الأندلسي
10/10/2007, 08:23
في مدرسة «لا إيغويرا»، وفي مثل يوم أمس، 9 تشرين الأول من العام ,1967 أُعدِم «إل تشي» رمياً بالرصاص. وأصبحت تلك القرية الصغيرة في ولاية فاييغرانده البوليفيّة أشبه بمحجّ لكثيرين آمنوا بذلك الثائر وقد اعتبروه قديساً فأسموه «سان إرنستو دي لا إيغويرا» أو «كريستو (مسيح) دي لا فاييغرانده».
بعد أربعين عاماً على الجريمة، ما زال السكان المحليّون يحيون المراسم الدينيّة هناك ويجدّدون النصب التذكارية تخليداً لذكرى من حمل قضاياهم، وإن حاول كثيرون تحطيم صورته. فاليوم، يعمد البعض إلى نشر تقارير صحافية والترويج لها (حتّى)، مفادها أن غيفارا كان «متعجرفاً»، و«مجرم حرب»، و«عنيفاً».
وإذا ما أهملنا أن هذه التقارير مبنيّة على شهادات من معارضين كوبيّين، ومن رفاق سلاح انشقّوا، ومن بعض عناصر الاستخبارات المركزية الأميركيّة التي حاولت «اصطياد» غيفارا، كيف يكون متعجرفاً ذلك الذي حمل قضيّة الفلاحين والمستضعفين في العالم وقد تخلّى عن المراكز الرسميّة وعن بورجوازيّة العائلة؟ كيف يكون مجرم حرب ذلك الذي حمل السلاح وهمّه أن «يبقى الثوار منتصبين، يملأون الأرض ضجيجاً، كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين»؟ أما العنف فإن فعل حمل السلاح بحدّ ذاته يعتبر أمراً عنيفاً.
هي مجرّد تقارير صحافية، لكن كتّابها يسعون ولا شك إلى زعزعة إيمان هؤلاء الذين اتّخذوا غيفارا مثالاً من خلال تشويه صورته. ربما كانت تلك الشهادات (المشكوك بها نظراً لهويّة مقدّميها) حقيقيّة. لكن، لماذا إثارتها اليوم؟ هل الهدف منها خدمة الذين وقف ذلك المناضل في وجههم لا سيّما الولايات الأميركيّة التي تطيح اليوم بكلّ ما من شأنه أن يشكّك بنهجها، وتلك «الدول المتقدّمة» التي تسعى لإبقاء بلدان العالم الثالث تحت رحمتها؟ أم أن الأمر مجرّد تحطيم «أيقونات» لجعل الشعوب تطلّع إلى مثل جديدة فتنسى تلك «الأفكار القديمة البالية». من جهة ثانية، يأتي كتاب دان براون «شيفرة دا فينشي» والفيلم الذي تبعه مثلاً، ليشكّل محاولة مماثلة لتحطيم «أيقونة» المسيح. وإن كان يفضح ممارسات كثيرة للكنيسة، إلا أن المشكلة الحقيقيّة تكمن في إظهار المسيح بصورة مخالفة عن تلك التي رسمها له المؤمنون به على مدى ألفيّتين من الزمن.
غيفارا والمسيح.. كثيرون عدّدوا نقاط التشابه بينهما. وكان ذلك واضحاً عندما تمّ نقل جثمان غيفارا وتسجيته في مدينة فاييغرانده جنوب قرية لا إيغويرا.. الشعر الأشعث واللحية والملامح والعينان المفتوحتان. هؤلاء طالبوا بتطويبه قدّيساً.. وتقول إحدى سكّان المدينة بعد أربعين عاماً «روحه تسكن هنا. هو قديسنا».
من جهة أخرى، وفي الإطار نفسه الذي يحاول تحطيم صورة الثائر على «الرأسمالية» هذه المرّة، حمّل أحد مراسلي وكالة «رويترز»، في تقرير نشرته دوريّة «ليكسبرس» الفرنسيّة، تشي غيفارا مسؤوليّة المتاجرة بصوره وباسمه وبرواية آخر لحظات حياته. ويقول التقرير: «يدفع السيّاح أربعة أو خمسة دولارات لقاء سماع بعض القصص من الذين عايشوا إل تشي ولو للحظات أو هؤلاء الذين ساروا وراء جثمانه». لكن، كيف يتحمّل غيفارا مسؤولية ذلك؟ هو حرّضهم على الثورة ليس إلا. كذلك، فإن بضعة دولارات يجنيها هؤلاء (الفقراء) من السيّاح لن تجعلهم «رأسماليين قذرين».
