-
عرض كامل الموضوع : أبو القاسم الشــابي..
أبكـيـــــــــــــــــــك للحــــــــــــــــــب ...
أنـتِ فـوقْ الخيـال, والشِّـعرِ, والفنِّ وفــوْقَ النُّهَــي وفــوق الحـدودِ
أنــتِ قُدْسـي, ومَعبـدي, وصبـاحي وربيعــي, ونَشْــوَتي, وخــلودي
أنْقــذيني, فقــد سـئمتُ ظلامـي! أنْقــذيني, فقــد مللـتُ ركـودي?
آهِ يـا زهـرتي الجميلـةَ لـو تـدرين مــا جَــدّ فــي فـؤادي الوحـيدِ
فـي فـؤادي الغـريبِ تُخْـلَقُ أكـوانٌ مــن الســحر ذاتُ حســن فريـدِ
وشـــموسٌ وضّـــاءةٌ ونجــومٌ تنــثر النــورَ فـي فضـاءٍ مديـدِ ...!!
.
.
ابو القاسم الشابي .
.
رسم لنا هيكل الحب ..وأشواق تائهه..وقلب شاعر .
:D
نبذه عن الشاعر:
من مواليد مدينة (توزر) بالجنوب التونسي سنة 1909 وبها دفن في سنة 1934.
تلقى تعليمه بجامع الزيتونة وأسهم في العديد من النشاطات الفكرية والأدبية ونشر بعدد من الصحف والمجلات الصادرة في الثلاثينات.
يعدّ أحد نبغاء الشعر العربي. حيث صدرت حوله دراسات وكتب متعددة كما صدرت طبعات مختلفة
لديوانه (أغاني الحياة) الذي صدرت أولى طبعاته بالقاهرة سنة 1955.
ومن قصائده
الأبد الصغير
قلب الشاعر
يا ابن أمي
إلى الطاغية
زئير العاصفة
إلى طغاة العالم
قالت الأيام
النبي المجهول
تونس الجميلة
إرادة الحياة
في هيكل الحب
الجنة الضائعة
أنا أبكيك للحب
الأشواق التائهة
أغاني التائه
في ظل وادي الموت
الصباح الجديد
أنشودة الرعد
نشيد الجبار
الأبد الصغير
يـا قلـبُ! كـم فيـك من دُنْيا محجَّبَةٍ
كأنَّهــا, حــين يبـدو فجرُهـا "إرَمُ"
يـا قلـبُ! كمْ فيك من كونٍ, قد اتّقدتْ
فيـه الشُّـموسُ وعاشـتْ فَوقـهُ الأممُ
يـا قلـبُ! كـمْ فيـكَ مـن أفْقٍ تُنَمِّقُهُ
كـــواكبٌ تتجــلَّى, ثُــمَّ تَنعــدِمُ
يـا قلـبُ! كمْ فيكَ من قبرٍ, قد انطفأتْ
فيـه الحيـاةُ, وضجَّـتْ تحتـهُ الـرِّمَمُ
يـا قلـبُ! كمْ فيكَ من غابٍ ومن جَبَلٍ
تَـدوِي بـه الـريحُ أو تسـمو به القِمَمُ
يـا قلبُ! كمْ فيكَ من كهفٍ قد انبجستْ
منـه الجـداولُ تجـري مـا لهـا لُجُمُ
تمشـي.., فتحـملُ غُصنًا مُزْهِرًا نضِرًا
أوْ وَرْدَةً لــمْ تُشَــوِّهْ حُسْـنَهَا قَـدَمُ
أو نحلــةً جرّهــا التيَّــارُ مُنَدفِعًـا
إلــى البحـارِ, تُغنّـي فوقـه الـدِّيَمُ
أو طـائرًا سـاحرًا مَيْتًـا قـد انْفجرتْ
فــي مُقلتَيْــه جــراحٌ جمَّـةٌ ودمُ
يـا قلـبُ! إنـك كـونٌ مُـدْهِشٌ عَجَبٌ
إنْ يُسْـأل النـاسُ عـن آفاقـه يَجِـمُوا
كـأنك الأبَـدُ المجـهول.., قد عَجَزَتْ
عنـكَ النُّهَـى, واكفَهَـرّتْ حولك الظُّلَمُ
****
يـا قلـبُ! كـمْ مـن مسـرّاتٍ وأخْيِلَةٍ
ولــذّة, يَتَحَــامَى ظِلّهــا الألــمُ
غَنَّـتْ لفَجـرِك صوتًـا حالمًـا, فَرِحًا
نَشْـوَانَ ثـم تَـوارتْ, وانْقَضـى النَّغَمُ
وكــم رأى لَيْلُــك الأشـباحَ هائمـةً
مذعــورةً تتهــاوى حولهـا الرُّجُـمُ
ورَفْــرَفَ الألــمُ الـدّامي, بأجنحـةٍ
مــن اللهيـب, وأنّ الحـزنُ والنَّـدَمُ
وكـمْ مشـت فـوقَك الدُّنيـا بأجمعِهَـا
حـتَّى تـوارتْ, وسـار الموتُ والعدمُ
وشــيَّدَتْ حــولك الأيــامُ أبنيــةً
مــن الأناشــيدِ تُبْنَـى, ثـم تنهـدِمُ
****
تمضـي الحيـاةُ بماضيهـا, وحاضرِها
وتــذْهَبُ الشـمسُ والشُّـطْآنُ والقمـمُ
وأنـتَ, أنـتَ الخِضمُّ الرّحْبُ, لا فرَحٌ
يَبْقَـى عـلى سـطحِكَ الطَّاغي, ولا ألَمُ
****
يـا قلـبُ! كـم قـد تملّيْت الحياةَ, وكمْ
رقّصْتَهــا مَرَحًـا مـا مَسَّـكَ السَّـأمُ
وكـمْ توشّـحْتَ مـن ليـلٍ ومن شَفَقٍ
ومــن صبـاحٍ تُوشِّـي ذَيْلَـهُ السُّـدُمُ
وكـم نسـجْتَ مـن الأحـلام أرديـةً
قــد مزّقَتْهـا الليـالي, وهْـيَ تَبْتَسِـمُ
وكــم ضَفَــرْتَ أكــاليلاً مُـورّدَةً
طـارتْ بهـا زَعْـزَعٌ تـدوِي وتَحْتَدِمُ
وكــمْ رسـمتَ رسـومًا, لا تُشـابِهُهَا
هــذي العـوالمُ, والأحـلامُ, والنُظُـمُ
كأنهــا ظُلَــلُ الفِــرْدَوْسِ, حافِلـةً
بـالحورِ, ثـم تلاشَـتْ, واختفى الحُلُمُ
****
تبلُــو الحيــاةَ فتُبْلِيهــا وتخلعُهَـا
وتســتجدّ حيــاةً, مــا لهـا قِـدمٌ
وأنــتَ أنـتَ شـبابٌ خـالدٌ, نضِـرٌ
مثــل الطبيعـة: لا شـيبٌ ولا هِـرَمٌ
[ 19 فبراير / شباط 1930 ، 20 رمضان 1348 ]
قلب الشاعر
كــلُّ مــا هـبّ, ومـا دبّ, ومـا نــام, أو حـام عـلى هـذا الوجـودْ
مــن طيــورٍ, وزهــورٍ, وشـذى وينـــابيعَ, وأغصـــانٍ تميـــدْ
وبحــــارٍ, وكهــــوفٍ, وذُرى وبـــراكينَ, ووديـــانٍ, وبيـــدْ
وضيـــاءٍ, وظــلالٍ, ودُجــى, وفصـــولٍ, وغيــولٍ, ورعــودْ
وثلـــوجٍ, وضبـــابٍ عـــابرٍ, وأعـــاصيرَ, وأمطـــارٍ تجــودْ
وتعـــــاليمَ, وديــــنٍ, ورؤى, وأحاســـيس, وصمــتٍ, ونشــيدْ
كلُّهـــا تحيـــا بقلبــي, حُــرّةً غضــةَ الســحرِ, كأطفـالِ الخـلودْ
ههنـا, فـي قلبـيَ الرحْـبِ, العميق! يـرقص المـوتُ وأطيـافُ الوجـودْ!
ههنــا, تعصــف أهــوالُ الدجـى ههنــا, تخــفِقُ أحــلامُ الـورودْ
ههنــا, تهتــف أصــداءُ الفنــا ههنــا, تُعــزَفُ ألحــانُ الخـلودْ
ههنــا, تمشـي الأمـاني, والهـوى, والأسـى, فـي مـوكبٍ فخْـمِ النشـيدْ
ههنــا الفجــرُ الــذي لا ينتهــي ههنــا الليــلُ الــذي ليس يبيــدْ
ههنـــا, ألــفُ خِــضمٍّ, ثــائرٍ خــالدِ الثــورةِ, مجـهولِ الحـدودْ
ههنـــا, فــي كــلِّ آنٍ تمَّحــي صُــورُ الدنيـا, وتبـدو مـن جـديدْ
[ 16 مارس / أذار 1934 ، 29 ذو القعدة 1352 ]
يا ابن أمي
خُــلقتَ طليقًــا كــطيفِ النسـيمِ
وحــرًّا كنـورِ الضُّحـى فـي سـماهْ
تغــرِّد كــالطيرِ أيْــن انــدفعت
وتشــدو بمــا شـاء وحـيُ الإلـهْ
وتمـــرحُ بيــن ورودِ الصبــاحِ
وتنعَـــم بــالنورِ, أنَّــى تــراهْ
وتمشـي - كمـا شئتَ - بين المروجِ,
وتقطــفُ وردَ الــرُّبَى فـي رُبـاهْ
******
كـذا صـاغَكَ اللـه, يـا ابـن الوجودِ
وألقتــك فـي الكـونِ هـذي الحيـاهْ
فمــالك تــرضى بــذلّ القيــودِ
وتَحــني لمــن كبَّلــوك الجبـاهْ?
وتُسـكِتُ فـي النفسِ صوتَ الحياةِ الـ
ــــقـويَّ إذا مـا تغنَّـى صـداهْ?
وتطبـــق أجفـــانَك النـــيِّراتِ
عـن الفجـر, والفجـرُ عـذبٌ ضياهْ?
وتقنــع بــالعيشِ بيــن الكهـوفِ,
فــأين النشــيدُ? وأيــن الإيــاهْ?
أتخشــى نشــيدَ السـماءِ الجـميلَ?
أتـرهب نـورَ الفضـا فـي ضحـاهْ?
ألا انهـضْ وسـرْ فـي سـبيلِ الحيـاةِ
فمــن نــامَ لـم تَنتَظِـرْهُ الحيـاهْ?
ولا تخــشَ ممَّــا وراءَ التــلاعِ..
فمـا ثَـمّ إلاّ الضّحـى فـي صبـاهْ...
وإلا ربيـــعُ الوجـــودِ الغريــرُ,
يطــرِّزُ بــالوردِ ضــافي رداهْ...
