dot
25/09/2007, 12:40
بقلم: كارن هاينز
بلقيس امرأة مقاييسها تطابقت مع مقاييس الشعر.وهذا شيء نادر في تاريخ النساء، وفي تاريخ الشعر.1
في عام ١٩٨٢، كتب نزار قباني قصيدة في غاية الجمال لزوجته الراحلة بلقيس. القصيدة مليئة بالحزن على موت بلقيس وبالغضب على طريقة موتها وبالحبّ العظيم. ولكن بالرغم من جمال القصيدة، فإنه ثمة تناقضاً في حياة نزار قباني.. كيف يكون «شاعر الحب» متزوجاً؟ وكيف تكون أي امرأة زوجة للرجل الذي وصف مهنته بـ«عاشق»2 ؟.. بكلمة واحدة: هل بإمكان الرجل الذي يحبّ كل النساء، أن يحبّ امرأة واحدة؟
قال نزار قباني عن لقائه ببلقيس: «في عام ١٩٦٩ جئتُ إلى بغداد لأُلقيَ قصيدةً.. وبعد قراءة قصيدتي، التقيتُ بقصيدةٍ ثانية اسمها (بلقيس) وتَزَوَّجتُها.. وأقمنا قبلَ عَشْرِ سَنَواتٍ، أَوَّلَ مؤسَّسةٍ وَحْدَويّةٍ بين قَلْبَيْن.. »3.
سكن نزار وبلقيس في بيروت حيث عملت في السفارة العراقية ومن زواجهما أنجبا ولدين زينب وعمر. توفيت بلقيس في ١٥ ديسمبر ١٩٨٢ في عملية انتحارية استهدفت السفارة العراقية خلال الحرب الأهلية اللبنانية. لام نزار العالم العربي كله عن موت زوجته المحبوبة ورفض الزواج مجدداً.
هذه هي الحقائق الأساسية، ولكنها لا تلقي الضوء على علاقته الحميمة مع زوجته. بالطبع كان لنزار قباني عدد كبير من العلاقات النسوية قبل زواجه ببلقيس وبعده ومن المحتمل انه كان له حبيبات غيرها خلال زواجه، حينما كتب المئات من قصائد الحبّ. لقد شرح نزار في أكثر من مقابلة أن النساء في شعره نساء حقيقيات وغير متخيلات: «٩٥ بالمئة من نسائي من لحم ودم... لم أمارس أبداً (الحبّ) بالنظّارات.. ولا (الجنس) بالنظّارات»4. وعندما سئل إذا كان شعره يعود إلى امرأة واحدة، ردّ: «لو كان شعري عائداً لامرأةٍ واحدة... لكتبت قصيدةً واحدةً.. واستقلت»5. لا بدَّ أن يكون هذا مبالغة إلى حدّ ما فمن المستحيل أن يعود في كل قصيدة إلى امرأة مختلفة، ولكن يبدو واضحاً أنه كان ثمة نساءً كثيراتٍ في حياته.
سوف يكون الأمر مدهشاً إذا لم يبحث خلال أكثر من عشر سنوات مع امرأة واحدة، عن الحبّ الجديد والأحاسيس الغرامية المثيرة التي ترافقه. إذا سلّمنا بأنه كتب مئات القصائد الغرامية في فترة زواجه، فمن الصعب التصديق أن كل هذه القصائد كانت عن زوجته وأم أولاده، فكما قال نزار: «السلام مع المرأة، يُنجِبُ أطفالاً.. ولكنّه لا يُنجب شعراً.. »6. اعتقدَ نزار أن الحبّ يجب أن يكون دائماً كـ«حصان الدهشة»... و«متى دخل الحبّ في نطاق العادات اليومية تحوّل إلى وظيفة ككّل الوظائف الحكومية، وصار مؤسّسة. ومتى تحوّل الحبّ إلى مؤسّسة.. انتحر..»7. وما الزواج إلا مؤسّسة، حتى لو كان مؤسّسة بين قلبين !
