-
عرض كامل الموضوع : مرثية الفرات العتيق- كمال جمال بك
فــاتحـــــــــة 1
القمحُ يصرخُ بي تعال
والتينُ يهتفُ: لا تعدْ
ما بين سنبلةٍ تئنُّ وتينةٍ
كشفتْ مفاتنَ عريها..
وزَّعتُ غيمي
ما زرعتُ سوى القصيدة علَّها
تنمو فينتثرُ السؤال
دمشق 8/10/1997
رؤيا
والشعرِ..
والمشاعرِ المجنونةْ
إنَّ الجديد تحت هذي الشمس دائماً
وأنتمُ الذين لا ترونهْ
والشعرِ..
والشاعرِ.. والقصيدةِ الملعونةْ
ما ضلَّت الرؤيا..
وما ضلَّ الشقيُّ أو غوى
إذ قال في مُحْكمِ أسفار الهوى
: لا شيء قبض الريح تملكونهْ
لمن ينتمي الزيزفون؟؟
حبَّةً.. حبَّةً
يرحلونْ
ترحلُ الأغنياتُ، وينكسرُ الزيزفونْ
** **
لغنائي
وردةٌ كالضجيجِ الذي
يتناسلُ من طعناتِ الهواءِ
** **
- منْ أنا؟؟
+ منْ تكونْ؟؟
ومضى الصوتُ مستسلماً للصدى
راعفاً.. راجفاً
في مساماتهِ همسةٌ، وجنونْ
** **
إنَّها العرباتُ وقد أرتجتْ قلبَها
في المحطَّاتِ تمشي الحقائبُ مسرعةً
وثقيلاً.. ثقيلاً
يمرُّ السكونْ
** **
ليس لي شجرٌ
لأغنِّي له: (عائدونْ...)
** **
بعدما يدفنُ العمرُ أمواجَهُ
تعزفُ الريحُ لحنَ الوداعِ
فينتبه العاشقونْ
مرآة حلم
كأنّني رأيتُك البارحةْ
وكان ثلجٌ يغسل الجبالَ..
كان قاسيون وردةً محمرَّةَ الخدينِ..
قلتُ: يا للبارحةْ!!
كأنَّ أطيافاً من الملاك بغتةً رأيتُها
فراشةً بيضاءَ..
أو مرآةَ حلمٍ..
خلتُني كالطفل فرَّ من عيونِهِ النعاسُ،
قلتُ: ليتني قطفتُ من عينيك نجمتينِ قبل النومِ..
قلتُ يا للبارحةْ
لكنّني استفقتُ...
كنتِ في الصدى أغنيتي
وشَعرُك الحالمُ في كفِّي..
يقولُ: إنَّني رأيتُك البارحةْ
مرثية الفرات العتيق
إنَّ نجماً هوى
وطوى شغبي
هو نجمُ أبي
فاسكبي
يا غماماتُ دمعَ الوداعِ عليهِ ولا تبخلي
هو أكرمَنَا في الحياةِ..
وأكرمنا في المماتِ
ولو لم يكن آخرُ الأنبياءِ مضى
لصرختُ: إذاً هو موت نبي
*** ***
يا أبي.. يا أبي
بعد موتِكَ لا موتَ يفـزعني
لا حياةَ تؤانسني
لاظلالَ أفيءُ إليها
ولا ظلَّ إن لعبَ الحَرُّ بي
*** ***
يا أبي..
لست أرثيكَ..
أرثي الذي ظلَّ بعدَكَ في الأرض ينبشُ فيها
لينهبَ لقمتَهُ
من فم الدودِ
أو من فمِ الذئبِ
لا فرقَ.. فالأرضُ ضيّقةٌ
والخُطا واسعهْ
لست أبكيكَ..
أبكي الذي عاش بعدَكَ كي يشهدَ الذلّ مستسلماً
واهماً أنّه سوف ينجو
إذا ما انحنى
كي تمرَّ العواصفُ زوبعةً.. زوبعةْ
*** ***
تابع مرثية الفرات العتيق
يا أبي..
أنت ما متَّ..
نحن الذين ننطُّ على جمرةِ القهرِ موتى..
فنمْ هانئا
في سريركَ هذا النديّ الذي
يسعُ العمرَ طولاً وعرضا..
ونم مطمئنا
ولو لحظةً، كانت المشتهى فتعزُّ عليك
إنَّها الآن بين يديك
فاغمض الجفن لو مرَّةً يا أبي
إنّ مَن غرّبتهُ البلادُ
يظلُّ -ولو عاش عشرين دهرا- شريدا
ومن طاردتْهُ القصيدةُ..
يبقى - إلى أبد الآبدين- طريدا
ومن روّضتْهُ الهمومُ
تراهُ يفكُّ القيودا؟؟
ثلاثةُ حمقى بعيدون عن مقلتيك
يُمطرونَكَ سيْلَ رسائل حبّ
ويستخدمون الهواتفَ شريانَ شوقٍ
ولم يعرفوا أن حقَّ الأبوَّةِ ليس بريدا
ثلاثةُ حمقى بعيدون عن مقلتيك
وثلاثة حمقى حواليك أيضا
وأمٌّ.. وقارورتان يُطلْن السجودا
ولم يستطيعوا جميعاً
مداناةَ سرّكَ في العيش..
سُّركَ في العيشِ كان فريدا
فنم يا أبي
أرخِ رأسكَ عن راحتيك
إنّ نسلك حمقى
ولكنّهم لم يكونوا عبيدا
:
تابع مرثية الفرات العتيق
يا أبي.. يا أبي
ها أنا الآن أفتحُ جرحَ القصيدةِ نافذةً
لتطلَّ على روحِكَ الطاهرهْ
اقرأ المتبقّي من الحَسَراتِ..
على ضفّةِ الانكساراتِ..
أفردُ أشرعةَ القلبِ فوق زوارق حزني
وأحملُ من كاهناتِ الغيابِ
ومن كائناتِ الحضورِ
سؤالين من كلِّ مملكةٍ
ثمَّ فليأتِ ما يأتي..
بعد الذي صار ما صار..
أنتَ الذي أطلقَ الطائرَ الحُرّ في صدرِنا
وأمام المصاعبِ قلتَ: احرقوا السُّفنا..
فالسلام على روحِكَ الثائرةْ
والسلام.. السلام على أمّةٍ
لم يعد في قواميسِ أركانِها
غيرُ قرقعةٍ لحروفِ السلام
استميحكَ في صمتكَ الآن..
أعرفُ أنيّ نكَأتُ جروحَكَ
لكنّني ما تجاوزتُ حدّ الكلام
استميحك في بيتك الآنَ..
أقرعُ بابَكَ..
-أعرفُ لا بابَ للقبر-
لكنّني أستطيعُ الوصول..
يقيني بأنّكَ تسمعني
ويقيني بأنّ الذي بيننا
عاجزٌ أنْ يقول..
فهل من رسولٍ
سوى هذه الخلجات اللواتي
أحسُّ بهنَّ رسولا؟؟
سلامٌ عليكَ أبي
وسلامٌ على روحِكَ الساخرةْ
ها بطيْبِكَ شيّدتُ بيتاً لروحي
وباسمِكَ سمّيتُ طفلي الجديدا
كأنّ الزمانَ الذي قد مضى
ما انقضى
تستمرُّ الحياةُ بما يشبهُ اللهوَ..
من عبثِ الماءِ بالطينِ
والطينِ بالنّارِ..
تولدُ في كلِّ موتٍ قصيدةْ!!
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة