-
دخول

عرض كامل الموضوع : عندما هزم أحمد فتفت إسرائيل


الأندلسي
28/09/2007, 07:28
يجب الإقرار بأنّ انتقاد بعض الساسة اللبنانيّين لم يعد سهلاً (قانونياً أو حتى بمقياس القانون الدولي) في عهد «حرص» ما يسمى في لبنان «المجتمع الدولي»، وفي عهد الإصرار الغربي على استمرار حكومة السنيورة إلى ما لا نهاية. فسرمدية حكومة السنيورة الفذة باتت واحدة مما بقي من عقيدة بوش. لعل السنيورة يغطي ـــــ وهو يفعل ما بوسعه ـــــ تعثّرات وكوارث المشروع الاميركي في العراق.
وحق النقد مكفول في الدستور الفرنسي المعدّل في لبنان (لا يزال جهابذة القانون في لبنان يهرعون الى خبراء فرنسا للوقوف على آرائهم السديدة في تفسير الدستور. وكم أثقل ريمون إده على دالوز في هذا الصدد حتى إن الاخير كفر بلبنان والتبولة على الارجح عندما كان نواب لبنان يصرون على إيقاظه من النوم في كل طلوع)، وإن شابته تطورات لبنانية سياسية. فإنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري (مع إصرار على العفو عن قتلة اللبنانيين واللبنانيات من قبل جيش إسرائيل ـــــ ماذا حدث للشكوى اللبنانية ضد إسرائيل في مجلس الأمن؟ نسينا أن وزير العدل مشغول بحملته الرئاسية وبعقود شركاته «المعلوماتية») زاد من التشوّش الذي يسود أذهان اللبنانيين بالنسبة لعلاقة لبنان بالعالم («هل كم أرزة العاجقين الكون» كما أصر الرحابنة في شعر يونس الابن).
فبعض الساسة في لبنان يتعامل مع المحكمة كما لو أنها مخفر البسطة (هل لا يزال التفريق بين البسطة الفوقا والتحتا معمولاً به، نتساءل؟). فعندما أدلت سوسن درويش بدلوها عفواً على الهواء، هدّدها أحمد فتفت بالمحكمة الدولية، واتصل بالمحكمة شاكياً (باكياً؟). وبالأمس، عندما اعترض مروان حمادة على مقابلة سليمان فرنجية التلفزيونية، هدّده أيضاً بالمحكمة الدولية. هم يظنون أنّ المحكمة تُنشأ لتصفية الحسابات بين الساسة في لبنان، بينما الهدف الحقيقي لإنشائها هو لتصفية حسابات واشنطن، لا حساباتهم هم، في المنطقة.
نتصوّر ردّ فعل المحقّق سيرج براميرتس عندما يتلقى اتصالاً من فتفت أو من غيره معترضاً فيه على تصريح معيّن من سياسي خصم. فالنقد لأيٍّ من أقطاب 14 آذار، أو حتى لسياسيّي الصف الثالث، يتحوّل فوراً إلى تحريض وإلى دليل على تورّط الناقد في مؤامرة اغتيال الحريري. من هنا، على المواطن في لبنان أن يتيقّن أنّ أيّ نقد موجّه لوزير الشباب والأحداث في لبنان سيُجابه بتقديم شكوى الى مجلس الأمن. وهناك في 14 آذار من هدّد بتقديم كلّ من يتخلّف عن حفل انتخاب رئيس جديد لما بقي من الجمهورية، الى المحكمة الدولية. لا ندري إذا كان اللبنانيّ (أو اللبنانيّة) يستطيع أن يتقدّم بشكوى الى المحكمة الدولية إذا تناول صحن فول فاسد. لمَ لا؟
ماذا تقول عن أحمد فتفت؟ هو ظاهرة سمحت لنا باقتراح تسمية «الفتفتيّة» للتدليل على نمط سياسي انتهازي ـــــ عريق في تاريخ السياسة في لبنان ـــــ (والعراقة في السياسة تذكّر بترحّم بيان المطارنة الأخير على أيّام الكتلتيْن، عندما كان إميل إده يُنصب من قبل المستعمِر وعندما كان يرسل مبعوثين الى الحركة الصهيونية كما يذكر اتامار رابينوفتش في كتابه عن تاريخ لبنان). فالوزير فتفت بارع في نقل البندقية من كتف الى كتف الى كتف وهلمّ جرّا، وفي تزوير السيرة الشخصية.