ولكن يوجد شيء من التناقض في هذا الكلام أيضاً فمن الواضح أن حبّه لبلقيس لم ينتحر. وإلى جانب ذلك - تبعاً لما قاله - كانت معظم نسائه «أوهام» و لا يقعن في خانة «الحبّ الحقيقي» لقد ادّعى - بخلاف سمعته - «... إنني نادراً ما وقعتُ في الحب. خمس مرّات ربما.. في مدى ثلاثين عاماً»8. في هذا الادعاء شيء من المفاجأة... هل يمكننا أن نصدّقه؟ طبعاً، لا يوجد دليل ثابت على هذا الموضوع، ولكنني شخصياً أصدّق كلامه وأعتقد أنه، على الرغم من مغامراته الكثيرة بحثاً عن «فدائية تقبل أن تموت على صدري وعلى صدر الشعر»9، فمن المحتمل أن وجود هذه الفدائية نادر.
توجد كذلك بعض التصريحات لنزار التي تشير إلى مبالغة في ما قاله عن «نسائه». أبرزها هو جوابه عن هذا السؤال: «هل من الصحيح أن الرجل عندما يكون مُغطّى بالنساء، نشعر أكثر بعجزه عن امتلاك امرأةٍ واحدة ؟» الجواب هو: «الجيش الألماني احتلَّ أوروبّا كلَّها، خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يحتّل منها شيئاً... وكما لا يمكن للرَجُل السويِّ، أن يلبسَ عشرةَ قمصان على جسده، فليس في وسعه أن يلبس عَشْرَ نساءٍ.. لأن الحرارة الجماعيَّة لا تدفئ.».
وإضافة إلى هذا كتب في مقالة أخرى: «لقد كنت دائماً متوحّداً ووحيداً في عشقي... لا أحدَ يستطيع أن يقرأ كلَّ الشعر في كلّ اللغات، ولكنه يتذوق قصيدة... أعتقد أن الذي يعبدُ إلهاً واحداً، عليه أن يُحبَّ امرأة واحدة»10. يبدو جلياً من هذه كلمات أن نزار قباني، بخلاف ما يُصوره في قصائده، لم يكن «شاعر التعدّدية في الحبّ» كما سمّته الصحافة. لم يحبّ أكثر من امرأة واحدة في وقت واحد، ومن الواضح أن هذه المرأة الواحدة، خلال فترة زواجه من بلقيس، كانت زوجته.
وماذا عن بلقيس؟ هل غارت من النساء اللواتي كن «من لحم ودم» في شعر زوجها؟ هل كانت كل قصيدة جديدة تعذيباً لها؟ كل الأدلة تشير إلى «لا». الدليل الأول لهذا هو وجهة نظرها في شعر زوجها. قال نزار إنه كان عنده ثلاثة شروط لأي امرأة يحبها حبّاً حقيقياً ومنها «أن يكون فني جزءاً من عمرها كما هو جزء من عمري... أن تفهم أطواري الشعرية... دون أن تجد أيَّ تناقض بين حبي لفني وحبِّي لها»11. لقد كتب هذه الكلمات سنة ١٩٨٠ ومن المؤكد أنه كان يصف زوجته.
وبالإضافة إلى ذلك يبدو أن بلقيس فعلاً لم تكن مرتابة ولم تقلق من شعر زوجها فقد قال نزار عنها: «لم يُعلَن نظامَ الطوارئ في بيتنا.. ولم تضع أنفها في أوراقي كما تفعل الزوجات المباحثيَّات»12. وطبعاً عرفت بلقيس مَن هو نزار قباني وما هو موضوع شعره وعلاقاته الغرامية قبل زواجه بها. لا بدّ أنها عرفت أن الزواج منه لن يكون زواجاً عادياً، فكما قالت لصديقاتها عندما تركت بغداد إلى بيروت: «أنا لم أتزوّج زوجاً تقليدياً.. أنا تزوجتُ هيروشيما»13.
