Lawgali1
28/08/2007, 13:21
لم أكن أعرف إي شيء عن الرجل.
لا أسمه ، لا عمله ، لا أين يسكن …. أو إي شيء أخر
فقط أننا نلتقي كل صباح يوم عمل في الباص 216.
نهبط معا في وسط المدينة …
أتوجه إلى عملي .
بينما يتجه هو إلى ناصية شارع جرانت ويقف هناك يتطلع فيما يبدوا إلى بقعة في الجدار.
أغادر عملي في الساعة الخامسة مساء.
أقف على الناصية المقابلة لانتظار الحافلة .. الرجل لازال هناك واقفا كالأشجار.
هكذا كانت البداية.
………………..
أحد ما قد غرس الرجل في هذا المكان.
لم يكن يتحدث لأحد ولا أحد يتحدث إليه…
اعتاده المارة كما يعتادون البنايات و الأشجار.
لم نكن نعرف أسمه .
لم يكن في ملامحه ما يميزه فأطلقنا عليه لقب الرجل الشجرة
مع مر الأيام أصبح معروفا لدينا بالشجرة.
كنت عند هبوب الرياح أتخيل تمايل أغصانه. وفى الخريف تساقط أوراقه.
…………..
لم يكن يتحرك أو يبتسم أو حتى يتحدث .
يماثل شجرة الصنوبر في الطرف الأخر من الشارع.
هل فقد شيئا ما ……هل يبحث عن شيئا ما. ………….؟
سألت صاحب البقالة المجاورة ، فقال لي وهو يدعك مؤخرة رأسه….. ” لا أحد يعلم .. جاء إلى هنا منذ حوالي ستة أشهر ..ولم يتحرك من هنا .. لقد تعودنا عليه .. صدقني تمضى أيام كثيرة أمر بجواره ولا أحس بوجوده .. ستعتاده أنت الأخر”.
لم أعتاده .. استفزني بوجوده .. ما الذي يفعله هنا؟
“ربما يمارس رياضة روحية ” قال زميلي في العمل.
هل هو من رجال الله؟…… سألت.
……………..
تخيلت أن الطيور تطعمه الحَب.
وأن الأرض تسقيه الماء.
تساءلت…..
ماذا يعمل عندما تُمطر؟عند ما تهب الرياح بقسوة ؟
هل يسأل عنه أحد؟
هل يأتي أحد لزيارته؟
ثم …كيف يقضى حاجته؟…..
…………….
“يقال أنه فقد أبنته الصغيرة في نفس الموقع. ومن ذاك اليوم وهو يتطلع إلى بقعة الدم بالجدار”
قال سائق الحافلة ….يقال أن.
……….
ماذا يفعل عندما يغادر المكان؟
هل لديه بيت؟
زوجة ..أخوة ..أبناء….جيران…
اللعنة…لقد أصبحت مسكوناً به.
ماذا لو كان أصل الإنسان شجرة؟؟..
وهل توجد القردة إلا بين الأشجار؟
“لماذا تشغل نفسك بهذا الرجل ؟” قالت زوجتي .. “تذكر نحن غرباء هنا ولديك طفلة صغيرة..فأنتبه لعملك ودع الناس وشأنهم.”
ولكن …..
……….
قررت أن أبقى بعد انتهاء عملي .. أراقب الرجل على أعرف متى يغادر المكان ، والى أين يذهب. أبلغت زوجتي بأن لدي عمل إضافي وأنني سأتأخر . سرت لذلك ……فهذا يعني دخلا إضافيا ….. قهرني الشعور بالذنب ….ولكن…..
أمضيت ساعات طويلة من المساء وبعض الليل والرجل لا يتحرك …
هذا مستحيل …! لا بد له من الذهاب هنا أو هناك ..
لا يتحرك ….
لملمت أشتات هزيمتي وعدت مع أخر باص ينطلق من وسط المدينة
طالعته من نافذة الباص …واقف هناك كالأشجار.
أصبحت أكره الشجر …سأقتلع شجرة يوما ما…
………
أخبرت زوجتي بما حدث ….
لم أصدق ردة فعلها.
هستريا من البكاء .. والألم … والصياح
حتى الصغيرة شاطرت أمها الصراخ ..
هل جننت أنت ؟….. صاحت
وهل من الجنون أن نهتم بالأشجار؟؟؟
…….
استدعاني رئيسي لمكتبه ….
“أسمع يا ابني….” قال يصوت هادئ ونبرات وقور
“لقد كنت من المتفوقين في عملك….. ولكنك مؤخرا أصبحت كثير الشرود… هل من مشاكل مع زملائك..مشاكل في البيت .. مشاكل مالية ….”
ثم أردف بعد سكون …أم هو …الحنين إلى الوطن ….؟
كيف لي أن أساعدك..؟..سألني
شكرت له اهتمامه … ووعدته خيرا……
قبل أن أخرج من مكتبه …. قال لي …
ثم… ما قصة رسومات الأشجار التي تملأ مكتبك…؟
………..
انقطعت عن الذهاب إلى العمل…
تجنبت وسط المدينة.
بقيت في البيت إحدى عشرا يوما .
لم أغادر البيت مطلقا.
لم أحادث أحد.
فقط أطالع بقعة في جدار المطبخ.
…………
في اليوم الثاني عشر غادرت زوجتي وطفلتها المنزل دونما أن تحدثني.
حلمت تلك الليلة بغابة من الأشجار تحتفي بي…………
__________________________
عن مجموعة "عيون الكبرياء " للكاتب الليبي عطية الأوجلي
لا أسمه ، لا عمله ، لا أين يسكن …. أو إي شيء أخر
فقط أننا نلتقي كل صباح يوم عمل في الباص 216.
نهبط معا في وسط المدينة …
أتوجه إلى عملي .
بينما يتجه هو إلى ناصية شارع جرانت ويقف هناك يتطلع فيما يبدوا إلى بقعة في الجدار.
أغادر عملي في الساعة الخامسة مساء.
أقف على الناصية المقابلة لانتظار الحافلة .. الرجل لازال هناك واقفا كالأشجار.
هكذا كانت البداية.
………………..
أحد ما قد غرس الرجل في هذا المكان.
لم يكن يتحدث لأحد ولا أحد يتحدث إليه…
اعتاده المارة كما يعتادون البنايات و الأشجار.
لم نكن نعرف أسمه .
لم يكن في ملامحه ما يميزه فأطلقنا عليه لقب الرجل الشجرة
مع مر الأيام أصبح معروفا لدينا بالشجرة.
كنت عند هبوب الرياح أتخيل تمايل أغصانه. وفى الخريف تساقط أوراقه.
…………..
لم يكن يتحرك أو يبتسم أو حتى يتحدث .
يماثل شجرة الصنوبر في الطرف الأخر من الشارع.
هل فقد شيئا ما ……هل يبحث عن شيئا ما. ………….؟
سألت صاحب البقالة المجاورة ، فقال لي وهو يدعك مؤخرة رأسه….. ” لا أحد يعلم .. جاء إلى هنا منذ حوالي ستة أشهر ..ولم يتحرك من هنا .. لقد تعودنا عليه .. صدقني تمضى أيام كثيرة أمر بجواره ولا أحس بوجوده .. ستعتاده أنت الأخر”.
لم أعتاده .. استفزني بوجوده .. ما الذي يفعله هنا؟
“ربما يمارس رياضة روحية ” قال زميلي في العمل.
هل هو من رجال الله؟…… سألت.
……………..
تخيلت أن الطيور تطعمه الحَب.
وأن الأرض تسقيه الماء.
تساءلت…..
ماذا يعمل عندما تُمطر؟عند ما تهب الرياح بقسوة ؟
هل يسأل عنه أحد؟
هل يأتي أحد لزيارته؟
ثم …كيف يقضى حاجته؟…..
…………….
“يقال أنه فقد أبنته الصغيرة في نفس الموقع. ومن ذاك اليوم وهو يتطلع إلى بقعة الدم بالجدار”
قال سائق الحافلة ….يقال أن.
……….
ماذا يفعل عندما يغادر المكان؟
هل لديه بيت؟
زوجة ..أخوة ..أبناء….جيران…
اللعنة…لقد أصبحت مسكوناً به.
ماذا لو كان أصل الإنسان شجرة؟؟..
وهل توجد القردة إلا بين الأشجار؟
“لماذا تشغل نفسك بهذا الرجل ؟” قالت زوجتي .. “تذكر نحن غرباء هنا ولديك طفلة صغيرة..فأنتبه لعملك ودع الناس وشأنهم.”
ولكن …..
……….
قررت أن أبقى بعد انتهاء عملي .. أراقب الرجل على أعرف متى يغادر المكان ، والى أين يذهب. أبلغت زوجتي بأن لدي عمل إضافي وأنني سأتأخر . سرت لذلك ……فهذا يعني دخلا إضافيا ….. قهرني الشعور بالذنب ….ولكن…..
أمضيت ساعات طويلة من المساء وبعض الليل والرجل لا يتحرك …
هذا مستحيل …! لا بد له من الذهاب هنا أو هناك ..
لا يتحرك ….
لملمت أشتات هزيمتي وعدت مع أخر باص ينطلق من وسط المدينة
طالعته من نافذة الباص …واقف هناك كالأشجار.
أصبحت أكره الشجر …سأقتلع شجرة يوما ما…
………
أخبرت زوجتي بما حدث ….
لم أصدق ردة فعلها.
هستريا من البكاء .. والألم … والصياح
حتى الصغيرة شاطرت أمها الصراخ ..
هل جننت أنت ؟….. صاحت
وهل من الجنون أن نهتم بالأشجار؟؟؟
…….
استدعاني رئيسي لمكتبه ….
“أسمع يا ابني….” قال يصوت هادئ ونبرات وقور
“لقد كنت من المتفوقين في عملك….. ولكنك مؤخرا أصبحت كثير الشرود… هل من مشاكل مع زملائك..مشاكل في البيت .. مشاكل مالية ….”
ثم أردف بعد سكون …أم هو …الحنين إلى الوطن ….؟
كيف لي أن أساعدك..؟..سألني
شكرت له اهتمامه … ووعدته خيرا……
قبل أن أخرج من مكتبه …. قال لي …
ثم… ما قصة رسومات الأشجار التي تملأ مكتبك…؟
………..
انقطعت عن الذهاب إلى العمل…
تجنبت وسط المدينة.
بقيت في البيت إحدى عشرا يوما .
لم أغادر البيت مطلقا.
لم أحادث أحد.
فقط أطالع بقعة في جدار المطبخ.
…………
في اليوم الثاني عشر غادرت زوجتي وطفلتها المنزل دونما أن تحدثني.
حلمت تلك الليلة بغابة من الأشجار تحتفي بي…………
__________________________
عن مجموعة "عيون الكبرياء " للكاتب الليبي عطية الأوجلي