Rena
28/08/2007, 16:11
في ذلك المساء انتابتني حالة من اليأس والاكتئاب والضياع , خرجت لأسير على أقدامي لانهاكهما لعل التعب الجسدي ينسيني التعب النفسي ويخرجني من حالتي ....
قادتني قدماي إلى مكان عمل صديقتي , تلك الصديقة الواحدة و الوحيدة التي بقيت لي من بين ألف صديق ....
طلبت منها اعداد كمية كبيرة من القهوة , شعرت أنني بحاجة لشرب عشرة فناجين .....
قدّمتها لي ببرود أعصابٍ وهدوء البركان الخامد ..... هي دائماً كذلك , لطالما اتهمتها بأنها من ذوات الدم البارد , ولكنني وبعد فترةٍ اكتشفت بأنها ثورة في الأعماق , نارٌ في فم تنينٍ صامت ....
وضعت قدحاً كبيراً من القهوة أمامي ....
امتلكتني الرغبة بشربه بسرعة ولكنني فضلت الاكتفاء بالنظر لرائحة القهوة وهي تتصاعد لتملأ الغرفة بعطرها .....
ما أجملها هي رائحة القهوة ....هي التي تغري حاسة الشم عندي وهي التي تشبع جوعها الغريزي ....
نظري لم يشعر للحظة بالملل من متابعة حركات القهوة الساكنة وهي تحاول ان تتخلص من حرارتها ...
أنهت صديقتي عملها وسرنا جنباً إلى جنب في شوارع مدينتنا , ذهبنا إلى الضواحي حيث أنه هناك لا يوجد من يعرفنا , لكي نتجنب إلقاء التحية على أحد أو ردها إلى أحد , فكانت حالتنا لا تحتمل وضع المجاملات الزائفة والكلام المعسول ....
سرنا إلى الضاحية الغربية لينتهي مطافنا إلى بحرنا الثائر الهادئ...
في شوارع هذه المنطقة تسكعنا .... وتحدثنا ..... وأخذنا دور السائحين في بلاد غريبة ....
فما أجمل أن تسير في مكانٍ لا أحد يعرفك فيه .... تستطيع أن تسرح بخيالك كما تشاء ....
تستطيع أن تفكر في زمنٍ توقف فيه الناس عن التفكير ....
تحس بأنك انسان لانك تفكر ...
لان التفكير هو الطريق إلى المعرفة والمعرفة هي الطريق لزيادة الاحساس , والاحساس هو الطريق لزيادة المعاناة والمعاناة هي سر فرح الانسان ووجوده و شعوره بانسانيته ...
في اللحظة التي وضعت فيها قدمي على رصيف البحر "الكورنيش " لفحتني نسمةٌ تلتها نسمةٌ أخرى ...
هواؤ رطب بل مشبع الرطوبة .... شعرت بقدرته على حملي كريشةٍ ليلعب بها الهوار .
جلسنا على شاطئ البحر .... يقترب النادل من طاولتنا الموجودة في ذاك المقهى الصيفي البحري ويسألنا عن طلباتنا ....
أقابِلُهُ بابتسامة الحزين الفاقد لحقه في الحلم ....
أطلب كأسين من عصير العنب وأركيلة بنكهة التفاحتين ....
كان طعم العنب ورائحته لدى هذا المقهى أقرب إلى طعم العنب ورائحة النبيذ الجبلي .....
النبيذ المعتق الذي يصنعه القرويون في قريتنا ...
طلبت نكهة التفاحتين لأنها كانت أقل تأثيراً من غيرها مقارنةً بأنواعٍ كان يحتويها المقهى تلبيةً لطلبات الشباب ...
بحثت عن القمر .... وإذ به القمر هجر سماءنا وهجر عمرنا .... فتخيل السماء والعمر من غير قمر ...!
كانت بعض النجوم تقوم برقصة مسائية في سماءنا التي مازالت ملكنا ولا نعلم إن كانت ستبقى لنا ...
أضواء قوارب الصيد البعيدة القادمة من البحر اختلطت أشكالها مع النجوم فظهرت السماء والأرض كثوبٍ مرصَّعٍ بالألماس .....
وكان الموج ملتزماً بعاداته وتقاليده بالركض وراء بعضه .