وإلاّ أريـــجُ الزهــورِ الصِّبــاحِ,
ورقْــصُ الأشــعَّةِ بيـن الميـاهْ...
وإلاّ حَمـــامُ المــروجِ الأنيــقُ,
يغــرِّدُ, منطلقًــا فــي غنــاهْ...
إلـى النُّـور! فـالنور عـذْبٌ جـميلٌ
إلــى النــور! فـالنور ظِـلُّ الإلـهْ
[ 20 فبراير / شباط 1929 ، 10 رمضان 1347 ]
أحلى ليندا والله يسلمون هالديات ..:D
وأنا :ss: كتير معجب بأشعار أبو القاسم وشكرا إلك كمان مرة ..:deal:
verocchio
22/09/2007, 18:01
اختيارات رفيعة
حقا شاعر كبير جدا
أقوى قصائده حسب نظري هي قصيدته السياسية فلسفة الثعبان المقدس
أحلى ليندا والله يسلمون هالديات ..:D
وأنا :ss: كتير معجب بأشعار أبو القاسم وشكرا إلك كمان مرة ..:deal:
:lol:وأنا كمان معجبة
ويامية اهلا وسهلا :D
اختيارات رفيعة
حقا شاعر كبير جدا
أقوى قصائده حسب نظري هي قصيدته السياسية فلسفة الثعبان المقدس
صحيح وبتعتبر جوهرة القصائد بحد زاتا لفظاً ومعنى :D
إلى الطاغية
يقولـون: صـوت المسـتذَلِّين خـافتٌ وسـمع طغـاة الأرض أطـرش أصْخَمُ
وفـي صيْحـة الشـعب المسخَّر زعزعٌ تَخِــرُّ لهـا شـمُّ العـروشِ, وتُهْـدَمُ
ولَعْلَعـةُ الحـق الغضـوبِ لهـا صدى ودمدمـةُ الحـربِ الضـروسِ لهـا فَمُ
إذ التــفّ حـول الحـقّ قـومٌ فإنَّـه يصــرِّمُ أحــداثَ الزَّمـان ويُـبْرمُ
لـك الـويلُ يـا صَرْحَ المظالمِ من غدٍ إذا نهـضَ المسـتضعفون, وصمّمـوا!
إذا حــطَّم المســتعبَدون قيــودَهم وصبُّـوا حـميم السـخط أيَّـان تعلمُ..!
أغـرّك أن الشـعبَ مُغْـضٍ على قذى وأنّ الفضـاء الرّحْـبَ وسنانُ, مظلمُ?
ألاَ إنّ أحـــلامَ البـــلادِ دفينــةٌ تَجَمْجَــمَ فـي أعماقِهَـا مـا تَجَمْجَـمُ
ولكــن ســيأتي بعـد لأي نشـورُها وينبثـــقُ اليــوم الــذي يــترنّمُ
هـو الحـقُّ يُغفـي.. ثمّ ينهضُ ساخطًا فيهــدمُ مـا شـادَ الظِّـلامُ, ويَحْـطِمُ
غـدا الـرّوْع, إن هـبّ الضعيفُ ببأسه ســتعلمُ مــن مِنَّـا سـيجرفُهُ الـدّمُ
إلـى حـيث تجـني كفُّـه بـذرَ أمْسِه ومُــزدَرِعُ الأوجــاعِ لا بـد ينـدمُ
سـتجرع أوصـابَ الحيـاة, وتنتشـي فتصغــي إلـى الحـق الـذي يتكـلمُ
إذا مـا سـقاكَ الدهـرُ مـن كأسِهِ التي قَرارتهــا صــابٌ مَريـرٌ, وعلقـمُ
إذا صُعِــقَ الجبّــارُ تحـت قيـودِهِ يصيــخُ لأوجــاعِ الحيـاةِ ويفهـمُ!!
[ 18 فبراير / شباط 1927 ، 15 شعبان 1345 ]
زئيرُ العاصفةِ
تسـائلني: "ما لـي سـكتُّ, ولـم أهِبْ
بقـومي, وديجـورُ المصـائب مُظلـمُ"
"وسيْل الرزايــا جــارفٌ, متــدفّعٌ
غضـوبٌ, ووجـه الدهـر أرْبَدُ, أقْتَمُ?"
**********
سـكتُّ, وقـد كـانت قنـاتيَ غضَّـةً
تُصيــخ إلـى همسِ النّسـيمِ, وتحـلُمُ
وقلـتُ, وقـد أصغـتْ إلى الريح مَرّةً
فجــاش بهــا إعصــارُه المتهـزِّمُ
وقلـتُ وقـد جـاشَ القريضُ بخاطري
كمـا جـاشَ صخَّـابُ الأواذيِّ, أسْحَمُ
**********
"أرى المجـد معصـوبَ الجـبينِ مُجَدَّلاً
عــلى حَسَـكِ الآلام, يغمـرُه الـدمُ"
"وقد كـان وضّـاح الأسـاريرِ, باسمًا
يهــبُّ إلــى الْجُــلَّى, ولا يتـبرّمُ"
**********
"فيا أيهــا الظلــمُ المصعِّــرُ خـدَّه
رويــدك! إن الدهـرَ يبنـي ويهـدمُ"
"سيثأر للعـــزِّ المحـــطّمُ تاجُــه
رجـالٌ إذا جـاش الـرّدى فهُـمُ هُـمُ"
"رجالٌ يــروْن الـذُّلَّ عـارًا وسُـبَّةً
ولا يرْهبـون المـوتَ, والمـوتُ مُقدِمُ"
"وهل تعتـــلي إلا نفــوسٌ أبيَّــةٌ
تُصــدِّع أغـلالَ الهـوانِ, وتَحـطِمُ"
إلى طغاة العالم
ألاّ أيّهــــا الظـــالمُ المســـتبِدُّ حــبيبُ الظــلامِ, عــدوّ الحيــاهْ
ســخرتَ بأنّــات شـعبٍ ضعيـفٍ وكــفُّك مخضوبــةٌ مــن دمــاهْ
وســرتَ تُشــوِّه سِــحْرَ الوجـودِ وتبــذرُ شــوكَ الأسـى فـي رُبـاهْ
رُوَيـــدَك! لا يخــدعنْك الــربيعُ وصحـوُ الفضـاء, وضـوءُ الصبـاحْ
ففـي الأفُـقِ الرحـبِ هـولُ الظـلام وقصـفُ الرعـودِ, وعصـفُ الريـاحْ
حــذارِ! فتحــت الرمــادِ اللهيـبُ ومـن يبـذرِ الشـوك يجـنِ الجـراحْ
تــأمل! هنــالك.. أنّــى حـصدتَ رؤوسَ الــوَرَى, وزهــورَ الأمـلْ
ورويَّــت بــالدمِ قلــبَ الــترابِ وأشْــربتَه الــدمعَ, حــتى ثمِــلْ
ســيجرفُكَ الســيلُ, سـيلُ الدمـاءِ ويـــأكلُك العـــاصفُ المشــتعِلْ
( 7أو8 أبريل / نيسان 1934 ، 23 ذو الحجة 1352 )
قالت الأيام
يــا أيهــا الســادر فــي غَيِّـهِ!
يــا واقفًــا فـوق حُطـام الجِبـاهْ!
مهــلاً! ففــي أنّـاتِ مَـن دُسـتَهمْ
صـوتٌ رهيـبٌ سوف يدوي صداه...
**********
لا تـــأمننّ الدهــرَ, إمَّــا غفــا
فــي كهفـه الداجـي, وطـالت رُؤاه
فــإن قضــى اليــومُ ومـا قبلُـه
ففــي الغـد الحـيِّ صَبـاحُ الحيـاهْ
**********
يــا أيهــا الجبــارُ! لا تــزدري
فــالحق جبَّــارٌ, طــويل الأنــاهْ
يغفــي, وفــي أجفانــه يقْظــةٌ
ترنـو إلـى الفجـرِ الـذي لا تـراهْ...
[ 8 يناير / كانون الثاني 1928 ، 15 رجب 1346 ]
النبي المجهول
أيهـا الشـعبُ! ليتنـي كـنتُ حطَّابـا فــأُهْوي عــلى الجـذوع بفأسـي!
ليتنــي كـنتُ كالسـيولِ, إذا سـالت تهــدُّ القبــورَ: رمسًــا بـرمسِ!
ليتنــي كــنتُ كالريـاح, فـأطوي كــلّ مـا يخـنق الزهـور بنحسـي!
ليتنــي كــنتُ كالشــتاء, أُغَشِّـي كــلّ مـا أذبـلَ الخـريفُ بقرسـي!
ليـت لـي قـوّةَ العـواصفِ, يا شعبي فـــأُلقي إليــك ثــوْرَةَ نفســي!
ليـت لـي قـوةَ الأعاصيرِ, إن ضجَّتْ فـــأدعوك للحيـــاة بنبســـي!
ليـت لـي قـوةَ الأعـاصيرِ..! لكـن أنـت حـيٌّ, يقضـي الحياة برمسِ..!
أنــت رُوحٌ غَبِيَّــةٌ, تكـره النُّـورَ وتقضِــي الدهـورَ فـي ليْـل مَلسِ..
أنـت لا تـدرك الحقـائق, إن طـافتْ حـــواليك, دون مس وجـــسِّ...
فـي صبـاح الحيـاة ضَمَّخْـتُ أكوابي وأترعتُهـــا بخـــمْرةِ نفســي...
ثــمّ قدّمتُهــا إليــكَ, فــأهرقْتَ رحـيقي, ودُسْـتَ يـا شـعبُ كأسي!
فتــألّمْتُ..., ثُــم أسـكتُّ آلامـي, وكفكــفتُ مــن شـعورِي وحسـي
ثــم نضــدْتُ مـن أزاهـيرِ قلبـي باقــةً لــمْ يَمَسَّــها أيُّ إنْسِــي..
ثـــم قدّمتُهــا إليــك, فمــزّقْتَ ورودي, ودُســـــــتَها أيّ دوسِ
ثــم ألبســتَني مـن الحـزنِ ثوبًـا وبشــوك الجبــالِ توّجـتَ رأسـي
إننـي ذاهـبٌ إلـى الغـابِ, يـا شعبي لأقضــي الحيــاةَ, وحـدي, بيـأسِ
إننــي ذاهــبٌ إلـى الغـابِ, عـلِّي فـي صميـمِ الغابـاتِ أدفـنُ بؤسـي
ثـم أنسـاكَ مـا اسـتطعتُ, فمـا أنتَ بـــأهلٍ لخـــمرتي ولكأســـي
سـوف أتلـو عـلى الطيـورِ أناشيدي, وأُفْضــي لهــا بأشــواق نفسـي
فهـي تـدري معنـى الحيـاةِ, وتدري أنّ مَجْــدَ النفــوسِ يقظــةُ حـسّ
ثُـمّ أقْضـي هنـاك, فـي ظلمة الليل, وألْقِــي إلــى الوجــود بيأســي
ثـم تَحْـت الصَّنَوبَـرِ, الناضر, الحلو, تخُــطُّ الســيولُ حــفرةَ رمسـي
وتظَـلُّ الطيـورُ تلغُـو عـلى قـبْرِي ويشـــدو النســيمُ فــوقي بهمسِ
وتظَــلُّ الفصــولُ تمشـي حـواليّ كمــا كُــنّ فـي غضـارَةِ أمسـي
أيهـا الشـعبُ? أنـتَ طفـلٌ صغـيرٌ, لاعــبٌ بــالتراب والليــلُ مُغْسِ!