بلقيس امرأة مقاييسها تطابقت مع مقاييس الشعر.وهذا شيء نادر في تاريخ النساء، وفي تاريخ الشعر.1
في عام ١٩٨٢، كتب نزار قباني قصيدة في غاية الجمال لزوجته الراحلة بلقيس. القصيدة مليئة بالحزن على موت بلقيس وبالغضب على طريقة موتها وبالحبّ العظيم. ولكن بالرغم من جمال القصيدة، فإنه ثمة تناقضاً في حياة نزار قباني.. كيف يكون «شاعر الحب» متزوجاً؟ وكيف تكون أي امرأة زوجة للرجل الذي وصف مهنته بـ«عاشق»2 ؟.. بكلمة واحدة: هل بإمكان الرجل الذي يحبّ كل النساء، أن يحبّ امرأة واحدة؟
قال نزار قباني عن لقائه ببلقيس: «في عام ١٩٦٩ جئتُ إلى بغداد لأُلقيَ قصيدةً.. وبعد قراءة قصيدتي، التقيتُ بقصيدةٍ ثانية اسمها (بلقيس) وتَزَوَّجتُها.. وأقمنا قبلَ عَشْرِ سَنَواتٍ، أَوَّلَ مؤسَّسةٍ وَحْدَويّةٍ بين قَلْبَيْن.. »3.
سكن نزار وبلقيس في بيروت حيث عملت في السفارة العراقية ومن زواجهما أنجبا ولدين زينب وعمر. توفيت بلقيس في ١٥ ديسمبر ١٩٨٢ في عملية انتحارية استهدفت السفارة العراقية خلال الحرب الأهلية اللبنانية. لام نزار العالم العربي كله عن موت زوجته المحبوبة ورفض الزواج مجدداً.
هذه هي الحقائق الأساسية، ولكنها لا تلقي الضوء على علاقته الحميمة مع زوجته. بالطبع كان لنزار قباني عدد كبير من العلاقات النسوية قبل زواجه ببلقيس وبعده ومن المحتمل انه كان له حبيبات غيرها خلال زواجه، حينما كتب المئات من قصائد الحبّ. لقد شرح نزار في أكثر من مقابلة أن النساء في شعره نساء حقيقيات وغير متخيلات: «٩٥ بالمئة من نسائي من لحم ودم... لم أمارس أبداً (الحبّ) بالنظّارات.. ولا (الجنس) بالنظّارات»4. وعندما سئل إذا كان شعره يعود إلى امرأة واحدة، ردّ: «لو كان شعري عائداً لامرأةٍ واحدة... لكتبت قصيدةً واحدةً.. واستقلت»5. لا بدَّ أن يكون هذا مبالغة إلى حدّ ما فمن المستحيل أن يعود في كل قصيدة إلى امرأة مختلفة، ولكن يبدو واضحاً أنه كان ثمة نساءً كثيراتٍ في حياته.
سوف يكون الأمر مدهشاً إذا لم يبحث خلال أكثر من عشر سنوات مع امرأة واحدة، عن الحبّ الجديد والأحاسيس الغرامية المثيرة التي ترافقه. إذا سلّمنا بأنه كتب مئات القصائد الغرامية في فترة زواجه، فمن الصعب التصديق أن كل هذه القصائد كانت عن زوجته وأم أولاده، فكما قال نزار: «السلام مع المرأة، يُنجِبُ أطفالاً.. ولكنّه لا يُنجب شعراً.. »6. اعتقدَ نزار أن الحبّ يجب أن يكون دائماً كـ«حصان الدهشة»... و«متى دخل الحبّ في نطاق العادات اليومية تحوّل إلى وظيفة ككّل الوظائف الحكومية، وصار مؤسّسة. ومتى تحوّل الحبّ إلى مؤسّسة.. انتحر..»7. وما الزواج إلا مؤسّسة، حتى لو كان مؤسّسة بين قلبين !