موجة تخونها موجة أخرى فتذهب وتتركها خلفها وتقرر الموت على أحد الصخور فتلحقها الموجة الأخرى الخائنة لتحاول تصحيح خطأها ولكن الأوان يكون قد فات فتقرر هي الأخرى اللحاق بالموجة المنتحرة .
وهكذا يولد الموج ليعشق ويخون وينتحر على صخرة ...
دار بيني وبين صديقتي حوارٌ صامت .... فكان البحر بين الدقيقة والأخرى يطلب من وجهي الاستدار بعيداً عنه ليبدل ملابسه فأحول نظري إلى عيني صديقتي .....
أشعر بهمّها كما أنها تشعر بهمّي .... كان الدخان يخرج من بين شفتيّ بعد أن يحمل قليلاً من الهم إلى الخارج بعيداً عن صدري .
آخذ نفساً عميقاً من هذا الهواء النقي النظيف .... لم تعتد رئتاي على مثل هذا الهواء لشدة نقائه ..... فنقاؤه عطّل النظام الروتيني الذي تعمل عليه رئتاي .... فكانتا تنقيان الهواء من الجراثيم ولكن هذا الهواء جعلها ترتاح وتنام بسلام من غير أن تقوم بأعمالها المنزلية , فمنذ سنوات عديدة وهي تعمل بهذا المنزل ولم تطالب يوماً بإجازة ليومٍ واحد أو لساعةٍ واحدة .....
كانت أمسية جميلة بالرغم من حزنها ..... من الدموع العصية التي تأبى أن تنزل من العيون فهي تحب أن تظل عالية وترفض أن تنزل كباقي الدموع قال لي شابٌ كان يحبني ولم أبادله الشعور في يومٍ وجدني فيه أبكي : دموعك لآلئ فلا تُهدها إلاّ لمن يستحقها .... وحمل دمعتين بين أصابعه .... وذهب بعيداً متأكدة من أنه كان هو المفقود من خيالي ولكن فطنتي لم تسعفني في وقتها , وذهب ولم يعد ...
ما أحوجني إليه اليوم وغداً وبعد غد .... فأين ذهبت أيها الحبيب المفقود ؟!
كان المقهى من الطراز البحري القديم حتى بأغانيه .... في لحظة خروجي من شرودي بالموج والبحر وعيني صديقتي , طنت بأذني جملة من أغنية ....(( عمري ضايع يحسبوه إزاي عليّا )).
هي لأم كلثوم ولكنها كانت بصوت جورج وسوف ..... ومع كل ما تحمله هذه الجملة من معاني فكانت تحمل احساس ام كلثوم العالي و شجون جورج وسوف الآسر .... فيال السحر الذي طُبِّق علي ّ قي تلك اللحظة ....
سرت رعشةٌ دغدغت روحي وأحيتها .
شعورٌ غريبٌ لم أعتد عليه جعلني أشعر بالفرح العارم ألا وهو جسدٌ يحتوي روح أو روحٌ تملء جسد ...
فيال العجز عن وصف هذا الشعور ....!
بدأت بالتفكير بعمري بعد سماع هذه الأغنية والجملة السحرية على وجه الخصوص ...
تساءلت أين هي تلك الأيام التي مضت ؟! لماذا لم أشعر بها ؟!
من زرع اليأس والحزن في نفسي لأقطف ثماره الآن ؟!
ويال سوء الحظ حتى الثمار كانت قد أفسدتها حشراتٌ لعينة ...
من الآن فصاعداً سأُسعد روحي .... وأعيش حياة سعيدة بالرغم من آلامها وأحزانها و أوجاعها ....
فهي حسبت علينا فلنرضخ ونعشها ....
تأخّر بنا الوقت في المقهى فحملتنا أقدامنا من حيث أتت بنا ....
دخلت منزلي ..... وجه أبي الهرم ونظراته اللائمة لي لتأخري تأكلني .... تجاهلتها ودخلت غرفتي ....
كان ينقصني في تلك الليلة حنانٌ أتوق إليه منذ زمنٍ بعيد فقمت بصناعة حنانٍ ذاتي , فوضعت راحة كفي الأيسر تحت كتفي الأيمن .... وراحة كفي الأيمن تحت كتفي الأيسر .... وتمددت على سريري كالأموات ... شعرت بروحٍ أخرى تحضن روحي , وكأنها روح إلهية أتت لتأخذ الحزن من صدري ...
نمت بسلامٍ شمل روحي وغذاها إلى أن تاهت في معالمٍ لم تعرف لها خيالات الانسان اسم .