أنـتَ فـي الكـون قـوّةٌ, لـم تَسُسْـها فكـــرةٌ, عبقريَّـــةٌ, ذات بــأسِ
أنــت فــي الكـون قـوةٌ, كبَّلتْهـا ظلمـاتُ العصـورِ, مـن أمسِ أمسِ..
والشــقيُّ الشـقيُّ مـن كـان مثـلي فــي حساســيَّتي, ورِقّــةِ نفسـي
هكــذا قـال شـاعرٌ, نـاولَ النـاسَ رحــيقَ الحيــاة فـي خـيرِ كـأسِ
[ 21 يناير / كانون الثاني 1930 ، 20 شعبان 1348 ]
تونس الجميلة
أنــا يـا تـونس الجميلـةُ فـي لـجِّ
الهــوى قــد ســبحت أيّ سِـباحهْ
شِــرْعتي حُــبُّكِ العَميــقُ وإنِّـي
قـــد تــذوّقْتُ مُــرّه وقَراحــهْ
لســتُ أنصـاعُ لِلنّواحـي ولـو مـ
ــتُّ وقـامتْ عـلى شـبابي المناحهْ
لا أبــالي... وإنْ أُرِيقَــتْ دِمــائي
فَدِمَــاءُ العشّــاق دَوْمًــا مُباحـهْ
وبطــول المَــدى تُــريكِ الليـالي
صــادقَ الحُــبِّ والـوَلاَ وسَـجاحهْ
إنّ ذا عصــرُ ظلمــةٍ غــير أنِّـي
مــن وراء الظـلام شـمتُ صبَاحـهْ
ضَيّــع الدهـرُ مَجْـدَ شـعبي ولكـنْ
ســتردُّ الحيــاةُ يومًــا وشــاحهْ
[ 2 يونيو / حزيران 1925 ، 10 ذو القعدة 1343 ]
صلوات في هيكل الحب
عذبْــةٌ أنـتِ كالطفولـةِ, كـالأحلام كـــاللّحن, كالصبـــاح الجــديدِ
كالسـماء الضحـوك كالليلـة القمْـراء كـــالورد, كابتســـام الوليـــدِ
يــا لهــا مــن وداعـةٍ وجمـال وشــــباب مُنَعَّــــم أُمْلـــودِ!
يـا لهـا مـن طهارةٍ, تبعثُ التقديــ ــــسَ فـي مهجة الشقيِّ العنيدِ!...
يــا لهـا رقَّـةً يكـادُ يَـرفُّ الـوَرْ دُ منهــا فــي الصّخـرة الجـلمودِ!
أيُّ شـيء تُـراكِ? هـل أنتِ "فينيسُ" تهــادتْ بيــن الـورى مـن جـديدِ
لِتُعيــدَ الشــبابَ والفـرح المعســ ــــولَ للْعــالم التعيس العميــدِ!
أم مـلاكُ الفـردوس جـاء إلـى الأر ض ليُحْــيي روحَ الســلام العهيـدِ!
أنـتِ.. مـا أنـتِ? أنـت رسمٌ جميلٌ عبقــريٌ مــن فـنِّ هـذا الوجـودِ
فيـكِ مـا فيـه مـن غمـوضٍ وعمقٍ وجمــــالٍ مُقَـــدَّسٍ معبـــودِ
أنـتِ.. مـا أنتِ? أنتِ فجرٌ من السحـ ـــر تجــلّى لقلبِــيَ المعمــودِ
فــأراه الحيـاةَ فـي مـونِق الحسـن وجـــلّى لـــه خفايــا الخــلودِ
أنـتِ روح الـربيع, تختـال في الدنـ ــيــا فتهــتزُّ رائعـاتُ الـورودِ
وتهـبُّ الحيـاةُ سـكرى مـن العـطـ ـــر ويــدوي الوجـودُ بـالتغريدِ
كلّمــا أبْصــرتْكِ عينـايَ تمشِـين بخــــطوٍ مـــوقَّعٍ كالنّشـــيدِ
خَـفَقَ القلـبُ للحيـاة, ورفّ الـزّهـ ـــرُ فـي حـقل عمـريَ المجـرودِ
وانتشــتْ روحــيَ الكئيبـةُ بـالحبِّ وغنــــتْ كـــالبلبل الغرِّيـــدِ
أنــتِ تُحـيِينَ فـي فـؤاديَ مـا قـد مــات فـي أمسـيَ السـعيدِ الفقيـدِ
وتَشِــيدينَ فــي خــرائِبِ روحـي مــا تلاشـى فـي عهـديَ المجـدودِ
مـن طمـوحٍ إلـى الجمـالِ إلـى الفنِّ إلـــى ذلــك الفضــاء البعيــدِ
وتَبُثِّيــن رقــة الشـوقِ, والأحـلامِ والشــدوِ, والهــوى, فـي نشـيدي
بعــد أن عــانقتْ كآبــةُ أيَّــامي فـــؤادِي, وألجـــمتْ تغريــدي
أنــت أنشــودة الأناشــيد غنّـاكِ إلـــه الغنـــاءِ, رَبُّ القصيـــدِ
فيـكِ شـبّ الشَّـبابُ, وشَّـحهُ السِّحْرُ وشــدوُ الهــوى, وعِطْـرُ الـورودِ
وتــراءى الجمـالُ, يـرقص رقصًـا قُدُســيًا, عــلى أغــاني الوجـودِ
وتهــادتْ فـي أفْـقِ روحِـكِ أوْزانُ الأغـــاني, ورقّـــةُ التغريـــدِ
فتمــايلتِ فــي الوجــود, كلحْـنٍ عبقــريِّ الخيــالِ حــلوِ النشـيدِ:
خـــطواتٌ, ســكرانةٌ بالأناشــيد, وصــوتٌ, كرجْــع نــاي بعيــدِ
وقــوامٌ, يكــاد ينطــق بالألحـان فـــي كـــلِّ وقفـــةٍ وقعــودِ
كــلُّ شــيءٍ مـوقعٌ فيـكِ, حـتى لَفْتَــةُ الجــيد, واهــتزازُ النّهـودِ
أنـتِ.., أنـتِ الحيـاةُ فـي قدْسها السا مـي, وفـي سـحرها الشـجيِّ الفريدِ
أنـتِ.. أنـتِ الحيـاةُ, في رِقّةِ الفجـ ـــر وفـي رونـق الـربيع الوليـدِ
أنــتِ.. أنــتِ الحيــاةُ, كـلَّ أوانٍ فــي رُواءٍ مــن الشــباب جـديدِ
أنـتِ.. أنـتِ الحيـاةُ فيك وفي عيــ ـــنَيْــكِ آيـاتُ سـحرها المَمْـدودِ
أنـتِ دنيـا مـن الأناشـيد والأحْـلام والســـحْر والخيـــال المديـــدِ
أنـتِ فـوقْ الخيـال, والشِّـعرِ, والفنِّ وفــوْقَ النُّهَــي وفــوق الحـدودِ
أنــتِ قُدْسـي, ومَعبـدي, وصبـاحي وربيعــي, ونَشْــوَتي, وخــلودي
يـا ابنـةَ النُّـور, إننـي أنـا وَحْـدي مَــن رأى فيــك رَوْعـةَ المعبـودِ
فــدَعيني أعيشُ فـي ظلّـك العـذب وفــي قــرب حُســنك المشـهودِ
عِيشــةً للجمـال, والفـن, والإلهـام والطُّهْـــر, والســنَى والســجودِ
عِيشـةَ الناسـك البتُـول يُنَـاجي الـرّ بَ فــي نشْــوَةِ الذُّهــول الشـديدِ
وامنحــيني الســلامَ والفـرحَ الـرو حــيَّ يـا ضَـوْءَ فجـريَ المنشـودِ
وارحـميني, فقـدْ تهـدّمتُ فـي كـو نٍ مــن اليــأس والظــلام مَشـيدِ
أنقـذيني مـن الأسـى, فلقـد أمسـيـ ـــتُ لا أســتطيع حـملَ وجـودي
فـي شـعاب الزمـان والمـوت أمشي تحــت عِـبءِ الحيـاة جَـمَّ القيـودِ
وأماشــي الـورَى ونفسـيَ كـالقبـ ـــر, وقلبــي كالعـالم المهـدودِ:
ظُلْمَــةٌ, مــا لهـا ختـامٌ, وهـولٌ شــائعٌ فــي ســكونها الممــدودِ
وإذا مــا اسْــتَخفّني عَبَـثُ النـاس تبسَّــمتُ فــي أسًــى وجُــمُودِ
بســـمةً مُــرّةً, كــأنِّيَ أســتلُّ مــن الشــوْكِ ذابــلاتِ الـورودِ
وانْفخـي فـي مشـاعري مَـرَحَ الدنيا وشُــدِّي مــن عــزميَ المجـهودِ
وابعثـي فـي دمـي الحـرارةَ, عَـلِّي أتغنَّــى مــع المُنــى مِـن جـديدِ
وأبُـــثُّ الوجــودَ أنْغــامَ قلــبٍ بُلْبُــــليّ, مكبَّــــلٍ بـــالحديدِ
فالصبــاحُ الجــميلُ يُنعشُ بـالدِّفءِ حيــــاةَ المُحـــطّم المكـــدودِ
أنْقــذيني, فقــد سـئمتُ ظلامـي! أنْقــذيني, فقــد مللـتُ ركـودي?