إن المتاجرة باسم غيفــارا لا تكمن في بعض أكواب أو قمصان قطنيّة أو علاقات مفاتيح طبعت عليها صــورته. إن الاستغــلال الحقيقـي هو الذي قام به رأسماليون حقيقيون قبل حـوالى 10 سنــوات. ففي العــام ,1997 تمّ نبش رفات غيفارا في فاييغــرانده لتُنــقل من بعــدها إلى كـوبا حيث سجيّت مع رفات ستة من رفاقه في سانتا كلارا. وقد رأى مصّنعو الألبسة والعطور فرصة ذهبيّة لطرح ماركة «تشي» في الأسواق.. فنظمت عروض أزياء خاصة مع بيريهات (جمع «بيريه») وسراويل عسكرية على وقع ألحان «ثوريّة». وكانت بعض هذه الألحان والأغنيات قد وضعت خصيصاً في خضم تلك الموجة، واشتهرت المغنية نتالي كاردونه، على سبيل المثال، بإعادة تسجيل أغنية Hasta Siempre Comandante (إلى الأبد أيها القائد). وفي ظلّ تلك الموجة، كانت جولة لكاميلو تشي غيفارا، نجل القائد المناضل، في عدد من البلدان حول العالم. وقد كان للبنان نصيبه من تلك الجولة في العام ,1998 إذ حضر الإبن مع رفيق والده أورلاندو بوريغو.. ومن لا يتذكر (من الذين كانوا حاضرين) المواكبة الأمنيّة على طريقة الأنظمة العربية التي رافقت وصول غيفارا الابن إلى مسرح «المدينة» في بيروت.. ربما تشي لم يكن ليقبل بها.. ربما.
قبل فترة من الزمن، نشــر فليــكس رودريغيــس، العميــل الســابق لجهاز الاستخبارات الأميركيــة (CIA) الذي كان يقود عملية «اصطياد» إل تشي، صوراً لم تنشر بعد عن إعدامه. وهي تمثل اللحظــات الأخيرة التي قضاها هذا الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه، كذلك تلك التي تبعــت تصفيته. وقد تكون هذه الصور قد شكّلت الدليل القاطع الذي ينفي قضاء غيفارا في معارك طاحنة مع الجيش البوليفي.
كثيرة هي الصور التي التقطت لغيفــارا وأرّخــت لمسـيرته التي لم تتخطّ 39 عاماً.. سني حياته المعلّقة. لكن الصورة الأشهر هـي تلك التي تمّ استخدامها بأشكال مختلفة لا سيـّما البورتريه الأســود على الخلـفـية الحمراء أو ذلك الأسود والأبيض مع النجــمة الحــمراء اللــذين عـدّلهما الفنان الإيرلندي فيتز باتريك في العام .1968 وكان باتــريك قد حصل على الصورة الأصلية من مجموعة فوضــويين هولنــديين في العام ,1965 ويعتقد أن مصدر تلك الصورة هو المفكّر الفرنسي جـان بول سارتر. لكن الصورة الأساس تعود إلى المصوّر الصحافي الكوبي ألبيرتو كوردا الذي اشتهر لصورته تلك التي أخذها في 5 آذار 1960 في مأتم كوبي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على الفيلم ذاته وُجدت صور لكلّ من سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر. أما صورة تشي فلم تنشر قبل مماته. في ذلك الحين، حصل الناشر الإيطالي فالترينيللي على حقوق نشر مذكّرات غيفارا في بوليفيا وقد أرفقها ببوستر كبير لصورة كوردا.
