة قيدتني، وكتمت أنفاسي. السيارة المخيفة تقطع الطرق بسرعة هائلة، لا تلجمها المنعطفات ولا الشارات ولا الناس. أمام "الكاراج" رفع رأسه، فجمدت المخيفة.
انفتح الباب، وقال "روح" قوة رفعتني، ووضعتني بهدوء على اسفلت الشارع. ارتخيت وكالهلام تجمعت فوقه.
انغلق الباب، ثم اختفت المخيفة. اختفت بلمح البصر. بقيت هناك وحيداً، أراقب، وأنتظر "تعال" أنتظر "روح" بلا فائدة.
دخلتُ "الكارج" مشتت الفكر. أضواء الكارج باهتة ووميض أضواء السيارات فيه يعلو، يشعل الزوايا، ثم يخفت ويروح.
اقتربت من سيارة موقدة المصابيح، صعدتُ، وجلستُ في مقعد فارغ، وسمحت لمحركها، أن يبعث في شراييني بعض الدفء وفي جسدي المنقبض موجات راحة. استرخيت في مقعدي، أعيد فصول المسرحية. كابوسها المرعب. صحوت مرتعباً.
وشوشة جريدة تقتل تواتر الحركة الهادئ ذاك.
التفتُ خائفاً مشحوناً.
كانت جريدة في المقعد الأخير مفتوحة على مصراعيها، تخبئ كل شيء خلفها، عدا أصابع غليظة مسلوقة تمسك حافتيها، وتستكين.
وقفت مرتعداً، أرتجفُ، وأنتظر "تعال" هادئة لطيفة وسط عبث المحرك ورشاشات الأضواء..!!!

Nay
09/05/2009, 00:44
طرنيب وعشق



يصرخ : تفقّد...

فنقف كالأعمدة على أبواب المهاجع، وعلى أصوات الخُطا تُغلق الأبواب، فنتأكد أنّه لن يأتي أحدٌ ، ولن يخرج أحدٌ ، ونعرف أن ترتيلتنا مرّة أخرى، كانت جافّة فقيرة لا تستجاب.

نهارٌ آخر مضى، فكيف سيمضي هذا الليل؟!

تدوّن عيناي شحوب الجدران، ثمّ تغمض على تباشير ضجر مؤلم، ضربت أمواجه شواطئ أحلامنا. دارت أصابعي على محطّات مذياعي الصّغير، وملّت من مزاج أذنيّ السيئ ، فأطفأته، وأخفته تحت "بطانية" عسكرية.

-شو الطّرنيب؟!

أقف خلق "الشّراقة" فأتعجّب. ماذا يمكن أن أرى؟!

هل قلت أرى؟.. لا..لا..لا أرى.. لم تعد عيوننا للرؤية.

وكل جزء من أجزائنا الجافة بات للانتظار..

-العب طرنيب يا شريك.. العب طرنيب..!!

الرّواية التي بدأت بقراءتها منذ أيّام، لم أنجزها رغم إعجابي بها، ويبدو صحيحاً ما قاله صديقي.

يومها نفض الكتاب من يده بقوة، وضرب الجدار، وفتل رأسه، وأطلق تنهيدة عميقة، وقال:

-" مافي جو للقراية هون".

ولمّا حاولت الكتابة، اكتشفتُ بعد أن أضعت عدّة صفحات أنّه "مافي جو للكتابة كمان".

-أي شو هـَ اللعب.. خسّرت حالك يا شريك!!

- والله أنت السّبب..!!

مواء بعيد أنعش سمعي الثّقيل، فتحوّلت على أذن كبيرة مشحونة بالإصغاء.

قطتنا الجميلة عادت بعد غياب طويل. لقد بالغ أصدقائي، حين اعتقدوا ، أنها لن تعود، لا بل أكد أحدهم:

-"بعرف القطط منيح.. مالهن أمان".

-" وين كنتي يا دوّارة.." سمعت صوت صديقي في المهجع البعيد، ويبدو أنه سمع المواء في الوقت الذي لا يعرف ماذا يفعل؟ مثلي تماماً .. من بعيد رسم رذاذ الضوء الضعيف شبحين كبيرين على الجدران، كانا يتراقصان في لحظة حميمة، التصقت بالشراقة، لأرى هذا الغياب المثمر.

قطّتنا تسير في طرف، وعشيقها الأحمر في طرف مواز،خطوة بخطوة كخيال في مرآة ، تقف، يقف. تسير ، يسيرن يسير ويراقبها.