آهِ يـا زهـرتي الجميلـةَ لـو تـدرين مــا جَــدّ فــي فـؤادي الوحـيدِ
فـي فـؤادي الغـريبِ تُخْـلَقُ أكـوانٌ مــن الســحر ذاتُ حســن فريـدِ
وشـــموسٌ وضّـــاءةٌ ونجــومٌ تنــثر النــورَ فـي فضـاءٍ مديـدِ
وربيـــعٌ كأنــه حُــلُمُ الشــاعرِ فــي سَــكْرةِ الشــباب الســعيدِ
وريـاضٌ لا تعـرف الحَـلكَ الداجـي ولا ثـــورةَ الخـــريف العتيــدِ
وطيـــورٌ ســـحريةٌ تتنـــاغَى بأناشــــيدَ حـــلوةِ التغريـــدِ
وقصـورٌ كأنهـا الشَّـفَقُ المخْـضُوبُ أو طلعـــةُ الصبـــاحِ الوليـــدِ
وغيــــومٌ رقيقـــةٌ تتهـــادى كأبـــاديدَ مــن نُثَــارِ الــورودِ
وحيــاةٌ شــعريّةٌ هــي عنــدي صــورةٌ مـن حيـاة أهـل الخـلودِ
كــلُّ هــذا يشـيده سـحرُ عينيـك وإلهــــامُ حُســـنِك المعبـــودِ
وحــرام عليــكِ أن تهــدمي مـا شــادهُ الحُسـنُ فـي الفـؤاد العميـدِ
وحـرام عليـك أن تسْـحَقي آمــالَ نفسٍ تصبـــــو لعيشٍ رغيــــدِ
منــكِ ترجــو سـعادةً لـم تجدهـا فـي حيـاةِ الـورَى وسـحرِ الوجـودِ
فالإلــهُ العظيــمُ لا يَرْجُــمُ العَبْـدَ إذا كــان فــي جــلالِ الســجودِ
[ 13 أكتوبر / تشرين الأول 1931 ، 30 جمادى الأولى 1350 ]
إرادة الحياة
إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة
فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي
ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة
تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ
فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـاة
مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ
كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ
وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ
*****
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج
وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ:
إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ
ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب
ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ
ومــن لا يحــبُّ صعـودَ الجبـال
يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب
وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ...
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ
وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
*****
وقـالت لـي الأرضُ - لمـا سـألت:
أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــرْ?
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح
ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ
ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة
ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ
ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم
لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا ة,
مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ!
*****
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف
مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم
وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ,
لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ?
فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام
ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
وقــال لــيَ الغــابُ فــي رقَّـةٍ
مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ:
يجــئ الشــتاءُ, شــتاء الضبـاب
شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
فينطفــئُ السِّـحرُ, سـحرُ الغصـونِ
وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
وســحرُ السـماءِ, الشـجيُّ, الـوديعُ
وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
وتهـــوِي الغصــونُ, وأوراقُهــا
وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ,
ويدفنُهَــا الســيلُ, أنَّــى عــبرْ
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ,
تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ
ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ, غَــبَرْ
وذكــرى فصــولٍ, ورؤيـا حيـاةٍ,
وأشــباحَ دنيــا, تلاشــتْ زُمَـرْ
معانقــةً - وهـي تحـت الضبـابِ,
وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ -
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ
وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ
وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
*****
ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ,
وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ
وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً,
مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ
تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ,
وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـرْ?
وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق?
ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــرْ?
وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ?
وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــرْ?
ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ!
ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ!
ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ,
يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ!
ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ,
وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ
ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ
وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــرْ?
هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ
وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ
*****
ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــا حِ
حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ
فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــا
وأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ
وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــه,
وأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ
وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِ
تعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ
وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَ
وخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ
وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبلي
شــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ
ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه,
يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ
إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَ
إليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ!
إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ!
إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ!
فميـدي - كمـا شئتِ - فوق الحقولِ,
بحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ
ونــاجي النســيمَ, ونـاجي الغيـومَ,
ونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ
ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَها,
وفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ
*****
وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍ,
يشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ
ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌ
يُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ
وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِ,
وضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ
ورفــرف روحٌ, غــريبُ الجمـال
بأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ
ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّ سُ
فــي هيكـلٍ, حـالمٍ, قـد سُـحِرْ
وأعْلِــنَ فــي الكـون: أنّ الطمـوحَ
لهيـــبُ الحيــاةِ, ورُوحُ الظفَــرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ
فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدرْ!
[ 16 سبتمبر / أيلول 1933 ، 26 جمادى الأولى 1352 ]
الجنة الضائعة
كَـــــمْ من عُهودٍ عذبةٍ في عَدْو
فِضِّيّـةِ الأسحار مُذْهَبَةِ الأصائل والبكورْ
كــــــــانت أرقّ من الزهور,
وألــــــذّ من سحر الصِّبا في بَ
قضيّتُها ومعي الحبيبةُ لا رقيب ولا نذيرْ
إلاّ الطفولة حولنا تلهو مع الحُبِّ الصغيرْ
أيـام كانت للحياة حلاوة الروض المطيرْ
وطهـارةُ المــوج الجميــل, وسِ
ووداعة العصفور, بين جداول الماء النميرْ
أيامَ لم نَعرف من الدُّنيا سوى مَرَحِ السُّرورْ
وتَتَبُّعِ النَّحْل الأنيق وقَطْفِ تيجان الزهورْ
وتسلُّقِ الجبلِ المكلّل بالصّنَوْبَر والصخورْ
وبناءِ أكواخِ الطفولة تحت أعشاش الطيورْ
مســـــــقوفةً بالورد, والأعش
نبني, فتهدمها الرياحُ, فلا نضجُّ ولا نثورْ
ونعودُ نضحكُ للمروج, وللزنابقِ, والغديرْ
ونخــــاطبُ الأصداءَ, وهي تَرِفُّ
ونعيد أغنية السواقي, وهي تلغو بالخريرْ
ونَظَــــــــلُّ نركض خلف أسراب
ونمــــــرُّ ما بين المروج الخ
نشـــــــــدو, ونرقصُ - كالبلابلِ
ونظل ننثرُ للفضاء الرّحْبِ, والنهرِ الكبيرْ
ما في فؤادَيْنا من الأحلام, أو حُلْوِ الغرورْ
ونَشِــــــيدُ في الأُفق المخضّب
أزهـــــى من الشفَقِ الجميل, وروْنق
وأجلَّ من هذا الوجودِ, وكلِّ أمجادِ الدهورْ
أبـدًا, تُدلِّلُهـا الحياةُ بكلِّ أنواعِ السرورْ
وتبــــــثُّ فينا من مراحِ الكون
فنســـــــيرُ, نَنْشُد لهوَنا المبعو
ونظل نعبث بالجليل من الوجود, وبالحقيرْ:
- بالسائل الأعمى وبالمعتوه, والشيخِ الكبيرْ
بالقطة البيضاءِ, بالشاة الوديعة, بالحميرْ
بالعشب, بالفنن المنوِّر, بالسنابل, بالسَّفيرْ
بــــــــالرَّمْلِ, بالصخر المحطَّم,
واللهْــــــو, والعبَثُ البريءُ, الحلو
ونظل نقفز, أو نُثَرْثِرُ أو نغنِّي, أو ندورْ
لا نسأم اللهوَ الجميلَ, وليس يدركنا الفتورْ
فكأنّنـا نحيا بأعصابٍ من المَرحِ المُثِيرْ
وكأننـا نمشـي بـأقدامٍ مجنَّحـةٍ, تطيرْ
أيـام كنـا لُبَّ هذا الكون, والباقي قشورْ
أيـام تفرشُ سُبْلنا الدنيا بأوراق الزهورْ
وتمـرُّ أيـامُ الحياة بنا, كأسراب الطُّيورْ
بيضـاء لاعبـةً, مُغـرِّدةً مجنَّحةً بنورْ
وتُرَفْرف الأفراحُ فوق رؤوسنا أنَّى نسيرْ
آهٍ! توارى فَجْرِيَ القدُسيُّ في ليل الدهورْ
وفنَـــــى, كما يفنَى النشيدُ الح
أوّاهُ, قد ضاعت عليَّ سعادةُ القلب الغريرْ
وأدوسُ أشواك الحياة بقلبيَ الدّامي الكسيرْ
وأرى الأباطيل الكثيرةَ, والمآثم, والشرورْ
وتصادُمَ الأهواء بالأهواء في كل الأمورْ
ومَذَلّةَ الحقِّ الضعيفِ, وعزّةَ الظلم القديرْ!
وأرى ابنَ آدَمَ سائرًا في رحْلَةِ العُمُرِ القصيرْ
مـــــــــا بينَ أهوال الوجودِ, وتَح
متسلِّقًا جَبَلَ الحياةِ الوعْرَ, كالشَّيْخِ الضّريرْ
دامي الأكفِّ, مُمَزّقَ الأقْدَامِ, مُغْبَرَّ الشعورْ
مُترنِّحَ الخطواتِ ما بين المزالق والصُّخورْ
هالتْهُ أشْباحُ الظلامِ, وراعهُ صوتُ القبورْ
ودويُّ إعْصار الأسى, والموت, في تلك الوُعورْ
ماذا جنيتُ من الحياة ومن تجاريب الدُّهورْ
غـــــــيرَ الندامةِ والأسى واليأس
هـــــذا حَصادي من حقول العالَم
هذا حَصادي كلُّه, في يقظة العَهْدِ الأخيرْ
قـــــــد كنتُ في زمن الطفولةِ, و
أحيا كما تحيا البلابلُ, والجداولُ, والزُّهورْ
لا نحفل, الدنيا تدور بأهلها, أو لا تدورْ
واليـــــــومَ أحيا مُرْهَقَ الأعْصا
مُتأجِّجَ الإحساسِ, أحفلُ بالعظيم, وبالحقيرْ
تمشــــــي على قلبي الحياةُ, ويزح
هذا مصيري, يا بني, فما أشقى المصيرْ!
( 9 يناير / كانون الثاني 1933 ، 12 رمضان 1351 )
أنا أبكيك للحب
لسـتُ يـا أمسـيَ أبكيك لِمَجْدٍ أو لجاهْ
ســلبته منِّـيَ الدُّنيـا, وبـزّتْني رداهْ
فأنـا أحـتقرُ المجـدَ وأوهـامَ الحيـاهْ
*******
أو لعُمْـرٍ, بلغـتْ منـه اللّيـالي منتهاهْ
وتلاشـتْ في خضمِّ الزّمَنِ الطاغي قواهْ
فأنـا ما زلت في فجر شبابي أو ضُحاهْ
*******
لا, ولا أبكيكَ يا أمسي, إذا ما قلت: "آهْ"
لنعيـم, لـم يَنْـلْ قلبـيَ منـه مُشْتهاهْ
فبنُـو الأيـام فـي الدنيا كما شَاءَ الإلهْ
*******
إنمـا أبكـيك للحـبِّ, الـذي كان بَهاهْ
يمـلأ الدنيـا فأنّى سرتُ في الدُّنيا أراهْ
فـإذا ما لاحَ فَجْرٌ, كان في الفجر سناهْ
وإذا غـرّد طـيرٌ, كان في الشدْو صداهْ
وإذا ما ضاع عِطْرٌ, كان في العطر شذاهْ
وإذا ما رفّ زهرٌ, كان في الزّهر صِبَاهْ
فهـو في الكون جمالٌ, يَملأ الأفْقَ ضِياهْ
وتُوشِّـي هـذه الأكـوانَ بالسِّـحر رُؤاهْ
وهو في قلبي - الذي عانقه الفجر - إلهْ!
عبْقـريُّ السِّحرِ, ممراحٌ وديعٌ في سماهْ
يَنْسـجُ الأحـلامَ في قلبي بأضواء الحياهْ
ويُغنِّينـي, فأنسَـى فـي مسـرّاتِ غِناهْ
كلَّ ما في الكون من حزنٍ وأفراحٍ, عَداهْ
[ 21 سبتمبر / أيلول 1931 ، 8 جمادى الأولى 1350 ]
الأشواق التائهة
يــا صميــمَ الحيـاةِ! إنـي وحـيدٌ مــدْلجٌ, تائــهٌ, فــأين شـروقُكْ?