«الفتفتية» هي أن تناقض نفسك في جملة واحدة، أو أن تورد أكثر من كذبة في الجملة الواحدة. «الفتفتية» هي أن تتكيّف مع القوى الخارجية التي تتحكّم بالبلاد، وأن تدّعي البطولة ضدّ من لم يعد مسيطراً على البلد. «الفتفتية» هي التفريط بالتراب الوطني لترويج صناعة الشاي المستورد. «الفتفتية» هي أن تتقن التحريض الطائفي في الوقت نفسه الذي تصيح فيه بشعارات الدولة المدنية. «الفتفتية» هي ألا يصدّق المرء أقوالك حتى لو نطقتَ بالحقّ لكثرة ما نطقتَ بالباطل. «الفتفتية» هي مدرسة عريقة في السياسة اللبنانية: هي في أساس صنع السياسة في لبنان عبر نبذ المبدئية والصدق في الخطاب وفي الفعل. «الفتفتية» هي مضادة للمروءة عند العرب (التي تعني في تعريف منقول عن الأصمعي ألّا تفعل في السرّ ما قد تستحي من فعله في العلن). وينطبق على «الفتفتيّة» ما قاله السناتور بوب كاري عن بيل كلينتون من أن عليك أن تعترف بمهارته في الكذب. وأخيراً، «الفتفتية» هي في إيلاء الظهور الإعلامي أهمية تفوق كل ما عداها. لهذا، فإنك تجد الوزير المثقل بهموم الكرة الطائرة وهموم الشباب والأطفال متفرّغاً لمقابلات على الأقنية العربية.
ماذا تزيد على اسم أحمد فتفت. فمجرد الاسم صار مثارة للسخرية أو الدعابة أو حتى الشتيمة (ذكرت النيويورك تايمز بعض الهتافات الذي أطلقها ضده بعض المتظاهرين يوم مجزرة قانا الثانية، وإن تسترت عليها الصحف اللبنانية آنذاك). تستطيع أن تقول إن مجرّد الاسم يذكر المرء بالشاي، مثلاً، أو بأصول واجب الضيافة للمحتل المعتدي. وهو يذكّر بنمط من السياسيين الذين تعاملوا وتساهلوا مع الاحتلال النازي لفرنسا.
لكنّ أحمد فتفت هو أكثر من شخص: إنّه ظاهرة غير غريبة البتّة عن الحياة السياسية في لبنان. ولا يمكن فصل الحياة السياسية لفتفت عن مساوئ النظام السياسي في لبنان. وقد ظهر فتفت أخيراً في مقابلة مطوّلة على تلفزيون «الجديد» تعرّفنا فيها عليه أكثر. فقد تحدّث عن ماضيه السياسيّ بما يعتقد أنه صراحة، كما أنه صارحنا للمرة الاولى عن منذر فتفت، مستشار بول بريمر لشؤون الكرة الطائرة. لم نكن ندري أن عبقريّاً لبنانيّاً آخر يُضاف الى قائمة العباقرة اللبنانيين الذين يملأون صفحات «النهار» وشاشة الـ«ال.بي.سي»، التي جعلت من المخرج الأميركي (من أصل يوناني)، إيليا كازان، لبنانياً. (ظنته من آل قازان، جيراننا في الطفولة في حي المزرعة. طبعاً، لا تكترث الـ«ال.بي.سي» بكون كازان من الذين «أدلوا بدلوهم» في حملة المكارثية التي أودت بشيوعيّين وغير شيوعيّين إلى غياهب السجون).