-" إذا ما معك طرنيب... ليش عم تاخذ كتير"؟1

-" إجت القطّة يا شباب"!!

-" تضربْ إنتِ والقطّة" .

تمتلئ ثقوب الحديد بالعيون منتظرةً صعود هذا الحبّ الشّهيِّ.

صورة تسيل وهّاجة في رماد واقعنا الجاف.

-" بإيدك يا شريك .. فِتْ.. خلّيه يقطع أول".

تجثم على جنبها، وتتلوى ، تقلب على الجنب الآخر.

تهزّ ذيلها كأفعى، تجثو. يراقب مُراقبتنا، يتردد. تقوم ، تتصنّع الهروب، فيقفز عليها. تنام على جنبها، يعضها في رقبتها. يميل ذيلها على جزعه المشدود المتعرّق. تثيره. يتأرجح بين جنبيها. تهدأ. ترفع طرفها تعطيه نفسها، وتغمض عينيها منتظرة دفق الحرارة اللّذيذ.

يثبت قويّاً كعود الحطب، تثبت، يثبت، تعبق الدّهاليز برائحة شهيّةٍ، قديمة وبعيدة، تكتمل القصيدة، وتقطر من عيوننا في ثقوب الحديد .

يقف الزّمن. يغنّي صرصار بعيد، يوقظ الجميع، تنتفض من تحته، وتهرب مطلقة صرخة ألم مفاجئة. يحاول أن يلحقها، يؤخّره التّعب، يميل على وسطه، ويلحسه، يجمد، يحرّك رأسه، يلاحق اختفاء عشيقته في الظّلام، ثم يدور، ويذهب.

عدّت لفراشي، وأغمضتُ عينيّ، لأعيد مشهداً ، كان انطفأ في ذاكرتي، وأشعله الأحمر الغريب مع عشيقته الهاربة.

-" يلعن الحظ.. الله يلعن الحظ ويلعن اللعب معك... يا شريك؟!

- " إنت السبب.. إنت السبب.. وبتعيّط كمان ؟!

انتفضتُ، أفقت من حلمي اللذيذ، فظنّ صديقي القريب أنّ "الطرنيبيين" هم السّبب فقال:

-هو لا يصرخ لأنّه خسر في لعب الورق.. لا ..لا .. أبداً ولكن في ظرف مثل هذا ، يحتاج كل فرد فينا، أن يصرخ من فترة إلى أخرى. وهم عندما يلعبون بالورق، يوفّرون سبباً للصّراخ.

وتفرط السّهرة، وينطفئ الضوء، ويستلقي كل واحد منّا في فراشه، يفكّر قليلاً ، وربما كثيراً قبل أن ينام.

صديقي " الطرنيبي" سيحلم بأوراق " الطرنيب" تملأ يديه، فيربح، لكنه سيصرخ رغم ذلك. شريكه سيجد نفسه بمنزله في القرية وبجواره زوجته وأولاده ينتظرون التفقّد...

والآخر سيعيد مشهد الحب متحولاً في حلمه إلى قط

وأنا يبدأ حلمي بصفير قلمي فوق الورق الأبيض، يدوّن قصّة حب عابرة وسط الشّخير ، فتمضي ليلتي.

قبل أن أنام، أتساءل:

كيف أمضى صديقي في المهجع الآخر هذه الليلة؟!!