يــا صميــمَ الحيــاةِ! إنـي فـؤادٌ ضــائع, ظــامئٌ, فـأين رحـيقكْ?
يـا صميـمَ الحيـاةِ! قـد وجَـم النَّايُ وغــام الفضــا, فــأين بـروقكْ?
يــا صميـمَ الحيـاةِ! أيـن أغـانيك! فتحــت النجــومِ يُصغِـي مَشـوقكْ
كـنتُ فـي فجـرِك, الموشَّـح بالأحـ ــلام, عِطْـرًا, يَـرِفُّ فوق ورودكْ
حالمًــا, ينهــل الضيـاءَ, ويُـصـ ـغـي لـكَ فـي نشـوةٍ بوحي نشيدكْ
ثــمّ جــاء الدُّجــى.., فأمســيـ ــتُ أوراقًا, بدادًا, من ذابلاتِ الورودِ
وضبابًــا مــن الشّـذى, يتلاشـى بيـن هـول الدُّجـى وصمـتِ الوجودِ
كـنتُ فـي فجـركَ المغلَّـفِ بالسحـ ــرِ, فَضَـاءً مـن النشـيد الهـادي
وســحابًا مــن الـرُّؤى, يتهـادى فـــي ضمـــيرِ الآزالِ والآبــادِ
وضيــاءً, يعــانق العـالَمَ الـرحـ ــبَ, ويسـري فـي كـلٍّ خافٍ وبادِ
وانقضـى الفجـرُ.. فـانحدرتُ من ال أفــق ترابًــا إلـى صميـم الـوادي
يـا صميـمَ الحيـاةِ! كـم أنا في الدنـ ـيـا غـريبٌ! أشـقى بغربـةِ نفسـي
بيــن قــومٍ, لا يفهمــونَ أناشـيـ ـــدَ فــؤادي, ولا معـانيَ بؤسـي
فـــي وجــودٍ مكبَّــلٍ بقيــودٍ, تائــهٍ فــي ظـلام شـكّ ونحـسِ
فـاحتضِنِّي, وضُمَّنـي لـك - كالمـا ضـي - فهـذا الوجـودُ علّـةُ يأسـي
لــم أجـد فـي الوجـودِ إلاّ شَـقَاءً, ســـرمديًّا, ولـــذّةً, مضمحلَّــهْ
وأمــانيَّ, يُغــرِقُ الـدمعُ أحلاهـا, ويُفنــي يــمُّ الزمــان صداهــا
وأناشــيدَ, يــأكل اللَّهَـبُ الـدّامي مســـراتِها, ويُبْقِـــي أســـاها
وورودًا, تمــوت فـي قبضـةِ الأشـ ــواكِ, مـا هـذه الحيـاة المُمِلَّـهْ?!
ســـأمٌ هـــذه الحيــاة مُعَــادٌ وصبــاحٌ, يكــرُّ فــي إثـر ليـلِ
ليتنــي لـم أَفِـدْ إلـى هـذه الدنيـا, ولــم تســبح الكــواكبُ حـولي!
ليتنـي لـم يعـانق الفجـرُ أحـلامي, ولــم يلثــم الضيــاءُ جــفوني!
ليتنـي لم أزل - كما كنت - ضوءًا, شـائعًا فـي الوجـود غـيرَ سـجينِ!
[ 26 ديسمبر / كانون الأول 1930 ، 5 شعبان 1349 ]
أغاني التائه
كــان فــي قلبـيَ فجـرٌ, ونجـومْ, وبحـــارٌ, لا تُغَشِّـــيها الغيــومْ
وأناشـــيدُ, وأطيـــارٌ تحـــومْ وربيــعٌ, مُشْــرِقٌ, حـلوٌ, جـميلْ
كــان فــي قلبــي صبـاحُ وإيـاهْ وابتســامات, ولكــن... واأســاهْ!
آه! مــا أهــول إعصـارَ الحيـاهْ! آه مــا أشــقى قلـوب النـاس! آهْ!
كــان فــي قلبـي فجـرٌ, ونجـومْ,
فــإذا الكــلُّ ظــلام وسـديمْ...,
كــان فــي قلبـيَ فجـرٌ, ونجـومْ
يـا بنـي أمِّـي! تُـرى أيـن الصباحْ? قــد تقضّـى العُمْـرُ والفجْـرُ بعيـدْ
وطغــى الـوادي بمشـبُوب النُـواحْ وانقضــتْ أنشـودةُ الفصْـل السـعيدْ
أيـن نـايي? هـل ترامتْـه الريـاحْ? أيـن غـابي? أيـن محرابُ السجودْ.?
خـبِّروا قلبـي - فما أقسى الجراحْ! - كـيف طـارتْ نشـوةُ العيشِ الحميدْ?
يـا بنـي أمِّـي! تُـرى أيـن الصباحْ?
أوراء البحــرِ? أم خـلفَ الوجـودْ?
يـا بنـي أمِّـي! تُـرى أيـن الصباحْ?
ليـت شـعري! هـلْ سَتُسْـلِيني الغداهْ وتُعــزِّيني عــن الأمس الفقيــدْ?
وتُـــريني أن أفـــراح الحيـــاهْ زُمَــرٌ تمضــي, وأفـواجٌ تعـودْ?
فــإذا قلبــي صبــاح, وإيـاهْ... وإذا أحـــلاميَ الأولـــى ورودْ...
وإذا الشُّــحرورُ حــلو النَّغمــاتْ.. وإذا الغــابُ ضيــاءٌ ونشــيدْ..?
ليـت شـعري! هـل ستسـليني الغداهْ
أم ستنســاني, وتبقينــي وحــيدْ?
ليـت شـعري! هـل تعـزِّيني الغداهْ?
[ الثلاثاء 27 مارس / أذار 1929 ، 15 شوال 1347 ]
Syrian__Angel
13/10/2007, 04:34
مجهود جبــّار ليندا ... واختيار موفــّــق للقصائد ...
ألف شكر الك .. :D
ومتابعة معك ... :D
مجهود جبــّار ليندا ... واختيار موفــّــق للقصائد ...
ألف شكر الك .. :D
ومتابعة معك ... :D
الشكر الك ع المرور وع المتابعه:D
في ظل وادي الموت
فنحـن نمشـي, وحولنـا هاتـه الأكوا نُ تمشــي... لكــن لأيّـة غايـهْ؟
نحـن نشـدو مـع العصـافير للشمسِ وهـــذا الـــربيعُ ينفــخُ نايــهْ
نحــن نتلـو روايـة الكـونِ للمـوتِ ولكـــن مــاذا ختــامُ الروايــهْ
هكــذا قلــت للريــاحِ فقــالت: "سل ضمـيرَ الوجـودِ: كـيفَ البدايهْ؟؟
وتغشّـى الضبـابُ نفسـي, فصـاحت فـي مَـلالٍ مُـرٍّ: "إلى أيـن أمشي"؟
قلـت: "سيري مـع الحيـاةِ.." فقـالت: "ما جنينـا, تُـرى, مـن السيْر أمسِ؟
فتهــافتُّ كالهشـيمِ - عـلى الأرضِ ونــاديت: "أين يـا قلـبُ رفشـي؟
"هاتِه, علّنــي أخــطّ ضريحــي" "في ســكون الدُّجـى وأدفـنُ نفسـي"
"هاتِهِ فــالظلامُ حــولي كـثيفٌ..." "وضبابُ الأســى مُنيــخٌ عليَّـا..."
"وكؤوس الغــرامِ أترعَهَـا الفجـرُ.." "ولكن تحـــطَّمتْ فــي يديَّــا..."
"والشبابُ الغريـرُ ولَّـى إلـى الماضي" "وخلَّى النحـــيبَ فــي شــفتيَّا.."
"هاته, يــا فــؤادُ إنـا غريبـان.." "نصوغ الحيـــاة فنًــا شــجيَّا..."
"قد رقصنـا مـع الحيـاة طـويلاً..." "وشدوْنا مــع الشــباب ســنينَا..."
"وعَدوْنا مــع الليــالي حُفــاةً..." "في شِـعابِ الحيـاةِ حـتى دَمينَـا..."
"وأكلنا الــتّرابَ حــتَّى مللنــا..." "وشربنا الدمــوعَ, حـتَّى روِينَـا..."
"ونثرنا الأحــلامَ والحُـبّ والآلامَ..." "واليأسَ, والأســى, حـيث شـينَا..."
"ثم مـاذا? هـذا أنـا: صرتُ في الدنيا" "بعيدًا عـــن لهوهـــا وغِناهَــا"
"في ظــلام الفنــاء, أدفـنُ أيّـامي" "ولا أســـتطيعُ حــتّى بكاهَــا?"
"وزهورُ الحيــاة تهــوِي, بصمـتٍ" "مُحْزِنٍ, مُضجــرٍ, عــلى قدميَّــا"
"جَفّ سـحرُ الحيـاة, يـا قلبيَ الباكي" "فهيَّا, نُجَــرِّبِ المــوت.. هيَّـا..!"
[ 5 أبريل / نيسان 1932 ، 28 ذو القعدة 1350 ]
.
الصباح الجديد
اســـــكُني يــــا جِــــرَاحْ
واســــكُتي يــــا شـــجونْ
مــــاتَ عهــــد النّــــواحْ
وزمـــــــانُ الجــــــنونْ
وأطـــــــلّ الصّبــــــاحْ
مِــــــنْ وراءِ القــــــرونْ
*******
فــــي فِجــــاج الــــرّدى
قـــــد دفنـــــتُ الألَــــمْ
ونـــــــثرتُ الدُّمــــــوعْ
لريــــــــاحِ العَـــــــدَمْ
واتَّخـــــــذتُ الحيــــــاهْ
مِعزفًــــــــا للنَّغـــــــمْ
أتغنَّــــــــى عليـــــــه
فــــي رحــــابِ الزمـــانْ
*******
وأذبـــــــتُ الأسَـــــــى
فــــي جمــــال الوجــــودْ
ودحـــــــوت الفــــــؤادْ
واحــــــــةً للنشـــــــيدْ
والضِّيــــــا والظــــــلالْ
والشّــــــذَى والــــــورودْ
والهــــــوى والشــــــبابْ
والمُنـــــــى والحَنــــــانْ
*******
اســـــكُني يــــا جــــراحْ
واســــكُتي يــــا شـــجونْ
مــــات عهــــدُ النــــواحْ
وزمـــــــانُ الجُــــــنونْ
وأطـــــــلّ الصبــــــاحْ
مــــــن وراءِ القُــــــرونْ
*******
فــــي فــــؤادي الرحـــيبْ
معبـــــــدٌ للجمـــــــالْ
شـــــــيَّدتْه الحيـــــــاهْ
بــــــالرُّؤى والخيــــــالْ
فتلـــــــوْتُ الصــــــلاهْ
فــــي خشـــوع الظـــلالْ..