يتبع .....................,,,,<<<<<<

الأندلسي
28/09/2007, 07:30
يجب الإقرار بأنّ انتقاد بعض الساسة اللبنانيّين لم يعد سهلاً (قانونياً أو حتى بمقياس القانون الدولي) في عهد «حرص» ما يسمى في لبنان «المجتمع الدولي»، وفي عهد الإصرار الغربي على استمرار حكومة السنيورة إلى ما لا نهاية. فسرمدية حكومة السنيورة الفذة باتت واحدة مما بقي من عقيدة بوش. لعل السنيورة يغطي ـــــ وهو يفعل ما بوسعه ـــــ تعثّرات وكوارث المشروع الاميركي في العراق.
وحق النقد مكفول في الدستور الفرنسي المعدّل في لبنان (لا يزال جهابذة القانون في لبنان يهرعون الى خبراء فرنسا للوقوف على آرائهم السديدة في تفسير الدستور. وكم أثقل ريمون إده على دالوز في هذا الصدد حتى إن الاخير كفر بلبنان والتبولة على الارجح عندما كان نواب لبنان يصرون على إيقاظه من النوم في كل طلوع)، وإن شابته تطورات لبنانية سياسية. فإنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري (مع إصرار على العفو عن قتلة اللبنانيين واللبنانيات من قبل جيش إسرائيل ـــــ ماذا حدث للشكوى اللبنانية ضد إسرائيل في مجلس الأمن؟ نسينا أن وزير العدل مشغول بحملته الرئاسية وبعقود شركاته «المعلوماتية») زاد من التشوّش الذي يسود أذهان اللبنانيين بالنسبة لعلاقة لبنان بالعالم («هل كم أرزة العاجقين الكون» كما أصر الرحابنة في شعر يونس الابن).
فبعض الساسة في لبنان يتعامل مع المحكمة كما لو أنها مخفر البسطة (هل لا يزال التفريق بين البسطة الفوقا والتحتا معمولاً به، نتساءل؟). فعندما أدلت سوسن درويش بدلوها عفواً على الهواء، هدّدها أحمد فتفت بالمحكمة الدولية، واتصل بالمحكمة شاكياً (باكياً؟). وبالأمس، عندما اعترض مروان حمادة على مقابلة سليمان فرنجية التلفزيونية، هدّده أيضاً بالمحكمة الدولية. هم يظنون أنّ المحكمة تُنشأ لتصفية الحسابات بين الساسة في لبنان، بينما الهدف الحقيقي لإنشائها هو لتصفية حسابات واشنطن، لا حساباتهم هم، في المنطقة.
نتصوّر ردّ فعل المحقّق سيرج براميرتس عندما يتلقى اتصالاً من فتفت أو من غيره معترضاً فيه على تصريح معيّن من سياسي خصم. فالنقد لأيٍّ من أقطاب 14 آذار، أو حتى لسياسيّي الصف الثالث، يتحوّل فوراً إلى تحريض وإلى دليل على تورّط الناقد في مؤامرة اغتيال الحريري. من هنا، على المواطن في لبنان أن يتيقّن أنّ أيّ نقد موجّه لوزير الشباب والأحداث في لبنان سيُجابه بتقديم شكوى الى مجلس الأمن. وهناك في 14 آذار من هدّد بتقديم كلّ من يتخلّف عن حفل انتخاب رئيس جديد لما بقي من الجمهورية، الى المحكمة الدولية. لا ندري إذا كان اللبنانيّ (أو اللبنانيّة) يستطيع أن يتقدّم بشكوى الى المحكمة الدولية إذا تناول صحن فول فاسد. لمَ لا؟
ماذا تقول عن أحمد فتفت؟ هو ظاهرة سمحت لنا باقتراح تسمية «الفتفتيّة» للتدليل على نمط سياسي انتهازي ـــــ عريق في تاريخ السياسة في لبنان ـــــ (والعراقة في السياسة تذكّر بترحّم بيان المطارنة الأخير على أيّام الكتلتيْن، عندما كان إميل إده يُنصب من قبل المستعمِر وعندما كان يرسل مبعوثين الى الحركة الصهيونية كما يذكر اتامار رابينوفتش في كتابه عن تاريخ لبنان). فالوزير فتفت بارع في نقل البندقية من كتف الى كتف الى كتف وهلمّ جرّا، وفي تزوير السيرة الشخصية.