طوروس
09/05/2009, 13:22
فقط

شكرا ناي

شكرا طالب ابراهيم

:D:D:D:D
يسعد صباحك ياشام

Nay
13/05/2009, 11:01
اعتقال وردي



غمز الصباح، فاحمر وجه الشمس، ضحك الديك بجوار التنور، تمط النبع، وأطلقها، فاستحم العصفور.
زعل الماء، وذاب، ثم هام على وجهه بين الصخور.
زقزق الباب. وخرج أبو محمود يسعل، ويدرج لفافة تبغ، ثم ذهب ليبول خلف أشجاره.
تثاءب الحطب، وطقطق متفاجئاً، ثم لنكمش حائراً بين يدي أم محمود.
احمر التنور ووجهها، فانتشى رغيف خبز، وسكر الهواء.
نعست لفافة في صحن الدار، فرفع رأسه عن كتابه الشاحب.
مسح عينيه، وعندما تنهد، انتفخت مثانته.
هرع، واختفى بين الأشجار.
سخر الكتاب، فصفعته نسمه، تخوصر، وهز ورقاته شاتماً، وهي تمضي هاربةً، تهز ذيلها الناعم.
استل يديه، واغتسل، وعاد يفرغ كتابه في جوفه الفارغ.
سعل أبو حسن منبِّهاً بقدومه.
ـ قح...قح... الله يصبحك بالخير أم محمود.
تلتفت أم محمود مبتسمة:
ـ الله يسعد صباحك.. ابعت أم حسن.. جمَّر التَّنّور.
أبو محمود كان يدرج لفافه.
ـ يسعد صباحك أبو حسن.. تفضّل.!!
ـ أَفْضَلْت.
رفع محمود عينيه عن الكتاب، وفرك جبينه:
ـ أهلين عمي أبو حسن... رجع حسن؟!
ـ رجع... إي والله رجع.. الحمد لله .. الحمد لله...
أجاب، وهو يهز رأسه، وينفخ نهاية قلق مع بقايا دخان.
احمر رغيف، ووجهها، ولفافه، ورأسه، وحركه في صحن الدار.
سيارة رمادية، أنجيت أربعة رجال، وابتلعت خمسه.
وقف الكتاب، فصفعته نسمة، وقع رغيف فوق الجمر وقرمّد..
يبست ْ يدها في عود الحطب، واشتعل النبض في صدرها الحار.
عاد راكضاً، يدرج لهفة أنفاسه، فرأى سيارة، تسرق الطريق، وتختفي في عينيه. تهالك، ثم عاد ليغيب في بستانه ببطء.
تأخر الصباح. جلس الديك في صحن الدار. تململ النّبع، فانسل الماء ذائباً. غطّ الحطب، تردد العصفور، ثم أطفأ ريشه المتوتر في سلس القطرات.
أم حسن تحمل قدر العجين فوق رأسها.
ـ الله يصبحكم بالخير. أم محمود ماخبزتي اليوم؟! التنور مطفي!!!
الله يصبحك بالخير أبو محمود... اعمل معروف وساعدني حتى نزِّل هـَ الطشت!!
ينهض أبو محمود بتثاقل حزين، يسعل ويهمهم ـ الحمد لله... الحمد لله...
يقترب، فتسأله أم حسن:
ـ شو صاير.. انشا الله خير.. ما رجع محمود؟!!

Nay
28/05/2009, 01:55
فرصــــة


عمودان في باحة المدرسة الواسعة. واحدٌ يحمل "بانة" كرة السلة وواحدٌ لا أعرف لماذا ؟! قد يكون لتوازن المدرسة..!!
الساحة تقابل المبنى, والمدخل في وسطه. على يمينه إدارة المدرسة، وعلى يساره غرفتان تستخدمان دورات مياه، واحد للذكور وواحد للإناث، وفي نهاية كل غرفة ، نافذة تطل على ساحة المدرسة.

* * *

كان الدرس مملاً، والمدرس مملاً، والهدوء الزائد، والتثاؤب، مملاً أيضاً.
رفع يده ، وطلب أن يخرج. تفاجأ الجميع خاصة المدرس.
وضع يده على بطنه، فهز المدرس رأسه متفهماً، ووافق.
تصنَّع الألم، وهو يتجه إلى خارج الصفِّ. أغلق الباب.
التهبت عيناه وهما تبحثان عن مكان وقوف موجّه المدرسة، ليهرب منه ومن تساؤلاته المزعجة، لكنه لم يوفّق.
كان موجه المدرسة قد كشّر عن عينيه، ولوّح له بعصا خشبيّ’، ليقترب، فاقترب، يحمل بطنه في يديه، ليوهم الموجّه أنّه مريض. ضحك الموجه مقهقهاًً: كه..كه..كه.. ثم همس:
ـ شو .. مسهِّل؟! كه..كه.. شو إيكل؟! كه..كه.. برد ولا خر..كه..كه..كه.. روح..
ركض باتجاه دورة المياه، ليبتعد عن عيون الفضوليين من مدرّسين وموجهين، وهناك تنفس الصعداء، فصعقته الرائحة الحامضية الواخزة.
اقترب من النافذة المطلّة على الساحة مراقباً فراغها الهشّ، محاولاً إنهاض وسطه المرتخي قبل فوات الأوان.
قُرع الجرس. انتفض جسده، ثم امتص صدمة المفاجأة تلك، وبقي قلبه يرتجف بشدة، وأيقن أن محاولته في صيد لذة عابرة، قد فشلت. فاستاء، وانكمش على النافذة، يراقب خصلات الطلاب من ذكور وإناث.
رأته فتاة مرحة، لثمت بكوع ذراعها خصر صديقتها، وغمزت بعينها، وأشارت إليه بحاجبيها. ضحكت الأخرى، وفهمتْ مغزى تلك النافذة الذابلة.
اقتربت من مرمى عينيه، تعضّ زاوية شفتها السفلى بسنٍّ أبيض لذيذ، وتغزل جديلتها بيدها اليمنى. انتفض في مكانه، وتعثرت نظراته، ثم انتصبت عيناه بهيكلها الخصب.
أدارت له ظهرها، وبقي وجهه معلقاً به. أحنت جذعها، لتوهم الجميع، أنها تريد رفع شيء عن الأرض. أحنته بقوة، فاهتزت تنورة بدلتها الخضراء، وارتفعت للحظة، لكنها كانت كافية لتظهر ألية جميلة محبوسة ومرسومة تحت بنطال ضيق مثير.
انتفض وسطه من حرارة بعيدة مشتهاة.
نهضت الفتاة. جديلتها بيدها اليمنى، وعيناها المحققتان الخطيرتان تتعلقان بمن تأثر عن بعد خلف النافذة الحائرة، وتقدمت.
استدار بسرعة، قبل أن يغيب المشهد من ذاكرته، ودخل دورة المياه، وأقفل الباب من الداخل.
خرج متمهلا حذراً يراقب.
كانت الفتاتان المرحتان تستندان إلى الجدار المقابل.
توقف للحظة مندهشاً، لكنها كانت كافية لتنفجر الفتاتان بضحك مدين وساخر..!!

