-
دخول

عرض كامل الموضوع : رثاء الماغوط لزوجته


flower of march
14/09/2007, 00:00
قرأت مؤخرا قصيدة يرثي فيها الماغوط زوجته:
يا رب
يا أيها الإله المسن الوحيد في عليائه
في ليلة القدر هذه
وأمام قباب الجوامع والكنائس
اللامعة والمنتفخة كالحروق الجلدية
أزرر سترتي
وأطوي غمامة بيضاء على ذراعي
لأصير خادمك المطيع
ووكيل نعمتك وكوارثك إلى الأبد
أعري أشجارك في الخريف
واملؤها بالزهر والطيور في الربيع
أساعد الينابيع الصغيرة في جريانها
والحمائم المتشردة في بناء أبراجها
وأضلل العقارب والأفاعي
عن أرجل العمال والفلاحين الحفاة
وأكسو ثياب الأطفال الفقراء
بالرقع الجديدة الملونة في الأعياد
وفي الوقت نفسه
سأرشد براكينك وزلازلك وفياضاناتك
إلى أكثر الأكواخ والأحياء فقرا وازدحاما
حتى لا تضيع حجرة من حممك
أو قطرة من سيولك هباء بلا جدوى
بل سأوقظ ماركس وانجليز من قبريهما
وأرغمهما على الصراخ بأسنانهما المكشرة
أمام ضحايا المعتقلات
وجثث المناجم والإنهيارات الثلجية
والمقابر الجماعية
وأمام عائلاتهم وأطفالهم
والإعتراف وهما يضربان أخماسا باسداس
هذه مشيئة الله...
ولكن ابق لي على هذه المرأة الحطام
نحن أطفالها القصر الفقراء
سنهدي لعبنا وأقراطنا وثيابنا الجديدة
لملائكتك الصغار
ونظل عراة إلى الأبد ولكن ابق لنا عليها
لبضعة شهور لبضعة أيام فقط
نتناوب السهر عليها
وتجفيف العرق المتدفق على جبينها
فهي ظلنا الوحيد في هذه الصحاء
نجمنا الوحيد في هذه الظلمات
جدارنا المتبقي في هذا الخراب
ثم أنها لم تأخذ من تراب الوطن
أكثر مما تأخذه القدم من الحذاء....
أيها الأنف الحدب الجميل
كسنبلة تحت طائر
أيها الفم الدقيق كماعيد الخونة أ الأبطال
يا بذرة الحروب المقبلة
لم استعجلت الرحيل
والرقاد إلى البد باسمة مطمئنة
في أقرب نقطة لآل البيت
مولية ظهرك لكل ثورات العالم؟
ولكن لاعليك يا حبيبتي
لقد رأيت بأم عيني
في إحدى الليالي الثلجية العاصفة
على ضفاف الفولغا
ماركسيا متشرداينام تحت سيف القيصر
آه كم فرحنا أنا وشام وسلافة
بالحمرة الواهية
وقد عادت إلى الخدين الشاحبين
وكم صفقنا طربا
لشعرك القصير المنهك
وقد راح ينمو بحماسة بائسة
كعشب زنجي في حقول بيضاء.....
يا يتيمة الدهر وكل الدهور
من أين ورثت
هاتين الرئتين الواهنتين كرئتي عصفور؟
وهذا النمش المتجمع على ذرى الكتفين
كما تتجمع العصافير الخائفة في أعالي الأشجار؟
من أية مطاردة
تعلمت إغلاق الأبواب والنوافذ
والرقاد مع طفلتيك
لاهثة تحت الأسرة و المقاعد؟
بل من أية معركة
ادخرت هذه الدموع المقاتلة
وهذا الرحم المنذر المترفع كأبواق الحرب؟
آه يا حبيبتي
الآن يكتمل جنوني كالبدر
كل أسلحتي عفى عليها الزمن
كل صحبتي تفرقت
وحججي استنفذت ومقاهي تهدمت
وأحلامي تحطمت
ولم يبق لي إلا هذه اللغة
فماذا أفعل بحروفها الملتصقة بمخارجها كبول الأفعى
أيتها الزهرة المطرودة من غابتها
أيتها الغصة العميقة في قلب الربيع
حبك لاينسى أبدا
كالإهانة كجراح الحسين
كل من أحببت كن نجوما
وأنت وحدك السماء....
ثلاثين سنة وأنت تحملينني على ظهرك كالجندي الجريح
وأنا لم استطع
أن أحملك بضع خطوات إلى قبرك
أزوره متثاقلا
وأعود متثاقلا
لأنني لم أكن في حياتي كلها وفيا أومباليا
بحب أو شرف أوبطولة
ولم أحب مدينة أوريفا
قمرا أوشجرة؛غنيا أوفقيرا
صديقا أوجارا أو مقهى
جبلا أو سهلا
أو طفلا أو فراشه
فكراهيتي للإرهاب
لم تترك لي فرصة حتى لمحبة الله.......

رائعة أليست كذلك؟؟؟؟؟