وحــــــرقت البخـــــورْ..
وأضــــــأتُ الشـــــموعْ...
*******
إن سِـــــــحْرَ الحيــــــاهْ
خـــــــالدٌ لا يـــــــزولْ
فعـــــــلام الشـــــــكاهْ
مـــــن ظــــلام يحــــولْ
ثـــــمّ يــــأتي الصبــــاحْ
وتمُــــــرُّ الفصـــــولْ..?
ســــوف يــــأتي ربيــــعْ
إن تقضَّـــــــى ربيــــــعْ
*******
اســـــكُني يــــا جــــراحْ
واســــكُتي يــــا شـــجونْ
مــــات عهــــدُ النــــواحْ
وزمـــــــانُ الجــــــنونْ
وأطـــــــلّ الصبــــــاحْ
مــــــن وراءِ القــــــرونْ
*******
مــــــن وراء الظــــــلامْ
وهديـــــــرِ الميـــــــاهْ
قــــد دعــــاني الصبـــاحْ
وربيـــــــعُ الحيـــــــاهْ
يــــا لـــه مـــن دُعَـــاءْ
هــــزّ قلبــــي صــــداهْ!
لَــــمْ يَعُـــدْ لـــي بقَـــاءْ
فــــوق هــــذي البقــــاعْ
*******
الـــــــوَداعَ! الــــــوَداعْ!
يـــــا جبــــالَ الهمــــومْ
يــــا ضبــــابَ الأســــى!
يــــا فجــــاجَ الجحــــيمْ!
قــــد جــــرى زوْرقــــي
فــــي الخـــضمِّ العظيـــمْ..
ونشــــــرتُ القـــــلاعْ...
فــــــالوَداعَ! الــــــوَداعْ!
[ 9 أبريل / نيسان 1933 ، 13 ذو الحجة 1351
أنشودة الرعد
فـــي ســـكونِ الليـــلِ لمّــا عــــانق الكـــونَ الخشـــوعْ
واخـــتفى صـــوتُ الأمـــاني خــــلف آفــــاقِ الهجـــوعْ
رتّــــل الرعــــدُ نشــــيدًا ردّدتـــــــه الكائنــــــاتْ
مثــل صــوتِ الحــقِ إن صـا "م" ح بأعمـــــاق الحيـــــاةْ
يتهـــــــادى بضجــــــيج فــــي خلايــــا الأوديــــهْ
مثـــل جبّـــارِ بنــي الْجِــنِّ بـــــــأقصى الهاويــــــهْ
فســــألتُ الليـــلَ, والـــليـ ـــــلُ كــــئيبٌ, ورهيـــبْ
شــــاخصًا بـــالليلِ والـــليـ ـــــلُ جـــميلٌ, وغـــريبْ:
"أتُرى أنشـــــودةَ الـــــرعـ ــــــدِ أنيــــنٌ وحــــنينْ
رنَّمتْهـــــــا بخشــــــوعٍ مهجـــةُ الكـــونِ الحـــزينْ?
أم هــــي القــــوةُ تســـعَى باعتســـــافٍ واصطخـــــابْ
يــــتراءى فــــي ثنايــــا صوتِهـــــا روحُ العــــذابْ?"
غــــير أن الليــــلَ قــــد ظــــلّ رَكُــــودًا, جـــامدَا
صامتًــــا مثــــل غـــدير القفــــر, مـــن دون صــدَى!
[ 27 و 28 فبراير / شباط 1926 ، 15 شعبان 1344 ]
نشيد الجبار
أو هكذا غنى بروميثيوس
ســأعيشُ رغــمَ الـداءِ والأعـداءِ
كالنَّســرِ فــوق القِمَّــةِ الشــمَّاءِ
أرنـو إلـى الشـمسِ المضيئةِ.. هازئًا
بالسُّــحْبِ, والأمطـارِ, والأنـواءِ..
لا أرمــقُ الظـلّ الكـئيبَ.. ولا أرى
مــا فـي قـرارِ الهُـوّةِ السـوداءِ..
وأسـيرُ فـي دنيـا المشـاعرِ حالمًـا
غـرِدًا - وتلـك سـعادةُ الشـعراءِ -
أُصغـي لموسـيقى الحيـاةِ, ووحْيِهـا
وأذيــب روحَ الكـونِ فـي إنشـائي
وأصيــخُ للصــوت الإلهـي الـذي
يُحــيي بقلبــي ميّــتَ الأصـداءِ
******
وأقــول للقــدرِ الــذي لا ينثنـي
عــن حـرب آمـالي بكـلِّ بـلاءِ:
"لا يطفـيءُ اللهـبَ المؤجَّـجَ في دمي
مـوجُ الأسـى, وعـواصفُ الأرزاءِ"
"فاهْدِمْ فــؤادي مـا اسـتطعتَ, فإنـه
ســيكون مثـل الصخـرةِ الصمـاءِ"
"لا يعـرفُ الشـكوى الذليلَـة والبكـا,
وضَراعَــة الأطفــالِ والضّعفـاءِ"
"ويعيشُ جبَّـــارًا, يحــدِّق دائمًــا
بـالفجرِ.. بـالفجرِ الجـميل, النـائي"
"واملأ طـريقي بالمخـاوفِ, والدُّجـى
وزوابــعِ الأشــواكِ والحصبــاءِ"
"وانشرْ عليـه الـرُّعبَ, وانـثر فوقـه
رُجـمَ الـرّدى, وصـواعقَ البأسـاءِ"
"سأظلُّ أمشــي رغـم ذلـك, عازفًـا
قيثـــارتي, مترنِّمًـــا بغنــائي"
"أمشي بـــروحٍ حــالمٍ, مُتَــوَهِّجٍ
فــــي ظلمــــةِ الآلام والأدواءِ"
"النورُ فــي قلبــي وبيـن جوانحـي
فعـلام أخشـى السـيرَ فـي الظلماءِ!"
"إني أنــا النــايُ الـذي لا تنتهـي
أنغامُــه, مــا دام فــي الأحيـاءِ"
"وأنا الخــضمُّ الرحْـبُ, ليس تزيـدُه
إلا حيـــاةً ســـطوةُ الأنـــواءِ"
"أمَّا إذا خــمدتْ حيــاتي, وانقضـى
عُمُــري, وأخرسـت المنيَّـةُ نـائي"
"وخبا لهيـبُ الكـونِ فـي قلبـي الذي
قـد عـاش مثـلَ الشـعلةِ الحـمراءِ"
"فأنا الســـعيدُ بـــأنني مُتَحَــوِّلٌ
عــن عــالمِ الآثـامِ, والبغضـاءِ"
"لأذوب فـي فجـرِ الجمـالِ السرمديِّ
وأرتــوي مــن مَنْهَـلِ الأضـواءِ"
******
وأقــولُ للجــمعِ الــذين تجشّـموا
هــدمي وودُّوا لــو يخــرُّ بنـائي
ورأوْا عــلى الأشـواكِ ظـلِّي هـامِدًا
فتخــيَّلُوا أنِّــي قضيْــتُ ذَمـائي
وغَــدوْا يَشُـبُّونَ اللهيـبَ بكـلِّ مـا
وجــدوا.., ليشـوُوا فوقـه أشـلائي
ومضَــوْا يمـدُّون الخِـوانَ, ليـأكلوا
لحــمي, ويرتشــفوا عليـه دمـائي
إنـي أقـولُ لهـم - ووجـهي مشرقٌ
وعـلى شـفاهي بسـمةُ اسـتهزاءِ -:
"إن المعـــاولَ لا تهــدُّ منــاكبي
والنــارَ لا تــأتي عـلى أعضـائي"
"فارموا إلـى النـارِ الحشـائشَ. والعبوا
يـا معشـرَ الأطفـالِ تحـت سـمائي"
"وإذا تمــرّدت العـواصفُ, وانتشـى
بــالهولِ قلــبُ القبّــة الزّرقـاء"
"ورأيتموني طــــائرًا, مترنِّمًـــا
فـوق الـزوابعِ, فـي الفضـاءِ النائي"
"فارموا عـلى ظـلّي الحجارَةَ, واختفوا
خـوْفَ الريـاحِ الهُـوجِ والأنـواءِ..."
"وهناك, فـي أمْـنِ البيـوتِ, تطارحوا
غَــثّ الحــديث, وميِّــتَ الآراءِ"
"وترنَّموا - مــا شــئتمُ - بشـتائمي
وتجـاهَرُوا - مـا شـئتمُ - بعـدائي"
"أمَا أنــا فــأجيبُكم مــن فَــوقِكم
والشـمسُ والشـفقُ الجـميل إزائـي":
"من جــاش بـالوحي المقـدّسِ قلبُـه
لــم يحــتفِلْ بحجــارةِ الفُلَتـاءِ"
[ 15 ديسمبر / كانون الأول 1933 ، 27 شعبان 1352 ]
انتهى
.
شغل الشابي بالمرأة فكانت كما يخبرنا زين العابدين السنوسي جحيمه ونعيمه فغنى بها على كل ريح. وسندرس هذا الموضوع من ثلاث أوجه ، حياته الزوجيه وحبه العفيف وحبه الصريح. وسنبدأ بحياته الزوجية لا لأنها أسبق تلك الوجوه في نفسه بل لأن الكلام فيها قصير ومختصر. إن زين العابدين السنوسي مدح زوج الشابي ( المرأة الفاضلة التي تزوجها الشابي ) مدحاً جميلا فقد كانت للشابي الأم الرؤوم ومع تلك الآدمية النابضة بالحب فإن سهومه ووجومه قد صحباه حتى في غزلياته بهاته الزوجه الساحره التي تعطيه كل ماوهبها الله وتشفق عليه وتترضاه وتقوم عليه مقام وصي أبيه … ان تلهيه وتترفق به
ومع هذا لم يستطع الشابي نسيان حبه الأول ولا شك أن زوجة الشابي والتي عاشت معه بضع سنوات من حياته القصيرة لم تجد منه شيئاً من الوفاء فهو لم يخصها بقصيدة أو حتى بيت شارد. ثم أنه فوق ذلك ظل يتغنى بحبه القديم.
والغزلان العفيف والصريح في شعر الشابي قليلان فقبل سن العشرين كان مأخوذاً بالجمال الظاهر وبالألفة التي تنشأ بين شخصين ثم تغدو تعلقاً لا معنى له إلا الارتباط بحال معينه لا يعرف أحد الشخصين غيرها و لا يدري سبيل التخلص منها مع قلة الجدوى من الاستمرار عليها ، تلك كانت حال ابي القاسم الشابي مع الطلفة أو المرأة التي تعلق بها قبل أن يبلغ الحادية عشرة من عمره ثم استمرت ذكراها في نفسه مدة بعد ذلك ، تخطر في خياله بين الفينة والفينة كلما قست عليه الحياة أو سد في وجهه باب من أبواب الأمل.