لم يسأل كوردا عن أية امتيازات بخصوص إعادة نشر هذه الصورة. فغيفارا كان يمثّل أفكاره الثوريّة. لكن، في العام ,2000 عندما استخدمت إحدى شركات الفودكا صورة تشي لترويج منتجها الجديد، شنّ كوردا حملة على استغلال صورة الثائر. فربح خمسين ألف دولار قدّمها كاملة إلى النظام الصحي الكوبي، قائلاً: «لو كان حياً، لكان قام بالمثل». ميليا بو جودة
بعد أربعين عاماً على الجريمة، ما زال السكان المحليّون يحيون المراسم الدينيّة هناك ويجدّدون النصب التذكارية تخليداً لذكرى من حمل قضاياهم، وإن حاول كثيرون تحطيم صورته. فاليوم، يعمد البعض إلى نشر تقارير صحافية والترويج لها (حتّى)، مفادها أن غيفارا كان «متعجرفاً»، و«مجرم حرب»، و«عنيفاً».
وإذا ما أهملنا أن هذه التقارير مبنيّة على شهادات من معارضين كوبيّين، ومن رفاق سلاح انشقّوا، ومن بعض عناصر الاستخبارات المركزية الأميركيّة التي حاولت «اصطياد» غيفارا، كيف يكون متعجرفاً ذلك الذي حمل قضيّة الفلاحين والمستضعفين في العالم وقد تخلّى عن المراكز الرسميّة وعن بورجوازيّة العائلة؟ كيف يكون مجرم حرب ذلك الذي حمل السلاح وهمّه أن «يبقى الثوار منتصبين، يملأون الأرض ضجيجاً، كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين»؟ أما العنف فإن فعل حمل السلاح بحدّ ذاته يعتبر أمراً عنيفاً.
هي مجرّد تقارير صحافية، لكن كتّابها يسعون ولا شك إلى زعزعة إيمان هؤلاء الذين اتّخذوا غيفارا مثالاً من خلال تشويه صورته. ربما كانت تلك الشهادات (المشكوك بها نظراً لهويّة مقدّميها) حقيقيّة. لكن، لماذا إثارتها اليوم؟ هل الهدف منها خدمة الذين وقف ذلك المناضل في وجههم لا سيّما الولايات الأميركيّة التي تطيح اليوم بكلّ ما من شأنه أن يشكّك بنهجها، وتلك «الدول المتقدّمة» التي تسعى لإبقاء بلدان العالم الثالث تحت رحمتها؟ أم أن الأمر مجرّد تحطيم «أيقونات» لجعل الشعوب تطلّع إلى مثل جديدة فتنسى تلك «الأفكار القديمة البالية». من جهة ثانية، يأتي كتاب دان براون «شيفرة دا فينشي» والفيلم الذي تبعه مثلاً، ليشكّل محاولة مماثلة لتحطيم «أيقونة» المسيح. وإن كان يفضح ممارسات كثيرة للكنيسة، إلا أن المشكلة الحقيقيّة تكمن في إظهار المسيح بصورة مخالفة عن تلك التي رسمها له المؤمنون به على مدى ألفيّتين من الزمن.
غيفارا والمسيح.. كثيرون عدّدوا نقاط التشابه بينهما. وكان ذلك واضحاً عندما تمّ نقل جثمان غيفارا وتسجيته في مدينة فاييغرانده جنوب قرية لا إيغويرا.. الشعر الأشعث واللحية والملامح والعينان المفتوحتان. هؤلاء طالبوا بتطويبه قدّيساً.. وتقول إحدى سكّان المدينة بعد أربعين عاماً «روحه تسكن هنا. هو قديسنا».
من جهة أخرى، وفي الإطار نفسه الذي يحاول تحطيم صورة الثائر على «الرأسمالية» هذه المرّة، حمّل أحد مراسلي وكالة «رويترز»، في تقرير نشرته دوريّة «ليكسبرس» الفرنسيّة، تشي غيفارا مسؤوليّة المتاجرة بصوره وباسمه وبرواية آخر لحظات حياته. ويقول التقرير: «يدفع السيّاح أربعة أو خمسة دولارات لقاء سماع بعض القصص من الذين عايشوا إل تشي ولو للحظات أو هؤلاء الذين ساروا وراء جثمانه». لكن، كيف يتحمّل غيفارا مسؤولية ذلك؟ هو حرّضهم على الثورة ليس إلا. كذلك، فإن بضعة دولارات يجنيها هؤلاء (الفقراء) من السيّاح لن تجعلهم «رأسماليين قذرين».