ولكن يوجد شيء من التناقض في هذا الكلام أيضاً فمن الواضح أن حبّه لبلقيس لم ينتحر. وإلى جانب ذلك - تبعاً لما قاله - كانت معظم نسائه «أوهام» و لا يقعن في خانة «الحبّ الحقيقي» لقد ادّعى - بخلاف سمعته - «... إنني نادراً ما وقعتُ في الحب. خمس مرّات ربما.. في مدى ثلاثين عاماً»8. في هذا الادعاء شيء من المفاجأة... هل يمكننا أن نصدّقه؟ طبعاً، لا يوجد دليل ثابت على هذا الموضوع، ولكنني شخصياً أصدّق كلامه وأعتقد أنه، على الرغم من مغامراته الكثيرة بحثاً عن «فدائية تقبل أن تموت على صدري وعلى صدر الشعر»9، فمن المحتمل أن وجود هذه الفدائية نادر.
توجد كذلك بعض التصريحات لنزار التي تشير إلى مبالغة في ما قاله عن «نسائه». أبرزها هو جوابه عن هذا السؤال: «هل من الصحيح أن الرجل عندما يكون مُغطّى بالنساء، نشعر أكثر بعجزه عن امتلاك امرأةٍ واحدة ؟» الجواب هو: «الجيش الألماني احتلَّ أوروبّا كلَّها، خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يحتّل منها شيئاً... وكما لا يمكن للرَجُل السويِّ، أن يلبسَ عشرةَ قمصان على جسده، فليس في وسعه أن يلبس عَشْرَ نساءٍ.. لأن الحرارة الجماعيَّة لا تدفئ.».
وإضافة إلى هذا كتب في مقالة أخرى: «لقد كنت دائماً متوحّداً ووحيداً في عشقي... لا أحدَ يستطيع أن يقرأ كلَّ الشعر في كلّ اللغات، ولكنه يتذوق قصيدة... أعتقد أن الذي يعبدُ إلهاً واحداً، عليه أن يُحبَّ امرأة واحدة»10. يبدو جلياً من هذه كلمات أن نزار قباني، بخلاف ما يُصوره في قصائده، لم يكن «شاعر التعدّدية في الحبّ» كما سمّته الصحافة. لم يحبّ أكثر من امرأة واحدة في وقت واحد، ومن الواضح أن هذه المرأة الواحدة، خلال فترة زواجه من بلقيس، كانت زوجته.
وماذا عن بلقيس؟ هل غارت من النساء اللواتي كن «من لحم ودم» في شعر زوجها؟ هل كانت كل قصيدة جديدة تعذيباً لها؟ كل الأدلة تشير إلى «لا». الدليل الأول لهذا هو وجهة نظرها في شعر زوجها. قال نزار إنه كان عنده ثلاثة شروط لأي امرأة يحبها حبّاً حقيقياً ومنها «أن يكون فني جزءاً من عمرها كما هو جزء من عمري... أن تفهم أطواري الشعرية... دون أن تجد أيَّ تناقض بين حبي لفني وحبِّي لها»11. لقد كتب هذه الكلمات سنة ١٩٨٠ ومن المؤكد أنه كان يصف زوجته.
وبالإضافة إلى ذلك يبدو أن بلقيس فعلاً لم تكن مرتابة ولم تقلق من شعر زوجها فقد قال نزار عنها: «لم يُعلَن نظامَ الطوارئ في بيتنا.. ولم تضع أنفها في أوراقي كما تفعل الزوجات المباحثيَّات»12. وطبعاً عرفت بلقيس مَن هو نزار قباني وما هو موضوع شعره وعلاقاته الغرامية قبل زواجه بها. لا بدّ أنها عرفت أن الزواج منه لن يكون زواجاً عادياً، فكما قالت لصديقاتها عندما تركت بغداد إلى بيروت: «أنا لم أتزوّج زوجاً تقليدياً.. أنا تزوجتُ هيروشيما»13.