lord tartous
24/09/2007, 16:05
صدى سوريا: كتب خليل صويلح في الأخبار اللبنانية
من الترفيه والمجاز التاريخي... إلى الهمّ الوطني والقومي، تهبّ هذا الموسم على الدراما السوريّة نفحة نضاليّة ملتزمة. ثلاثة مسلسلات تؤرّخ للوجع العربي، وتختار استعادة موقع المواجهة. بين دمشق وبيروت وغزّة، استعادة لمحطات تاريخية تكشف آلة القتل الصهيونية، وتعكس اللحظة التي تعيشها المنطقة... لكن ماذا عن المُشاهد: أما زال هذا الموضوع قادراً على مخاطبته واستقطابه؟
تشتبك معظم الأعمال الدرامية الجديدة مع قضايا سياسية ملحّة، تفرض نفسها على الساحة الراهنة. فالمشهد الرمادي في الخريطة العربية، يحتاج اليوم إلى تفكيك أسبابه وآلياته، إذ لم يعد المواطن العربي بمعزل عن الهموم العامة، بعدما اقتحمت الأخبار الدموية العاجلة، فنجان قهوته الصباحي. كذلك لم يعد الفن مجرّد تسلية، بل وجبة دسمة من الأفكار والتطلعات والأحلام المؤجلة.
ويبدو أنه ليس من باب المصادفة وحدها، أن يتناول مسلسلان سوريان في الموسم الرمضاني الحالي أحداثاً عربية، كانت وقت وقوعها، أشبه بالزلزال على تطلعات جيل وجد نفسه فجأة في العراء الأيديولوجي.
هكذا يرسم مسلسل «زمن الخوف» الذي كتبه الروائي السوري خالد خليفة وأخرجه هيثم حقي، خطاً بيانياً لاندحار اليسار العربي في محصلة لجملة تحولات سريعة وجذرية عاشتها المنطقة العربية خلال عقد من الزمن (1982ـــــ1991). كان الغزو الإسرائيلي للبنان، ثم احتلال بيروت، صفعة مدوية لذاكرة جيل وجد في «بيروت» ملاذه الفكري والروحي. وإذا بجرثومة الديموقراطية العربية تتحول فجأة إلى مدينة خراب. وقبل أن يستيقظ هذا الجيل من هول الصدمة، كانت الدبابات الإسرائيلية قد اقتحمت مخيمي صبرا وشاتيلا، لتترك خلفها مذبحة كبرى، أطاحت مذبحة دير ياسين وما بعدها، وسينتهي المشهد بترحيل الفلسطينيين من بيروت إلى منافٍ جديدة.
«احتلال بيروت كان مقدمة لسقوط بغداد»، يعلّق خالد خليفة، «وكان لا بدّ من ربط هذا الحدث بحدث آخر هو احتلال الكويت من نظام صدام حسين، ونشوب حرب الخليج الثانية، إضافة إلى رصد أحوال الأحزاب اليسارية العربية التي خسرت مواقعها ومشاريعها الراديكالية في التحرر والديموقراطية لمصلحة صعود الحركات الإسلامية». ويتطرق العمل إلى سبب آخر في هزيمة اليسار، هو سقوط الاتحاد السوفياتي الذي ترك ندبة إضافية في الجسد العربي المنهك والمهزوم، ليبدأ الزمن الأميركي بكل وحشيته وبطشه العسكري والاستهلاكي. ويقول هيثم حقي عن اختياره إخراج هذا العمل: «أنا صاحب مشروع ثقافي. وهذا العمل لا يخرج عن سياق مشروعي في رصد النهضة المجهضة والمشروع النهضوي والاجتماعي». لن نستغرب إذاً، أن يتحول يساريّ الأمس إلى تاجر شنطة في روسيا الجديدة، فيتخلى عن قيمه الثورية ومبادئه اليسارية، وأن تغرق فتاة من أسرة ميسورة في دروس دينية تقوم على تكفير الآخر، من دون أن تفهم مبادئ الدين الصحيحة. هكذا ترصد العدسة على اتساعها طيف الزمن العربي المظلم بجرأة نقدية صارمة. ويشارك في بطولة العمل كل من سليم صبري، أمل عرفة عبد الهادي الصباغ، نادين، مكسيم خليل، وآخرون.