«الفتفتية» هي أن تناقض نفسك في جملة واحدة، أو أن تورد أكثر من كذبة في الجملة الواحدة. «الفتفتية» هي أن تتكيّف مع القوى الخارجية التي تتحكّم بالبلاد، وأن تدّعي البطولة ضدّ من لم يعد مسيطراً على البلد. «الفتفتية» هي التفريط بالتراب الوطني لترويج صناعة الشاي المستورد. «الفتفتية» هي أن تتقن التحريض الطائفي في الوقت نفسه الذي تصيح فيه بشعارات الدولة المدنية. «الفتفتية» هي ألا يصدّق المرء أقوالك حتى لو نطقتَ بالحقّ لكثرة ما نطقتَ بالباطل. «الفتفتية» هي مدرسة عريقة في السياسة اللبنانية: هي في أساس صنع السياسة في لبنان عبر نبذ المبدئية والصدق في الخطاب وفي الفعل. «الفتفتية» هي مضادة للمروءة عند العرب (التي تعني في تعريف منقول عن الأصمعي ألّا تفعل في السرّ ما قد تستحي من فعله في العلن). وينطبق على «الفتفتيّة» ما قاله السناتور بوب كاري عن بيل كلينتون من أن عليك أن تعترف بمهارته في الكذب. وأخيراً، «الفتفتية» هي في إيلاء الظهور الإعلامي أهمية تفوق كل ما عداها. لهذا، فإنك تجد الوزير المثقل بهموم الكرة الطائرة وهموم الشباب والأطفال متفرّغاً لمقابلات على الأقنية العربية.
ماذا تزيد على اسم أحمد فتفت. فمجرد الاسم صار مثارة للسخرية أو الدعابة أو حتى الشتيمة (ذكرت النيويورك تايمز بعض الهتافات الذي أطلقها ضده بعض المتظاهرين يوم مجزرة قانا الثانية، وإن تسترت عليها الصحف اللبنانية آنذاك). تستطيع أن تقول إن مجرّد الاسم يذكر المرء بالشاي، مثلاً، أو بأصول واجب الضيافة للمحتل المعتدي. وهو يذكّر بنمط من السياسيين الذين تعاملوا وتساهلوا مع الاحتلال النازي لفرنسا.
لكنّ أحمد فتفت هو أكثر من شخص: إنّه ظاهرة غير غريبة البتّة عن الحياة السياسية في لبنان. ولا يمكن فصل الحياة السياسية لفتفت عن مساوئ النظام السياسي في لبنان. وقد ظهر فتفت أخيراً في مقابلة مطوّلة على تلفزيون «الجديد» تعرّفنا فيها عليه أكثر. فقد تحدّث عن ماضيه السياسيّ بما يعتقد أنه صراحة، كما أنه صارحنا للمرة الاولى عن منذر فتفت، مستشار بول بريمر لشؤون الكرة الطائرة. لم نكن ندري أن عبقريّاً لبنانيّاً آخر يُضاف الى قائمة العباقرة اللبنانيين الذين يملأون صفحات «النهار» وشاشة الـ«ال.بي.سي»، التي جعلت من المخرج الأميركي (من أصل يوناني)، إيليا كازان، لبنانياً. (ظنته من آل قازان، جيراننا في الطفولة في حي المزرعة. طبعاً، لا تكترث الـ«ال.بي.سي» بكون كازان من الذين «أدلوا بدلوهم» في حملة المكارثية التي أودت بشيوعيّين وغير شيوعيّين إلى غياهب السجون).

د. أسعد أبو خليل - جريدة الأخبار اللبنانية