Nay
21/08/2009, 01:32
قصص ميس القصيرة



جلست ميس خلف طاولتها، وعلّقت العدسات أمام عينيها،
فتأرجح الحبل النحاسيّ، ولثم مثلثات أذنيها.
عبق محيط الكلمات بالصور.
أشعلت ميس جملة، ورسمت بشحارها صورة سكرى.
كتبتْ ميس:
"انهمر المطر، وسال على حبل غسيل، ثم هوى برخاوة،
وتناثر فوق الصّخور".
شطبت الصّخور، وأقفلتْ صورتها بالنّقاط..!!
الفاتحة شاعرية، لكنّها ليست قصّة، وميس تريد كتابة قصّة!؟
احمرّت وجنتاها، غطّت وجهها بكلتي يديها، وتمتمت:
"لقد فشلت المحاولة".
في المتاهة الحديدية، يكثر الوقت، وتكثر السّطور، لكنّ الجمل تهرب،
وتضيع الفواصل.
عنونت ميس القصّة بـ "مواسم" وكتبت على ورقة ناعمة بخط رصاصيّ:
انهمر المطر، وسال على حبل غسيل، وتجمّع عند قدمي
ملقط خشبيّ، ثم هوى برخاوة، وتناثر فوق السّطور.
هربت الجمل، وضاعت الفواصل.
المطر يسقي.
المطر يسقي، والسّطور مواسم حبر ذائب.
تساءلت ميس: هل يكفي؟!
رمت بضع كلمات فوق الطّاولة، فأصدرنَّ رنيناً كالدّراهم.
ركض "الكوميك" الكائن الهامشي، مسح الورق، وجمع السّطور،
وانزلق بخفة تحت الطاولة.وعندما فتح الدفتر، وجده مفلساً،
إلاّ من كلام فارغ. شتم، ونفض يديه، ومسح أنفه،
ثم خرج عارياً، يتزحلق بين السّطور.
عنونت ميس القطعة بـ "كائن هامشي" ثم شردتْ.
أرادت أن تكتب عن رجل ما. عن رجل يهمّها.
تقطف من صحوته عشق السّنين، ويقطف من كلماتها ألقاً في
متاهاة الضّجر.. فكّرت ميس…
يعبر الخصب الزّمنيّ بخطى بطيئة حافة العمر، ويمارس العادة
بجوار القضبان الباردة.
تساقط سنّاً، سنّاً..
لم يقل صباح الخير، لأنّه لم ينم بعد، فقد خرج من الصّباح
مثقلاً بالليالي. ارتمى على بساط متخم بالألوان.
رسم بظلال الكلمات مسيحاً مفجوعاً بالإلفة، محاطاً
بالإسفلت المشعّ، وطقوس الحراسة.
عنونت ميس بـ "زيارة" وكتبتْ:
لم يقل صباح الخير
لم يقل مساء الخير
الكحل يسوِّر عينيه.
والهلام يحبس راحتيه، بمضاجع الإسفلت
وطقوس..
الحراسة.‍‍!؟
تقرأ ميس كلماتها، وتنساها. صورها الشّفّافة تتوقّد ببريق لفافة
تبغ أخضر، فتتوزّع جوقة الكلمات في سطور اللّيل المسكون بالحرقة.
صباحاً…
عندما كانت العصافير تزفر برودة ليل آخر مرّ بسلام كانت قصص
ميس القصيرة تغني سوناتا قاتيّه تآلفت مع أنغام النّدى الفضّيّ.
ثم نامت ميس.