28/08/2007
00:35 صباحاً ....الثلاثاء ....
قادتني قدماي إلى مكان عمل صديقتي , تلك الصديقة الواحدة و الوحيدة التي بقيت لي من بين ألف صديق ....
طلبت منها اعداد كمية كبيرة من القهوة , شعرت أنني بحاجة لشرب عشرة فناجين .....
قدّمتها لي ببرود أعصابٍ وهدوء البركان الخامد ..... هي دائماً كذلك , لطالما اتهمتها بأنها من ذوات الدم البارد , ولكنني وبعد فترةٍ اكتشفت بأنها ثورة في الأعماق , نارٌ في فم تنينٍ صامت ....
وضعت قدحاً كبيراً من القهوة أمامي ....
امتلكتني الرغبة بشربه بسرعة ولكنني فضلت الاكتفاء بالنظر لرائحة القهوة وهي تتصاعد لتملأ الغرفة بعطرها .....
ما أجملها هي رائحة القهوة ....هي التي تغري حاسة الشم عندي وهي التي تشبع جوعها الغريزي ....
نظري لم يشعر للحظة بالملل من متابعة حركات القهوة الساكنة وهي تحاول ان تتخلص من حرارتها ...
أنهت صديقتي عملها وسرنا جنباً إلى جنب في شوارع مدينتنا , ذهبنا إلى الضواحي حيث أنه هناك لا يوجد من يعرفنا , لكي نتجنب إلقاء التحية على أحد أو ردها إلى أحد , فكانت حالتنا لا تحتمل وضع المجاملات الزائفة والكلام المعسول ....
سرنا إلى الضاحية الغربية لينتهي مطافنا إلى بحرنا الثائر الهادئ...
في شوارع هذه المنطقة تسكعنا .... وتحدثنا ..... وأخذنا دور السائحين في بلاد غريبة ....
فما أجمل أن تسير في مكانٍ لا أحد يعرفك فيه .... تستطيع أن تسرح بخيالك كما تشاء ....
تستطيع أن تفكر في زمنٍ توقف فيه الناس عن التفكير ....
تحس بأنك انسان لانك تفكر ...
لان التفكير هو الطريق إلى المعرفة والمعرفة هي الطريق لزيادة الاحساس , والاحساس هو الطريق لزيادة المعاناة والمعاناة هي سر فرح الانسان ووجوده و شعوره بانسانيته ...
في اللحظة التي وضعت فيها قدمي على رصيف البحر "الكورنيش " لفحتني نسمةٌ تلتها نسمةٌ أخرى ...
هواؤ رطب بل مشبع الرطوبة .... شعرت بقدرته على حملي كريشةٍ ليلعب بها الهوار .
جلسنا على شاطئ البحر .... يقترب النادل من طاولتنا الموجودة في ذاك المقهى الصيفي البحري ويسألنا عن طلباتنا ....
أقابِلُهُ بابتسامة الحزين الفاقد لحقه في الحلم ....
أطلب كأسين من عصير العنب وأركيلة بنكهة التفاحتين ....
كان طعم العنب ورائحته لدى هذا المقهى أقرب إلى طعم العنب ورائحة النبيذ الجبلي .....
النبيذ المعتق الذي يصنعه القرويون في قريتنا ...
طلبت نكهة التفاحتين لأنها كانت أقل تأثيراً من غيرها مقارنةً بأنواعٍ كان يحتويها المقهى تلبيةً لطلبات الشباب ...
بحثت عن القمر .... وإذ به القمر هجر سماءنا وهجر عمرنا .... فتخيل السماء والعمر من غير قمر ...!
كانت بعض النجوم تقوم برقصة مسائية في سماءنا التي مازالت ملكنا ولا نعلم إن كانت ستبقى لنا ...
أضواء قوارب الصيد البعيدة القادمة من البحر اختلطت أشكالها مع النجوم فظهرت السماء والأرض كثوبٍ مرصَّعٍ بالألماس .....
وكان الموج ملتزماً بعاداته وتقاليده بالركض وراء بعضه .
موجة تخونها موجة أخرى فتذهب وتتركها خلفها وتقرر الموت على أحد الصخور فتلحقها الموجة الأخرى الخائنة لتحاول تصحيح خطأها ولكن الأوان يكون قد فات فتقرر هي الأخرى اللحاق بالموجة المنتحرة .
وهكذا يولد الموج ليعشق ويخون وينتحر على صخرة ...
دار بيني وبين صديقتي حوارٌ صامت .... فكان البحر بين الدقيقة والأخرى يطلب من وجهي الاستدار بعيداً عنه ليبدل ملابسه فأحول نظري إلى عيني صديقتي .....
أشعر بهمّها كما أنها تشعر بهمّي .... كان الدخان يخرج من بين شفتيّ بعد أن يحمل قليلاً من الهم إلى الخارج بعيداً عن صدري .
آخذ نفساً عميقاً من هذا الهواء النقي النظيف .... لم تعتد رئتاي على مثل هذا الهواء لشدة نقائه ..... فنقاؤه عطّل النظام الروتيني الذي تعمل عليه رئتاي .... فكانتا تنقيان الهواء من الجراثيم ولكن هذا الهواء جعلها ترتاح وتنام بسلام من غير أن تقوم بأعمالها المنزلية , فمنذ سنوات عديدة وهي تعمل بهذا المنزل ولم تطالب يوماً بإجازة ليومٍ واحد أو لساعةٍ واحدة .....
كانت أمسية جميلة بالرغم من حزنها ..... من الدموع العصية التي تأبى أن تنزل من العيون فهي تحب أن تظل عالية وترفض أن تنزل كباقي الدموع قال لي شابٌ كان يحبني ولم أبادله الشعور في يومٍ وجدني فيه أبكي : دموعك لآلئ فلا تُهدها إلاّ لمن يستحقها .... وحمل دمعتين بين أصابعه .... وذهب بعيداً متأكدة من أنه كان هو المفقود من خيالي ولكن فطنتي لم تسعفني في وقتها , وذهب ولم يعد ...
ما أحوجني إليه اليوم وغداً وبعد غد .... فأين ذهبت أيها الحبيب المفقود ؟!
كان المقهى من الطراز البحري القديم حتى بأغانيه .... في لحظة خروجي من شرودي بالموج والبحر وعيني صديقتي , طنت بأذني جملة من أغنية ....(( عمري ضايع يحسبوه إزاي عليّا )).
هي لأم كلثوم ولكنها كانت بصوت جورج وسوف ..... ومع كل ما تحمله هذه الجملة من معاني فكانت تحمل احساس ام كلثوم العالي و شجون جورج وسوف الآسر .... فيال السحر الذي طُبِّق علي ّ قي تلك اللحظة ....
سرت رعشةٌ دغدغت روحي وأحيتها .
شعورٌ غريبٌ لم أعتد عليه جعلني أشعر بالفرح العارم ألا وهو جسدٌ يحتوي روح أو روحٌ تملء جسد ...
فيال العجز عن وصف هذا الشعور ....!
بدأت بالتفكير بعمري بعد سماع هذه الأغنية والجملة السحرية على وجه الخصوص ...
تساءلت أين هي تلك الأيام التي مضت ؟! لماذا لم أشعر بها ؟!
من زرع اليأس والحزن في نفسي لأقطف ثماره الآن ؟!
ويال سوء الحظ حتى الثمار كانت قد أفسدتها حشراتٌ لعينة ...
من الآن فصاعداً سأُسعد روحي .... وأعيش حياة سعيدة بالرغم من آلامها وأحزانها و أوجاعها ....
فهي حسبت علينا فلنرضخ ونعشها ....
تأخّر بنا الوقت في المقهى فحملتنا أقدامنا من حيث أتت بنا ....
دخلت منزلي ..... وجه أبي الهرم ونظراته اللائمة لي لتأخري تأكلني .... تجاهلتها ودخلت غرفتي ....
كان ينقصني في تلك الليلة حنانٌ أتوق إليه منذ زمنٍ بعيد فقمت بصناعة حنانٍ ذاتي , فوضعت راحة كفي الأيسر تحت كتفي الأيمن .... وراحة كفي الأيمن تحت كتفي الأيسر .... وتمددت على سريري كالأموات ... شعرت بروحٍ أخرى تحضن روحي , وكأنها روح إلهية أتت لتأخذ الحزن من صدري ...
نمت بسلامٍ شمل روحي وغذاها إلى أن تاهت في معالمٍ لم تعرف لها خيالات الانسان اسم .
28/08/2007
00:35 صباحاً ....الثلاثاء ....