إن الذين كتبوا في حياة الشابي انقسموا إلى فريقين: فريقا يرى أن الشابي يصف في كلا غزلياته نساء من عالم الواقع ، نساء دعاه إلى وصفهن نزوع نفسه إليهن في أحوال كانت فيها نفسه متفتحه للحياة حينما كانت صحته ونشاطه على شيء من الوفرة وفريقا يرى أن الشابي خلق لنفسه من خياله مثالاً للمرأة ، فهو لا يتحدث عن فلانه أو فلانه وإنما يتحدث عن ذلك النموذج الذي خلقه هو ثم ألقى عليه الأصباغ من بنات خياله. ان المثل الذي ابتدعه الشابي في خياله للمرأة لم يستطع أن يجد له مثيلاً في عالمنا فمضى يبحث عنه مده من حياته غير أن يقع عليه.
يقول محمد كرو في كتابه عن حياة الشابي العاطفية " من المؤكد ان الشابي لم يجد في زوجته تلك الصورة الشعرية الرائعة التي كان يرسمها للمرأة في أشعاره ويتغنى بها في قصائده ، لذلك لم يلبث أن وقع في شراك حب قاده إلى معابد الغرام ومحاريب الهوى وإذغ نحن قرأنا بعض من شعره فاننا لا نشك لحظة في ان هذا العشر غنما قيل في امرأة معينة وان كنا نجهل حقيقة هذه المرأة … وإذا استعنا بنثره فإن نثره لايترك مجالا للشك في ان الشابي كان يحب امرأة من لحم ودم .. وأن هذه المرأة كانت حقيقة واقعية في حياة الشابي وأكثر من ذلك أنا أزعم أنها كانت تحبه حباً قوياً وتبادله الغرام في خلوات شعرية رائعة".
أما زين العابدين السنوسي فيقول يتسائلون هل أحب الشابي؟ وهل كان حبه الذي تغنى به في شعره حباً رمزياً مجرداً عن الذات واللحم واللذات؟ فيقول ان الشابي أحب الفتاة اللعوب بين يديه وأحب المرأة التي تستفرغ همه وتلهيه : أحب الشابي رفيقة طفولته وتغنى بحبها العذري إذ ماتت لفراقه وهما في سن المراهقه. فهذا حبه العذري الذي تغنت به روحه بعد موت عروسها. ثم أحب الحب البشري الذي تملأت به رجولته في شرخ شبابه ،وماتت رفيقتة الصغيرة فشعر بالفقد وبالشوق لذلك الماضي فغنى أغنية الحب والألم والإخلاص والذكريات، وماتت وتركته يندب الحب ويرثيها إذ بقيت في نفسه حاضرة يشغب طيفها عينيه ، فهو يتصورها كما كان يعرفها حيه ويصحبه شبحها ، وما كانت عشيرة صباه هذه بجنة شاعر أو حلم كاذب.
ظل الشابي يذكر رفيقتة الصغيرة زمناً طويلاً ، حتى بعد أن تقلبت الأحوال علماً ومرضاً وزواجاً واستئناف حب وعزوفاً عن الرسالة التي كان نصب نفسه لها.
يقول عامر غديرة أن ذكريات لطيفة بقيت للشابي من إقامته براس الجبل ، وأعذب هذه الذكريات ذكرى فتيات جميلات قد عشق الشاعر الناشيء بعضهن. واختلف البعض في مواطن الحب وقد يكون الشابي أحب في راس الجبل وأحب في زغوان ثم أحب ثالثة في تونس. وقد يكون أحب فتاة بعينها ، وقد يكون أحب من بعيد مكتفياً بنظرة أو سماع.
وغزل الشابي وجداني كسائر شعره ، صادق التعبير عما يجيش في نفس صاحبه أو عما يتمنى صاحبه ، وإن لم يكن في الحقيقة صورة لواقع حبه ، وقد بدا غزل الشابي ناضجاً وبعاطفة عنيفة وجدت منفذها الأول في الشعر وفي غزل الشابي صراحة وجد وفيه مجون مرموز مغطى بالرمز كثيراً أو قليلاً وغزل الشابي يدل على كبت شديد ، فلقد كان الشابي يكتم حبه وحديث حبه حتى عن أصدقائه المقربين ، كما كان يشعر في نفسه العجز عن الاندفاع مع عواطفه والتصرف برغباته لما كان يعرف من عواقب ذلك على صحته.
و هيدا نموذج من كتاباتو:
عـذبـة أنــتِ كالطـفـولـةِ ، iiكـالأحــلام
كـالـلــحّــن ، كـالـصــبّــاح الــجــديـــد
كالسمـاء الضـحـوك كالليـلـة iiالقـمْـراء
كـــالــــورد ، كـابــتــســام iiالــولــيـــد
يــــا لــهــا مــــن وداعــــةٍ iiوجــمــال
وشــــبــــاب مــنـــعٌـــم أمــــلــــود ii!
يـا لهـا مـن طهـارةٍ ، تبعـث iiالتقـديـس
فــــي مـهـجــة الـشـقَــي الـعـنـيـد ii!
يـــا لـهــا رقـــةً تـكــاد يـــرفَ الــــورد
مـنـهـا فــــي الـصـخــرة الـجـلـمـود ii!
أيَ شيء تـراكِ ؟ هـل انـتِ ii"فينيـس"
تـهــادت بـيــن الـــورى مـــن جــديــد
لتعـيـد الشـبـاب والـفــرح iiالمـعـسـول
لـلــعــالــم الـتــعــيــسِ الـعــمــيــد ii!
أم مـلاكُ الفـردوس جــاء إلــى iiالأرض
لـيــحــيِ روح الــســـلام الـعـهــيــد ii!
أنــتِ … ، مــا أنــتِ ؟ رســم iiجـمـيـل
عـبـقـري مـــن فـــنَ هـــذا iiالـوجــود
فيـكِ مـا فيـه مــن غـمـوضٍ iiوعـمـقٍ
وجـــمــــالٍ مــــقــــدسٍ iiمــعـــبـــود
أنتِ مـا أنـتِ ؟ أنـتِ فجـر مـن iiالسحـر
تــجــلّـــى لــقــلــبــي الــمــعــمــود
فــأراه الحـيـاة فــي مـونـق iiالحـسـن
وجــلّـــى لـــــه خــفــايــا iiالــخــلــود
أنـتِ روح الربيـع ، تخـتـال فــي iiالدنـيـا
فــتــهــتــز رائــــعـــــات iiالـــــــــورود
وتهـب الحيـاة سـكـرى مــن العـطـرْ ii،
ويـــــــدوي الـــوجــــود iiبـالـتــغــريــد
كـلـمـا أبـصـرتـك عـيـنــاي iiتـمـشـيـن
بــخـــطـــوٍ مــــوقــــع iiكـالـنــشــيَــد
خـفـق القـلـب للحـيـاة ، ورف iiالـزهــر
فــــي حــقــل عــمــري iiالـمــجــرود
وانـتـشـت روحـــي الكئـيـبـة بـالـحـب
وغــــنــــت كـالـبــلــبــل iiالـــغـــرّيـــد
أنــتِ تحيـيـن فــي فــؤادي مــا iiقـــد
مــات مــن أمـسـي السعـيـد iiالفقـيـد
وتشـيـديـن فـــي خــرائــب iiروحــــي
مــا تـلاشـى فــي عـهـدي المـجـدود
من طمـوح إلـى الجمـال إلـى الفـن ii،
إلـــــى ذلـــــك الــفــضــاء iiالـبـعــيــد
وتبـثـيـن رقـــة الـشــوق ، والأحـــلامِ
والـشـدو ، والـهــوى فـــي iiنـشـيـدي
بــعــد أن عـانـقــت كــآبـــةُ iiأيــامـــي
فــــــؤادي ، وألــجــمــت iiتــغــريــدي
أنــــتِ أنــشــودة الأنـاشـيــد غــنّــاك
إلاه الـــغــــنــــاءِ ، رب iiالــقـــصـــيـــد
فيـك شـبّ الشبـاب وشـحّـه iiالسـحـر
وشـــدوُ الـهــوى ، وعــطــر iiالــــورود
وتـــراءى الـجـمـال ، يـرقــص iiرقـصــاً
قـدسـيـاً ، عـلــى أغـانــي iiالــوجــود
وتـهــادت فـــي افـــق روحـــك iiأوزان
الأغــــانــــي ورقــــــــة iiالــتــغــريــد
فتمـايـلـتِ فـــي الـوجــود ، iiكـلـحــنٍ
عـبـقــريَ الـخـيــالِ حــلــوِ iiالـنـشـيـد
خــطــوات سـكــرانــه بـالأنـاشـيــد ii،
وصـــــوت ، كــرجـــع نـــــايٍ بـعــيــد
وقـــوامُ ، يــكــاد يـنـطــق بـالألـحــان
فــــــي كــــــل وقـــفـــةٍ iiوقـــعـــود
كــل شــيء مـوقــع فـيــكِ ، iiحـتــى
لـفـتــة الـجـيــد ، واهــتــزاز iiالـنـهــود
أنتِ .. أنتِ الحياة في قدسها السامي
وفـــي سـحـرهـا الـشـجـي iiالـفـريــد
أنـتِ ..أنـتِ الحـيـاة فــي رقــة الفـجـر
فـــــي رونـــــق الــربــيــع iiالــولــيــد
أنــــتِ .. أنــــتِ الـحــيــاة كـــــل iiأوانٍ
فـــي رواء مـــن الـشـبــاب ، iiجــديــد
أنـتِ.. دنـيـا مــن الأناشـيـد iiوالأحــلام
والــســحـــر والــخــيـــال iiالــمــديـــد
أنـتِ فـوق الخيـال ، والشعـر ، iiوالـفـن
وفــــوق الـنـهــى وفــــوق الــحــدود
أنــتِ قـدسـي ، ومعـبـدي iiوصبـاحـي
وربـيـعــي ، ونـشـوتــي ، وخــلــودي
يــا ابـنـة الـنـور ، إنـنـي أنـــا iiوحـــدي
مـــن رأى فــيــك روعــــة iiالـمـعـبـود
فدعينـي أعيـش فــي ظـلـك iiالـعـذب
وفـــي قـــرب حـسـنــك iiالـمـشـهـود
-----------------------------------------
يا سلاااااااااااااام عن جد شغلة و كلاااااااام رائع جداااا
شكرا لك ياراديا على هذا الموضوع..
بس ياريت تكتبيلنا قصائد اخرى للشابي في هذا الجانب...
اني انا الناي الذي لاتنثني ....انغامه مادام في الاحياء(ابو القاسم الشابي)
شكرا على هذا الموضوع
الشابي شاعر تونس الاول. رغم وفاته في العشرينات من عمره فقد ترك اشعارا جميلة خلدته....صحيح انه عرف و اشتهر بقصائده الوطنية اكثر من اشعاره الغزلية..