mblue
21/08/2009, 02:41
بسجل متابعة عندك ... بانتظار المزيد :D

Nay
21/08/2009, 12:20
هلا....:D

طوروس
21/08/2009, 19:58
وانا بدي سجل متابع :D

Nay
21/08/2009, 22:07
مغامرة
ركب داخل الدّولاب، وأحنى ظهره، ليسمح لرأسه بالدخول أيضاً.
طوى ساقيه، وأبقى يديه، تلوحان في الخارج.
دار الدّولاب دوره واحدة قبل أن يهبط في الطريق النّازل إلى القرية.
انفرجت ساقاه معاً، فكبحت جماح تلك الحركة، وأيقن
أن المغامرة جاهزة بحركتها وكوابحها.
لوّح الطفلان فرحين وخرج صوتيهما من عمق الدّهشة مهللةً مزغردةً.
بعد ذلك "لم يحمله رأسه" قلب الدولاب، وهبط نحو القرية
بتسارع بطيء سرعان ما اشتدّ، حتى أمسى خطيراً،
وعجز المغامر البطل عن إيقافه.
خرج صوته مختنقاً، خائفاً، باكياً، من قلب الدورات المجنونة.
هلّل الطفلان، وهتفا معاً باسم المغامر الشجاع، وركضا
خلف الدّولاب السريع.
قفز رجل عن سطح داره، ولحق بالدّولاب التّائه،
وعالجه بجدار حجري.
اهتزّ الدّولاب، انشج منه المغامر البطل التّائه من اللّحم،

تهتزّ من فوضى الدّوران.
بعد دقائق من التّرقّب والخوف، فتح عينيه المرتعشتين، وتساءل، لماذا تدور الدّنيا؟!
عندما استقرّت عيناه، أنّبه الرجل بشدّة مندهشاً، كيف يرمي الغبيّ نفسه إلى الموت!!
لكن المغامر لم يرد.
قاد الدّولاب أمامه، وقفز فوقه، ودوّر شفتيه، ليسمح لصفيره أن يخرج.
بصق الرّجل على الأرض، وتمتم بينه وبين نفسه، وعاد يعرج إلى داره.
شتم الطّفلان كل الكبار لإعاقتهم المغامرات المذهلة،
وتمنّيا ألا يكبرا، وعادا إلى البيت بحلم جميل.

Nay
25/08/2009, 17:42
إيجار
كان يجب تأمين ثمن إيجار المنزل الذي يسكناه؛
زوجان بلا أولاد، بلا وظيفة، بلا أحلام كبيرة.
حاول جاهداً، لكنّه كالعادة. لا يوفّر من عمله المؤقت.
وأحياناً لا يستطيع توفير الطّعام.
وكل يوم تسأله الزوجة بلهفة وخوف، إذا كان قد استطاع توفير
ما يكفي، لكنّه يهزّ رأسه نافياً بأسى، ثم لا يلبث أن يبتسم، ويحكّ رأسه، فتبتسم خائفة.
يضحك ليزرع الأمل في عروقها، فتضحك.
يضحكان، ثم يتضاجعان، وينامان حين يعدها أنّ غداً سيكون أفضل.
مرّ اليوم قبل الأخير بسرعة. كان قد أخفق في ادخار ما يلزم ثمناً للإيجار. كان يطوي عينيه بائساً، وكانت تشرد عن ثغاء الأخيلة التي تطير حول رأسها النّابض.
مساء اليوم التّالي. عاد إلى البيت خائباً.
كان ثمن إيجار البيت فوق الطّاولة الصغيرة بجوار فنجان قهوة فارغ..
ناما باكراً. لم يتحدثا. لم يضحكا. لم يتضاجعا. فقد كانت صفراء
منهكة، وكانت قد ضمّت ساقيها، وشفتيها، ويديها، وأزرار عينيها بقوّة…!!