في «زمن الحب والحرب» للكاتبة ريم حنا والمخرج باسل الخطيب، يجد الصحافي والشاعر جلال إبراهيم (يؤدي دوره قصي خولي)، نفسه ضحية تهمة سياسية ملفقة، يدخل إثرها السجن. لكنه يتمكن من الهروب ويقطع الحدود السورية ـــــ اللبنانية لينخرط في المقاومة اللبنانية الفلسطينية، خلال عمله مراسلاً صحافياً. هكذا يرصد عن كثب بطولات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، مروراً بمجازر صبرا وشاتيلا. وسيسدل العمل الستارة عند حرب تموز (يوليو) الأخيرة أملاً جديداً باستيقاظ روح المقاومة، بعد سلسلة من الهزائم الروحية والسياسية. يشارك في بطولة المسلسل كل من سلوم حداد، سلاف فواخرجي، قصي خولي، رامي حنا، حسن عويتي، ثناء دبسي، نبيلة النابلسي، مانيا النبواني، وريم علي.
في السياق ذاته، يصبّ مسلسل «الاجتياح» للكاتب رياض سيف والمخرج شوقي الماجري، إذ تحضر آلة القتل الإسرائيلية في خريطة أخرى هي فلسطين. هذه المرة سنجد أنفسنا وجهاً لوجه مع مجزرة «جنين» (2002)، لكن في مقاربة إنسانية لطالما برع في رصدها صاحب نصّ «التغريبة الفلسطينية». فعدا مشاهد الدمار والموت، يجسّد العمل لحظات إنسانية استثنائية تضيء الجانب الآخر من الصراع، إذ تنشأ قصة حب بين مقاتل فلسطيني وفتاة إسرائيلية خلال حصار مخيم جنين. وإذا بيائيل (تؤدي دورها ديما قندلفت)، تجد نفسها أمام حقائق لم تكن تعرفها عن عدالة قضية الفلسطيني وحقه في الحياة، فتزوّد مصطفى (منذر رياحنة) بمعلومات عن خطط الجيش الإسرائيلي، تحصل عليها من شقيقها الملازم في جيش الاحتلال. لكن مصطفى يقع في قبضة العدو إثر إصابته في حصار المخيم، ويتمّ إعدامه على يد شقيق يائيل أمام بيت العائلة في حيفا الذي هُجّر منه في نكبة 1948. ولا تتوقف التفاصيل الإنسانية عند هذه الحكاية: هناك حادثة أخرى مؤثرة، فخلال حصار «كنيسة المهد» في بيت لحم، يؤدي المحاصرون داخل الكنيسة صلاتهم جنباً إلى جنب مع المسيحيين.
«الاجتياح» دراما جدية، تمزج الأرشيف الوثائقي بالمشهد التخييلي، لتصنع صورة مؤثرة في وجدان المتلقي وذاكرة حية للأجيال، إذ إن إسرائيل تراهن على إلغاء الذاكرة أولاً، من طريق محو مجزرة بمجزرة، وحصار بحصار آخر، وحرب بحرب أخرى. ولعلّ في هذه الفكرة، تتجسد مقولة «الاجتياح» والأعمال الأخرى التي قاربت موضوعة الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
من جهة أخرى، يرصد «سقف العالم» لحسن م. يوسف ونجدت أنزور، زاوية أخرى في مربع الحصار. إذ ينهض المسلسل على خلفية قضية الرسوم الكاريكاتورية في صحيفة دنماركية، لتتحول هذه القضية إلى سجال مفتوح على الشاشة حول فهم الإسلام الحقيقي، بعيداً من الحركات التكفيرية التي لا تمت إلى هذا الدين بصلة، فالإرهاب في نهاية المطاف ليس إسلامياً صرفاً، بل هو واجهة لصراع أكبر على خريطة عائمة بالنفط والاستبداد.
في النهاية، على رغم أهمية هذه القضايا وإلحاحها، يبقى السؤال عن مدى نجاح هذه الأعمال في مقاربة الواقع، ومدى تعلّق المُشاهد بها؟ في الحلقات الأولى من هذه المسلسلات، يبدو التلقين سيّد الموقف أحياناً عدة، فيما تمرر الرسائل بطريقة محاضرات. أما بالنسبة إلى المُشاهد، فيبدو أنه يتّجه أكثر فأكثر صوب الترفيه والتسلية، خصوصاً أن نار اللحظة الراهنة، جعلته غير قادر على متابعة قضاياه على الشاشة، بعدما دفعته خيبات الأمل المتتالية إلى الاستسلام للقدر. ومع ذلك، استطاعت هذه الأعمال أن تفرض حضورها، وتحقق نسبة مشاهدة مقبولة.