اسمحي لي ان اضيف هذه القصيدة الرائعة بنظري لموضوعك
أنتِ كالزهرة ِ الجميلة ِ في الغاب،
أنتِ كالزهرة ِ الجميلة ِ في الغاب،ولكنْ مَا بينَ شَوكٍ، ودودِ والرياحينُ تَحْسَبُ الحسَكَ الشِّرِّيرَوالدُّودَ من صُنوفِ الورودِ فافهمي النَاسَ..، إنما النّاسُ خَلْقٌمُفْسِدٌ في الوجودِ، غيرُ رشيدِ والسَّعيدُ السَّعيدُ من عاشَ كاللَّيلغريباً في أهلِ هَذا الوجودِ وَدَعِيهِمْ يَحْيَوْنَ في ظُلْمة ِ الإثْمِوعِيشيي في ظهرك المحمودِ كالملاك البريءِ، كالوردة البيضاءَ،كالموجِ، في الخضمَّ البعيدَ كأغاني الطُّيور، كالشَّفَقِ السَّاحِرِكالكوكبِ البعيدِ السّعيدِ كَثلوجِ الجبال، يغَمرها النورُوَتَسمو على غُبارِ الصّعيدِ أنتِ تحتَ السماء رُوحٌ جميلٌصَاغَهُ اللَّهُ من عَبيرِ الوُرودِ وبنو الأرض كالقرود،وما أضـأضْيَعَ عِطرَ الورودِ بين القرودِ! أنتِ من ريشة الإله، فلا تُلْقِي بفنِّ السّما لِجَهْلِ العبيدِ أنت لم تُخْلَقي ليقْربَكِ النَّاسُولكن لتُعبدي من بعيدِ...
شكرا على هذا الموضوع
الشابي شاعر تونس الاول. رغم وفاته في العشرينات من عمره فقد ترك اشعارا جميلة خلدته....صحيح انه عرف و اشتهر بقصائده الوطنية اكثر من اشعاره الغزلية..
اسمحي لي ان اضيف هذه القصيدة الرائعة بنظري لموضوعك
أنتِ كالزهرة ِ الجميلة ِ في الغاب،
أنتِ كالزهرة ِ الجميلة ِ في الغاب.....،ولكنْ مَا بينَ شَوكٍ، ودودِ
والرياحينُ تَحْسَبُ الحسَكَ الشِّرِّيرَ.......والدُّودَ من صُنوفِ الورودِ
فافهمي النَاسَ..، إنما النّاسُ خَلْقٌ.......مُفْسِدٌ في الوجودِ، غيرُ رشيدِ
والسَّعيدُ السَّعيدُ من عاشَ كاللَّيل.........غريباً في أهلِ هَذا الوجودِ
وَدَعِيهِمْ يَحْيَوْنَ في ظُلْمة ِ الإثْم...........ِوعِيشيي في ظهرك المحمودِ
كالملاك البريءِ، كالوردة البيضاءَ........،كالموجِ، في الخضمَّ البعيدَ
كأغاني الطُّيور، كالشَّفَقِ السَّاحِرِ..........كالكوكبِ البعيدِ السّعيدِ
كَثلوجِ الجبال، يغَمرها النورُ...........وَتَسمو على غُبارِ الصّعيدِ
أنتِ تحتَ السماء رُوحٌ جميلٌ..........صَاغَهُ اللَّهُ من عَبيرِ الوُرودِ
وبنو ارض كالقرود،ولأما ..........أضْيَعَ عِطرَ الورودِ بين القرودِ!
أنتِ من ريشة الإله،فلا تُلْقِي........ بفنِّ السّما لِجَهْلِ العبيدِ
أنت لم تُخْلَقي ليقْربَكِ النَّاس...........ُولكن لتُعبدي من بعيدِ...
عذبةٌ أنتِ كالطفولة كالأحلام كاللحنِ كالصباحِ الجديدِ
كالسماء الضحوكِ كالليلةِ القمراءِ كالوردِ كابتسامِ الوليدِ
يا لها من وداعـةٍ وجَمالٍ وشبابٍ منعّمٍ أملودِ
يا لَهَا من طهارةٍ تبعثُ التقديسَ في مهجة الشقيّ العنيد
يا لها من رقّةٍ تكاد يرفّ الوردُ منها في الصخرة الجلمود
أيّ شيء تراك هل أنت فينيس تَهادت بين الورى من جديد
لتعيد الشبابَ والفرحَ المعسـولَ للعالَمِ التعيس العميـد
أم ملاك الفردوس جاء إلى الأرضِ ليحيي روح السلام العهيد
أنتِ .. ما أنتِ ؟ رسمٌ جَميلٌ عبقريٌّ من فنّ هذا الوجود
فيك ما فيه من غموضٍ وعمقٍ وجمالٍ مقدّسٍ معبود
أنتِ ما أنتِ؟ أنت فجرٌ من السحر تَجلّى لقلبِي المعمود
فأراه الحياةَ في مونق الحُسن وجلّى له خفايا الخلود
أنت روح الربيع تختال في الدنيا فتهتز رائعاتُ الورود
تهب الحياة سكرى من العطر ويدوّي الوجود بالتغريد
كلما أبصرتك عيناي تَمشين بخطو موقّع كالنشيد
خفق القلبُ للحياة ورفّ الزهرُ في حقل عمري الْمجرود
وانتشت روحي الكئيبة بالحبّ وغنّت كالبلبلِ الغرّيد
أنت تحيين في فؤادي ما قد مات في أمسي السعيد الفقيد
وتشيدين في خرائب روحي ما تلاشى في عهدي الْمجدود
من طموحٍ إلى الجمالِ إلى الفنِّ إلى ذلك الفضاءِ البعيد
وتبثين رقّة الأشواق والأحلام والشدو والهوى في نشيدي
بعد أن عانقت كآبة أيامي فؤادي وألْجمت تغريدي
أنت أنشودة الأناشيد غنّاك إلهُ الغناء ربّ القصيد
فيك شبّ الشباب وشّحَهُ السحرُ وشدو الهوى وعطر الورود
وتبثين رقّة الأشواق والأحلام والشدو والهوى في نشيدي
بعد أن عانقت كآبة أيامي فؤادي وألجمت تغريدي
أنت أنشودة الأناشيد غنّاك إلهُ الغناء ربّ القصيد
فيك شبّ الشباب وشّحَهُ السحرُ وشدو الهوى وعطر الورود
وقوام يكاد ينطق بالألحان في كل وقفة وقعود
كل شيء موقع فيك حتى لفتة الجيد واهتزاز النهود
أنت..أنت الحياة في قدسها السامي وفي سحرها الشجيّ الفريد
أنت.. أنت الحياة في رقة الفجرِ وفي رونق الربيع الوليد
أنت .. أنت الحياة كل أوان في رواء من الشباب جديد
أنت.. أنت الحياة فيكِ وفي عينيك آيات سحرها الممدود
أنت دنيا الأناشيد والأحلام والسحر والخيال المديد
أنت فوق الخيال والشعر والفن وفوق النهى وفوق الحدود
أنت قدسي ومعبدي وصباحي وربيعي ونشوتي وخلودي
يا ابنة النور إنني أنا وحدي من رأى فيك روعك المعبود
فدعيني أعيش في ظلك العذب وفي قرب حُسنك المشهود
عيشة للجمال والفن والإلهام والطهر والسنَى والسجود
عيشة الناسك البتول يناجي الرب في نشوة الذهول الشديد
وامنحيني السلام والفرح الروحي يا ضوء فجري المنشود
وارحميني فقد تَهدمت في كون من اليأس والظلام مشيد
أنقذيني من الأسى فلقد أمسيت لا أستطيع حَمل وجودي
في شعب الزمان والموت أمشي تحت عبء الحياة جم القيود
وأماشي الورى ونفسي كالقبر وقلبي كالعالم المهدود
ظلمة ما لَها ختام وهول شائع في سكونِها الممدود
وإذا ما استخفى عبث الناس تبسمت في أسى وجُمود
بسمة مرة كأني أستلّ من الشوك ذابلات الورود
وانفخي في مشاعري مرح الدنيا وشدّي من عزمي المجهود
وابعثي في دمي الحرارة علّي أتغنى مع المنَى من جديد
وأبثّ الوجود أنغام قلب بلبليّ مكبلٍ بالحديد
فالصباح الجميل ينعش بالدفء حياة المحطم المكدود
أنقذيني فقد سئمت ظلامي أنقذيني فقد مللت ركودي
آه يا زهرتي الجميلة لو تدرين ما جدّ في فؤادي الموحود
في فؤادي الغريب تُخلق أكوانٌ من السحر ذات حسن فريد
وشُمُوس وضاءة ونجوم تنثر النـور في فضاء مديد
وربيع كأنه حلم الشاعر في سكرة الشباب السعيد
ورياض لا تعرف الحلك الداجي ولا ثورة الخريف العتيد
وطيـور سحرية تتناغى بأناشيد حلـوة التغريد
وقصور كأنها الشفق المخضوب أو طلعة الصباح الوليد
وغيوم رقيقة تتهادى كأباديد من نُثـار الورود
وحياة شعرية هي عندي صورة من حياة أهل الخلود
كل هذا يشيده سحر عينيك وإلهام حسنك المعبود
وحرام عليك أن تهدمي ما شاده الحسن في الفؤاد العميد
وحرام عليك أن تسحقي آمال نفس تصبو لعيش رغيد
منك ترجو سعادة لم تجدها في حياة الورى وسحر الوجود
فالإله العظيم لا يرجم العبد إذا كان في جلال السجود
passerby_intime
26/09/2008, 16:23
رحم الله شباب الشابي مات صغيرا وترك لنا شعرا كبيرا
مشكورة موضوعك جميل
:D
الحُبُّ شُعْلَة ُ نُورٍ ساحرٍ
الحُبُّ شُعْلَة ُ نُورٍ ساحرٍ، هَبَطَتْ منَ السَّماءِ، فكانتْ ساطعَ الفَلَقِ
وَمَزّقتْ عَن جفونِ الدَّهْرِ أَغْشِيَة ً وعن وجوه الليالي بُرقُعَ الغسقِ
الحبُّ رُوحُ إلهيٌّ، مجنّحة ٌ أيامُه بضياء الفجر والشّفقِ
يطوفُ في هذهِ الدُّنيا، فَيَجْعَلُها نجْماً، جميلاً، ضحوكاً، جِدَّ مؤتلقِ
لولاهُ ما سُمِعتْ في الكون أغنية ٌ ولا تألف في الدنيا بَنْو أُفْقِ
الحبُّ جَدْولٌ خمرٍ، مَنْ تَذَوَّقَهُ خاضَ الجحيمَ، ولم يُشْفِق من الحرقِ
الحبُّ غاية ُ آمالِ الحياة ِ، فما خوْفِي إذا ضَمَّني قبرٌ؟ وما فَرَقِي؟
شكرن يا شباب على هل الاشيا الحلوة
ربيع الأحزان
08/10/2008, 13:27
شكرا على الإختيار الرائع
شكرا جدا
أشعاره غاية الروعه
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة