Tarek007
17/06/2005, 02:15
المخابرات والأزرق
تراث خالد:
قررت السلطات العليا في بلاد ما وراء الأنهار توحيد اللباس الرسمي للمخابرات بحيث يكون اللون الأزرق هو اللون الموحد لكل عنصر فيهم، على أن يبدأ تنفيذ هذا القرار ابتداءاً من أول الشهر القادم.
وبعد أسبوع نزلت أنا وزوجتي إلى السوق لشراء ستائر جديدة لمطبخنا القديم، بحثنا فيه كله عن ستائر زرقاء فلم نجد ولو متر قماش واحد، عدنا بعدها إلى منزلنا خاليي الوفاض.
وفي بداية الشهر الجديد حيث بدأ عملياً تنفيذ القرار، ذهبت إلى وظيفتي ففوجئت بسائق حافلة الموظفين الذي هو صديق لي يرتد اللون الأزرق، نظرت إليه مستغربا،ً فأجابني بنظرة اعتذار وكأن عيناه تقولان لي: "اعذرني يا صديقي فهذا عمل إضافي وواجب وطني، وعيالي جياع، وأنا بحاجة إلى مال إضافي أسد به رمقهم".
وصلت إلى عملي ودخلت غرفة مكتبي ففوجئت باللون الأزرق الذي يرتديه زميلي في المكتب والذي رمقني بنظرة استعلاء وكأنه يقول لي: "أنا هنا لمحاربة الفساد، عملي هو كتابة التقارير حول كل مدير، كبير كان أو صغير، والمدير عندي مشكوك بنزاهته حتى تثبت براءته". تعجبت كيف يفكر هذا، وعند نهاية الدوام ذهبت ماشياً أفكر وأتأمل في الناس وفي ألوانهم البيضاء والزرقاء والسوداء فصادفت ثلاثة من زملاء المدرسة لم أرهم منذ ثمانية أعوام، كانوا يرتدون الأزرق وتعجبت كيف تمكن أكسل وأغبى من كان في مدرستنا من الالتحاق بفرع الأمن الذي يتطلب درجة عالية من الذكاء والثقافة، فررت من زملائي متذكراً المثل القائل: "عدو عاقل خير من صديق جاهل"، وتابعت سيري إلى المنزل.
وبعد حوالي شهر من الزمان بحثت بين ملابسي عن قميص أزرق، غسلته ثم ارتديته، كنت أريد الإحساس بشعور رجل الأمن، أمشي بثقة، أخيف الناس، آمر وأنهي دون أن يردعني أحد، نزلت إلى الشارع بصدر منفوخ وأنف مرفوع ففاجأتني أم محمود، جارتنا الخمسينية في العمر ترتدي تنورة زرقاء وتمشي بغرور ولأول مرة لم ترد علي التحية، وكذلك أبو عاطف خباز حارتنا كان يرتدي الأزرق ويبيع الناس بالأسعار التي يريدها، حتى عبده الشحاذ وجدته مرتدياً جلباب ممزق أزرق، ولا أدري لماذا!!، ربما ليشعر هو الآخر يشيء من الثقة وهو يتسول، نظرت حولي فوجدت الشعب كله أزرق، كل واحد يدعي يتعالى ويدعي أنه مدعوم، عندها ذهبت إلى البيت، حيث مزقت قميصي الأزرق، وبكيت.
وبعد أسبوع وبينما كنت أتمشى في أحد الأحياء القديمة اقتادني عنصران من المخابرات إلى فرع الأمن، لم أعلم لماذا؟!، لكنهما لم يكونا مرتديين اللون الأزرق!!.
تراث خالد:
قررت السلطات العليا في بلاد ما وراء الأنهار توحيد اللباس الرسمي للمخابرات بحيث يكون اللون الأزرق هو اللون الموحد لكل عنصر فيهم، على أن يبدأ تنفيذ هذا القرار ابتداءاً من أول الشهر القادم.
وبعد أسبوع نزلت أنا وزوجتي إلى السوق لشراء ستائر جديدة لمطبخنا القديم، بحثنا فيه كله عن ستائر زرقاء فلم نجد ولو متر قماش واحد، عدنا بعدها إلى منزلنا خاليي الوفاض.
وفي بداية الشهر الجديد حيث بدأ عملياً تنفيذ القرار، ذهبت إلى وظيفتي ففوجئت بسائق حافلة الموظفين الذي هو صديق لي يرتد اللون الأزرق، نظرت إليه مستغربا،ً فأجابني بنظرة اعتذار وكأن عيناه تقولان لي: "اعذرني يا صديقي فهذا عمل إضافي وواجب وطني، وعيالي جياع، وأنا بحاجة إلى مال إضافي أسد به رمقهم".
وصلت إلى عملي ودخلت غرفة مكتبي ففوجئت باللون الأزرق الذي يرتديه زميلي في المكتب والذي رمقني بنظرة استعلاء وكأنه يقول لي: "أنا هنا لمحاربة الفساد، عملي هو كتابة التقارير حول كل مدير، كبير كان أو صغير، والمدير عندي مشكوك بنزاهته حتى تثبت براءته". تعجبت كيف يفكر هذا، وعند نهاية الدوام ذهبت ماشياً أفكر وأتأمل في الناس وفي ألوانهم البيضاء والزرقاء والسوداء فصادفت ثلاثة من زملاء المدرسة لم أرهم منذ ثمانية أعوام، كانوا يرتدون الأزرق وتعجبت كيف تمكن أكسل وأغبى من كان في مدرستنا من الالتحاق بفرع الأمن الذي يتطلب درجة عالية من الذكاء والثقافة، فررت من زملائي متذكراً المثل القائل: "عدو عاقل خير من صديق جاهل"، وتابعت سيري إلى المنزل.
وبعد حوالي شهر من الزمان بحثت بين ملابسي عن قميص أزرق، غسلته ثم ارتديته، كنت أريد الإحساس بشعور رجل الأمن، أمشي بثقة، أخيف الناس، آمر وأنهي دون أن يردعني أحد، نزلت إلى الشارع بصدر منفوخ وأنف مرفوع ففاجأتني أم محمود، جارتنا الخمسينية في العمر ترتدي تنورة زرقاء وتمشي بغرور ولأول مرة لم ترد علي التحية، وكذلك أبو عاطف خباز حارتنا كان يرتدي الأزرق ويبيع الناس بالأسعار التي يريدها، حتى عبده الشحاذ وجدته مرتدياً جلباب ممزق أزرق، ولا أدري لماذا!!، ربما ليشعر هو الآخر يشيء من الثقة وهو يتسول، نظرت حولي فوجدت الشعب كله أزرق، كل واحد يدعي يتعالى ويدعي أنه مدعوم، عندها ذهبت إلى البيت، حيث مزقت قميصي الأزرق، وبكيت.
وبعد أسبوع وبينما كنت أتمشى في أحد الأحياء القديمة اقتادني عنصران من المخابرات إلى فرع الأمن، لم أعلم لماذا؟!، لكنهما لم يكونا مرتديين اللون الأزرق!!.