من الترفيه والمجاز التاريخي... إلى الهمّ الوطني والقومي، تهبّ هذا الموسم على الدراما السوريّة نفحة نضاليّة ملتزمة. ثلاثة مسلسلات تؤرّخ للوجع العربي، وتختار استعادة موقع المواجهة. بين دمشق وبيروت وغزّة، استعادة لمحطات تاريخية تكشف آلة القتل الصهيونية، وتعكس اللحظة التي تعيشها المنطقة... لكن ماذا عن المُشاهد: أما زال هذا الموضوع قادراً على مخاطبته واستقطابه؟
تشتبك معظم الأعمال الدرامية الجديدة مع قضايا سياسية ملحّة، تفرض نفسها على الساحة الراهنة. فالمشهد الرمادي في الخريطة العربية، يحتاج اليوم إلى تفكيك أسبابه وآلياته، إذ لم يعد المواطن العربي بمعزل عن الهموم العامة، بعدما اقتحمت الأخبار الدموية العاجلة، فنجان قهوته الصباحي. كذلك لم يعد الفن مجرّد تسلية، بل وجبة دسمة من الأفكار والتطلعات والأحلام المؤجلة.
ويبدو أنه ليس من باب المصادفة وحدها، أن يتناول مسلسلان سوريان في الموسم الرمضاني الحالي أحداثاً عربية، كانت وقت وقوعها، أشبه بالزلزال على تطلعات جيل وجد نفسه فجأة في العراء الأيديولوجي.
هكذا يرسم مسلسل «زمن الخوف» الذي كتبه الروائي السوري خالد خليفة وأخرجه هيثم حقي، خطاً بيانياً لاندحار اليسار العربي في محصلة لجملة تحولات سريعة وجذرية عاشتها المنطقة العربية خلال عقد من الزمن (1982ـــــ1991). كان الغزو الإسرائيلي للبنان، ثم احتلال بيروت، صفعة مدوية لذاكرة جيل وجد في «بيروت» ملاذه الفكري والروحي. وإذا بجرثومة الديموقراطية العربية تتحول فجأة إلى مدينة خراب. وقبل أن يستيقظ هذا الجيل من هول الصدمة، كانت الدبابات الإسرائيلية قد اقتحمت مخيمي صبرا وشاتيلا، لتترك خلفها مذبحة كبرى، أطاحت مذبحة دير ياسين وما بعدها، وسينتهي المشهد بترحيل الفلسطينيين من بيروت إلى منافٍ جديدة.
«احتلال بيروت كان مقدمة لسقوط بغداد»، يعلّق خالد خليفة، «وكان لا بدّ من ربط هذا الحدث بحدث آخر هو احتلال الكويت من نظام صدام حسين، ونشوب حرب الخليج الثانية، إضافة إلى رصد أحوال الأحزاب اليسارية العربية التي خسرت مواقعها ومشاريعها الراديكالية في التحرر والديموقراطية لمصلحة صعود الحركات الإسلامية». ويتطرق العمل إلى سبب آخر في هزيمة اليسار، هو سقوط الاتحاد السوفياتي الذي ترك ندبة إضافية في الجسد العربي المنهك والمهزوم، ليبدأ الزمن الأميركي بكل وحشيته وبطشه العسكري والاستهلاكي. ويقول هيثم حقي عن اختياره إخراج هذا العمل: «أنا صاحب مشروع ثقافي. وهذا العمل لا يخرج عن سياق مشروعي في رصد النهضة المجهضة والمشروع النهضوي والاجتماعي». لن نستغرب إذاً، أن يتحول يساريّ الأمس إلى تاجر شنطة في روسيا الجديدة، فيتخلى عن قيمه الثورية ومبادئه اليسارية، وأن تغرق فتاة من أسرة ميسورة في دروس دينية تقوم على تكفير الآخر، من دون أن تفهم مبادئ الدين الصحيحة. هكذا ترصد العدسة على اتساعها طيف الزمن العربي المظلم بجرأة نقدية صارمة. ويشارك في بطولة العمل كل من سليم صبري، أمل عرفة عبد الهادي الصباغ، نادين، مكسيم خليل، وآخرون.