إن المتاجرة باسم غيفــارا لا تكمن في بعض أكواب أو قمصان قطنيّة أو علاقات مفاتيح طبعت عليها صــورته. إن الاستغــلال الحقيقـي هو الذي قام به رأسماليون حقيقيون قبل حـوالى 10 سنــوات. ففي العــام ,1997 تمّ نبش رفات غيفارا في فاييغــرانده لتُنــقل من بعــدها إلى كـوبا حيث سجيّت مع رفات ستة من رفاقه في سانتا كلارا. وقد رأى مصّنعو الألبسة والعطور فرصة ذهبيّة لطرح ماركة «تشي» في الأسواق.. فنظمت عروض أزياء خاصة مع بيريهات (جمع «بيريه») وسراويل عسكرية على وقع ألحان «ثوريّة». وكانت بعض هذه الألحان والأغنيات قد وضعت خصيصاً في خضم تلك الموجة، واشتهرت المغنية نتالي كاردونه، على سبيل المثال، بإعادة تسجيل أغنية Hasta Siempre Comandante (إلى الأبد أيها القائد). وفي ظلّ تلك الموجة، كانت جولة لكاميلو تشي غيفارا، نجل القائد المناضل، في عدد من البلدان حول العالم. وقد كان للبنان نصيبه من تلك الجولة في العام ,1998 إذ حضر الإبن مع رفيق والده أورلاندو بوريغو.. ومن لا يتذكر (من الذين كانوا حاضرين) المواكبة الأمنيّة على طريقة الأنظمة العربية التي رافقت وصول غيفارا الابن إلى مسرح «المدينة» في بيروت.. ربما تشي لم يكن ليقبل بها.. ربما.
قبل فترة من الزمن، نشــر فليــكس رودريغيــس، العميــل الســابق لجهاز الاستخبارات الأميركيــة (CIA) الذي كان يقود عملية «اصطياد» إل تشي، صوراً لم تنشر بعد عن إعدامه. وهي تمثل اللحظــات الأخيرة التي قضاها هذا الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه، كذلك تلك التي تبعــت تصفيته. وقد تكون هذه الصور قد شكّلت الدليل القاطع الذي ينفي قضاء غيفارا في معارك طاحنة مع الجيش البوليفي.
كثيرة هي الصور التي التقطت لغيفــارا وأرّخــت لمسـيرته التي لم تتخطّ 39 عاماً.. سني حياته المعلّقة. لكن الصورة الأشهر هـي تلك التي تمّ استخدامها بأشكال مختلفة لا سيـّما البورتريه الأســود على الخلـفـية الحمراء أو ذلك الأسود والأبيض مع النجــمة الحــمراء اللــذين عـدّلهما الفنان الإيرلندي فيتز باتريك في العام .1968 وكان باتــريك قد حصل على الصورة الأصلية من مجموعة فوضــويين هولنــديين في العام ,1965 ويعتقد أن مصدر تلك الصورة هو المفكّر الفرنسي جـان بول سارتر. لكن الصورة الأساس تعود إلى المصوّر الصحافي الكوبي ألبيرتو كوردا الذي اشتهر لصورته تلك التي أخذها في 5 آذار 1960 في مأتم كوبي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على الفيلم ذاته وُجدت صور لكلّ من سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر. أما صورة تشي فلم تنشر قبل مماته. في ذلك الحين، حصل الناشر الإيطالي فالترينيللي على حقوق نشر مذكّرات غيفارا في بوليفيا وقد أرفقها ببوستر كبير لصورة كوردا.
لم يسأل كوردا عن أية امتيازات بخصوص إعادة نشر هذه الصورة. فغيفارا كان يمثّل أفكاره الثوريّة. لكن، في العام ,2000 عندما استخدمت إحدى شركات الفودكا صورة تشي لترويج منتجها الجديد، شنّ كوردا حملة على استغلال صورة الثائر. فربح خمسين ألف دولار قدّمها كاملة إلى النظام الصحي الكوبي، قائلاً: «لو كان حياً، لكان قام بالمثل». ميليا بو جودة