في «زمن الحب والحرب» للكاتبة ريم حنا والمخرج باسل الخطيب، يجد الصحافي والشاعر جلال إبراهيم (يؤدي دوره قصي خولي)، نفسه ضحية تهمة سياسية ملفقة، يدخل إثرها السجن. لكنه يتمكن من الهروب ويقطع الحدود السورية ـــــ اللبنانية لينخرط في المقاومة اللبنانية الفلسطينية، خلال عمله مراسلاً صحافياً. هكذا يرصد عن كثب بطولات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، مروراً بمجازر صبرا وشاتيلا. وسيسدل العمل الستارة عند حرب تموز (يوليو) الأخيرة أملاً جديداً باستيقاظ روح المقاومة، بعد سلسلة من الهزائم الروحية والسياسية. يشارك في بطولة المسلسل كل من سلوم حداد، سلاف فواخرجي، قصي خولي، رامي حنا، حسن عويتي، ثناء دبسي، نبيلة النابلسي، مانيا النبواني، وريم علي.
في السياق ذاته، يصبّ مسلسل «الاجتياح» للكاتب رياض سيف والمخرج شوقي الماجري، إذ تحضر آلة القتل الإسرائيلية في خريطة أخرى هي فلسطين. هذه المرة سنجد أنفسنا وجهاً لوجه مع مجزرة «جنين» (2002)، لكن في مقاربة إنسانية لطالما برع في رصدها صاحب نصّ «التغريبة الفلسطينية». فعدا مشاهد الدمار والموت، يجسّد العمل لحظات إنسانية استثنائية تضيء الجانب الآخر من الصراع، إذ تنشأ قصة حب بين مقاتل فلسطيني وفتاة إسرائيلية خلال حصار مخيم جنين. وإذا بيائيل (تؤدي دورها ديما قندلفت)، تجد نفسها أمام حقائق لم تكن تعرفها عن عدالة قضية الفلسطيني وحقه في الحياة، فتزوّد مصطفى (منذر رياحنة) بمعلومات عن خطط الجيش الإسرائيلي، تحصل عليها من شقيقها الملازم في جيش الاحتلال. لكن مصطفى يقع في قبضة العدو إثر إصابته في حصار المخيم، ويتمّ إعدامه على يد شقيق يائيل أمام بيت العائلة في حيفا الذي هُجّر منه في نكبة 1948. ولا تتوقف التفاصيل الإنسانية عند هذه الحكاية: هناك حادثة أخرى مؤثرة، فخلال حصار «كنيسة المهد» في بيت لحم، يؤدي المحاصرون داخل الكنيسة صلاتهم جنباً إلى جنب مع المسيحيين.
«الاجتياح» دراما جدية، تمزج الأرشيف الوثائقي بالمشهد التخييلي، لتصنع صورة مؤثرة في وجدان المتلقي وذاكرة حية للأجيال، إذ إن إسرائيل تراهن على إلغاء الذاكرة أولاً، من طريق محو مجزرة بمجزرة، وحصار بحصار آخر، وحرب بحرب أخرى. ولعلّ في هذه الفكرة، تتجسد مقولة «الاجتياح» والأعمال الأخرى التي قاربت موضوعة الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
من جهة أخرى، يرصد «سقف العالم» لحسن م. يوسف ونجدت أنزور، زاوية أخرى في مربع الحصار. إذ ينهض المسلسل على خلفية قضية الرسوم الكاريكاتورية في صحيفة دنماركية، لتتحول هذه القضية إلى سجال مفتوح على الشاشة حول فهم الإسلام الحقيقي، بعيداً من الحركات التكفيرية التي لا تمت إلى هذا الدين بصلة، فالإرهاب في نهاية المطاف ليس إسلامياً صرفاً، بل هو واجهة لصراع أكبر على خريطة عائمة بالنفط والاستبداد.
في النهاية، على رغم أهمية هذه القضايا وإلحاحها، يبقى السؤال عن مدى نجاح هذه الأعمال في مقاربة الواقع، ومدى تعلّق المُشاهد بها؟ في الحلقات الأولى من هذه المسلسلات، يبدو التلقين سيّد الموقف أحياناً عدة، فيما تمرر الرسائل بطريقة محاضرات. أما بالنسبة إلى المُشاهد، فيبدو أنه يتّجه أكثر فأكثر صوب الترفيه والتسلية، خصوصاً أن نار اللحظة الراهنة، جعلته غير قادر على متابعة قضاياه على الشاشة، بعدما دفعته خيبات الأمل المتتالية إلى الاستسلام للقدر. ومع ذلك، استطاعت هذه الأعمال أن تفرض حضورها، وتحقق نسبة مشاهدة مقبولة.